موقع تفسير وانطلاقته الجديدة (١- ٢)

أعاد «مركز تفسير» إطلاق موقعه مؤخرًا وفق رؤية جديدة وتقسيم مختلف، تعرّف في هذا الحوار مع أ.د/ الشهري -المدير العام لمركز تفسير- على تجربة المركز على الفضاء الإلكتروني بصورة عامّة، وأبرز ملامح الإطلاقة الجديدة لـ«موقع مركز تفسير»، وأهم سماتها وموضعها من قضية تطوير الدراسات القرآنية، والمتغيّا من هذه الانطلاقة في إفادة هذا الحقل الشريف وباحثيه.

  تُعَدّ المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت من أكثر الوسائل المعاصرة التي يمكن عبرها تداول الأفكار ونشرها في مختلف الأماكن والبلدان؛ ومن ثم لقيت اهتمامًا من قِبَلِ غالب المنظمات والمؤسسات التي تهدف إلى إيصال رسالتها ونشر أفكارها بين الناس.

وقد كان لـ«مركز تفسير» ريادة قوية في ولوج الفضاء العنكبوتي منذ سنوات عديدة، والذي استفاد منه في طرح إفادات عديدة ومتنوعة للمتخصصين في القرآن الكريم وعلومه وسائر شداة هذا التخصص ومحبيه والمهتمين به والراغبين في تنمية معارفهم فيه، من خلال إطلاقه لـ«موقع مركز تفسير» وغيره، وطرحه لعددٍ من التطبيقات المميزة، والتي حصد بعضها جوائز مهمّة؛ كتطبيق «آية»، الفائز بجائزة الكويت الدولية للقرآن الكريم كأفضل تطبيق قرآني لعام 2017م.

وفي هذا الحوار مع أ.د/ عبد الرحمن الشهري[1] -المدير العام لمركز تفسير، والمشرف العام على شبكة تفسير للدراسات القرآنية- نحاول أن نتعرف إجمالًا على أبرز ملامح تجربة مركز تفسير في الفضاء العنكبوتي بوجهٍ عامٍّ، مع تسليط الضوء بصورة أكبر على الانطلاقة الجديدة لـ«موقع مركز تفسير»، وأهم قسماتها وموضعها من قضية تطوير الدراسات القرآنية التي تمثل الرؤية العامة لمركز تفسير، والمنتظر والمتغيّا من هذه الانطلاقة في إفادة حقل الدراسات القرآنية وباحثيه.

وقد تطرق أ.د/ الشهري في حواره معنا حول الإطلاقة الجديدة لـ«موقع مركز تفسير» إلى عددٍ من القضايا والمسائل المهمّة، وفي هذا الجزء الأول من الحوار سوف نسلط الضوء على محورين فقط يتصلان بتجربة «مركز تفسير» في الفضاء الإلكتروني ورؤية أ.د/ الشهري لواقع المنصات والمواقع الإلكترونية ودورها في خدمة البحث، وكذا بالانطلاقة الجديدة لـ«موقع مركز تفسير»، وبيان ما يقف خلفها من رؤى وأفكار، ومراحل إنجازها، وما يحمله الموقع من أقسام ومسارات.

وفي المحور الأول للحوار استعرض أ.د/ الشهري تجربة المركز الماضية على الشبكة وأسباب الاهتمام الباكر للمركز بهذا الجانب، وانتقد قلّة حضور المواقع العلميّة القادرة على إثراء الباحثين بصورة دقيقة مقارنة بغيرها من المواقع الإخبارية والتثقيفية العامّة، كما نعَى ضعف الوعي بأهمية استثمار الفضاء الإلكتروني بصورة عامّة واستغلال إمكاناته لدى العديد من المؤسّسات والمراكز ذات البعد الإسلامي، والتي لا يزال إقبالها على هذا الفضاء ضعيفًا ويعاني من قصورٍ شديدٍ.

وكذلك أكّد على أهمية التخطيط الاستراتيجي لاستثمار الفضاء الإلكتروني من قِبَلِ مختلف المؤسسات، وعدم تركه للمبادرات الفردية ولآحاد المراكز بحيث يتسنى لنا الحديث عن مواقع ومنصات إسلامية بصورة جيدة.

وقد تناول أ.د/ الشهري في المحور الثاني الرؤية الكلية التي صدر عنها التطوير الأخير لـ«موقع مركز تفسير»، والفلسفة التي كانت خلف هذا التطوير وتلك الإطلاقة الجديدة للموقع، كما فصّل في استعراض أقسام الموقع وغاياتها، وَبَيّنَ أبرز محطّات تطوير الموقع، وكيف تمّت، وكيف كانت خطواتها على نحوٍ دقيق وموعِب، وفيما يلي نصّ الحوار.

نص الحوار

المحور الأول: تجربة «مركز تفسير» في الفضاء الإلكتروني ورؤية أ.د/ الشهري لواقع المنصات والمواقع الإلكترونية ودورها في خدمة البحث العلمي:

 س1: في البداية نوَد لو تطلعونا على تجربتكم مع الشبكة العنكبوتية ورحلتكم معها، لا سيما وأنكم أصحاب تجربة حافلة في هذا الفضاء، وأهم الأسباب التي قادتكم إلى ولوج هذا الفضاء وسرّ اهتمامكم المبكر به؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فقد ابتدأت تجربتنا على الشبكة العنكبوتية بتأسيس «ملتقى أهل التفسير» كمنتدى حواري عام 1423هـ، والذي أردناه أن يكون حاضنة للمتخصصين في الدراسات القرآنية، يتدارسون من خلاله مختلف القضايا العلمية والبحثية، ويعبرون من خلاله عن أفكارهم ورؤاهم، وقد لقي الملتقى نجاحًا كبيرًا في عامه الأول؛ للحاجة الماسّة إليه، وقد كان وجود الملتقى سابقًا على فكرة وجود «مركز تفسير» ذاته، بل إنّ إطلاق هذا الملتقى هو الذي ولّد فكرة المركز لدينا.

