عناية ابن عاشور بالدلالة الإفرادية للألفاظ القرآنية
نظرات وتأملات (1/ 2)

الكاتب : مصطفى فاتيحي
يحاول هذا المقالُ الكشفَ عن عناية ابن عاشور بالدلالة الإفرادية للألفاظ القرآنية، وذلك من خلال الحديث عن الدلالات الإفرادية من حيث كونها دلالات عامّة ودلالات خاصّة، ويتناول هذا المقالُ الأولُ الدلالاتِ الإفراديةَ العامّةَ عند ابن عاشور في تفسيره.

تقديم:

  حظي تفسير (التحرير والتنوير) بمكانة سامقة عند جمهور الباحثين والمهتمّين بالدراسات اللغوية والشرعية؛ فقد كان بحقٍّ تحريرًا للمعنى السديد وتنويرًا للعقل التوّاق إلى الجديد النابِذ للتقليد. وإنّ طُول العكوف عليه يضع الطالب على سبيل اكتساب الملَكة والكفاية بأبعادها البيداغوجية؛ نظرًا لمنهج صاحبه العميق وأسلوبه الرّشيق، من ذلك عنايته بتحديد المصطلح القرآني بما يمكن أن يَستخرج منه مسلكًا يُحْتَذَى وصُوًى يُسَار على منوالها، فهو قبل أن يصل إلى المعنى الكلّي التركيبي يحرّر المعنى الإفرادي، باعتباره لَبِنَة أساسية في تأسيس صَرْح المقصود والهدف المنشود. ويمكن تقسيم الدلالات الإفرادية إلى: دلالات عامّة، ودلالات خاصّة. أمّا العامّة فهي المتعلّقة بمعنى اللفظ في اللغة؛ كالترادف والاشتراك والاشتقاق والمعرَّب ومعاني الأدوات، ومنها دلالات خاصّة بالقرآن؛ كعادات القرآن ومبتكرات القرآن، والتطوّر الدلالي للّفظ في الاستعمال القرآني. وفي هاتين المقالتين سنحاول تسليط الضوء على هذه الدلالات عند ابن عاشور ونبرز عنايته بها، بادِئين في هذه المقالة الأُولى بتناول الدلالات العامّة، وذلك بعد تمهيد نبيّن فيه مفهوم الدلالة الإفرادية وأهميتها.

تمهيد: مفهوم الدلالة الإفرادية وأهميتها:

لما كان القرآن الكريم نصًّا لغويًّا منزلًا بلسان عربي مبين، فإنّ إحكام هذا اللسان الذي أُنْزِلَ به ضروري لتفهّمه وتعقّل معانيه، ولمّا كانت المفردات لبنات يحصل من نسجها كمال المعنى وتمام الدلالة، فإنّ درك مغزى التركيب يمرّ عبر فهمها وتمحيصها وتحقيق مراميها، وهو ما يصطلح عليه بالدلالة الإفرادية.

فما المقصود بالدلالة الإفرادية وما أهميتها في فهم الخطاب القرآني؟

يُقْصَد بالدلالة الإفرادية دراسة المفردة دراسة معجمية، من حيث اشتقاقها ومعانيها العامّة والخاصّة وتطوّرها الدلالي، وما يرتبط بذلك من ترادف واشتراك وتضاد. وإذا أُطلق علم اللغة أو متن اللغة فإنه ينصرف إلى هذا المعنى؛ ولذلك نجد (حاجي خليفة) يعتبر البحث في المفردات بحثًا في علم اللغة الذي يُعَدُّ من علوم الآلة التي تعصم من الوقوع في الخطأ[1].

ونجد أيضًا صاحب (من قضايا المعجم) يقرّر الحقيقة الآتية: «وإنّ التحرير والتنوير يوظّف التفسير -فضلًا عن مقاصده المختلفة والمتنوّعة- توظيفًا معجميًّا بأنْ يهدف إلى التعريف بمعنى اللفظ الأصلي، ويوضح معناه الدلالي المتطوّر بحسب السياق والمقام. وبالتالي يعسر على المعجم أن يغفل اعتماد التحرير والتنوير في هذا المجال، إن عرف بالأخصّ لفظًا قرآنيًّا من الألفاظ الواردة في مداخله الألفبائية، وأن يتجاهل معاني ذلك اللفظ حسب سياقه، لا سيما أسباب النزول، لأنّ اللفظ القرآني لفظان: لفظ خاصّ بالقرآن، ولفظ عام ينتسب إلى اللغة العربية على العموم، فضلًا عن جدلية الأخذ والعطاء القائمة بين رصيد اللغة العربية، ومادة القرآن الدلالية، والمجازية، والبيانية أو الأسلوبية، حسب تعبير اللسانيّين. فالتحرير والتنوير يقوم في رأينا مقام المعجم الموسوعي الذي يتجاوز المعجم اللغوي التربوي، ويختلف عن المعجم التاريخي لما اشتمل عليه من لغة وتاريخ وأدب وجغرافيا وعلوم وعناصر اجتماعية مختلفة. فيمكن أن ننسبه إلى ما يسمى -توسّعًا- بالمعاجم الثقافية الحضارية»[2].

ولقد أكّد ابن عاشور هذه الحقيقة حين يقول: «واهتممتُ بتبيين معاني المفردات[3] في اللغة العربية بضبط وتحقيق مما خَلَتْ عن ضبط كثيرٍ منه قواميسُ اللغة»[4].

وكأني بابن عاشور يتمثّل قولَ الزركشي: «وأوّل ما يجب البداءة به منها تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني المفردات من ألفاظ القرآن من أوائل المعارف لمن يريد أن يدرك معانيه... لأنّ المركَّب لا يُعْلَم إلا بعد العلم بمفرداته؛ لأنّ الجزء سابق الكلّ في الوجود الذهني الخارجي»[5].

وكذلك (الراغب الأصفهاني) الذي يعتبر: «أنّ أوّل ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية: تحقيق الألفاظ المفردة؛ فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أول المعارف في بناء ما يريد أن يبينه وليس ذلكم نافعًا في القرآن فقط، بل قل هو نافع في كلّ علم من علوم الشرع»[6].

ولقد نبّه ابن عاشور إلى ضرورة مراعاة وجه تميّز المفردة القرآنية قائلًا: «ولذلك جاء القرآن بأحسن اللهجات وأخفّها وتجنَّب المكروه من اللهجات، وهذا من أسباب تيسير تلقّي الأسماع له ورسوخه فيها، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر: 17]. ومما أعدّه في هذه الناحية صراحة كلماته باستعمال أقرب الكلمات في لغة العرب دلالة على المعاني المقصودة، وأشملها لمعانٍ عديدة مقصودة، بحيث لا يوجد في كلمات القرآن كلمة تقصر دلالتها عن جميع المقصود منها في حالة تركيبها، ولا تجدها مستعملة إلا في حقائقها، مثل إيثار كلمة {حَرْدٍ} في قوله تعالى: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ}[القلم: 25]، إِذْ كان جميع معاني الحرد صالحًا للإرادة في ذلك الغرض، أو مجازات أو استعارات أو نحوها مما تنصب عليه القرائن في الكلام»[7].

إذن فأوّل ما يجب الابتداء به في التفسير إيفاء اللفظ حقّه من البيان، من خلال تمييزه عن مرادفاته، وبيان الفروقات اللغوية التي تكتنفه، وكذا كون اللفظ مشتركًا يحمل معاني ودلالات متعدّدة، أو كان معربًا، وعلاقة كلّ ذلك بتأدية المعنى، كما أنّ اللفظ يتغيّر معناه زيادةً ونقصًا من خلال صيغته، واشتقاقه، أو ارتباطه بالأداة، أو خلوّه منها. ويرتبط بدراسة الألفاظ ما عُرِف عند ابن عاشور بعادات القرآن ومبتكراته، وهي ألفاظ حملت من المعاني داخل بنية القرآن ما لا نجدها في الاستعمال العربي العام، واستيعاب ذلك يكون أداة فعالة في يد المفسِّر تمكّنه من الإبحار بمهارة ونجاعة.

ومنه، سيتم تناول الموضوع من خلال عنصرين متكاملين: الدلالات الإفرادية العامّة، والدلالات الإفرادية الخاصّة.

الدلالات الإفرادية العامّة:

أولًا: الترادف:

قال الإمام (فخر الدين الرازي): «هو الألفاظ المفردة الدالّة على شيء واحد باعتبار واحد. والفرق بينه وبين التوكيد: أنّ أحد المترادفين يفيد ما أفاده الآخر؛ كالإنسان والبشر، وفي التوكيد يفيد الثاني تقوية الأول. والفرق بينه وبين التابع: أن التابع وحده لا يفيد شيئًا؛ كقولنا: عطشان نطشان»[8].

وقال صاحب (رسالة الفروق اللغوية وأثرها في تفسير القرآن) بعد أن عرض أقوال اللغويّين في المسألة: «فمن عبارات المتقدِّمين يُستفاد أن الترادف: هو توالي الألفاظ المختلفة على معنى واحد»[9].

تُعَدُّ قضية وقوع الترادف في القرآن الكريم من القضايا الخلافية بين العلماء قديمًا وحديثًا، بين مجيزٍ لها ومنكرٍ ومتوسّط، إلى درجة أن صاحب رسالة (الترادف بين النظرية والتطبيق) يقول: «لم نعثر على كتاب أو كُتيب في اللغة أو التفسير أحصى الألفاظ المترادفة في القرآن خاصّة، فضلًا عن تناولها بالدّرس والتحليل ثم الحكم عليها بالترادف أو التباين، وما انتهى إلينا في هذا الشأن كان شذرات متناثرة هنا وهناك، وأمثلة مكرورة في ثنايا الكتب ينقلها المحدَث عن المتقدِّم، ثم يرثها عنه مَن هو أحدث منه، مثال ذلك ما ذكره الجاحظ من فرق بين الجوع والسغب، والمطر والغيث، ثم تناقله مَنْ بعده إلى يومنا هذا، وكذلك ما ذكره الزركشي من التفريق بين الخوف والخشية، والشح والبخل، والسبيل والطريق، وجاء بعده مَن نقلها عنه وعزاها لنفسه، وكأنَّ القرآن خلا إلّا من مثل هذه المترادفات القليلة»[10].

