الإعجاز الغيبي في القرآن بين الإثبات والنفي (3-3)
إيرادات وجوابها
بعد أن استبان في المقالتين السابقتين من هذه السلسلة[1] أنَّ الإنباء بالغيب من أوجه إعجاز القرآن وبراهين نبوّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنَّه من جملة المعاني المتحدَّى بها؛ قد يَرِدُ على ذلك بعض الاستشكالات التي تُبطئ بالساعي إلى قبوله، وفي هذه المقالة سنجتهد في عرض هذه الاستشكالات، ثم نحاول الإجابة عنها بعون الله -عز وجل-، ليسلم لنا التأسيس الذي قمنا به فيما قبل، فاللهم يسِّر وأعِنْ.
الاستشكال الأول:
يقول الأستاذ محمود شاكر: «ولا مناص لمتكلم في (إعجاز القرآن)، من أن يتبين حقيقتين عظيمتين قبل النظر في هذه المسألة، وأن يفصل بينهما فصلًا ظاهرًا لا يلتبس، وأن يميز أوضح التمييز بين الوجوه المشتركة التي تكون بينهما:
أولاهما: أن إعجاز القرآن كما يدلُّ عليه لفظه وتاريخه، وهو دليل النبي -صلى الله عليه وسلم- على صدق نبوته، وعلى أنه رسول الله يُوحَى إليه هذا القرآن، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعرف إعجاز القرآن من الوجه الذي عرفه منه سائر مَن آمَن به من قومه العرب، وأن التحدِّي الذي تضمّنته آيات التحدي، من نحو قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[هود: 13، 14]، وقوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: 88]؛ إنما هو تحدٍّ بلفظ القرآن ونظمه وبيانه لا بشيء خارج عن ذلك. فما هو بتحدٍّ بالإخبار بالغيب المكنون، ولا بالغيب الذي يأتي تصديقه بعد دهرٍ من تنزيله، ولا بعلم ما لا يدركه علم المخاطبين به من العرب، ولا بشيء من المعاني مما لا يتصل بالنظم والبيان»[2].
فقد استند الأستاذ على أنَّه يجب أن يكون التحدّي بما يدركه علمُ المخاطبين به من العرب، وبما يأتي تصديقه بمجرد تلاوته -في تقريره ما عدَّه حقيقةً- أنَّ التحدِّي الذي تضمنته آيات التحدي إنما هو تحدٍّ بلفظ القرآن ونظمه وبيانه لا بشيء خارج عن ذلك، فما هو بتحدٍّ بالإخبار بالغيب المكنون، ولا بالغيب الذي يأتي تصديقه بعد دهرٍ من تنزيله، ولا بعلم ما لا يدركه علم المخاطبين به من العرب، ولا بشيء من المعاني مما لا يتصل بالنظم والبيان.
وهذا يقال به لو سلَّمنا أنَّ التحدّي بالإخبار بالغيب هو الشيء الوحيد الـمُتحدَّى به، وأنَّ المتحدَّيْن به هم فقط صريحو العربِ المعاصرين للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا قد يتعارض مع ظاهر قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: 88]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 21- 23]، فالمتحدَّى عموم الناس المخاطبين بقوله قبل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، والصواب أنها عامة، والنداء لجميع الناس[3].
ثم إنَّه يلزم الأستاذَ ألّا يَعُدَّ الإخبارَ بالغيب برهانًا من براهين النبوّة لهؤلاء العرب للأسباب نفسها التي ذكرها: أن تصديقه إنما يأتي بعد دهرٍ من تنزيله، وأنَّ دَركه إنما يكون بعلومٍ لا يجيدونها، فعندها يمكن لقائل أن يقول: ليس في القرآن برهانٌ للأعاجم ولا لكثيرٍ من العرب الذين أضاعوا مَلَكة اللسان، فإنَّ دَرك هذه المعجزة إنما يكون بعلومٍ لا يجيدونها، وأنَّ تحقُّق إبلاس العرب الأقحاح لديهم إنما يُدرك -إن أُدرك- بعد حينٍ من البحث وتعاطي العلوم النقلية والمنطقية واللغوية، وهذا -كما ترى- لا يستطيعه جُلّ الناس، فأيّ برهانٍ يقعُ لهم بذلك، فضلًا عن أن يصحّ التحدِّي به؟ وما يجيب به الأستاذُ على هذه نجيبُ به على اشتراطه أن يكون التحدّي مما يقع تصديقه على الفور، وأن يكون مما يدركه علم المخاطبين به.
وبعد؛ فلنا أن نطالب بدليل تخصيص التحدِّي بالبلاغة والنَّظم، ذلك أن الله -عز وجل- أطلق المثليَّة في آيات التحدّي، وهذا الإطلاق يقتضي دخول كل صفات القرآن، فلِمَ يُقصَر التحدِّي على صفة العربية فحسب المتضمنة للأسلوب والنَّظم والبلاغة؟ وقد تحدَّى الإنس والجنّ، فلِمَ يخصَّص التحدّي بالوجه الذي برعت فيه طائفة واحدة في مدة زمنية قصيرة من عُمر أمّة الدعوة؟
إنَّ آية القرآن الحقّة أنَّ حجّته قائمة قيامًا مباشرًا على كلّ مخاطَب به من الإنس والجنّ في كلِّ عصرٍ إلى منتهى التكليف به، ولا يلزم أن يسمعه مُشافهةً من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذا رجا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يكون أكثرَ الأنبياء تابعًا.
يقول الدكتور مصطفى مسلم: «فكانت معجزات الأنبياء ملائمة لطبيعة رسالاتهم، وكانت المعجزة تنتهي بوفاة الرسول ولا يبقى إلا الحديث عنها والأخبار التي يتناقلها أتباع الدين جيلًا عن جيل، ولا تنفكّ المعجزة عن شخص الرسول فلا تبقى بمنأى عنه في الزمان والمكان. أمّا الرسالة المحمدية فهي مستمرة إلى يوم القيامة، ولا بدّ من معجزة مستمرة تقيم الحجّة على الأجيال اللاحقة بصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وربانية رسالته. ولا تؤدّي المعجزة المادية هذا الدور وهذه المهمة، فكان الاختيار الربانيُّ أن تكون المعجزة وحيًا»[4].
وكثيرًا ما يذكر الله -عز وجل- هذا الموحَى الذي أوحاه إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- وجعله آيته، في سياق التنويه بما اشتمل عليه من أنباء الغيب، كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}[آل عمران: 44، ويوسف: 102]، وقوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[هود: 49]، ويصرّح بذكرها جنبًا إلى جنبٍ مع ذكر عربيته: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}[يوسف: 2، 3].
على أنَّا نعود فنؤكّد أنَّ التحدِّي واقعٌ بأيٍّ من هذه الأمور مما هو داخلٌ في صفات القرآن المصرّح بها، أو المستنبطة من تحليل مضمونه، فكلٌّ منها بمفرده كافٍ لإفحام المتحدَّيْنَ وخارجٌ عن طوقهم وقدرتهم، واجتماعُها أفحمُ لهم وأقطعُ.
الاستشكال الثاني:
قال الخطابي: «وزعمت طائفة أنَّ إعجازه إنما هو فيما يتضمنه من الإخبار عن الكوائن في مستقبل الزمان نحو قوله سبحانه: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ}[الروم: 1- 4]، وكقوله سبحانه: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}[الفتح: 16]، ونحوهما من الأخبار التي صدَّقَت أقوالَها مواقعُ أكوانها. قلت: ولا يُشَكُّ في أنَّ هذا وما أشبهه من أخباره نوعٌ من أنواع إعجازه، ولكنه ليس بالأمر العام الموجود في كل سورة من سور القرآن، وقد جعل سبحانه في صفة كلِّ سورة أن تكون معجزة بنفسها لا يقدر أحدٌ من الخلق أن يأتي بمثلها: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 23]، من غير تعيين، فدلّ على أنَّ المعنى فيه غير ما ذهبوا إليه»[5].
