قراءة في كتاب «كليات الألفاظ في التفسير؛ دراسة نظرية تطبيقية» للدكتور بريك بن سعيد القرني

الكاتب : بشرى باحي
اعتنى كتاب «كليات الألفاظ في التفسير» لمؤلفه د. بريك بن سعيد القرني؛ بتسليط الضوء على كليات الألفاظ في التفسير، ودراستها من جانِبَيْها النظري والتطبيقي. وهذه القراءة تعرِّف بهذا الكتاب، وتستعرض أهدافه ومحتوياته، وأبرز مميزاته، وأهم الملحوظات عليه.

بيانات الكتاب:

اسم الكاتب: د. بريك بن سعيد القرني.

عنوان الكتاب: كليات الألفاظ في التفسير؛ دراسة نظرية تطبيقية.

عدد الصفحات: 1120 صفحة، قسمت على مجلدين من الحجم العادي.

سنة النشر: 2019م/ الطبعة الثانية.

المؤلف في سطور:

الدكتور/ بريك بن سعيد القرني؛ أستاذ مشارك في كلية أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

من أعماله:

- الكتاب الذي بين أيدينا: كليات الألفاظ في التفسير؛ دراسة نظرية تطبيقية. وهي رسالة ماجستير نُوقشت عام 1424هـ بكلية أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود، وطبَعتها الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه في مجلدين عام 1426هـ، وطُبعت الطبعة الثانية عام 1440هـ.

- علوم القرآن عند الصحابة والتابعين؛ دراسة وتأصيل. وهي رسالة دكتوراه نُوقشت عام 1432هـ بجامعة الإمام محمد بن سعود، ونالت جائزة الرسالة العلمية المتميزة التي تمنحها الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه (تبيان) عام 1432هـ.

- الضابطية للشاطبية اللامية لملا علي القاري (ت1014هـ)؛ دراسة وتحقيق.

- دعاوى تجديد التفسير في العصر الحديث: المصطلح والمفهوم والمنطلقات؛ تحليل ونقد. مقال نشرته مجلة العلوم الشرعية الصادرة عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد 40، سنة 2016م.

- آراء الذهبي وأحكامه النقديّة في علم القراءات من خلال تراجم القراء: القرّاء السبعة أنموذجًا؛ دراسة وموازنة. مقال نشرته مجلة تبيان العدد 16، سنة 2014م.

تمهيد:

موضوع كليات الألفاظ من الموضوعات التي لها ارتباط وثيق باصطلاحات القرآن وطرائقه وعاداته في استعمال اللفظ العربي، هذا إلى جانب أنه يعتبر رافدًا من روافد تفسير القرآن بالقرآن، وله تقاطع مع العديد من علومه؛ كعلم الغريب، والوجوه والنظائر، وعلم المعاني، وعلم المبهمات. فضلًا عن كونه آلية قوية من آليات الترجيح التي يركن إليها المفسّر.

وقد اعتنى الصحابةُ والتابعون والمفسرون من بعدهم بكليات الألفاظ، وأسهم كلٌّ بنصيب في إثرائها وتناقلها والكشف عن الجديد منها، فكان لزامًا أن يتبع هذا الجهدَ المعرفيّ المتراكم جهدٌ منهجيّ يؤطِّر ويضبط وينظِّر لهذا الفنّ. والكتاب الذي بين أيدينا الموسوم: (كليات الألفاظ في التفسير؛ دراسة نظرية تطبيقية)، للدكتور/ بريك بن سعيد القرني، يُعَدّ لبنة أولى لوضع أسس هذا العلم الجليل.

محتويات الكتاب:

كما هو واضح من عنوانه، يتضمن الكتاب -بالإضافة إلى المقدّمة والخاتمة- قسمين: قسم الدراسة النظرية، وقسم الدراسة التطبيقية على كليات الألفاظ.

المقدمة: عرض فيها المؤلّفُ أهمية وأسباب اختياره لموضوع كليات الألفاظ، وذكر الدراسات السابقة، وبيّن خطته ومنهجه في الكتاب.

قسم الدراسة النظرية؛ ويشتمل على خمسة فصول:

يقدّم الفصل الأول من خلال مباحثه الثلاثة تعريفًا للكليات، ونبذة عن تاريخ وكيفية نشأتها، وسردًا مفصلًا لمختلف صيغها والإطلاقات التي وردت عليها.