وهذا الموقف منه محجوج بما ورد عن عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ[11].

يقول الدكتور (أحمد ياسوف): «أمّا علماء اللغة المعاصرون، فيُجْمِع أكثرهم على إنكار التطابق بين المترادفات، وهنالك قلّة منهم يؤيّدون الترادف»[12].

ويضيف بعد أن ساق حُجَج المنكرين للترادف والمثبِتين له: «نخلص مما سبق إلى أن خصوصية الانتقاء القرآني تدعونا إلى الإقرار بتفرّد كلّ كلمة بمعناها الخاصّ، مستندِين إلى السياق القرآني، فإذا كان الترادف موجودًا في اللغة، فهو بعيد عن تهذيب القرآن اللغوي، وتمكّن مفرداته من معانيها وظلالها الخاصّة»[13].

ويقول (خالد العكّ) بعد أن ذكر قول ابن الأعرابي قديمًا وقول الرافعي حديثًا: «وإنّ مما لا شك فيه أنه: ليس في القرآن الكريم من الألفاظ المترادفة أو المتواردة إلّا وفي كلّ معنى مقصود، يدركه مَنْ كان ضليعًا في فقه اللغة وأسرار العربية»[14].

وإلى هذا المعنى يشير (عبد الرحمن حبنكة الميداني)، حيث يقول: «مهما أمكن إبعاد فكرة الترادف من الكلمات القرآنية فهو الأحقّ بأن يكون المنهج لدى تدبّر القرآن، والأقرب إلى الفهم الصحيح، ولو كانت الكلمات داخلة في معنى كلي واحد، إلّا أنه معنى عامّ صالح لنِسَب متفاوتة. وبإبعاد فكرة الترادف قد يكتشف المتدبّر لكتاب الله المستويات النسبية للموضوع الواحد، والدرجات التي يقصد الإشارة إليها، وقد يظهر له بعد أغراض تكرير الفكرة في مواضيع مختلفة. فقد يأتي في القرآن اختيار كلمة في موضع، ثم قد يأتي اختيار مرادف لها في موضع آخر، أو اختيار كلمة مقاربة لها في المعنى في موضع آخر. ولما كان القرآن في قمة الإعجاز كان على المتدبّر له أن يتفكّر في سِرّ اختيار كلّ الكلمات المترادفة أو المتقاربة، ووضعها في الموضع الذي استعملت فيه دون الأخرى. فمن شأن التفكّر والبحث أن يهدي بعض المتفكّرين الباحثين إلى سِرّ ذلك، ولو بعد حين من الدهر»[15].

وتعدّ القاعدة المنهجية الآتية إحدى قواعد الترجيح المعتبرة في التفسير: ويتعلّق الأمر بـ«حمل ألفاظ الوحي على التباين أرجح من حملها على الترادف»[16].

 بالإضافة إلى أنّ «هناك بواعث جمالية تدفعنا إلى تفضيل مفردة على أخرى في حال التطابق التام المفترض بين معنى الدلالتين، والقرآن يبيّن لمتدبّره أنه لم يكتفِ بانتقاء المفردة الخاصّة بالمعنى المحدّد المطلوب، بل جمع بين عذوبة الصوت وبين المعنى الخاص»[17].

ومن دون شكّ فإنّ الجمع بين الوظيفة الصوتية ومراعاة المعنى له تأثيرٌ كبيرٌ على تلقي الخطاب وحُسْن استيعابه، وإذا كان هذا مراعى في الكلام البشري فهو في حقّ الكلام الإلهي أَوْلَى وأجدر، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

يقول (أحمد عبادي): «إنّ الاستخدام الإلهي للمفردة اللغوية يرتقي بدلالاتها إلى مستوى المصطلح المحكم الدقيق خلافًا للكسب البلاغي البشري عامة. إنّ استخدام القرآن للمفردة اللغوية يعطيها الطابع المرجعي الذي يحكم دلالاتها حيثما وجدت في القرآن، فإذا تم التعرّف على دلالة مفردة لغوية قرآنية بالآليات المنهاجية المناسبة، وفي مقدّمتها التعديل التعاضدي المقارن بين كلّ الاستخدامات في القرآن فإنه يتم الانفصال بالدلالة الحاكمة التي تفهم اللفظة بحسبها في القرآن كلّه»[18]؛ «وعليه فإنّ الألفاظ في القرآن مترابطة ترابطًا عضويًّا بعلم الله وإحاطته، ترابطًا يجعلها تندّ عن الزمان والمكان فتصبح غير نهائية المعاني التي يمكن أن تندهق منها»[19].

«ومن هذا المنطلق فإنّ جمهور العلماء يذهبون إلى نفي الترادف في القرآن الكريم، حتى وإن قال بعضهم بوجوده في اللغة العربية، نظرًا لبلوغ القرآن الكريم أعلى درجات الفصاحة، وتسنّمه ذروة البلاغة فليس فيه لفظة نابية في مكانها، أو نافرة في سياقها، فقد استوتْ كلّ كلمة فيه في مكانها الأشكل بها، المناسب لها، بما لا مجال معه لإبدال حرف مكان آخر، فضلًا أن تقوم لفظة مكان أخرى في تأدية كامل المعنى. وما تقوم به اللفظة المفسّرة ليس أكثر من تقريب المعنى، إذ التفسير إنما هو على وجه التقريب، وليس على وجه التحديد الدقيق»[20].

نستطيع بعد سرد مواقف العلماء والمختصّين في هذه القضية أن نفيد في أن ضبط المفردات القرآنية يتّسم بأهمية بالغة في امتلاك المعنى، أو على الأقلّ القُرْب منه، وعليه فلا اعتماد على ما درجتْ عليه الألسن من القول (ألّا مشاحّة في الاصطلاح)، بالإضافة إلى أن طبيعة الكلام الإلهي وخاصيته الإعجازية وصلاحيته لكلّ زمان ومكان، تستلزم الحدّ الأدنى من التغاير بين الألفاظ؛ لأنّ ذلك عامل أساسي في إثراء المعنى واتساع الدلالات. والقول بالترادف بإطلاق لا ينسجم مع إعجاز القرآن من جهة، ويحدّ من غزارة المعاني وإطلاقيتها من جهة أخرى.

وإِذْ بيّنتُ بشكل موجز ما جلَّى المسألة، ألوي القلم وأنعطف للوقوف على مفهوم الترادف عند ابن عاشور وكذا موقفه منه.

يرى ابن عاشور أنّ الصيغ المختلفة الدالة على معنى واحد من قبيل المترادف كما تدلّ صيغ جمع السلامة وجمع التكسير على مطلق الجمع. والسيف والحسام مترادفان لدلالة كلّ منهما على شيء واحد، سواء أكان الحسام في القديم يدلّ على وصف في السيف أم لا؛ ذلك لأنّ لفظ الحسام قد أصبح الآن مساويًا في الدلالة للفظ السيف.

واختار لتعريف الترادف: «أنه لفظ مفرد دالّ بالوضع على معنى قد دلّ عليه بالوضع لفظ آخر مفرد يخالفه في بعض حروفه الموضوع عليها، بحيث تنطق به قبائل العرب كلّها إذا شاءت، أو ألفاظ مفردة كذلك، بشرط استقلال تلك المفردات في الاستعمال وفي الدلالة»[21].

وقد شرح هذا التعريف صاحب (الفروق اللغوية): فاللفظ يشمل: الاسم، والفعل، والحرف، والدلالة بالوضع على معنى أُريد بها، إخراج الألفاظ المستعملة في معاني مجازية، أو كنائية؛ لأنّ ذلك الاستعمال دلّت عليه القرينة المانعة أو المعينة وليس بأصالة الوضع.

والمراد بأنّه قد دلّ على ذلك المعنى بالوضع لفظٌ آخر، أُريد به شمول كلّ ما يدلّ على معنى في العربية، فكما يشمل الكلمات المفردة: كالقمح والبُرّ، والذّهب والعسجد، فإنه يشمل الصيغ المختلفة المؤدية مؤدًّى واحدًا، فإنها من المترادف كذلك؛ كدلالة صيغ جمع السلامة، وجمع التكسير على مُطلق الجمع، ودلالة الجموع المتعدّدة للمفرد على الجمع في التكثير أو التقليل. وكذلك دلالة الأدوات على معنى واحد؛ كدلالة لام الأمر وصيغة الأمر على معنى الطلب الجازم، ودلالة بعض الحروف على ما يدلّ عليه حرف آخر نحو: مذ ومنذ ونحو ذلك.

وتقييد اللفظ بالمفرد قصد به إخراج المركَّبات التقييدية، والإضافية والإسنادية، فإنها قد تفيد معاني متساوية لكن هذه الفائدة جاءت بسبب التركيب، فعبد الله تساوي عبد الرحمن، وغربت الشمس تساوي انقضى النهار، فليس شيء من ذلك بمترادف.

أمّا ما جاء في تعريف الطاهر بن عاشور، من قوله: «يخالفه في بعض حروفه الموضوع عليها بحيث تنطق به قبائل العرب كلّها إذا شاءت»، فقد أراد به أن لا يعدّ من المترادف ما كان بين اللفظين أو الألفاظ من الاختلاف في كيفية نطق قبائل العرب، أو القبيلة الواحدة من إثبات همز أو تسهيله، ومن إشباع حركة أو ضد ذلك، ومن إثبات حرف حُذف تخفيفًا، ومن إبدال حرف بمقاربة، ومن اختلاف النطق بالحرف؛ كما يقال: ذِئب، وذِيب، وغير ذلك مما يعود أغلبه إلى التطوّر الصوتي للكلمة، أو كان من تمايز اللهجات[22].

ومع ما في هذا القول من توسعة لدائرة الترادف، إلّا أنّ الشيخ ابن عاشور يرى أنه مع ذلك مقتصد في دعوى الترادف، وأنه لا يُريد أن يقع فيما وقع فيه ظاهرية اللغويين من الحكم بالترادف بين كلمات تقاربت معانيها، مما أدّى إلى التجرؤ على اعتقاد الترادف بين الكثير من الألفاظ، وعلى استعمال بعضها في موقع بعض؛ فكان ذلك مبدأ أخطاء كثيرة، ومن هنا جاء تحذيره من الغفلة عن الفروق بين الكلمات، وفي ذات الوقت يحذّر من الغلوّ في دعوى وجود الفروق بين مترادفات كثيرة. مما يرمي إلى الوقوع في تعسّفات ثقيلة. ويمثّل لهذا التعسف بمن يطلب الفرق بين القعود والجلوس، وبين النأي والبُعد[23].

