قراءة في كتاب «التفاسير المختصرة؛ اتجاهاتها ومناهجها»، تأليف: د. محمد بن راشد البركة

اعتنى كتاب «التفاسير المختصرة» لمؤلفه د. محمد بن راشد البركة بتسليط الضوء على عددٍ من التفاسير المختصرة، ودراسة مناهجها واتجاهات مؤلفيها والموازنة بينها، في دراسة حافلة قاربت الألف صفحة، تُعَدّ جديدةً في بابها. وهذه القراءة تسلط الضوء على هذا الكتاب، وتستعرض أهدافه ومحتوياته، وأبرز مميزاته، وأهم الملحوظات حوله.

  لا يخفى على متأمِّلٍ مدى عناية علماء المسلمين بكتاب الله تعالى، والتصدِّي لبيان معانيه، كما لا يخفى هذا التنوُّع الواسع في طرائق عرض تفسيره، والذي يظهر في مصنَّفات التفسير المتنوعة في أغراضها، وأساليبها، واتجاهات مؤلفيها، وغير ذلك من مظاهر التنوع، والتي منها: التنوُّعُ في أحجامها؛ بين موجَزٍ ومبسوطٍ ومتوسِّطٍ بينهما.

وقد انصبَّت عنايةُ أغلب الباحثين في مناهج المفسِّرين على التفاسير المطوَّلة دون المختصرة، وربما كانت هذه العناية بالمطوَّلات لاعتبار مختصراتها فرعًا عنها، فيُكتفى بدراسة أصولها، أو لاتساع مساحة البحث الذي يتيحه طولُ هذه التفاسير على عكسِ التفاسير المختصرة، خاصَّةً إذا كانت مختصرةً ابتداءً لا اختصارًا من أصل.

ورغم حضور ظاهرة الاختصار في التفسير في المكتبة القرآنية قديمًا وحديثًا إلا أنها لم تلقَ العنايةَ اللائقةَ بها من الدراسة والتحليل، وظلَّت الدراسات في مناهج المفسرين خلوًا عن دراسات جادَّة في هذا المجال، إلا أبحاثًا جزئيةً في قضايا فرعية تفتقر إلى كثيرٍ من التأصيل والتكميل، إضافةً إلى كونها لا تعالج الإشكالات النظرية المحورية المتعلقة بهذه الظاهرة.

وأول سؤال ينبغي أن يُطرح عند التعرُّض لهذه الظاهرة: ما المراد بالاختصار في التفسير؟ وما هو حدُّ التفسير المختصر، والذي يُمكن من خلاله الحكمُ على كتابٍ أنه تفسيرٌ مختصر أو لا؟ وما هي ضوابط الاختصار ومحدِّداته، والتي يُحكَم من خلالها على المختصر بالجودة أو القصور؟

وكذلك دراسة تاريخ هذه الظاهرة، وما الأسباب التي أدَّت إلى ظهورها؟ وما أثر هذه الأسباب في صنيع المختصِرين؟ وبالنسبة للتفاسير المختصرة من غيرها: ما أسباب تعدُّد المختصرات للتفسير الواحد في بعض التفاسير، وعدم ذلك في غيرها؟ وما المعايير التي يُوازَن بها بين هذه المختصرات؟

ثم إنَّ إجابةَ هذه التساؤلات يستلزم جمعًا لهذه المختصرات وتعريفَها وتصنيفَها، وهو مفتقَدٌ -أيضًا- في دراسات مناهج المفسرين، بل إنّ كثيرًا من هذه المختصرات غيرُ مشتهرٍ رغم تعدُّدها وكثرتها، وبعضها مشتهر باعتباره أصلًا لا اختصارًا رغم كونه اختصارًا لغيره، وربما بتصريح مؤلفه بذلك.

كلّ هذه التساؤلات تكشفُ الحاجةَ إلى دراسةٍ جادَّةٍ لهذه الظاهرة، والمؤلفاتِ المتعلِّقة بها، والعنايةِ بجمع أسماء هذه المختصرات، والتعريفِ بمناهج مؤلفيها، إلى غير ذلك من القضايا المتعلقة بها.

ومن هنا تأتي أهمية هذه الكتاب الذي نعرض له في هذه القراءة -وأصله رسالة دكتوراه في قسم القرآن الكريم وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- والذي أجاب عن بعض هذه التساؤلات، وفتح الباب للبحث في إجابة بعضها الآخر؛ حيث اعتنى بتسليط الضوء على عددٍ من التفاسير المختصرة، ودراسة مناهجها واتجاهات مؤلفيها، والموازنة بينها، وقدَّم بين يدي ذلك بتعريف الاختصار، وذِكر طرقه، وأهم الظواهر المشتركة في التفاسير المختصرة، في دراسة حافلة قاربت الألف صفحة، تُعد جديدةً في بابها، وتفتح آفاقًا واسعة للعناية بهذا النوع من كتب التفسير.

الكاتب

محمد مصطفى عبد المجيد

حاصل على ماجستير التفسير وعلوم القرآن، وله عدد من المشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))