تفسير: (نفائس الجواهر الحسان البهية في بيان أسرار معاني الآيات القرآنية)
‏للعلّامة الحسن بن إبراهيم الجماعي الخطيب اليمني (ت: 1265هـ)
التعريف بالمؤلِّف، وبيان أبرز ملامح منهجه

من التفاسير اليمنيَّة التي كانت في عداد المخطوطات إلى وقت قريب (نفائس الجواهر الحسان البهية) ‏للعلّامة الحسن بن إبراهيم الجماعي الخطيب اليمني، وقد شُرِع في تحقيقه مؤخرًا، وهذه المقالة تعرِّف بمؤلِّف هذا التفسير، مع تسليط الضوء على طرفٍ من ملامحه المنهجية، وذلك بعد تمهيد لوصف نسخته الخطّية الوحيدة، وبيان تقريظات ‏العلماء المدوّنة عليها.

  الحمد لله الذي أنزلَ الكتاب تبيانًا لكلّ شيء، وهُدًى ورحمة للمؤمنين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمّا بعد:

فإنّ علم التفسير يمثِّل أعظم العلوم الإسلامية مكانةً وأرفعها شأنًا؛ لأنه يُعِين على فهمِ كلام الله تعالى، وهو السبيل لمعرفة الأحكام الشرعية والقيم الأخلاقية والحقائق العقدية. ومن بين كنوز التراث التفسيري الإسلامي، يبرز تفسير: (نفائس الجواهر الحسان البهية في بيان أسرار معاني الآيات القرآنية)، للعلّامة المفسِّر الحسن بن إبراهيم الجماعي الخطيب اليمني (ت: 1265هـ)، الذي يمثِّل إضافة نفيسة للمكتبة التفسيرية، تتسم بعُمق الطَّرْح وسلاسة الأسلوب ورسوخ العلم، جَمَعَهُ المؤلِّف من عدّة تفاسير سابقة، من أبرزها: تفسير الإمام الفخر الرازي، وتفسير الإمام نظام الدين النيسابوري، وتفسير أبي السعود العمادي، وتفسير الخطيب الشربيني، وزاد فيه فوائد ولطائف كثيرة.

وقد كان هذا التفسير إلى عهد قريب بين أضابير المخطوطات، ثم يَسَّر اللهُ لي الوقوف عليه، وقمتُ بتوزيعه على عدد من طلبة الدراسات العليا ليحقّقوه في رسائلهم العلمية، وهم الآن في طَوْر التحقيق.

وتأتي هذه المقالة للتعريف بمؤلِّف هذا التفسير، مع تسليط الضوء على طرفٍ من ملامحه المنهجية. وستنتظم المقالة في قِسْمَيْن؛ القسم الأول: للتعريف بمؤلِّف التفسير. والقسم الثاني: لبيان أبرز ملامح منهج المؤلِّف في تفسيره، وذلك بعد تمهيد لوصف النُّسخة الخطّية الوحيدة لهذا التفسير، وبيان تقريظات العلماء المدوّنة عليها، وبيان الباحثين المحقّقين لهذا التفسير.

أسألُ اللهَ تعالى أن ينفع بهذا العمل، وأن يكون إسهامًا متواضعًا في خدمة القرآن الكريم وعلومه.

التمهيد:

أولًا: وصف النُّسخة الخطّية للتفسير:

من خلال الاستقراء لفهارس مكتبات المخطوطات العالمية، لم أقف إلَّا على نسخة خطّية وحيدة لتفسير: (نفائس الجواهر الحسان البهية في بيان أسرار معاني الآيات القرآنية)، وهي نسخة المؤلِّف التي كتبها بخطّه، وقد كتب المؤلِّف تفسيره في ثمانية أجزاء، فُقِدَ منها الجزء الثالث والجزء الثامن.

وهذه النسخة مصورة (ميكروفلم) في دار الكتب القومية المصرية، برقم (20730/ب) وهي للأجزاء الستة المتبقية من هذا التفسير، كُتبت بخط نسخي واضح، وكُتبت الآيات القرآنية فيها باللون الأحمر، والتفسير باللون الأسود.

الجزء الأول منها يبدأ بمقدّمة المؤلِّف وينتهي بتفسير آخر سورة البقرة، ويقع في (269) ورقة، وعدد الأسطر فيه (37) سطرًا، وعدد الكلمات (18) كلمة.

والجزء الثاني يبدأ من تفسير أوّل سورة آل عمران وينتهي بتفسير آخر سورة النساء، ويقع في (228) ورقة، وعدد الأسطر فيه (35) سطرًا، وعدد الكلمات (18) كلمة.

والجزء الرابع يبدأ من تفسير أوّل سورة يونس وينتهي بتفسير آخر سورة الكهف، ويقع في (270) ورقة، وعدد الأسطر فيه (32) سطرًا، وعدد الكلمات (15) كلمة.

والجزء الخامس يبدأ من تفسير أوّل سورة مريم وينتهي بتفسير آخر سورة القصص، ويقع في (298) ورقة، وعدد الأسطر فيه (29) سطرًا، وعدد الكلمات (15) كلمة.

والجزء السادس يبدأ من تفسير أوّل سورة العنكبوت وينتهي بتفسير آخر سورة الزخرف، ويقع في (317) ورقة، وعدد الأسطر فيه (28) سطرًا، وعدد الكلمات (12) كلمة.

والجزء السابع يبدأ من تفسير أوّل سورة الجاثية وينتهي بتفسير سورة الملك، ويقع في (252) ورقة، وعدد الأسطر فيه (26) سطرًا، وعدد الكلمات (13) كلمة.

ثانيًا: تقريظات العلماء على التفسير:

لقد كُتِبَ على طُرَرِ بعض أجزاء النسخة الخطّية للتفسير أربعة تقريظات لعلماء أعلام في عصر المؤلِّف، كتبوا تقريظاتهم بأيديهم، وأثنوا فيها على هذا التفسير ثناءً كبيرًا، وفيما يأتي أسُوق بعض نصوص تلك التقريظات:

التقريظ الأول: للعلّامة يوسف بن بدر الدين المغربي المالكي (ت: 1279هـ)[1]:

وكان مما قاله فيه:

«قد طالعت في هذا التفسير وتأمّلت ما فيه من التحرير، فرأيته قد حوى قَصب السّبق مع حُسْن السّبك، واحتوى على جُلِّ كلام مولانا الكبير، وانطوى على معانيهِ وغريبهِ، ونكت ونوادر عجيبة، مع تحقيق وتدقيق فائق، وتنميق يعجز عنها فحول العلماء الأجلاء الفضلاء...»[2].

التقريظ الثاني: للعلّامة سعد الدين بن هبة الله الأنصاري (ت: 1291هـ)[3]:

وكان مما قاله فيه:

«جَمَعَ في هذا التفسير علوم الأوّلين والآخرين فأوعَى، وأصبح لعامّة العلوم عن بكرة أبيها أُذُنًا واعية، بما استوعبه مُحَضِّرُ حَضَائِرِ المعارف، ومُقتطِفُ ثمار مَحضَنِها الرَّطيب، مولانا شرف الإسلام وشيخ العلماء الأعلام الحسن بن إبراهيم بن حسن بن مسعود الجماعي، أبو محمد الخطيب، ولقد فاق هذا التفسير بعدّة مزايا على جملة تفاسير علماء البرايا، ولو لم يكن منها إلا مزية الافتتاح بفوائد لا غنى عنها لكفى هذا التفسير...»[4].

التقريظ الثالث: للعلّامة عبد الملك بن عبد الله المزجاجي[5]:

وكان مما قاله فيه:

«فإنه لـمّا نشق عرف تلك الأزهار، وطَعِمَ من حلاوة تلك الثمار، نَهَضَ نَهْضَ الهزار، وطار إلى تفسير كلام الله غير مختار، فوضح أيّ توضيح، ونقح أيّ تنقيح، ورجح أيّ ترجيح، فما ترك من حجاب على الحجا ببيانٍ أحلى من الحلوى، وأذوق من المنّ والسلوى، وفاق المقامات بإيضاح هو أقوى وأقوى، ظمخ تلك الأزهار فما فاحت إلا من طيب معرفته حين فاحت مسكًا وعنبرًا وبنفسجًا، فلله دَرُّهُ وعلى الله برُّهُ، وأمتع بحياته، وأعاد علينا الجميع من بركاته، وجزاه عنّا أفضل الجزاء الجزيل، لصِدق مقصده الحسن الجميل، وبوّأه في أعلى عليِّين درجًا، فلقد أجاد وأفاد حين لبَّى دعوة المودّين...»[6].

التقريظ الرابع: للعلّامة محمد بن عثمان المرغيني (ت: 1251هـ)[7]:

وكان مما قاله فيه:

«تفسير جامع لفنون العلوم، ومشتمل على دقائق المنطوق والمفهوم، جمعَ من الأحكام والقصص لُبَّ اللباب، واحتوى من لطائف المعاني على العجيب العُجاب، واسطة عقد التفاسير، مُبَيِّنٌ لحقائق القرآن المنير، جزى اللهُ تعالى جامعَه خيرًا...»[8].

ثالثًا: بيان الباحثين المحقّقين للتفسير:

لقد قمتُ -بحمد الله جلّ وعلا- باقتناء مصوّرة للنسخة الخطية لهذا التفسير، ثم عمدتُ إلى توزيعها على (32) باحثًا وباحثة من طلبة الدراسات العليا في عدد من الجامعات اليمنية؛ وذلك للتحقيق في رسائلهم العلمية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وفيما يأتي قائمة بأسمائهم مع بيان المرحلة، والجامعة، ومقرّر التحقيق:

1. الباحث عبد الجبار أحمد ناجي العشملي، دكتوراه، جامعة إب، من أوّل الكتاب إلى الآية (44) من سورة البقرة.

2. الباحث ظافر مانع صالح الجحدري، دكتوراه، جامعة إب، سورة البقرة من الآية (45) إلى الآية (143).

3. الباحث فارس أمين محمد صالح، دكتوراه، جامعة إب، سورة البقرة من الآية (144) إلى الآية (221).

4. الباحث زيد عمر العكبري، دكتوراه، جامعة إب، من الآية (222) سورة البقرة إلى الآية (17) سورة آل عمران.