وبعد أن أسسنا «مركز تفسير» بحمد الله بمدة كان من الضروري أن يكون للمركز واجهة إلكترونية تعبر عنه، وتبرز رؤيته ورسالته وأعماله وجهوده ... إلخ، ومن هنا أطلقنا «موقع مركز تفسير».

ثم تتابعت بعد ذلك الجهود على الشبكة، فطرحنا عددًا من التطبيقات الإلكترونية التي تؤدي عددًا من الخدمات المهمّة لمحبي القرآن الكريم وعلومه؛ كتطبيق «آية»، والذي نال جائزة الكويت الدولية للقرآن الكريم كأفضل تطبيق قرآني بحمد الله، وتطبيق «الكشاف» مؤخرًا،  والذي هو عبارة عن مكتبة قرآنية بها العديد من المزايا والخدمات المهمّة لطلبة العلم والباحثين؛ حيث يضم هذا التطبيق أكثر من (50) كتابًا وأكثر من (490) مجلدًا في أكثر من (200) ألف صفحة، مع إمكانية البحث بطريقة علمية؛ ليسهل على طالب العلم الوصول إلى المعلومات الموثّقة، وغير ذلك من الخدمات.

وهناك بعض المشروعات المهمّة نحن على وشك الانتهاء منها، وستظهر قريبًا -بإذن الله تعالى- على الشبكة.

وأما ما يتعلق بسبب توجهنا إلى الفضاء الإلكتروني وسرّ اهتمامنا به؛ فهو راجع بالأساس لما لهذا الفضاء الرقمي من أهمية، وما يحمله من إمكانات ضخمة وهائلة في التعريف بالأفكار ونشرها وإتاحتها بصور عديدة وميسورة لمختلف الباحثين والراغبين في العلم والمعرفة، ومن ثم كان التوجه إليه ومحاولة استثماره في خدمة أفكارنا ورؤانا في باب الدراسات القرآنية ضروريًّا؛ حتى نتمكن من خدمة أكبر عددٍ ممكنٍ من الباحثين والمتخصصين وشداة علوم القرآن بوجهٍ عام، وفتح قنوات للتواصل البنّاء معهم على أكثر من صعيد.

س2: هناك عدد كبير من المنصات والمواقع الإلكترونية التي أصبحت متاحة على شبكة الإنترنت الآن، والتي تهتم بالمسائل الثقافية والمعرفية، لكن هل ترون هذه المنصات والمواقع قادرة على تطوير أو إشباع النهم البحثي لدى الدراسين المتخصصين وأصحاب الاهتمامات الدقيقة؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

لا شك أنّ كلّ منصة تنشأ يكون لها أهدافها الخاصّة وغاياتها التي تخدم أفكارها ورسالتها، وبالتالي فهناك منصات تقصد قصدًا واضحًا لإكساب جمهورها نوعًا من الثقافة العامة والمتنوعة غير المرتبطة بمجالٍ محددٍ، وهناك منصات تنهض بالأساس لخدمة المتخصصين في مجالٍ محددٍ، بِغَضِّ النظر عن طبيعة الخدمات التي تقدمها لهم، فهناك مثلًا منصات تخدم المتخصصين بتوفير المكتبات والكتب، وهناك منصات تتيح للمتخصصين التواصل مع أساتذة كبار، وهناك منصات تركّز على إفادة المتخصص بمقالات وبحوث ومواد علميّة في تخصصه، وهكذا تتنوع الخدمات التي تقدم للباحثين المتخصصين في مجال معين، لكن الملاحظ في هذا السياق أمران مهمّان من وجهة نظري:

الأمر الأول: قلّة هذه المنصات في ذاتها، أعني المنصات المعنية بتقديم خدمات تخصصية للباحثين في مجالٍ محددٍ، مقارنة بالمنصات التي تقدم محتوى معرفي عام.

الأمر الثاني: هذه المنصات مهما تعددت خدماتها، إلا أنها تتوقف في إفادتها للمتخصّص عند حدود معينة، ويتعذّر عليها -غالبًا- الإحاطة بمختلف الجوانب اللازمة لنفع المتخصّص، والتي تمثّل حاجة ملحة بالنسبة إليه، فلهذا السبب وسابقه لا أرى هذه المنصات في الجملة تسدّ نَهَمَ الباحث بما يكفي، وإن كانت لا شكّ تقدّم له بعض الخدمات المهمّة والمفيدة.

س3: لو خصصنا كلامنا بالمجال الإسلامي، فكيف ترون حال المواقع والمنصات الإلكترونية في هذا الباب، وهل الموجود منها يستطيع بالفعل إفادة الباحث صاحب الاهتمام الدقيق؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

بداية أحبّ القول بأن الوعي الإسلامي بأهمية الفضاء الإلكتروني ودوره المركزي في الدفاع عن القضايا والأيديولوجيات وخدمة الأفكار لا يزال ضعيفًا بصورة عامّة، ومع أن هناك وجودًا لبعض المنصّات ذات التوجه الإسلامي والدعوي التي ظهرت على الساحة مؤخرًا، والتي لا تنكَر ريادتها وجودتها؛ إلا أنني أظنّ أنّ المنصات الإلكترونية ذات التوجه الإسلامي الدعوي والعلمي لا تزال ينقصها الكثير والكثير من التطوير عمومًا لتتناسب مع الطفرات الكبيرة لهذه الميادين العصرية، ولو أننا أردنا ببساطة معرفة ذلك فلننظر إلى المنصات الإخبارية مثلًا وبعض المنصات التثقيفية العامة وغيرها، فهناك فارق كبير خاصّة على المستوى التقني والفني والإداري، فهذه المنصات تقف خلفها جهودٌ تقنية وفنية وإدارية لا يمكن غضّ الطرف عنها؛ تجعل هذه المنصات مواكبة دومًا لجديد التقنية، وفي إخراج مضامينها جودة ودقة عالية، وتتسم دومًا بطرح أفكار إبداعية مميزة في تقديم وطرح محتوياتها.

