نفي الغريب في القرآن عند الفراهي
قراءة تقويمية
لا شك أنّ الاهتمام بالغريب القرآني يضرب في جذور الزمن المبكّر من نزول القرآن، حيث عُدَّ «من أوّل الدراسات القرآنية التي صَنّف فيها العلماء، وهو بيان لمعاني مفردات القرآن»[1]، بالوقوف على تراكيبها واستخراج مدلولاتها بناءً على ما تبثّ من لغة العرب وكلامهم، وقد بُذِلَت فيه جهود وانبرت له أقلام على مرّ الأزمان لما له من أهمية بالغة على البيان والكشف القرآني، فهو البريد الموصل لفهم الخطاب الرباني والنواة الأولى لتدبّره. ومَن أشكلَ عليه فهم ألفاظه ابتداء، أشكلَ عليه تدبّر معانيه وصعب عليه الوصول إلى مقاصده.
وقد ازدادت أهمية الاهتمام بالغريب القرآني عصرًا بعد عصر، فكلّما كان الزمن أبعد من زمن النبوّة كانت الحاجة له آكد، وفي ضوء هذه الأهمية المشهودة التي يحظى بها غريب القرآن على مستويات عدّة، فقد تقرّر ثبوته تلقائيًّا لدى جلّة العلماء على مرّ الأزمان والعصور بناء على عوامل وأسباب كانت محورًا أساسيًّا في ظهوره ودافعًا حاسمًا للاهتمام به، الشيء الذي لم يجعل أحدًا من المفسِّرين خاصّة والمهتمين بالغريب القرآني عامّة ينفي وجوده قولًا واحدًا دون تفصيل أو بيان -فيما وقفتُ عليه وسألتُ عنه-، إلا الفراهي[2] -رحمه الله- في كتابه: (مفردات القرآن)، حيث بيَّن طرحُه نفيَ وجودِ شيء اسمه الغريب في القرآن قولًا واحدًا دون تفصيل، وقد حفّه بثلّة من الأسباب التي جعلها معقدًا في توهّم جُلّ المشتغلين به حتى وَسَمُوهُ بالغريب القرآني.
وهذا الطرح الذي سَلَكه الفراهيُّ -رحمه الله- في التعاملِ مع غريب القرآن ونفيِه، هو ما تروم هذه المقالة مناقشَتَه وتقويمَه، وستأتي معالجتنا مقسومة لقسمين؛ أحدهما لتقديم عرضٍ مفصّل لطرح الفراهي كما أورده في المقدمة الثالثة من كتابه المقصود (مفردات القرآن)، وثانيهما لمناقشة وتقويم هذا الطرح من خلال رؤية الفراهي واتجاه أفكاره التي اعتمدها في نفي الغريب في القرآن، وذلك بعد تمهيد أُبرِز فيه اصطلاح مفهوم الغريب بشكلٍ مجمل عند كلٍّ من المفسِّرين والبلاغيين والنقّاد، مع الإشارة للفرق البارز بينهم.
تمهيد:
لقد تغازرت استعمالات لفظ الغريب في ميادين علمية شتى، كما جرى على ألسنة جمٍّ غفير من العلماء، سواءٌ من اللغويين والمفسّرين والمحدّثين والنقاد والبلاغيين[3]، وفيما يلي المقصود باصطلاح الغريب عند المعتنين به من علماء معاني القرآن -المفسِّرين-، مع بيان الفرق بينه وبين الغريب عند الكَتبَة من أرباب البلاغة والنقّاد بشكلٍ عام[4]، وخاصة أنّ هذه اصطلاحات متناولة بكثرة كاثرة، لكن إيرادها هنا هو من باب العلاقة القائمة بينها وبين طرح الفراهي كما سيأتي عند بيان معقد نفي غريب القرآن عنده.
ولقد تعدّدت اصطلاحات لفظ الغريب داخل اهتمام المفسِّرين، وكلّها تحوم حول قصد واحد يُعنى به الألفاظ الغامضة في الخطاب لأسباب عدّة وتحتاج إلى بيان؛ ومن هذه الأسباب أن الألفاظ لا يتوصّل لها إلا بجهدٍ محفوف بتبحّر في لغة العرب، وأنّ هناك ألفاظًا اعتراها الغموض فصارت معروفة عند قوم مجهولة عند آخرين، وفي هذا السبب يتدخل عاملان أساسيان يتمثّلان في: البُعد المكاني أو الجغرافي والزماني، وبروز معانٍ جديدة لألفاظ معينة لم تعهدها البيئة العربية من قبل.
أمّا الغريب عند النقّاد والبلاغيين فعادةً ما يشمل قسمين لا ثالث لهما: غريب حسن وغريب قبيح، «فالغريب الحسن هو المقبول الذي لا يُعاب استعماله على الأعراب، سواءٌ الأقحاح والخُلَّص؛ لأنه لم يكن غير ظاهر المعنى، ولا غير مأنوس الاستعمال في بيئتهم، والغريب القبيح وهو: الغريب في ذاته، والذي يُعاب استعماله مطلقًا، أي: سواءٌ عند الخُلَّص من الأعراب وغيرهم ممن تجري على ألسنتهم لغة العرب، سواءٌ كان الغريب كريهًا على السمع والذّوق أو لم يكن، وهو ما يسمّى الوحشي الغليظ، وهو أن يكون -مع كونه غريبَ الاستعمال- ثقيلًا على السمع كريهًا على الذوق»[5].
ومن خلال اصطلاح الغريب عند المفسِّرين والنقاد والبلاغيين يتبيّن أنّ اصطلاح الغريب متفاوت المعنى، الشيء الذي يبيّن أن المفسِّرين يقصدون بالغريب اللفظَ غير الواضح جرّاء عوامل عدّة أسهمت في غرابته كما سبقت الإشارة لبعضها، وليس الغريب عندهم هو ما كانت الغُربة في أصله وذاته وتركيبه، فهذا جنس اللفظ الوحشي البعيد والمنقطع الذي لم يرِد في القرآن قطعًا، وهو ما يعبّر عنه النقاد والبلاغيون بالغريب القبيح الذي ينافي الفصاحة والبيان.
وعليه، فإنّ الغريب القرآني عند المعتنين به من المفسِّرين باعتباره لفظًا مركّبًا قصده المعتنون به: هو الألفاظ القرآنية البعيدة عن الفهم؛ لغموض معانيها وعدم وضوح دلالاتها لعدّة عوامل[6]؛ ليكون الغريب عندهم في مقابل غير الواضح، ويتمّ بيانه استنادًا على لغة العرب وعلومها وأساليبها التي يصح الاستشهاد والبيان بها، واستحضارًا لمعاني الشرع ومقاصده، وسيتضح هذا الأمر أكثر من خلال توظيف اصطلاح الغريب وغريب القرآن في علاقته بمعقد إشكالية النفي عند الفراهي.
القسم الأول: نفي الغريب في القرآن عند الفراهي؛ عرض وبيان:
وكما تقدّم معنا فإنّ الغريب القرآني من القضايا القرآنية البارزة مبكرًا، والتي حظيت باعتناء مهم ونقاش واسع قديمًا وحديثًا، فانبرت لها أقلام عدّة بالبحث والدرس من خلال شقّ مسالك مختلفة وقنوات متنوّعة، كما كان من صميم الاشتغال بغريب القرآن بروزُ طروحات مختلفة الرؤى عن المألوف من الاشتغال، ومن أبرز هذه الطروحات ما قدّمه عبد الحميد الفراهي -رحمه الله- في كتابه (مفردات القرآن).