5. الباحثة منى قصيلة يحيى، دكتوراه، جامعة إب، سورة آل عمران من الآية (18) إلى الآية (155).

6. الباحث معتز سعيد محفوظ باطرفي، دكتوراه، جامعة حضرموت، من الآية (156) سورة آل عمران إلى الآية (22) سورة النساء.

7. الباحثة وفاء عليّ فازع النديش، دكتوراه، جامعة إب، سورة النساء من الآية (22) إلى الآية (116).

8. الباحثة ثريا عبد الله محمد العزعزي، ماجستير، جامعة صنعاء، سورة يونس عليه السلام.

9. الباحثة شامية محمد مصلح عباس، ماجستير، جامعة صنعاء، سورة هود عليه السلام.

10. الباحثة أحلام محمد عليّ معوضة، ماجستير، جامعة صنعاء، سورة يوسف عليه السلام.

11. الباحثة هدى محمد صالح مياس، ماجستير، جامعة صنعاء، سورتا الرعد وإبراهيم عليه السلام.

12. الباحثة أسماء عبد الولي أحمد عثمان، ماجستير، جامعة صنعاء، سورتا الحجر والنحل.

13. الباحثة بدور عليّ صالح العيزري، ماجستير، جامعة صنعاء، سورة الإسراء.

14. الباحث نوار مجاهد عليّ الصمدي، ماجستير، جامعة صنعاء، سورتا الكهف ومريم.

15. الباحثة كاتبة حزام صالح أحمد مؤنس، ماجستير، جامعة صنعاء، سورة طه.

16. الباحثة حنان محمد محمد عنبه، ماجستير، جامعة صنعاء، سورة الأنبياء.

17. الباحث عبد الفتاح مسعد أحمد الهويدي، ماجستير، جامعة صنعاء، سورتا الحج والمؤمنون.

18. الباحثة نفيسة عباس صالح الحضرمي، ماجستير، جامعة صنعاء، سورة النور.

19. الباحثة سمية محمد حسن المقاوي، ماجستير، جامعة صنعاء، سورتا الفرقان والشعراء

20. الباحث عبد السلام عليّ حسن الكباري، ماجستير، جامعة صنعاء، سورتا النمل والقصص.

21. الباحث ناصر سالم حسن الشجاع، ماجستير، جامعة الأندلس، سور الروم ولقمان والسجدة.

22. الباحث أحمد علوي، ماجستير، جامعة الأندلس، سورتا الأحزاب وسبأ.

23. الباحث عبد الكريم فيصل المعمري، ماجستير، جامعة الأندلس، سورتا فاطر ويس.

24. الباحث فيصل مهدي ثابت الغزي، ماجستير، جامعة صنعاء، سور الصافات وص والزمر.

25. الباحثة سهى محمد سليمان شهاب، ماجستير، جامعة صنعاء، سورتا غافر وفصلت.

26. الباحثة مهد محمد سليمان شهاب، ماجستير، جامعة صنعاء، سورتا الشورى والزخرف.

27. الباحثة أسماء عبد الجبار عليّ أسعد، ماجستير، جامعة صنعاء، سور الدخان والجاثية والأحقاف.

28. الباحثة رشا عبده محمد البارع، ماجستير، جامعة صنعاء، سور محمد والفتح والحجرات.

29. الباحثة نجود أحمد أحمد حسين سوى، ماجستير، جامعة صنعاء، سور ق والذاريات والطور.

30. الباحث محمد عبد الله عليّ الدهمي، ماجستير، جامعة صنعاء، سور النجم والقمر والرحمن.

31. الباحث إدريس أحمد يحيى الوشلي، ماجستير، جامعة صنعاء، سور الحديد والمجادلة والحشر.

32. الباحث جبر عليّ جرعون البصيري، ماجستير، جامعة البيضاء، من سورة الممتحنة إلى سورة الملك.

وجميع الطلبة الآن لا يزالون في طور التحقيق، يسّر اللهُ إتمام تحقيقه، وطباعته، ونشره.

القسم الأول: التعريف بالمؤلِّف:

أولًا: اسمه، ونسبه، ولقبه:

هو شيخ الإسلام العلّامة الفقيه الحسن بن إبراهيم بن حسن بن مسعود الجماعي، الدريهمي، الحديدي، اليماني، أبو محمد، المشتهر بالخطيب[9].

وقد نصّ على اسمه في مقدّمة تفسيره، فقال: «... وبعد: فإن المفتقر إلى عفو ربه الكريم الحسن بن إبراهيم بن حسن بن مسعود الجماعي، المشتهر بالخطيب...»[10].

والجماعي: نسبة إلى قبيلة جُمَاعة، وهي من أكبر قبائل خولان بن عمرو القضاعية، مساكنها في الشمال الغربي من مدينة صعدة[11]. والدريهمي: نسبة إلى مدينة الدريهمي، بالقرب من ساحل البحر الأحمر، بالغرب الشمالي من بيت الفقيه بمسافة 35 كم[12]. والحديدي: نسبة إلى مدينة الحديدة. وهي مدينة وميناء على ساحل البحر الأحمر، تبعد عن صنعاء غربًا بمسافة 250 كم[13].

ثانيًا: ولادة المؤلِّف ووفاته:

يكتنف الغموض تاريخ ولادة المؤلِّف، وكذلك تاريخ وفاته، فإنّ المصادر لم تذكر شيئًا عن ذلك، ولكنني وقفتُ على تاريخ وفاته مكتوبًا على طُرَّة الجزء الرابع من النسخة الخطية لتفسيره، حيث كُتِبَ ما نصّه:

«الجزء الرابع من تفسير سيدنا وسندنا ووالدنا وشيخنا العلّامة، المحقّق، الحُجة، العارف بالله، الحافظ، إمام أهل الإسلام، ومفتي الأنام، وحيد دهره، وفريد عصره، محيي الدين، وشَرّاح سُنّة سيد المرسلين، الولي الحبيب، الحسن بن إبراهيم الخطيب، رحمه الله تعالى رحمة الأبرار، وأسكنه جنة تجري تحتها الأنهار، تُوفي سنة ألف ومائتين وخمسة وستين، ليلة الجمعة بعد نصف الليل، لتسع ليال خلت من ربيع الأول، بعد قفوله من الشام في المرة الثانية بنحو شهر، فالله تعالى يخلفه علينا وعلى جميع المسلمين أحسن الخلافة، ويرحمه ويرضى عنه بمنّه وكرمه، آمين آمين آمين، وصلى اللهُ تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم. وتولّى غسله وتكفينه والصلاة عليه نيابة عن أولاده العلّامة الفهّامة الحُجة الحافظ، إمام المحققين، وبغية الطالبين، الولي العارف بالله تعالى الشيخ عمر بن إبراهيم السندي الحنفي، عافاه الله تعالى».

وإذا افترضنا أنَّ المؤلِّف عاش من 60 إلى 80 عامًا؛ فإنَّه بإمكاننا القول بأنّ ولادته كانت في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، أي بعد سنة 1150هـ.

ثالثًا: نشأة المؤلِّف وحياته العلمية:

نشأ العلّامة الحسن بن إبراهيم الخطيب في مدينة الحديدة، وتلقَّى فنون العلم على يد كبار علماء الحديدة وزبيد، ولازمهم حتى مهرَ في جميع الفنون[14].

وكان غايةً في التواضع وحُسن الأخلاق وسلامة الصدر، وكان يجهد نفسه في العبادات، وملازمة الأذكار والأوراد، وتم له حج بيت الله الحرام وزيارة المدينة المنورة عدّة مرات، وقد بنى مسجدًا بجوار داره، وكان لا يفارقه ليلًا ولا نهارًا[15]. وكان قانعًا من الدنيا بالميسور، مؤثرًا للزهد والخمول، مع محافظته على أنواع العبادة، واشتغاله بما يعنيه في جميع الحالات[16].

وكان له عدد من الأبناء، منهم: العلّامة الفقيه إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم الخطيب[17]، والعلّامة الفقيه محمد بن الحسن بن إبراهيم الخطيب، مفتي الحديدة في وقته، وله مسجد بالحديدة بحارة (الحوك) يُعرف بمسجد الخطيب[18]، وعبد الرحمن بن الحسن الجماعي الخطيب، وقفت عليه من خلال نسخة خطية لكتاب (شرح أبي بكر بن أحمد السبتي الحضرمي (ت: 761هـ) على الرحبية لابن المتقنة)[19]، كتبها بخطّه، وكتب على طُرَّتها: «وهو برقم مالكه عبد الرحمن بن حسن بن إبراهيم الجماعي الدريهمي...»[20].

وقد تصدَّر العلّامة الحسن بن إبراهيم الخطيب للتدريس وكان إليه النهاية في سعة الصدر وتفهيم الطلبة على اختلاف طبقاتهم[21]. كما عُيِّنَ مفتيًا لبندر[22] الحديدة، وكان الـمُعوّل في حلّ المعضلات الواقعة في البندر وفي غيره عليه[23]. وكان إمامًا لحلقة صحيح الإمام البخاري أيام إملائه في شهر رجب من كلّ عام، كما جرت به العادة في الجهة اليمنية في هذا الشهر الكريم، وأسانيده المتصلة بأشياخه هي التي تُمْلَى في ذلك الموقف[24].

رابعًا: شيوخه وتلاميذه:

قال العلّامة الحسن بن أحمد عاكش (ت: 1289هـ) عن العلّامة الخطيب أثناء ترجمته له: «تفقه على جماعة من علماء اليمن»[25]. وقال العلّامة إسماعيل بن محمد الوشلي (ت: 1356هـ) عنه أثناء ترجمته: «وله مشايخ كثيرون»[26].

ورغم ما ذكره الوشلي وعاكش من كثرة شيوخ العلّامة الخطيب إلا أن المصادر ضنّت في ذِكْر شيوخه، وقد تمكّنت من الوقوف على ثلاثة منهم، وهم:

1. السيد العلّامة عبد الرحمن بن سليمان مقبول الأهدل (ت: 1250هـ)[27].

2. السيد العلّامة عمر بن إبراهيم بن عليّ بن عبد الله بن المقبول القاضي[28].