يتناول الفصل الثاني إلقاء الضوء على مصادر الكليات ومظانّها، والتي تتمثل في: كتب التفسير، وكتب المعاني، وكتب علوم القرآن، وكتب اللغة والمعاجم، وكتب الفقه، وأحكام القرآن، وتراث ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. كما يسلّط الضوء على عدد من العلماء الذين أسهموا في هذا الفنّ أمثال: مقاتل بن سليمان، وابن فارس، والراغب، والسمين الحلبي، والزركشي، والسيوطي، والكفوي، وابن عاشور، والشنقيطي. ويبيّن أوجه عنايتهم بالكليات ما بين ناقلٍ لها وناقد، وخُتم الفصل بعرض لثمرات الكليات وتجلياتها في ميدان التفسير وإعجاز القرآن.

بينما درس الفصل الثالث العلاقة بين الكليات والوجوه والنظائر، وبيّن الفرق بينهما، ونبّه إلى ضرورة الوقوف على الصيغة التي جاءت بها الكليات وكذا ما تضمنته من محدّدات تميزها أو تدخلها في باب الوجوه والنظائر.

اهتم الفصل الرابع بأنواع الكليات والتي حددها المؤلف في أربعة أنواع: كليات الأساليب، وكليات علوم القرآن، وكليات اللغة، وكليات الألفاظ؛ حيث خصص هذا الفصل للكليات الثلاث الأولى، وأرجأ الحديث عن النوع الأخير للفصل الخامس.

تناول الفصل الخامس -وهو أهم الفصول في هذا القسم- كليات الألفاظ من خلال خمسة مباحث تناولت تِباعًا: ضوابط كليات الألفاظ، وأنواعها، ومنهج كلٍّ من مقاتل بن سليمان وابن فارس في التعامل مع الكليات، واختُتم هذا الفصل ببيان معالم الإشكال في الكليات وطرق دفعها.

قسم الدراسة التطبيقية لكليات الألفاظ؛ ويضم فصلين: عَرَض الفصل الأول الكليات المطردة، (وهي: أساطير الأولين، الإفك، المؤتفكات، الأليم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو، البشارة بإسحاق، التأويل، التزكّي، التسبيح، الخير، رزق كريم، الرياح والريح، الريحان، السعي، سلطان، السياحة، الظنّ، عبده، عسى، فاطر، قُتل، القرض الحسن، القنوت، القول المقرون بالأفواه والألسنة، الكأس، كُتب عليكم، الكلمة، ما يدريك وما أدراك، المطر، النجوم، الوصف، يقدر)، وقد بلغت 37 كلية. وتناول الفصل الثاني الكليات الأغلبية، (وهي: الأسف، البخس، البروج، البعل، البكم، جثيًّا، حسبان، حفظ الفروج، الدحض، الريب، الزكاة، الزور، السخرية، السكينة، الصوم، الظلمات والنور، الفحشاء، الكنز، لا يفلح، المسجد الحرام، النبأ والإنباء، الورود)، وعددها 23 كلية، كما اشتمل هذا القسم على ملحق بسبع كليات جديدة تمت إضافتها في الطبعة الثانية من الكتاب: (ما يكون لك- ما يكون لنا، العذاب المهين، من وليٍّ ولا نصير، الصلاة، المحضرون، الخوض، سؤال الرجعة يوم القيامة).

الخاتمة: قدّم فيها المؤلف أبرز نتائج البحث وتوصياته للباحثين.

هدف الكتاب:

يهدف الكتاب إلى وضع الإطار النظري لكليات الألفاظ في التفسير من خلال تناوله لعدد من كليات الألفاظ المشتهرة عن السلف والموجودة في كتب التفسير بالنقد والتمحيص، وذلك من أجلِ الوصول إلى ضوابط وقواعد تمكِّن من التمييز بين الكليات وما يشابهها، والتحقق من صحتها واطّرادها. عِلمًا أنّ أغلب ما بين أيدينا اليوم من كليات الألفاظ لم تتم دراستها وفق منهج علمي سليم.

