قراءة في كتاب (الاختيار عند القُرَّاء)، تأليف: د. أمين بن إدريس فلَّاته

تُعد قضية الاختيار واحدة من أشكل قضايا علم القراءات، وقد سعى كتاب (الاختيار عند القراء) في مقاربتها ودراستها اصطلاحًا وتاريخًا وأثرًا وضوابط، وتأتي هذه القراءة للكتاب لتستعرض محتوياته، وأهم الإشكالات التي تناولها، مع بيان ما له وما عليه.

  لا يخفى على المشتغلين بعلم القراءات حضورُ مصطلح (الاختيار) في كتب القراءات؛ مِن ذكر اختيارات القُرَّاء والرُّواة والأئمة في بعض الأحرف القرآنية، بل لا يكادُ يكتمل التصوُّر عن القراءات القرآنية في بنائِها المُحكَم الذي استقرَّت عليه إلا بالتعرُّض لقضية الاختيار؛ حيث كان الاختيار هو صنيع القراء الأوائل، وصنيع بعض الرواة عنهم، وامتدَّ ذلك في الطُّرق لكل رواية من الروايات القرآنية المعروفة.

ولا يقتصر حضور هذه القضية على كُتُب القراء فقط؛ بل كانت بارزةً لدى بعض المفسرين خاصةً المتقدِّمين منهم، وتجلَّت في تعاملهم مع بعض القراءات القرآنية، وترجيح بعضها على بعض، وتعليل ذلك بعِلَلٍ مختلفة، كما حضرت عند النحويين في اختياراتهم المبنيَّة على قواعد العربية والأصول النحوية، والتي احتلَّت مساحةً كبيرةً من الأخذِ والردِّ في العديد مِن كتب التفسير.

وهذا الحضور لقضية الاختيار -اصطلاحًا وتطبيقًا- في كتب القراءات والتفسير وغيرها يطرح عددًا من التساؤلات التي تفتقر إلى جواب: ما المراد بالاختيار؟ وما الفرق بينه وبين القراءة؟ وما الدواعي التي تدعو القارئ أو المفسِّر أن يختار بين القراءات؟ وإلى مدى يصحُّ هذا الفعل؟ وإن صحَّ فما هي ضوابطه؟

ثم إن حضور الاختيار بقوة عند المتقدمين بخلاف المتأخرين يُثير عدةَ أسئلة حول تاريخ الاختيار: متى نشأ؟ وما مراحل تطوره حتى بلغنا الصورة النهائية التي استقرَّ عليها الأمر في التعامل مع القراءات القرآنية؟ ومَن هم الذين اشتُهروا بالاختيار؟ وما أسباب شهرتهم؟ ومَن مِنهم قُبِل منه اختياره؟ ومَن رُدَّ عليه؟ وما هي معايير أهل العلم في القبول أو الردِّ؟

وبرغم أهمية هذه القضية وكثرة الأسئلة المتعلقة بها، إلا أن الناظر يلحظ ندرة المؤلفات التي اعتنت بمقاربتها والتأصيل لها والبحث في مسائلها، حيث لم تظفر المكتبة الإسلامية -ومكتبة القراءات على نحو أكثر تحديدًا- بمؤلَّفات تعالِج هذه المسألة، وتحرِّر اصطلاحاتها، وتُسلِّط الضوء على نشأتها، وتُبرِز مراحلها وأطوارها عبر التاريخ، والآثار التي نجمت عنها، إلى غير ذلك من المسائل التي ترتبط بهذه الظاهرة.

ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب: (الاختيار عند القراء؛ مفهومه، ومراحله، وأثره في القراءات)، وأهمية تناوله بالقراءة والتحليل، لا سيما أنه قد تصدَّى لتناول قضية الاختيار تناولًا متكاملًا من جوانب عدة، وعالج العديد من التساؤلات التي تتعلَّق بهذه القضية، حيث عرض لمصطلح الاختيار ذاته، وتتبَّع نشأة الاختيار، ومراحله عبر التاريخ، وضوابطه، وأثره في علم القراءات، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بهذه القضية.

فكيف تعامل المؤلِّف مع هذه القضية الشائكة واسعة الأطراف كثيرة المنازع؟ وكيف استطاع أن يتناولها منهجيًّا في كتابه؟ هذا ما تسعى هذه القراءة إلى بيانه والكشف عنه.

الكاتب

محمد مصطفى عبد المجيد

حاصل على ماجستير التفسير وعلوم القرآن، وله عدد من المشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))