ويذهب عبد الحميد الفراهي في كتابه هذا، بجعلِ فاتحةٍ له حوَت ثلاث مقدّمات أساسية قبل الخوض في ثنايا بيان مفردات القرآن؛ حيث دار مفاد المقدمة الأولى حول بيان غاية كتابه (مفردات القرآن) وأهمية الحاجة إليه، معللًا ذلك بقوله أنّ فهم القرآن متوقف على فهم ألفاظه، أمّا المقدمة الثانية فسعى من خلالها لبسط شيء من أصولِ اللسانية، ومبينًا أيضًا شيئًا من مواضع الوهم الحاصل على مستوى التعامل مع ألفاظ القرآن، وبسط القول في حديثه عن المشترك والمرادف كما بيَّن أقسامهما.
أمّا المقدمة الثالثة فهي بؤرة النقاش ومركز السجال وعليها مدار المقال، وقد عنون لها الفراهي بقوله: «في كون القرآن خاليًا من الغريب»، مستهلًّا مطلعها بقوله من كتابه كما هو: «قد أفصح القرآن بكونه عربيًّا مبينًا، وقد وجدناه كذلك. فإنّ مَن مارَسَ لغة العرب، ونظر في أشعارهم وخُطبهم ومحاوراتهم وجد القرآن أسهلها كَلِمًا، وأقومها نظمًا، وأبينها مقالةً، وأوضحها دلالةً، وأجمعها سلاسةً وجزالةً، قَد أَخلَصَ عن الوحشي الغريب كما أخلَصَ عن التعقيد في التركيب. ثم يشهد بذلك صريح المعقول؛ فإنّ الغرض منه التبليغ والصدع بالحقّ والترغيب والترهيب، وهذا يقتضي كلامًا واضحًا»[7].
ثم عرّج على ذلك -رحمه الله- بذكر بعض الأسباب التي يراها معقد التوهّم بوجود الغريب في ألفاظ القرآن، من أبرزها: الكثرة الكاثرة للمصنّفات المتنوّعة في مسالكها، والتي عُنيت ببيان وشرح غريب الحديث والقرآن، بالإضافة إلى بروز الاختلاف في تأويل بعض الألفاظ القرآنية، واتساع رقعته، ثم تأويل بعض المفردات القرآنية بلغات عدّة منها: الحبش وحِمْير ولغة الأنباط، بالإضافة لِما تم نقله وشيوعه من الأخبار التي مفادها؛ أنّ كبار الصحابة -رضي الله عنهم- غاب عنهم بعض الكلمات فلم يدركوا معناها.
ثم بيَّن -رحمه الله- فيما يُفهم من كلامه، أنّ تسمية الغريب في حدّ ذاتها يمكن استعمالها بالنسبة للعجم، ومَن قلّ علمه بلغة العرب. أمّا الاختلاف في المعاني عند غيرهم، فهو راجع لقلّةِ العلم بمواطن النزول، وأحوالِ مَن نزلَ الوحي فيهم، ثم ضعفِ النظر والتدبر في الخطاب القرآني وخاصةً على مستوى نظمِ القرآن.
وبعدها رام بيان مسألة مهمة جدًّا، وهي أنّ هناك ألفاظًا غير عربية، ويمكن حملها على أصل الوضع، ممثِّلًا لذلك بكلمات منها: (سِجِّيل) و(قِنطار) و(قسطاس)...، ومن جهة أخرى بيَّن -رحمه الله- ما رُوي عن الصحابة -رضوان الله عليهم- حول ما خفي عنهم من معاني كلمات القرآن وسؤالهم عن ذلك فإنه غير ثابت ومستبعد بدليل العقل وصريح القرآن، ذاكرًا ثلّة من الآيات التي يراها تقوّي رؤيته، ثم ختم مقدّمته الثالثة ببيان المقصد العام من الكتاب، والذي يتمثّل في بيان معاني مفردات من القرآن ووجوهها وأحوالها.
القسم الثاني: نفي الغريب في القرآن عند الفراهي؛ مناقشة وتقويم:
إنّ الناظر في طرح الفراهي الذي تقدّم عرضه، يَلحظهُ طرحًا ينفي -قطعًا وقولًا واحدًا- شيئًا اسمه الغريب في القرآن؛ لأنّ القرآن عربي مبين، وهذا يقتضي كلامًا واضحًا يفهمه كلُّ مَن فهم لغة العرب، وإنّ القطعَ بهذا الأمر مع الجزم به يحتاج إلى تفصيل ومحطة للمناقشة، وهو ما سأرومه في هذا الشقّ من خلال بيان معقد نفي الغريب القرآني عند الفراهي من خلال مناقشة رؤيته التي سلكها في هذا الطرح -رحمه الله-، ثم إبراز العوامل الداخلية والخارجية التي أسهمتْ في بروز قضايا الغريب القرآني وإثبات وجوده مع التمثيل، كما دفعت أرباب هذا الشأن للاهتمام به بشتى أنواع الدرس والبحث والبيان، وهو جزء لا يتجزّأ من مناقشة قول الفراهي -رحمه الله- بنفي الغريب القرآني دون تفصيل.
أولًا: معقد نفي الفراهي للغريب في القرآن:
إنّ الناظر في طرح الفراهي -رحمه الله- يلفيه طرحًا تأسّس على أمر واحد فقط، وهو أنّ وجود الغريب في القرآن مدعاة للإبهام والتعقيد الذي ينافي التبليغ وإقامة الحجة اللذَيْن يقتضيان كلامًا واضحًا بلسان عربي مبين خاليًا من الغريب، لكن الأمر ليس كذلك، وهو ما سأناقشه من خلال أمرين رئيسين يتمثّلان في الآتي؛ أولًا: مفهوم الغريب الذي هو أساس بناء رؤية الفراهي لمفردات القرآن. الثاني: المقصود باللسان العربي، حيث تبينت أيضًا صلته الوثيقة بنفي الفراهي -رحمه الله- للغريب القرآني.
مفهوم الغريب وعلاقته بطرح الفراهي:
سبقت الإشارة أنّ النقاد وأرباب البلاغة يقسمون الغريب إلى قسمين: غريب حسن وغريب قبيح، ومما يلاحظ في طرح الفراهي بعد تتبّع تعليلاته في نفي الغريب في القرآن، أنه يتجه وجهة اعتماد مفهوم الغريب القبيح الذي اشتهر عند النقاد والبلاغيين، وهو الوحشي المغلظ غير المقبول سواءٌ على مستوى الوضع أو الاستماع، بل هو الذي يخالف شروط الفصاحة والبيان اللذَيْن هما من خصائص الخطاب القرآني، حيث هذا الأخير -الغريب القبيح- يكون ثقيل البنية لا يلائم تركيب القرآن ونظمه، ولا شك أن الخطاب القرآني منزَّه عن هذا كلّه.
وعليه، فإنّ تعريف الغريب عند الفراهي، هو الغريب الذي ينافي فصاحة العرب وبلاغتهم، وما ليست له معانٍ تُعِين على فهمه سواءٌ من جهة القطع أو الاحتمال، كما ليست له أصول في التراكيب اللغوية يمكن ردّه إليها؛ لذلك ذكر الفراهي أن مَن أثبتَ الغريب فقد «قلَّ علمه بلغة العرب»، ولا ريب أن الغريب بهذا المعنى لا يوجد في الخطاب القرآني قطعًا، كما لا يمكن لأحد أن يثبته، أو يقول إن العلماء توهموا في إثباته؛ لأن إثبات هذا القسم من الغريب، هو في حد ذاته طعنٌ في القرآن، ووَصْفُهُ بما ليس فيه؛ وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وهذا المفهوم الذي اختاره الفراهي للغريب هو الذي قادَهُ لأن يقول: «قد أفصح القرآن بكونه عربيًّا مبينًا، وقد وجدناه كذلك. فإنّ مَن مارَسَ لغة العرب... وقَد أَخلَصَ عن الوحشي الغريب كما أخلَصَ عن التعقيد في التركيب، ثم يشهد بذلك صريح المعقول، فإنّ الغرض منه التبليغ والصدع بالحقّ والترغيب والترهيب، وهذا يقتضي كلامًا واضحًا»[8]. ولا شك أنّ القرآن فصيح بليغ قولًا واحدًا، لكن الغريب الذي ذكره المفسِّرون والمهتمون ببيان المفردات القرآنية، هو الغريب في مقابل غير الواضح لأسباب معينة، لا ما فيه غرابة في أصله، أو كان غير مأنوس عند العرب الخلّص، كما أن وجود الغريب في القرآن باعتبار المفسِّرين لا ينافي غياب الفصاحة والبيان، بل عدّ بعضُم أنّ الغرابة في بعض ألفاظ القرآن وجهٌ من أوجه الإعجاز.