وفيما يأتي نماذج وأمثلة لمحاولة ابن عاشور التدقيق في بيان بعض الفروق بين بعض المصطلحات التي تبدو مترادفة:

- الفقير والمسكين:

يرى ابن عاشور أنّ الفقير والمسكين إذا ورد إطلاقهما منفردين فإنّ أحدهما يُغني عن الآخر، لكن إذا ورَدَا مجتمعَيْن فإنه يُراد بكلّ من الكلمتين معنى غير المراد بالأخرى، فيكون المراد بالفقير المحتاج احتياجًا لا يبلغ بصاحبه إلى الضّراعة والمذلّة، والمسكين المحتاج احتياجًا يلجئه إلى الضراعة والمذلّة. ولكن ابن عاشور لم يوضح إذا كان الأمر كذلك، لماذا قدم الفقير وهو أقلّ حاجة على المسكين وهو أشد حاجة[24]؟

ولقد راعى ابن عاشور هنا واو العطف؛ ولذلك قال في قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}[الحج: 28]: «والبائس: الذي أصابه البؤس، وهو ضيق المال، وهو الفقير. هذا قول جمع من المفسِّرين، ...من أجل ذلك لم يعطف أحد الوصفين على الآخر لأنه كالبيان له، وإنما ذكر البائس مع أن الفقير مغنٍ عنه؛ لترقيق أفئدة الناس على الفقير بتذكيرهم أنه في بؤس لأنّ وصف فقير لشيوع تداوله على الألسن صار كاللقب»[25]. فلما عطف المسكين على الفقير دلّ ذلك على المغايرة، وحيث لم يعطف الفقير على البائس دلّ على البيان.

- القنوط واليأس:

«والقنوط: اليأس، في قوله: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ}[فصلت: 49]، واليأس فعل قلبي هو: اعتقاد عدم حصوله الميئوس منه. والقنوط: انفعال يدني من أثر اليأس وهو انكسار وتضاؤل»[26].

- العداوة والبغضاء:

في قوله تعالى:{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[المائدة: 14].

يرى ابن عاشور أنّ العلماء لم يميزوا بين العداوة والبغضاء، ويرى أنّ بينهما التضاد والتباين. ولذلك يقول: «والعداوة والبغضاء اسمان لمعنيَيْن من جنس الكراهية الشديدة، فهما ضدان للمحبة.

وظاهر عطف أحد الاسمين على الآخر في مواضع من القرآن، في هذه الآية وفي الآيتين بعدها في هذه السورة وفي آية سورة الممتحنة، أنهما ليسَا من الأسماء المترادفة؛ لأنّ التزام العطف بهذا الترتيب يبعد أن يكون لمجرّد التأكيد، فليس عطف أحدهما على الآخر من قبيل عطف المرادف لمجرد التأكيد... وقد ترك علماء اللغة بيان التفرقة بين العداوة والبغضاء، وتابعهم المفسِّرون على ذلك فلا تجد من تصدى للفرق بينهما... والذي أرى أن بين معنيي العداوة والبغضاء التضاد والتباين؛ فالعداوة كراهية تصدر عن صاحبها: معاملة بجفاء، أو قطيعة، أو إضرار؛ لأن العداوة مشتقّة من العَدْوِ وهو التجاوز والتباعد، فإنّ مشتقات مادة (ع د و) كلّها تحوم حول التفرّق وعدم الوئام. وأمّا البغضاء فهي شدّة البُغْض، وليس في مادة (ب غ ض) إلا معنى جنس الكراهية فلا سبيل إلى معرفة اشتقاق لفظها من مادتها. نعم يمكن أن يرجع فيه إلى طريقة القلب، وهو من علامات الاشتقاق، فإنّ مقلوب بغض يكون غضب لا غير، فالبغضاء شدّة الكراهية غير مصحوبة بعَدْوٍ، فهي مضمرة في النفس. فإذا كان كذلك لم يصح اجتماع معنيي العداوة والبغضاء في موصوف واحد في وقت واحد، فيتعيّن أن يكون إلقاؤهما بينهما على معنى التوزيع، أي: أغرينا العداوة بين بعض منهم والبغضاء بين بعض آخر. فوقع في هذا النَّظْم إيجاز بديع؛ لأنه يرجع إلى الاعتماد على علم المخاطبين بعدم استقامة اجتماع المعنيين في موصوف واحد»[27].

- الدخول والولوج:

في قوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا}[الأحزاب: 14].

ميّز ابن عاشور بين الدخول والولوج، واعتبر أنّ المفسِّرين غفلوا عن التمييز بينهما، وجعلوا كلّ واحد منهما مرادفًا للآخر، فقال: «ولم أجد فيما رأيتُ من كلام المفسِّرين ولا من أهل اللغة من أفصح عن معنى (الدخول) في مثل هذه الآية، وما ذكروا إلّا معنى الولوج إلى المكان، مثل ولوج البيوت أو المدن، وهو الحقيقة. والذي أراه أنّ الدخول كثر إطلاقه على دخول خاصّ وهو اقتحام الجيش أو المغيرين أرضًا أو بلدًا لغزو أهله... كما نقول: عام دخول التتار بغداد؛ ولذلك فالدخول في قوله: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} هو دخول الغزو، فيتعيّن أن يكون ضمير {دُخِلَتْ} عائدًا إلى مدينة يثرب لا إلى البيوت من قولهم: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}[الأحزاب: 13]، والمعنى: لو غُزيت المدينة من جوانبها»[28].

ولا غرو أنّ هذه الدقّة في ملاحظة الفروق بين الألفاظ لا يخفى أثرها في تحديد المعنى والاقتدار على تحقيق الجودة في الفهم والبيان.

- العفو والصفح:

في قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة: 109]، قال ابن عاشور: «والعفو تركُ عقوبة المذنِب، والصَّفحُ -بفتح الصاد- مصدر صفح صفحًا إذا أعرض؛ لأنّ الإنسان إذا أعرض عن شيء ولّاه من صفحة وجهه، وصفح وجهه، أي: جانبه وعرضه، وهو مجاز في عدم مواجهته بذِكْر ذلك الذّنْب، أي: عدم لومه وتثريبه عليه، وهو أبلغ من العفو كما نُقِل عن الراغب؛ ولذلك عطف الأمر به على الأمر بالعفو لأنّ الأمر بالعفو لا يستلزمه، ولم يستغنِ بـ(اصفحوا) لقصد التدريج في أمرهم بما قد يخالف ما تميل إليه أنفسهم من الانتقام؛ تلطّفًا من الله مع المسلمين في حملهم على مكارم الأخلاق»[29].

- خلق/ جعل:

في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام: 1].

قال ابن عاشور: «وخصّ بالذِّكْر من الجواهر والأعراض عرَضَيْن عظيمَيْن، وهما: الظلمات والنور، فقال: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}؛ لاستواء جميع الناس في إدراكهما والشعور بهما. وبذِكْر هذه الأمور الأربعة حصلت الإشارة إلى جنسي المخلوقات من جواهر وأعراض. فالتفرقة بين فعل (خَلَقَ) وفعل (جَعَلَ) هنا معدود من فصاحة الكلمات، وإنّ لكلّ كلمة مع صاحبتها مقامًا، وهو ما يسمى في عُرْف الأدباء برشاقة الكلمة؛ ففعل (خَلَقَ) أليق بإيجاد الذّوات، وفعل (جَعَلَ) أليق بإيجاد أعراض الذّوات وأحوالها ونظامها»[30].

من خلال الأمثلة السابقة يظهر أنّ الشيخ الطاهر بن عاشور يجنح إلى موقف وسط في قضية الترادف مثل الطبري، حيث أثبت (محمد المالكي) أنّ الطبري يتخذ موقفًا وسطًا من قضية الترادف؛ «فهو لا يقول بالترادف بمفهومه التام، ويستعيض عنه بمصطلح التقارب»[31].

ويرى (الزهراني) أنّ الثمار الدلالية لقضية الترادف كثيرة، وقد توقّف ابن عاشور عند هذه الثمار التي يظهر من أهمها ثمرتان:

الأولى: في حالة الفرق الدلالي، فإنّ الثمرة هنا هي بيان دقّة الاختيار القرآني للألفاظ، أو الجمع بين دلالتين متقاربتين للإشعار بأهميتها معًا.

الثانية: في حالة اتفاق المعنى تكون الثمرة عند ابن عاشور هي التفنّن، كما في تفسيره الإتيان والمجيء في قوله تعالى على لسان بني إسرائيل: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}[الأعراف: 129].

فهو يقرّر أن الإتيان والمجيء مترادفان، فذِكْر المجيء بعد الإتيان ليس لاختلاف المعنى، ولكن للتفنّن وكراهية إعادة اللفظ.

وهي ثمرات تتعلّق أساسًا بالمعنى القرآني وبلاغته ووجوه إعجازه، وتلك هي الغاية العليا في تفسير القرآن الكريم[32].

ومع ذلك فإني ألحظ في تناول ابن عاشور لقضية الترادف أنه لم يرقَ إلى المستوى المتوقّع من مثله، من حيث ضلاعته من اللغة، وأهمية هذا الموضوع في التفسير، وكذا ما وعد به ابن عاشور في المقدّمات من أنه سيحرّر معاني المفردات بما خَلَتْ منه المعاجم.

ثانيًا: المشترك اللفظي:

لا يخفى أن هناك الكثير من الألفاظ التي تتضمّن معاني كثيرة، وتستعمل استعمالات متعدّدة وذلك ما اصطلح عليه العلماء بالمشترك اللفظي، فهو «علامة واضحة في لغتنا، وهو بكثرته خصيصة لها، وعامل من عوامل تنميتها، وقد تنبه العلماء له، وأشاروا إلى شواهده، والمعاني التي تدور ألفاظه حولها، وحاول بعض العلماء نفيه، وتنزيه لغتنا عنه، وتأوّلوا ما ورد من أمثلته. وجُلّ أئمة اللغة على إثباته، وأثبت المحدَثون أنه وارد في معظم اللغات الأخرى»[33].

