كتاب (الدراسات القرآنية: مصادر ومناهج تفسير النصوص المقدّسة)
لـ جون وانسبرو
عرض وتقويم
تمهيد:
يعدّ جون وانسبرو[1] أحد أهمّ روّاد المذهب التنقيحي[2]، وقد أحدث كتابه (الدراسات القرآنية: مصادر ومناهج تفسير النصوص المقدّسة)، بلبلة كبيرة في الأوساط الاستشراقية منذ ظهوره عام 1977 من قِبَل مطبعة جامعة أوكسفورد وحتى يومنا هذا؛ إذ اتسم بالكثير من الغموض والصعوبة، واعتمد على فرضيات فيلولوجية تفكيكية تنزع القداسة عن النصّ القرآني وتناقض مناهج البحث التاريخي.
وقد حاول تلميذه أندرو ريبين[3] أن يُعيد تحرير الكتاب مرة أخرى، فظهر بحُلَّة جديدة عام 2004، مزوّدًا بعدد من التعريفات والمصطلحات وحصر للمخطوطات التي استخدمها وانسبرو. وفي ضوء أهمية هذا الكتاب وما له من مركزية كبيرة وما أثاره من نقاشات، فسنحاول في هذه المقالة أن نتناوله بالعرض والتقويم؛ لبيان الموقف منه، وستأتي مقالتنا في قسمين؛ أحدهما لعرض الكتاب، والثاني لتقويمه.
القسم الأول: كتاب (الدراسات القرآنية: مصادر ومناهج تفسير النصوص المقدّسة)؛ عرض وبيان:
بيانات الكتاب:
اسم الكتاب:
Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation).
(الدراسات القرآنية: مصادر ومناهج تفسير النصوص المقدّسة).
المؤلف: جون وانسبرو.
المحقق: أندرو ريبين.
الناشر: بروميثيوس بوك - أمريكا.
سنة النشر: 2004م.
عدد الصفحات: 316.
حالة الكتاب: غير مترجم[4].
الهدف من الكتاب:
إثبات أنه لا مسوّغ لاعتبار القرآن كتابًا مقدّسًا؛ لأنّ عوائق العقيدة الإسلامية والسلطة الدينية حالت دون التحليل الأدبي للقرآن. ومن هذا المنطلق يقول المؤلِّف: «هدفي هنا هو القيام بدراسة منهجية لبيان خصائص السلطة الرسمية الدينية، كعامل رئيس مؤثّر في نشوء مجتمع دينيّ واعٍ ومستقلّ»[5].
محتويات الكتاب:
1- مقدمة المحقق:
أشار فيها أندرو ريبين إلى قلّة الأعمال الغربية المتناوِلَة لتاريخ القرآن الكريم، على عكس كثرة المؤلَّفات والأبحاث التي تناولت تاريخ الكتاب المقدّس.
وفي رأيه أنّ الذين حملوا لواء البحث في تلك القضية في العصر الحديث -على مدار القرنين التاسع عشر والعشرين- هم خمسة من المستشرقين؛ أبراهام جيجر[6]، ثيودور نولدكه[7]، توشيهيكو إيزوتسو[8]، جون وانسبرو[9]، وأنجيليكا نويفرت[10].
ثم أخذ بعد ذلك في الثناء على معلّمه (وانسبرو) وكتابه، قائلًا بأنه: «أوّل شخص استطاع إخضاع النصوص الأدبية في القرون الأربعة الأولى من الإسلام للتحليل الأكاديمي، والتي تقف كشاهد إثبات على صعود القرآن إلى مقام السلطة المطلقة في المجتمع الإسلامي»[11].
2- مقدّمة المؤلّف:
بدأ وانسبرو مقدّمته بالاعتراف أنّ دراسات هذا الكتاب لا تتعدّى سوى أن تكون عدة موضوعات جمعتها علاقات تخدم مقصدًا واحدًا. ثم انطلق مباشرةً في نقد المنهج التاريخي المتصل بنزول الوحي، قائلًا بأنه أعطى هالة مقدسة للنصّ القرآني تَحُول دون تحليله، وأنه لا بدّ من إعادة قراءة كلٍّ من: (النصوص القرآنية وتفسير القرآن وأسباب النزول)، وَفق معايير لغوية تفكيكية، بعيدًا عن المعوقات التي تفرضها العقيدة الإسلامية.