إلى هذا الحد يبرز لنا أن الفراهي -رحمه الله- قد ارتبط معقد إشكالية نفيه للغريب في القرآن بمفهوم الغريب عنده، الذي سلك في تبنّيه مسلك النقاد وخالف جموع المفسِّرين والمعتنين بالألفاظ القرآنية فيما يرونه مِن تضمّن الخطاب القرآني من الغريب، وخاصةً أن اصطلاحات الغريب تختلف من مجال لآخر كما سبقت الإشارة، الشيء الذي يترتب عنه إشكال عند نقلِ اصطلاح من مجالٍ وتوظيفِه في مجال آخر.
ماهية اللسان العربي وعلاقته بطرح الفراهي:
يعدُّ اللسان العربي هو ما نطقت به العرب وثبت توظيفه في لغاتها، وصار من صميم استعمالاتها، وإن كان أصله غير عربي، لكن يبقى للفظ أصله الذي هو من لغات أخرى، لكن اللسان العربي بهذا المعنى غير الذي قصده الفراهي -رحمه الله- من طرحه، حيث جعل اللسان العربي لا يخرج عن المفردات العربية ابتداء، وأخرج ما كان من غير لغة العرب، وإن تمّ توظيفه وجرى على ألْسِنة الشعراء وكُتّاب الملوك في رسائلهم، بحيث قال الفراهي: «وأوَّلُوا بعضها -ألفاظ القرآن- بلغة من الحبش والحِمْير والأنباط...»[9]، لكن سرعان ما تدارك هذا الأمر مع الاحتياط من صحة الروايات، وبيَّن أن ألفاظ القرآن قد تُضَمّن ألفاظًا من لسان آخر، لكن لا يصح أن يطلق عليها الغريب.
وإنَّ حَصْرَ ماهية اللسان العربي فيما كان خالصًا للمفردات العربية في أصل الوضع اللغوي أسهم في تشكيل منطلق نفي الغريب في القرآن، والحقيقة أن اللسان العربي يشمل لغات العرب قاطبة، كما يشمل الألفاظ غير العربية التي دخلت أسوار لسان العرب، وجرى استعمالها لفترات طويلة قبل أن ينزل القرآن ويقرّها على مستوى الاستعمال.
ولا شك أن إقرار الخطاب القرآني بهذه المفردات غير العربية في الأصل، التي كانت سائدة في بيئة العرب حينئذ، دفع العلماء قديمًا وحديثًا لإثبات وجود الغريب في القرآن مع الاعتناء به منذ القرون الأولى؛ لأن وجود هذا الأخير -الغريب في القرآن- لا يتعارض البتة مع كون القرآن بلسان عربي مبين؛ إِذْ هو خطاب الباري الذي نزل بلغة العرب وخاطبهم بما يفهمون ويستعملون، ومن ذلك الألفاظُ الأعجمية في أصل وضعها اللغوي وعربيةٌ فصيحة في الاستعمال، والتي أخضعتها العرب لمجموعة من الضوابط قبل استعمالها.
وعمومًا وبالإضافة إلى ما سبق الإشارة إليه حول مفهوم الغريب وعلاقته بإشكالية نفي الغريب في القرآن، يضاف إلى ذلك تصوّر الفراهي -رحمه الله- لماهية اللسان العربي حيث جعله منطلقًا بارزًا في رؤيته وتبنّيه قضية نفي الغريب في القرآن، الشيء الذي يُظهر أنّ طرح الفراهي -رحمه الله- بُنِيَ على مفهوم الغريب وماهية اللسان العربي على غير المعهود قديمًا وحديثًا لدى أرباب هذا الشأن -المفسِّرين والمعتنين بألفاظ القرآن-، ولا أدلّ على ذلك مِن تفرّده بهذا القول -حسَب اطلاعي-، حيث خالف خلافًا صريحًا جموعَ المفسِّرين الذين ذهبوا إلى إثبات وجود الغريب في القرآن.
ومن جهة أخرى فإنّ ذهاب الفراهي -رحمه الله- إلى القول بنفي الغريب في القرآن جعله يسمي كتابه الذي ضمّنه هذا الطرح بـ(مفردات القرآن)، وهو موافق لقوله بالنفي، حيث لم يسمِّ الكتاب كما هو معهود بـ(غريب القرآن) أو ما شاكَلَ ذلك من تسميةٍ توحي بوجود الغريب القرآني، وهذا صنيع جيد؛ إِذْ ناسَبَ وَسْمُ الكتاب رؤيةَ المؤلِّف، لكن مَن تأمَّل صنيع الإمام داخل الكتاب ألفاه يسعى لنفس الغاية التي يرومها كلُّ من اعتنى بالغريب في القرآن، من خلال بيان معاني الكلمات ومدلولاتها عن طريق «الكشف عن تفسيرات جديدة، وأصول جديدة ترجع إليها مشتقات بعض الموارد اللغوية، وبيان التطورات الدلالية... إلخ»[10]. وعليه، فإنّ الفراهي -رحمه الله- وافقَ جموع العلماء في مقصد الاشتغال على ألفاظ القرآن بل حتى جزء من طريقة الاشتغال وتفرّد بجزء، لكن خالفهم في المنطلقات.
إثبات غريب القرآن؛ العوامل الداخلية:
تعدُّ العوامل الداخلية هي العوامل النابعة من معاني ودلالات الألفاظ القرآنية وتركيبها، وتمثّلت في تضمُّن الخطاب القرآني لغات العرب، وتضمّنه أيضًا لكلمات معرَّبة، ثم اكتنافه لمفاهيم جديدة، كما تضمّن مصطلحات خضعت للتغيير الدلالي على مستويات يأتي بيانها.
تضمّن الخطاب القرآني لغات[11] العرب:
من المعلوم أنّ من مقاصد الخطاب القرآني توحيد الأمة، ومن ذلك توحيد العرب قاطبة باعتبار أن القرآن اختار لغتهم، وقد كانت العرب قبائل شتى، تختلف لغاتهم من قبيلة لأخرى، فنزل القرآن و«قد ضمّ ألفاظًا من معظم القبائل. وهذا الأمر يومئ إلى غاية سياسية قصد إليها النبي عليه صلوات الله، وهي: توحيدُ العرب، وجعلُ القرآنِ كتابًا تجد فيه كلّ قبيلة من ألفاظها الخاصّة بها، ثم إيجاد لغة واحدة تكون اللغة الرسمية للعرب جميعًا، هي تلك اللغة الكاملة التي نجدها في القرآن»[12].