ذكر (الزركشي) في تعريف المشترك: بأنه اللفظ الواحد الدالّ على معنيين مختلفين أو أكثر، دلالة على السواء عند تلك اللغة[34]. سواء كانت الدلالتان مستفادتين من الوضع الأول أو من كثرة الاستعمال، أو استفيدتْ إحداهما من الوضع والأخرى من كثرة الاستعمال[35].

ومثاله: لفظ العين: فإنه يطلق على الباصرة، وعين الشمس، وما ينبع منه الماء، والجاسوس وغير ذلك.

وإذا قلنا بوجود المشترك في اللغة، فإنه أيضًا يقع في القرآن الكريم؛ لأنه جاء على سنن العربية وقوانين أهلها في التخاطب، ولذلك اعتبر (السيوطي) أنّ المشتركَ في كتاب الله تجلٍّ من تجليات إعجازه، يقول: «الألفاظ المشتركة في القرآن الكريم من أعظم مظاهر إعجازه؛ حيث كانت الكلمة الواحدة تتصرّف إلى عشرين وجهًا وأكثر وأقلّ، ولا يوجد ذلك في كلام البشر»[36].

يعلّق صاحب (منهج النقد في التفسير) على قول السيوطي: «وكأنه يشير بذلك إلى قابلية اللفظ القرآني لتحمّل المزيد من الدلالة، والامتداد في المعنى»[37].

ولقد تناول ابنُ عاشور قضيةَ المشترك وأَوْلَاها عناية فائقة لما لها من دور أساسي في بيان آيات القرآن وتكوثر المعاني والدلالات. يقول ابن عاشور: «وإنك لتمرّ بالآية الواحدة فتتأمّلها وتتدبّرها فتنهال عليك معانٍ كثيرة يسمح بها التركيب على اختلاف الاعتبارات في أساليب الاستعمال العربي، وقد تتكاثر عليك فلا تكن من كثرتها في حَصْر، ولا تجعل الحمل على بعضها منافيًا للحمل على البعض الآخر إن كان التركيب سمحًا بذلك.

فمختلف المحامل التي تسمح بها كلمات القرآن وتراكيبه وإعرابه ودلالته؛ من اشتراك وحقيقة ومجاز، وصريح وكناية، وبديع، ووصل، ووقف، إذا لم تُفْضِ إلى خلاف المقصود من السياق، يجب حمل الكلام على جميعه»[38].

ويوضح ذلك أيضًا بشكل مفصّل من خلال قوله: «والذي يجب اعتماده أن يحمل المشترك في القرآن على ما يحتمله من المعاني، سواء في ذلك اللفظ المفرد المشترك والتركيب المشترك بين مختلف الاستعمالات، سواء كانت المعاني حقيقية أو مجازية، محضة أو مختلفة. مثال استعمال اللفظ المفرد في حقيقته ومجازه، ومثال استعمال المركّب المشترك في معنييه»[39].

وهذا المسلك يتيح للمفسِّر مجالًا واسعًا للنظر والبحث وسبر أغوار الألفاظ وامتداداتها، ويعتبِر ابن عاشور ذلك قانونًا ينبغي مراعاته وسلوك سبيله حيث يقول: «وعلى هذا القانون يكون طريق الجمع بين المعاني التي يذكرها المفسِّرون، أو ترجيح بعضها على بعض. وقد كان المفسِّرون غافلين عن تأصيل هذا الأصل؛ فلذلك كان الذي يرجّح معنى من المعاني التي يحتملها لفظ آية من القرآن، يجعل غير ذلك المعنى ملغى. ونحن لا نتابعهم على ذلك، بل نرى المعاني المتعدّدة التي يحتملها اللفظ بدون خروج عن مهيع الكلام العربي البليغ، معانيَ في تفسير الآية. فنحن في تفسيرنا هذا إذا ذكرنا معنيَيْن فصاعدًا فذلك على هذا القانون، وإذا تركنا معنى مما حمل بعض المفسرين عليه في آيات من القرآن فليس تركنا إياه دالًّا على إبطاله، ولكن قد يكون ذلك لترجّح غيره، وقد يكون اكتفاءً بذِكْره في تفاسير أخرى تجنبًا للإطالة، فإنّ التفاسير اليوم موجودة بين يدي أهل العلم لا يعوزهم استقراؤها ولا تمييز محاملها متى جروا على هذا القانون»[40].

وهذا الذي ذكره ابن عاشور تلخّصه القاعدة الآتية: «إذا احتمل اللفظ معاني عدّة ولم يمتنع إرادة الجميع؛ حُمِل عليها»[41].

وهي قاعدة مهمّة اعتنى بها كثيرٌ من علماء التفسير، مثل ابن تيمية الذي يرى: «أن اختلاف السَّلَف في معاني الآيات ليس اختلافًا حقيقيًّا متضادًّا فيكذب بعضه بعضًا، إلا أن الآيات تشمل جميعه فينبغي حملها على شمول ذلك كلّه، وهذا هو الجاري على أصول الأئمة الأربعة»[42]. وإن عدم الوعي بهذا الوجه يؤدِّي إلى التسرّع في الحكم بالخطأ على بعض الأقوال وتوجيه المعاني، ولا ريب أنّ انطلاق المفسِّر من هذه الرؤية يجعل أفقه رحبًا، ويحرّره من ضيق العطن والتبرّم من الأفهام المخالفة.

كما اعتمد هذه القاعدة (الشنقيطي) وجعلها أصلًا يسير عليه في تفسيره فقال: «وربما كان في الآية الكريمة أقوال كلّها حقّ وكلّ واحد منها يشهد له قرآن، فإنّا نذكرها ونذكر القرآن الدالّ عليها من غير تعرّض لترجيح بعضها؛ لأنّ كلًّا منها صحيح»[43].

وهكذا نجد أعلام المفسِّرين بين مُقِلّ ومستكثر في إعمال هذه القاعدة[44].

وفيما يأتي بعض النماذج من التحرير والتنوير:

مثال:

- التهلُكة:

«والتهلُكة بضم اللام اسم مصدر بمعنى الهلاك، وقد قيل في تفسير: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: 195] أقوال»، وبعد ذِكْرها خلص إلى القول: «ووقوع فعل {تُلْقُوا} في سياق النهي يقتضي عموم كلّ إلقاء باليد للتهلكة، أي: كلّ تسبّب في الهلاك عن عمد، فيكون منهيًّا عنه محرمًا ما لم يوجد مقتض لإزالة ذلك التحريم، وهو ما يكون حفظه مقدّمًا على حفظ النفس مع تحقّق حصول حفظه بسبب الإلقاء بالنفس إلى الهلاك أو حفظ بعضه بسبب ذلك»[45].

وما ذكره ابن عاشور وجيه؛ لأنه منسجم مع ما حرّره من أنّ المعاني التي تتحملها الألفاظ والكلمات تعتبر مُرادة، وعليه لا يصح ادّعاء قَصْر المعنى على فهم وحيد دون غيره؛ لأن أسلوب الصياغة يتيح اشتمال اللفظ على تعدّد المحامل وثرائها.

- الفاحشة:

في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق: 1].

قال ابن عاشور: «والفاحشة: الفِعْلَة الشديدة السوء، بهذا غلب إطلاقها في عُرْف اللغة، فتشمل الزنا، وتشمل غيره من الأعمال ذات الفساد»[46].

- عَسْعَس:

وعسعس الليل عسعاسًا وعسعسة، قال مجاهد عن ابن عباس: أقبلَ بظلامه، وقال مجاهد أيضًا عن ابن عباس معناه: أدبرَ ظلامه، وقاله زيد بن أسلم، وجزم به الفراء وحكى عليه الإجماع. وقال المبرد والخليل: هو من الأضداد، يقال: عسعس، إذا أقبل ظلامه. وعسعس، إذا أدبر ظلامه. قال ابن عطية: قال المبرد: أقسَم اللهُ بإقبال الليل وإدباره معًا. وبذلك يكون إيثار هذا الفعل لإفادته كِلَا حالين صالحَيْن للقَسَم به فيهما لأنهما من مظاهر القدرة؛ إِذْ يعقب الظلام الضياء ثم يعقب الضياء الظلام، وهذا إيجاز»[47].

- القفو:

في قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء: 36].

قال ابن عاشور: «القفو: الاتباع، يقال: قفاه يقفوه؛ إذا اتّبعه، وهو مشتق من اسم القفا، وهو ما وراء العنق. واستُعِير هذا الفعل هنا للعمل. والمراد بـ{مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الخاطر النفساني الذي لا دليل عليه ولا غلبة ظنّ به.

ويندرج تحت هذا أنواع كثيرة؛ منها خلة من خلال الجاهلية، وهي الطعن في أنساب الناس، فكانوا يرمون النساء برجال ليسوا بأزواجهن، ويليطون بعض الأولاد بغير آبائهم بهتانًا، أو سوء ظنّ إذا رأوا بُعْدًا في الشّبَه بين الابن وأبيه أو رأوا شبهه برجل آخر من الحيّ أو رأوا لونًا مخالفًا للون الأب أو الأم، تخرّصًا وجهلًا بأسباب التشكُّل، فإنّ النسل ينزع في الشبه وفي اللون إلى أصول من سلسلة الآباء أو الأمهات الأدنين أو الأبعدين، وجهلًا بالشبه الناشئ عن الوحم»[48].

وهذا التفسير لمعنى القفو يجعل الآية تنطبق على كلّ مَن يروم الخوض فيما لا دراية له به، ويقتحم ميادين لا خبرة له فيها.

- من مثله:

في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 23].

يقول ابن عاشور: «وعندي أنّ الاحتمالات التي احتملها قوله: {مِنْ مِثْلِهِ} كلّها مُرادة لردّ دعاوي المكذِّبين في اختلاف دعاويهم؛ فإنّ منهم مَنْ قال: القرآن كلام بشر، ومنهم من قال: هو مُكْتَتَب من أساطير الأولين، ومنهم من قال: إنما يعلِّمه بشر. وهاتِه الوجوه في معنى الآية تُفنِّد جميع الدعاوي؛ فإنْ كان كلام بشر فَأْتُوا بمماثله أو بمثله، وإن كان من أساطير الأولين فَأْتُوا أنتم بجزء من هذه الأساطير، وإن كان يعلِّمه بشر فَأْتُوا أنتم من عنده بسورة، فما هو ببخيل عنكم إن سألتموه. وكلّ هذا إرخاء لعنان المعارضة وتسجيل للإعجاز عند عدمها»[49].

