طبعة دار ابن الجوزي لتفسير ابن أبي حاتم في الميزان
عرض وتقويم، وموازنة مع طبعة أسعد الطَّيّب

الكاتب : حسين عكاشة
صدرت طبعة جديدة لتفسير ابن أبي حاتم عن دار ابن الجوزي بالمملكة العربية السعودية، وفي هذه المقالة تعريفٌ بهذه الطبعة، وتقويم لها، وكذلك موازنة بينها وبين طبعة أسعد الطَّيّب السابقة عليها.

تمهيد:

  صدرت مؤخرًا طبعة جديدة لتفسير ابن أبي حاتم عن دار ابن الجوزي بالمملكة العربية السعودية، وفي هذه المقالة تعريفٌ بهذه الطبعة وبيانُ ما لها وما عليها، وموازنتها بطبعة أسعد الطَّيّب السابقة عليها، وبيان أهمّ وجوه التمايز بينهما، وبالله التوفيق:

أولًا: التعريف بطبعة دار ابن الجوزي:

أصل الطبعة:

هذه الطبعة هي مجموعة رسائل علمية مقدمة لنيل درجة الدكتوراه أو الماجستير من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وهي الطَّبعة الأولى، سنة النشر 1439هـ-2018م، تقع في 17 مجلدًا، بيانها كالتالي:

أولًا: المقدمات العلميّة للطبعة:
أَفْرَدت الطبعة مجلدًا خاصًّا للمقدمة، بقلم الدكتور أحمد بن عبد الله العماري الزَّهراني والدكتور حكمت بشير ياسين، وهذه المقدمة هي عبارة عن جمع لمقدّمتي الدكتورين لرسالتيهما بالأساس، وزيادة بحث عن موقف ابن أبي حاتم من الإسرائيليات بقلم الدكتور وليد بن حسن العاني والدكتور محمد بن عبد الكريم بن عبيد.

ثانيًا: المجلدات الخاصّة بالتفسير:
المجلد الأول: تفسير الجزء الأول من القرآن، تحقيق الدكتور أحمد بن عبد الله العماري الزَّهراني، ويقع في 494 صفحة.
المجلد الثاني: تفسير الجزء الثاني إلى نهاية سورة البقرة، تحقيق الدكتور عبد الله علي أحمد الغامدي، ويقع في 773 صفحة.
المجلد الثالث: تفسير سورة آل عمران، تحقيق الدكتور حكمت بشير ياسين، ويقع في 656 صفحة.
المجلد الرابع: تفسير سورة النساء، تحقيق الدكتور حكمت بشير ياسين، ويقع في 655 صفحة.
المجلد الخامس: تفسير سورة المائدة، تحقيق الدكتور عيادة بن أيوب الكبيسي، ويقع في 402 صفحة.
المجلد السادس: تفسير سورة الأنعام، تحقيق الدكتور عبد الرحمن محمد الحامد، ويقع في 542 صفحة.
المجلد السابع: تفسير سورة الأعراف، تحقيق الدكتور حمد بن أحمد بن أبي بكر، ويقع في 562 صفحة.
المجلد الثامن: تفسير سورة الأنفال والتوبة ويونس، تحقيق الدكتور عيادة بن أيوب الكبيسي، ويقع في 944 صفحة.
المجلد التاسع: تفسير سورتي هود ويوسف، تحقيق سورة هود للدكتور وليد بن حسن بن ظاهر العاني، تحقيق سورة يوسف للدكتور محمد بن عبد الكريم بن عبيد، ويقع في 621 صفحة.
المجلد العاشر: تفسير سورتي النور والفرقان، تحقيق الدكتور عمر يوسف حمزة، ويقع في 573 صفحة.
المجلد الحادي عشر: تفسير سورتي الشعراء والنمل، تحقيق الدكتور عبد الله حامد سُمْبُوكمبيجُو، ويقع في 558 صفحة.
المجلد الثاني عشر: تفسير سورة القصص، تحقيق الدكتور إبراهيم بكر علي، ويقع في 336 صفحة.
المجلد الثالث عشر: تفسير من سورة الروم إلى الزخرف، جمع وتحقيق الدكتور حكمت بشير ياسين، ويقع في 352 صفحة.
المجلد الرابع عشر: فهرس رجال ابن أبي حاتم، إعداد الدكتور أحمد بن حكمت بن بشير ياسين، ويقع في 560 صفحة.
المجلدان الخامس عشر والسادس عشر: فهرس الآثار والأحاديث، إعداد أحمد بن إسماعيل شكوكاني، ويقعان في 1236 صفحة[1].