وإنّ الناظر أيضا في لغة القرآن يجده لم يكتفِ بلغة قريش فقط[13]، وإن كانت هي الغالبة في الخطاب القرآني، بحكم سكنِها بمكة، وتوافُدِ القبائل عليها لتنهل شيئًا من فصاحتهم، فجعلها هذا التوافد هي الأفصح والأجود على باقي اللغات العربية، لكن «لم يهمل الفصيح والبليغ من لغات العرب في بقية القبائل، فاختار من ألفاظها أدقّها تعبيرًا عن المعنى، وأخفّها نطقًا على اللسان، وأجزلها معنًى... فضمّنه نظمه الكريم، حتى أصبحت لغة القرآن هي اللغة المختارة من لغات العرب ولهجاتها، وهي التي تشكّل قمّةً في الفصاحة والبلاغة»[14].
وانطلاقًا مما سبق يتبين أنّ القرآن قد اكتنف في طيّاته لغات عدّة من لغات العرب، حتى غاب عن بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- معاني بعض المفردات القرآنية، وهذا مردّه بالأساس لاختلاف لغات العرب، فما هو مألوفٌ في هذه القبيلة ومتعارَفٌ عليه هو مجهولٌ وغيرُ معهود لدى قبيلة أخرى، ومن ذلك على سبيل المثال: «ما سأل عنه عمر -رضي الله عنه- وهو على منبره عن معنى التَّخَوُّف في قوله تعالى: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ فسكتوا، فقام شيخ من هذيل فقال التخوف: التَنقُّص، قال عمر: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم»[15].
وإنّ اكتناف الخطاب القرآني للغات عدّة من لغات العرب، حري به أن يتضمن مفاهيم من قبيل الغريب القرآني، خلافًا لمن نفاه دون تفصيل، بحيث برزَ هذا الغريب جرّاء فيض المعاني والتراكيب المتنوعة في دلالاتها من لغات العرب المعلومة عند قوم وغريبة عند آخرين، ليعطيَنا أسلوبًا جديدًا ونمطًا مستجدًّا لم تعهده القبائل العربية من ذي قبل، بل أكبر من ذلك أنهم لم يستطيعوا الإتيان بمثله إلى الآن وما بعد الآن، ولا شكّ أن هذا التركيب المتنوّع من لغات العرب هو جزء لا يتجزّأ من الإعجاز اللغوي والبلاغي في القرآن، الذي يترتب عنه إعجاز في المعاني والدلالات التي لا تتجلى إلا بجهد جهيد، من خلال الاعتناء بغريب القرآن، وهو عينه ما قصده المعتنون بالغريب في الخطاب الرباني حين عبّروا عنه بالألفاظ القرآنية البعيدة عند الفهم، لغموض معانيها وعدم وضوح دلالاتها لعدة عوامل معينة، وليس لغرابة في أصلها كما قصد ذلك الفراهي حيث جعل الغريب مرادفًا للوحشي البعيد.
تضمّن الخطاب القرآني كلمات معرّبة:
لقد كانت العرب قبل نزول القرآن على تواصل بالغ بالحضارات والأمم القريبة حينئذ؛ كالروم والفرس وغيرهم...، ومما ضَمِنَه هذا التواصل الذي شغل مستويات عدة التواصلُ اللغوي الذي تمخّض عنه تأثير وتأثّر، فوظّف كِلا الفريقين عربًا وعجمًا مفردات من لسان آخر، وهو حقيقة ما جرى مع لغة العرب، وخاصّة لغة قريش بحكم مركزيتها بين الأمم شرقًا وغربًا، حيث كانت موطنًا عظيمًا للرحلات والقوافل التي كانت تجعل التواصل بوابةً للوصول لغاياتها.
وقد عمد العرب كغيرهم إلى ألفاظ خارجة عمّا عهدته بيئتهم، يجعلونها من صميم كلامهم الفصيح، وتلقفها أرباب الشِّعْر والكتابة، ليوظّفوها في شِعرهم ورسائلهم، وهذا أمر طبيعي جرت العادة به بين اللغات، وغايتهم الكبرى تجويد عملية التواصل والتعارف بين الأمم والحضارات، كما تقرّر هذا الأمر أيضًا بالعقل والعرف، فكم من اللغات قديمًا وحديثًا صار من صميمها ألفاظ ومفردات للغاتٍ أخرى؛ جرّاء التلاقح والتفاعل المستمر والطويل، ولغة العرب كما سبق الإشارة ليست ببعيدة عن هذا الطرح، بل لها حظ ونصيب، ولا نبالغ إذا قلنا إنه من مميزاتها احتواؤها للغاتٍ أخرى وتصييرُها وَفق الأوزان العربية إمّا بحذف أو زيادة...، لتنفخ فيها من روح العروبة والفصاحة من خلال مسلك التعريب، والذي يعدّ بمثابة بوابة ضبط للألفاظ الأعجمية التي ستدخل أسوار لغة العرب الفصيحة.
ويعدّ التعريب ظاهرة لغوية مقرّرة عند العرب، وليس المقصودُ منها -كما يُفهم ابتداءً- نقلًا للكلمات كما هي دون أدنى ضابط أو قيد، لكن هو إعادة صناعة اللفظ كما وعاها المستمع وفهمها بما يتوافق مع قواعد لغة العرب، بل ويسري عليه فيما بعد ما يسري على باقي الألفاظ العربية الأصيلة ابتداءً، وإذا كان هذا الأخير -التعريب- عملية لغوية تستعملها العرب قبل نزول القرآن، فلا يعدّ عجبًا أو تجاسرًا بأن يقرّر القول لدى العديد من العلماء بوجود ألفاظ معرّبة في الخطاب القرآني، بل وذكروا لذلك حكمًا وفوائدَ كثيرة[16]، ثم نزل القرآن فوظّف ما كانت توظّفه وتستعمله العرب، لكن بأسلوب جديد ومعانٍ جديدة.
ومما يزكي القول في هذا السياق ما نقله السيوطي بقوله: «بل كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلغتها بعضُ مخالطة لسائر الألسنة في أسفارهم، فعلقت من لغاتهم ألفاظ غُيِّر بعضُها بالنقص من حروفها، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها، حتى جرت مجرى العربي الفصيح ووقع بها البيان، وعلى هذا الحد نزل بها القرآن»[17]، كما أورد الواسطي في كتابه (الإرشاد في القراءات العشر) قوله: «ومن غير العربية: الفرسُ، والروم، والنبط، والحبشة، والبربر، والسريانية، والعبرانية»[18]، ثم أورد أمثلة في هذا الصدد.
ومن خلال ما تقدّم يتجلى أن الخطاب القرآني قد اكتنف في طيّاته عددًا من الألفاظ المعرّبة، جمعها أرباب هذا الشأن في رسائل وكتبٍ خُصصت لهذا الغرض بالذات، ومن هذه الألفاظ على سبيل التمثيل وليس الحصر: (طَفِقَا - الطور - عَدن - غسَّاق - قسطاس - كِفلَين - هُدنا - مُزجاة...) وغيرها من المفردات الكثيرة[19]، التي عُزيت في إقرارها بأنها ذات أصل غير عربي إلى ثلّة من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- وجلّة العلماء الأوائل من المشتغلين بالدرس التفسيري وما دار في فلكه.
وإنّ هذه الألفاظ المعرّبة وغيرها مما تم تقريره من لدن أساطين هذا الشأن، تعدّ من العوامل الرئيسة في إثبات الغريب في القرآن، وبروز جملة من القضايا المتعلقة به، الشيء الذي انبرت له أقلام المتخصّصين لإعطائها حقّها من الإيضاح والبيان ضمن مسالك غريب القرآن، مما أنتج رصيدًا زاخرًا من المصنفات، وليس الأمر كما ذهب إليه الفراهي -رحمه الله- بقوله: «أنّ التوهّم بوجود الغريب القرآني ناتج عن كثرة المصنفات فيه»، ولو كان الأمر قاصرًا على المتأخرين جاز القول كما ذهب إليه الفراهي -رحمه الله-، لكن الاهتمام بالغريب يضرب في جذور القرون الأولى من نزول القرآن، وعليه فإذا كان المتأخر توهَّم لأنه ألفى كثرة المصنفات في هذا الباب، يبقى السؤال الآتي قائمًا، فمَن أَوْهَم المتقدم الذي ألّفَ وصنّف أيضًا في الغريب القرآني.
