مواقف ابن جرير الطبري النقدية في تفسيره
من أبي عبيدة في كتابه (مجاز القرآن)

يُعَدّ كتاب (مجاز‏‎ ‎القرآن) لأبي عبيدة‏‎ ‎من‎ ‎‎الموارد‎ ‎المهمّة لابن‎ ‎جرير‎ ‎الطبري في تفسيره، وقد‎ ‎تنوّعت‎ ‎مواقفه‎ ‎النقدية‎ ‎منه من موافقةٍ لرأيه أو السكوت عنه أو ردّهِ، وهذه المقالة تُلقِي ضوءًا على هذه المواقف، وهي مستلّة من كتاب: (الصناعة النقدية في تفسير ابن جرير الطبري).

مواقف ابن جرير الطبري النقدية في تفسيره

من أبي عبيدة في كتابه (مجاز القرآن)[1]

  استوعبابنُجريرفينقدهللتفسيركاملَعناصرالتفسير؛ فأجرىنقدهعلىالأقوال، وعلىالرجال، وعلىالأسانيد،وعلىالمناسبات،والنزول،وغيرها.

ولـمّاكانابنجريرمنأوسعالمفسِّرينفيمصادرِهومراجعِه؛ نظرًالشمولنَظَرهفيالتفسير،منجهة: القراءات،والأحاديث،والآثار،والتاريخ،واللغة،وغيرذلك؛فقدارتأيتأنأعرضلمنهجهفينقدالرجالمنخلالاستعراضمنهجهفيالاستفادةمنأهمّ مراجعهاللغوية،وموقفهالنقديمنآرائه. وقدتقرّرأنّابنجريراستفادمنمصادرلغويةمتنوعة،منأهمها:

- معانيالقرآنللفراء،يحيىبنزياد (ت: 207).

- مجازالقرآن،لأبيعبيدةمعمربنالمثنّى (ت: 210).

- معانيالقرآن،للأخفشسعيدبنمسعدة (ت: 215).

- تأويلمشكلالقرآن،لعبداللهبنمسلمبنقتيبةالدِّينورِي (ت: 276).

وسيكونالحديثعنأحدهذهالكتب،وهومجازالقرآنلأبيعبيدةمعمربنالمثنّى.

يُعَدّأبوعبيدةوكتابه (مجازالقرآن)منأهمّمواردابنجريرفيجامعِه،وقداستفادابنجريرمنكتابهفيأبوابمتنوّعة،أغلبهافيبيانالمفرداتاللغويةوإيضاحمعانيهاوالاستدلالعلىذلكبكلامِالعربشِعْرِهونثرِه، وأيضًافيتوجيهالقراءاتوبيانها،كمانقلعنهفيتفسيرالآياتوبيانمعانيها،ونقلعنهبعضالأوجهالإعرابيةالتيتحتملهاالآيةوغيرذلك.

وقدتنوّعَتْمواقفابنجريرالنقديةمنأبيعبيدةبحسَبمنهجهالذياختَطّهفيكتابهوقواعده النقديةالمبنيّةعلىاعتمادصحيحالرواية،وموافقةأقوالأهلالتأويل،وماتقتضيهالعربيةبحسَبظاهر القرآنوالنَّظْموالسياقالقرآني،وغيرذلكمنالقواعدالنقدية =إلى:

1- الموافقة:

وذلكأنّابنجريركانيشيرإلىموافقةأبيعبيدةفيماذهبإليهفيتفسيرهإذاطابقالقواعد النقدية،قالالطبريفيتفسيرقولهتعالى: ﴿وَلَوْ ‌أَنَّ ‌قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [الرعد: 31]: «اختلفأهلالمعرفةبكلامالعربفيمعنىقوله: ﴿أَفَلَمْ يَيْأَس، فكانبعضأهلالبصرة[2] يزعمأنّمعناه: ألميعلمويتبيَّن؟ويستشهدلقِيلهذلكببيتسُحَيمبنوَثِيلٍالرِّياحِيّ[3]:

أقولُلهمبالشِّعبِإِذْيَأْسِرُونَنِي .. ألَـمْتَيْأَسُواأنِّيابنُفارسِزَهْدَمِ

وأمّابعضالكوفيين[4]فكانينكرذلك،ويزعمأنهلميسمعأحدًامنالعربيقول: يَــئِسْتُ،بمعنى: عَلِمْتُ،ويقول: هوفيالمعنىوإنلميكنمسموعًا (يئست)بمعنى(علمت)،يتوجّهإلىذلكأنّاللهقدأوقعإلىالمؤمنينأنهلوشاءلهدىالناسجميعًا،فقال: ألميَيْأَسُواعِلْمًا،يقول: يُؤَيِّسُهُمالعلم،فكانفيهالعلممضمرًا».

ثمعقّبابنجريرفقال: «وأمّاأهلالتأويل،فإنهمتأولواذلكبمعنى: أفلميَعْلَمْويَتبيَّنْ»[5]،ثمرواهعنابنعباسومجاهدوقتادةوابنزيد.

واختارالطبريهذاالمعنىلإجماعأهلالتأويلعلىذلك،وللأبياتالتيأنشدهافيذلك،معبيانمعنىالآية،فقدقال: «والصوابمنالقولفيذلكماقالهأهلالتأويل: إنّتأويلذلك: أفلميَتبيَّنْويَعْلَمْ؟لإجماعأهلالتأويلعلىذلك،والأبياتالتيأنشدناهافيه.فتأويلالكلامإذن: ولوأنّقرآنًاسِوَىهذاالقرآنكانسُيِّرَتبهالجباللسُيِّرَبهذاالقرآن،أوقُطِّعَتبهالأرضلقُطِّعَتبهذا،أوكُلِّمَبهالموتِىلكُلِّمَبهذا،ولميُفعَلذلكبقرآنقبلهذاالقرآنفيُفعلبهذا»[6].