- الرتق والفتق:

في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}[الأنبياء: 30].

قال ابن عاشور: «والظاهر أن الآية تشمل جميع ما يتحقّق فيه معاني الرّتق والفتق؛ إِذْ لا مانع من اعتبار معنى عام يجمعها جميعًا، فتكون الآية قد اشتملتْ على عبرة تعمّ كلّ الناس وكلّ عبرة خاصّة بأهل النظر والعلم فتكون من معجزات القرآن العِلْمِيّة»[50].

وتتضح القيمة المنهجية لقاعدة إعمال المشترك في معنييه عندما يتعلّق الأمر بفهم بعض الألفاظ التي لا يشيع استعمالها، مثل:

-عُرُبًا أترابًا:

«والعُرُب: جمع عَرُوب بفتح العين، وهو اسم خاصّ بالمرأة. وقد اختلفت أقوال أهل اللغة في تفسيره. وأحسن ما يجمعها أنّ العَرُوب: المرأة المتحبّبة إلى الرجل، أو التي لها كيفية المتحببة، وإن لم تقصد التحبّب؛ بأن تكثر الضحك بمرأى الرجل أو المزاح أو اللهو أو الخضوع في القول أو اللثغ في الكلام بدون علّة أو التغزّل في الرجل والمساهلة في مجالسته والتدلّل وإظهار معاكسة أميال الرجل لعبًا لا جدًّا، وإظهار أذاه كذلك كالمغاضبة من غير غضب، بل للتورك على الرجل... والعَرُوب: اسم لهذه المعاني مجتمعة أو مفترقة أجرَوه مجرى الأسماء الدالّة على الأوصاف دون المشتقّة من الأفعال، فلذلك لم يذكروا له فعلًا ولا مصدرًا وهو في الأصل مأخوذ من الإعراب والتعريب وهو التكلّم بالكلام الفحش»[51].

ولقد سار ابن عاشور على هذا الوزان، فكان كلّما وجد لفظًا ذا دلالات متعدّدة وقف عنده مليًّا، ساعيًا إلى تحليل مدلولاته، راغبًا في استشفاف أعماقه والوصول إلى أغواره.

 وعليه فحاصل القول في قضية المشترك عند ابن عاشور أنها شكّلَتْ ركنًا متينًا ومستندًا مكينًا لبيان أنّ مراعاة المفسِّر ثراء معاني الألفاظ واستصحاب محاملها المختلفة، يسعفه في استكناه أدقّ المعاني وأليقها بالسياق، ويزيل الإعضال وما أشكل فهمه، وفي نفس الوقت يتيح مجالًا رحبًا لممارسة التأويل المنضبط بضابط اللغة، كما يمكن البناء عليها لكشف أوجه الإعجاز الجديدة والفريدة؛ ولذلك كلّما كانت بضاعة المتعاطي للتفسير ضحلة من الزاد اللغوي، أثّر ذلك بشكلٍ سلبيّ على فهمه ألفاظ القرآن، خصوصًا في وقتنا الحاضر، حيث ضمرت الملَكة اللغوية، وتقاصرت الهمم عن بذل الجهد والنهل من الأمهات والارتياض في المظان المعتبرة.

ثالثًا: المعرَّب:

 قال السيوطي: «هو ما استعملته العرب من الألفاظِ الموضوعةِ لمعانٍ في غير لغتها. قال الجوهري في الصحاح: تعريبُ الاسم الأعجمي أن تتفوَّه به العرب على مِنْهاجها تقول: عرَّبَتْه العرب وأَعَرَبته أيضًا.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: أمّا لغاتُ العَجَم في القرآن فإنّ الناسَ اختلفوا فيها، فرُوي عن ابن عباس ومجاهد وابن جبير وعكرمة وعطاء وغيرهم من أهل العلم، أنهم قالوا في أحرفٍ كثيرة إنها بلغات العَجَم؛ منها قوله: طَه واليم والطور والربانيون، فيقال: إنها بالسّرْيانية. والصراط والقِسطاس والفِردَوس يقال: إنها بالرومية. ومِشكاة وكِفْلَيْنِ يقال: إنها بالحبشية. وهَيْتَ لك يقال: إنها بالحورانية، قال: فهذا قول أهل العلم من الفقهاء. قال: وزعم أهل العربية أن القرآنَ ليس فيه من كلام العجم شيء لقوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبيًّا}، وقوله: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}. قال أبو عبيدة: والصواب عندي مذهب فيه تصديق القَوْلَيْن جميعًا؛ وذلك أنَّ هذه الحروف أصولُها عجمية كما قال الفقهاء إلا أنها سقطت إلى العرب فأعْرَبتها بألْسِنتها وحوَّلتْها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب؛ فمَن قال إنها عربية فهو صادق، ومن قال عجمية فهو صادق»[52].

ومنه فإن العلماء لم يجمعوا على رأي واحد، بل بينهم خلاف طويل الذَّيْل في وجود المعرَّب في القرآن الكريم كما هو واضح من كلام السيوطي. ولقد تناول ابن عاشور المفردات من هذه الزاوية أيضًا؛ لأنّ في (التحرير والتنوير) -كما ذكر صاحب (من قضايا المعجم)- زادًا لغويًّا، وتفسيرًا مهمًّا، جاء على قدر طموح صاحبه ومساهماته النقدية... فلم يحجم عن وضع قضايا المعرّب وأصله، ذاكرًا بأمانة مختلف الآراء الواردة فيه»[53].

ونفس الملحظ نجده عند (الزهراني) الذي يرى أنّ اهتمام ابن عاشور بقضية المعرّب واعتبار أهميته في السياق القرآني بلغ من الدقّة والعمق، حيث يرى أن القرآن الكريم عدل عن اللفظ العربي إلى اللفظ المعرّب لوجود دلالة أليق بالبيان في هذا الموضع[54].

لقد بلغ اهتمام ابن عاشور بالمفردة القرآنية شأنًا كبيرًا من حيث اقتفاء أثر المعنى وسبر أغواره من كلّ النواحي، فلا يكتفي بالمراجع اللغوية المتخصّصة في التعرّف على الكلمة، بل يستعين بغيرها من المراجع، خاصّة إذا تعلّق الأمر بمصطلح ديني قد يكون مستعملًا في غير لغة العرب، أو معربًا ذا صبغة دينية، ولهذا يضطر إلى أن يستعين بـ(دائرة المعارف الإسلامية) مثلًا، والأناجيل الأربعة: (يوحنّا، ولوقا، ومتّى، ومرقس)، حين يبحث عن كلمتين متقاربتين، وهما: «الصابئين، وصبغة»، ومثل هذا الصنيع قد يتيح الفرصة للمفسِّر أن يتعرَّف على مدى التقارب بين الأديان في بعض الشعائر الدينية أو ما يُطلق عليه عند غير المسلمين كلمة (طقوس) وإن اختلفت أشكالها من دين لآخر، ومثل هذه المباحث عند ابن عاشور دليل سعة اطلاع، ومواكبة لما يحمله عصره من معارف جديدة لم تتح لمَن قبله، واهتمام واضح بعلم مقارنة الأديان[55].

وفيما يأتي أمثلة على الألفاظ المعرّبة:

-الإستبرق:

في قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}[الكهف: 31].

«والإستبرق: الديباج الغليظ المنسوج بخيوط الذهب، يلبس فوق الثياب المباشِرة للجلد.

وأمّا الإستبرق فهو معرّب عن الفارسية. وأصله في الفارسية (إستبره) أو (إستبر) بدون هاء أو (إستقره) أو (إستفره)... وأرفع الملابس في الدنيا الحرير، والحرير كلما كان ثوبه أثقل كان أرفع فإذا أريد ذِكْر هذا فالأحسن أن يذكر بلفظ واحد موضوع له صريح، وذلك ليس إلا الإستبرق ولا يوجد في العربية لفظ واحد يدلّ على ما يدل عليه لفظ إستبرق»[56].

- القِسْط:

في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ...}[النساء: 135].

«والقِسط: العَدْل... وعَدَلَ عن لفظ (العدل) إلى كلمة (القسط)؛ لأنّ القسط كلمة معرّبة أُدْخِلَت في كلام العرب لدلالتها في اللغة المنقولة منها على العدل في الحكم، وأمّا لفظ العدل فأعمّ من ذلك، ويدلّ لذلك تعقيبه بقوله: {شُهَدَاءَ لِلَّهِ}؛ فإنّ الشهادة من علائق القضاء والحكم»[57].

لقد تناول ابن عاشور بالدرس مفردات كثيرة على أنها من المعرّب، وأكتفِي بالمثالين السابقين لأنهما يفيان بالغرض المقصود بيانه في هذه المسألة، حيث يصرّح ابن عاشور أن اختيار القرآن للفظ المعرّب لكونه أكثر دلالة وأبلغ أثرًا مِن صِنوه في العربية. وهو توجيه حسن وتعليل معتبَر إذا تأملنا نوعية المصطلحات التي قيل إنها من المعرّب، وكذا مواقعها في الآيات القرآنية. ولا غضاضة أن نستنتج من ذلك أيضًا أن القرآن الكريم يُرْسِي آليات التفاعل الحضاري من خلالِ التناضح اللغوي، ومدِّ جسور التواصل مع الأمم الأخرى.

رابعًا: الاشتقاق:

يعدُّ الاشتقاق خاصية من خصائص اللغة العربية التي تساعد في إثراء المعنى وغناه، ويساعد الاشتقاق المفسِّر كثيرًا على تلمُّس المغزى وقطف الدلالة؛ لذلك صاغ العلماء القاعدة الآتية: «القول الذي يؤيّده تصريف الكلمة وأصل اشتقاقها أَوْلَى بتفسير الآية»[58].