محتوى الطَّبعة:

تحوي هذه الطبعة قسمين:
القسم الأول: تحقيق الموجود من «تفسير ابن أبي حاتم»، وهو في هذه الطبعة من أول التفسير إلى نهاية تفسير سورة يوسف، ومن أول تفسير سورة النور إلى نهاية تفسير سورة القصص. ويمثل هذا القسم المجلدات من الأول إلى الثاني عشر.
القسم الثاني: جمع الرِّوايات المفقودة من «التفسير»، ويمثّل هذا القسم المجلد الثالث عشر فقط من طبعة ابن الجوزي، وفيه من أول تفسير سورة الروم إلى آخر تفسير سورة الزخرف.

ثانيًا: تقويم طبعة ابن الجوزي:

سوف يدور تقويمنا لطبعة ابن الجوزي لتفسير ابن أبي حاتم من خلال خمسة معايير، هي[2]:
الأول: كفاية المخطوطات المعتمدة.
الثاني: ضبط نصِّ الكتاب.
الثالث: التَّقديم للنصِّ والتَّعليق عليه والفهارس الكاشفة.
الرابع: تنسيق الطَّبعة وإخراجها.
الخامس: استدراك المفقود من الكتاب.

أولًا: كفاية المخطوطات المعتمدة:
الناظر في المخطوطات التي رجعت إليها طبعة ابن الجوزي يجدها غير كافية؛ بدلالة هذا النقص الكبير في الكتاب، إلا أن هذه الطبعة زادت -كما سنبيِّن- على طبعة الطَّيّب السابقة عليها اعتماد نسخة الظاهرية، فلم يَفُتْها من نُسَخِ الكتاب المعروفة غير نسخة المكتبة السَّعيدية بحيدر آباد، رقم 122 تفسير، تقع في 292 ورقة، كتبت سنة 1310هـ[3].

ثانيًا: ضبط نصِّ الكتاب:
المتصفح لهذه الطبعة يلحظ عنايةً كبيرةً بتقويم النصّ، حيث اجتهدَتْ في تخليص النصّ من شوائب السَّقْط والتصحيف والتحريف، ووضعَت الآيات من المصحف بالرَّسم العثماني صونًا لها عن التصحيف، لكن يقلُّ فيها شَكْل ما يُشكل في الأسانيد والمتون، رغم أن كثيرًا منه مضبوطٌ في المخطوطات المعتمدة.

ثالثًا: التَّقديم للنصِّ والتَّعليق عليه والفهارس الكاشفة:
تقديم محقِّقي هذه الطبعة للنصِّ جيدٌ في الجملة، فيه تعريف بالمصنِّف والكتاب؛ وتبيين ثبوت نسبته لمصنِّفه، ومنهج المصنِّف فيه ومصادره، ومزايا الكتاب وعيوبه، وأثره فيمن جاء بعده، ومخطوطاته، ومنهج التَّحقيق، فالمقدمة تناسب مكانة الإمام ابن أبي حاتم وجلالة هذا «التَّفسير»، ويعيبها أنها عبارة عن مقدمتين مختلفتين، ممَّا أدى إلى تكرار جُلِّ الموضوعات مرتين.
وأمَّا التعليق على النصِّ: ففيه جهدٌ كبيرٌ، وحوى فوائد كثيرة من توثيق الروايات وتخريجها، والحكم عليها، وشرح مُشكل الكتاب، وعزو آياته، ووصل معلّقاته -وهي شيءٌ كثيرٌ جدًّا- والتنبيه على بعض القراءات، ونحو ذلك.
وأمَّا فهارس الكتاب: فقد تقدّم أن للطبعة ثلاثة مجلدات فهارس، وهي:
المجلد الرابع عشر: فهرس رجال ابن أبي حاتم، إعداد الدكتور أحمد بن حكمت بن بشير ياسين، وهو معجم مختصر لتراجم رجال تفسير ابن أبي حاتم، ويعيبه عدم ذكر مواضع رواياتهم في التفسير.
والمجلدان الخامس عشر والسادس عشر: فهرس الآثار والأحاديث، إعداد أحمد بن إسماعيل شكوكاني، وقد رتبها حسب قائليها، وأفرد المجلد الخامس عشر للمكثرين، وأوردهم دون ترتيب، وأما المجلد السادس عشر فجعله لبقيتهم ورتب القائلين على الحروف الهجاء، وذكر آثار كلّ قائلٍ حسب ورودها في الكتاب، ثم فهرس للأحاديث النبوية على حروف الهجاء.

