تحقيق أسعد الطيب لتفسير ابن أبي حاتم في الميزان

الكاتب : حسين عكاشة
تعرِّف هذه المقالة بأحد تحقيقات تفسير ابن أبي حاتم، وهو تحقيق أسعد الطيب، وتناقش في ضوء المعايير العلمية ما لهذا التحقيق وما عليه.

  عَرَّفْتُ في مقالٍ سابقٍ بشيخ الإسلام عبد الرَّحمن بن أبي حاتم الرَّازي (240- 327هـ) وكتابه: «تفسير القرآن العظيم مسندًا عن الرَّسول والصَّحابة والتَّابعين»[1]، وقد أفردتُ هذا المقال للحديث عن قيمة طبعة أسعد محمد الطَّيب لهذا (التَّفسير)، وقسّمتُه على خمسة محاور، هي:

الأول: كفاية المخطوطات المعتمدة.

الثاني: ضبط نصِّ الكتاب.

الثالث: التَّقديم للنصِّ والتَّعليق عليه والفهارس الكاشفة.

الرابع: تنسيق الطَّبعة وإخراجها.

الخامس: عمل المحقق في استدراك المفقود من الكتاب.

ثم بعد ذلك خلصتُ إلى التقييم العام لهذه الطَّبعة.

التعريف بالطبعة:

الطَّبعة التي بين يدي هي الطَّبعة الثَّالثة، النَّاشر مكتبة نزار مصطفى الباز بالمملكة العربية السعودية، سنة النشر 1419هـ - 1999م.

تقع في عشرة مجلدات، تحوي 3480 صفحة، إضافة إلى أربعة مجلدات كُتب عليها: «الفهارس، إعداد: كامل عويضة».

محتوى الطَّبعة:

قسّم المحقِّق عمله إلى قسمين:

القسم الأول: تحقيق الموجود من «تفسير ابن أبي حاتم»، وهو من أول التفسير إلى نهاية تفسير سورة الرعد، ومن تفسير سورة المؤمنون إلى نهاية تفسير العنكبوت، وهذا في الحقيقة هو «تفسير ابن أبي حاتم». ويمثل هذا القسم من أول الكتاب إلى ص2233 من المجلد السابع، ومن ص2508 من المجلد الثامن إلى ص3085 من المجلد التاسع.

القسم الثاني: جمع الرِّوايات المفقودة من «التفسير»، ويمثّل هذا القسم من ص2234 في المجلد السابع إلى ص2507 من المجلد الثامن، ومن ص3086 في المجلد التاسع إلى آخر المجلد العاشر.

وفات المحققَ التنبيهُ على فقدان تفسير أول 39 آية من سورة المائدة، ومن أول تفسير الآية الثانية عشرة من سورة الرَّعد إلى آخر تفسير السورة، فلم يُشر إلى ذلك.

والآن نتكلم عن تقييم هذه الطَّبعة من حيث المعايير المشار إليها سابقًا:

أولًا: كفاية المخطوطات المعتمدة:

رغم قِلَّة المعروف من مخطوطات «تفسير ابن أبي حاتم» لنا -كما تقدم بيانه في المقال السابق- إلَّا أن المحقِّق فاتَهُ منها نسختان:

الأولى: نسخة دار الكتب الظاهرية، رقم (7312)، تقع في 101 ورقة، ناقصة من وسطها ومن آخرها، تبدأ بتفسير سورة الفاتحة، وتنتهي بتفسير آخر سورة البقرة، سقط منها تفسير الآيات (14-193)، كتبت بخط نسخي قديم[2].

والثانية: نسخة المكتبة السَّعيدية بحيدر آباد، رقم 122 تفسير، تقع في 292 ورقة، كتبت سنة 1310هـ[3].

ولم يحسن المحقِّق (ص13) في وصف المخطوطات التي اعتمدها في عمله؛ إِذْ إنه وصف خمسة مجلدات في أقلّ من صفحة، ولم يرتب المجلدات الموصوفة بترتيبها، بل ذكرها هكذا: جزء يبدأ من سورة الأنفال إلى سورة الرعد، ثم جزء به تفسير سورة المؤمنون إلى نهاية العنكبوت، ثم جزء من أول المصحف إلى جزء من سورة آل عمران، ثم جزء به تفسير سورة المائدة إلى بعض من سورة الأنفال، ثم جزء به تفسير سورتي آل عمران والنساء، ولم يذكر أرقام المجلدات في المخطوطات، ولم يحدّد أوائل بعضها وأواخرها تحديدًا دقيقًا، ولم يذكر شيئًا عن تواريخ النَّسْخ، ولا وثاقة المخطوطات وَجَوْدتها، ولم يُشر إلى أن الحافظ جلال الدِّين السيوطي كتب بخطِّه آخر بعض المجلدات أنه أنهاه اختصارًا سنة 872هـ، وقد تقدّم وصف هذه النُّسَخ في المقال السابق.