3. السيد العلّامة محمد بن عبد الرحمن بن سليمان الأهدل (ت: 1258هـ)[29].

ومن تلاميذه الذين وقفتُ عليهم:

1. العلّامة الفقيه عمر بن إبراهيم السندي (ت: 1278هـ)[30].

2. الفقيه العلّامة يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الله مكرم الجماعي (ت: 1293هـ)[31].

3. العلّامة الفقيه محمد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل (ت: 1298هـ)[32].

4. العلّامة الفقيه محمد بن عبد الله الزواك صائم الدهر القديمي (ت: 1311هـ)[33].

5. الفقيه العلّامة علي بن عبد الله بن عبد الهادي الشامي (ت: 1309هـ)[34].

خامسًا: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

كان العلّامة الحسن بن إبراهيم الخطيب من كبار العلماء في عصره، ولُقِّب بشيخ الإسلام، وكان مفتي الشافعية في عصره؛ ولذلك أثنى عليه كثيرٌ من العلماء والمؤرّخين.

ترجَم له العلّامة حسن بن أحمد عاكش، ووصفه بقوله: «هو من العلماء الراسخين، ومن الفضلاء المتّقين، تفقّه على جماعة من علماء اليمن، ومهرَ في جميع الفنون...، عرفته في بندر الحديدة، وذاكرته فوجدته إمامًا في المعارف، رأسًا في علم التفسير، محدِّثًا، متبحرًا في الفقه والأصول»[35]. وقال عنه أيضًا: «وكان شيخنا السيد العلّامة محمد بن المساوى[36] -رحمه الله تعالى- يطيل الثناء عليه كثيرًا، ويقول: إنه من أهل الولاية، وممن اتصف بالعلم والعمل»[37].

وقال عنه العلّامة إسماعيل بن محمد الوشلي أثناء ترجمته: «كان مشهورًا بكثرة الاطلاع وسعة العلم ونشره إفتاءً ودرسًا وتدريسًا، مُتقنًا متفننًا، وله مشايخ كثيرون وتلاميذ كثيرون»[38].

ووصفه العلّامة سعد الدين بن هبة الله الأنصاري في تقريظه لتفسيره، فقال:

«رحلة الطالبين في الديار اليمانية، وحامل راية الإفتاء والخطابة والتدريس والتصنيف والتأليف، وناشر مطاوي فرائد الفوائد على رؤوس العصابة الإيمانية... مولانا شرف الإسلام وشيخ العلماء الأعلام الحسن بن إبراهيم بن حسن بن مسعود الجماعي الخطيب، فإنه كان ممن له اليد الطولى في العلوم»[39].

ووصفه العلّامة عبد الملك بن عبد الله المزجاجي أثناء تقريظه لتفسيره، بقوله: «الأديب الأريب، الندب العجيب، الغد المنيب، حجة الإسلام بلا شك مريب، شيخنا، الأستاذ، وقدوتنا الملاذ، الفقيه النبيه، الحسيب الحكيم العليم الطبيب، شرف الدين، الحسن بن إبراهيم الخطيب»[40].

وقال عنه العلّامة محمد بن عثمان الميرغني في تقريظه لتفسيره: «العلّامة الشهير، والقطب الأوحد الكبير، شرف الإسلام، وبركة الخاص والعام، الناهج خير منهاج قويم، العلم الفرد، الشيخ حسن بن إبراهيم المشهور بالخطيب، المواظب في مراقبة الرقيب»[41].

ووصفه العلّامة الفقيه عبد الرحمن بن سليمان الأهدل (ت: 1250هـ) -أثناء تقريظه لكتابه العقد الثمين شرح الأربعين- بقوله: «أوحد العظماء، وأجلّ الفضلاء النبلاء العلماء الحكماء، حميد الأحوال، شريف الصفات والأفعال، القدوة المحقّق المدقق الفهّامة، بهجة الأنام، شرف الإسلام حسن بن إبراهيم بن حسن الجماعي، أحسن اللهُ أموره بفضله، وجعلنا أجمعين من خاصّته وأهله...»[42].

وذكره العلّامة الفقيه محمد بن أبي بكر باذيب في كتابته لسنده في صحيح الإمام البخاري، ووصفه بقوله: «شيخ الإسلام ومفتي الأنام حامل لواء السُّنة المحمدية، ومنقح أسرار الآي القرآنية، ومحرّر قواعد المسائل الفروعية، رُحلة الطالبين، وعمدة الراغبين، وبقية الأئمة المجتهدين، ملحق الأحفاد بالأجداد، أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسن بن مسعـود الـجـمـاعـي الخطيب الدريهمي، تغمّده اللهُ برحمتـه وقـدّس روحه، وجلَّل بشآبيـب الـرضـا والرضوان ضريحه، آمين»[43].

سادسًا: مؤلَّفَاته وآثاره العلمية:

لقد ترك العلّامة الحسن بن إبراهيم الخطيب مؤلَّفات عديدة في فنون مختلفة، وفيها دلالة على مكانته العلمية، واجتهاده، وفيما يأتي أعرض ما وقفت عليه من مؤلَّفاته:

1) نفائس الجواهر الحسان البهية في بيان أسرار معاني الآيات القرآنية:

وهو أعظم مؤلَّفاته، قال عنه القاضي العلّامة الحسن بن أحمد عاكش: «طالعتُ بعضه، وهو من أبدع التفاسير، اختصر فيه مفاتيح الغيب للإمام الرازي، وزاد فوائد، وقد دلَّ على سعة اطلاعه في العلم وطول باعه»[44].

وقد سبق وصف النسخة الخطّية لهذا التفسير، وذكر تقريظات العلماء عليه.

2) فتح مقفلات الأفهام شرح عمدة الأحكام:

قال عنه القاضي العلّامة الحسن بن أحمد عاكش: «وبلغني أنَّ له شرحًا على عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي أبسط من شرح الإمام ابن دقيق العيد عليها»[45].

الجزء الأول منه له نسخة خطية بمكتبة الحرم المكي، برقم (1163) قسم الحديث، في (148)، عدد الأسطر (38)، المقاس: 33×22 سم[46].

وقد حقّق هذا الجزء من المخطوط الباحثة خولة حمود عبده ذياب في رسالة دكتوراه في كلية الآداب بجامعة صنعاء، سنة 2023م. وأمّا الجزء الثاني من الكتاب فهو مفقود.

3) الأربعون حديثًا من كلام سيد المرسلين:

منه نسخة خطية في وزارة الأوقاف بالكويت، برقم (134/ 5)، في (9) ورقات (76- 84)، عدد الأسطر (19- 25)، مقاس (22.3×16.4سم). وبآخرها مقابلة سنة 1236هـ.

4) العقد الثمين شرح حديث الأربعين من كلام سيد المرسلين:

وهو شرح للمتن السابق، ومنه نسخة خطية بمكتبة الحرم المكي، برقم (203429) قسم الحديث، في (122) ورقة، عدد الأسطر (19)، المقاس: 22×16 سم[47].

ونسخة أخرى في وزارة الأوقاف بالكويت، برقم (134/ 6)، في (106) ورقة (85- 191)، عدد الأسطر (21- 23)، مقاس (22.2×16.3سم) عليها تقريظ العلّامة عبد الرحمن بن سليمان الأهدل، في سنة 1236هـ.

والمخطوط يحقّقه الباحث عبد الله حسين حسين مجلي في رسالة ماجستير بكلية الآداب بجامعة صنعاء سنة 2024م.

5) الفتاوى الفقهية الشافعية:

وهذه الفتاوى مفقودة، وقد ذكر العلّامة الحسن بن أحمد عاكش عند ترجمته للمؤلِّف، حيث قال: «وله رسائل جمة في علوم مهمة، وفتاوى عظيمة»[48].

6) إجازة لعليّ بن عبد الله بن عليّ الشامي من الحسن الخطيب:

منها نسخة خطية بمكتبة الحرم المكي، برقم (4815) قسم الإجازات، في ورقتين، وعدد الأسطر يختلف (23- 25)، المقاس: 23×17سم[49].

القسم الثاني: أبرز ملامح منهج المؤلِّف في تفسيره:

في هذا القسم، سأستعرض أبرز ملامح منهج المؤلِّف في تفسيره، وأقسّمها إلى قسمين رئيسين:

الأوّل يتناول الملامح التي أشار إليها المؤلِّف بوضوح في مقدّمته، مما يوضح أُسس منهجه وأهدافه.

أمّا الثاني فيستعرض الملامح المستنبطة من تفسيره نفسه، والتي تظهر من خلال طريقة عرضه للنصوص.

أ) ملامح منهج المؤلِّف كما أشار إليها في مقدّمته:

لقد ابتدأ العلّامة الحسن بن إبراهيم الخطيب مقدّمة تفسيره (نفائس الجواهر الحسان البهية)، بحمد الله والثناء عليه، مؤكدًا على نعمة الإسلام بوصفها أعظم النّعم، ثم تضرّع إلى الله بالدعاء والتوفيق والثبات، مظهرًا عجزه البشري وحاجته إلى عون الله في كلّ أعماله، وأبدى تواضعه أمام الله، معترفًا بفضل الله عليه في العلم والحياة، ومشيرًا إلى امتثاله لأوامر الله في التحدّث بنِعَمِه.

بعد ذلك، أثنى على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأطال في الصلاة عليه، مبرزًا مكانته العظيمة وفضله، ثم انتقل للحديث عن إعجاز القرآن الكريم، مبرزًا تفوق كلام الله على كلام المخلوقين، ومشددًا على عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله رغم التحدي الإلهي، واستدل بالآيات التي تشير إلى تحدّي الله لعباده للإتيان بمثل القرآن، كقوله تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: 88].

وأبرزَ مكانةَ القرآن العظيم بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (هو الفصل الذي ليس بالهزل، مَن تركه مِن جبّار قصمه الله، ومَن ابتغى الهُدى في غيره أضلّه الله)[50].

كما أشار إلى جهود العلماء في تفسير القرآن، مشيرًا إلى تنوّع مناهجهم وطرائقهم، مثنيًا على مساعيهم في الكشف عن أسراره وغرائبه[51].