ولقد اعتنى ابن عاشور في تفسيره باستثمار الدلالات الاشتقاقية المختلفة، من اسم الفاعل واسم المفعول وصيغ المبالغة.

- اسم الفاعل:

يقول: «والمُسافِح الزاني؛ لأن الزنى يسمى السِّفاح، مشتقًا من السفح، وهو أن يهراق الماء دون حبس، يقال: سفح الماء.

وذلك أنّ الرجل والمرأة يبذل كلٌّ منهما للآخر ما رامه منه دون قيد ولا رضَى وليّ، فكأنهم اشتقُّوه من معنى البذل بلا تقيُّد بأمر معروف لأن المِعطاء يطلق عليه السَّفّاح.

وكان الرجل إذا أراد من المرأة الفاحشة يقول لها: سافحيني، فرجع معنى السفاح إلى التباذل وإطلاق العنان، وقيل: لأنه بلا عقد، فكأنه سفح سفحًا، أي: صبًّا لا يحجبه شيء، وغير هذا في اشتقاقه لا يصح؛ لأنه لا يختصّ بالزنى»[59].

- «والقانع: المتّصف بالقُنوع. وهو التذلّل. يقال: قنع من باب سأل، قُنوعًا بضم القاف إذا سأل بتذلّل.

وأمّا القناعة ففعلها من باب تَعِبَ ويستوي الفعل المضارع مع اختلاف الموجب...

وللزمخشري في (مقاماته): «يا أبا القاسم اقنع من القناعة لا من القنوع، تستغن عن كل معطاء ومَنُوع». وفي (الموطأ) في كتاب الصيد: قال مالك: «والقانع هو الفقير».

والمعترّ: اسم فاعل من اعترّ، إذا تعرض للعطاء، أي: دون سؤال بل بالتعريض وهو أن يَحْضُر موضعَ العطاء، يقال: اعترّ، إذا تعرّض، وفي (الموطأ) في كتاب الصيد: قال مالك: وسمعت أن المعتر هو الزائر، أي: فتكون من عرا إذا زار. والمراد زيارة التعرض للعطاء.

وهذا التفسير أحسن، ويرجحه أنه عطف {الْمُعْتَرَّ} على {الْقَانِعَ}، فدلّ العطف على المغايرة، ولو كانا في معنى واحد لما عطف عليه»[60].

وعليه فإنّ مراعاة الاشتقاق بالنسبة للمسافح والقانع ساعد في دفع الالتباس الحاصل؛ لأنّ ذهن السامع عند سماع قانع ينصرف إلى القناعة، لكن بالنظر إلى أن اسم الفاعل (قانع) مشتق من قنع قُنوعًا، أي: سأل بتذلل، يندفع اللبس.

ونفس الأمر في حمل المسافح على الزاني، بالنظر إلى اشتقاقه من السفح وهو إهراق الماء.

- اسم المفعول:

ينطلق ابن عاشور من صيغة اسم المفعول مُذَبْذَبِين لتحديد المعنى، فيقول: «والمذبذب: اسم مفعول من الذبذبة. يقال: ذبذبه فتذبذب. والذبذبة: شدّة الاضطراب من خوف أو خجل، قيل: إنّ الذبذبة مشتقة من تكرير ذبّ إذا طرد؛ لأن المطرود يعجل ويضطرب، فهو من الأفعال التي أفادت كثرة المصدر بالتكرير، مثل زلزل ولملم بالمكان وصلصل وكبكب، وفيه لغة بدالين مهملتين، وهي التي تجري في عاميتنا اليوم، يقولون: رجل مدبدب، أي: يفعل الأشياء على غير صواب ولا توفيق. فقيل: إنها مشتقة من الدُّبَّة -بضم الدال وتشديد الباء الموحدة- أي الطريقة بمعنى أنه يسلك مرة هذا الطريق ومرة هذا الطريق»[61].

- صيغة مبالغة:

ونفس الأمر في صيغة المبالغة «والاجتراح: الاكتساب، وصيغة الافتعال فيه للمبالغة، وهو مشتقّ من الجرح فأطلق على اكتساب السباع ونحوها؛ ولذلك سميت كلاب الصيد جوارح، وسمي به اكتساب الناس؛ لأن غالب كسبهم في الجاهلية كان من الإغارة على إبل القوم وهي بالرماح... ولذلك غلب إطلاق الاجتراح على اكتساب الإثم والخبيث»[62].

- صيغة (فَعَلان) الحيَوان:

في قوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت: 64].

«ولمّا أشير في هذه الآية إلى الحياة الآخرة في قوله: {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا}[العنكبوت: 63]. زاده تصريحًا بأنّ الحياة الآخرة هي الحياة الحقّ فصيغ لها وزن الفَعَلان الذي هو صيغة تنبئ عن معنى التحرّك توضيحًا لمعنى كمال الحياة بقدر المتعارف، فإنّ التحرك والاضطراب أمارة على قوة الحيوية في الشيء مثل الغلَيان واللّهَبان. وهم قد جهلوا الحياة الآخرة من أصلها فلذلك قال: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}»[63].

- تحديد المعنى بصيغة الفعل الماضي أو المضارع:

تمتاز اللغة العربية بتنوّع الأساليب والصيغ في تأدية المعنى، من ذلك العدول عن صيغة في تصريف الفعل ليكون ذلك أبلغ في التأثير كما في:

- صيغة الماضي؛ في قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم: 41].

قال ابن عاشور: «وأطلق الظهور على حدوث حادث لم يكن، فشبه ذلك الحدوث بعد العدم بظهور الشيء الذي كان مختفيًا. ومحمل صيغة فعل (ظهَرَ) على حقيقتها من المضي يقتضي أنّ الفساد حصل وأنه ليس بمستقبل، فيكون إشارة إلى فساد مشاهَد أو محقّق الوقوع بالأخبار المتواترة. وقد تحمل صيغة الماضي على معنى توقّع حصول الفساد والإنذار به فكأنه قد وقع، على طريقة: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}[النحل: 1]»[64].

وكذلك ما ورد في قوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}[طه: 126].

«فشبه بالنسيان إظهارًا للعدل في الجزاء وأنه من جنس العمل المجازى عنه. وقد حقّق هذا الخبر بمؤكّدات وهي حرف التوكيد. وإخراج الكلام في صيغة الماضي على خلاف مقتضى الظاهر من زمن الحال لإفادة تحقق الفعل حتى كأنه مضى ووقع»[65].

- المضارع: قال ابن عاشور: «وجملة: {وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[سبأ: 6]، في موضع المعطوف على المفعول الثاني لـ{يَرَى}. والمعنى: يرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هاديًا إلى العزيز الحميد، وهو من عطف الفعل على الاسم الذي فيه مادة الاشتقاق وهو {الْحَقَّ}، فإنّ المصدر في قوّة الفعل؛ لأنّه إمّا مشتق أو هو أصل الاشتقاق. والعدول عن الوصف إلى صيغة المضارع لإشعارها بتجدّد الهداية وتكرّرها»[66].

وكذلك في قوله سبحانه: {قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[سبأ: 25].

«وهذه نكتة صوغه في صيغة الماضي؛ لأنه متحقّق على زعم المشركين. وصيغ ما يعمل المشركون في صيغة المضارع؛ لأنهم ينتظرون منهم عملًا، تعريضًا بأنهم يأتون عملًا غير ما عملوه، أي: يؤمنون بالله بعد كفرهم. وهذا ضرب من المشاركة والموادعة ليخلوا بأنفسهم فينظروا في أمرهم ولا يلهيهم جدال المؤمنين عن استعراض ومحاسبة أنفسهم، وفيه زيادة إنصاف إِذْ فرضَ المؤمنون الإجرام في جانب أنفسهم وأسندوا العمل على إطلاقه في جانب المخاطبين؛ لأن النظر والتدبّر بعد ذلك يكشف عن كنه كِلَا العمَلَيْن»[67].

اتضح من خلال الأمثلة السابقة أنّ مراعاة صيغ الفعل أمرٌ له أهمية في التمكّن من تلمُّس المعنى أو قطف دلالة مضمرة، حيث رأينا أنّ صيغة الفعل في الماضي لأمر سيقع في المستقبل ليفيد الجزم وتأكيد تحقّقه ويستوقف القارئ والسامع بما يكون له بالغ الأثر والوقع الحسن.

وكما وقفنا على أنّ استعمال الفعل المضارع يفيد التجدّد والتكرار، وهو أمر يتطلّب حسًّا مرهفًا، وتأملًا عميقًا ينفذ إلى أعماق النصّ ولا يكتفي بما يوفّره الظاهر.

أضف إلى ذلك أهمية ما لفتَ إليه ابن عاشور في صيغة فَعَلان التي تدلّ على الحيوية والحركية مما يفيد عدم وجود داعي الملل والسآمة، والمقام اقتضى استعمال هذه الصيغة لتأدية المعنى بشكل تام.

خامسًا: دلالة الأدوات:

المراد بالأدوات «الحروف وما شاكَلَها من الأسماء والأفعال والظروف»[68].

يقول السيوطي: «اعلم أنّ معرفة ذلك من المهمّات المطلوبة لاختلاف مواقعها؛ ولهذا يختلف الكلام والاستنباط بحسبها»[69].

وعيًا منه بأهمية الأدوات اللغوية في التفسير يقول صاحب (دراسة الأدوات النحوية في كتب التفسير): «كان علم الأدوات واحدًا من معارف العربية، ثم نما في أحضان التفسير ووجد نفسه في تحليلات المفسِّرين وعباراتهم، وكانت غايته بيان معاني التنزيل الدقيقة، وتذوّق أسرار الجمال، وقد حدّدت هذه الغاية طبيعة العلم واتجاهاته، فهو عِلْم يبحث في معاني الأدوات وظلالها، ويكشف أسرار البيان ولطائف التعبير ويميط اللثام عن المعاني الخفيّة في لغة القرآن»[70].

«لقد تميّزت علاقة علم الأدوات بالتفسير بالتطوّر والتنقل، فكان العرب المسلمون على معرفة ببعض جوانب هذا العلم، ثم نما في أحضان التفسير وبرزتْ أهميته فتلقفه النحاة وطوّروه بما لديهم من معارف لغوية ثم عاد إلى التفسير قويًّا، لتلتقطه الكتب الخاصّة وتسهم في تطويره وعقدِ لوائه، ويعود مرة أخرى من حيث أتى ويصُبّ في التفسير، وبين هذه الرحلة وتلك استوى عوده وتفتّحت معالمه، وخاض فيه جُلّ العلماء على اختلاف مشاربهم، وكان للتفسير في كلّ ذلك فضل نموّه وترعرعه والاستمرار في أفيائه»[71].