وأشار وانسبرو إلى أنه قد اختار ثلاثة موضوعات رئيسة كمدخل لدراسة التوحيد الإسلامي، هي: (القانون المقدّس للشريعة الكتابية، النبوّة، واللغة المقدّسة)، واعتبرها بمثابة استهلال للخوض في مقصد كتابه الأساسي، ألا وهو (تطوّر التفسير الكتابي للقرآن).
ثم اختتم وانسبرو مقدّمته باعترافٍ صادم أشار فيه إلى أنّ دراسته لا تعدو أن تكون مجرّد (تخمينات)، وهنا يقول: «أشعر بارتياح حيال تلك الدراسة التخمينية نوعًا وكمًّا؛ فلا يوجد ما يجبرني على الاعتذار عن طبيعة الافتراضات الخاصّة بمجهوداتي في ترسيم أصول الإسلام»[12].
3- قائمة الاختصارات:
أشار فيها وانسبرو إلى دلالات أبرز الاختصارات الواردة في كتابه، وبلغت نحو خمسة وثلاثين اختصارًا، جمعها في ورقة واحدة. مثال:
(AJSLL) هي اختصار للجمعية الأمريكية للآداب واللغات الساميّة.
4- قائمة المصادر والمراجع:
قام فيها المؤلِّف بسردِ المصادر والمراجع المستخدمة في كتابه.
5- قائمة المخطوطات المستخدمة:
وقام بإضافتها المحرّر أندرو ريبين، وقال بأنّ عدد المخطوطات التي استخدمها وانسبرو قد بلغ سبعة عشر مخطوطًا؛ كالآتي:
1. مخطوط تثبيت دلائل النبوّة، عبد الجبار، تحقيق: عبد الكريم عثمان، 1996م.
2. مخطوط الناسخ والمنسوخ، أبو عبيد، تحقيق: جون بارتون، جامعة كامبريدج، 1987م، ومحمد المديفر، الرياض، 1990م.
3. مخطوط فضائل القرآن، أبو عبيد، تحقيق: وهبي سليمان خواجي، بيروت، 1991.
4. مخطوط الناسخ والمنسوخ، عبد القاهر البغدادي، تحقيق: حلمي كامل أسعد، عَمّان، 1987م.
5. مخطوط الواضح في التفسير، الدَّينوري، تحقيق: أحمد فريد، بيروت، 2003م.
6. مخطوط بيان لغات القرآن، ابن عباس، تحقيق: صلاح الدين المنجد، القاهرة، 1942م.
7. مخطوط غريب القرآن، ابن عباس: (مماثل لكتاب بيان لغات القرآن - انظر رقم 6).
8. مخطوط حلّ متشابهات القرآن، الراغب الأصفهاني: يبدو أنه لم يتمّ تحقيقها.
9. مخطوط تفسير (جعفر الصادق).
10. مخطوط تفسير (محمد بن السائب الكلبي): تمّ نشره عدة مرات.
11. مخطوط تفسير الاختلاف، الخراساني: يبدو أنه لم يتمّ تحقيقها.
12. مخطوط متشابهات القرآن، الكسائي، تحقيق: صبيح التميمي، طرابلس، 1994م.
13. مخطوط تأويلات القرآن، الماتريدي، نُشِرَ منها الجزء الأول تحت اسم (تأويلات أهل السنّة)، تحقيق: إبراهيم السيد عوضين، القاهرة، 1971م، وتحقيق: محمد مصطفى الرحمن، بغداد، 1983م.
14. مخطوط تفسير (مقاتل بن سليمان)، تحقيق: عبد الله محمد شحاتة، القاهرة، 1980، وكذلك تحقيق: أحمد فريد، بيروت، 2003م.
