يحاول هذا البحث تقديم تحقيب حقل الدراسات الغربية للقرآن، حيث ينطلق من النظر للدراسات الغربية كحقل خاص يُعنى بالقرآن وفق منظور محدّد وأطر معرفية ومنهجية خاصّة تشكّلت مع مراحل تطور هذا الحقل، تميّزه عن التناول الإسلامي التقليدي وكذا عن التناول العربي والإسلامي الحديث للقرآن، ويحاول هذا البحث دراسة طبيعة تشكّل هذا الحقل والتطورات التي مرّ بها منذ مراحله التكوينية وإلى الآن.

فبعد انتقاد التحقيبات العربية القائمة للدراسات الغربية لعدم قدرة تحقيباتها على بناء نظرة شاملة ومنضبطة لهذا الحقل، يحقّب البحث هذا الحقل إلى أربع مراحل: (المرحلة التكوينية: الممتدة من القرن السادس عشر إلى نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر)، (المرحلة الكلاسيكية: الممتدة من نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر إلى الحرب الثانية)، (مرحلة ما بعد الكلاسيكية: والممتدة من بعد الحرب الثانية إلى سبعينيات القرن الماضي)، (مرحلة الانتعاشة المعاصرة: والممتدة من سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي إلى الآن).

ويحاول البحث الوقوف على الملامح الخاصة لكلّ مرحلة من هذه المراحل وكذلك العلاقات بينها، كما يحاول بناء صورة شاملة وعميقة للحقل، عبر الجدل بين النظرين؛ الداخلي الذي يتناول الدراسات المشكّلة لكلّ مرحلة من هذه المراحل، والخارجي الذي يهتم بالعلاقات بين الحقل والحقول المعرفية المحيطة به وكذلك علاقاته بالسياقات غير المعرفية، وأثر كلّ هذه العلاقات على طبيعة الحقل في كلّ مرحلة من مراحل تشكّله وتطوّره.

وقد تم تقسيم هذا البحث إلى مبحثين يليان مقدمة؛ المبحث الأول يتم فيه تناول التحقيبات القائمة ونقدها، ثم في المبحث الثاني يتم تناول قضية التحقيب بشكلٍ نظري والمحددات الرئيسة لها ثم التحقيب التطبيقي للحقل، وتناول المراحل الأربع بشكل تفصيلي يبرز سماتها والعلاقات بينها، ثم يتم تناول السياق المعاصر للقرآن في أوروبا كإطار يُخضِع للفحص أسئلةَ الحقل الرئيسة وبنية هذا الحقل وشكله منذ تأسيسه، وبالتالي يطرح الأسئلة حول مستقبله، ثم خاتمة نحمل فيها اشتغال البحث.