ولأنّ ابن عاشور اعتنى بمعظم جوانب اللغة في تفسيره، وأفاد من كلّ ما من شأنه أن يفيد في ضبط المعنى وتلمّسه، فقد أَوْلَى عناية بالِغَة في تفسيره لدلالة الأدوات إلى درجة أنّ صاحب (دراسة أثر الدلالات اللغوية) اعتبر أنّ الثراء الذي تميّزت به دراسة ابن عاشور لدلالة الأداة جدير باستثماره والوقوف عنده من خلال دراسة مستقلّة، بل ربما كانت تحتاج دلالة الأداة إلى هذه الدراسة لأهميتها[72].

وإني أشاطره الرأي في ذلك، حيث وقفتُ على نماذج تَتْرَى في (التحرير والتنوير)، حيث استطاع ابن عاشور من خلال موقع الأداة أن يحدّد المعنى أو يزيل الالتباس أو يرجّح ويستدرك، فقد كانت الأداة عنده أداة في البيان، ووسيلة في الإيضاح ودفع الإيهام، وفيما يأتي عرض لبعض النماذج:

- ربما:

في قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}[الحجر: 2].

«استئناف ابتدائي وهو مفتتح الغرض وما قبله كالتنبيه والإنذار.

و(رُبمَا) مركبة من (رُب)، وهو حرف يدل على تنكير مدخوله ويجر ويختص بالأسماء، وهو بتخفيف الباء وتشديدها في جميع الأحوال، وفيها عدّة لغات...

واقترنت بها (ما) الكافة لـ(رُبّ) عن العمل، ودخول (ما) بعد (رُبّ) يكفّ عملها غالبًا، وبذلك يصحّ دخولها على الأفعال، فإذا دخلتْ على الفعل فالغالب أن يُراد بها التقليل.

والأكثر أن يكون فعلًا ماضيًا، وقد يكون مضارعًا للدلالة على الاستقبال كما هنا.

ولا حاجة إلى تأويله بالماضي في التحقّق، ومن النحويين مَن أوجب دخولها على الماضي، وتأوّل نحو الآية بأنه منزل منزلة الماضي لتحقّقه؛ ومعنى الاستقبال هنا واضح لأنّ الكفار لم يودُّوا أن يكونوا مسلِمِين قبل ظهور قوّة الإسلام من وقت الهجرة.

والكلام خبر مستعمَل في التهديد والتهويل في عدم اتّباعهم دين الإسلام، والمعنى: قد يودّ الذين كفروا لو كانوا أسلموا. والتقليل هنا مستعمل في التهكّم والتخويف، أي: احذروا ودادتكم أن تكونوا مسلمين، فلعلّها أن تقع نادرًا، كما يقول العرب في التوبيخ: لعلّك ستندم على فعلك، وهم لا يشكُّون في تندُّمه، وإنما يريدون أنه لو كان الندم مشكوكًا فيه لكان حقًّا عليك أن تفعل ما قد تندم على التفريط فيه لكي لا تندم؛ لأنّ العاقل يتحرّز من الضر المظنون كما يتحرّز من المتيقن. والمعنى أنهم قد يودّون أن يكونوا أسلموا ولكن بعد الفوات»[73].

وبهذا يكون ابن عاشور أزال اللَّبْس الذي يمكن أن يحصل عند بعضهم عند سماع (رُبما) فيتبادر إلى الذّهن قصد الشكّ والارتياب.

-قــد:

 في قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام: 33].

«و{قَدْ} تحقيق للخبر الفعلي، فهو في تحقيق الجملة الفعلية بمنزلة (إنَّ) في تحقيق الجملة الإسمية. فحرف (قد) مختصّ بالدخول على الأفعال المتصرّفة الخبرية المثبتة المجرّدة من ناصب وجازم وحرف تنفيس، ومعنى التحقيق ملازم له، والأصح أنه كذلك، سواء كان مدخولها ماضيًا أو مضارعًا، ولا يختلف معنى (قد) بالنسبة للفعلَيْن. وقد شاع عند كثير من النحويين أن (قد) إذا دخل على المضارع أفاد تقليل حصول الفعل. وقال بعضهم: (إنه مأخوذ من كلام سيبويه)... والتحقيق أن كلام سيبويه لا يدلّ إلا على أن (قد) يستعمل في الدلالة على التقليل لكن بالقرينة وليست بدلالة أصلية. وهذا هو الذي استخلصته من كلامهم وهو المعوّل عليه عندي؛ ولذلك فلا فرق بين دخول (قد) على فعل المضيّ ودخوله على الفعل المضارع في إفادة تحقيق الحصول، كما صرح به الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النور: 64]. فالتحقيق يعتبر في الزمن الماضي إن كان الفعل الذي بعد (قد) فِعلَ مُضِيّ، وفي زمن الحال أو الاستقبال إن كان الفعل بعد (قد) فعلًا مضارعًا مع ما يضم إلى التحقيق من دلالة المقام، مثل تقريب زمن الماضي من الحال في نحو: قد قامت الصلاة. وهو كناية تنشأ عن التعرّض لتحقيق فعل ليس من شأنه أن يشكّ السامع في أنه يقع، ومثل إفادة التكثير مع المضارع تبعًا لما يقتضيه المضارع من الدلالة على التجدّد، فمعنى الآية: عَلِمْنا بأنّ الذي يقولونه يحزنك محقّقًا، فتصَبّر»[74].

ولنلاحظ هنا طول نَفَس ابن عاشور في تجلية دلالة هذه الأداة وموقعها، بعد عرض أقوال أئمة اللغة، وتحليلها والمقارنة بينها، ليصل إلى أن (قد) تفيد تحقّق وقوع الفعل، سواء أضيفت إلى الماضي أو المضارع، ومن دون شكّ أنّ الذّهول عن مثل هذا التدقيق يُوقع في سوء الفهم، ولنلاحظ أيضًا إحالة ابن عاشور في آخر كلامه على موقع ورود (قد) في سورة النور، فما أجمله هناك فصّله هنا، ويُستنتج منه أن ابن عاشور على طول تفسيره لم يكن يغيب منهجية المراجعة، وكيف يكون ذلك وهو الذي ذكر في مقدّمة تفسيره أنه يسوِّف النفس ويسومها زجرًا؛ تهيبًا من اقتحام حمى القرآن دون استكمال العدّة لذلك. وإِذْ تقرأ لابن عاشور مثل هذه المواقف وتقف على هذه الروح العِلْمِيّة العالية تعجب من تجاسر المبتدئين على التفسير والتأويل مع ضحالة الزّاد اللغوي.

- عـن:

قال ابن عاشور: «وقوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون: 5]، (سَاهُونَ) صفة للمصلِّين مقيدة لحكم الموصوف، فإن الويل للمصلي الساهي عن صلاته لا للمصلي على الإطلاق. فيكون قوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} ترشيحًا للتهكّم الواقع في إطلاق وصف المصلّين عليهم، وعُدِّي {سَاهُونَ} بحرف (عن) لإفادة أنهم تجاوزوا إقامة صلاتهم وتركوها، ولا علاقة لهذه الآية بأحكام السهو في الصلاة»[75].

هنا يستطيع ابن عاشور من خلال استحضار دلالة الأداة (عن) أن يوضح سوء الفهم الذي يمكن أن يحصل بتعميم المصلِّين على الجميع، فليس المقصود الذي يقع له السهو في صلاته، ولو كان الأمر كذلك لَعُدِّي بــ(في).

- الفـاء:

الفاء في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ}[الماعون: 4].

يبيّن ابن عاشور أنّ موقع الفاء هنا لربط الكلام بعضه مع بعضه الآخر، ولا يستقيم المعنى دون تلمُّس دلالة الحرف الفاء، ومنه يقول: «واعلم أنه إذا أراد اللهُ إنزال شيء من القرآن ملحقًا بشيء قبله جعل نَظْم الملحق مناسبًا لما هو متّصل به، فتكون الفاء للتفريع. وهذه نكتة لم يسبق لنا إظهارها فعليك بملاحظتها في كلّ ما ثبت أنه نزل من القرآن ملحقًا بشيء نزل قبله منه»[76].

- إذا:

في قوله -عز وجل-: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[المائدة: 93].

قال ابن عاشور: «هذه الآية الكريمة يشكل معناها إذا اعتبرت (إذا) ظرفًا للمستقبل فحسب»، لكن ابن عاشور بحسّه اللغوي وسعة اطلاعه يرى أنها تقع أيضًا ظرفًا للماضي، وبذلك يزول اللَّبْس المتوقع.

يقول: «وإذْ قد عبّر بصيغة المضي في قوله: {طَعِمُوا}، تعيّن أن يكون (إذا) ظرًفا للماضي، وذلك على أصح القولين للنحاة، وإن كان المشهور أنّ (إذا) ظرف للمستقبل، والحقُّ أنّ (إذا) تقع ظرفًا للماضي... وشاهده قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}[التوبة: 92]، وقوله : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[الجمعة: 11]، وآيات كثيرة. فالمعنى: لا جناح عليهم إِذْ كانوا آمنوا واتقوا، ويؤول معنى الكلام: ليس عليهم جناح؛ لأنهم آمنوا واتقوا فيما كان محرَّمًا يومئذ، وما تناولوا الخمر وأكلوا الميسر إلا قبل تحريمهما.

هذا تفسير الآية الجاري على ما اعتمده جمهور المفسِّرين جاريًا على ما ورد في مَن سَبَّبَ نزولها في الأحاديث الصحيحة»[77].

- إنْ:

في قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}[طه: 63].