وماذكرهابنجريرعنالفرّاءهوقولبعضأئمةاللغةمنالكوفيين،قالالكسائي: «ماوجدتُالعربتقول: يَـئِسْتبمعنىعَلِمْتألبتة»[7]،وأيّدهالراغببقوله: «قيلمعناه: (أفلميعلموا)،ولميرِدأنّاليأسموضوعفيكلامهمللعِلم،وإنماقصدأنَّيَأْسَالذينآمنوامنذلكيقتضيأنيحصلبعدالعلمبانتفاءذلك،فإذاثبوتُ يَأْسِهِميقتضيثبوتحصولعِلْمهم»[8].

لكنّأباحيانناقشإنكارالكسائيوالفرّاءلهذاالمعنى،وأنهلميسمعمنالعرببقوله: «وقدحفظذلكغيره،وهذاالقاسمُبنمَعْنٍمنثِقاةالكوفيينوأَجِلَّائهم،نقَلَأنّهالغةهوازن،وابنالكلبينقلأنّهالغةلحيٍّمنالنخع،"ومَنحَفِظَحُجةٌعلىمَنلميحفظ"»،ثمبيَّنمرادالفرّاءبتضمّناليأسمعنىالعلمقائلًا: «وقيل: إنمااستُعملاليأسبمعنىالعلملِتضمّنهمعناه؛لأنّاليائِسمنالشيءعالمبأنهلايكون،كمااستُعملالرجاءفيمعنىالخوف،والنسيانفيمعنىالترك»[9].

كمايستدلّلهذاالقولبقراءةعليّوابنعباس -رضي الله عنهما- وعكرمةوابنأبي مليكةوالجحدريوعليّبنالحسينوابنهزيد وجعفربنمحمدوأبييزيدالمدينيوعبداللهبنيزيدوعليّبنبذيمة: (أوَلميَـتبيَّنْمِنتبيَّـنتكذا: إذاعرفته[10].

ومااختارهابنجريرهوقولأكثر أهل اللغة -قالهالنحاس-،منهم: أبوعمروبنالعلاء -نقلهالنحاس-، وابنقتيبة،والنحاس،ومكيّبنأبيطالب،وغيرهم[11].

كماصوّبابنجريرجمعهبينالمعانيالمختلفةللكلمة،فقدذكرالطبريأقوالأهلالتأويلفيمعنى (إِلًّا) فيتفسيرقولهتعالى: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ [التوبة: 10]:

القولالأول: أنّمعناه: لايرقبوناللهَفيكم.ورواهعنمجاهدوأبيمِجْلَز.

القولالثاني: أنّمعناه: القرابة. ورواهعنابنعباس والضحّاكوالسدّي.

القولالثالث: أنّمعناه: الحِلف. ورواهعنقتادة.

القولالرابع: أنّمعناه: العَهْد. ورواهعنمجاهدوابنزيد.

القولالخامس: مانقلهعنأبيعبيدة (غيرمصرحباسمه)،فقال: «وقدزعمبعضمنينسبإلىمعرفةكلامالعربمنالبصريين: العهدوالميثاقواليمين: واحد».

ثمقرّرابنجريراختياره،فقال: «والإِل: اسميشتملعلىمعانٍثلاثة: وهيالعهدوالعقد،والحِلف،والقرابة،وهوأيضًابمعنىالله،فإذاكانتالكلمةتشملهذهالمعانيالثلاثة،ولميكناللهخصّمعذلكمعنًىدونمعنى، فالصوابأنيعمّذلك،كماعمّبها-جلّثناؤه-معانيهاالثلاثة،فيُقال: لايرقبونفيمؤمنٍاللهَ،ولاقرابة،ولاعهدًا،ولاميثاقًا»[12]، ثماستشهدلكلّمعنىبماورَدَعنالعرب،وهوبهذايوافقأباعبيدةفيتعدّدالمعنى.

وهذاالقولهواختيارأبيعبيدالقاسمبنسلّام،وابنقتيبة،وابنالأنباري،ومكيّبنأبيطالب،وابنعطية،والقرطبي،والبيضاوي،ورشيدرضا،وابنعاشور،وغيرهم[13].

ويقوِّيابنجريرتعليلأبيعبيدةفيالإعراب،ففيقولهتعالى: ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ[المطففين: 27- 28]، فقال: «واختلفأهلالعربيةفيوجهنصبقوله: ﴿عَيْنًا﴾. فقالبعضنحوييالبصرة[14]: إنشئتجعلتنصبهعلى: يُسقَونعينًا، وإنشئتجعلتهمدحًا،فيقطعمنأولالكلام،فكأنكتقول: أعنيعينًا.وقالبعضنحوييالكوفة[15]: نصبالعينعلىوجهين؛أحدهما: أنينويمنتسنيمعينٍ،فإذانُوِّنَتنُصبت،كماقال: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ [البلد: 14- 15]، وكما قال: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾[المرسلات: 25- 26]».

والوجهالآخر: أنينوي: منماءٍسُنِّمعينًا،كقولك: رفعَعينًايشرببها.وقالآخرمنالبصريين: ﴿مِنْتَسْنِيمٍمعرفة،ثمقال: ﴿عَيْنًا،فجاءتنكرةفنصبتهاصفةلها.

ثمقالالطبريمختارًاالقولالثالث(وهوقولأبيعبيدة): «والصوابمنالقولفيذلكعندنا: أنالتسنيماسممعرفةوالعيننكرة،فنصبتلذلك،إِذْكانتصفةله؛وإنماقلناذلكهوالصواب،لماقدّمنامنالروايةعنأهلالتأويل[16]أنّالتسنيمهوالعين،فكانمعلومًابذلكأنّالعينإذكانتمنصوبةوهينكرةأنّالتسنيممعرفة»[17].

فقدقدّمابنجريرقولأبيعبيدةعلىنظرائهمناللغويين،لموافقتهقولأهلالتأويل،معموافقتهللأَولىفيالصناعةالنحوية[18]. وممّنذكرتوجيهكلامأبيعبيدة: النحاسوأبوالبركاتالأنباري والزمخشريوالعكبريوالقرطبيوابنعطيةوالرازيوأبوحيان[19].

بلإنهقديوافقهمعمخالفةغيرهمنالمفسِّرين،فقدقالالطبريفيتفسيرقولهتعالى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا ‌مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: 47]: «وقوله: ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا ‌مَسْحُورًا﴾يقول: حينيقولالمشركونبالله: ماتتبعونإلّارجلًامسحورًا.وعنىفيماذكربالنجوى: الذينتشاوروافيأمررسولالله-صلىاللهعليهوسلم- فيدارالندوة.وبنحوالذيقلنافيذلكقالأهلالتأويل...». ثمروىهذاالمعنىعنمجاهدوقتادة.