15. مخطوط (تفسير 500 آية من القرآن)، مقاتل بن سليمان، تحقيق: إشعيا جولد فيلد، شفا عمرو، فلسطين، 1980م.
16. مخطوط الأشباه والنظائر في تفسير القرآن، مقاتل بن سليمان، تحقيق: عبد الله محمد شحاتة، القاهرة، 1975م.
17. مخطوط إعراب القرآن ومعانيه، الزجّاج، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، بيروت، 1988م.
6- أبواب الكتاب:
وهي عبارة عن أربعة أبواب، يندرج تحت الأول والرابع منها عدد من الفصول، كالآتي:
الباب الأول: الوحي والشريعة، ويندرج تحته فصلان: (الوثيقة ومحتواها).
الباب الثاني: شعارات النبوّة.
الباب الثالث: أصول العربية الكلاسيكية.
الباب الرابع: قواعد التفسير، ويندرج تحتها خمسة فصول:
1- التفسير الهاجادي[13] (تفسير القصص المقدس).
2- الحاجة إلى التفسير.
3- التفسير الهالاخي[14] (تفسير الأحكام المقدسة).
4- التفسير الماسوراتي[15].
5- الاستعارة والتفسير البلاغي.
الباب الأول: الوحي والشريعة:
أولًا: الوثيقة:
استهل وانسبرو حديثه في هذا الفصل بدعوته إلى ضرورة إثبات النصوص القرآنية من خلال التحليل الأدبي بدلًا من الاعتماد على الأدلة التاريخية.
ومن ثَمّ بدأ في تطبيق منهجه التحليلي فتحدّث عن الطور المبكّر لأسلوب النصّ القرآني، والذي يتميز بتكرار الموضوعات في القرآن بما يشابه أسلوب الأدب النبوي. وضرب مثالًا لذلك (بالقصص القرآني)؛ فهو متكرّر ومتفرّق في أجزاء متعدّدة من النصّ القرآني بطريقة غير متناسقة، واستثنى من ذلك (سورة يوسف)؛ لأنها تمثّل -من وجهة نظره- طورًا متقدمًا، وامتدادًا للكتاب المقدّس، ما عدا بعض التفاصيل المفقودة التي غفلت السلطة الإسلامية عن استدراكها لاحقًا!
ثم ضرب مثالًا آخر أوسع من سابقه، مستخدمًا الفيلولوجية التفكيكية لبيان المفردات اللغوية التي تصف فكرة العدالة الإلهية، وقد قسمها تحت أربعة موضوعات رئيسة، كالآتي: (الانتقام الإلهي، الآيات، النفي، العهد). يقول المؤلّف: «وهذه الموضوعات الأربعة تمثل إلى حدّ بعيد غالب الرسالة القرآنية، وهي تعتمد على نطاق معجمي محدود، مع نسب عالية من التكرار والتوزيع. والنتيجة المتوقعة هي: نمط تكراري للغاية، والذي يشير إمّا إلى فترة طويلة من النقل الشفاهي، أو تسلسل أصلي لمقاطع شعائرية غير مترابطة، أو كليهما»[16].
ثم بدأ في عرض بعض الآيات المتصلة بكلّ موضوع من هذه الموضوعات الأربعة وأخذ يفكّكها لغويًّا؛ فانتقى من آيات الموضوع الأول مفردات، مثل: (أيام الله - الأيام الخالية)، وحاول إقناع القارئ بأنّ كلمة (أيام) قد تم استخدامها من قبل بالفعل في الكتاب المقدس، وبذلك فهي دليل دامغ على نقل نصّ القرآن من النصوص المقدسة!
ويرى كذلك في مثالٍ آخر أنّ تكرار قوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ في سورة الرحمن، إنما هو اقتباس من الأسلوب الأدبي للتوراة، كتكرار قوله: (لأنّ إلى الأبد رحمته)[17] في سِفر المزامير.
ثانيًا: محتواها:
وفي هذا الفصل يتحدّث وانسبرو عن الوحي وأسباب النزول، فيبدأ في بيان طرائق الوحي من خلال عدد من آيات القرآن كقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: 51]، وقوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 164]، وقد اعتمد في بيان معاني تلك الآيات على تفسير الزمخشري ومحمد بن السائب الكلبي وبعض الآراء للسيوطي في الإتقان.