والحقيقة أن غريب القرآن ثبت وجوده، وبرز الاهتمام به سواءٌ عند المتقدِّمين في بدايات عصر التدوين أو عند المتأخِّرين، جراء عوامل متعدّدة، منها: تضمّن الخطاب القرآني مفردات معرّبة تحتاج لشرح معانيها وبيان مدلولاتها، إمّا لبُعدها عن الأفهام ولا يُتَوصّل إليها إلا بجهدٍ وبذلِ وسعٍ أو لقلّة استعمالها وجريانها على الألسنة، وإذا كان اختلاف لهجات -لغات- العرب عاملًا وسببًا رئيسًا من أسباب الغريب القرآني، فإن عامل وجود المفردات المعرّبة يسهم في إثبات غريب القرآن من باب الأَوْلى.
ومن جهة أخرى، فإنّ وجود المفردات المعرّبة في الخطاب القرآني، لا يتنافى قطعًا مع كون الخطاب القرآني عربيًّا فصيحًا مبينًا، كما لا يتنافى أيضًا مع وضوح دلالاته ومعانيه؛ لأنّ الله -عز وجل- حفظ القرآن بحفظه، ومن صميم هذا الحفظ البيان والإيضاح، إذ قيّد له رجالًا أفنوا أعمارهم وأوقاتهم في خدمة القرآن ومنها بيان معاني مفرداته، كما أن هذا البيان والإيضاح الذي تقلّده العلماء هو من جنس التكليف الذي تحدّث عنه القرآن في أكثر من موضع، ومن جهة أخرى لو كان الخطاب القرآني يَفهَمه الجميع ابتداءً من النظرة الأولى لاستُغنِيَ عن حكم كثيرة رام تحقيقَها الشارعُ الحكيم.
تضمن الخطاب القرآني مصطلحات جديدة:
بالإضافة إلى ما تم مناقشته من العوامل التي أسهمت في بروز الغريب القرآني واعتناء العلماء به، فإن القرآن اكتنف عددًا هائلًا من المفاهيم الجديدة، بحيث إنها لم تكن مألوفة أو معهودة داخل أسوار البيئة العربية حينئذ، كما أنها لم تكن أجزاء من كلمات أخرى معروفة قط في كلام العرب شِعْرًا أو نثرًا، بحيث لم تعرفها العرب حتى سطوع شمس الإسلام، وهذه المصطلحات استحدثها النصّ القرآني وأعطاها دلالاتٍ جديدة وخواصَّ لم تتطرّق لها العرب من قبل، فأنى أن يدركها العربي الذي عاصر القرآن وشهد نزوله، فضلًا عمّن أتى بعده من المسلمين.
وتجدر الإشارة أن هذه الألفاظ الجديدة المتضمّنة فيه تَنبع من أصل دلالتها في اللغة العربية، إلا أنها تضاف إليها أمور تَرتبط بسياقات ومآلات ينبغي مُراعاتها، وهذا الأمر هو جزء لا يتجزأ من الإعجاز القرآني الذي تحدّى العربَ أن يأتوا بمثله فعجزوا، بحيث حمَّل القرآن الكريم بعض الألفاظ العربية معاني ودلالات جديدة ابتداء، وهذه الدلالات لم يكتسبها اللفظ من قبل عند العرب؛ فأصبح المفرد القرآني له مفهوم جديد غير الذي يتبادر إلى الذهن، وهو ما يُعرف بالمصطلح القرآني.
ويعدّ المصطلح القرآني: كلّ لفظ قرآني عبّر عن مفهوم قرآني، بمعنى: كلّ لفظ من ألفاظ القرآن الكريم، مفردًا كان أو مركّبًا، اكتسب داخل الاستعمال القرآني خصوصية دلالية قرآنية جعلت منه تعبيرًا عن مفهوم معيّن له مَوقع خاصّ داخل الرؤية القرآنية ونسقها المفهومي[20].فيدخل في ذلك أسماء المعاني وأسماء الصفات المشتقّة منها في القرآن الكريم، مفردة أو مركبة، مطلقة كانت أو مقيدة، وعلى الصورة الاسمية الصريحة، أو على الصورة الفعلية التي تؤول بالاسمية[21]. وعرّفته الدكتورة/ فريدة زمرد بأنه: كلّ لفظ دلَّ على مفهوم قرآني خاصّ لم يكن متداولًا عند العرب قبل نزول القرآن الكريم[22].
ومما سبق نَفهم أنّ كلّ لفظ -سواءٌ كلمة أو جملة- له دلالة خاصة في نسق القرآن الكريم يعدُّ مصطلحًا جديدًا، وهذا عامل أساسي في بروز غريب القرآن الذي يحتاج لبيان، وقد عبّر بعض العلماء عن المصطلحات القرآنية بالألفاظ الشرعية أو الألفاظ الإسلامية[23]، إلا أن هذه التسمية تبعدها عن حقيقتها بعض الشيء، إِذْ توحي أنها وليدة الإسلام، في حين أن هذه المصطلحات ذات جذور تاريخية ولغوية قبل نزول القرآن؛ لذلك فإنّ التعبير عنها بالمصطلحات يبقى هو التعبير الأمثل في هذا المقام، ومن أمثلة هذه المصطلحات الجديدة، التي كانت من العوامل الحاسمة التي دفعت العلماء للاعتناء بقضايا الغريب القرآني:
مصطلح (جاهلية)، بحيث لا يوجد لهذا المصطلح مثيل في توظيف دلالته قبل نزول القرآن الكريم، وهي صيغة أوجدها القرآن الكريم وانتشرت فيما بعد لتكون عَلمًا على الفترة التي سبقت نزول القرآن، وهو مستمدّ -من دلالته- مِن الجهل بمعنى السفه والطيش والحميّة الزائفة؛ للتعبير عن الحياة التي كان يحياها الإنسان في العصر الجاهلي، وليس من قبِيل ما هو مألوف مِن الجهل ضد العلم[24]. وعليه، فإنّ مصطلح الجاهلية حدث واستُعمل بعد الإسلام.
ومن المصطلحات الجديدة التي أحدثها القرآن، مصطلح (الوضوء) الذي يعني عند العرب الحُسن والنقاء والوضاءة، لكن بعد نزول القرآن، قد كساه معنًى جديدًا، لا يمكن إدراكه إلا بالبيان أو المعاينة، كما هو حال الصحابة -رضي الله عنهم- حيث عاينوا وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- فأدركوا حينئذ أنّ الوضوء «غسل الأطراف بكيفية معيّنة وبترتيب معين قبل الصلاة، ولا شك أن هذا المعنى يجعل من مصطلح (الوضوء) مصطلحًا إسلاميًّا جديدًا خصّص القرآن معناه»[25].
وغيرها من المفاهيم: (الإسراء - التيمم - الأذان - المسجد - التبتل - الاستغفار...)، التي أوجد لها الخطاب القرآني معنًى جديدًا خاصًّا بها، وحمله عليها في الاستعمال فصارت تُصرَف لها الأذهان، ولا شك أنّ هذه المصطلحات ذات جذور لغوية، لكن المعنى الخاصّ الذي لم يسبق أن استُعملَتْ فيه، هو ما جعلها مصطلحات جديدة، دفعت العلماء للاعتناء بها، وبيان معانيها ومدلولاتها، ولم يكن اشتغالهم بها من الترف العلمي أو هدرًا للوقت، بل حقيقة غابت معانيها على جماعة من المسلمين عربًا وعجمًا، الشيء الذي جعل العناية والاهتمام يتوجهان صوب الغريب القرآني.