ثمعقّببقولأبيعبيدة،فقال: «وكانبعضأهلالعربيةمنأهلالبصرة[20]يذهببقوله: ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا ‌مَسْحُورًا﴾ إلى معنى: ما تتبعون إلا رجلًالهسَحْر،أي: لهرِئة،والعربتسمىالرئةسَحْرًا،والسَّحرمنقولهمللرجلإذاجَبُنَ: قدانتفخسَحْرُه،وكذلكيُقاللكلّماأكَلَأوشربمنآدميوغيره،مسحور،ومُسَحَّر،كماقاللبيد[21]:

فإنْ تسألِينا فيمَ نحنُ فإنّنا .. عصافيرُ من هذا الأنامِ المُسَحَّر

وقال[22]:

............................ ونُسْحَرُ بالطعامِ وبالشرابِ

أي: نُغذَّىبهما،فكأنّمعناهعندهكان: إنتتبعونإلارجلًالهرِئة،يأكلالطعام،ويشربالشراب،لامَلَكًالاحاجةبهإلىالطعاموالشراب.والذيقالمنذلكغيربعيدمنالصواب»[23]. وقدذكرهذاالقولبعضاللغويينمنهم: الزجاج[24].

وقدردّتفسيرَأبيعبيدةهذاجماعةٌمناللغويينوالمفسِّرين،قالابنقتيبة: «ولستُأدريمااضطرهإلىهذاالتفسيرالمستكرَه،وقدسبقالتفسيرمنالسَّلَفبمالااستكراهفيه»[25]،وقالالنحاس -فيترجيحالقولالأول-، أي: مخدوعًا: «والقولالأولأنسببالمعنى،وأعرففيكلامالعرب»[26].

وقالابنكثير: «وقدصوّبابنجريرهذاالقولوفيهنظر؛لأنهمأرادواههناأنهمسحور،لهرئيّيأتيهبمااستمعوهمنالكلامالذييتلوه»[27]. وقالالسمين: «وأيضًافإنّالسَّحْرالذيهوالرئةلميضربلهفيهمثل،بخلافالسِّحْر،فإنهمضربوالهفيهالمثل،فمابعدالآيةمنقوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَلايناسبإلاالسِّحْر،بالكسر»[28].وقالالآلوسي: «ولايخفَىمافيهمنالبُعد»[29].

2- السكوت:

وقدينقلابنجريركلامأبيعبيدةدونتعقيب،ففيقولهتعالى: ﴿فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ[الذاريات: 39]،قالابنجرير: «يقول: وقاللموسى: هوساحريسحرعيونالناس،أومجنونبهجِنّة.وكانمعمربنالمثنى[30]يقول: ﴿أَوْفيهذاالموضعبمعنىالواوالتي للموالاة؛لأنهمقدقالوهماجميعًاله، وأنشدفيذلكبيتجريرالخطفي[31]:

أثعلبة الفوارس أو رياحًا .. عدلت بهم طهية والخشابا[32].

وقدتضمّنكلامُابنجريرالسابقفيمعنى ﴿أَوْفيالآيةقولَيْن:

القولالأول: أنهاعلىظاهرهاللإبهام[33].

القولالثاني: أنهابمعنىالواوالتيللموالاة؛لأنهمقدقالوهماجميعًا،وهذارأيأبيعبيدة،ولميتعقّبهابنجرير،لكنردّقولَأبيعبيدةجماعةٌمنالمفسِّرينوضعّفوه؛قالابنعطية: «وقولُأبيعبيدةضعيفٌ،لاداعيةإليهفيهذاالموضع»[34].قالأبوحيان: «ولاضرورةتدعوإلىجعلِ﴿أَوْبمعنىالواو؛إِذْيكونقالهماوأبهمعلىالسامع،فـ(أو) للإبهام»[35]،وقالالآلوسي: «فـ(أو) للشك،وقيل: للإبهام،وقالأبوعبيدة: هيبمعنىالواو؛لأنّاللعينقالالأمرين،قال: ﴿إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾،وقال: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾: وأنتتعلمأناللّعينيتلوَّنتلوُّنالحرباء،فلاضرورةتدعوإلىجعلهابمعنىالواو»[36].

وقديقتصرابنجريرفيتأويلهالآيةأوبيانمفرداتهاعلىالنقلعنأبيعبيدة،مشيرًاإليه،أومصرِّحًاباسمه،أولايشيرإليه.

فمنالأول: ماذكرابنجريرفيتفسيرقولهتعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا﴾ [الواقعة: 25]،إذقال: «وكانبعضأهلالعلمبكلامالعربمنأهلالبصرة يقول: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا﴾والتأثيملايُسمَع،وإنمايُسمَعاللغو،كماقيل: أكلتُخبزًاولبنًا،واللبنلايؤكل،فجازتإِذكانمعهشيءيؤكَل»[37].

كمانقلابنجريرفيتفسيرقولهتعالى: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ [الحاقة: 8]؛قولأبيعبيدةمنالأقوالالمحتملةفيتفسيرمعنى: ﴿بَاقِيةٍ،فقال: «يقولتعالىذِكْرهلنبيّهمحمد-صلىاللهعليهوسلم-: فهلترىيامحمدلعادٍقومهودمِنبقاء؟وقيل: عنيبذلك: فهلترىمنهمباقيًا. وكانبعضأهلالمعرفةبكلامالعربمنالبصريينيقول: معنىذلك: فهلترىلهممِنبقية؟ويقول: مجازهامجازالطاغية،مصدر»[38].

وماذكرهابنجريرهوماقرّرهالفرّاء،بقوله: «وكلُّ ذلكفيالعربيةجائزٌ حسنٌ»[39]،وتابعهابنقتيبة،والنحّاس،والزمخشري،وابنعطية،وابنالجوزي،والرازي،والقرطبي،وأبوحيان،وغيرهم[40].