الإشكالات المعرفية التي يقوم عليها الكتاب:

الكتاب الذي بين أيدينا هو دراسة نظرية تطبيقية غايتها التأصيل لكليات الألفاظ في التفسير، ولتحقيق هذه الغاية كان لا بد من تحديد دقيق لمفهوم (كليات الألفاظ في التفسير)؛ حتى يتبيّن ما يندرج تحته وما يخرج عنه وما يتداخل معه، ومن ثم وَضْع منهج علمي يضبط كيفية التعامل مع كليات الألفاظ، قائم على استقراء ونقد للموجود للوقوف على الضوابط والمحدّدات التي تؤطر عمل الباحث في كليات الألفاظ.

أولًا: تحديد المفهوم:

مرَّ تحديد مفهوم (كليات الألفاظ) بعدد من المراحل:

1. تقديم تعريف دقيق ومركّز للكليات التفسيرية: «ورود لفظ أو أسلوب في القرآن على معنى أو طريقة مطّردة أو غالبة»، مكَّن من الوقوف على ثلاث حقائق تتعلق بالكليات:

- وجود نوعين من الكليات: كليات الألفاظ (بأقسامها الثلاثة: الألفاظ، وعلوم القرآن، واللغة)، ومدار الكلية فيها على لفظ أو تركيب أو جملة معيّنة. وكليات الأساليب وهي التي تتعلق بنهج القرآن وطريقته في نظمه أو عرض قضاياه وموضوعاته.

- الكليات اللفظية ليس لها تعلّق بالمعنى فحسب، بل كذلك بطريقة ومنهج استعمالها، فقد «تكون الكليةُ اللفظية على تعدّد أنواعها واردةً على طريقة أو عادة مطردة، فعلاقتها ليست بالمعنى بل بالمنهج والطريقة التي وردت به هذه اللفظة أو المفردة في القرآن»[1].

- الكليات إمّا أن تكون مطّردة وتامّة، أو أغلبية انخرمت في موضع أو أكثر.

2. التفريق بين الكليات التفسيرية وبين الكليات القرآنية باعتبارها «قواعد وأحكام قرآنية مطّردة لا محالة مقطوع بها، سواء كانت مصدّرة بلفظ كلّ أو سواها من ألفاظ العموم»[2]. فالكليات التفسيرية مدارها على ألفاظ القرآن وأسلوبه من حيث المعنى وطرق الاستخدام، بينما الكليات القرآنية هي حقائق كلية مقطوع بها في القرآن، مثل قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} الذي ورد في ثلاثة مواضع من القرآن[3].

3. استقراء دقيق ومستوفٍ لمختلف إطلاقات وصيغ الكليات التفسيرية التي وردت عن أهل التفسير منذ عصر الصحابة إلى عصر محمد الطاهر بن عاشور.

4. الانطلاق من تصوّر عام قسم فيه المؤلف الكليات إلى أربعة أنواع: كليات الأساليب، وكليات علوم القرآن، وكليات اللغة، وكليات الألفاظ؛ وعرّف بكلّ نوع منها ليسلّط الضوء بعد ذلك على كليات الألفاظ ويقسمها بدورها إلى: كليات قائمة على المعنى والتأويل اللغوي، وكليات ذات دلالة تفسيرية، وكليات ذات مدلول عقدي، وكليات ذات مدلول فقهي، وكليات تناولت ألفاظ شرعية، وكليات ذات استخدامات خاصّة وسياقات محددة، وكليات اختصت بفئة أو طائفة أو أفراد معينين.

5. ضبط العلاقة بين الكليات وبين الوجوه والنظائر، فالكليات قائمة على معنى واحد مطرد، في حين لا نتحدث عن الوجوه والنظائر إلا إذا كان للفظ وجوه ومعانٍ متعددة. وتشترك الكليات مع الوجوه والنظائر في الألفاظ التي لها وجهان فقط، فيوردها أصحاب الوجوه والنظائر بما يدلّ على أغلبية المعنى الأول وقلّة ورود المعنى الآخر. فتكون بذلك الكليات المطّردة قسيمة للوجوه والنظائر مباينة لها، في حين تكون الكليات الأغلبية مندرجة تحت الوجوه والنظائر.

ثانيًا: وضع منهج للتعامل مع كليات الألفاظ:

مكّنت الدراسة التطبيقية التي قام بها المؤلف في القسم الثاني من الكتاب من التوصّل إلى محددات وضوابط دقيقة تعين على التأصيل لكليات الألفاظ في القرآن، فقد عمد إلى اختيار الكليات التي تمّت دراستها وفقًا لثلاثة اعتبارات:

كثرة ورودها عن الصحابة والتابعين.