رابعًا: تنسيق الطَّبعة وإخراجها:
يظهر في هذه الطَّبعة العناية بتنسيق الكتاب وفخامة الطباعة وحُسن الإخراج، وكُتبت الآيات بالرسم العثماني فأضفَتْ على الكتاب بهاءً.

خامسًا: استدراك المفقود من الكتاب:
جمع الدكتور عيادة بن أيوب الكبيسي 99 رواية ممَّا فُقد من أول تفسير سورة المائدة، وجمع الدكتور حكمت بشير ياسين 1259 رواية ممَّا فُقد من أول تفسير سورة الروم إلى آخر تفسير سورة الزخرف، وهذا كلّ ما ذُكر في طبعة دار ابن الجوزي من هذا الاستدراك.

والناظر في هذا القدر من الاستدراك يجده ناقصًا؛ فقد أغفل تفسير سورٍ كثيرة لم يذكرها أصلًا، هي: من سورة الرعد إلى آخر سورة المؤمنون، ومن سورة الدخان لآخر سورة الناس.

ويُؤخذ على هذا الاستدراك ما أُخذ على طبعة الطَّيّب قبلُ، من قلة المصادر التي اعتُمدت فيه، وأن المصادر تذكر بعض روايات التَّفسير فقط، ولا تذكر كيف رتَّبها ابن أبي حاتم في كتابه، وأن جُلَّ الرِّوايات المستدركة ذُكرتْ بغير إسنادٍ، تبعًا لمنهج المصدر الذي جُلبت منه، وهو «الدُّر المنثور».

***

ثالثًا: الموازنة بين طبعة ابن الجوزي وطبعة أسعد الطَّيّب:

سوف تدور عناصر الموازنة بين الطبعتين من خلال ذات العناصر التي جعلناها مرتكزًا لتقويم طبعة ابن الجوزي، كما أنها ذات العناصر التي دَرجْنا عليها قبلُ في تقويم طبعة أسعد الطَّيّب كما قلنا، وبيان الموازنة على النحو التالي:

أولًا: من حيث كفاية المخطوطات المعتمدة:
كلتا الطبعتين ناقصتان -كما هو معلوم- فأمَّا طبعة الطَّيّب فقد بيَّنتُ أن النقص فيها هو القدر المفقود من المخطوطات، وهو من أول تفسير الآية الثانية عشرة من سورة الرَّعد إلى آخر تفسير سورة الحجِّ، ومن أول تفسير سورة الرُّوم إلى آخر تفسير سورة النَّاس، إضافةً إلى تفسير أول 39 آية من سورة المائدة.

وأما طبعة دار ابن الجوزي فبالرغم من أنها اعتمدت مخطوطًا زائدًا عمَّا اعتمد في طبعة الطَّيّب، وهو مخطوط الظاهرية، إلا أنني بعد تفحّصها تبيَّن لي أنه قد وقع فيها سقط في ثلاثة مواضع زائدة على ما وقع في نسخة الطَّيّب -هي موجودة في المخطوطات-:
الأول: تفسير إحدى عشرة آية من أول سورة الرعد، ويقع بين المجلدين التاسع والعاشر.
الثاني: تفسير سورة المؤمنون كاملة، ويقع بين المجلدين التاسع والعاشر أيضًا.
الثالث: تفسير سورة العنكبوت كاملة، ويقع بين المجلدين الثاني عشر والثالث عشر.

وبالتالي يمكننا القول أنّ طبعة الطَّيّب أتمّ من طبعة ابن الجوزي.