ثم بدأ بعدها في نقد أسباب النزول، فوصفها أنها مجرّد «أدب تاريخي مزيف»، ونتاج لمجهودات المفسّرين الهالاخيين[18]، الذين حاولوا من خلالها إضفاء بعض المصداقية على الوحي القرآني. واستدلّ على رأيه ذلك بقصة جعفر بن أبي طالب مع النجاشي الواردة في كتب السِّيَر، زاعمًا احتواءها على الكثير من التناقضات.
الباب الثاني: شعارات النبوّة:
يبحث وانسبرو في هذا الباب عن معالم النبوّة في القرآن الكريم والسنّة النبوية، ومدى صداها في واقع المجتمع الإسلامي المبكّر، وحديث القرآن عن معجزات النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ويبدأ من خلال منهجه الفيلولوجي التحليلي في تفكيك حديث القرآن الكريم عن النبوّة، في محاولة لربط بعض المفردات القرآنية بمفردات الكتاب المقدّس، مستخدمًا كلمات، مثل: (نذير - بشير - اجتبى - اصطفى... وغيرها). ويشير إلى غياب حياة النبي محمد الشخصية عن القرآن الكريم، فيقول: «إنّ القيمة التاريخية لكتاب المسلمين المقدّس لا تعتمد -في رأيي- على دوره كمصدر لسيرة محمد، بل في نهاية المطاف كمصدر تطبيقي لتكوين لاهوت النبوّة في الإسلام»[19].
وأمّا عن صدى السُّنّة النبوية فيقول بأنّ ثمة فارقًا بين سنّة النبي محمد والسنّة التطبيقية في المجتمع الإسلامي، معتمدًا على بعض أقوال المستشرق مرجليوث[20].
ونادى بضرورة إعادة دراسة السيرة النبوية؛ من أجل محاولة التفرقة بين الحقيقة (والأساطير)، مستشهدًا بأقوال المستشرق ردولف زلهايم[21]، ومشكّكًا في سيرة ابن إسحاق، مشيرًا إلى أن هنالك ثمة خلاف منهجي كبير وقع بين ابن إسحاق والإمام مالك، دفع الأول إلى مغادرة المدينة المنورة؛ من أجل أنه كان يتعامل مع نصوص السيرة كنصوص شرعية مقدسة.
ثم يتطرّق إلى أنّ القرآن لم يتحدث عن المعجزات المادية للنبي محمد إلا نادرًا، وإنما كان جُلّ اهتمامه تسليط الضوء على معجزة القرآن الكبرى، وفي رأيه فإن إعجاز القرآن كان مجرّد دعاية لجأت إليها سُدّة الحكم الإسلامي في ذلك الوقت كي ما تحمي النصّ القرآني من التحريف، وتعطيه غطاءً تشريعيًّا في حياة المجتمع، وقد اقترحت هذه السُّدّة أيضًا نشوء السُّنة النبوية، ولم يكن ذلك قبل القرن الثاني الهجري في فترة الجدال اليهودي الإسلامي؛ في محاولة لبناء علاقة تاريخية مقبولة بين الوحي وبين مَن نزل عليه الوحي -يقصد النبي محمدًا-.
ثم اختتم هذا الفصل بقوله أنّ وجه إعجاز القرآن أمرٌ مُشكِل لم يُحَلّ إلى الآن، ومنه انتقل إلى الباب الثالث حيث حديثه عن أصول العربية الكلاسيكية.
الباب الثالث: أصول العربية الفصحى:
يستهل وانسبرو هذا الباب بإشارة حول اهتمام علماء الغرب بأصول اللغة العربية الفصحى، وأنّ ذلك قد بدأ تقريبًا منذ عصر النهضة الأوروبية. ثم يدلي بدلوه فيرى أنّ تطوّر الفصحى إنما يعتمد على أمرين:
الأول: مجموعة من الأصول التفسيرية:
والتي تتلخّص في الفارق بين لغة القرآن ولغة الشِّعْر الجاهلي.