ومنالثاني: مانقلهابنجريرفيمعنى ﴿حم[غافر: 1]، فقدحكىالأقوالفيالمعنى،ثمنقلعنأبيعبيدة،فقال: «وقالآخرون: بلهواسم،واحتجُّوالقولهمذلكبقولشريحبنأوفىالعبسي[41]:

يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ[42] .. فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ

وبقولِ الكميت[43]:

وَجَدْنَا لَكُمْ فِي آلِ حَامِيمَ آيَةً .. تَأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيٌّ وَمُعْرِبُ

وحُدِّثْتُعنمعمربنالمثنىأنهقال: قاليونس-يعني: يونسالجرمي-: ومَنقالهذاالقولفهومُنكَرٌعليه؛لأنّالسورة ﴿حمساكنةالحروف، قخرجت مخرج التهجّي، هذه أسماء سور خرجت متحركات، وإذا سميت سورة بشيء من هذه الأحرف المجزومة دخله الإعرابفخرجتمخرجالتهجّي،وهذهأسماءسورخرجتمتحركات،وإذاسميت سورةبشيءمنهذهالأحرفالمجزومةدخلهالإعراب»[44].

ومنذلكأيضًاماذكرهابنجريرفيتفسيرقولهتعالى: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنعام: 25]: «والأساطيرجمعإِسطارةوأُسطُورةمثلأُفكُوهَةوأُضحُوكَة،وجائـزٌأنيكونالواحدأسطارًا،مثل:أبياتوأبابيت،وأقوال وأقاويل.منقولاللهتعالىذِكْره: ﴿وَكِتَابٍمَسْطُورٍمنسطريسطُر سطرًا،فإنكانمنهذا،فإنّتأويله: ماهذاإلاماكتبهالأوّلون.وقدذكرعنابنعباسوغيرهأنهمكانوايتأوّلونهبهذاالتأويل،ويقولون: معناه: إنْهذاإلّاأحاديثالأوّلين».ثمأسندهعنابنعباس،والسدّي.ثمقرّرهذاالمعنىمنجهةالعربية،فنقلهعنأبيعبيدةوالأخفش، فقال: «وكانبعضأهلالعلم -وهوأبوعبيدةمعمربنالمثنى- بكلامالعربيقول: الإِسطارةُلغةٌ،ومجازُهاالتُّـرَّهات،وكانالأخفشيقول: قالبعضهم: واحدهأسطورة،وقالبعضهم: إسطارة،قال: ولاأراهإلّامنالجمعالذيليس لهواحد،نحوالعبابيدوالمذاكيروالأبابيل»[45].

وقدتواردتكلمةالمفسِّرينواللغويينعلىهذهالمعاني؛منهم: السمرقندي،والواحدي،والزمخشري،والبغوي،وابنعطية،وابنالجوزي،وأبوحيان،وغيرهم[46].

ومنالثالث: مااختارهابنجريرفيمعنىالصمد،فقدحكىأقوالأهلالتأويل،واختارالقولالموافقلمعنى (الصَّمَد)فياللغة،ونقلهعنأبيعبيدة -دونعزو-،فقال: «الصَّمَدعندالعرب: هوالسيدالذييُصمَدإليه،الذيلاأحدفوقه،وكذلكتسمِّيأشرافها،ومنهقولالشاعر[47]:

ألَا بكَّر الناعِي بخيري بني أسد .. بعمرو بن مسعود وبالسيد الصَّمَد

وقالالزبرقان[48]:

ولا رهينةَ إلا سيّد صَمَد ....................

فإذاكانذلككذلك،فالذيهوأَولىبتأويلالكلمةالمعنىالمعروفمِنكلاممَننزلالقرآن بلسانه»[49].

3- النقد:

وابنجريركمااستفادَمنكتابأبيعبيدةموافقةًأوسكوتًالميُـخْلِكتابهمنآراءنقديةعميقةفيتفسيرأبيعبيدة.فقدانتقدابنجريرأباعبيدةلمخالفتهأصولهالنقليةفيالتفسير،ففيتأويلقولهتعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ﴾ [هود: 82]،أوردَابنجريراختلافالمفسِّرينمنالسلففيالمرادبـ﴿سِجِّيلٍ،وهي:

القولالأول: هيفارسيةمعرَّبةأوّلهاحَجَرٌوآخرهاطِين،وبعضهميقول: طِينفيحِجَارة،أصلها: سجلإيل،أو: سِنكُوَكُلْ.ورواهعنابنعباس، ومجاهد،وسعيدبنجبير،وقتادة،وعكرمة،والسدي،ووهببنمنبه.وردّهالطبريبقوله: «وأنّذلكلوكانبالفارسيةلكان(سِجْل)لا(سِجِّيل)؛ لأنّالحجربالفارسيةيُدعَى: (سِج)،والطين: (جل)،فلاوجهلكونالياءفيها،وهيفارسية».

القولالثاني: هي: السماءالدنيا؛ اسمهاسجِّيل،وهيالتيأنزلاللهُعلىقوملوط[50].

القولالثالث: قالالحسنالبصري: كانأصلالحجارةطينًا،فشُدِّدَت،مثلالآجرالمطبوخ،فهوطينقدتحَجَّر.

ثمعقّبابنجريربقولأبيعبيدة،فقال: «وكانبعضأهلالعلمبكلامالعربمنالبصريين[51]يقول: السجِّيل؛ هومنالحجارة:الصلبالشديد،ومـن الضرب،ويستشهدعلىذلكبقولالشاعر[52]:

ضربًا تَواصَى به الأبطالُ سِجِّيلًا ...................

وقال:بعضُهُميُحوِّلاللامَ نونًا...».

واختارالطبريماذكرهالمفسِّرونأنّهامنطين؛لأنّاللهوصفهابذلكفيموضعآخر،قالتعالى:﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ [الذاريات: 33- 34][53].

وقدوافقابنَجريرفياختياره: الزجاجُ،والنحاسُ،والأزهري،والسمين،والآلوسي[54]،وقال: «والقرآنيفسِّربعضُهبعضًا،ويتعيّنإرجاعبعضهلبعضفيقصةواحدة».