ومن جهة أخرى، إنّ ما ذكره الفراهي -رحمه الله- حول «الكثرة الكاثرة للمصنفات المتنوّعة في مسالكها، والتي عُنيت ببيان وشرح غريب القرآن كانت سببًا في التوهّم بوجود غريب القرآن» فيه نظر؛ إِذْ هذه الكتابات على تنوّعها الواسع، وبغضّ النظر عن الاختلاف الذي يطالع عددًا من مواطنها؛ فإنها لم تأتِ سُدى، بل أتت نتيجةً لعوامل عدّة، من أبرزها حملُ معاني العربية على دلالات جديدة لم تكن في حُسبان العربي، ولم يكن ليفهمها لولا البيان. وعليه، فإنّ وجود الغريب في القرآن أمرٌ طبيعي ناتج عن منعطفات جديدة في مسار اللغة العربية بعد نزول القرآن.
تضمّن الخطاب القرآني مصطلحات خضعت للتغيير الدلالي:
بالإضافة إلى ما تقدّم بيانه من العوامل الداخلية في الخطاب القرآني، ينضاف لها عامل آخر يتمثّل في التغيير الدلالي الذي خضعت له ألفاظ القرآن على مستويات عدّة، إمّا بالتضييق أو الاتساع أو الانتقال، ويأتي بيانها على النحو الآتي:
مصطلحات ضاقت دلالاتها اللغوية: ويقصد بالمصطلحات التي ضاقت دلالاتها اللغوية، أي أن هناك مصطلحات كانت عامة الدلالة فخَصص القرآن مدلولها، وتخصيص الدلالة يعني أن تقتصر الدلالة العامة على بعض أجزائها فيضيق شمولها بحيث يصبح مدلول الكلمة مقصورًا على أشياءَ أقلّ عددًا مما كانت عليه في الأصل[26]، ومن الأمثلة على المصطلحات التي ضاق مدلولها اللغوي ما يأتي:
مصطلح (الرسول)، في أصله اللغوي الانبعاث على التؤدة، ومنه الرسول المنبعث، ثم تطوَّر اللفظ ليدلّ على الرفق تارة، والانبعاث تارة أخرى. و(الرسول) لفظ يصدق على كلام المرسل، وعلى حامل الخبر، وفي النصّ القرآني دلّ على الإنسان الذي يختاره الله -عز وجل- لِينشرَ في الناس الرسالة، ويبلِّغَ الناس دين ربهم، فالقرآن خصّص معنى لفظ (الرسول) وجعله مرتبطًا برسول الله الذي يبلِّغ عن ربه أحكامَه ودينه وشرائعه[27]. وغيرها من المصطلحات التي ضاق معناها اللغوي في القرآن بعد نزوله؛ كالشفاعة والصلاة، بحيث جعلها القرآن تدلّ على العبادة المعهودة التي علّمَنا إياها الرسول صلى الله عليه وسلم.
مصطلحات اتّسعت دلالاتها اللغوية: أمّا هذا المستوى من التغيير الدلالي هو ما كانت دلالته اللغوية ضيقة ومحدودة في مدلولات معينة إلا أن النصّ القرآني أكسبها توسعة لتشمل العديد من المعاني والمدلولات أكثر مما كانت عليه، ومن نماذج هذه المصطلحات ما يأتي:
مصطلح (الفِسق)، العرب تقول إذا خرجَت الرطبة عن قشرتها: فقد فسقت الرطبة من قشرتها، وسُميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها على الناس، وفي النصّ القرآني دلّ مصطلح (الفسق) على العصيان والترك لأمر الله -عز وجل- والخروج عن طريق الحق، وقيل: الفسوق: الخروج عن الدين، والميل إلى المعصية، مثلما فسق إبليس عن أمر ربّه[28]. ومثل هذا المصطلح أيضًا (الكفر) و(النفاق).
مصطلحات انتقلت دلالاتها اللغوية: وهذا الصِّنف من المصطلحات يفارق دلالته، حاملًا ومتصفًا بدلالة جديدة كساه إياها النصُّ القرآني، ومن الأمثلة التي تخصّ هذا الصنف من المصطلحات ما يأتي:
مصطلح (الركوع)، معناه اللغوي هو (شدة الانحناء)، ولكن المعنى الأول قد نُسي ولم يَعُد يُستعمل إلا عند اللزوم، ثم انتقل معناه ليصبح دالًّا على الخضوع والتذلل، وهو معنى مجازيّ متطورٌ عن المعنى اللغوي الأساس وهو الانحناء والانخفاض، ومن هذا المعنى تفرعت معانٍ مجازيةٌ كثيرة، فقالوا: ركع الرجل، إذا افتقر بعد غِنًى، كأنما حَنَى الفقرُ ظَهره بعد أن كان مستويًا، ويبدو أن العرب ساروا خطوة ضيقة نحو معناه الاصطلاحي فكانوا يسمُّون الحنيف راكعًا، ولم تنتشر دلالة المصطلح إلا بعد نزول القرآن فصار إذا أُطلق فهو لا يعني إلا الركوع في الصلاة، وسُميت أجزاء الصلاة بالركعات؛ لأنه يمثّل الحدَّ الفاصل بين كلّ قيامين أو وقفتين يقفُهما الإنسان في صلاته[29]. ومثل ذا أيضًا من المصطلحات التي انتقلت دلالاتها اللغوية: الجنة، الطواف، الفرض، الغي، المغفرة، المناسك.
وإنَّ تضَمُّنَ الخطاب القرآني لمفردات خضعت للتغيير الدلالي إمّا بتضيق أو اتساع أو انتقال كان محطةً بارزة ومنعطفًا مهمًّا في ظهور خارطة العوامل الـمُسهِمة في ظهور الغريب القرآني، حيث عُهد عند العرب مفردات ذات دلالات معينة وجرت الألسنة بها، فجاء الخطاب القرآني ليخترق هذه الدلالات ويرسم حدود معانيها إمّا بتضيق أو اتساع أو انتقال، فطبيعي جدًّا أن يكون المفرد معروفًا من قبل بمعنًى معيّن ثم يصبح غريبًا لِما طرأ عليه من تغير دلالي، الذي كساه إيّاه القرآنُ.
إثبات غريب القرآن؛ العوامل الخارجية:
تعدُّ العوامل الخارجية هي العوامل التي حدثت خارج سياج معاني ودلالات الألفاظ القرآنية وتركيبها، لكنها أسهمت بشكل ملحوظ في بروز الغريب في القرآن، ودفعت العلماء لمزيد من الاعتناء به، وتمثّلت في دخول العجم في الإسلام، ثم نسبة الزمان والمكان، ويأتي بيانها.
دخول العجم في الإسلام:
يُعتبر القرآن الكريم معجزة خالدة إلى يوم الدين، فهو كلام الله المنزل على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي استطاع أن يقهر العرب؛ إِذْ تحدّاهم بما عندهم من الفنون والعلوم، كالبلاغة والتعبير شعرًا ونثرًا، ورغم نزوله على مبادئهم وقوانينهم. بل تجاوز ما عندهم، وجاء باستعمالات لم تعهدها بيئتهم من قبل؛ ليقفوا أمامه موقف المستسلم، وقد كان هذا الأخير -استعمالات القرآن- من العوامل الدافعة للاشتغال على الغريب القرآني، فلم يَسَعْهم بعد ذلك إلا الانكباب عليه، فصار القرآن محطة اهتمام المفسِّرين، ومحورًا أساسيًّا للدارسين، قاصدين من ذلك بيان معاني مفرداته وألفاظه في مدونات مختلفة.