وقال الدكتور مساعد الطيار: «وإذا جمَعْتَ الوجوه التي حُكيت في أنواع الإعجاز -سوى الصَّرْفة- وجَدتَ أنها لا تكون في كل سورة؛ بل تتخلف في كثير من السور، فمثلًا: ليس في كل السور إخبار بالغيب. أمّا الذي يوجد في كل سورة بلا استثناء فهو الوجه المتحدَّى به، وهو ما يتعلَّق بالنَّظم العربي لهذا القرآن لغةً وبلاغةً وأسلوبًا؛ بأيّ اصطلاح اصطلح عليه العلماء؛ كقول بعضهم: الإعجاز البلاغي، وقول آخرين: الإعجاز البياني...إلخ، فإنَّ مرجعها إلى النظم العربي المتميز لهذا القرآن الكريم»[6].
وقال: «وجوه الإعجاز في القرآن كثيرة كالإخبار بالغيبيات، لكن الشيء الذي عجز عنه العرب وتحداهم أن يأتوا بمثله هو ذلك النظم والبيان العربي، أمّا المعاني الموجودة فهي تبع وليست أصلًا؛ فسورة العصر مثلًا... ليس فيها إعجاز غيبي أو تشريعي؛ بل فيها ما يتعلق بالنظم والبيان، بدليل أنّ كُتُبَ الله -سبحانه وتعالى- التي نزلت على أنبيائه فيها مغيّبات، وفيها تشريع وفيها أخبار مِثل الأخبار الواردة في القرآن؛ لأن المتكلم بها واحد والحقيقة المتكلم عنها واحدة، لكن الذي تميز به القرآن هو ما يتعلق بالنظم والبيان الذي لا يستطيع العرب أن يأتوا بمثله، فهذا هو المتحدَّى به، وهو الذي ينتظم في جميع سور القرآن، أمّا وجوه الإعجاز الأخرى فتختلف في بعض السور، مثلًا: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر: 1]، فيها إعجاز غيبي وإعجاز في النظم والبيان، لكن ليس فيها إعجاز تشريعي، وقد نأتي إلى سورة أخرى فيها إعجاز تشريعي وإعجاز النظم والبيان، وليس فيها إعجاز غيبي.
والخلاصة: أن إعجاز النظم والبيان العربي واقع في كل سورة، وما سواه من أنواع الإعجاز التي حكاها العلماء تتخلف في بعض السور، وفي هذا دلالة على أن المتحدَّى به هو ما يوجد في كل سورة دون ما سواه، ليتناسب مع قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[يونس: 38]، وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 23]»[7].
وقبل الجواب عن هذا الاستشكال نعيد التأكيد على أمرين:
الأول: أنَّ التسليم جدلًا بصحة مضمون هذا الاستشكال لا يعني نفي كون الإعجاز الغيبي من وجوه إعجاز القرآن، فهو مُعجِز، ولو سلّمنا بأنه ليس من الأمور الـمُتحدَّى بها. وهو ما صرّح به الخطابي والزركشي والطيّار وغيرهم. فما زال مصطلح الإعجاز الغيبيّ صالحًا؛ بل هو محلّ اتّفاقٍ من العلماء، لا يكاد يُسقطه أحدٌ، سواء من أدخلوه في الوجوه المتحدَّى بها أو مَن قصروها على إعجاز لغته وما إليها.
الثاني: أنَّ التسليم جدلًا بأنَّ بعض سُور القرآن لا تشتمل على أنواع من الإعجاز الغيبي، لا يعني التسليم بأنَّ الوجه الوحيد الذي يوجد في كل سورة بلا استثناء هو ما يتعلَّق باللغة وما إليها. فالقرآن لا ينفكُّ عن صفاته؛ كالنورانية والروحانية والهداية والرحمة والعصمة والشفاء والحكمة والفرقانية والعربية والبيان والهيمنة والعزة والعلوّ والمجد وغيرها. ومحصّلة هذه الصفات هي التي دَفعَت الوليد بن المغيرة إلى قولته الشهيرة: «واللهِ؛ لقد سمعتُ من محمد كلامًا آنفًا ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإنَّ أسفله لمغدق، وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، [وإنّ له لَنورًا، وإن له لفرعًا]، وإنه ليعلو وما يُعلى، [وإنه ليحطم ما تحته]»[8]، فلو سلَّمنا جدلًا بأنَّ ذلك ينقض أن يكون المتحدَّى به هو الإخبار بالمغيّبات، فإنه لا ينقض أن يكون المتحدّى به ما دلَّت عليه جملة صفات القرآن الـمصرّح بها في الوحيين، ولا يُصحِّح قصر التحدّي على بلاغة القرآن ونظمه وعربيته.
وأمَّا الردّ على مضمون الاستشكال فمن وجوهٍ:
الوجه الأوّل:
أنَّ التسليم جدلًا بأنَّ هناك سورًا تخلو من الإنباء بالغيب لا يُسقط كونه مما تُـحُدِّيَ به؛ فإنَّه تحدَّاهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن. وتنزُّلُه معهم إلى مطالبتهم بالإتيان بسورة واحدةٍ إظهارًا لعجزهم وإمعانًا في إقامة الحجّة عليهم؛ لا ينفي أنَّه تحدّاهم بالإتيان بمثل هذا القرآن، والتنزُّل ليس كالتَّرْك والإضراب من كلِّ وجهٍ، فلا يصحُّ أن يقال: إنّ آيتي التحدي بسورة أو آية التحدّي بعشر سور قد نَسخَت قولَه تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: 88]، فحقيقة أنَّهم لا يقدرون على مثله حقيقة قائمة، وقيامها قيامٌ للتحدّي بها، وإن كان يرضى منهم بأقلَّ من ذلك لو كان يقدرون عليه.
ومَثلُ ذلك كمَثل طالبٍ تُحدِّي بحلِّ عشرين مسألة، فعَجَز، فتنزَّل معه المتحدِّي إلى حلِّ أسهلها فعجز أيضًا. هذا لا ينفي أنَّه تُحدِّي بحلِّ المسائل جميعًا، وإن كان يُرضَى منه بأسهلها لو كان يقدر عليه.
فالمرضيُّ به -لو كانوا يقدرون عليه- سورةٌ من مثله، وإن اتَّفق خلوُّ المأتيِّ به من الإخبار الصادق بالغيب، مع أنَّه تحدَّاهم أن يأتوا بمثله من كلِّ وجهٍ. فهذه حجَّةٌ كاشفةٌ عن غاية عجزهم وإبلاسهم.
الوجه الثاني:
يُحتمل في النَّظر أن يكون المراد بسورة من مثل القرآن: أي بقطعةٍ يتَّفق فيها من كلِّ صفات القرآن التي تتحقّق بها مُفردات المماثلة مما تقع فيه المباراة؛ بغضّ النَّظر عن طولها، على أن تكون بالغةً في الطُّول ما يكفي لإظهار الاقتدار على النَّظم المؤتلف رصفًا وأسلوبًا، ومعلومٌ أنَّه كلما طال الكلامُ كان أدعَى لظهور عوار الائتلاف إن وُجد، وأمَّا الجُمَل القليلة فقد لا تكفي للقَطع بالقُدْرة عليه والوفاء به.
ولعلَّ هذا المعنى الأخير هو ما أشار إليه ابن الفرس بقوله: «وقال [القاضي أبو بكر] في موضع آخر من كُتبِه، وارتضاه أبو إسحاق: وإنما يتعلق [الإعجاز] بسورة يُعَدُّ قدرها في الكلام بحيث يتبيَّن فيه تفاضُل رُتَب قُوَى البلاغة، وهو لا يتبيَّن إلا فيما طال بعض الطول. ولستُ أقطع في (الكوثر) وما قاربها بنفيٍ ولا إثباتٍ في إعجازها. وصحَّح بعض المتأخرين هذا القول»[9].