ولذا فأنا أقول بأنّ الفضاء الإلكتروني وسبل استثماره يجب أن توضع له بوجه عام خطط استراتيجية مرتبة من قِبَلِ المهتمين بالقضية الإسلامية، وأن ينال حظه من الاهتمام والرعاية من قِبَلِ المؤسسات والمراكز ذات التوجه الإسلامي، وألا يتم التقليل من شأنه أو التهوين من فائدته، ومن ثَمّ تركه للمبادرات الفردية ولآحاد المراكز والهيئات؛ وإنما يجب أن تعدّ له التصورات، وترصد له الميزانيات، وتجلب له الخبرات على كافة المستويات، حتى يمكننا الحديث عن مواقع ومنصات ذات توجه إسلامي لها ريادتها وقوتها بصورة تتناسب مع حجم الرسالة التي تعمل على خدمتها.

أما عن الإفادة، فلو أننا نتكلم عن مطلق الإفادة، بِغَضِّ النظر عن الفئة المستفيدة ودرجة هذه الإفادة وآلياتها؛ فلا شك أن كثيرًا من مواقع ومنصات العمل الإسلامي فيها إفادات على مستويات عدة، وفيها جهود مشكورة، لكني أظنّ أن هناك ما هو أفضل بكثيرٍ في ضوء طبيعة هذه الأدوات العصرية وفي ضوء الإمكانات المتاحة لكثيرٍ من هذه المنصّات لو أحسن استغلالها. وأما فئة الباحثين فلكونها فئة تنشد التخصّص فأحسب أن العديد من المواقع والمنصات الحالية لا تفيدها كثيرًا؛ نظرًا لافتقاد كثير منها للعديد من الأمور المهمّة كحسن التخطيط، واستهداف الأعمال العلمية والبحثية المتخصصة، والتدقيق في جودة المطروح وترتيبه في مسارات... إلى آخر ذلك مما يحتاجه الباحث المتخصص، فكثير من المواقع والمنصات تعمل فقط على مجرد التثقيف العام، لا العمل العلمي التخصصي المرتب، وبالتالي تبقى استفادة الباحث منها متوسطة أو قليلة، وهذا لا يعني خلو المنصات تمامًا من إفادات للباحثين، ولكنه لا يزال بحاجة إلى تطوير كبير.

س4: فيما يتعلق بواقع الدراسات القرآنية وتجربتكم معها عبر الفضاء الإلكتروني، فإلى أي مدى ترون أنكم قطعتم شوطًا بما لديكم من مواقع ومنصات عديدة في الإفادة العميقة للمتخصصين والدارسين لهذا التخصص؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

طبعًا نحن في «موقع مركز تفسير» نخاطب شريحة المتخصصين بشكلٍ رئيس، وكذا نخاطب شرائح أخرى من المهتمين والمحبين لكتاب الله تعالى وعلومه بقدرٍ معينٍ؛ ومن ثم تتوزع خدماتنا على الصعيد الإلكتروني في خدمة هاتين الشريحتين بنسبٍ متفاوتة، وفيما يتعلق بخدمة الشريحة التخصصية وطرح إفادة عميقة لها تعينها في جانب البحث بشكلٍ دقيقٍ على الصعيد الإلكتروني؛ فأحبّ أن أقول بأننا نعتقد بأننا حققنا شيئًا من هذا عمليًّا على أرض الواقع، وذلك من خلال أمور؛ أبرزها:

أولًا: تجربتنا في «ملتقى أهل التفسير» على الشبكة، فهذا الملتقى كان مجالًا مفتوحًا لسائر المتخصصين لعقد النقاشات والمباحثات العلمية حول العديد والعديد من الأمور، فالملتقى أتاح للباحثين ولا يزال خدمة مهمّة تتمثل في توفير مساحة حيوية للتعبير عن الرأي والمناقشات العملية حول الهموم البحثية ومعرفة مختلف الآراء حولها، وغير ذلك من الخدمات التي زخر بها الملتقى ولا يزال.

 ثانيًا: «موقع مركز تفسير»، فهذا الموقع لدى إطلاقه حفل ببعض الخدمات المهمّة للباحثين.  

ونظرًا لكون مركزنا مركزًا علميًّا متخصصًا في الدراسات القرآنية بالأساس؛ فلا شك أن يقع في القلب منا همّ التفكير المستمر في طرح خدمات متميزة ورائدة للباحثين والدارسين والمهتمين بالدراسات القرآنية؛ ومن ثم اجتهدنا مؤخرًا في تطوير منصاتنا على الشبكة بوجهٍ عام وتطوير خدماتها لتكون أكثر نفعًا للباحثين، وهو ما ظهر مؤخرًا في إعادة إطلاقنا لـ«موقع مركز تفسير»، حيث عملنا على تطويره بما يجعله أكثر نفعًا وإفادة للمتخصصين والدارسين للقرآن الكريم وعلومه.

إنّ المنصات والمواقع الإلكترونية ليست مجرد موضع جديد أو مكان تتبوأه على الفضاء الإلكتروني، ولكنها أحيانًا تكون محاولة لتعديل هذا الفضاء بحيث يكون أكثر قدرة على إشباع احتياجات معينة، وهو ما عملنا عليه بجهدٍ في الإطلاقة الجديدة للموقع، والتي راعينا فيها جعله أكثر إشباعًا للمتخصصين، وأن يكون نافذة علمية تفيدهم إفادة جذرية، وتزودهم بجديد الهموم البحثية والأعمال العلمية الرائدة التي تسعفهم في حسن التعاطي مع تخصص القرآن الكريم وعلومه بصورة مركزة وعلى أصعدة كثيرة ومختلفة.