ثمَّ حدّد العلّامةُ الخطيبُ هدفَه من التفسير، وهو خدمة كتاب الله وإفادة العامة والخاصة من خلال توضيح معاني القرآن وأسراره، حيث قال: «ثم إني أردتُ أن تكون لي يد في خدمة كتاب الله تعالى العزيز... فشمّرت الهمة في تحصيل هذا المراد العزيز»[52].

وأضاف: «ليكون تفسيري هذا كالبدر في التمام، وكالشمس في إفادة الخاصّ والعام»[53].

ثمَّ إنَّه أشار إلى بعض ملامح منهجه في تفسيره، نجملها فيما يأتي:

أولًا: الجمع بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي:

أشار العلّامة الخطيب في مقدمته إلى أنه سيجمع بين التفسير النقلي والعقلي عند تفسيره، مقتديًا بمنهج الإمام الرازي الذي اهتم بإيراد المعاني العقلية بجانب التفسير النقلي، حيث وصف تفسير الرازي بأنه: «الجامع بين المعقول والمنقول، الفائز بالفروع والأصول... وفيه من اللطائف والنكت والبحوث ما لا يُحصى، ومن الفوائد والزوائد والفرائد ما لا يَخفى»[54].

● ثانيًا: الاعتماد على عدد من التفاسير الأصيلة:

أوضح العلّامة الخطيب اعتماده في تفسيره على مجموعة من التفاسير المشهورة الأصيلة المعتبرة، مع التركيز على تفسير الإمام الرازي (التفسير الكبير) وتفسير الإمام النيسابوري (غرائب القرآن ورغائب الفرقان)، مشيرًا إلى قيمة هذين التفسيرَيْن، حيث قال: «ولـمّا كان التفسير الكبير المنسوب إلى الإمام الأفضل والهمام الأمثل الحبر النحرير، والبحر الغزير، الجامع بين المعقول والمنقول، الفائز بالفروع والأصول، أفضل المتأخّرين، فخر الملّة والحق والدين، محمد بن عمرو بن الحسين الخطيب الرازي، تغمّده الله تعالى برضوانه، وأسكنه بحبوح جنانه؛ اسمه مطابقًا لمسمّاه، وفيه من اللطائف والنكت والبحوث ما لا يُحصى، ومن الفوائد والزوائد والفرائد ما لا يَخفى، ولم ينصف مَن زعم أن فيه كلّ شيء إلا التفسير، بل هو أحسن التفاسير وأعظمها نفعًا، وأجمعها للفوائد كما ترى، فإنه رضي الله تعالى عنه قد بذل مجهوده، ونقل موجوده، حتى عسر كتبه على الطالبين، وأعوز تحصيله على الراغبين، وكان الإمام شرف الإسلام الحسن بن محمد القمي المشتهر بنظام النيسابوري، نظم الله تعالى أحواله، وحسن مآبه ومآله، قد أورد حاصل كلامه، وقرّب مسالك أقدامه، والتقط عود مطابق نظامه، فلا جرم التقطتُّ من محاسن ما أبرزاه، وكِلا تفسيريهما في غاية الحسن والإفادة»[55].

وأضاف أنه استعان بتفاسير أخرى مثل تفسير أبي السعود العمادي وتفسير الخطيب الشربيني، وغيرهما، حيث قال: «ثم أضفتُ إليهما من كتب التفسير ما تيسّر لي منها؛ مثل تفسير أبي السعود العمادي، وتفسير الخطيب الشربيني، وغيرهما، مما قدرت عليه»[56].

● ثالثًا: توضيح العبارات وتيسير المعاني:

أكّد العلّامة الخطيب في مقدّمته حرصه -أثناء نقله من المصادر- على توضيح العبارات وتيسير معاني النصوص القرآنية، فقال: «وبذلتُ وسعي وطاقتي في توضيح العبارات، فوضعتُ الجميع على طرق التمام، ليكون تفسيري هذا كالبدر في التمام، وكالشمس في إفادة الخاص والعام»[57].

● رابعًا: التوازن بين الإيجاز والإسهاب:

أكّد العلّامة الخطيب في مقدمته أنه التزم في تفسيره بتقديم مادة علمية مفصلة دون إطالة مملة أو اختصار مُخلّ، موضحًا ذلك بقوله: «من غير تطويل يورث الملام، ولا تقصير يوعر مسالك السالك ويبدّد نظام الكلام»[58].

كما أشار إلى أن خير الكلام هو الذي يجمع بين القِلّة والدلالة، فقال: «فخير الكلام ما قلّ ودلّ، وحسبك من الزاد ما بلّغك المحلّ»[59].

● خامسًا: الاجتهاد في تسهيل فهم معاني القرآن:

أكّد العلّامة الخطيب في مقدمته أنه اجتهد في تسهيل فهم معاني القرآن وفق المنهج الذي اختطّه لنفسه، بحيث يُيسِّر على القارئ إدراك المعاني دون تعقيد أو غموض، فقال: «فاجتهدت وأجهدت نفسي كلّ الجهد والاجتهاد في تسهيل تحقيق سبيل الرشاد»[60].

وقد أظهر العلّامة الخطيب في خاتمة مقدّمته تواضعه في تفسيره مع إقراره بالعجز البشري، فقال: «...معترفًا بالعجز والقصور في هذا الفنّ، وفي سائر الفنون، لا كمن هو برأيه وشعره مفتون». ودعا الله أن يكون التوفيق حليفه في هذا العمل، فقال: «والتكلان في الجميع على الرحمن المستعان، والتوفيق مسؤول ممن بيده مفاتيح الفضل والإحسان»[61].

كما صرَّح باسم تفسيره، فقال: «...وسمّيته: نفائس الجواهر الحسان البهية في بيان أسرار معاني الآيات القرآنية»[62].

ب) ملامح منهج المؤلِّف المستنبطة من تفسيره:

تتجلّى ملامح منهج المؤلِّف في تفسيره من خلال اعتماده على المصادر الأساسية التي نقل عنها واختصر منها، مع إبراز طابعها العلمي والدقيق. ومن أبرز تلك المصادر تفسير الإمام الرازي وتفسير الإمام النيسابوري. وعلى الرغم من أنّ المؤلِّف، العلّامة الخطيب، قد عمد إلى حذف بعض النصوص وزيادة أخرى، إضافة إلى الاختصار والتهذيب وإعادة الصياغة، إلا أنه التزم بالمنهجية العامة والسياق العام لهذه التفاسير؛ لذا، فإنّ الملامح التي سنعرضها تعكس في معظمها السِّمات المنهجية لهذه التفاسير التي اعتمد عليها.

● أولًا: الاستشهاد بالقرآن الكريم أثناء تفسير وتوضيح معاني الآيات القرآنية:

أجمعَ العلماءُ على أن تفسيرَ القرآن بالقرآن أشرفُ أنواع التفسير وأجلّها؛ إِذْ لا أحد أعلم بمعاني کلام الله من الله عزَّ وجلَّ، وقد عُني العلّامة الخطيب في تفسيره بهذا المنهج في التفسير، فكان يورد الآيات المتشابهة أو المتماثلة في اللفظ، فيحمل بعضها على بعض، ومن أمثلة ذلك: عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: 2]، قال العلّامة الخطيب: «فقوله: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، إشارة إلى تلك السور التي نزلتْ قبل هذه السورة، وقد سُمِّيَ بعض القرآن قرآنًا، كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الأعراف: 204]، وقال تعالى حاكيًا عن الجنّ: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ [الجن: 1]، ﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ [الأحقاف: 30]، وهم ما سمعوا إلا البعض، وهو الذي كان قد نزل إلى ذلك الوقت»[63]. فهنا يربط المؤلِّف بين سورة البقرة وسورة الأعراف وسورة الجن وسورة الأحقاف لتوضيح مفهوم الكتاب وارتباطه بما نزل من الوحي تدريجيًّا.

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 124]، قال العلّامة الخطيب: «ثم اعلم رحمك الله أنه سبحانه وله الحمد بَيَّن أنَّ له معك عهدًا، ولك معه عهد، وبَيَّن أنك إن وفَّيت بعهدك، فإنه سبحانه يفي أيضًا بعهده، فقال: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة: 40]، ثم في سائر الآيات أفرد عهدك بالذِّكْر، وأفرد عهد نفسه أيضًا بالذِّكْر، أمّا عهدك فقال فيه: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾ [البقرة: 177]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون: 8]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وقال: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 2، 3]، وأمّا عهده سبحانه فقال فيه: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: 115]، ثم بَيَّن كيفية عهده مع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فقال: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾ [البقرة: 125]، ثم بَيَّن في هذه الآية أنّ عهده لا يصل إلى الظالمين، فقال: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾»[64].

● ثانيًا: الاعتماد على الحديث والأثر في تفسير وتوضيح معاني الآيات القرآنية:

اعتمد العلّامة الخطيب كثيرًا على الأحاديث النبوية في توضيح معاني الآيات القرآنية، وكثيرًا ما كان يستشهد بالأحاديث الصحيحة، ويشير أحيانًا إلى نوع الحديث الذي يستشهد به؛ من أمثلة ذلك: عند تفسير الحروف المقطعة، قال العلّامة الخطيب: «اعلم أنّ الألفاظ التي يُتَهَجَّى بها أسماء مسمّياتها الحروف المبسوطة...، وأمّا قوله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما رواه أبو عيسى الترمذي عن عبد اللّه بن مسعود مرفوعًا: (مَنْ قَرَأ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، لا أقولُ: (الـم) حَرفٌ؛ الأَلِفُ حَرْفٌ، وَالَّلامُ حَرْفٌ، وَالـمِيمُ حَرْفٌ)[65] الحديث، فإنما سمّاه -صلى الله عليه وآله وسلم- (حَرْفًا) مجازًا؛ لكونه اسم الحرف، وإطلاق اسم أحد المتلازمين على الآخر مجاز مشهور»[66].

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]: قال المؤلف: «قوله تعالى: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: الرّيب: قريب من الشك، وفيه زيادة، كأنه ظنٌّ سيّئ، كما تقول: رابني أمر فلان، إذا ظننت به سوءًا، منه قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ)[67]» [68].

