قراءة في كتاب «علم أصول التفسير؛ محاولة في البناء»
للدكتور مولاي عمر بن حماد

يُعد كتاب «علم أصول التفسير؛ محاولة في البناء» محاولة فريدة لبلورة مكونات أصول التفسير، لا سيما مع حالة الاختلاف بين الكتابات في ساحة هذا الفنّ. فما هي الأبعاد المنهجية لهذه المحاولة؟ وما الذي تمخَّضت عنه من رؤى وتصورات؟ وما أبرز مزاياها والمآخذ عليها؟ هذا ما تحاول هذه القراءة الكشف عنه والتعليق عليه.

  يعدّ التأليف في أصول التفسير أحد الميادين التي تتسم بالجِدَة والحداثة؛ حيث خلا التاريخ العلمي للتفسير -كما هو معلوم- من هذا الشقّ التأصيلي والتنظيري الضابط للتفسير، ولا شك أن الميادين الجديدة تحتاج فيما تحتاج إليه إلى الكثير من التأصيل والتنظير حتى تتحرر مفاهيمها وتنضبط أنساقها وتظهر محددات السير فيها، وبرغم ظهور ذلك وفرط أهميته، إلا أن المطالع لحركة التأليف المعاصر في أصول التفسير -مما يحمل في عنوانه وَسْم أصول التفسير ويتجه إلى تجريد الكلام فيها كنسق كُلّي له موضوعاته ومسائله- يلحظ غياب ذلك عن أغلبها، حيث تقلُّ فيها أو تكاد تنعدم حركة التأليف التي تنشغل بالبناء النظري لفكرة أصول التفسير في ذاتها وطبيعتها وما تتركب منه، والمسوغات المنهجية لمثل ذلك... إلى آخر هذه المسائل النظرية المهمّة التي تُيَسِّر للبحوث والتآليف فيما بعدُ نسقَ ممارسة الكتابة في أصول التفسير، وتنير لها دروب التطبيق؛ فغالب التأليف المعاصر يتجه إلى الكتابة رأسًا في أصول التفسير، وسرد وتعديد موضوعاتها ومسائلها وقضاياها بشكلٍ مباشرٍ، وهو الأمر الذي يفتح أبوابًا عِدَّة من التساؤلات حول طبيعة هذا التأليف وما يزخر به من قضايا ومسائل، والكيفية التي جرى بها نسبةُ ذلك كله لأصول التفسير؛ لتجعله بين عشية وضحاها فنًّا موجودًا وقائمًا له أنساقه وموضوعاته ومسائله التي يتوارد عليها الكَتَبَة والمصنِّفون، وهو الفنّ الذي كان يعاني بالأمس القريب من ضعفٍ كبيرٍ، ويشتكي العلماء من فراغ التاريخ منه، فكيف جرت هذه النسبة وكيف أضحت هذه الموضوعات موضوعات لأصول التفسير؟!

وتأتي أهمية هذا الكتاب الذي بين أيدينا في أنه يُعَدُّ محاولة شديدة الندرة في سبيل النظر لأصول التفسير ذاتها وبلورة صورتها ورسم ملامحها، فهذا الكتاب الذي عُنون بـ «علم أصول التفسير؛ محاولة في البناء» انطلق -كما ذكر في مقدمته- من فرضية مفادها «أن أصول التفسير علم مستقل بكلّ ما تعنيه كلمة علم من معانٍ وأبعاد...[و] أن هذا العلم إن لم نَقُلْ أنه لم يَقُمْ بعدُ، فهو بدون أدنى تردد لا يزال في حاجة ماسّة إلى جهود كثيرة لإبراز مباحثه والتعريف به وبلورته، وإخراجه في صورة علمية مُرْضِية تليق بشرف مادته التي هي القرآن؛ فالمحاولات التي كُتبت في هذا الباب يوجد بينها تضارب في الاصطلاح والمضمون»؛ ومن هنا تأتي فرادة هذا الكتاب وأهمية تسليط الضوء عليه؛ لنتعرف على الجهد الذي قام به في ذلك الباب.

الكاتب

خليل محمود اليماني

باحث في الدراسات القرآنية، عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر، له عدد من الكتابات والبحوث المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))