ثانيًا: ضبط نصِّ الكتاب:

سلامة النَّصِّ من الشَّوائب هي بيت القصيد في التحقيق، وهي رأس مال المحقِّق ومبتغاه، فرغم أن المحقِّق قَصَر عملَه -غالبًا- على ضبط نصِّ الكتاب دون تخريج الأحاديث وعزو الرِّوايات ونقدها إلا أنه أخفق في ضبط نصِّ الكتاب؛ فكثُرت في طبعته التَّصحيفات حتى الظَّاهر منها، والسُّقوطات حتى البَيِّن منها؛ فمثلًا:

- في ثاني إسناد ذكره الإمام ابن أبي حاتم في الكتاب (ص15) وقع في المطبوع: «حدثنا أبو زرعة عَمرو بن حماد». فسقطت أداة التَّحديث بين أبي زرعة وعمرو بن حماد، وهي «ثنا»، وهي ظاهرة جليَّة في صورة المخطوط التي وضعها المحقِّق نفسه (ص17).

- وفي أول صفحة في المجلد الثاني (ص353) هذا النصّ:

«قوله: {مِنْ عَرَفَاتٍ} 1854- حدثنا محمد بن داود السمناني، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان عن ثابت بن هرمز، يعني: أبا المقدام. قوله: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}».

فلم يذكر بقية إسناد الأثر 1854 ولا متنه، وهو: «عن سالم بن أبي الجَعْدِ عن عبد الله بن عَمْرٍو قال: «إنما سُميت عرفاتٍ؛ لأنه قيل لإبراهيم حين أُري المناسك: عَرفتَ». وها هو من المخطوط الذي اعتمد عليه:

ولو تتبعت أخطاء الطبعة وسقوطاته لطال المقام جدًّا، ويكفينا ما ذكره الدكتور عيادة بن أيوب الكبيسي في مقدمة تحقيقه لتفسير سورة يونس (ص67- 75) من أنه قابل تفسير سورة يونس من هذه الطَّبعة فقط -وهو في 72 صفحة (1921/6-1993)- على المخطوط فتحصّل من ذلك أربعمائة وواحد وثلاثون خطأ، وبلغ مجموع السَّقط ما بين كلمة وجملة وأسطر في الأسانيد والمتون 133 موضعًا؛ وهذا كافٍ لبيان كثرة السَّقط والتَّصحيف الواقع في طبعة الطيب.

ومن أخطاء المحقِّق في ضبط النَّصِّ:

- سوء مقابلة النصِّ على المخطوطات، كما هو بَيِّنٌ.

- أنه لم يضع الآيات من المصحف بالرَّسم العثماني، ممَّا أوقع تصحيفات كثيرة في نصِّ الآيات القرآنية.

- أنه لم يضبط بالشَّكل ما يُشكل لا في الأسانيد ولا في المتون، رغم أن كثيرًا منه مضبوطٌ في المخطوطات التي اعتمدها.

- أنه وقع في أخطاء فاحشة جدًّا في ترقيم الرِّوايات، فتكرر عليه الأرقام من 8328 إلى 9061، وبعد رقم 9212 جاء مباشرة 9947، وبعد 9275 جاء 10000، وبعد 10099 جاء 10000- 10099 مرة أخرى، وأشياء عجيبة من الخلط والتَّكرار.

ثالثًا: التَّقديم للنصِّ والتَّعليق عليه والفهارس الكاشفة:

محقّق الكتاب يعايش المصنِّف وكتابه فترةً كبيرةً؛ فيقف على كنوزٍ ومزايا، وربما وقف على بعض المشكلات والمآخذ، فيأتي عمله إضاءة لهذه الجوانب، فيضيف في التحقيق نتيجة خبرته ومعايشته للكتاب، وتنقسم إضافة المحقِّق للكتاب إلى:

1- دراسة النَّصِّ: وهي تقديم المحقِّق للنصِّ، فيعرِّف بالمصنِّف تعريفًا مفيدًا، خاصةً ما استفاده من كتابه المحقَّق، ثم يخلص إلى الكلام عن الكتاب المحقَّق؛ فيبيِّن ثبوت نسبته لمصنِّفه، ومنهج المصنِّف فيه ومصادره، ومزايا الكتاب وعيوبه، وأثره فيمن جاء بعده، ومخطوطاته، وطبعاته السَّابقة -إن وُجدت- ومنهجه في التَّحقيق[4].