وعلى نفس المنوال، بل وزاد الاهتمام بالغريب القرآني بعد اتساع رقعة الإسلام ودخول العجم فيه، حيث كان هذا الأمر من العوامل التي أسهمت أيضًا في بروز الغريب القرآني، حيث كانت تخفى جُلّ معاني القرآني على هؤلاء العجم، وكيف لا يقع هذا الأمر، وقد خفيت بعض دلالات الخطاب القرآني على جلّة الصحابة -رضي الله عنهم- كما خفيت أيضًا على كبار العلماء، فأمرٌ مسلَّم به أن تخفى على حديثي الإسلام من العجم.
ولذلك أوردَ العديد من الكُتّاب في شأن الغريب القرآني، أنّ من مقاصد مؤلّفاتهم بيان المعاني وتقريبها للعجم، وهذا ينفي بيان معاني مفردات القرآني لغيرهم، حيث كان هذا الأمر عاملًا أساسيًّا في بروز قضايا الغريب القرآني، بل وزاد الاهتمام به مع مرور الزمن وتنوّعت الكتابات فيه بين مطولة ومختصرة؛ مما أنتج رصيدًا مهمًّا في التأليف حول الغريب القرآني، وهذه الكتابات لم تكن سببًا في التوهّم بوجود الغريب القرآني كما ذكر ذلك الفراهي -رحمه الله- بقوله في أسباب نفي الغريب: «لما رأوا العلماء صنّفوا في غريب الحديث والقرآن»[30]، لكن هذه التصانيف فرضت نفسها بقوّة الواقعية لها، واستباقًا وتداركًا لما قد يشوب فهم معاني الألفاظ القرآنية من بُعْدٍ عن المقصود، ومن جهة أخرى، فإنّ الواقع أعظم الشهود، فرغم كلّ هذه الكتابات والاهتمامات المتنوعة بالغريب القرآني نرى بُعد الفهم وتسيّب التوظيف لدى الناس.
نسبة الزمان والمكان:
إنّ من العوامل المهمة التي لا ينبغي العدول عنها في إثبات الغريب القرآني بالإضافة إلى ما سبق، هو عامل الزمان والمكان؛ إذ هما عاملان أساسيان تجلّت معهما قضايا الغريب القرآني، خلافًا لمن نفى وجودها قطعًا دون تفصيل، بحيث يعدُّ مرور الزمن وبُعده عن عصر التنزيل مطية في بروز الغريب القرآني شيئًا فشيئًا، بحيث إن «الغموض في الألفاظ يزداد مع مرور الوقت، فالغريب في وقت نزول الوحي كان قليلًا جدًّا، حتى لم يحفظ من أسئلة الصحابة إلا القليل مع التشكيك في صحتها كما تقدّم، ثم لم تزل الحاجة إلى معرفة ألفاظ القرآن تزداد شيئًا فشيئًا، فكانت المصنّفات الأولى صغيرة الحجم وجيزة العبارة، ثم توسّعت حتى طالت الشرح والبيان في الكتب المتأخرة»[31].
إنّ هذا البُعد الزمني وما تمخّض عنه من قضايا الغريب، رفع أيضًا سقف الحاجة إلى البيان، فبرزت جهودٌ كاثرة بل اتّسعت رقعتها، قاصدة من ذلك خدمة الغريب القرآني، وما قيل في البُعد الزمني وتأثيره في بروز الغريب، يُقال في البُعد المكاني والاختلاف الجغرافي، فمَن كان قريبًا من مكان نزول القرآن كان قريبًا من لغة القوم الذين نزل فيهم، الشيء الذي يقلّ معه غريب القرآن، والعكس لمن بعدت سكناه عن مكان نزول الخطاب القرآني، الشيء الذي تبعد معه لغة مكان النزول فيكثر عنده الغريب، ومن هذا المنطلق وهذه المناسبة «يشكَّكُ فيما نسبه الفيروزأبادي لابن عباس في كتابه (تنوير المقباس)، من تفسير ألفاظ لم تكن غريبة في زمن ابن عباس وبيئته التي عاش فيها»[32].
وتجدر الإشارة أن المقصود ببروز الغريب القرآني جراء التأثر بعامل الزمان والمكان، لا يعني تغيّر المعنى القرآني، ولكن المقصود هو تغير الحاصل على مستوى الأفهام الشيء الذي احتاج إلى بيان؛ أمّا اللفظ القرآني فيُفهم ويُحمل على المعاني التي أريدت منه وقت نزوله، ولا يقبل أن يُفهم على غير ذلك من المعاني المستحدثة التي تخلّ بمقاصده؛ لذلك نجد أنّ المعتنين بالغريب القرآني يرومون بيانه من خلال كلام العرب المعتمد والمقبول في الاستشهاد ويستبعدون كلام متأخّرين، أمّا قول البلاغيين أن اللفظ العربي يعتري معانيه تغيّر من زمن لآخر ومن مكان لآخر فهذا حاصلٌ لا شك فيه، لكن في غير القرآن.
وإنّ هذا العامل -الزمان والمكان- على أهميته في إثباتِ غريب القرآن ودفعِ العلماء للاعتناء به، فإنّ الفراهي -رحمه الله- لم يستحضره في بناء قوله بنفي غريب القرآن، الشيء الذي جعل رؤيته هذه تعترضها عدّة إشكالات حقيقية يصعب معها إثبات قوله بالنفي ونسف القول بوجود الغريب وما ترتب عليه من جهود ضخمة خدمَت المعاني القرآنية على مَرّ العصور.
الخاتمة:
يظهر من خلال ما سبق أن عبد الحميد الفراهي -رحمه الله- تفرّد بنفي الغريب في القرآن، وجعله بعيدًا حتى عُدّ قولُه غريبًا في مقابل ما عُرف من رؤى العلماء حول الغريب في القرآن، وحاولتُ في هذا الطرح مقاربةَ رؤية الفراهي -رحمه الله- للغريب في القرآن مقاربةً تقويمية من خلال مسلكين:
الأول: يتمثّل في بيان اصطلاح الغريب عند الفراهي الذي عُدّ المنطلق الأول للنفي المذكور، حيث اعتمد -رحمه الله- الغريب بمعنى الوحشي القبيح البعيد عن الفهم، الذي ينافي الفصاحة والبيان، وليست له أصول لغوية يمكن ردّه إليها، وهذا جنس من الغريب عند البلاغيين والنقاد، لكن الفراهي ربطه بمفردات القرآن، الشيء الذي جعله ينفي الغريب في القرآن، في حين أنّ المفسِّرين قصدوا بالغريب اللفظ غير الواضح جراء عوامل وأسباب معينة لا تخلّ ببلاغته وفصاحته ويحتاج إلى بيان، ثم تطرّقتُ أيضًا إلى ماهية اللسان العربي التي جعلها الفراهي من المحطات المعِينة على نفي الغريب في القرآن.
الثاني: إبراز ومناقشة مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي أسهمت في بروز قضايا الغريب في القرآن وإثبات وجوده مع التمثيل ما أمكن. والسعي إلى بيان هذه العوامل جزء لا يتجزّأ من نقد قول الفراهي مع تقويمه؛ أمّا الداخلية فتمثّلت في العوامل النابعة من معاني ألفاظ القرآن وتركيبها وتمثّلت في تضمّن الخطاب القرآني لغات العرب، كما تضمّن أيضًا كلمات معرّبة، ومفاهيم جديدة، بالإضافة لاشتماله على مصطلحات خضعت للتغيير الدلالي، أمّا العوامل الخارجية عن ماهية ألفاظ القرآن وتركيبها، فقد تمثّلت في دخول العجم في الإسلام، ونسبة الزمان والمكان، وهذا لا ينفي وجود عوامل أخرى لكن ما ذكرتُه هو البارز والمعوَّل عليه في تحقيق قصدي من مناقشة هذا الطرح، وحَسْبي من القِلادة ما أحَاط بالعنق.