اشتهارها في تفاسير وكتب المعاني.

توظيفها في الترجيح بين الأقوال والاحتجاج للمعاني.

ثم قسم المؤلّف الكليات المدروسة اعتمادًا على إطلاقات المفسّرين إلى مطّردة وأغلبية، والتزم في كلّ كلية بعرضِها معزوّة إلى أصحابها وفق ترتيبٍ زمنيّ، وحَصْرِ آياتها، وبحثِها من الناحية اللغوية، واستقراء أقوال المفسّرين فيها ومناقشتها، كما عرض آراء أصحاب الوجوه والنظائر فيها إن وُجدت، حتى يتمكن من الخلوص إلى حكم موضوعي يقضي إمّا باطراد الكلية أو أغلبيتها أو ردّها في حالة وجود ما يعارض صحتها، أو ضبطها بمحدّدات لتحرير القول فيها.

ونتيجة لهذه الدراسة المتأنية والدقيقة استطاع المؤلّف نقد 37 من الكليات التي أوردها في الفصل الأول على أنها كليات مطردة فتوصل إلى أنّ:

25 منها جاءت فعلًا مطّردة في القرآن.

6 منها لم يتحقق فيه الاطراد، وإنما جاءت أغلبية في القرآن.

6 منها لم تصحّ، ويمكن إدراجها في باب الوجوه والنظائر.

أمّا فيما يخص الكليات الواردة في الفصل الثاني على أنها أغلبية (وعددها 23)، فتفصيلها كما يأتي:

13 منها هي فعلًا كليات أغلبية.

5 منها هي كليات مطردة وليست أغلبية.

▪ 5 منها لم تصحّ.

أمّا الكليات الواردة في الملحق (وعددها 7) فكان الحكم فيها على اثنتين أنهما مطّردتين و5 أغلبية.

مزايا الكتاب:

أولًا: إنّ مما يُشكر لمؤلف الكتاب نَقْدَه لِما ألِفْناه وعَهِدْناه من كليات كان مسلَّمًا بها، وفرضه لمنهج علمي دقيق يؤصّل لطريقة التعامل معها، وقد توصّل إلى مجموعة من القوانين التي تؤطّر هذا الباب، أذكُر منها ما يأتي:

لا يحتكم إلى الصيغ الواردة عن السلف إلّا بعد استقراء جميع مواردها.

إذا كان للكلمة أكثر من معنيين فالعبارة خارجة عن مفهوم الكلية[4].

▪ الأصل أن تُعتمد نفس اللفظة التي أتت بها الكلية دون اعتبار ما تصرّف منها وما اشتقّ منها من مفردات حتى يدلّ دليل على إرادة ما هو أعمّ.

ثانيًا: توخي الدقة في اختيار التعريف الأنسب؛ فبعد أن عرّف بالكليات عمومًا، وضع تعريفًا لكليات الألفاظ وكليات الأساليب، وبيّن ما يندرج تحت كلّ نوع منها. فكليات الألفاظ يدخل فيها كلّ لفظ، أو تركيب، أو جملة اطرد في جميع موارده أو أغلبها معنى معيّن أو استُخدم بطريقة أو مقام معين أو قُصد به جنس أو فئة أو أفراد معينين. فيما ترتكز كليات الأساليب على طريقة القرآن في عرض قضاياه وموضوعاته.

ثالثًا: برز من خلال الدراسة التطبيقية طول نَفَس المؤلّف في مناقشة وتحليل أقوال المفسرين، وقدرته على ضم النظير للنظير لتقسيم موارد اللفظ القرآني وفق اعتبارات سياقية، كما استثمر بعض الإشارات المتناثرة في أقوال المفسرين لوضع ضوابط ومحدّدات صحّح بها بعض الكليات؛ مثل تقريره أنّ كلّ تسبيح للمكلفين مقيّد بزمن في القرآن يفسّر بالصلاة، وقد وردت هذه الكلية مطلقة عن ابن عباس بصيغة: «كلّ تسبيح في القرآن صلاة»، فجاءت الكلية مقيدة بضابطين: الأول له تعلق بإسناد التسبيح للمكلَّفين دون غيرهم من المخلوقات التي أسند لها التسبيح في القرآن. والثاني يرتبط باقتران التسبيح بأزمنة محدّدة في القرآن، ولا تصح الكلية إذن إلّا باعتبار هذين الضابطين، وأمّا باقي موارد التسبيح فلها معانٍ متعدّدة.