وقال الطيبي: «ولما أضرَبَ عن ذلك الاقتراح، وحكى نوعًا آخر من قبائحهم أعظم من ذلك، وهو طعنهم في القرآن، بقوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ}[هود: 13]؛ أمَر حبيبه -صلوات الله عليه وسلامه- بأن يجيب عنه بقوله: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}[هود: 13]، على مقتضى سؤالهم، وهو كالقول بالموجب، يعني: هَبُوا أنه كما تزعمون مفترًى، فأتوا أنتم بعشر سور مثله، أي: ما أقول لكم فأتوا بمثله كله، ليس فيه اختلافٌ من جهة المعاني والألفاظ والإخبار عن المغيبات والقصص والأحكام والأخلاق وغير ذلك، بل نبذًا منه جامعًا لهذه المعاني، ولم يكن فيه تناقض.
واعلم أن المراد بتخصيص العدد إيثار طريق القصد وما به تختلف المعاني، كما يوجد في الكلام المبسوط الذي له ذيول وتتمَّات، وذلك لدفع الافتراء ونفي التهمة، وأنه من عند الله لا من عنده، يعني: لو كان مفترًى من عندي لوجدتم فيه اختلافًا كثيرًا. وهذا لا يتم بسورة فذّة، كسورة الكوثر والإخلاص وأشباههما، كما يتمُّ في التحدي لمجرد إثبات النبوة، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: 82]»[10].
فإن التُزم بوجوب أن يكون القَدْر المتحدَّى به مما يتبيّن فيه تفاضل رُتَب قُوَى البلاغة؛ فلا بد للملتزِم أن يلتزم واحدًا -على الأقل- من ثلاثة أمور:
الأول: أن ينفي أنَّ نحو سورة (الكوثر) مما يتحقَّق به التحدِّي بالنَّظم؛ لا من حيث إنها غير معجزة به، ولكن من حيث إنها أقصر مما يتبيَّن فيه تفاضلُ رُتب البلاغة، وهو من مكوّنات التحدّي بالأسلوب والنَّظم وما إليهما.
الثاني: أنَّ التحدِّي ليس بالأسلوب والنَّظم فقط، وإنما هو بجملة صفات القرآن المبيَّنة والمستقرأة من تحليل مضمونه، ولو اتّفق خلوّ سورة من شيءٍ منها؛ فلا يُتّفق أن تخلو السورةُ منها كلِّها.
الثالث: أنَّ المقصود بالسورة المتحدّى بها هو أن يأتي المتحدَّى بقطعة من الكلام يتّفق له فيها من كلِّ صفات القرآن التي تتحقّق بها مُفردات المماثلة مما تقع فيه المباراة؛ بغضّ النَّظر عن طولها، على أن تكون بالغةً في الطُّول ما يكفي لإظهار الاقتدار على النَّظم المؤتلف رصفًا وأسلوبًا ونظمًا.
والتزام أيّ واحدٍ من هذه الثلاثة يُسقط الاعتماد على خلوّ بعض السور من الإخبار بالغيب لنفي أن يكون الإخبار بالغيب من جملة الـمُتحدَّى به. والله أعلم.
ويَرِدُ على هذا الوجه أنَّ القطعةَ المتحقّقَ بها ذلك ليست محدودة بحدود واضحة، فيقال: على قول الطيبيّ المتقدم فإنها محدودة بعشر سور؛ فليأت بعشر قطع متنوعة المقاصد كلّ منها بطول أقصر سورة من القرآن، أو بقطعة بالغة مبلغ العَشر. ويمكن أن يقال: يتفاوت الطول الذي يستبين به ذلك باختلاف مقاصد الكلام ووفور المعاني. وعلى كلِّ حالٍ؛ فإنَّ أهل صنعة الكلام لا يعجزون عن تقدير حدِّ الوفاء به؛ كما لا يعجز المعلِّم عن تقدير رتبة طالبه في مهارة التعبير الشفاهي من خلال ما قاله كتابةً أو حديثًا.
الوجه الثالث:
أنَّا ننازع فيما يسوقه الكثيرون كحقيقة مُسلَّمَة، وهي: خلوّ بعض سور القرآن من الإنباء بالغيب؛ كسورة العصر.
ذلك أنَّ دائرة الغيب أوسع مما عنوه، فالغيوب التي أخبر بها القرآن تتضمّن أنواعًا كثيرة[11]:
- فمنها ما هو إخبار عن الرسل السابقة ورسالاتهم، وقصص الأوّلين السالفين، وبالحوادث الواقعة في الأزمنة الغابرة.
- ومنها الإنباء بالغيوب المستقبلة، بما فيها الإخبار بأحداث الموت وما بعده من أحداث القيامة والجنة ونعيمها والنار وعذابها.
- ومنها الإخبار بمكنونات الصدور والسرائر وكشف ما في مخبّآت الضمائر.
- ومنها الإخبار عن مصائر أحياء، فلا يستطيعون تغيير مصائرهم.
- ومنها الإخبار عن أنَّهم لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا، فلا يستطيعون، مع أنَّ فعلهم يتوقَّف في الظاهر على محض إرادتهم.
- ومنها الإخبار بالسنن الكونية والقوانين الطبيعية الـمُطّردة.
- ومنها الإخبار عن أسماء الله تعالى وصفاته، وعن ملائكته وصفاتهم وعبادتهم ومهامّهم، ونحو ذلك.
قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}[البقرة: 2، 3]، قال الربيع بن أنس في تفسير قوله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}: «آمَنوا بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه، وآمنوا بالحياة بعد الموت، فهذا كله غيب»[12]. قال الطبري: «وأصل الغيب: كل ما غاب عنك من شيء»[13].
وقال ابن تيمية: «وأصل الإيمان هو الإيمان بالغيب، كما قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}[البقرة: 2، 3]، والغيب الذي يؤمن به: ما أَخبرَت به الرسل من الأمور العامة، ويدخل في ذلك الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وملائكته والجنة والنار فالإيمان بالله وبرسله وباليوم الآخر يتضمن الإيمان بالغيب»[14].
وليس بعض أنواع تلك الغيوب بأولى بالاعتبار من غيرها، فهي تستوي في أنه لا سبيل للعلم بها إلا بإخبار الوحي الصادق. فيستوي الإخبار بالوقائع الماضية، والكوائن المستقبلة، ومخبآت الضمائر، والإخبار عن أسماء الله وصفاته، بل الأخرى أخطر، والجرأة عليها أشدُّ، ولا يُخبِر بها إلا رسولٌ معلَّمٌ. وكلُّ مَن تقوَّلوا على الله تعالى فيها من عند أنفسهم، أو حرَّفوا كتبهم لتُناسب أهواءهم وخرافاتهم؛ جاؤوا بمنكرٍ من القول وزورٍ، ونسبوا لله -عز وجل- ما لا ينسجم مع العلم الضروري والأوَّليات العقلية، ولا تهدي إليه فطرةٌ مستقيمةٌ، بعكس ما جاء به الوحي الصادق، فكان من هذه الجهة إخبارًا عن غيبٍ تحقَّق الشُّهودُ صدقَه، وهم ينتظرون تحقّق ما وعدهم تحقُّقه ووقوعه يوم يأتي تأويله.
وهل جاء القرآن بأهمّ من تصحيح أوهام المشركين والوثنيين وأهل الكتاب عن الله تعالى، وضلالهم في أسمائه وصفاته؟
وإخبار بعض الفلاسفة ببعض صفات الإله لا يخلو -بأحسن الفروض- من تخليطٍ بين الحقّ والباطل، وبين ما يقبله العلم الضروريّ وما يردُّه. هذا إن تغاضينا عن حقيقة أنَّهم لم يَبتدِئُوا به ولم يبتكروه، وإنما استقَوه من مصدر سماويّ من بقايا آثار الوحي والنبوات. وهذا مشاهدٌ في كلام الصفوة منهم؛ حتى بعض فلاسفة المسلمين الذين استرشدوا بشيء من كلام الوحي الخاتم المهيمن، ولكنّهم إذ حكَّموا عقولهم فيه حادوا عن الصواب، ثم اعترفوا هم أنفسهم بذلك.