والثاني: التصحيح الزائف:
ومن هنا ينطلق وانسبرو إلى التشكيك في تاريخ العربية، ويصفه بأنه مجرّد روايات تخمينية، وأنه لا علاقة بين الإسلام المبكّر والعربية الفصحى، وأن هنالك فجوة زمنية بين التعريب الكلاسيكي والأسلمة المبكّرة تصل ما بين قرنين إلى ثلاثة قرون من الزمان.
ويبيّن أن المواد اللغوية الممثّلة للفصحى المبكّرة تظهر في خمسة أشياء، هي:
1- الشعر (الجاهلي والإسلامي).
2- القرآن.
3- الحديث والسيرة.
4- الأيام.
5- المخطوطات.
وأنّ سائر هذه الأنواع الخمسة قد ظهر نتيجة للأنشطة الاجتماعية الإسلامية خلال القرنين الثاني والثالث الهجري.
فيشكّك في الشِّعْر الجاهلي، ويرى أنّ فصاحة الجاهلية مجرّد أسطورة، وأنّ المسلمين إنما قاموا بتزوير هذا الشِّعْر لأغراض تفسيرية، ويضرب مثالًا لذلك بابن عباس الذي استخدم هذا النمط في تفسيره، وبعد استعراضه جانبًا من نظريات كلٍّ من مرجليوث وجولدتسهير حول هذا الشأن قال المؤلِّف: «مهما كانت الدوافع الأصلية لجمع وتسجيل أشعار العرب القديمة[22]، فليس من قبيل المفاجأة أنّ أقدم دليل على مثل هذا النشاط ينتمي إلى القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي وإلى صنعة علماء اللغة الكلاسيكيين»[23].
ثم يختتم الباب بادّعائه أنّ أثر القرآن على اللغة العربية غير واضح، ويستند في ذلك إلى بعض ملاحظاته -المغلوطة- حول خلاف الكوفيين والبصريين في علم (الإعراب)، وزعمه استخدام فواصل جاهزة مكرّرة في ختام آيات القرآن الكريم كقوله: {واللهُ عزيزٌ حكيمٌ}، بالإضافة إلى إقحام مفردات غير عربية في النصّ القرآني -والتي لم تكن موجودة في زمن كتابته- مثل: (صمد، أبابيل، تبسم، مجالس).
الباب الرابع: قواعد التفسير:
في هذا الباب يختار المؤلِّف مجموعة من المناهج التفسيرية الكتابية لتطبيقها على نصّ القرآن، منكرًا أن يكون له أيّ هوية أو قراءة تفسيرية خاصة به، ثم يبدأ في سرد هذه المناهج كالآتي:
1- الفصل الأول: التفسير الهاجادي:
هنا يتحدّث الكاتب عن تفسير القصص القرآني؛ مطوّفًا بنا بين عدد من التفاسير؛ كتفسير مقاتل ومحمد بن السائب الكلبي والثوري والزمخشري وتفسير القمّي، معتبرًا الأول والثاني نموذجًا مثاليًّا للاقتباس من الكتاب المقدّس، ومتهمًا الثالث بكتابته في عصور متقدّمة بواسطة كُتّاب كُثُر خلاف صاحبه.
ثم يبدأ في الطعن بقوة في كلّ من علم أسباب النزول وعلم الأسانيد معتبرًا أنهما إحدى الطرق التي ابتكرتها السلطة لإجبار الجماهير على قبول فكرة نزول القرآن خلال القرن السابع حال حياة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو ما يحاول الكاتب نفيه بشدة!
ويستنتج في النهاية أن قصص القرآن ما هو إلا مجموعة من الخرافات والأساطير المتسلسلة من خُطَب الجاهلية، مثل: فيل أبرهة الحبشي وإسراء محمد -صلى الله عليه وسلم- ومعراجه، قائلًا: «هو وعظٌ شعبي في محيط المؤسّسة الدينية»[24].