كما استفاد من جهود علماء الوجوه والنظائر في تقرير أو ردِّ بعض الكليات؛ مثل ردّه للكلية الواردة عن مجاهد، وقتادة، وعكرمة، والسمعاني، وابن العربي: «الخير في القرآن كلّه المال»، لورودها بمعانٍ متعددة عند أصحاب الوجوه والنظائر، من أبرزها: البر والطاعات والعمل الصالح، رخص الأسعار والخصب والسعة، الخيل، الإسلام، الصحة...إلخ.

رابعًا: من مزايا الكتاب أنه وقف على الإشكالات التي تعتري الكليات الواردة عن السلف، وقسمها إلى قسمين: ما له تعلّق بالمعنى، وما له تعلّق بدعوى الاطراد. ثم استعرض طرق دفع هذه الإشكالات وكيفية توجيه كلام السلف، ومن الأمور التي نبّه عليها: التأكّد من صحة سند كليات الألفاظ، ومراعاة عادات السلف في إطلاق الكليات؛ فقد يراعون فيها صدقها على الأعم والأغلب من موارد اللفظ، أو قد يخصصونها بأجلِّ المعاني وآكدها؛ لذا فقد تحتاج بعض الكليات الواردة عنهم إلى توجيه وضبط وتحرير قبل الإسراع في الحكم بعدم صحتها.

خامسًا: ومن الدقائق التي اعتنى بها الكتاب كذلك دراسته للقرائن التي ترشد إلى انخرام الكليات، والتي تتجلّى في:

ملاحظة الصيغة التي ورد بها اللفظ في الكلية؛ فإن كانت تلك الصيغة غير واردة في القرآن فالمقصود بها مادة ذلك اللفظ (أي: جميع ما اشتق منه)، وإن كانت الصيغة واردة في القرآن فينبغي تحرير ما إذا كان المقصود حصرها على تلك الصيغة أم لا.

الاستثناءات الواردة في بعض الكليات تحمل في طياتها تقييدًا لتلك الكليات.

أهم الملاحظات:

إنّ إيراد ملاحظات على كتابٍ تأسيسي تأصيلي كالذي بين أيدينا إنما غرضه الإسهام في وضع أُولى لبناتٍ لهذا الفنّ العظيم من فنون القرآن الكريم، وعلى هذا الأساس يمكن إجمال الملاحظات عليه في النقاط الآتية:

أولًا: التعبير عن الكليات بمصطلح (الكليات التفسيرية)، وهو مصطلح على ما يبدو أعم من المقصود، إذ ينصرف الذهن عند سماعه إلى القواعد الكلية المعمول بها في علم التفسير، بينما المراد منه خاصة الألفاظ والأساليب التي وردت في القرآن على معنى أو طريقة مطّردة أو غالبة.

ثانيًا: قسم المؤلف الكليات إلى: كليات الأساليب، وكليات علوم القرآن، وكليات اللغة، وكليات الألفاظ. والمتأمّل لما ذُكر من أمثلة كليات علوم القرآن يجد أنها تندرج ضمن مباحث علوم القرآن؛ كالمكي والمدني، والنسخ، والوقف والابتداء، ورسم القرآن، وهي قواعد إمّا متقرّرة في مواضعها فلا حاجة إلى اعتبارها في هذا الباب أو داخلة تحت كليات الألفاظ أو كليات الأساليب، والأمر نفسه متحقّق في كليات اللغة. فالتقسيم الثنائي إلى كليات ألفاظ وكليات أساليب كافٍ ومستوعبٌ لجميع أنواع الكليات.

ثالثًا: بالنسبة لتقسيم الكتاب، خصّص الفصل الأخير من قسم الدراسة النظرية لكليات الألفاظ، وكان منتظرًا أن يأخذ حيِّزًا أكبر في الكتاب. في حين نجد أنّ مباحث متصلة به قد تناثرت بين الفصول السابقة؛ فالحديث مثلًا عن ثمرات الكليات جاء في الفصل الثاني، وعن علاقتها بالوجوه والنظائر جاء في الفصل الثالث.