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26]، قال العلّامة الخطيب: «﴿وَزِيَادَةٌ﴾ وهذه الكلمة مبهمة، فلأجلِ هذا اختلف الناس في تفسيرها، وحاصل كلامهم يرجع إلى قولين؛ الأول: أن المراد من منها رؤية الله تعالى، قالوا: والدليل عليه العقل والنقل. أمّا النقل: فالحديث الصحيح الوارد فيه، هو أنّ الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى الله تعالى»[69]. يشير بذلك العلّامة الخطيب إلى الحديث الذي رواه مسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ. وفي رواية: وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ﴾ [يونس: 26])[70].

● ثالثًا: الاعتماد على أقوال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم:

اعتمد العلّامة الخطيب بشكلٍ كبيرٍ على أقوال الصحابة والتابعين لتوضيح المعاني القرآنية، مما يعكس اهتمامه بالنقل عن السلف؛ لاعتبارهم مصدرًا موثوقًا لفهم النصّ القرآني.

وممن نقل عنهم العلّامة الخطيب من الصحابة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وأم المؤمنين عائشة، وغيرهم كثير، رضي الله عنـهم أجمعين.

وممن نقل عنهم من أئمة التابعين: مجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، ومسروق بن الأجدع، والحسن البصري، ومقاتل بن سليمان، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، وغيرهم كثير.

ومن أمثلة اعتماده على أقوال الصحابة والتابعين: عند تفسير الحروف المقطعة، قال العلّامة الخطيب: «ثم للناس في قوله تعالى: (الـم) وما يجري مجراه من الفواتح قولان؛ أحدهما: أن هذا عِلْمٌ مستور محجوب استأثر اللّه تعالى به، قال أبو بكر الصديق -رضي اللّه تعالى عنه-: للّه في كلّ كتاب سرّ، وسرّه في القرآن أوائل السور، وقال عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه وكرّم اللهُ وجهه-: إنّ في كلّ كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجّي»[71].

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: 30]، قال العلّامة الخطيب: «وعن ابن عباس، وابن مسعود -رضي الله عنهم-: أنّ المراد بقوله: ﴿نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾: أي: نصلي لك، والتسبيح هو الصلاة، والتقديس: التطهير، ومنه: الأرض المقدَّسة، ثم اختلفوا على وجوه؛ أحدها: نطهّرك، نقدّس لك، أي: نصفك بما يليق بك من العلوّ والعزة. الثاني: وهو قول مجاهد: نطهّر نفوسنا من ذنوبنا وخطايانا ابتغاء مرضاتك...»[72].

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]، قال العلّامة الخطيب: «ولنذكر أقوال المفسِّرين؛ الأول- وهو قول مقاتل والسدّي ورواية عطاء عن ابن عباس: أن هذا كقوله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [القيامة: 16]، فكان -عليه السلام- لحرصه على أخذِ القرآن من جبريل -عليه السلام- يعجل بقراءته قبل استتمام جبريل -عليه السلام- مخافة النسيان، فقيل: لا تعجل به إلى أن يستتمّ وحيه فيكون أخذك إياه عن تثبّت وسكون، والله تعالى يزيدك فهمًا وعلمًا. الثاني- وهو قول مجاهد وقتادة: ولا تعجل بالقرآن فتقرأه على أصحابك قبل أن يوحَى إليك بيان معانيه. الثالث- قال الضحاك: إنّ أهل مكة وأسقف نجران قالوا: يا محمد أخبرنا عن كذا وكذا، وضَرَبْنَا لك أجَلًا ثلاثة أيام، فأبطأ الوحي عليه وفشى القالة أن اليهود قد غلبوا محمدًا، فأنزل الله تعالى هذه الآية: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾ أي: بنزوله، من قبل أن يُقضَى إليك وحيه من اللوح المحفوظ إلى إسرافيل، ومنه إلى جبريل، ومنه إليك، ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾. الرابع- وهو ما رُوي عن الحسن، أنَّ امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: زوجي لطم وجهي، فقال: بينكما القصاص، فنزل قوله: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾، فأمسك -عليه السلام- حتى نزل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، وهذا بعيد، والاعتماد على التفصيل الأول؛ لأنَّ الظاهر أنَّ هذا الاستعجال كان أمرًا اجتهاديًّا، كان الأَوْلَى تركه؛ فلهذا نُهي عنه، وقيل له:﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾؛ لأنَّ معرفة البيان علمٌ زائد على معرفة الإجمال، والمعنى أنّه تعالى أمَرَه بالفزع إليه جلَّ ذِكْره في زيادة العلم بتمام القرآن، أو ببيان ما نزل عليه»[73].

● رابعًا: الاعتناء بذِكْر أوجه القراءات القرآنية:

يُظْهِر العلّامة الخطيب في تفسيره اهتمامًا ملحوظًا بإيراد القراءات المختلفة، سواء كانت متواترة أم شاذة، مع التركيز على القراءات التي تؤثّر على فهمِ النصّ أو تفسيره، ويتجلى هذا في ذِكره للقراءات بشكل مباشر عند مناقشة الآيات التي تحتمل معاني متعدّدة، من أمثلة ذلك: عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: 45]، قال العلّامة الخطيب: «﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ أي: بعد حين، ومدة طويلة، وقُرِئ ﴿إِمَّة﴾ بكسر الهمزة، وهي: النعمة، أي: بعد ما أنعم الله عليه بالنجاة، وقُرِئ ﴿بَعْدَ أَمَهٍ﴾ أي: نسيان، يقال: أَمَهَ أَمْهًا، إذا نسي...»[74].

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: 36]، قال العلّامة الخطيب: «﴿صَوَافَّ﴾ أي: قائمات قد صَفَفْنَ أيديهن وأرجلهن، وقُرِئَ: ﴿صَوَافِنَ﴾: من صفون الفرس، وهو أن يقوم على ثلاث، وقُرِئَ: ﴿صَوَافِيَ﴾ أي: خوالص لوجه الله تعالى، لا تشركوا بالله في التسمية على نحرها أحدًا كما يفعله المشركون، وعن عمرو بن عبيد ﴿صَوَافِيًا﴾ بالتنوين عوضًا عن حرف الإطلاق عند الوقف، وعن بعضهم ﴿صَوَافِيْ﴾ على لغة من يسكن الياء على الإطلاق، نحو قول العرب: (أعط القوس باريها)، ولا يبعد أن تكون الحكمة في اصطفافها ظهور كثرتها للناظرين فتقوى نفوس المحتاجين، ويكون التقرّب بنحرها عند ذلك أعظم أجرًا، وأقرب إلى ظهور التكبير وإعلاء اسم الله تعالى وشعائر دينه»[75].

ويتعرّض العلّامة الخطيب أحيانًا لذِكْر حجج القراءات، من أمثلة ذلك: عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: 4]، ذكر العلّامة الخطيب القراءتين المتواترتين ﴿مَلِكِ﴾ و﴿مَالِكِ﴾ فقال: «أمّا قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فاختلف القرّاء في هذه الكلمة، فمنهم من قرأ: ﴿مَلِكِ﴾، ومنهم من قرأ: ﴿مَالِكِ﴾، حجة من قرأ: ﴿مَالِكِ﴾ وجوه؛ الأول: أنّ فيه حرفًا زائدًا فكانت قراءته أكثر ثوابًا. الثاني: أنه يحصل في يوم القيامة ملوك كثيرًا، أمّا المالك الحقّ ليوم الدين فليس إلا الله. الثالث: المالك قد يكون مَلِكًا وقد لا يكون، كما أنّ الـمَلِك قد يكون مالِكًا وقد لا يكون، فالـمِلْكِيَّة والـمالِكِيَّة قد تنفكّ كلّ واحدة منهما عن الأخرى، إلا أنّ المالكية سبب لإطلاق التصرف، والملكية ليست كذلك، فكانت المالكية أَوْلَى. الرابع: إن الـمَلِك مَلِك للرعية، والمالك مالك للعبيد، والعبد أدون حالًا من الرعية، فوجب أن يكون القهر في المالكية أكثر منه في الملكية، فوجب أن يكون المالك أعلى حالًا من الملك. الخامس: أن الرعية يمكنهم إخراج أنفسهم عن كونهم رعية لذلك الملك باختيار أنفسهم، أمّا المملوك لا يمكنه إخراج نفسه عن كونه مملوكًا لذلك المالك باختيار نفسه، فثبت أن القهر في المالكية أكثر منه في الملكية. السادس: أن الملك يجب عليه رعاية حال الرعية، قال عليه الصلاة والسلام: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)[76]، ولا يجب على الرعية خدمة الملك، أمّا المملوك فيجب عليه خدمة المالك، وأن لا يستقلّ في أمر إلا بإذن مولاه، حتى إنه لا يصح منه القضاء والإمامة والشهادة، وإذا نوى مولاه السفر صار هو مسافرًا، وإذا نوى الإقامة يصير هو مقيمًا، فعلمنا أنّ الانقياد والخضوع في المملوكية أتم منه فيما كان رعية؛ فهذه الوجوه دالّة على أن المالك أكمل من الملك. وحُجّة من قال: إنّ الملك أَولى من المالك وجوه؛ الأول: أنّ كلّ واحد من أهل البلد يكون مالكًا، أمّا الملك لا يكون إلا أعظم الناس وأعلاهم؛ فكان الملك أشرف من المالك. الثاني: أنهم أجمعوا أن قوله تعالى: ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ [الناس: 2]، لفظ الملك فيه متعيّن، ولولا أن الملك أعلى حالًا من المالك وإلا لم يتعيّن. الثالث: الملك أَوْلى لأنه أقصر، فالظاهر أنه يدرك من الزمان ما يذكر فيه هذه الكلمة بتمامها، بخلاف المالك فإنه أطول، فاحتمل أن لا يجد من الزمان ما يتم فيه هذه الكلمة بتمامها... إلخ»[77].

ثم ذكر الأحكام المتفرّعة على كونه ملكًا، والأحكام المتفرعة على كونه مالكًا، وأسهب في ذلك.

● خامسًا: الاهتمام بذِكْر أسباب النزول:

عُني العلّامة الخطيب بمسألة أسباب النزول عناية كبيرة، وسلك في معالجتها مسلكًا تميّز بالأصالة، ودقة الفهم، وحسن الالتفات إلى الصِّلَة بين النصّ القرآني والمناسبة التي نزل فيها.