2- الفصل الثاني: الحاجة إلى التفسير:
هنا يحاول وانسبرو بيان تطوّر المصطلحات التفسيرية الإسلامية ومدى اتصالها بالتقاليد اليهودية؛ ليقف على نشوء الاحتياج إلى التفسير في المجتمع الإسلامي، ويتخذ المنطلق من قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 7]؛ ليقول أنَّ قاعدةَ (المحكَم والمتشابه) لدى المفسِّرين المسلمين مماثلةٌ تمامًا لموقف حاخامات اليهودية تجاه دراسة الكتاب المقدّس، ويستشهد لذلك بفقرتين من الكتاب المقدّس في كلٍّ من سِفر عِزرا وسِفر نحميا.
ثم يعرض بعض الآراء حول الفَرق بين (التفسير) و(التأويل)؛ ليستنتج في نهاية المطاف أن التفسير كان ممنوعًا من قِبَل الصحابة، ولم يُسْمَح به إلا في القرن الثالث الهجري، ويتشبث بآراء جولدتسيهر الذي يتّهم عثمانَ -رضي الله عنه- ولجنتَه بعملها على منع التفسير، بل ويصِم المؤلفُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- بالفعل ذاته مشيرًا إلى قصته مع صبيغ.
ويتطوّر الأمر في القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي -من وجهة نظره- لتنشـأ الجدالات الهالاخية، والتي ظهرت لعلاج الفوضى التشريعية، وتثبيت حكم الخلفاء؛ معتبرًا أنها تتمثّل في عملين أساسيين خلال تلك الفترة؛ الأول: رسالة في الصحابة لابن المقفع، والثاني: رسالة في القدَر للحسن البصري.
ويختتم هذا الفصل بحديثه عن الأشباه والنظائر والقياس في التفسير، ومدى العلاقة بين الجذر اللغوي للفعل (قاس) في العربية وبين كلمة (هيكيش) العبرية التلمودية[25].
3- الفصل الثالث: التفسير الهالاخي:
حيث الحديث عن آيات الأحكام، والتي يراها الكاتب قليلة جدًّا مقارنةً بآيات القصص. ويقسم التفسير الهالاخي في القرآن إلى ثلاثة أقسام:
أ- أحكام.
ب- اختلاف.
ت- نَسْخ.
ويستمر في طعنه على أسباب النزول، مشيرًا إلى العلاقة الثلاثية بين (علم الحديث)، و(أسباب النزول)، و(علم التفسير)، فيصف كلّ كتب ابن شهاب الزهري بأنها عديمة الفائدة! ويشكّك في إسنادها؛ وكلّ ذلك من أجل الإطاحة بكتابه (تنزيل القرآن)؛ إِذْ إنه يناقض ما يدعو إليه الكاتب!
ثم يتوسّع في حديثه عن (النَّسْخ) رافضًا قاعدة التدرج في التشريع؛ إِذْ يرى أن النّسخ مجرّد إجراء تشريعي لجأ إليه الحُكّام المسلمون من إلغاء بعض الأحكام. وضرَب مثالًا على ذلك بالنسخ في آيات القتال.
ويتوسّع في دائرة النَّسْخ فيضيف إليها التخصيص، ففي إطار حديثه عن تخصيص أبي عبيد لأنفس الأحرار دون العبيد في آية القصاص من سورة المائدة يقول المؤلِّف: «في تلك الصيغة أُدْرِجَ (التخصيص) تحت نسخ القاعدة العامة»[26]، معتبرًا قول أبي عبيد نوعًا من نسخ القانون المحمدي لشريعة الأنبياء السابقة!
ومن النقطة السابقة ينطلق إلى الحديث عن وجود الأدب اليهودي في السيرة النبوية، ويحدده في نقطتين:
أ- اختبارات النبوة: ويقصد بها اختبار اليهود لنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ب- آية الرجم:
والتي يرفض وانسبرو قبول القول بنسخ تلاوتها وبقاء حكمها، ويرى أن عمل الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بإقامة حد الرجم على الزناة إنما كان بفعل التأثّر بالكتاب المقدّس، وبالتحديد في قصة (سوزانّا والزناة)[27].