2- التَّعليق على النصِّ: وهو إضاءة الكتاب بذكر الفروق الجوهرية بين مخطوطاته، وربط نصوصه ببعضها، وتوثيق نقوله وإحالاتها بعزوها إلى مصادرها، وشرح مشكله، والتعريف بأعلامه الغامضة، ونحو ذلك[5].

3- فهارس الكتاب: الفهارس هي الكشَّافات التي تُبيِّن فوائد الكتاب وتُبرز كنوزه، والمحقق هو أقدر من يصنع هذه الفهارس، ولكلّ كتابٍ ما يناسبه من الفهارس بحسب فوائده[6].

فإذا نظرنا إلى مقدِّمة المحقِّق أسعد الطيب للكتاب نجدها جاءت كلّها في تسع صفحات: صفحتان تقديم، وثلاث صفحات ونصف ترجمة للإمام ابن أبي حاتم[7] وذِكْر تلاميذه[8] ومصنَّفاته[9]، ونصف صفحة عن أهمية «تفسير ابن أبي حاتم»، ونصف صفحة عن منهج ابن أبي حاتم في «تفسيره» واستفادة المفسرين منه، وصفحة ونصف عن منهجه في تحقيق الكتاب، وصفحة عن وصف المخطوط.

فيظهر من هذا أنَّ مقدمة المحقِّق للكتاب لا تتناسب أبدًا مع مكانة الإمام ابن أبي حاتم، ولا مع جلالة هذا «التَّفسير».

وأمَّا تعليقات المحقِّق على النَّصِّ -أعني: التَّعليقات الضَّرورية، لا الحشو- فقليلة، ومن محاسن تعليقاته عزوه لنصوص التفسير إلى أصولها التي يروي ابن أبي حاتم منها، مثل: (تفسير مجاهد)، و(تفسير عبد الرزَّاق)، لكن المحقِّق لم يربط نصوص الكتاب ببعضها، ففي حين يقول ابن أبي حاتم عن تفسير كلمةٍ: «تَقَدَّم»، يمر المحقِّق وكأنه لم يرها؛ ولا يشير أين تقدّم؟!

أمَّا الفهارس فهي عبارة عن فهرس بأسماء السور ومواضعها في ثلاث صفحات (3478/10- 3480)، وقد أُلحق في آخر هذه الطَّبعة أربعة مجلدات (11- 14) كُتب عليها: «الفهارس، إعداد: كامل عويضة»، فلمَّا تتصفحها تجد ثلاثة مجلدات منها تقريبًا تعليقات على نصوص الكتاب، تحوي تخريجات وتوثيقات وهوامش، لكن قلَّ أن تجد مَن يلتفت لهذه التَّعليقات؛ لأنها جاءت من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة، ثم أكثر من مجلدٍ هو مجرَّد سردٍ للآيات والكلمات المفسَّرة، هذه هي الفهارس لهذا السِّفر الجليل، فقط فهرس أسماء السُّور ومسرد للآيات المفسرة في أكثر من مجلدٍ!

رابعًا: تنسيق الطَّبعة وإخراجها:

لا يظهر في هذه الطَّبعة حُسن عناية بالكتاب، ويعيبها سوء تقسيم المجلدات، فلم يُراعَ تقسيم المجلدات حسب السُّور، بل ولا الآيات؛ حتى إن الآية 198 من سورة البقرة قُسم تفسيرها بين المجلدين الأول والثاني.

خامسًا: عمل المحقق في استدراك المفقود من الكتاب:

حاول المحقِّق جمع الرِّوايات المفقودة من «التفسير»، كما تقدّم ذكره في التعريف بالطبعة، قال المحقق في المقدمة (ص12) وهو يبيِّن عمله:

«القسم الثاني: جمع الرِّوايات المفقودة من التفسير:

اعتمدتُ في جمع الرِّوايات على الكتب الآتية:

1- (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير.

2- (الدُّر المنثور) للسيوطي.

3- (فتح الباري) لابن حجر العسقلاني.

4- (تغليق التعليق) لابن حجر العسقلاني.