ويُلاحظ أن العلّامة الخطيب كان يكتفي في تفسير بعض الآيات بذِكْر سبب النزول إذا كان مؤدّيًا للمعنى، كاشفًا عن مضمون النصّ، فمن أمثلة إيراده لأسباب النزول: عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 89]، قال العلّامة الخطيب: «فإنهم ذكروا في أسباب النزول أنَّ اليهود قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وآله وسلـم- ونزول القرآن كانوا يسألون به الفتح على المشركين إذا قاتلوهم، يقولون: اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي الأمّي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين: هذا نبي قد أطلّ زمانه ينصرنا عليكم، وأيضًا فإنهم كانوا يسألون العرب عن مولده ويتفحّصون منه ليعلموا أنه هل وُلد فيهم من يوافق حاله حال هذا المبعوث»[78].

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: 1]، قال العلّامة الخطيب: «نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، رُوي أنّ مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هاشم يقال لها سارّة، أتت رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة وهو يتجهز لغزوة الفتح، فعرضت حاجتها، فحثّ بني المطلب على الإحسان إليها، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وأعطاها عشرة دنانير، وكساها بردًا، واستحملها كتابًا إلى أهل مكة، هذه نسخته: (مِن حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، اعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريدكم فخذوا حذركم). فخرجت سائرة، ونزل جبريل -عليه السلام- بالخبر، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عليًّا، وعمارًا، وعمر، وطلحة، والزبير، والمقداد، وأبا مرثد، فرسانًا، وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإنّ بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها، فإن أبَت فاضربوا عنقها، فأدركوها فجحدَت وحلَفَت، فقال عليٌّ رضي الله تعالى عنه: (والله ما كذبنا ولا كَذَبَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسَلَّ سيفه، وقال: أَخرِجي الكتاب أو ضعي رأسك، فأخرجته من عِقَاص شعرها، فاستحضر رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم حاطبًا، وقال: ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول الله، ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك، ولكني كنت امرأً ملصقًا في قريش، ليس فيهم من يحمي أهلي، فأردت أن أتخذ عندهم يدًا، وقد علمت أن كتابي لا يُغنِي عنهم شيئًا، فصدَّقَه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقبل عذره، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال: وما يدريك يا عمر أنّ الله تعالى قد اطلع على أهل بدر، فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ففاضت عينَا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم، ونزلت السورة»[79][80].

● سادسًا: الاعتناء بالناسخ والمنسوخ:

عُني العلّامة الخطيب بمسألة النسخ، وبيان الناسخ والمنسوخ في تفسيره، فلم ترِد آيةٌ ناسخة أو منسوخة إلا كان يذكرُ ذلك، والأمثلة على ذلك كثيرة.

يقول العلّامة الخطيب عند تفسير قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة: 106]: «والنسخ لغة: الإزالة، كنسخ الظلّ الشمس، ومنه التناسخ في الإرث لانتقال التركة من قوم إلى قوم. وفي الاصطلاح: هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخّر، فيخرج المباح بحكم الأصل إذا ورد الشرع بضدّه رافعًا لإباحته فإنه لا يسمّى نسخًا إِذْ ليس رفع حكم شرعي، ويخرج أيضًا الرفع بالنوم والغفلة؛ لأن ذلك الرفع ليس بمجرد الدليل الشرعي، وهو: (رُفِعَ عن أُمَّتي الخطَأُ والنِّسيانُ)[81] ونحوه، بل يقتضيه العقل أيضًا بخلاف الرفع بنحو: (دَعِي الصَّلَاةَ أيَّامَ أقرائِكِ)[82]، فإنه لا مجال للعقل فيه»[83].

● سابعًا: الاهتمام بالمكي والمدني:

اهتمّ العلّامة الخطيب ببيان المكي والمدني اهتمامًا كبيرًا، ويحفل تفسيره بكثير من الأمثلة والشواهد المبينة لاهتمامه بالمكي والمدني، حتى إنَّه لا تكاد تمرّ سورة من سور القرآن دون أن يبيِّن هل هي مكية أو مدنية؟ ومن الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها على احتجاج العلّامة الخطيب بالمكي والمدني: عند تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ [البقرة: 21]، قال العلّامة الخطيب: «حُكِيَ عن علقمة والحسن أنّ كلّ شيء في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ فإنه مكي، وما كان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا﴾ فهو مدني، قال القاضي: هذا الذي ذكروه إن كان الرجوع فيه إلى النقل فمسَلَّم، وإن كان السبب فيه حصول المؤمنين بالمدينة فضعيف؛ لأنَّه يجوز أن يخاطِب المؤمنين مرّة بصفتهم ومرّة باسم جنسهم، وقد يؤمر من ليس بمؤمن بالعبادة، كما يؤمر المؤمنون بالاستمرار على العبادة والازدياد منها، فالخطاب للجميع ممكن»[84].

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: 3]، قال العلّامة الخطيب: «وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ عامٌّ يتناول كلّ مَن آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، سواء كان قبل ذلك مؤمنًا بموسى وعيسى عليهما السلام، أو ما كان مؤمنًا بهما، ودلالة اللفظ العام على بعض ما دخل فيه التخصيص أضعف من دلالة اللفظ الخاصّ على ذلك البعض؛ لأنَّ العام يحتمل التخصيص، والخاص لا يحتمله، فلما كانت هذه السورة مدنية، وقد شرّف الله تعالى المسلمين بقوله: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، ذكر بعد ذلك أهل الكتاب الذين آمنوا بالرسول، كعبد الله بن سلام، وأمثاله بقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾؛ لأنَّ في هذا التخصيص والذِّكْر مزيد تشريف لهم، كما في قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ [البقرة: 98]، ثم في تخصيص عبد الله بن سلام وأمثاله بهذا التشريف ترغيب لأمثاله في الدين، فهذا هو السبب في تخصيص ذِكْر الخاص بعد ذلك العام»[85].

● ثامنًا: ذِكْر المناسبات بين السور والآيات:

لقد برز اهتمام العلّامة الخطيب بعلم المناسبة في مواضع كثيرة من تفسيره، من أمثلة ذلك: عندما انتهى من تفسير قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ [البقرة: 6]، قال العلّامة الخطيب: «ثم إنه تعالى لـمّا بَيَّن أنهم لا يؤمنون بَيَّن السبب الذي لأجله لم يؤمنوا، وهو قوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ [البقرة: 7]»[86].

وعند تفسيره لأوّل سورة الروم: ﴿الـم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [الروم:1- 4]، يبيِّن العلّامة الخطيب المناسبة بين هذه السورة وما قبلها قائلًا: «وجه تعلّق السورة بما قبلها هو أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول للمشركين ما أمره الله به، ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 171]، وكان يحقِّرُ آلهتهم وينسبها إلى العجز وعدم النفع والضرر، وكان أهل الكتاب يوافقون المسلمين في الإلهية كما قال تعالى: ﴿وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ﴾ [العنكبوت: 46]، وكانوا يؤمنون بكثير مما يقوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل كثير منهم كانوا يؤمنون به كما قال: ﴿فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [العنكبوت: 47]، فلا جرم أبغضَ المشركون أهل الكتاب، وتركوا مراجعتهم في الأمور، فاتفق أنْ بعث كسرى جيشًا إلى الروم، واستعمل عليهم رجلًا يقال له شهربراز، فسار إلى الروم بأهل فارس فظفر عليهم وقتلهم وخرب مدائنهم. وكان قيصر بعث رجلًا يُدعى بجيس فالتقى مع شهربراز بأذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب، وإليه الإشارة بقوله: ﴿أَدْنَى الْأَرْضِ﴾؛ لأن الأرض المعهودة عند العرب هي أرضهم، أي: غلبوا في أقرب أرض العرب منهم، وهي أطراف الشام. وجوّز جار الله أن يُراد أرضهم على إنابة اللام مناب المضاف إليه، أي: في أدنى أرضهم إلى عدوّهم. وهذا تفسير مجاهد؛ لأنه قال: هي أرض الجزيرة وهي أدنى أرض الروم إلى فارس. وعن ابن عباس: الأردن وفلسطين، ففرح المشركون بذلك، وشمتوا بالمسلمين، وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب، ونحن وفارس أميون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، فلنظهرن عليكم، فأنزل الله تعالى هذه الآيات لبيان أن الغلبة لا تدلّ على الحقّ فقد يُبتلى المحبوب ويعجل عذابه لِيَسْلَم في الآخرة»[87].

وعند تفسير أوّل سورة الجمعة، يُبرِز العلّامة الخطيب المناسبة بين سورة الجمعة وسورة الصف الواردة قبلها، فيقول: «وجه تعلّق هذه السورة بما قبلها هو أنه تعالى قال في أول تلك السورة: (سبح) بلفظ الماضي، وذلك لا يدلّ على التسبيح في المستقبل، فقال في أول هذه السورة بلفظ المستقبل ليدل على التسبيح في زماني الحاضر والمستقبل»[88].

● تاسعًا: الاهتمام باللغة:

اهتم العلّامة الخطيب بشرح المفردات اللغوية، وبخاصّة تلك التي قد تبدو غريبة أو تحتاج إلى تفسير دقيق، واعتمد في ذلك على استقراء معاني الكلمات من أصولها اللغوية وفق المعاجم العربية، مما يُبرز فهمه للعمق اللغوي للنصّ القرآني، من أمثلة ذلك: عند تفسير قوله تعالى: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: قال المؤلف: «قوله تعالى: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: الريب: قريب من الشك، وفيه زيادة، كأنه ظنٌّ سيّئ، كما تقول: رابني أمر فلان، إذا ظننت به سوءًا، منه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ)[89]»[90].

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: 11]، قال العلّامة الخطيب: «﴿مُعَقِّبَاتٌ﴾ جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه وكلاءته، والأصل معتقبات فأدغمت التاء في القاف، كقوله: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ [التوبة: 90]، والمراد المعتذرون، ويجوز أن يكون من عقَّبه إذا جاء على عَقِبه؛ لأنهم يعقب بعضهم بعضًا، أو لأنهم يعقبون ما تكلم به فيكتبونه، والتأنيث للمبالغة نحو (نسّابة) و(علّامة)، أو لأنه جمع معقبة، أي: ملائكة معقبة أو جماعة معقبة»[91].

