دراسة لمخطوط مصحف (حكيم أوغلو) رقم (3)
كتابُ الله -عزّ وجل- أغنَى الغِنَى، وأعزُّ ما المؤمن به اعتنَى؛ ولذلك عكَفَت الأمة عليه ولم تَرجع إلَّا إليه، فكان حظُّه من الكتبِ الأوليَّة، ولم تزل مُنصرِفةً إليه الهِمَمُ العليَّة، فحُفِظَت حتى نُسَخه، واختبأت في الخزائن صُوَرُه وطُرَزُه، وهذه نسخة من تلك النُّسَخِ الشريفة نتعرَّض لها ونخصّها بالشرح من جانبَين: مادِّي، وعلميّ.
الجانب المادِّي:
1) بيانات الحفظ والخطِّ.
2) الزخرفة والتذهيب.
3) تاريخ النَّسخ.
4) حالة النُّسخة.
الجانب العلمي:
1) النَّقط والإعجام.
2) الرسم العثماني في هذه النُّسخة.
3) عدد الآيات وأسماء السور.
أولًا: الجانب المادِّي:
1- بيانات الحفظ والخطِّ:
نسخَة من أسرار خزائن إسطنبول، محفوظة بمكتبة (حكيم أوغلو) تحت رقم (3) في اثنتَين وستين ورقة، أفقيّة الشّكل، ومِسطرتُها خمسة أسطر للصفحة الواحدة إلَّا الورقة الأخيرة ثلاثة أسطر، منسوخة بخطٍّ كوفيٍّ كبيرٍ متباعدِ الأحرف مبسوطٍ، غير منقطة بنَقط الإعجام، وإنما ثبت فيها علاماتُ ظالمِ بن عمرو أبي الأسود الدُّؤَليِّ بنُقطةٍ حمراء فوق الحرف للفتح، وأسفل الحرف للكسر، وبين يديه للضمِّ، أو نُقطتين للتنوين، ونقطة خضراء للهمز.
2- الزَّخرفة والتَّذهيب:
في كلٍّ من الورقة الأولى والورقة الأخيرة لوحتان استهلاليتان، مزوَّقتان بالأشكال النباتيَّة الهندسيَّة، المعشَّقة بالزَّهر، المؤطَّرة بالتِّيجان، المتحلِّقة حول الزركشات المتوزِّعة على صُرَّتها وأَركانها، ملونتان بالصُّفرة والحُمرة والخُضرة على خلفية ذهبية مطفأة، تحيط بها أربعة إطارات مختلفة اللون على أرضية زرقاء، وقد أُطِّرت أوراق النُّسخة بإطارات زَيتية ذهبية حمراء.
ويُلاحظ أنَّ فواتح السّور يستَفتِحُها بتاج ذهبيّ، ثم اسم السورة وعدد الآيات مرسومة بالذهب.
وقد يقفُ في رؤوس الآيات على شكل زهرة مُختبئَة بين الحروف ملونة بالذّهب غير واضحة للناظِر إلَّا عند التلاوة، مع كِبَرِ الحرف، واتساع الكلمة، وبَسْطِ الجُملة، وافتِراشِها على السطر.
ويُرمِّزُ أحيانًا للعُشُور برَسم دائرة مذَهَّبة غير واضحة، بها نتُوءات زرقاء رُسِم فيها كلمة (عَشْر) باللون الذهبيّ، وللسجدة بدائرة أوسع يُحِيطها النَّقط الذهبيّ على خَلفيَّة زيتيَّة مكتوب فيها كلمة: (سجدة) كذا بالذّهب.
3- تاريخ النَّسخ:
لم يُدوَّن على هذه النسخة أيّ تاريخ نسخ أو اسم ناسخ يشير إلى وقت نسخها أو إلى الحقبة التي كُتبت فيها، إلا أنَّها تُقَدَّر بحسب الخطّ الذي كُتبت به، والقلم والورق المستخدم فيها، بأنَّها من مكتوبات القرن الرابع الهجري.
4- حالة النُّسخة:
هذه النسخة إنْ ثَبتت قرينة أخرى أنها من نَسخ القرن الرابع أو قبله فهي من أجود النُّسخ ورقًا وحِبْرًا، فقد أصاب أوراقَها بعضُ الوَهَن بسبب الرُّطوبة، مما أثَّر على حِبْرها ومَادَّتها بعض التأثير الذي لم يقلِّل من فائدتها وأهميتها، فذهب اليسير من حِبْرها في الورقة [2/ب]، [5/أ]، [9/أ]، [12/ب]، [14/ب]، [15/أ]، [17/أ]، [18/أ]، [20/ب]، [21/ب]، [24/ب]، [25/أ]، [27/أ]، [45/أ]، [46/أ]، [61/أ].
وفيها بعض الخُروم في نهاية الآية الخامسة والأربعين من سورة العنكبوت، في نهاية الورقة [2/أ] عند كلمة: {الفحشاء} انقطعت الآيات إلى قوله: {يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ} في أول الورقة التالية من الآية السابعة والأربعين من نفس السورة.