5- (فتح القدير) للشوكاني». اهـ.

ويُؤخذ عليه أربعة أمور أساسية:
الأول: قِلَّة مصادره التي اعتمدها في هذا الجمع؛ كان عليه إذا أراد الجمع أن يزيد المصادر، وأن يَجْرُد بقية كتب الحافظ ابن حجر، خاصةً المُسندة، مثل: (موافقة الخُبْر الخَبَر في تخريج أحاديث المختصر)، و(نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار)، وكذلك كتب التخريج خاصة (تخريج أحاديث الكشاف) للحافظ الزيلعي، وكتب الأئمة ابن تيمية وابن القيم وابن رجب، وغيرها.

الثاني: أنّ هذه المصادر تذكر بعض روايات التَّفسير فقط، ولا تذكر كيف رتَّبها ابن أبي حاتم في كتابه.

الثالث: أنّ جُلَّ الرِّوايات المستدركة ذُكرتْ بغير إسنادٍ، تبعًا لمنهج المصدر الذي جُلبت منه، وهو (الدُّرّ المنثور).

الرابع: خَلْط هذا القدر المستدرك بالموجود من الكتاب أوقع كثيرًا من الطلبة في الوهم، فصاروا يعزون ما هو من هذا الاستدراك إلى (تفسير ابن أبي حاتم)، وكانَ على المحقِّق أن يفصل ذلك عن الأصل، كأنْ يجعله آخر الكتاب.

***

وخلاصة القول:
إن تفسير ابن أبي حاتم يحتاج لإعادة تحقيق، وأن طبعة أسعد الطَّيب له طبعةٌ غير جيدةٍ ولا معتنًى بها، وقع فيها أوجهٌ من القصور، ابتداءً بجمع مخطوطات الكتاب، ومرورًا بضبط نصِّه والتعليق عليه وفهرسته، وانتهاءً بإخراجه وتنسيقه، وإن كان يُحسَب لها على كلّ حال إخراجُها الموجود من الكتاب كاملًا لأول مرَّةٍ[10].

***

واللهَ -سبحانه وتعالى- أسألُ أن يمُنَّ علينا بنُسَخٍ تامَّةٍ من (تفسير ابن أبي حاتم)، وأن يكرمنا بالعثور على بقية مصنَّفات الإمام ابن أبي حاتم أو بعضها؛ إنه جوادٌ كريمٌ، وأسأله أن يوفّق المحقِّقِين المخلصين لإخراج كتب الشَّريعة -خاصةً كتُب التَّفاسير الشَّريفة- في أحسن حُلَّةٍ، وأن يوفقنا لما فيه رضاه، والحمد لله ربِّ العالمين.

 

[1] منشور على (موقع تفسير) على هذا الرابط:tafsir.net/article/5141

[2] «فهارس علوم القرآن الكريم لمخطوطات دار الكتب الظاهرية» (114/3-115).

[3] «الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط، علوم القرآن، مخطوطات التفسير وعلومه» (42/1).

[4] ينظر: (تحقيق النصوص ونشرها) للعلَّامة عبد السلام هارون (ص77- 78).

[5] ينظر: (تحقيق النصوص ونشرها) للعلَّامة عبد السلام هارون (ص75- 76).

[6] ينظر: (تحقيق النصوص ونشرها) للعلَّامة عبد السلام هارون (ص86- 88).

[7] لم يُشر المحقِّق إلى أي فائدة استفادها من «التفسير» في ترجمة المصنِّف، كأنْ يُشير إلى شيوخه في «التفسير»، أو يشير إلى أنه سمع من فلان ببلد كذا كما في الرواية رقم كذا.

[8] ولم يُشر إلى شيوخ ابن أبي حاتم، مع كون «التفسير» قد امتلأ بذكرهم.

[9] العجيب أن المحقِّق عند تعداد مصنَّفات ابن أبي حاتم لم يذكر أهم كتابين له، وهما: (الجرح والتعديل)، و(تفسير القرآن العظيم) الذي يقدّم له.

[10] صدَرت لتفسير ابن أبي حاتم طبعة جديدة عن دار ابن الجوزي، وسوف نقوم في مقال لاحق -بإذن الله- بالموازنة بينها وبين طبعة أسعد الطيب؛ حتى تكتمل الرُّؤية حول طبعات هذا التفسير الجليل.

الكاتب

حسين عكاشة

باحث ومحقق للتراث، وله العديد من التحقيقات.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))