ويقدم العلّامة الخطيب شروحًا دقيقة للمفردات التي قد تكون غامضة أو تحتمل أكثر من معنى، من أمثلة ذلك: عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الحج: 36]، قال العلّامة الخطيب: «﴿فَإِذَا وَجَبَتْ﴾ أي: سقطت جنوبها على الأرض، من: وَجَبَ الحائط وجبةً، إذا سقط على الأرض، ووجبت الشمس وجبةً غربت، والمعنى: إذا أزهق روحها فكلوا منها»[92].

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً﴾ [الممتحنة: 2]، قال العلّامة الخطيب: «أي: يظفروا بكم، ويتمكنوا منكم»[93].

كما يعلّل اختيار القرآن لألفاظ معينة دون غيرها، مدعمًا تعليله بالأدلة، من أمثلة ذلك: عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ﴾ [الممتحنة: 1]، قال العلّامة الخطيب: «وإنما لم يقل: بما أسررتم وما أعلنتم...، لِما في الإخفاء من المبالغة؛ فإن الإخفاء أبلغ من الإسرار، بدليل قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: 7]»[94].

 ● عاشرًا: الاهتمام بالنحو والإعراب:

يبرزُ في تفسير العلّامة الخطيب اهتمامه بعلم النحو والإعراب، حيث يعتمد عليه في تحليل تراكيب الآيات وتحديد مواضع الكلمات وإعرابها، مما يساعد على فهم المعاني بدقة، من أمثلة ذلك: عند تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: 59]، قال العلّامة الخطيب: «في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ﴾ وجوه: أنَّه خبر ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾، أو خبر مبتدأ مضمر، أي هو الرحمن، ولهذا أجاز الزجّاج وغيره أن يكون الوقف على قوله: ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾، ثم يبتدئ: ﴿الرَّحْمَنُ﴾، أي: هو الرحمن، ويجوز أن يكون ﴿الرَّحْمَنُ﴾ مبتدأ، وخبره قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾»[95].

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [الفرقان: 33]، قال العلّامة الخطيب: «فقوله: ﴿وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ عطف على ﴿الحَقِّ﴾، أي: وجئناك بأحسن تفسير، أو على محلّ ﴿بِالْحَقِّ﴾، أي: إلا آتيناك الحق وأحسن تفسيرًا»[96].

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: 1]، قال العلّامة الخطيب: «قرأ العامة: ﴿سُورَةٌ﴾ بالرفع، وقرأ طلحة بن مصرف بالنصب، أمّا الذين قرؤوا بالرفع فالجمهور قالوا الابتداء بالنكرة لا يجوز، وإنَّما التقدير: هذه سورة أنزلناها، أو نقول: سورة أنزلناها، مبتدأ موصوف، والخبر محذوف، أي: فيما أوحينا إليك سورة أنزلناها، وقال الأخفش: لا يبعد الابتداء بالنكرة، فـ﴿سُورَةٌ﴾ مبتدأ، و﴿أَنْزَلْناها﴾ خبره، ومَن نصَبَ فعلى معنى الفعل، أي: اتبعوا سورة، أو اتلوا، أو: أنزلنا سورة»[97].

● أحد عشر: موافقة مذهب الأشاعرة في تفسير الآيات العقدية:

لقد سار العلّامة الخطيب في تفسيره وفقًا للعقيدة الأشعرية التي كانت سائدة، وذلك أنَّه كان إذا مرَّ بآية فيها مسألة عقدية، فإنَّه يذكر قول الأشاعرة، ويشير أحيانًا على الأقوال المخالفة من خلال نقده لها، وانتصاره لعقيدة الأشاعرة، كما يتّضح ذلك من خلال المسائل والمواقف التي جاءت في تفسيره، والتي تؤيد ذلك، ومن أمثلة ذلك: عند تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: 59]، قال العلّامة الخطيب: «فقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾، لا يجوز حمله على الاستيلاء؛ لأنَّ الاستيلاء والقدرة في حقه عزّ وجلّ لـم تزل، فلا يصح دخول ﴿ثُمَّ﴾ فيه، والاستقرار غير جائز؛ لأنَّه يقتضي التغيّر الذي هو دليل الحدوث، ويقتضي التركيب والبَعضية؛ وكلّ ذلك على الله تعالى مُحال، بل المراد: ثم خلق العرش ورفَعَه وهو مستولٍ»[98]. فقرّر المؤلِّف مذهب الأشاعرة في تأويلهم ﴿اسْتَوَى﴾ بمعنى: استولى.

وعند تفسير قوله تعالى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح: 10]، قال العلّامة الخطيب: «﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾، قال أهل المعاني: هذا تمثيل وتخييل، ولا جارحة هناك، وقيل: اليد النعمة، أي: نعمة الله عليهم بالهداية فوق إحسانهم إلى الله بإجابة البيعة، كما قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: 17]، قال القفال: هو من قوله صلى الله عليه وسلم: (اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى)[99]، يريد بالعليا المعطية، أي: يعطيهم ما يكون له به الفضل عليهم، وقيل: القوة، أي: نَصْره إياهم فوق نصرتهم لرسوله، وقيل: يد الله بمعنى الحفظ، فإن المتوسط بين المتبايعين يضع يده فوق يديهما فلا يترك أن يفارق حتى يتم البيع، والمراد أنّ الله يحفظهم على بيعتهم»[100].

فقرر المؤلِّف هنا عقيدة الأشاعرة، فإنَّهم يقولون: يد الله: نعمته، فيؤولونها، ومذهب السلف في صفات الله: «أَمِرُّوا صِفَات الله كَمَا جَاءَتْ بِلا كَيْف»[101].

● اثنا عشر: الردّ على الفِرَق العقدية:

يتبع المؤلفُ منهجًا تفصيليًّا في الردّ على الفرق العقدية مثل المعتزلة والجبرية وغيرهم. ويعتمد في ذلك على نقاش الآراء المختلفة والاستناد إلى النصوص الشرعية وأدلة العقل، كما يظهر رفضه لبعض المقولات التي يعتبرها غير متوافقة مع نصوص الكتاب والسنّة، من أمثلة ذلك: انتقاد المؤلِّف لمنهج المعتزلة في تقديم العقل على النصوص الشرعية في مواضع كثيرة من تفسيره، خاصّة في مسائل الغيبيات والصفات الإلهية، من ذلك: عند تفسير الحروف المقطّعة، ذكر المؤلِّف بأنها من المتشابه الذي لا يعلم معناه إلا الله، ثم قال: «ثم إنّ المتكلمين أنكروا هذا القول، وقالوا: لا يجوز أن يرِدَ في كتاب اللّه تعالى ما لا يكون مفهومًا للخلق، واحتجوا عليه...»[102]. وذكر ما احتج به المتكلِّمون من الأدلة النقلية والعقلية، ثم قال: «فهذا مجموع كلام المتكلِّمين، واحتج مخالفوهم بالآية، والخبر، والمعقول...».

وسرد ما احتجوا به، ثم قال: «فهذا ملخص كلام الفريقين في هذا الباب»[103].

الخاتمة:

وفيها أهم النتائج والتوصيات:

تناولنا في هذه المقالة تفسير: (نفائس الجواهر الحسان البهية في بيان أسرار معاني الآيات القرآنية) للعلّامة الحسن بن إبراهيم الجماعي الخطيب اليمني (ت: 1265هـ)، حيث قدَّمنا تعريفًا بالمؤلِّف، وسلَّطنا الضوء على أبرز ملامح منهجه في تفسيره.

وقد تبيَّن لنا من خلال هذا البحث أنّ العلّامة الخطيب جمع بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، معتمدًا على مجموعة من التفاسير المشهورة والأصيلة، مثل: (التفسير الكبير) للإمام الرازي، و(غرائب القرآن ورغائب الفرقان) للإمام النيسابوري، و(إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم) لأبي السعود العمادي، و(السراج المنير) للخطيب الشربيني.

ورغم اعتماد العلّامة الخطيب على هذه المصادر، إلا أنه حرص على تقديم تفسير يسعى لتوضيح العبارات وتيسير معاني النصوص القرآنية. كما التزم بتقديم مادة علمية مفصلة، تجمع بين الإيجاز غير الـمُخلّ والإطالة غير المملّة، بهدف تسهيل فهم معاني القرآن الكريم وفق منهجية واضحة وميسَّرة، تجعل المعاني أقرب إلى القارئ بعيدًا عن التعقيد والغموض.

تتجلى ملامح منهجه في تفسيره من خلال انتقائه للمصادر التي نقل عنها، مع التصرّف فيها بالحذف، والزيادة، والاختصار، والتهذيب، مع الحفاظ على المنهجية العامة والسياق العام للنصوص. ولذلك، فإنّ كثيرًا من السمات المنهجية التي ميَّزت تفسيره تعكس خصائص التفاسير التي اعتمد عليها.

وفي ختام هذه المقالة، نوصي الباحثين بدراسات مقارنة بين منهج الخطيب ومنهج معاصريه من العلماء في التفسير، بهدف إبراز مكانة تفسيره ضمن الحركة العلمية في عصره. كما نوصي بإجراء أبحاث متعمّقة حول منهجه في تناول القضايا الفقهية بالاستناد إلى تفسيره لآيات الأحكام.

والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات، وصلى اللهُ وسلَّم على نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

[1] ينظر ترجمته في: حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، عبد الرزاق بن حسن البيطار (ت: 1335هـ)، تح: محمد بهجة البيطار، دار صادر، بيروت، ط2، 1413هـ= 1993م، ص1602- 1608.

[2] طُرَّةُ النسخة الخطية.

[3] ينظر ترجمته في: عقود الدرر في تراجم رجال القرن الثالث عشر، الحسن بن أحمد بن عبد الله عاكش الضمدي (ت: 1290هـ)، تح: عبد الحميد بن صالح آل أعوج سبر، مكتبة الجيل الجديد، صنعاء، ط1، 1434هـ= 2013م، ص350- 353؛ معجم المؤلفين، عمر بن رضا بن محمد كحالة (ت: 1408هـ)، مكتبة المثنى، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د.ت) (4/ 216).