وهكذاماذكرهابنجريرفيتفسيرقولهتعالى: ﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ [الأنعام: 73]، فقدحَكَىفيالمرادبالصُّورفيالآيةقولَيْن:

أحدهما: أنهقَرْنٌيُـنفَخفيهنفختان؛ إحداهمالفناءمَنكانحيًّاعلىالأرض،والثانيةلنشرِكلّميّت،واعتَلُّوالقولهمذلكبقولهتعالى: ﴿وَنُفِخَ ‌فِي ‌الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: 68]، وبالخبرالذيرُويعنرسولالله-صلىاللهعليهوسلم-،أنهقالإذسُـئلعنالصور: (هوقرنٌيُـنفَخفيه)[55].

القولالثاني: أنّالصورفيهذاالموضعجمعصورة،يُـنفَخفيهاروحُهافتحيَا،وهوقولأبيعبيدة، واختارهالبخاري[56]. وحكاهالزجّاجعنأهلاللغة[57].

واختارالطبريالقولالأوّللقيامالدليلعلىصحته،حيثقال: «والصوابمنالقولفيذلكعندنا: ماتظاهرتبهالأخبارعنرسولالله-صلىاللهعليهوسلم- أنهقال: (إنّإسرافيلقدالتقَمالصُّوروحَنىجبهته،يَـنتظرمتىيُـؤمَرفيَـنفُخ)»[58]،وأنهقال: (الصُّورقرنٌيُـنفَخفيه)[59]. وتابعابنجريرفينقدهجماعةمنالمفسِّرين،منهم: النحاس،والبغوي،وابنعطية،وابنالجوزي،وأبوحيان،والخازن[60].

ومااختارهابنجريرهوقولالجمهور،حكاهعنهم: السمرقندي، والواحدي،وابنعطية،وابنالجوزي[61].

وابنجريريعتمدأصولهالنقديةفينقدأبيعبيدة،ومنهامخالفةقولأهلالتأويل،ومنذلكماذكرهفيتأويلقولهتعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ ‌النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: 11]، فقدرَوَىفيتفسيرقوله: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ عنأهلالتأويلمنالصحابةوالتابعين؛كابنعباس، وابنالمسيب،والشعبي،وقتادة،والسدّي،ومجاهد،وابنزيد،والضحاك،أنّ المعنى: ويثـبّتأقدامالمؤمنينبتلبيدالمطرِالرملَحتىلاتسوخفيهأقدامهموحوافردوابّهم،كماأطفأاللهبهالغبار.ثمنقلابنجريرقولأبيعبيدةمتعقبًاله،فقال: «وقدزعمبعضأهلالعلمبالغريبمنأهلالبصرة[62]،أنّمجازقوله: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾: ويُـفرِغُ عليهمالصبروينزلهعليهم،فَيثبُتونلعدوِّهم»،ثمقال: «وذلكقولٌخِلافٌلقولجميعأهلالتأويلمنالصحابةوالتابعين،وحَسْبُقولٍخطأًأنيكون خلافًالقولمَنذَكَرْنَا.وقدبينّاأقوالَهمفيه،وأنّمعناه: ويثـبّتأقدامَالمؤمنينبتلبيدالمطرِالرملَحتىلاتسوخفيهأقدامهموحوافردوابّهم»[63].

ولميَخْلُموقفابنجريرفينقدهلأبيعبيدةمنتوجيهٍواحتمال،فقدذكرَالطبريفيالمرادبـ(النَّجْم)فيقولهتعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾ [النجم: 1]أقوالًا،هي:

القولالأول: أنهعنىبالنجمالثريّا،وعنىبقوله: ﴿إِذَاهَوَىإذاسقط،قالوا: تأويلالكلام: والثريّاإذاسقطت. ورواهعنابنعباس ومجاهد.

القولالثاني: أنّمعنىذلك: والقرآنإذانزَل. ورواهعنمجاهد.

القولالثالث: مانقلهالطبريعنبعضأهلالمعرفةبكلامالعربمنأهلالبصرة[64]، مريدًابذلكأبا عبيدةالذيقال: «عنىبقوله: ﴿وَالنَّجْمِ﴾: والنُّجُوم،وقال: ذهبإلىلفظالواحدوهوفيمعنىالجميع،واستشهدلقولهذلكبقول راعيالإبل[65]:

فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ في مُستَحِيرَةٍ .. سَرِيعٌ بِأيْدِي الآكلِينَ جُمُودُها»

لكنعقّبابنجريرمختارًاالمعنىالأول،ورادًّاماذكرهأبوعبيدةحيثلميقلبهأحدٌمِنأهلالتأويلمعتوجيههواحتماله،فقال: «والصوابمنالقولفيذلكعنديماقالهمجاهد،منأنهعنىبالنَّجْمفيهذاالموضع: الثريّا،وذلكأنّالعربتدعوهاالنَّجْم،والقولُالذيقالهمَنحَكيناعنهمنأهلالبصرةقولٌلانعلمُأحدًامنأهلالتأويلقاله،وإنْكانلهوجهٌ؛فلذلكترَكْنَاالقولبه»[66].

ومااحتملهابنجريروقالهأبوعبيدةهومااختارهجماعةمنالمفسِّرين؛ منهم: ابنعطية،وأبوحيان،والآلوسي،والشنقيطي[67].

ومنالجوانبالتيأجرَىفيهاابنجريرنقدهلأبيعبيدةمايتعلّقبالقراءات،فقداعتمدقواعدهالنقديةفيالعلاقةبينالقراءاتوالتأويل،واعتباراللغةفيتقريرالمعنى؛ففيتأويلقولهتعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ[المدثر: 33]؛أورَدَ ابن جرير اختلاف القراء في الآية، فقال: «واختلف القَرأة في قراءة ذلك، فقرأتهعامةقَرأةالمدينةوالبصرةوبعضقَرأةمكةوالكوفة:﴿إِذْ أَدْبَرَ[68]،وكانأبوعمروبنالعلاءفيماذكرعنهيقول: قريشتقول: دبرالليل،وقرأذلكبعضقَرأةمكةوبعضقَرأةالمدينةوالكوفة: ﴿إِذَا دَبَرَ[69]. والصوابمنالقولفيذلكعندنا: أنهماقراءتانمعروفتانصحيحتاالمعنى،فبأيَّـتِهماقرأالقارئفمصيب»، ثمأوردَابنُجريراختلافَأهلاللغةفيالآية،ثمعقّببنقده،فقال: «وقداختلفأهلالعلمبكلامالعربفيذلك،فقالبعضالكوفيين[70]: همالغتان،يقال: دبرالنهاروأدبر،ودبرالصيفوأدبر.