ونحن نأمل عبر الإطلاقة الجديدة للموقع بصورة عامة أن تكون نموذجًا يحتذى من قِبَلِ العديد من المراكز البحثية المتخصصة في تطوير منصاتها ومواقعها؛ بحيث يتكون من خلال ذلك حراك معرفي يفيد في تكوين وإشباع احتياجات الباحثين وتلبية توقعاتهم بصورة معمّقة، ولعلّ هذا سيؤدي كذلك مستقبلًا إلى تغيير نظرة الباحثين والقرّاء للمواقع والمنصات الإلكترونية، فيتعدل موقعها على خارطة مصادرهم المعرفية ومساحات اهتمامهم.

فنحن إجمالًا نستثمر ذلك الحراك الذي تم في الفترات الماضية عبر مواقع ومنصات إلكترونية وسعّت من قاعدة الاهتمام الثقافي والمعرفي لدى المتلقين في عالمنا العربي بصورة خاصة، والذي أسهمنا فيه بدورنا أيضا من خلال إطلاقنا لـ«ملتقى أهل التفسير» وغيره، ونأمل توجيه هذا الحراك -عبر إعادة إطلاقتنا لـ«موقع مركز تفسير»- في سياق تطوير هذه المنصّات والوسائط وتركيز اهتمامها المعرفي والبحثي، ومن ثم المساهمة في تغيير رؤية المراكز البحثية لها؛ لتنشط في تفعيلها والإفادة منها وكذا تغيير رؤية الباحثين لها، حتى ينشطوا للاستفادة منها كوسيطٍ جديدٍ في العمل والمقاربة البحثية التي تمثل صلب اشتغالهم.

كما أننا حاولنا المساهمة كذلك في مجال التطبيقات، والتي أطلقنا منها مؤخرًا تطبيق «الكشاف»، والذي يحوي مكتبة قرآنية مهمّة كما ذكرنا.

وأحب أن أضيف أيضًا في هذا السياق أننا بصدد إطلاق مشروع «المرصد الدولي للمعلومات القرآنية»، والذي سيكون -بإذن الله- الجهة العالمية الأولى في الرصد، والتعريف، والتوثيق، والتكشيف للإنتاج المصنف في الدراسات القرآنية؛ ومن ثم تحليله وتنسيق الجهود لخدمته.

وهذا المشروع ستكون له ريادته بإذن الله؛ إذ سيطرح ويقدم العديد من الخدمات المميزة والمهمة للباحثين والدارسين، حيث سيتيح وصولهم إلى مختلف المعلومات المتعلقة بالقرآن الكريم وعلومه القرآنية، ويقدم لهم تقارير تحليلية عن هذه المعلومات وأوعيتها واتجاهاتها وكذا فهارس وببليوغرافيا مرتبة، وغير ذلك من الخدمات المهمّة.

كما أننا بصدد إطلاق «موقع موسوعة التفسير الموضوعي»، والتي ستقدم -بإذن الله- شرحًا موعبًا لموضوعات القرآن الكريم، وستحوي أكثر من (350) موضوعًا قرآنيًّا.

المحور الثاني: الإطلاقة الجديدة لـ«موقع مركز تفسير»؛ رؤاها ومضامينها ومراحل إنجازها:

س5: تبدو ملامح تطوير الموقع ظاهرة وجلية لكلّ من يلج الموقع ويتصفحه بكلِّ تأكيد، فهناك أقسام مرتبة ومسارات علمية ظاهرة، ولكن في البداية نود لو تطلعونا على الرؤية العامة لتطوير الموقع وأهم مستهدفاته وأبعاده؟ كيف وضعت هذه الأقسام للموقع، وما هي النظرة الكلية من ورائها؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

بكلّ تأكيد هناك رؤية كلية آلت إلى هذا التطوير الذي بين أيديكم اليوم للموقع. بداية أحبّ أن أؤكد على أنّ المواقع والمنصات الإلكترونية للمؤسسات تعدّ إحدى الأدوات والوسائل التي يستعان بها لتحقيق رؤيتها ورسالتها، ومن ثم فإن المواقع والمنصات ترتبط رأسًا برسالة المؤسسات ورؤيتها، وتكون معبرة عنها مضمونًا ومنهجًا، وإلا فقدت جدواها في كونها نوافذ تعرّف بالمؤسسات وتبرز توجهاتها وتحمل جزءًا من تحقيق رسالتها؛ ولذا فإن جهد التطوير للموقع انطلق رأسًا من هذه النقطة، حيث سعينا إلى إعادة بلورة الموقع جذريًّا؛ ليصبح أكثر تناغمًا وما يعلنه المركز من رؤى واستراتيجيات في خدمة الدراسات القرآنية، وأن يكون أداة فاعلة في خدمة رسالته.

ولما كانت رؤيتنا تتمحور حول تطوير الدارسات القرآنية في مجالات متعددة؛ أحببنا أن يكون للموقع دور مهم في النهوض بذلك ودعمه، وأن يكون وسيلة رائدة لإحداث حراك علمي متميز في مجال الدراسات القرآنية يفضي إلى تثويرها وتطويرها في اتجاهات عديدة ومناح مختلفة نلحظ حاجتها إلى مثل هذا التطوير والتثوير وضرورة العمل على إحداثه وتكوينه في داخلها.

وغير خافٍ أن رؤية المجالات التي تحتاج لإحداث حراك في داخلها تتفاوت من مركز لآخر بحسب رؤيته واهتماماته بشكلٍ عامٍّ، إلا أننا حاولنا إثارة الحراك على الموقع فيما بدا لنا من ثغرات في باب الدراسات القرآنية وفجوات في واقعنا البحثي، والتي ارتأينا أهمية النهوض بها والعمل على تحريك الأجواء فيها من خلال إعطائها مساحات قوية على الموقع، وهي مجالات كثيرة؛ منها:

  • الاشتباك مع الطرح الحداثي في تناول القرآن الكريم وعلومه، وضرورة تسليط الضوء على مرتكزاته وتبين آلياته؛ ليتأتى حصول مناقشته بشكلٍ أكثر عمقًا، وهو ما خصصنا له جزءًا بارزًا من قسم المقالات.
  • وكذا ضرورة الاطلاع على النتاج الغربي والاستشراقي في الدراسات القرآنية ونقل عيونه إلى العربية؛ ليتأتّى للدارسين فهمه وهضمه، ثم مناقشته على نحوٍ أكثر دقّة، والذي خصصنا له قسم الترجمات.
  • وأيضًا طرح قراءات منهجية وتقويمية للتصانيف والمؤلفات في باب الدراسات القرآنية، تبرز إيجابياتها وسلبياتها بشكلٍ علمي دقيق يتحرر، ويبتعد قدر الطاقة عن التقويم ضمن السياقات الأيديولوجية مدحًا أو ذمًّا ومناقشة المؤلفات تبعًا للموقف العقدي والفكري... إلخ مما تعجّ به الساحات حاليًا، والذي لا يعدو كونه مجرد دعايات للمؤلفات أو تحذير منها، وهو الأمر الذي لا يمكن أن ينتج قراءات علمية ومنهجية دقيقة يستفاد منها في المراجعات النقدية للمؤلفات بصورة علمية، وفي فهم حقيقة الأوزان العلمية للمؤلفات وجدواها وإضافاتها النوعية وما لها وما عليها في إطار التخصص، والذي هو أساس لا بد منه لدفع الحركة العلمية في التخصصات وتحريكها إلى الأمام بصورة راشدة. وقد خصصنا لهذه القراءات مساحة ظاهرة على الموقع في قسم المقالات.
  • كما يلاحظ أننا حاولنا إعادة تسليط الضوء على بعض النتاج العلمي والفكري المميز في باب الدراسات القرآنية، والذي يجب ألا يُهْمَل ويُنْسى في ضوء تكاثر النتاج العلمي وتزايده، وأن يبقى للدارسين اطلاع عليه واتصال به نظرًا لأهميته، وهو ما تبلور على الموقع في تخصيص جزء من قسمي المقالات والبحوث لعيون مقالات المجلات العلمية وعيون بحوث المؤتمرات.
  • وأيضًا كان لا بد من فتح مجال للدارسين للتعبير عن رؤاهم بصورة علمية دقيقة ومؤصلة ومركزة تختلف عمّا هو مألوف في واقع الملتقيات والمنتديات وغيرها، بحيث تتراكم لدينا حركة بحثية تأصيلية لها جدتها وريادتها في الدراسات القرآنية، وكذلك العمل على توفير فرصة نشر مجانية للباحثين في باب الدراسات القرآنية، بحيث يجري التعرّف على الأقلام المميزة والعقول الجادّة في البحث في دوائر التخصص، ويفتح لها المجال لإبراز ما لديها من رؤى وأفكار وآراء؛ لتعبر عنها بصورة علمية مقالية وبحثية مركّزة، وهي أمورٌ لا تخفى أهميتها في تطوير واقع البحث في باب الدراسات القرآنية، وقد صارت قائمةً ومتاحة الآن من خلال الموقع بصورة ميسورة -من خلال قسمي المقالات والبحوث-؛ حيث يمكن للباحثين التواصل بأعمالهم المقالية والبحثية مع الموقع والذي سيتولى نشرها تباعًا بإذن الله.

ولا شك أنّ المجالات التي يتوجب الخطو إلى تطويرها تخضع للتطوير المستمر بحسب مستجدات الواقع البحثي وما يتراءى لنا فيه من ثغراتٍ وفجواتٍ ومناحٍ تحتاج لتطوير وتحريك بشكلٍ مختلفٍ.

وأما بالنسبة لأهداف الموقع؛ فلا يخفى أن أيّ عملٍ ناجحٍ لا بد له من أهداف موضوعة تحدد خطة السير فيه، وتعين على حسن التخطيط له وتقسيمه، وقد تمثلت أهدافنا في الموقع إجمالًا فيما يلي:

  1. خلق فضاء معرفي مؤصل للدراسات القرآنية على شبكة الإنترنت.
  2. تقريب معاني القرآن الكريم وتعاليمه للناس بصورة علمية ميسرة.
  3. التصدي لموجات التشكيك والطعن في القرآن الكريم وعلومه من قِبَلِ المستشرقين والمستغربين.
  4. إثراء ساحة البحث في الدراسات القرآنية بالعديد من المضامين المعرفية ذات التميّز والريادة.
  5. تكوين شبكة عالمية من المتخصصين في الدراسات القرآنية لتنفيذ المشروعات الرائدة.
  6. تنمية وعي الباحثين بمستجدات الدراسات القرآنية وتطوراتها.

س6: بخصوص ما يحمله الموقع من مضامين وأقسام؛ فإننا نلحظ أنكم أفردتم على الموقع قسمًا يبدو لافتًا للنظر وهو قسم الترجمات، فهل يمكن أن تحدثنا عن هذا القسم، من أين جاءت فكرته، وما هي أهدافه الرئيسة ومساراته؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

نعلم جميعًا أنّ النتاج الغربي الاستشراقي في باب القرآن الكريم وعلومه كثيرٌ وهائلٌ ومتزايدٌ، والحقيقة أنّ كثيرًا من المتخصصين لا يعلم عنه شيئًا؛ نظرًا لضعف حركة التعريب لهذا النتاج الغربي، حيث لم يترجم منه إلى العربية حتى الآن إلا عددٌ محدودٌ جدًّا.

وهذا النتاج الغربي شديد الخطورة؛ نظرًا لأنه رافد رئيس لتكوين الذهنية الغربية بشكلٍ عامّ عن القرآن الكريم وعلومه والإسلام بصفة عامّة، كما أنه يمثل أيضا مادة رئيسة لبعض الكتاب الحداثيين الآن في بلادنا الذين يهاجمون الإسلام ليلًا ونهارًا؛ فأغلب نتاج هؤلاء الكُتّاب يقوم على هذا النتاج الغربي.