4- الفصل الرابع: التفسير الماسوراتي:
يرى وانسبرو أنّ الماسوراتية القرآنية تتكون بشكل أساسي من ثلاثة مقوّمات:
أ- التفسير المعجمي.
ب- التفسير النَّحوي.
ج- القراءات المختلفة: ويقصد بها الاختيار والترجيح بين الآراء التفسيرية المتنوعة.
يقول المؤلِّف: «وتوضيحها -أي المقومات الثلاثة السابقة- يتطلب أداتين تفسيريتين؛ المماثلة النصّية وإعادة الصياغة، بالإضافة إلى تقديم الأدلة من مجموعة كبيرة ومرنة بتلاؤم من الشعر العربي»[28].
ومن هنا يبدأ في بيان دور القراءات الشاذة وآيات المتشابه اللفظي والوجوه والنظائر في تكوين الماسوراتية القرآنية، ثم يتحدث عن (المجاز في القرآن)، معتبرًا إيّاه أهم عناصر التفسير الماسوراتي التي نشأت لتنقيح وتصحيح النصّ القرآني خلال فترة قرنين من الزمان لم يُشهَد فيهما استقرارٌ للوحي؛ ليختتم هذا الفصل بقوله: «بمجرد استقراره -أي النصّ القرآني- لم تعُد وثيقة الوحي حصريًّا من (كلام الله)، ولكن أيضًا وبنفس القدر من الأهمية أصبحت تذكارًا من الأدب الشعبي»[29].
5- الفصل الخامس: التفسير البلاغي والاستعارة:
يستكمل وانسبرو في الفصل الخامس كلامه عن (المجاز في القرآن)، ويبين خلاف المذاهب الإسلامية حول تلك القضية، ومنها يتّجه إلى قضية تأويل الصفات الإلهية من قِبَل بعض المفسِّرين المسلمين، ويعرض طائفة من آراء العلماء؛ كابن قتيبة والباقلاني والجرجاني والسيوطي.
ثم يختتم هذا الفصل، ومن ثَمّ الكتاب بالحديث عن (الأمثال في القرآن) ومدى تشابهها مع أسلوب الأمثال المقدسة، معتمدًا على تفاسير الزمخشري والتستري وابن عربي والقمّي في إبداء آرائه.
7- الفهرس:
ويتضمن ثلاثة أقسام:
أ- فهرس الأسماء والموضوعات.
ب- فهرس المصطلحات الفنية.
ت- فهرس المصادر القرآنية (ويقصد به فهرس الآيات القرآنية).
8- التعليقات التوضيحية:
جاءت في خمسين صفحة، حاول فيها أندرو ريبين إزالة اللَّبْس والغموض المحيط بالكتاب. يقول: «تم تضمين هذه التعليقات التوضيحية في الطبعة الجديدة من أجل إزالة بعض العوائق التي تحُول دون فهم كتاب (الدراسات القرآنية) لدى الذين يملكون معرفة محدودة بالعربية، واليهودية العربية، واللاتينية، والعبرية، والألمانية، والفرنسية»[30].
وقد جاءت أغلب تلك التعليقات التوضيحية في صورة كتابة صوتية للآيات القرآنية من الحروف العربية إلى الحروف الإنجليزية. مثال:
قوله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ [البقرة: 134].
tilka ummatun qad khalat
قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾ [يوسف: 111].
laqad kana fi qisasihim 'ibrat
بالإضافة إلى كتابة أرقام الفقرات والإصحاحات التي اكتفى وانسبرو بالإشارة إليها في الكتاب المقدس، وترجمة بعض الشواهد العربية إلى الإنجليزية.
9- مسرد المصطلحات:
جاء في ثماني صفحات، حاول فيها أندرو ريبين تعريف بعض المصطلحات الغامضة؛ كالهاجيدية والماسوراتية وغيرها.