ثانيًا: من حيث ضبط نصِّ الكتاب:
طبعة الطَّيّب اعتراها كثرة التصحيف والسقط كما سبق وبيَّنتُ[4]، وأما طبعة دار ابن الجوزي فقد تميزت في ضبط النصِّ تميزًا بيِّنًا، فنصُّها أقوَمُ وأدقُّ من نصِّ طبعة الطيب، حيث إنها استدركت سائر السقط الذي ظهر في طبعة الطيب، وإن كان ينقصهما جميعًا ضبطُ كثيرٍ من المُشكل بالشَّكْلِ.

ثالثًا: من حيث التَّقديم للنصِّ والتَّعليق عليه والفهارس الكاشفة:
تميزت طبعة دار ابن الجوزي في هذه الأمور الثلاثة؛ فتقديم محقِّقيها جيدٌ في الجملة، يناسب مكانة الإمام ابن أبي حاتم وجلالة تفسيره، وتعليقاتها أقوَم، وفهارسها أشمَل، وأما طبعة الطَّيّب فقد سبق أن تقديمها قاصر لا يناسب جلالة الكتاب ولا مكانة مصنِّفه.

رابعًا: من حيث تنسيق الطَّبعة وإخراجها:
فخلافًا لطبعة الطَّيّب التي لم يُعتنَ فيها بهذه الأمور بالقدر الكافي؛ فإنّ طبعة دار ابن الجوزي تميزت بحُسن العناية بتنسيق الكتاب وفخامة الطباعة وجمال الإخراج.

خامسًا: من حيث استدراك المفقود من الكتاب:
طبعة أسعد الطَّيّب أتمّ في الاستدراك؛ فقد أغفلت طبعة دار ابن الجوزي تفسير سورٍ كثيرة لم تذكرها أصلًا، وأما السور التي اتفقَتا على استدراكها فقد كانت طبعة ابن الجوزي أكثر استدراكًا في كلّ سورة غالبًا، والجدول التالي يبيّن الموازنة بين الطبعتين في استدراك عدد الروايات في السّور التي اتفقَتا على استدراكها معًا.

وفيما يلي ملخص الموازنة بين الطبعتين:

خلاصة القول: إنّ طبعة ابن الجوزي لتفسير ابن أبي حاتم أتقن من طبعة أسعد الطَّيّب له، قد بُذلت فيها جهودٌ كبيرةٌ، إلَّا أن طبعة الطَّيّب أتمّ منها؛ فقد أخرجت الموجود من الكتاب كاملًا غير منقوص، في حين أنّ طبعة ابن الجوزي ينقصها تفسير سورتي المؤمنون والعنكبوت، وتفسير إحدى عشرة آية من أول سورة الرعد، وعلى هذا فلا تغني إحدى الطبعتين عن الأخرى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

واللهَ -سبحانه وتعالى- أسأل أن يمنَّ علينا بنُسخٍ تامَّةٍ من «تفسير ابن أبي حاتم»، وأسأله -سبحانه- أن يمنَّ علينا بالعثور على بقية مصنَّفات الإمام ابن أبي حاتم أو بعضها؛ إنه جوادٌ كريمٌ، وأسأله أن يوفِّق المحقِّقين المخلصين لإخراج كتب الشَّريعة خاصةً كتب التَّفاسير الشَّريفة في أحسن حُلَّةٍ، وأن يوفقنا لما فيه رضاه، والحمد لله ربِّ العالمين.

 

[1] أول ما يُؤخذ على هذه الطبعة عدم ذكرها بيانًا لمحققيها وما حققوه من الكتاب، فلم أجد هذا البيان في أيّ موضع منها، وإنما جمعته من عناوين المجلدات ومحتوياتها.

[2] هذه العناصر هي ذاتها التي سبق وقيَّمْنا طبعة أسعد الطّيب من خلالها. للاطلاع على مقالة (تحقيق أسعد الطَّيّب لتفسير ابن أبي حاتم في الميزان):  tafsir.net/article/5146 .

[3] «الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط، علوم القرآن، مخطوطات التفسير وعلومه» (1/42).

[4] يراجع مقالتي عن تقويم طبعة الطيب.

الكاتب

حسين عكاشة

باحث ومحقق للتراث، وله العديد من التحقيقات.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))