ولا يفوتنا في هذا السياق أن نبيِّن أنّ أطروحات الفراهي تحتاج بشكلٍ عام لمزيد من تسليط الضوء عليها ونقاشها، ولا غرو فقد ترك تراثًا قرآنيًّا مهمًّا، وله العديد من النظرات التي تثير الفكر وتدعو للتأمّل.
[1] كتاب المؤتمر العالمي الأول في القرآن الكريم وعلومه، جهود العلماء في غريب القرآن، عبد الرحمن بن معاضة الشهري، ص478.
[2] ينظر: ترجمة السيد سليمان الندوي للشيخ الفراهي في كتاب إمعان في أقسام القرآن، وترجمة محمد أجمل أيوب الإصلاحي في مقدمة كتاب مفردات القرآن، نزهة الخواطر (الإعلام بمن في الهند من الأعلام)، ويمكن العودة لمجلة الهند المحكمة، وبالضبط للأعداد الخاصة بالعلّامة الإمام عبد الحميد الفراهي.
[3] من المعلوم في فلك المعرفة أن اصطلاحات المفاهيم تختلف من مجال لآخر، الشيء الذي ينتج عنه تبيان في القضايا المتعلقة بالمصطلح حسَب كلّ فنّ وإن تقاطعت هذه الاصطلاحات في بعض نقاطها، فالغريب عند اللغويين ليس هو الغريب عند النقاد والبلاغيين، كما يختلف عنه عند المحدثين والمفسِّرين... ينظر: تعريف الغريب، د. سيد مصطفى أبو طالب، منتدى مجمع اللغة العربية على الرابط الآتي: https://cutt.us/7vZY6
[4] قد وقع اختيار اصطلاح الغريب عند المفسّرين لصلتهم الوثيقة بموضوع غريب القرآن الذي هو محلّ الدراسة، كما تم اختيار اصطلاح الغريب عند النقاد والبلاغيين لتداخله مع اصطلاح الغريب عند الفراهي -رحمه الله- كما سيتضح ذلك أكثر في ثنايا المناقشة، كما تم العدول عن باقي الاصطلاحات لبُعْدِ تقاطعها مع سياق الموضوع المتناوَل.
[5] كشاف اصطلاح الفنون، محمد علي التهانوي، تحقيق: رفيق العجم وعلي دحروج، مكتبة لبنان، الطبعة الأولى 1996، (2/ 1250)، بتصرف.
[6] ومن هذه العوامل الأسباب التي سبق الإشارة إليها في اصطلاح الغريب عند المفسِّرين، كما تضاف لها ثلة من العوامل الأخرى التي أسهت في بروز الغريب القرآني، ودفعت المختصين للاعتناء به كما سيأتي في طرح إثبات غريب القرآن في ثنايا الدراسة.
[7] مفردات القرآن، عبد الحميد الفراهي، تحقيق: د. محمد أجمل أيوب الإصلاحي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 2002م.
[8] سبقت الإشارة إليه.
[9] مفردات القرآن، عبد الحميد الفراهي، تحقيق: د. محمد أجمل أيوب الإصلاحي، ص109.
[10] مفردات القرآن، عبد الحميد الفراهي، تحقيق: د. محمد أجمل أيوب الإصلاحي، ص68.
[11] إن المقصود في هذا المقام بلغات العرب، ليست اللغات المخالفة للغة العربية كالفارسية مثلًا...، لكن المقصود بلغات العرب، هي لهجات العرب، والتي هي من قبيل مجموعة من الصفات اللغوية التي تختلف بين القبائل، وتخصّ بيئة معينة دون أخرى، رغم اشتراكهم في اللغة الأُم.
[12] كتاب اللغات في القرآن، أخبر به ابن عمرو عن عبد الله بن الحسين بن حسنون المقرئ بإسناد إلى ابن عباس، حققه ونشره: صلاح الدين المنجد، القاهرة 1365هـ= 1946م، ص8.
[13] ينظر: لغة القبائل الواردة في القرآن، لأبي عبيد القاسم بن سلام، وقد أوصلها إلى خمس وأربعين لغة استخرجها من القرآن الكريم.
[14] لغة القرآن لغة العرب المختارة، محمد روّاس قلعجي، دار النفائس، ص49.
[15] لغة القرآن لغة العرب المختارة، محمد روّاس قلعجي، ص48.
[16] ينظر: المهذب فيما وقع في القرآن من المعرّب، جلال الدين السيوطي، تحقيق: الدكتور/ التهامي الراجي الهاشمي.
[17] الإتقان في علوم القرآن، الحافظ جلال الدين السيوطي، حقّق أصوله ووثق نصوصه وكتب مقدماته: هاني الحاج، دار التوفيقية للتراث - القاهرة، (2/ 397).
[18] نقلًا عن الإتقان في علوم القرآن، الحافظ جلال الدين السيوطي، حقق أصوله ووثق نصوصه وكتب مقدماته: هاني الحاج، (2/ 395).
[19] لا شك أن عددًا من المفردات وقع فيها اختلاف هل هي معرّبة أم عربية ابتداء، ولكن هذا اختلاف ليس محل النقاش، وخاصة أن المقالات لا توفّي بمثل هذه المحطات العلمية.
[20] دراسات مصطلحية، الشاهد البوشيخي، الطبعة الأولى، دار السلام، القاهرة، 1433هـ= 2011م، ص109.
[21] القرآن الكريم والدراسة المصطلحية، الشاهد البوشيخي، ص20.
[22] جهود العلماء في خدمة المصطلح القرآني؛ المسار والمصير، فريدة زمرد، بحث مقدم للمؤتمر الدولي الأول حول القرآن الكريم وعلومه، دار الحديث الحسنية، د.ط، ص551.
[23] ينظر: الفرق بين مفردات القرآن ومصطلحاته من خلال مقالة: بيان الفروق بين بعض مفاهيم في الدرس التفسيري، يوسف عكراش، موقع مركز تفسير على الرابط الآتي: tafsir.net/article/5454
[24] التطوّر الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم؛ دراسة دلالية مقارنة، عودة خليل أبو عودة، مكتبة المنار، الطبعة الأولى، 1425= 2004، ص149- 150، بتصرف.
[25] التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم؛ دراسة دلالية مقارنة، عودة خليل أبو عودة، ص185.
[26] دلالة الألفاظ، إبراهيم أنيس، الطبعة الثالثة، بيروت، 1979م، ص52.
[27] التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم، عودة خليل أبو عودة، ص130- 131.
[28] الكلمات الإسلامية في الحق القرآني، عبد العال سالم مكرم، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، 1417هـ= 1997، ص124.
[29] التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم، عودة خليل أبو عودة، ص189- 190.
[30] مفردات القرآن، عبد الحميد الفراهي، تحقيق: د. محمد أجمل أيوب الإصلاحي، ص108.
[31] كتاب المؤتمر العالمي الأول في القرآن الكريم وعلومه، جهود العلماء في غريب القرآن، عبد الرحمن بن معاضة الشهري، ص478.
[32] كتاب المؤتمر العالمي الأول في القرآن الكريم وعلومه، جهود العلماء في غريب القرآن، عبد الرحمن بن معاضة الشهري، ص181.