وقالبعضالبصريين[71]: ﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ﴾: يعني: إذادبرالنهاروكانفيآخره،قال: ويقال: دَبَرَنِي:إذاجاءخلفي،وأدبر:إذاوَلَّى.

والصوابمنالقولفيذلكعنديأنهمالغتانبمعنى،وذلك: أنهمحكيٌّعنالعرب: قبّحاللهماقَبَلَمنهومادَبَر،وأُخرى[72]: أنّأهلالتفسيرلميميزوافيتفسيرهمبينالقراءتين،وذلكدليلعلىأنهمفعلواذلككذلك؛ لأنهمابمعنىواحد»[73].

فقداعتمدابنجريرالقراءات،وماسمععنالعربفينقدهلأبيعبيدة،وقدوافقهفياختيارهجماعةمناللغويينوالمفسِّرين،قالالزجاج: «وكلاهما جيدفيالعربية»[74]،وقالالجوهري[75]: «ودَبَرالنهاروأدبر؛بمعنى»[76]. وممّنذكرهذاالتوجيه: أبوعليّالفارسي،والواحدي،ومكيّ،والعكبري،والزمخشري،والبغوي،والقرطبي،وابنالجوزي،وأبوحيان[77].

كمايبيِّنابنجريرخطأأبيعبيدةبالنظروالواقع،قالالطبريفيتفسيرقولهتعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ ‌بِالْحِكْمَةِ ‌وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الزخرف: 63]: «وقيل[78]: إنّمعنىالبعضفيهذاالموضعبمعنىالكُلّ،وجعلواذلكنظيرقوللبيد[79]:

تَرَّاكُ أمْكِنَةٍ إذَا لَمْ أرْضَهَا .. أوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفوسِ حِمامُها

قالوا: الموتلايعتلقبعضالنفوس،وإنماالمعنى: أويعتلقالنفوسحمامها.

وليسلماقالهذاالقائلكبيرمعنى؛لأنعيسىإنماقاللهم: ﴿‌وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾؛ لأنهقدكانبينهماختلافكثيرفيأسبابدينهمودنياهم،فقاللهم: أُبيِّنلكمبعضذلك،وهوأمردينهم،دونماهمفيهمختلفونمنأمردنياهم؛فلذلكخصّماأخبرهمأنهيبيّنهلهم.

وأمّاقوللبيد: أويعتلقبعضالنفوس،فإنهإنماقالذلكأيضًاكذلك؛ لأنهأراد: أويعتلقنفسهحمامها،فنفسهمنبينالنفوسلاشكأنهابعضٌلاكُلّ»[80].

وقدوافقابنَجريرفينقدهجماعةٌمنالمفسِّرين،قالابنعطية: «وهذاضعيفتردُّهاللغة»،وقالالراغب: «وفيقولههذاقصورُنظرٍمنه»،وقال القرطبي: «وردَّه الناس عليه»[81].

وبعدهذاالعرضلمنهجابنجريرالنقديلأقوالأبيعبيدة،وتنوّعمواقفهمنالموافقةوالمتابعةوالاحتجاج،أوالسكوتوالاستفادةوالاحتمال،أوالنقدبأنواعه؛فهذه بعضالمعالمالمتعلقةبمنهجابنجريرفي نقدهلأقوالأبيعبيدةفيكتابه: (مجازالقرآن):

1- كانكتابأبيعبيدةمعمربنالمثنّى(مجازالقرآن) منأهمموارد ابنجريرفيتفسيره؛فقدأكثرَالنقلَعنهموافقًا،أوناقلًا،أوناقدًا،وذلكفي أكثرمنتسعينموضعًا[82].

2- تنوّعَتمجالاتاستفادةابنجريرمنكتابأبيعبيدةفيأبواب اللغة،لتشملمعاني المفردات،والوجوهالإعرابية،وقضاياالاشتقاق، وأساليبالقرآن،ومايقتضيهذلكمننقلشواهدالعربيةنثرًاوشِعْرًا،كمانقل عنهتوجيهالقراءات،وتفسيرالآيات.

3- اعتمدابنجريرمنهجهالنقديفيتعاملهمعأقوالأبيعبيدة، فموافقتهأوردّهأوسكوتهراجعإلىأصولهوقواعدهالنقدية،منمراعاةالنظائر القرآنية،أومراعاةالسنّةالنبوية،أوالإجماع،أوأقوالأهلالتأويل،أوالسياق، أوالظاهر.كماراعىابنجريرقواعدهالنقديةالمتعلقةباللغة؛كمراعاةالأَشْهَرفي العربية،والمعروف،وردِّالشاذ،والبعيد،والغريب.

4- أبانتالدراسةالنقديةلآراءأبيعبيدةفيتفسيرابنجريرعنمنهج نقدالرجالفيالتفسير،وذلكبمراعاةالمعاييرالنقديةالسابقة؛ومنأهمها: موافقتهلأقوالأهلالتأويل،فالمفسِّريؤخذمنهالتفسيربحسَباعتماده الأصولالنقدية،وموافقتهلأقوالالصحابةوالتابعين،وعدمالانفرادوالشذوذ عنهم،ويتباينحالهبحسبذلك[83]. وهوماراعاهابنجريرفينقدأبيعبيدة،وأقواله،واختياراته.