[4] طُرَّةُ النسخة الخطية.

[5] لم أقف على ترجمته فيما بين يدي من المصادر.

[6] طُرَّةُ النسخة الخطية.

[7] ينظر ترجمته في: عقود الدرر، عاكش، ص688- 692.

[8] طُرَّةُ النسخة الخطية.

[9] ينظر: عقود الدرر، عاكش، ص315؛ نشر الثناء الحسن، إسماعيل بن محمد الوشلي (ت: 1356هـ)، تح: إبراهيم أحمد المقحفي، مكتبة الإرشاد، صنعاء، ط2، 1429هـ= 2008م، (3/ 177)؛ المحاسن المجتمعة في مآثر الإخوة الأربعة، محمد بن أبي بكر بن عبد الله باذيب، دار الفتح للدراسات والنشر، عمّان- الأردن، ط1، 1426هـ= 2005م، ص519.

[10] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 2/ و).

[11] ينظر: معجم البلدان والقبائل اليمنية، إبراهيم أحمد المقحفي، دار الكلمة، صنعاء، المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت، ط1، 1422هـ= 2002م، (1/ 348).

[12] ينظر: معجم البلدان والقبائل اليمنية، المقحفي (1/ 611).

[13] ينظر: معجم البلدان والقبائل اليمنية، المقحفي (1/ 436).

[14] ينظر: عقود الدرر، عاكش، ص315.

[15] ينظر: عقود الدرر، عاكش، ص315- 316.

[16] ينظر: عقود الدرر، عاكش، ص315.

[17] ينظر ترجمته في: نشر الثناء الحسن، الوشلي (3/ 178).

[18] ينظر: المحاسن المجتمعة، باذيب، ص290، 519 -الهامش-.

[19] وهذه النسخة تقع في مكتبة مخطوطات جامعة الملك سعود بالرياض، برقم (1916).

[20] ينظر: طُرَّة النسخة الخطية لشرح الرحبية، لابن المتقنة (1/ و).

[21] ينظر: عقود الدرر، عاكش (315).

[22] يطلق اسم (البندر) على البلد الكبير وما يتبعه من القرى المجاورة له. ينظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة، (د.ت)، (د.ط) (1/ 71).

[23] ينظر: نشر الثناء الحسن، الوشلي (3/ 177- 178).

[24] ينظر: عقود الدرر، عاكش، ص315- 316.

[25] ينظر: عقود الدرر، عاكش، ص315.

[26] ينظر: نشر الثناء الحسن، الوشلي (3/ 178).

[27] ينظر ترجمته في: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، الشوكاني، محمد بن عليّ بن محمد (ت: 1250هـ)، دار المعرفة، بيروت، (د.ط)، (د.ت) (1/ 268)؛ نيل الوطر من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث عشر، محمد بن محمد بن يحيى بن زبارة الحسني اليمني الصنعاني (ت: 1381هـ)، المطبعة السلفية، القاهرة، 1350هـ (2/ 30- 31)؛ هجر العلم ومعاقله في اليمن، إسماعيل بن عليّ الأكوع (ت: 1429هـ)، ط. دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، 1416هـ= 1995م (4/ 2012).

[28] ينظر ترجمته في: نشر الثناء الحسن، الوشلي (3/ 174). صبابة المتيم في نشأة الدريهمي وعلمائها، حسن مقبول الأهدل، ط1، دار الحاوي، بيروت، دار السنابل، سوريا، 2022م، ص62.

[29] ينظر ترجمته في: نيل الوطر، زبارة (2/ 283)؛ هجر العلم، الأكوع (4/ 2013).

[30] ينظر ترجمته في: عقود الدرر، عاكش، ص507- 508.

[31] ينظر ترجمته في: عقود الدرر، عاكش، ص770- 778؛ نشر الثناء الحسن، الوشلي (3/ 174- 175).

[32] ينظر ترجمته في: نفحة المندل في ترجمة سيدي الكبير عليّ الأهدل، وتراجم خواص ذريته وأتباعه على المنهج الأعدل، أبو بكر بن أبي القاسم بن أحمد الأهدل (ت: 1035هـ)، تح: محمد بن محمد بن عبده سليمان الأهدل، دار البرهان، الحديدة، اليمن، ط2، 1440هـ= 2019م (1/ 215)؛ نشر الثناء الحسن، الوشلي (1/ 360)؛ نيل الوطر، زبارة (2/ 224)؛ مقدمة تحقيق إفادة السادة العمد بتقرير معاني نظم الزبد، محمد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل (1298هـ)، تح: محمد شادي مصطفى عربش، دار المنهاج، بيروت، ط1، 1426هـ= 2006م، ص67.

[33] ينظر ترجمته في: نشر الثناء الحسن، الوشلي (1/ 17- 20). نزهة النظر في رجال القرن الرابع عشر، محمد بن محمد بن يحيى بن زبارة الحسني اليمني الصنعاني (ت: 1381هـ)، ط1، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1431هـ= 2010م، ص589.

[34] ينظر ترجمته في: عقود الدرر، عاكش، ص484- 486؛ نشر الثناء الحسن، الوشلي (2/ 606- 607)؛ أئمة اليمن بالقرن الرابع عشر، محمد بن محمد بن يحيى زبارة (ت: 1381هـ)، المطبعة السلفية ومكتبتها، شارع الفتح بالروضة، طبعة قديمة، (د.ت) (1/ 96- 97).

[35] ينظر: عقود الدرر، عاكش، ص315- 316.

[36] ينظر ترجمته في: نيل الوطر، زبارة (2/ 315- 318)؛ عقود الدرر، عاكش، ص575.

[37] ينظر: عقود الدرر، عاكش (315- 316).

[38] ينظر: نشر الثناء الحسن، الوشلي (3/ 178).

[39] ينظر: طُرَّة النسخة الخطية.

[40] ينظر: طُرَّة النسخة الخطية.

[41] ينظر: طُرَّة النسخة الخطية.

[42] ينظر: تقريظه على كتاب العقد الثمين شرح الأربعين، مخطوط بمكتبة الحرم المكي برقم (3429)، (122/ ظ).

[43] المحاسن المجتمعة، باذيب، ص519.

[44] عقود الدرر، عاكش، ص315.

[45] عقود الدرر، عاكش، ص315.

[46] ينظر: فهرس مخطوطات مكتبة الحرم المكي الشريف، الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، السعودية، 1438هـ (3/ 476).

[47] ينظر: فهرس مخطوطات مكتبة الحرم المكي (3/ 405).

[48] عقود الدرر، عاكش، ص315.

[49] فهرس مخطوطات مكتبة الحرم المكي (6/ 248).

[50] أخرجه الترمذي في سننه، برقم (2906)، وقال: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده مجهول».

[51] ينظر: نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ و).

[52] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ و).

[53] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ و).

[54] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ و).

[55] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ و).

[56] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ ظ).

[57] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ ظ).

[58] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ ظ).

[59] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ ظ).

[60] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ ظ).

[61] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ ظ).

[62] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 3/ ظ).

[63] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 25/ و- ظ).

[64] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 122/ ظ).

[65] أخرجه الترمذي في سننه، برقم (2910)، وقال: «حديث حسن صحيح».

[66] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 22/ ظ- 23/ و).

[67] أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، برقم (2202).

[68] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 26/ ظ).

[69] نفائس الجواهر، الخطيب (4/ 18/ و).

[70] أخرجه مسلم في صحيحه، برقم (181).

[71] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 23/ و).

[72] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 59/ ظ).

[73] نفائس الجواهر، الخطيب (5/ 64/ ظ).

[74] نفائس الجواهر، الخطيب (4/ 93/ و).

[75] نفائس الجواهر، الخطيب (5/ 117/ ظ).

[76] أخرجه البخاري في صحيحه، برقم (5200).

[77] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 14/ ظ).

[78] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 101/ و).

[79] أخرجه البخاري في صحيحه، برقم (4890)، ومسلم، برقم (2494).

[80] نفائس الجواهر، الخطيب (7/ 209/ و).

[81] حديث موضوع أورده الرازي في التلخيص الحبير (2/ 464).

[82] حديث صحيح أورده الأرناؤوط في تخريج شرح السنّة (9/ 207).

[83] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 112/ و).

[84] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 42/ ظ).

[85] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 30/ و).

[86] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 32/ ظ).

[87] نفائس الجواهر، الخطيب (6/ 28/ ظ).

[88] نفائس الجواهر، الخطيب (7/ 218/ و).

[89] أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، برقم (2202).

[90] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 26/ ظ).

[91] نفائس الجواهر، الخطيب (4/ 117/ ظ).

[92] نفائس الجواهر، الخطيب (5/ 117/ ظ).

[93] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 209/ ظ).

[94] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 209/ ظ).

[95] نفائس الجواهر، الخطيب (5/ 226/ ظ).

[96] نفائس الجواهر، الخطيب (5/ 219/ و).

[97] نفائس الجواهر، الخطيب (5/ 155/ ظ- 156/ و).

[98] نفائس الجواهر، الخطيب (5/ 226/ ظ).

[99] أخرجه البخاري في صحيحه، برقم (1427).

[100] نفائس الجواهر، الخطيب (6/ 74/ و).

[101] أسند اللالكائي في شرح أصول أهل السنّة أنَّ الوليد بن مسلم، قال: سألتُ الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية، فقالوا: (أمِرُّوها بِلا كَيْفَ). شرح أصول اعتقاد أهل السُّنة والجماعة، هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي (ت: 418هـ)، تح: أحمد بن سعد الغامدي، دار طيبة، السعودية، ط8، 1423هـ= 2003م (3/ ‏558).

[102] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 23/ ظ).

[103] نفائس الجواهر، الخطيب (1/ 23/ ظ).

الكاتب

الدكتور جمال نعمان ياسين

عضو هيئة التدريس في قسم علوم القرآن والدراسات الإسلامية بكلية الآداب - جامعة إب باليمن، وله عدد من المؤلفات والأعمال العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))