وفي ضوء هذا كان لهذا القسم خصوصية وأهمية شديدة على الموقع؛ حيث سيُعنى بنقل عيون النتاج الغربي وترجمته إلى العربية؛ ليسهل اطلاع المتخصصين عليه، وكلّ ذلك بغرض تكوين حركة علمية في واقعنا العربي لمناقشة هذا النتاج الغربي؛ عمادها البحث المنهجي الدقيق، ومناقشة الفكر الغربي، وتقويم نتاجه بصورة دقيقة تتجاوز التركيز على نقد الأخطاء الجزئية التي نراها كثيرًا إلى النقد المنهجي، وبيان ما لهذا النتاج وما عليه بصورة علمية تتسم بالدقة والتحرير، والتي لطالما أعاقتها قلّة الترجمة في حقل الدراسات القرآنية -كما لا يخفى- وعدم إحاطة غالب المتخصصين باللغات الأجنبية.

وغير خافٍ أن تحصيل هذا الغرض يحتاج لحركة تعريب وترجمة واسعة جدًّا للنتاج الغربي وليس فقط مجرد قسم على موقع؛ ولذا فإننا سنقوم في «مركز تفسير» بشكلٍ عامّ بالقيام بترجمة بعض المؤلفات المركزية والمهمّة في النتاج الغربي في باب الدراسات القرآنية، ولا شك أن الأمر يحتاج لجهود أكبر من ذلك بكثير، ويحتاج لتضافر جهود شتى؛ حتى نتمكن من توفير الأرضية اللازمة من الترجمات لنهوض حركة بحثية قادرة على الاشتباك العلمي مع الفكر الغربي ومناقشته.

وبخصوص مسارات قسم الترجمات؛ فإن هذا القسم سيقوم بشكلٍ رئيسٍ بعمل ملفات متكاملة تتناول موضوعات واتجاهات مهمّة في الفكر الغربي، بحيث يسلط الضوء على هذه الموضوعات والاتجاهات من أكثرِ من جانب، ويكون قادرًا على تكوين أرضية علمية للباحث العربي فيها بشكلٍ مركزٍ، وقد استهلّ القسم عمله -بحمد الله- حاليًا بطرح ملف الاتجاه التنقيحي المعاصر، فهذا الاتجاه أثار زوبعة كبيرة في حقل الاستشراق؛ كونه يعتمد في طرحه على إقصاء المصادر الإسلامية في دراسة تاريخ الإسلام، وقد نَشر القسم فيه عددًا من الترجمات المهمّة التي تتناول هذا الاتجاه من أكثر من جانب، سواء بالدعاية له أو نقده ومناقشته...إلخ.

كما أنّ قسم الترجمات سيطرح أيضًا في الفترات القادمة بعضًا من الخدمات والمسارات الأخرى، إضافة لتلك الملفات سيجري الإعلان عنها في حينها بإذن الله.

وجديرٌ بالنظر هاهنا أننا نجتهد قدر الطاقة في خدمة هذه الترجمات وتقريبها وتحشيتها بشكلٍ علميٍّ دقيقٍ، وكذلك طرح مقالات ناقدة لبعضها، خاصّة تلك التي تحمل هجومًا حادًّا وآراء غير دقيقة، وكلّ ذلك مبسوط على القسم في السياسات والأهداف[2].

وعلى كلّ حالٍ؛ فبرغم صعوبة العمل في هذا القسم والذي يأخذ جهودًا عديدة، بدءًا من ترشيح الملفات ذاتها والمواد بداخلها والبحث عن مترجمين أكفاء وتحشية المواد...إلخ، ولكننا قررنا أن نسير فيه؛ لعِظم الغرض الذي نتغيّا من ورائه، والذي يجب أن تتضافر معنا جهود كثيرة لتحقيقه بإذن الله تعالى؛ حتى نتيح لجموع الباحثين والمتخصصين القدرة على التواصل الفعال مع هذا النتاج الغربي والنظر فيه بعين العلم والعدل والردّ عليه بعلم وحكمة، بما يصون القرآن الكريم ويحفظه من الأغاليط والشبهات التي تثار حوله وتتردد في الشرق والغرب.

وأخيرًا أحب أن أقول بأن هذا القسم على الموقع -وكذا سائر الأقسام حقيقة- له فرادته الحقيقية؛ نظرًا لعدم وجود أية مواقع متخصصة في تعريب الفكر الغربي حول القرآن الكريم وعلومه، ونسأل الله أن ينفع به وأن يجزي القائمين عليه خير الجزاء.

س7: فيما يتعلق ببقية الأقسام الرئيسة الأخرى للموقع كقسم المقالات والبحوث واللقاءات والحوارات، كنا نريد تعريفًا منكم بها وبيان أهميتها من وجهة نظركم؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

بداية يجب القول بأن هناك ندرة شديدة في المواقع المتخصصة في الدراسات القرآنية على الشبكة الإلكترونية وغلبة للطرح غير المؤصل في هذا الجانب، وفي قسمي البحوث والمقالات حاولنا أن نتجاوز هذا الإشكال، عبر توفير مساحة كبيرة لطرح كتابات ورؤى علمية في التخصص تفيد الباحثين بصورة دقيقة في تخصص القرآن الكريم وعلومه؛ بحيث نسهم -كما قلنا قبل- في تغيير الوعي تجاه المواقع الإلكترونية بصورة تدفع لاستغلالها من قِبَلِ المؤسسات والمراكز، وتسخير إمكاناتها في إفادة الباحثين إفادات عميقة من مناح مختلفة كما هو الحال في الواقع الغربي حاليًا، وكذا تغيير قناعات الباحثين ونظرتهم لهذه المواقع وسبل استفادتهم منها.

ومن هاهنا فإنّ لقسمي المقالات والبحوث أهمية كبيرة جدًّا على الموقع؛ إذ يوفران مساحة مهمّة للتعاطي العلمي وعرض الآراء والأفكار بصورة علمية تأصيلية، بحيث يتوفر من خلالها أمام الباحثين نقاشات علمية معمّقة ودقيقة في موضوعات عديدة، يمكنهم أن يفيدوا منها بصور شتى في تطوير أفكارهم وتكون زادًا لهم في صناعة نتاجهم العلمي بصورة عامّة.