وكذلك، فإنَّ إخباره عن مخلوقاتٍ كالملائكة وصفاتها مما لا يصادم المنطق، ولا يندّ عن مقبولات العقول، ولا يضادّ الحقائق العلمية المكتشفة، ولا يناقض بعضه بعضًا. وقد رأينا أرباب المعتقدات الباطلة والمحرّفة يأتون في هذا الباب بالعجب العجاب، فيدّعون وجود مخلوقات تحمل الكرة الأرضية على ظهورها، ووحوش مقدّسة، وضفادع في حجم المدن، ودوابّ في حجم الجبال، مما تشهد العلوم الحديثة بأنه لم يوجد فيما تملك هذه العلوم البتّ فيه[15].
قال الزرقاني: «أمّا غيب الحاضر فنريد به ما يتصل بالله تعالى والملائكة والجن والجنة والنار ونحو ذلك مما لم يكن للرسول -صلى الله عليه وسلم- سبيل إلى رؤيته ولا العلم به، فضلًا عن أن يتحدث عنه على هذا الوجه الواضح الذي أيّده ما جاء به الأنبياء وكتبهم -عليهم الصلاة والسلام-، وأمثلة هذا الضرب كثيرة في القرآن لا تحتاج إلى عرض ولا بيان»[16].
فإذا تأمّلت ذلك تبيّن لك أنَّ الإخبار عن الله تعالى وصفاته، وعن عالم الملائكة والجنّ والشياطين لا يقلُّ -إن لم يزد- في إعجازه عن الإخبار بالوقائع الماضية، والكوائن المستقبلة، ومخبآت الضمائر.
وأمَّا الأنواع الأخرى من الغيوب، فالأمر فيها أوضح، قال الشيخ البوطي -رحمه الله وعفا عنه-: «ونقصد بالغيبيات تلك الإخبارات المتعلقة بأحداث مُقبِلة، والتي لم يُظهِرها بعدُ أيُّ شاهد من العقل أو الحسّ أو الدلائل التي تعوّد الإنسان على الاعتماد عليها. سواء تعلّقت هذه الأخبار بأحداث عامة، أو تعلقت بأُناس أو فئات بأعيانهم، أو تعلقت بنواميس كونية. ففي القرآن آيات كثيرة أخبرت عن أحداث ستقع في زمن مُقبِل، وفيه آيات تحدّثَت عن مصائر أشخاص بأعيانهم، وفيه نصوص تقرر قوانين ثابتة بالنسبة لكثير من المظاهر الكونية المحيطة بنا. وقد جاء الزمن فيما بعد بمصداق هذه الأخبار كلها، دون أن يكون عليها أيّ شاهد من قبل، من حس أو عقل أو أيّ بيّنة من البيّنات»[17].
فمن الآيات التي تحدّثَت عن مصائر أشخاص بأعيانهم سورة المسد، وما تضمنته من إخبار عن مستقبل أبي لهب وما سيؤول إليه حاله، فإذا تأمَّلت هذه السورة «علمت أنّ أحدًا من الناس لا يملك أن يطلق هذا الوعيد ويسجله في عنق الزمن وعلى صفحة الدهر. فما الذي يُدري هذا الإنسان أنّ أبا لهب سيثبت على كفره إلى الموت، وما هي ضمانات أنه لن يؤمن كما آمن الكثير ممّن هم أشد منه كفرًا وأقسى عنادًا؟ بل ما الذي يطمئن هذا الإنسان إلى أنّ أبا لهب لن ينهض به دافع التحدِّي عندما يسمع هذا الوعيد المسجل في حقه إلى أن يعلن إيمانه بالله ورسوله على الملأ، ليثبت بذلك أنه قد محا أسباب شقوته، وأن إخبار القرآن عن مصيره مخالف للواقع الذي تمّ.
إنَّ بشرًا من الناس لن يستوثق من تقلبات الزمن، وما قد يطرأ من الأحوال والأفكار الجديدة على أبي لهب وأمثاله، ونظرًا لذلك فلن يجد من الجرأة ما يعتمد عليه في إطلاق مثل هذا الخبر الغيبي المخبوء في تلافيف المستقبل.
ومثله قول الله -عزّ وجلّ- في حق الوليد بن المغيرة المخزومي: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ}[المدثر: 11- 28]. إنّ هذا الإخبار الغيبي: سأرهقه صعودًا... سأصليه سقر... ليس مما يتجرأ إنسان عليه؛ لأن الإنسان يفرض الاحتمالات المختلفة للزمن، والأطوار المفاجئة العجيبة للإنسان، وهو ليس مطّلعًا على ما قد يأتي به الغد أو ما قد يفاجأ به فكر الإنسان. ولكنه إخبار غيبيٌّ يصدر عمّن بيده مصير الزمن والمكان، وعمّن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وما ينتهي إليه حال أيّ إنسان»[18].
ومن الغيوب القرآنية آيات كثيرة تُعلِن في بيانات حاسمة عن نواميس كونية، وتخبر أنها ستظل قوانين نافذة حاكمة على الناس كلهم وعلى الطاقة العلمية كلها، مهما تنوعت وتقدمت صعدًا. فهي تستعصي على كل محاولات التغيير والتطوير، وذلك كقوله: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ}[يس: 68]، وقوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}[النساء: 78]، وقوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ}[المؤمنون: 18]، وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: 85]، وقوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[الزخرف: 32].
«تأمَّل في هذه التقارير القاطعة في أسلوبها، المطلقة عن قيود الزمان والمكان، المرسلة في قوة وإصرار إلى أعماق غيوب المستقبل... المترفعة عن محاولات التطوير والعلم، أيمكن أن ينطق بها بشر؟... وهل الإنسان نفسه إلّا ذرّة من جزئيات الكون، فهو لا يدري ما الذي يأتي به الغد أو يتطور إليه العلم، أو تمتد إليه الطاقة؟
إنّ أعظم العلماء شأنًا اليوم، يرى الحقيقة العلمية بعينيه، ثم يتحفظ مع ذلك في التعبير عنها، متوقعًا أن يُفاجَأ في كل يوم بقيود أو حدود جديدة لها.
فأيّ رجل هذا الذي يستطيع أن ينهض من وراء القرون الغابرة، فيبعث إلى الدنيا كلها بتقرير علمي جازم يفصّل فيه أمر النواميس الكونية الراسخة، ويرفعها فوق هام البشرية مؤكدًا أنّ أيَّ طاقة -مهما كانت- لن تمتد إليها بأيِّ تغيير؟»[19].
كذلك فإن ما يُسمّيه بعضهم بالإعجاز العلمي يندرج تحت الإعجاز الغيبي؛ لأن الآيات التي تتضمن حقائق علمية صدقت عليها موازين العلوم والاكتشافات الحديثة، تتضمن حقائق غيبية في الوقت ذاته[20].
ولا تخلو سورةٌ من هذا النوع من الغيوب وإنْ قصرت، فسورة العصر مصرّحة بسُنّة مُطّردة: أنَّ الإنسان في خُسر؛ كقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}[التين: 4، 5]، أو هو إخبار بمصير الكفار يوم القيامة، قال ابن عاشور: «وهذا الخبر مراد به الحصول في المستقبل بقرينة مقام الإنذار والوعيد، أي: لفي خسر في الحياة الأبدية الآخرة فلا التفات إلى أحوال الناس في الحياة الدنيا»[21]، فهو غيبٌ أيضًا -كما ترى- على اختلاف أقوال المفسرين. كما أنَّها مُنبئة بما يكون للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة من النعيم، فهو من الغيب كذلك.
وسورة الهُمَزة فيها إخبار عن مصير الهُمَزة اللُّمَزة، وفيها تفصيل بعض وصف النار، وفيها إخبار بسُنّة ماضية: أنّ المال غير مخلِّدٍ صاحبَه. وعلى قول مَن جعلها في واحدٍ بعينه[22] ففيها إخبارٌ بأنَّه يموت كافرًا.
وسورة الفيل فيها إخبار بحادثة ماضية، وإخبار بقدرة الله -عز وجل- وعزّته.