ثانيًا: الجانب العلمي:
1- النَّقط والإعجام:
كانت النُّسخ القديمة تُكتب خالية عن أيِّ زيادة؛ حرصًا من السّلَف الصالح على بقاء المصاحف مجرَّدة كما وصَلَتهم؛ ولكن لمَّا دخل غيرُ العرب بعد الفتوحات في الإسلام دخل اللَّحنُ إلى اللسان الناطق بالقرآن ممَّا استدعى أن تُضبَط الحروف حتى يُضْبَط النُّطق، فقام أبو الأسود الدُّؤَلي بحقِّ هذه المهمَّة أمثل قيام، فاختَرع وسيلة ترمز لكلّ حرف برمزٍ معيَّن لا يختلط غيره معه، فاتخذ كاتبًا وقال له: «إذا فتحتُ شفتَيَّ فانقط واحدة فوق الحرف، وإذا ضممتُهما فاجعل النُّقطة إلى جانب الحرف، وإذا كسرتُهما فاجعل النُّقطة في أسفله، فإن أتبَعْتُ شيئًا من هذه الحركات غنَّة فانقط نقطتين». فابتدأ المصحف حتى أتَى على آخره.
وأخذ عن أبي الأسود ميمونُ الأقرن، وأخذ عن ميمون الأقرن الخليلُ بن أحمد، وزاد الخليل في ذلك فجعل على الحرف المشدّد ثلاث شبهات وأخذه من أول شديد، فإذا كان خفيفًا جعل عليه خاء وأخذه من أول خفيف، وقال أبو الحسن بن كيسان: قال محمد بن يزيد: الشّكل الذي في الكتب من عمل الخليل، وهو مأخوذ من صور الحروف فالضمَّة واو صغيرة الصورة في أعلى الحرف لئلَّا تلتبس بالواو المكتوبة، والكسرة ياء تحت الحرف، والفتحة ألف مبطوحة فوق الحرف[1].
وتوقَّفَت النسخة عند أداة أبي الأسود فلم تتجاوزه، فاستخدم الناسخُ النُّقَط الحمراء التي ميَّز بها علامات النطق في الفتح والضمِّ والكسر، واستخدم نقطة خضراء للدلالة على الهمز.
2- الرَّسم العُثماني في هذه النُّسخة:
التزم الناسخ في هذه النسخة بالرسم العثماني التزامًا شبه كُلِّي، ولم يخرج عنه إلَّا في بعض المواضع، ونذكر من ذلك:
3 - عدد الآيات وأسماء السّور:
وهذه النسخة بمُجمَلها لم تحتوِ القرآنَ كاملًا، بل بدأ بالآية الثالثة والأربعين من سورة العنكبوت إلى نهاية سورة الأحزاب، وقد اختلفت واتَّفقت بعض الأسماء وعدد الآيات، مثل سورة {الروم}، كُتب فيها أنَّ عدد آياتها ستون، خالف في ذلك المدني الأخير والمكِّي ووافق الباقين، وسورة {لقمان} جعلها أربعًا وثلاثين موافقًا الجميع إلَّا المدنيَّين والمكِّي حيث جعلوها ثلاثًا وثلاثين، ثم سورة {السجدة} سمَّاها بــ{التَّنزيل}، وجَعل عدد آيِها تسعًا وعشرين بدل ثلاثين، موافقًا البصري مخالفًا الباقين، ثم {الأحزاب}، وجعلها كما اتَّفقت الأقوال على أنَّها ثلاث وسبعون[2].
خاتمة:
بعد النظر والتدقيق في هذه النسخة واستخراج القرائن، انتهينا إلى أنَّها من أقلام القرن الرابع أو ممَّا بعده، بدلالة الزخرفة المُزركشة عليه، وهي ممَّا لم يكن موجودًا في نُسَخ المتقدِّمين، ولم يكن لهم عناية به في القرنين: الأول، والثاني، بل ربما تتعدَّاه إلى الثالث، اللهمَّ إلَّا بعض رسائل الملوك والسلاطين، ولا دليل على أنَّها كانت في حيازتهم، ثم إنَّ الورق والغلاف ونوع الحِبْر الذي ما زال مُشرقًا في غالب النُّسخة لا يشابه تلك النُّسخ القديمة النادرة مع احتمال أن تكون يدُ التعديل قد طالته، ولربَّما تظهر قرينة آجلة لم تستَبِن لي تحدّد زمنها، والحمد لواهب العقل.
مواد تهمك
- دراسة لمخطوط مصحف (رئيس الكُتَّاب) برقم (1) - المكتبة السُّليمانية بإستانبول
- دراسة لمخطوط مصحف مكتبة بلدية إستانبول رقم (04)
- دراسة لمخطوط مصحف مكتبة أحمد باشا برقم (1) - مكتبة كوبريلي بإستانبول
- دراسة لمخطوط المصحف المحفوظ بمكتبة دار العلوم برقم (88012)
- دراسة لمخطوط مصحف (نور العثمانية) برقم (17) - المكتبة السُّليمانية بإستانبول
- دراسة لمخطوط مصحف مكتبة قيسري راشد أفندي برقم (4) - تركيا