5- تباينَتأساليبابنجريرفيالنقلعنأبيعبيدة،فكانفيأغلبها ينقلعنهغيرمصرِّحباسمهولابكنيته،بليدعوهبـ: بعضأهلالعلمبكلام العربمنأهلالبصرة،أوبعضالبصريين،وغيرها.وربماقسافيعبارته،مثل: بعضمَنلاعِلْملهبأقوالالسَّلَفمنأهل التأويل،أو: بعضمنيُـنسَبإلىمعرفةكلامالعربمنالبصريين.كماتباينَتعباراتالنقد؛فقديقتصرعلىنقدالقول -وهوكثير-،أو يتلطّففيالنقد،مثلقوله: «وهذاغلطمنالقولوخطأ»،لكنهقديشتدّ أحيانًا،فيقولعنه: «وكانبعضمَنلاعِلملهبأقوالالسَّلَفمِنأهلالتأويل، ممّنيفسِّرالقرآنبرأيهعلىمذهبكلامالعرب...»،وهذاالتبايُنراجعٌإلى قوّةالمخالفةللتفسيرالصحيحمنعدمها[84].

6- أبانَتْمواقفابنجريرالنقديةمنأقوالأبيعبيدةعنتوسّطمنهج ابنجريرفينقدالرجالوأقوالهم؛بينمَنْردَّوعابَ كتابأبيعبيدةجملةً؛كالفرّاءوالأصمعي،وبينمَننقلعنهدونتمحيصوتحقيق،فكانمنهجه النقديفيأسلوبهوأدواتهوثرائهنموذجًايُحتذَىفيالاستفادةمنالدراسات اللغويةفيتفسيرالقرآن.

 

[1] هذه المقالة من كتاب: «الصناعة النقدية في تفسير ابن جرير الطبري»، الصادر عن مركز تفسير سنة 1443هـ، (1/ 269) وما بعدها. (موقع تفسير).

[2] أراد الطبريُّ أبا عبيدة، مجاز القرآن (1/ 332).

[3] ينظر: تهذيب اللغة للأزهري (13/ 60، 142)، وزَهْدَم: اسم فرس لبِشر بن عمرو الرِّياحي، ينظر: لسان العرب، مادة (زهدم)، ومقاييس اللغة (6/ 154).

[4] أراد الطبريُّ الفراء، معاني القرآن (2/ 63- 64).

[5] جامع البيان (13/ 535- 537).

[6] جامع البيان (13/ 538- 539).

[7] ذكره الرازي في التفسير الكبير (19/ 55).

[8] المفردات (552).

[9] البحر المحيط (5/ 392)، وانظر: الكشاف (2/ 360)، لسان العرب (6/ 260)، روح المعاني (13/ 156).

[10] ينظر: مختصر في شواذ القرآن (71)، المحتسب (1/ 357)، معاني القرآن للنحاس (3/ 497).

[11] تأويل مشكل القرآن، ص192، ومعاني القرآن (3/ 397)، وتفسير المشكل من غريب القرآن، ص119.

[12] جامع البيان (11/ 358- 359).

[13] غريب الحديث (3/ 81)، وتفسير غريب الحديث، ص183، والأضداد، ص394، وتفسير المشكل من غريب القرآن، ص96، والمحرر الوجيز (4/ 265)، وتفسير القرطبي (8/ 18)، وأنوار التنزيل (3/ 72)، وتفسير المنار (10/ 166)، والتحرير والتنوير (11/ 124).

[14] أراد الطبريُّ الأخفش، معاني القرآن (2/ 532).

[15] أراد الطبريُّ الفرّاء، معاني القرآن (3/ 249).

[16] رواه عن ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، وغيرهم.

[17] جامع البيان (24/ 220- 225).

[18] وسيأتي مزيد بيان لنقد ابن جرير للتفسير من جهة الإعراب في الباب الثالث.

[19] ينظر: (إعراب القرآن (5/ 182)، البيان (2/ 501)، الكشاف (4/ 233)، التبيان (2/ 1277)، الجامع لأحكام القرآن (19/ 266)، المحرر الوجيز (16/ 25)، التفسير الكبير (31/ 101)، البحر المحيط (8/ 442).

[20] أراد الطبريُّ أبا عبيدة، مجاز القرآن (1/ 381- 382).

[21] ديوانه (56).

[22] عَجُز بيت لامرئ القيس، وصدره: أرانا موضعين لأمر غيبٍ، ديوانه (56).

[23] جامع البيان (14/ 611- 613).

[24] معاني القرآن (3/ 243).

[25] تفسير غريب القرآن (217).

[26] معاني القرآن (4/ 161- 162).

[27] تفسير القرآن العظيم (5/ 83).

[28] الدر المصون (7/ 366).

[29] روح المعاني (15/ 90)، وانظر: زاد المسير (5/ 32)، التفسير الكبير (20/ 225)، البحر المحيط (6/ 44).

[30] مجاز القرآن (2/ 227).

[31] ديوانه (2/ 814)، والبيت من قصيدة طويلة لجرير، يمدح فيها قبيلتي: ثعلبة ورياح، ويذمّ فيها قبيلتي: طهية والخشاب، ومطلعها: أقلِّي اللوم عاذل والعتاب... ثعلبة الفوارس ورياح: من قوم جرير، وطهية: امرأة مالك بن حنظلة، والخشاب: أولاد مالك من غير طهية.

[32] جامع البيان (21/ 535).

[33] واختاره: الزجاج، معاني القرآن (5/ 56)، وابن عطية، المحرر الوجيز (15/ 218).

[34] المحرر الوجيز (15/ 218).

[35] البحر المحيط (8/ 140).

[36] روح المعاني (27/ 15).

[37] جامع البيان (22/ 305)، وينظر: مجاز القرآن (2/ 249).

[38] جامع البيان (23/ 215)، وينظر: مجاز القرآن (2/ 267).

[39] معاني القرآن (3/ 180).

[40] تفسير غريب القرآن، ص483، ومعاني القرآن (5/ 20)، والكشاف (4/ 150)، والمحرر الوجيز (8/ 387)، والتفسير الكبير (30/ 150)، وتفسير القرطبي (18/ 261)، والبحر المحيط (8/ 108).

[41] ينظر: معجم الشعراء، للمرزباني، ص270، ولسان العرب، مادة (ح م م).

[42] شاجر: شجره بالرمح، أي: طعنه. لسان العرب (ش ج ر).

[43] القصائد الهاشميات، ص25، وأراد بالآية، قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾؛ أي: لم يسعه إلا التقية في التشيع لآل البيت أو الإعراب أو الإفصاح عن ذلك.

[44] جامع البيان (20/ 276)، ونقله عن أبي عبيدة أيضًا البخاري في صحيحه.