وسورة قريش فيها إخبارٌ بعادتهم الماضية، وإخبار ببعض أفعال الله تعالى الدَّاعية للتأمُّل؛ كيف أطعمهم -على قلة الثمار في بلادهم- من كلّ ثمرات الأرض التي لا يتفق اجتماعها في البلاد الخصيبة، وكيف آمنهم في بلدهم وفي أسفارهم؛ لمكان الحرم عند العرب.
وسورة الماعون فيها من الإخبار بالغيب: الإنباء ضمنًا بيوم الدِّين، والإنباء بمصير المُرائين، والكشف عن مخبآت ضمائرهم، وعن طباعهم القاضية بمستقرّ أفعالهم.
ومما يُروى عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}[الماعون: 7]، قال: «لم يجئ أهلُها بعدُ»[23]. ولعلَّه قال ذلك؛ لأنه لم يكن سائرًا في العرب وقتها أن يمنعوا العارية اليسيرة؛ بل كان الكرم فيهم غالبًا. وقد تحقَّق فشوّ ذلك في الناس بعدُ، فمنعوا العاريةَ حتى صارت عند بعضهم عادة جارية.
«وهذه سورة الكوثر ثلاث آيات قصار، وهي أقصر سورة في القرآن، وقد تضمّنت الإخبار عن مُغيَّـبَين: أحدهما الإخبار عن الكوثر وعِظَمه وسعته وكثرة أوانيه، وذلك يدل على أن الـمُصدِّقين به أكثر من أتباعِ سائر الرسل. والثاني: الإخبار عن الوليد بن المغيرة، وقد كان عند نزول الآية ذا مال وولد، على ما يقتضيه قوله الحق: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا}[المدثر: 11- 14]، ثم أهلك الله سبحانه ماله وولده، وانقطع نسله»[24].
وسورة الكافرون فيها من ذلك الشيء العظيم، ونحن نسوق تفسيرها بعبارة الإمام الطبري ليتّضح ذلك: «{قُلْ} يا محمد؛ لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سَنَةً، على أن يعبدوا إلهك سَنَةً: {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[الكافرون: 1] بالله، {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}[الكافرون: 2] من الآلهة والأوثان الآن، {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون: 3] الآن، {وَلَا أَنَا عَابِدٌ}[الكافرون: 4] فيما أستقبل {مَا عَبَدْتُمْ}[الكافرون: 4] فيما مضى، {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ}[الكافرون: 5] فيما تستقبلون أبدًا {مَا أَعْبُدُ}[الكافرون: 5] أنا الآن، وفيما أستقبل. وإنما قيل ذلك كذلك؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أشخاص بأعيانهم من المشركين، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدًا، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه، فأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يؤيّسهم من الذي طمعوا فيه، وحدثوا به أنفسهم، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم، في وقت من الأوقات، وآيس نبي الله -صلى الله عليه وسلم- من الطمع في إيمانهم، ومن أن يفلحوا أبدًا، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا، إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف، وهلك بعض قبل ذلك كافرًا»... ثم ساق من آثار السلف دلائل ذلك[25].
وسورة النصر فيها الوعد الذي تحقق بدخول الناس في دين الله أفواجًا، وفيها إعلام النبي -صلى الله عليه وسلم- بقُرب أجَله، وقد كان.
وقد تقدَّم قريبًا ما في سورة المسد من ذلك.
وسورة الإخلاص متمحّضة للإنباء ببعض أسماء الله -عز وجل- وصفاته تعالى كما هو معلوم، وهي مُصحِّحة لاعتقادات المشركين وضلالات أهل الكتاب في ذلك.
وفي المعوذتين إخبارٌ بأسماء الله تعالى: رب الفلق، رب الناس، ملك الناس، إله الناس، الخالق، الحافظ عباده، المعيذ من استعاذ به، وإنباءٌ بخلقٍ من خلقه: الجنّ والشياطين، وصفة من صفة الشيطان: أنَّه يوسوس بالغفلة، ويخنس بالذكر؛ مما وُجِد تصديقه في الواقع؛ يعرفه كلُّ ذاكرٍ يقظٍ، وأنَّ للعين وللسِّحر حقيقةً وتأثيرًا، مما أقرَّ به منصفو الأطبّاء، وأنَّ الذكر والاستعاذة عمومًا -وبالمعوذات خصوصًا- تحُول دون وقوع تأثيرهما، وإنْ أصابَا العبدَ الذاكر فإنَّ أثرهما عليه لا يبلغ التسلُّطَ القاهر. وهذا أمرٌ واقعٌ نراه في أنفسنا وأهلينا، وفي الناس حولنا. فمَن أخبَر النبيَّ بهذه المغيّبات؟ ومِن أين له أنَّ هذه المعوّذات لها هذا التأثير الواقي والشافي بإذن الله؟
وبتأمُّل سائر قصار السُّوَرِ وتدبُّرها يستبين أنَّ أيًّا منها لا يخلو من معنًى أو أكثر من المعاني المندرجة تحت نوع من أنواع الأخبار بالغيب المذكورة.
الوجه الرابع:
وهو وجهٌ دقيقٌ ومنزع لطيف بحاجة إلى تأمُّل مُتأنٍّ. ذلك أنَّ بعضَ إعجازِ النَّظم القرآني مُتضمِّنٌ للإعجاز الغيبيّ، وبيان ذلك أنَّ حسن اختيار المفردة اللغوية وحسن توظيفها بما يتساوق مع المعنى المراد من أهمّ مُكوّنات إعجاز الأسلوب والنَّظْم، وهذه حقيقة يُقرّرها كلُّ المحققين ممن تكلّموا عن إعجاز النَّظم بطريقة أو بأخرى.
والاختيار والتوظيف فرعٌ عن الإحاطة بكلِّ مفردات اللغة ومعانيها الدقيقة؛ ليتسنّى للبليغ إيقاعها في النَّظم على مراده، والنَّظر قاضٍ بأنَّ الإحاطة بدلالات المفردات اللغوية التي غيّبها الزمان، وتفانت في اتّساع ألفاظ اللغة، وذهبت بها بطون الأحياء؛ مستحيلٌ على غير نبيٍّ، من جهة تأييده بالوحي الخبير المحيط لا من جهة طَوْل مَلكاته البشرية المجرّدة. ولذا قال الإمام الشافعي: «ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسانٌ غيرُ نبيٍّ، ولكنه لا يذهب منه شيءٌ على عامتها، حتى لا يكون موجودًا فيها من يعرفه»[26]. قال ابن فارس مُعلّقًا: «وهذا كلام حريٌّ أن يكون صحيحًا، وما بلَغَنا أنّ أحدًا ممن مضى ادّعى حفظ اللغة كلها»[27].
وما كان خارج نطاق الإحاطة فهو غيبٌ، ومجيء النبي -صلى الله عليه وسلم- به من باب مجيئه بالأخبار عن المغيّبات سواءً بسواءٍ، فالمبنى واللفظ وما إليهما وعاءٌ، والمعنى مُوعًى، وكلاهما خارج القدرة البشرية، وتحدّيهم بالنَّظم من هذه الجهة كتحدِّيهم بالاطلاع على بعض مكنون الغيب. نعم، لقد كانوا في الجملة محيطين باللغة، وإن عجَز الآحاد عن جميعها، فعادت بالنسبة لآحادهم غيبًا، فإن اجتمعوا جميعهم في صعيد واحدٍ -وهذا غير واقع عمليًّا- ضُمِن لهم نظريًّا أنَّهم مُلِمُّون بجميع ألفاظها، ولكن لمّا توزّع علمهم بالألفاظ ومواقعها على آحادهم؛ استحال عليهم ضمان أنَّ كلَّ لفظةٍ واقعةٌ موقعها الذي لا تقوم به غيرها. ثم بالنَّظر إلى موضعها من النَّظم، أنَّى لهم المعنى القائم، والرباط الناظم؛ ليأتوا بمثل القرآن بلاغته؟ ومن ظفر بشيءٍ من ذلك وحَذقه غُيّبت عنه أشياء.