كما ورد المبحثان -الثاني: الوارد من الكليات عن مقاتل بن سليمان (150هـ)، والثالث: رسالة الأفراد لابن فارس (395هـ) في الفصل الخامس- منفصلَين عن نشأة الكليات ومصادرها وعناية العلماء بها، وربما كان الأَولى تخصيص فصلٍ كاملٍ لتاريخ الكليات.

وحتى يظهر التسلسل المنهجي للكتاب كان من الأفضل ذِكر أنواع الكليات في الفصل الأول، حتى يُعْلَم أن الكتاب سينصبّ على نوع منها وهو كليات الألفاظ، فتأتي الفصول الأخرى كلها خادمةً له.

رابعًا: ذكَر الكتابُ من أنواع الكليات اللفظية الألفاظَ الشرعية، لكنه لم يبيّن وجه اندراجها تحت الكليات اللفظية، عِلمًا أنه أشار إلى أن الحكم الكلي فيها لم يُستفَد من ألفاظ الآيات أو سياقاتها إنما من أدلة شرعية خارجة عن القرآن الكريم، وهذا يحتاج إلى مزيد نظر وتحقيق. هذا فضلًا على أنه أورد من أنواع الكليات اللفظية أيضًا الكليات العقدية والكليات الفقهية، في حين أنها داخلة -من خلال الأمثلة التي أوردها- تحت مسمى الألفاظ الشرعية.

خامسًا: بالنسبة للنوع السابع من الكليات اللفظية: (كليات قُصد بألفاظ آياتها من القرآن اختصاصها بفئة أو طائفة أو أفراد معيّنين)، هذا النوع له ارتباط وثيق بعلم مبهمات القرآن، ولم يشر الكتاب إلى العلاقة بين مبهمات القرآن والكليات. كما عرض بعض الألفاظ التي ليس لها إلّا مثال واحد وجاءت بصيغة الكليات، فهذه مما يمكن عدّه من غريب القرآن، خصوصًا وأن مفهوم الكلية يرتكز على أفراد ومواطن يجمعها معنى مطرد أو أغلبي، أيْ أنه يشترط فيه تعدّد موارد اللفظ.

خاتمة:

يتمحور الكتاب حول منهج التعامل مع كليات الألفاظ، وقد توصّل إلى أنه لا يمكن الحكم بصحة الكليات من مجرد إطلاق العلماء لها، إنما يتطلب الأمر: استقراء مواردها في القرآن استقراءً تامًّا، وجمع وحصر ودراسة كلّ الموروث منها على الهيئة التي وردت به عند السلف، ومراعاة الإشارات المبثوثة في كتب التفسير للوقوف على مفهومها من جهة وما يدخل في حكمها من جهة أخرى.

إنّ كلّ عمل تأسيسي لا بد أن تتبعه أعمال أخرى مكمّلة له وناقدة له حتى يستوي على سوقه، وموضوع الكتاب الذي بين أيدينا يكتسي أهميةً قصوى في مجال التفسير؛ فهو جامع بين علوم القرآن، وأصول التفسير، والتفسير الموضوعي. وهو موضوع قديم اعتنى به السلف، ومتجدّد؛ إذ لا يزال المفسرون وعلماء القرآن يبحثون في عادات القرآن وطرقه ومعهوده في استعمال ألفاظه وأساليبه، ويتوصلون إلى الجديد كلما غاصوا فيه وتطلبوا فرائده، من أجلِ ذلك وجب صرف الهمم له جمعًا وتأصيلًا ونقدًا.

 

[1] كليات الألفاظ في التفسير، ص34.

[2] كليات الألفاظ في التفسير، ص35.

[3] سورة آل عمران الآية 185، سورة الأنبياء الآية 35، سورة العنكبوت الآية 57.

[4] يقصد بالعبارة إطلاق العلماء لها، فتكون بذلك خارجة عن مفهوم الكلية وداخلة تحت مسمى الوجوه والنظائر.

الكاتب

بشرى باحي

حاصلة على ماجستير العلوم الإسلامية من كلية الآداب - جامعة الحسن الثاني المحمدية، ولها عدد من المشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))