[45] جامع البيان (9/ 200)، وينظر: مجاز القرآن (1/ 189)، معاني القرآن، للأخفش (2/ 272).

[46] بحر العلوم (3/ 214)، والوسيط (1/ 148)، والكشاف (2/ 12)، ومعالم التنزيل (2/ 126)، والمحرر الوجيز (6/ 28)، وزاد المسير (3/ 17)، وتحفة الأديب، ص165.

[47] قيل: هو سبرة بن عمرو الأسدي، وقيل غيره: ينظر: خزانة الأدب (11/ 269).

[48] هذا عَجُز بيت، صدره: سيروا جميعًا بنصف الليل واعتمدوا، ينظر: تفسير القرطبي (20/ 245).

[49] جامع البيان (24/ 737)، وينظر: مجاز القرآن (2/ 316).

[50] ضعّفه ابن عطية، وأبو حيان والآلوسي لوصف السجيل بـ(منضود) أي: المجعول بعضه فوق بعض. ينظر: المحرر الوجيز (9/ 203)، البحر المحيط (5/ 249)، روح المعاني (12/ 113).

[51] أراد الطبريُّ أبا عبيدة، مجاز القرآن (1/ 296).

[52] قائله: ابن مثيب، والبيت في ديوانه، ص333.

[53] جامع البيان (12/ 528).

[54] معاني القرآن وإعرابه (3/ 70)، معاني القرآن (3/ 370)، تهذيب اللغة (10/ 585)، عمدة الحفّاظ (2/ 174)، وروح المعاني (12/ 113).

[55] رواه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، والحديث رواه أحمد في المسند (6507)، وأبو داود في سننه (4742)، والترمذي (2430)، وقال: «حديث حسن»، والحاكم في المستدرك، كتاب الأهوال (4/ 560)، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه».

[56] صحيح البخاري (6/ 56)، لكن خالفه الشرّاح: ابن حجر، فتح الباري (8/ 288)، والعيني، عمدة القاري (18/ 222)، والقسطلاني (7/ 116)، فاختاروا القول الأول بدلالة السُّنة.

[57] معاني القرآن (2/ 264).

[58] رواه عبد الرازق في تفسيره (2/ 175)، وأحمد في المسند (11039)، وابن حبان في صحيحه برقم (823)، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال محققو المسند: «حديث صحيح».

[59] جامع البيان (9/ 340).

[60] ينظر: معاني القرآن (2/ 447)، ومعالم التنزيل (2/ 148)، والمحرر الوجيز (6/ 48)، وزاد المسير (3/ 53)، وتحفة الأريب (195)، ولباب التأويل (2/ 148).

[61] ينظر: بحر العلوم (3/ 263)، والوسيط (2/ 288)، والمحرر الوجيز (6/ 84)، وزاد المسير (3/ 53).

[62] أراد الطبريُّ أبا عبيدة، في مجاز القرآن (1/ 242).

[63] جامع البيان (11/ 56- 68).

[64] مجاز القرآن (2/ 235).

[65] ديوانه: ص112، والمستحيرة: الجفنة كثيرة الوَدَك، وهو الشحم. اللسان مادة (س ح ر).

[66] جامع البيان (22/ 7).

[67] المحرر الوجيز (15/ 254)، والبحر المحيط (8/ 157)، وروح المعاني (27/ 45)، وأضواء البيان (7/ 699).

[68] هي قراءة نافع وحمزة ويعقوب وخلف وحفص. النشر (2/ 393).

[69] هي قراءة ابن كثير وابن عامر وأبي عمرو بن العلاء والكسائي وأبي جعفر وشعبة عن عاصم. النشر (2/ 393).

[70] أراد الطبريُّ الفراء (3/ 204).

[71] أراد الطبريُّ أبا عبيدة (2/ 275).

[72] وهذه هي حجة الأخفش في معانيه (2/ 719).

[73] جامع البيان (23/ 441- 443).

[74] معاني القرآن (5/ 248).

[75] هو: إسماعيل بن حماد الجوهري، أبو نصر الفارابي، اللغوي الأديب، أخذ عن أبي عليّ الفارسي، والسيرافي، وصنف كتابه المشهور (الصحاح)، وغيره، توفي سنة (393). ينظر: معجم الأدباء (2/ 656)، وبغية الوعاة (1/ 446).

[76] الصحاح (2/ 654)، وانظر: لسان العرب (4/ 268).

[77] الحجة (6/ 339)، والوسيط (4/ 385)، والكشف (2/ 348)، وإعراب القراءات الشواذ (2/ 644)، والكشاف (4/ 186)، ومعالم التنزيل (7/ 178)، والجامع لأحكام القرآن (18/ 84)، وزاد المسير (8/ 152)، والبحر المحيط (8/ 378).

[78] القائل: هو أبو عبيدة، مجاز القرآن (2/ 205).

[79] من معلقته (شرح الزوزني، ص262)، لم أرضها: لم أرض الإقامة بها.

[80] جامع البيان (20/ 636- 637).

[81] ينظر: الجامع لأحكام القرآن (16/ 108)، والمفردات (54)، المحرر الوجيز (14/ 272).

[82] ينظر: الدراسة القيمة للأستاذ الدكتور بدر البدر: أقوال أبي عبيدة في تفسير الطبري، وموقفه منها، (ص44- 46)، وغيرها، وقد استفدت منه كثيرًا في هذا الفصل.

[83] وهو بهذا يعتمد آلية السبر والمقارنة والموازنة بين الأقوال، ويشبهه صنيع المحدِّثين في نقد الرجال، إِذْ إنّ مقارنة المرويّات هي أهم أدوات أئمة الحديث في نقد الرجال؛ قال الذهبي: «اعلم أنّ أكثر المتكلَّم فيهم ما ضَعَّفَهم الحُفّاظ إلا لمخالفتهم الأثبات» الموقظة، ص52، تحقيق: أبو غدة.

[84] ينظر: دراسة د. البدر، ص44- 101.

الكاتب

الدكتور يوسف بن جاسر الجاسر

حاصل على الدكتوراه من جامعة الملك سعود، وله عدد من الجهود العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))