فقد عاد عجزهم عن الإتيان بمثله إلى ما غُيِّب عنهم من جملة ذلك، وإن وقع لهم في تفاريقِ الكلام أبعاضه. وإنما يقدر عليه مَن أحاط بكلِّ شيء علمًا، وأحصى كلَّ شيءٍ عددًا.
وإلى قريبٍ من هذا المعنى أشار الخطّابيّ بقوله: «وإنما تعذَّر على البشر الإتيان بمثله لأمور؛ منها أنَّ علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وبألفاظها التي هي ظروف المعاني والحوامل لها، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم لاستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض، فيتوصّلوا باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله، وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنًى به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأمّلْتَ القرآن وجَدتَ هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئًا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه ولا ترى نظمًا أحسن تأليفًا وأشدَّ تلاؤمًا وتشاكلًا من نظمه. وأمّا المعاني فلا خفاء على ذي عقل أنها هي التي تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها والترقِّي إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها. وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام، فأمّا أن توجد مجموعة في نوع واحدٍ منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير، الذي أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كلَّ شيء عددًا»[28].
وقال ابن عطية: «والصحيح أنَّ الإتيان بمثل القرآن لم يكن قطُّ في قدرة أحد من المخلوقين، ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده، ثم لا يزال ينقحها حولًا كاملًا، ثم تعطى لآخر نظيره فيأخذها بقريحة جامّة فيبدل فيها وينقح ثم لا تزال كذلك فيها مواضع للنظر والبدل. وكتاب الله لو نُزعت منه لفظة ثم أُدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد»[29].
الاستشكال الثالث:
قال الراغب في معرض حديثه عن إعجاز القرآن: «ولا يتعلق [الإعجاز] أيضًا بمعانيه، فإن كثيرًا منها موجود في (الكتب المتقدمة)؛ ولذلك قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ}[الشعراء: 196]، وقال: {وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى}[طه: 133]، وما هو مُعجز فيه من جهة المعنى، كالإخبار بالغيب؛ فإعجازه ليس يرجع إلى القرآن بما هو قرآن، بل هو لكونه خبرًا بالغيب، وذلك سواء كونه النظم أو بغيره»[30].
وأوَّل ما يقع للمتأمِّل في هذا الكلام أنَّ القائلين به لا ينفون أنَّ الإخبار بالغيب معجزٌ، وإن كانوا يُفرِّقون بين الإعجاز بما يرجع للقرآن بما هو قرآن؛ يَعنون: لغته وأسلوبه ونظمه، أو قُل: لونَه الأدبيَّ، وبين ما هو راجعٌ للقرآن من جهة معناه. وهذا التفريق لا دليل عليه، بل هو تخصيصٌ بغير موجب كما بيَّنَّا مرارًا.
وأمَّا كون الكُتب السماوية ستكون مُعجزةً من هذا الوجه؛ لأنها معانٍ من عند الله؛ فما المشكلة في أن تكون كذلك؟ وأين الدليل على أنَّ القرآن وحده هو المعجز من هذا الوجه؟
والحقيقة التي لا إخالُ مُؤمنًا بأنَّ الكُتب السماوية -في صورتها المنزلة على الأنبياء، قبل تحريفها- وحيٌ من عند الله؛ يتوقّف لحظة في الإقرار بأنَّها مُعجزة فعلًا، وأنها كانت مما آتاه الله تعالى أنبياءه من المعجزات التي آمَن عليها بعض البشر؛ ولذا قال تعالى في التوراة مثلًا: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[البقرة: 53]، وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ}[المائدة: 44]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء: 48، 49]، فوصفها بأوصافٍ وصف بها القرآن، وقال بعد الآية الأخيرة متحدِّثًا عن القرآن: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}[الأنبياء: 50].
وهذا هو الشأن في الوحي الإلهيّ كله، إذ كله نورٌ ورُوحٌ وهدًى وفرقانٌ وبصائرُ وذِكرٌ؛ ولذا قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ * قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[القصص: 48، 49]، فقرن أيضًا في هذا المقام بين التوراة والقرآن.
فالوحي الإلهيُّ كلُّه معجزٌ، وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[الأنعام: 93]، قاضٍ بمفهومه أنَّ مُدّعِيَ أنَّه سيُنزِل مثلَه كاذبٌ، إذ لا سبيل إليه، وهذه عامَّةٌ في كلِّ منزَلٍ.
وأمَّا قول الأستاذ محمود شاكر: «ولا أظن أنّ قائلًا يستطيع أنْ يقول إنّ التوراة والإنجيل والزبور كتبٌ معجزة، بالمعنى المعروف في شأن إعجاز القرآن، من أجلِ أنها كتبٌ منزلة من عند الله»[31]، يعني: إعجاز النَّظم، فكذلك أقول: ولا أظنُّ أنَّ قائلًا يستطيع أن ينفي ذلك، كما لا يستطيع أن يقول لنا ما مُعجزة بعض الأنبياء الذين لم تُذكر مُعجزاتهم في القرآن؛ كهودٍ وشعيبٍ -عليهما السلام- مع اليقين بأنَّه كانت لهم آياتٌ ومعجزاتٌ. فكلُّ هذا مما طُوِي عنَّا غيبُه.
على أنَّه لو كان لنا أن نُخمِّن -وهو خلاف الأَولى- فسنقول: إنَّ وحيَ الله تعالى إلى أنبيائه إمَّا أن يكون وحيًا بالمعنى، فيكون معناه من الله تعالى ولفظه وصياغته من النبيّ الموحَى به إليه، وإمَّا أن يكون معناه ولفظه كلاهما من الله تعالى؛ فإن كان الأوّل فالمعنى معجزٌ واللفظ غير مُعجزٍ قطعًا؛ من حيث كون الأول من عند الله تعالى، وكون الثاني من عند بشر، وإن كان الثاني فالأقرب أنَّ اللفظ والمعنى كليهما معجزان[32]، وأن النَّظم الذي نزل به الوحي حينئذ وقع على أفضل رُتَبِ النَّظم في اللغة الموحَى بها. فإن قلنا إنَّ التوراة والزبور والإنجيل -قبل أن يطولها التحريف- كان لفظها من عند الله تعالى، فلفظها مُعجِزٌ إذ كانت روحًا من أمر الله تعالى كالقرآن، ولكن لما طالتها أيدي الـمُحرّفين الفانين صارت إلى ما هي عليه، فدخلها من المعاني ما هو كفرٌ وخُرافةٌ[33].
وأمَّا الاستدلال في هذا المقام بحديث: «ما من الأنبياء نبيٌّ إلا قد أُعطي من الآيات ما مثلُه آمَن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيتُ وحيًا أوحَى اللهُ إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرَهم تابعًا يوم القيامة»[34]، فغير ناهض، وقد أوضحنا أنَّه لا يُفهم منه أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُعطَ غيره من الآيات، ولا أنَّ غيره من الأنبياء لم يُعطَوْا من الوحي ما آمن عليه البشر، وإنما المراد -والله أعلم- ما أشرنا إليه من أنَّ المدعوَّ بالقرآن لا يلزم أن يسمعه مُشافهةً من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا أن يكون عصريَّه، بل جُلُّ المخاطبين به ليسوا كذلك؛ لأنهم كانوا بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم إن الإيمان به يُهيئ المؤمن للوقوف على سائر آيات النبي -صلى الله عليه وسلم- الأخرى بخلاف القرآن.
قال القرطبي: «فالقرآن معجزة نبينا -صلى الله عليه وسلم- الباقية بعده إلى يوم القيامة، ومُعجزة كل نبيٍّ انقرضت بانقراضه، أو دخلها التبديل والتغيير؛ كالتوراة والإنجيل»[35].