موقع (إن) في هذه الآية يوقع بعضهم في سوء الفهم إلى درجة اعتبار ذلك خطأ عند بعض قليلي الاطلاع، لكن ابن عاشور يُزيل الإشكال ببيان أنها ترِد هنا بمعنى (أَجَلْ)، ويستشهد على ذلك بما ورد في اللغة من ذلك:

ويَقُلْنَ شيبٌ قد عَلا .. كَ وقد كبِرْتَ فقلتُ إنّه[78]

أي: أجَلْ أو نَعَمْ، والهاء في البيت هاء السكت، وقول عبد الله بن الزبير لأعرابي استجداه فلم يعطه، فقال الأعرابي: لعن الله ناقة حملتني إليك. قال ابن الزبير: إنَّ وراكِبَها[79].

- مِنْ:

في قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[النور: 30].

قال ابن عاشور: «ولما كان الغَضّ التام لا يمكن، جيء في الآية بحرف (مِن) الذي هو للتبعيض إيماء إلى ذلك، إِذْ من المفهوم أن المأمور بالغضّ فيه هو ما لا يليق تحديق النظر إليه، وذلك يتذكّره المسلم من استحضاره أحكام الحلال والحرام في هذا الشأن، فيعلم أن غَضّ البصر مراتب: منه واجب ومنه دون ذلك، فيشمل غضّ البصر عمّا اعتاد الناس كراهية التحقق فيه كالنظر إلى خبايا المنازل، بخلاف ما ليس كذلك»[80].

ومن كلام ابن عاشور نفيد أنّ الجمع بين الاتجاه المقاصدي والعمق اللغوي خير مُعِين على تحقيق حُسْن فهم معاني الخطاب القرآني، لكي لا يجنح ويشط متلمّس المعنى إلى جهة الإفراط أو التفريط، فإفادة (مِن) للتبعيض جعلت الأمر يتّجه لغضّ بعض البصر لا إلى كلّه لتعذُّر ذلك.

ويرتبط بدلالة الأدوات قضية التضمين؛ لأن ارتباط الفعل بالأداة يعطيه معاني جديدة، وفي ذلك يقول ابن عاشور: «ومن بديع الإيجاز في القرآن وأكثره ما يسمّى بالتضمين، وهو يرجع إلى إيجاز الحذف، والتضمين: أن يضمن الفعل أو الوصف معنى فعل أو وصف آخر، ويشار إلى المعنى المضمن بذِكْر ما هو من متعلّقاته من حرف أو معمول، فيحصل في الجملة معنيان»[81]؛ مثل:

- أذلّة على:

في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: 54].

يقول ابن عاشور: «فالمراد هنا الذلّ بمعنى لِين الجانب وتوطئة الكنف، وهو شدّة الرحمة والسعي للنفع؛ ولذلك علّق به قوله: {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}. ولتضمين {أَذِلَّةٍ} معنى مشفِقين (حانِين) عُدِّي بـ(عَلَى) دون اللام»[82].

«وقوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[التوبة: 104]، {هُوَ} ضمير فصل مفيد لتأكيد الخبر، و{عَنْ عِبَادِهِ} متعلقة بـ{يَقْبَلُ} لتضمّنه معنى (يتجاوز)، إشارة إلى أن قبول التوبة هو التجاوز عن المعاصي المتوب منها»[83].

خاتمة:

هكذا يتضح جليًّا من خلال النماذج التي سِيقتْ مدى عناية ابن عاشور بالدلالة اللغوية الإفرادية العامّة، ومسلكه في تتبُّع دلالاتها ومحاملها المختلفة، ويُفْضِي بنا ذلك إلى إدراك أنّ المعنى التركيبي يمرّ عبر إدراك المعنى الإفرادي، من خلال مراعاة صيغة الكلمة والفروق الدقيقة بينها وبين قريباتها، وما ينضاف إليها من معانٍ بعد ارتباطها بالأداة أو خلوِّها منها، وكذا استعارة الكلمة من لغات أخرى وتعريبها لتكون أتمّ في الدلالة على المقصود، وتبليغ المعنى المنشود، أو تكون أوقع في السّمْع والتلقّي، دون أن ننسى الاشتراك الذي يسهم في ثراء المعنى وتعدّد أوجه الاستعمال.

 

[1] كشف الظنون، (1/ 13).

[2] من قضايا المعجم، ص67.

[3] يقول ابن عاشور: «و{تَطَوَّعَ} يطلق بمعنى فعل طاعة وتكلفها، ويطلق مطاوع طوّعه، أي: جعله مطيعًا، فيدلّ على معنى التبرع غالبًا؛ لأن التبرع زائد في الطاعة. وعلى الوجهين فانتصاب {خَيْرًا} على نزع الخافض، أي: تطوع بخير، أو بتضمين تطوع معنى فعل أو أتى. ولما كانت الجملة تذييلًا فليس فيها دلالة على أن السعي من التطوّع، أي من المندوبات؛ لأنها لإفادة حكم كلي بعد ذكر تشريع عظيم، على أنّ {تَطَوَّعَ} لا يتعيّن لكونه بمعنى تبرع، بل يحتمل معنى أتى بطاعة أو تكلف طاعة». (2/ 64).

[4] التحرير والتنوير، (1/ 9).

[5] البرهان في علوم القرآن، (2/ 173).

[6] المفردات، ص6.

[7] التحرير والتنوير، (1/ 111).

[8] تاج العروس، (1/ 26).

[9] الفروق اللغوية، ص29.

[10] الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق، ص132.

[11] يقول أحمد ياسوف: «وقد اهتمّت عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ بهذا الشأن، واتسم أسلوبها بالاستقراء الشامل للمفردات التي تتعرّض لها». جمالية المفردة القرآنية، ص65.

[12] جمالية المفردة القرآنية، ص63.

[13] جمالية المفردة القرآنية، ص74.

[14] أصول التفسير، ص271.

[15] قواعد التدبر الأمثل، ص436.

[16] قواعد الترجيح عند المفسرين، ص489.

[17] جمالية المفردة القرآنية، ص67.

[18] مفهوم الترتيل في القرآن الكريم، النظرية والمنهج، أحمد عبادي، ص104.

[19] مفهوم الترتيل في القرآن الكريم، النظرية والمنهج، أحمد عبادي، ص110.

[20] الفروق اللغوية وأثرها، ص177.

[21] مجلة مجتمع فؤاد الأول للغة العربية، (4/ 222)؛ نقلًا عن الفروق اللغوية، ص33.

[22] الفروق اللغوية، ص35.

[23] الفروق اللغوية، ص36.

[24] التحرير والتنوير، (18/ 128).

[25] التحرير والتنوير، (18/ 128).

[26] التحرير والتنوير، (21/ 57).

[27] التحرير والتنوير، (5/ 65- 66).

[28] التحرير والتنوير، (21/ 209- 210).

[29] التحرير والتنوير، (1/ 671).

[30] التحرير والتنوير، (6/ 10).

[31] دراسة الطبري للمعنى، محمد المالكي، ص290.

[32] أثر الدلالات اللغوية، ص237- 238.

[33] المشترك اللغوي؛ نظرية وتطبيقًا، ص15.

[34] البحر المحيط للزركشي، (2/ 122).

[35] قواعد الترجيح، ص505.

[36] معترك الأقران في إعجاز القرآن، (1/ 387).

[37] منهج النقد في التفسير، ص145.

[38] التحرير والتنوير، (1/ 95).

[39] التحرير والتنوير، (1/ 98).

[40] التحرير والتنوير، (1/ 97- 98).

[41] قواعد الترجيح، ص851.

[42] قواعد الترجيح، ص852.

[43] قواعد الترجيح، ص852.

[44] يرى (محمد المالكي) أنّ الظاهرة المنهجية التي تصادفنا في معالجة الطبري لموضوع المشترك اللفظي: هي أنه يقيد المعنى الذي للكلمة في سياق معنى من دون المعاني الأخرى المتعدّدة التي لها باعتبارها من المشترك اللفظي. دراسة الطبري للمعنى، ص289.

[45] التحرير والتنوير، (2/ 209- 211).

[46] التحرير والتنوير، (28 / 269).

[47] التحرير والتنوير، (30/ 136).

[48] التحرير والتنوير، (14/ 80).

[49] التحرير والتنوير، (1/ 333).

[50] التحرير والتنوير، (17/ 42).

[51] أثر الدلالات اللغوية، ص244.

[52] المزهر، (1/ 211).

[53] من قضايا المعجم، ص73- 74.

[54] أثر الدلالات اللغوية، ص252.

[55] الاختيارات العلمية، ص139.

[56] التحرير والتنوير، (15/ 313).

[57] التحرير والتنوير، (3/ 187).

[58] قواعد التفسير عند مفسري الغرب الإسلامي، ص253.

[59] التحرير والتنوير، (5/ 8).

[60] التحرير والتنوير، (17/ 192).

[61] التحرير والتنوير، (5/ 241).

[62] التحرير والتنوير، (35/ 352).

[63] التحرير والتنوير، (21/ 31).

[64]التحرير والتنوير، (21/ 112).

[65] التحرير والتنوير، (21/ 226).

[66] التحرير والتنوير، (22/ 146).

[67] التحرير والتنوير، (22/ 194).

[68] مفتاح دار السعادة، طاش كبرى زاده، (2/ 411).

[69] الإتقان في علوم القرآن، (1/ 247).

[70] دراسة الأدوات النحوية في كتب التفسير، محمود أحمد الصغير، ص35.

[71] دراسة الأدوات النحوية في كتب التفسير، محمود أحمد الصغير، ص36.

[72] أثر الدلالات اللغوية، ص266.

[73] التحرير والتنوير، (14/ 10).

[74] التحرير والتنوير، (6/ 71- 72).

[75] التحرير والتنوير، (30 / 498).

[76] التحرير والتنوير، (30/ 500).

[77] التحرير والتنوير، (5/ 305).

[78] مثّل الشاهد الشعري عند ابن عاشور إحدى الأدوات والمستندات اللغوية لتحديد المعاني والاستدلال لها.

[79] التحرير والتنوير، (16/ 143).

[80]التحرير والتنوير، (18/ 203).

[81] التحرير والتنوير، (1/ 130).

[82] التحرير والتنوير، (6/ 237).

[83] التحرير والتنوير، (11/ 27).

الكاتب

الدكتور مصطفى فاتيحي

حاصل على الدكتوراه من جامعة القاضي عياض بمراكش - المغرب، وأستاذ التعليم التأهيلي الثانوي.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))