ولا شك أنّ المتابع لحركة الكتابات في باب القرآن الكريم وعلومه يلحظ أنه يطغى على كثيرٍ منه نمط الكتابات الوعظية والفوائد...إلخ، وتقلّ فيه حركة الكتابات التي تتسم بطابع العلمية ونقاش مسائل التخصص بصورة محكمة ودقيقة؛ ولذا فإننا عبر قسمي البحوث والمقالات نأمل في إتاحة الفرصة لكتابات مقالية قصيرة وبحثية مطولة تقوم بصورة رئيسة على الطرح التأصيلي الجادّ لقضايا التخصص وتحرير مسائله وتناولها بصورة علمية مرتبة والتي لا تخفى أهمية حضورها في خدمة الدراسات القرآنية.

وهناك بلا شك مساحات -لا سيما في قسم مقالات- للكتابات التي تخاطب شريحة غير المتخصصين؛ فهذا مطلوبٌ ومهمٌّ ومرحبٌ بنشره على الموقع، إلا أننا نرغب في أن نصنع -عبر الموقع وهذين القسمين تحديدًا- وعيًا جديدًا يتجاوز المشهور في التعاطي مع قضايا التخصص وطبيعة الكتابة فيه؛ لينحو بها نحو مزيد من العلمية والتأصيل، وهي أمور لها أهميتها التي لا تخفى في تطوير واقع الدراسات القرآنية بصورة شديدة الأهمية.

وبخصوص قسم اللقاءات والحوارات؛ فهو يقوم في جانب منه على عرض اللقاءات العلمية التي يقوم المركز بعقدها دوريًّا مع بعض الشخصيات المهمّة في باب الدراسات القرآنية والتي فيها فوائد لا تخفى، كما أنه يقوم بعمل حوارات علمية حول العديد من القضايا والمسائل المهمّة في الدراسات القرآنية مع بعض الشخصيات المهمّة والمؤثرة.

س8: بخصوص تجربتكم في تطوير الموقع بصورته الحالية، وددنا لو تقصون علينا حكاية هذا التطوير، ومراحله، وكيف تم بهذه الصورة التي انتهى إليها؟

أ.د/ عبد الرحمن الشهري:

في الحقيقة هذا سؤال مهمّ، وسوف أحاول التفصيل فيه قدر الوسع؛ لأن سرد التجارب مهم جدًّا لتوثيقها، وحتى يتمكن الآخرون من الإفادة منها بصورة عامة، وهو جانب نقصّر فيه كثيرًا رغم أهميته وضرورة توضيحه كزادٍ للأجيال القادمة ولكلّ راغب في السير في ذات الطريق بحيث يتلافى الإشكالات التي تعرض لها غيره ممن سبقه، وغير ذلك من الفوائد التي لا تخفى في هذا الصدد.

وفي البداية أقول بأننا أطلقنا «موقع مركز تفسير» في المرة الأولى منذ فترة طويلة من الزمن، وكان به عدد من الخدمات الجيدة، وبحمد الله حقق نجاحًا طيبًا جدًّا ومبشرًا؛ حيث بلغ عدد مشاهداته وفق الإحصائيات الرقمية: 2.255.510، وبلغ عدد زيارات: 2.276.228. وكان ذلك من واقع 209 دولة في العالم، و10.494 مدينة.

ولا شك أنّ تقويم التجربة والنظر في سلبياتها وإيجابياتها ونجاحاتها وإخفاقاتها هو واجب كلّ شخصٍ أو مؤسسةٍ تؤمّل النجاح وترجوه، فأيّ عمل ناجح أو يرجى له النجاح والتوفيق لا ينفكّ مطلقًا عن التقويم والتطوير، فكلّ شيء حول الإنسان يتغير، وهذا التغير لا بد أنه يفرض على الإنسان مجاراته وإلا سقط الإنسان في بؤرة الفشل.

ولذا فنحن منذ فترة طويلة نفكر في تطوير قنواتنا الإلكترونية بصورة عامّة وتحديث خدماتها؛ لتكون أكثر نفعًا وأكثر جدوى في تحقيق الأهداف التي نتغياها من ورائها، خاصّة وأن هذه القنوات الإلكترونية وتلك والمحتويات الرقمية صارت من أبرز الأدوات والوسائل المعاصرة التي يستعين الناس بها على توصيل أفكارهم وخدمة رسالتهم وتحقيق أهدافهم، فقد صارت لسان هذا العصر، وسبيلًا من أعظم السبل للوصول إلى الطموحات والغايات؛ لأن إقبال الناس عليها عظيمٌ وكبيرٌ. ومن هنا فقد كان لزامًا علينا مواكبة هذا التطور الهائل في هذه الوسائل وتطوير خدمات منصاتنا تطويرًا يليق بـ«مركز تفسير» ومكانته التي أكرمنا الله بها ويلبي احتياجات محبيه، وقبل هذا وبعده تقديم خدمة تليق بالدراسات القرآنية المتعلقة بكتاب الله -عز وجل-، أغلى ما نملك جميعًا. وبعد تفكير ودراسة أخذنا بفضل الله القرار، فبدأ العمل على تطوير القنوات، وبدأ تحديدًا مع موقع المركز «موقع مركز تفسير».

وقد مرَّ تطوير الموقع بعدد من المراحل وبُذلت فيه العديد من الجهود الكبيرة في الحقيقة. وأول مراحل تطوير الموقع كانت مع تحديد تصوّر التطوير اللازم للموقع، وتحديد أبعاده بصورة دقيقة. وهذه الخطوة لها أهميتها الشديدة؛ إذ هي معقد النظر، ومن ثم كان التدقيق فيها كبيرًا، وقد أعطيناها حظّها من التحرير كما هو شأننا في المركز عمومًا؛ إذ ننتهج الدراسة العلمية للأفكار من مختلفِ المناحي فنيًّا وماليًّا وغير ذلك قبل الخطو إلى إعدادها. وفي سبيل تحرير تصور التطوير قمنا بعدد من الخطوات؛ أهمها:

أولًا: دراسة موقع المركز دراسة وافية وتبيّن إيجابياته وسلبياته.