وما ذلك إلّا لأنّ الله تعالى تكفَّل بحفظه، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: 9]، بخلاف سائر الكتب السابقة؛ استحفظها البشر فضيّعوها. «والسرّ في هذه التفرقة أن سائر الكتب السماوية جيء بها على التوقيت لا التأبيد، وأن هذا القرآن جيء به مصدِّقًا لِما بين يديه من الكتب ومهيمنًا عليها، فكان جامعًا لِما فيها من الحقائق الثابتة، زائدًا عليها بما شاء الله زيادته، وكان سادًّا مسدَّها، ولم يكن شيء منها ليسدّ مسدَّه، فقضى الله أن يبقى حُجةً إلى قيام الساعة، وإذا قضى الله أمرًا يسَّر له أسبابه، وهو الحكيم العليم»[36].
الاستشكال الرابع:
ومما قد يُعترَضُ به قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[هود: 13]، قال الزمخشري: «فإن قلت: كيف يكون ما يأتون به مثله، وما يأتون به مفترًى وهذا غير مفترًى؟ قلتُ: معناه مثله في حسن البيان والنظم وإن كان مفترًى»[37]. فهذا يقتضي أنَّ التحدّي واقعٌ بحسن البيان وبالنَّظم فقط، وإن كان مفترًى.
وقال الرازيّ: «اختلف الناس في الوجه الذي لأجله كان القرآن معجزًا، فقال بعضهم: هو الفصاحة، وقال بعضهم: هو الأسلوب، وقال ثالث: هو عدم التناقض، وقال رابع: هو اشتماله على العلوم الكثيرة، وقال خامس: هو الصرف، وقال سادس: هو اشتماله على الإخبار عن الغيوب. والمختار عندي وعند الأكثرين أنه معجز بسبب الفصاحة، واحتجوا على صحة قولهم بهذه الآية؛ لأنه لو كان وجه الإعجاز هو كثرة العلوم أو الإخبار عن الغيوب أو عدم التناقض لم يكن لقوله: {مُفْتَرَيَاتٍ} معنًى، أمّا إذا كان وجه الإعجاز هو الفصاحة صحّ ذلك لأنّ فصاحة الفصيح تظهر بالكلام، سواء كان الكلام صدقًا أو كذبًا»[38].
فيجاب عن ذلك بجوابين:
الأول: أنَّ قوله: {مُفْتَرَيَاتٍ} ردٌّ على قولهم {افْتَرَاهُ} أي: إن كنتم تزعمون أنَّه من الممكن أن يُفترى من دون الله فيأتي على هذا الوصف من البلاغة وحسن الرصف ورُقِيّ المعاني وصِدق أخباره، فعارِضوه وائتوا بمثله مفترًى. ومعنى افترائه أنَّه من عند غير الله، كما دلَّ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[يونس: 37]، فيصير معنى الكلام: إن كان محمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- ليس نبيًّا، وكان قرآنه من عند غير الله كما تزعمون، وكان على هذا الوصف الذي تعرفون، والرصف الذي تسمعون، فجيئوا بمثله. فالآية معناها معنى نظائرها؛ كقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}[الطور: 33، 34]، وقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[يونس: 38].
الثاني: ولو سلَّمنا بأنَّ المتحدَّى به في هذا الموضع هو النَّظم فحسب فإنه يكون من قبيل التنزُّل أو التنويع من المتحدِّي، وهو لا يعني الترك والإضراب -كما بيَّنَّا- بل هو أبلغ في إفحامه، فإذ لم يستطع أن يأتي بسورة تماثله في كلّ صفاته، ومنها صِدق إخباره بالغيب، فقد رضينا منه أن يأتي بعشر سورٍ في مثل نظمه وبلاغته وإن كان معناها مفترًى.
وإلى نحو هذا ذهب جماعة من المفسرين، قال السمعانيّ: «فإن قيل: قد قال في سورة يونس: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ}[يونس: 38]، وقد عجزوا عن أن يأتوا بسورة، فكيف يصحُّ أن يقول لهم: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ}[هود: 13]، وما هذا إلا كرجل يقول لغيره: أعطني درهمًا، فيعجز عنه فيقول: أعطني عشرة دراهم، وأيضًا فإنه قال: {مُفْتَرَيَاتٍ} وهل يجوز أن يأمر الله تعالى أن يأتوا بالافتراء؟
الجواب عنه: منهم مَن قال: إن سورة هود نزلت أوّلًا، وإن كانت في الترتيب آخرًا، وأنكر المبرِّد هذا، وقال: لا؛ بل نزلت سورة يونس أوّلًا. وأجاب عن السؤال وقال: معنى قوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} في سورة يونس يعني مثله في الخبر عن الغيب والأحكام، والوعد والوعيد، فعجزوا، فقال لهم في سورة هود: إن عجزتم عن الإتيان بسورة مثل القرآن في أخباره وأحكامه ووعده ووعيده، {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} يعني: مختلَقات من غير خبرٍ عن غيب، ولا حكم ولا وعد ولا وعيد، وإنما هي مجرد البلاغة. وهذا جواب صحيح.
وأمّا السؤال الثاني فالجواب؛ قلنا: الله -سبحانه وتعالى- لم يأمرهم بالافتراء، وإنما تحدَّى، ومعناه: أنّ إصراركم في تكذيب محمد وزعمكم أنه افترى القرآن يوجب عليكم أن تأتوا بمثله افتراءً، ليظهر كَذِبُ محمدٍ كما زعمتموه؛ فلمّا عجزتم دلَّ أنه صادق»[39].
قلتُ: ويلزم من تصحيحه لهذا الوجه قبول أنَّ التنزُّل والتنويع لا يعني الإضراب، بدليل عودته في سورة البقرة المتأخرة النزول باتفاق إلى التحدي بسورة من غير أن يقيدها بالافتراء: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 23].
وقال ابن عطية: «ووقع التحدي في هذه الآية بِعَشْرٍ؛ لأنه قيدها بالافتراء، فوسَّع عليهم في القَدْر لتقوم الحجة غاية القيام؛ إذ قد عَجَّزَهم في غير هذه الآية بسورةٍ مِن مِثلهِ دون تقييد، فهذه مماثلة تامّة في غيوب القرآن ومعانيه الحجة، ونظمه ووعده ووعيده، وعُجِّزُوا في هذه الآية بأنْ قيل لهم: عارضوا القَدْر منه بعشرِ أمثاله في التقدير، والغرض واحد، واجعلوه مفترًى لا يبقى لكم إلا نظمه، فهذه غاية التوسعة. وليس المعنى: عارضوا عشر سور بعشر؛ لأن هذه إنما كانت تجيء معارضة سورة بسورة مفتراة، ولا يُبالي عن تقديم نزول هذه على هذه. ويؤيد هذا النظر أن التكليف في آية البقرة إنما هو بسبب الريب، ولا يزيل الريب إلا العلم بأنهم لا يقدرون على المماثلة التامّة، وفي هذه الآية إنما التكليف بسبب قولهم: {افْتَرَاهُ}، فكُلِّفوا نحو ما قالوا، ولا يطَّرد هذا في آية يونس. وقال بعض الناس: هذه مقدَّمة في النزول على تلك، ولا يصح أن يعجزوا في واحدة فيُكلَّفوا عشرًا، والتكليفان سواء. ولا يصحُّ أن تكون السورة الواحدة إلا مفتراة، وآية سورة يونس في تكليف سورة متركبة على قولهم: {افْتَرَاهُ}، وكذلك آية البقرة، وإنما رَيْـبُهم بأنّ القرآن مفترى. قال القاضي أبو محمد: وقائل هذا القول لم يلحظ الفرق بين التكليفين في كمال المماثلة مرة، ووقوفها على النظم مرة»[40].
خاتمة:
الذي يُخلَص إليه في هذه القضية أنَّ القرآن الكريم آيةٌ معجزةٌ من كلِّ وجهٍ يمتُّ إلى معنًى محتمَلٍ في النَّظر السديد من معاني صفاته المبيّنة والمستنبطة، وأنَّ المتحدَّى به أن تأتي أمَّة الدعوة إنسها وجنّها على اجتماعهم وتظاهرهم بسورة من مثله من كلِّ وجهٍ دون تقييد أو تخصيص، بل هي مماثلة تامَّة في بيانه وصدقه وحُكمه وحكمته وتفصيله وائتلافه وهدايته ونورانيته وروحانيته ورحمته وعصمته وعزّته وعلوّه وهيمنته إلى غير ذلك من صفاته ومُضمَّناته، ويدخل فيها ما أخبر به من أنواع الغيوب التي صدَّقها العلمُ الضروري والعلم النَّظري، وأيدتها الفِطَرُ السلمية، والألباب القويمة.