ثانيًا: دراسة بعض التجارب الناجحة والرائدة.

ثالثًا: تحرير مسارات التطوير الممكن ودراستها من جوانبها المختلفة والمفاضلة علميًّا بينها.

وبعد عقد مجموعة من النقاشات وورش العمل المكثفة أضحى لدينا تصور دقيق لخريطة تطوير الموقع في ضوء رؤية المركز ورسالته واستراتيجياته بشكلٍ عامٍّ يوصف مسار التطوير ومراحله ومستلزماته وكيفية السير فيه...إلخ.

وقد استغرق إعداد هذا التصور وتحريره قرابة ستة أشهر كاملة كانت حافلة بنقاشات ومدارسات عديدة للواقع القديم للموقع ولمختلف مسارات التطوير ومرتكزاته الكلية والجزئية.

وبعد تحرير التصوّر شرعنا في الترتيب العملي لخطوات تنفيذ تصور التطوير بصورة متوازية؛ حيث أوكلنا التطوير التقني إلى متخصصيه، وقد راعينا فيه إجمالًا تحقيق الرؤية العلمية للتطوير بأفضل صورةٍ تقنيةٍ ممكنةٍ، واستثمار ما يمكن من جديد التقنيات الرائدة والمتميزة التي تيسّر تصفح الموقع وتعين الزائر على حسن التعاطي معه والقدرة على استخدامه والإفادة منه بشكلٍ ميسورٍ وسهلٍ، وقد تم ذلك -بحمد الله- بصورة جيدة، وإن كان هناك طبعًا بعض الأمور التي يجري العمل على تتميمها حاليًا؛ كون الجوانب التقنية لا تفتأ تحفل بالجديد بشكلٍ مستمرٍّ.

وفي ذات الوقت انطلقت خطوات أخرى تتمثل في البدء في تكوين فريق الموقع أو فِرق الموقع على الحقيقة؛ لأن إخراج موقع بهذه الصورة التي سِرْنا عليها في التطوير يستلزم فرقًا؛ بعضها علمي يقوم بأعمال المراجعة والتحرير للأعمال الواردة قبل نشرها، وبعضها فني يقوم بأمور التنسيق والمتابعات والتواصل مع الباحثين والكُتّاب وإعداد خطط النشر ومتابعة بريد الموقع أولًا بأول...إلخ، وبعضها يقوم بعمل التصاميم المناسبة للمواد، وبعضها يرتبط بالتقنية...إلخ.

وهناك العديد من التفاصيل الأخرى بالطبع في عملية التطوير، ولكن لعلّ ما ذكرته كافٍ في بناء صورتها العامة.

في الحقيقة لقد كان تطوير الموقع في الحقيقة عملًا طويلًا أخذ من قِبَلِ المركز والقائمين عليه جهودًا كثيرة، لا سيما وأنه كان تطويرًا جذريًّا تناول الجانب العلمي والتقني والفني للموقع، لكنه أمتعنا جميعًا في المركز، وأسعدنا كثيرًا؛ خاصة عندما أطلقنا الموقع ورأيناه ماثلًا في حلته الجديدة على الشبكة.

ولا أنسى هاهنا أن أوجه شكري الخاص لإدارة الشؤون العلميّة بالمركز، والتي قادت عملية تطوير الموقع باحترافية وكفاءة تحت قيادة د/ محمد صالح، وكذلك للأستاذ/ خليل محمود اليماني والأستاذ/ محمود حمد؛ اللذين تضلعا بتحرير تصوّر تطوير الموقع.

كما أشكر أوقاف الشيخ/ عبد الله بن تركي الضحيان -رحمه الله- الداعمين لتشغيل الموقع وتطويره؛ فجزاهم الله خيرًا وتقبل منهم.

ونسأل الله أن نكون قد قدمنا من خلال تطوير الموقع إضافة جادّة في صرح العمل العلمي المتخصص على الفضاء الإلكتروني تنافس بكلّ قوة وأهليّة غيرها مما هو قائم في عدد من المواقع والمنصات، وأن نكون قد طرحنا إفادة تلبي طموحات الباحثين في باب الدراسات القرآنية ومحبي «مركز تفسير» ومتابعيه، وساهمنا في خلق وجود طيّب وحضور جادّ للمحتوى العلمي المتصل بالقرآن الكريم وعلومه على الشبكة العنكبوتية.

***

 

[1] الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بن معاضة الشهري، من مواليد قرية الجهوة التاريخية بمدينة النماص بمنطقة عسير بالمملكة العربية السعودية، درس البكالوريوس بكلية الشريعة بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالجنوب، وعُيّن عضوًا بهيئة التدريس بها بعد تخرّجه، ثم انتقل بعد ذلك إلى جامعة الملك سعود بالرياض ولا يزال. وقد شغل الدكتور الشهري ولا يزال عددًا من الوظائف والمهامّ العلمية والإدارية المهمة؛ منها:

- المدير العام لمركز تفسير للدراسات القرآنية.

- المشرف العام على شبكة تفسير للدراسات القرآنية www.tafsir.net منذ عام 1423هـ.

- مستشار غير متفرغ بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.

- تأسيس ورئاسة تحرير مجلة العلوم الشرعية واللغة العربية بجامعة الأمير سطام بن عبد العزيز بالخرج.

- عضو المجلس العلمي بجامعة الجوف.

وللدكتور الشهري عدد من الأعمال المطبوعة في مجال الدراسات القرآنية، كما له العديد من البرامج واللقاءات والندوات المنشورة على الشبكة العنكبوتية.

[2] للاطلاع على ملف سياسات وأهداف قسم الترجمات على «موقع مركز تفسير» يمكن الدخول على الرابط التالي: https://bit.ly/2MIySqG

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))