وفي تقدير الباحث؛ فإنَّ التأسيس على هذا التأصيلِ مهمٌّ جدًّا للوصول إلى معايير موضوعية صادقةٍ تُحاكَم إليها أوجه الإعجاز التي يقول بها كثيرٌ من الباحثين، لا سيّما المعاصرين، وتُمتحَنُ بها صراحةُ نَسبِها إلى إعجاز القرآن الكريم، وإلى القدر المتحدَّى به منه.
وبعدُ، فما كان من توفيق ومن إصابة حقٍّ فمحض مَنِّ الكريم -عز وجل-، وما كان من خطأ أو سهوٍ فمنِّي ومن نفسي، وهو المرجوّ أن يُـنِيل الأجرين، ويُجزل العطاء في الدَّارين.
وصلِّ اللهم على سيّد الثقلين. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
[1] المقالة الأولى: (هل في القرآن إعجاز غيبي؟) على هذا الرابط: tafsir.net/article/5326
المقالة الثانية: (هل يدخل الإخبار بالمغيّبات في جملة المتحدّى به؟) على هذا الرابط: tafsir.net/article/5327.
[2] مداخل إعجاز القرآن الكريم، للأستاذ محمود شاكر (ص153، 154).
[3] انظر: جامع البيان، للطبري (1/ 394-395)، وبحر العلوم، للسمرقندي (1/ 33).
[4] مباحث في إعجاز القرآن، للدكتور مصطفى مسلم (ص30).
[5] بيان إعجاز القرآن للخطابي ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن (ص23، 24). وانظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي (2/ 95- 96).
[6] الإعجاز العلمي إلى أين؟ للدكتور مساعد الطيار، دار ابن الجوزي، السعودية، ط2، 1433هـ (ص13).
[7] شرح مقدمة التسهيل (ص278، 279).
[8] انظر: تفسير مقاتل بن سليمان (4/ 492- 493). والمستدرك على الصحيحين، للحاكم (ح3872)، ودلائل النبوة، لأبي نعيم (ص234 برقم 186).
[9] أحكام القرآن، لابن الفرس، دار ابن حزم، بيروت، تحقيق الجزء الأول: د/ طه بن عليّ بو سريح، ط1، 1427هـ= 2006م (1/ 42).
[10] فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب، للطيبي (8/ 31).
[11] مِن أجمعِ مَن تحدّث عنها: الزرقاني تحت الوجه السابع من وجوه إعجاز القرآن عنده، مناهل العرفان (2/ 367- 389). وانظر كذلك: النبأ العظيم، للدكتور دراز، ط دار طيبة، الرياض، بعناية عبد الحميد الدخاخني، ط2، 1421هـ= 2000م (ص39- 64).
[12] جامع البيان، للطبري (1/ 242).
[13] جامع البيان، للطبري (1/ 242).
[14] مجموع الفتاوى، لابن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، نشرة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، 1416هـ= 1995م (13/ 233).
[15] انظر الفصل الرابع: (الكائنات الخرافية في الكتاب المقدّس) ضمن كتاب: العلم وحقائقه بين سلامة القرآن الكريم، وأخطاء التوراة والإنجيل، للدكتور سامي عامري (ص559- 577).
[16] مناهل العرفان، للزرقاني (2/ 368).
[17] من روائع القرآن، للدكتور محمد سعيد البوطي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1420هـ= 1999م (ص148).
[18] من روائع القرآن، للبوطي (ص150).
[19] من روائع القرآن، للبوطي (ص152).
[20] انظر: من روائع القرآن، للبوطي (ص153)، والإعجاز العلمي إلى أين؟ للطيار (ص19).
[21] التحرير والتنوير، لابن عاشور (30/ 532).
[22] انظر الخلاف في ذلك: جامع البيان، للطبري (24/ 619- 620).
[23] جامع البيان، للطبري (24/ 676).
[24] نقله القرطبي عن ابن الحصار، انظر: الجامع لأحكام القرآن (1/ 74).
[25] جامع البيان، للطبري (24/ 702- 704).
[26] الرسالة، للإمام الشافعي، تحقيق: الشيخ أحمد شاكر، نشرة مكتبة الحلبي، مصر، ط1، 1358هـ= 1940م (1/ 34).
[27] الصاحبي في فقه اللغة العربية، لابن فارس، دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ= 1997م (ص24).
[28] بيان إعجاز القرآن، للخطابي (ص26، 27).
[29] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1422هـ (1/ 52).
[30] تفسير الراغب الأصفهاني، تحقيق: د. محمد عبد العزيز بسيوني، نشرة كلية الآداب - جامعة طنطا، ط1، 1420هـ= 1999م (1/ 44). وانظر: مداخل إعجاز القرآن الكريم، للأستاذ شاكر (ص154)، والإعجاز العلمي إلى أين؟ للدكتور الطيار (ص19، 20).
[31] مداخل إعجاز القرآن الكريم، للأستاذ شاكر (ص154).
[32] وإنما قلتُ: «الأقرب» ولم أقطع به؛ لمكان الخلاف المعلوم في الحديث القدسيّ: هل لفظه من الله -عز وجل- أم من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن كنتُ أُرجّح الثاني، لأسباب ليس هذا محلَّ البسط بذكرها. وانظر بعضها في: النبأ العظيم، للدكتور دراز (11- 13).
[33] ولعل مما يُستروح به لذلك أنَّ بعض تلك الكتب كان يُقرأ ويُرتّل كالقرآن، يشهد له قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «خُفِّفَ على داود -عليه السلام- القرآن، فكان يأمر بدوابّه فتُسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج دوابّه». أخرجه البخاري في صحيحه (ح3417). قال البيضاوي: «والمراد به: الزبور، ولعله سمّاه قرآنًا لما كان في قراءته من الإعجاز، كما سُمّي القرآن؛ لما في لفظه من الإعجاز». تحفة الأبرار شرح مصابيح السُّنة، تحقيق: لجنة مختصة بإشراف نور الدين طالب، نشرة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، 1433هـ= 2012م (3/ 453). وقطع به التوربشْتي، قال: «وإنما أطلق القرآن؛ لأنه قصد به إعجازه من طريق القراءة». انظر: الكواكب الدراري، للكرماني (14/ 65)، واللامع الصبيح، للبرْماوي (9/ 527)، وعمدة القاري، للبدر العيني (16/ 7). وقال ابن حجر: «وقراءة كل نبيّ تطلق على كتابه الذي أُوحِي إليه، وإنما سمّاه قرآنًا للإشارة إلى وقوع المعجزة به كوقوع المعجزة بالقرآن؛ أشار إليه صاحب المصابيح». فتح الباري (6/ 455). فقد رأيتَ أنَّ عددًا من جِلّة علماء الملة قد قالوا بما ظنَّ الأستاذ شاكر أنَّ أحدًا لن يستطيع أن يقول به.
[34] أخرجه البخاري ومسلم. وقد تقدّم تخريجه.
[35] الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (1/ 72).
[36] النبأ العظيم، للدكتور دراز، دار طيبة، الرياض، ط2، 1421هـ= 2000م (ص7، 9).
[37] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، للزمخشري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1407هـ (2/ 383).
[38] مفاتيح الغيب، للرازي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1420هـ (17/ 325).
[39] تفسير القرآن، للسمعاني، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن، الرياض، ط1، 1418هـ= 1997م (2/ 417).
[40] المحرر الوجيز، لابن عطية (3/ 155). وانظر ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل، لأبي جعفر الغرناطي (1/ 27)، ولباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن (2/ 476).