القسم الثاني: كتاب (الدراسات القرآنية: مصادر ومناهج تفسير النصوص المقدسة)؛ نقد وتقويم:
يحوي كتاب الدراسات القرآنية لجون وانسبرو العديد من الإشكاليات المنهجية، والتي سنحاول تسليط الضوء على أبرزها:
1- الصعوبة والغموض:
كتاب (الدراسات القرآنية) يكتنفه الكثير من الغموض والصعوبات، وقد وجدتُ ذلك بنفسي خلال قراءة الكتاب وترجمة محتواه؛ فمثلًا رغم أنّ لغته الأصلية الإنجليزية إلا أنه اعتمد على عددٍ كبيرٍ من المصطلحات الألمانية واللاتينية والعبرية -وفي بعض الأحيان الفرنسية-، بالإضافة إلى عددٍ كبيرٍ من الشواهد العربية التي قد تمثّل عائقًا لغير العارفين بها، وهذا يصعب التعاطي مع الكتاب وفهم جدله، وهو عيب تأليفي كبير عند وانسبرو، وصحيح أن أندرو ريبين أصدر نسخة جديدة من الكتاب كما ذكرنا حاول فيها تلافي شيء من هذا، إلا أنّ دور أندرو ريبين بدَا ضعيفًا جدًّا؛ فقد اعتمد على النقل الصوتي للشواهد العربية ولم يترجم معانيها إلا فيما ندر! كذلك لم يفسّر كافة المصطلحات الواردة في الكتاب واكتفى ببعضها فقط -لكن لعلّه اكتفى بالأشهر-، بالإضافة إلى أنه أشار إلى تعريف بعض الشخصيات دون الآخر، فهو مثلًا لم يعرّف (بالوليد بن محمد المقري) الوارد ذكره في صفحة 180 من الكتاب.
وأعتقدُ أنّ الصعوبة والغموض كانت مقصودة من قِبَل وانسبرو، وقد بدَا ذلك جليًّا من خلال اكتفائه بالإشارة إلى فقرات الكتاب المقدّس دون كتابتها، والتي زعم تشابهها مع أسلوب النصّ القرآني أو قواعد التفسير القرآنية، لا سيّما أنك إذا ما ذهبت إليها وبحثت عنها لم تجد أيّ تشابه! وكأنما قد اكتفى بالإشارة إليها للفرار من توضيح التشابه المزعوم!
مثال: ادّعاؤه أن قاعدة (المحكم والمتشابه) لدى المفسِّرين المسلمين مُماثلة لموقف حاخامات اليهودية تجاه دراسة الكتاب المقدّس، واستشهاده على ذلك بفقرتين من الكتاب المقدّس في كلٍّ من: سِفر عِزرا وسِفر نحميا، فإذا ما ذهبنا إلى الفقرتين المشار إليهما وجدناهما كالتالي:
(عزرا: 7/ 10): «لأنّ عزرا أخلص نيته لطلب شريعة الرب وممارستها، وتعليم الشعب فرائضها وأحكامها».
(نحميا: 8/ 7): «وشرع يَشُوع وباني وشَربيا، ويامين، وعُقُّوب وشَبْتاي وهوديّا ومَعْسِيا وقَليطا وعَزريا ويوزاباد وحَنَان وفَلايَا واللاويّون يشرحون للشعب الشريعة، والشعب واقف في أماكنه».
فما علاقة القاعدة الأصولية في (المحكم والمتشابه) لدى علماء المسلمين بهاتين الفقرتين من الكتاب المقدس؟ وكيف يُدَّعَى وفقا لذلك أنّ هذه القاعدة الأصولية الكبيرة مأخوذة من هاتين الفقرتين؟ أو أنّ قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 7] منحول منهما؟!
2- الزعزعة التشكيكية:
الزعزعة التشكيكية هي أحد إشكالات كتاب وانسبرو المنهجية؛ فهو ينطلق من الشك المذهبي الذي من شأنه ألّا يهدم المنهج التاريخي فقط وإنما يهدم كافة العلوم، وقد بدأت الأوساط الاستشراقية في إدراك حجم الزعزعة العلمية التي يحاول الاتجاه التنقيحي ترويجها، «وتبرز هذه الزعزعة في ذلك التجاور الدرامي الذي يعرضه شتيفان فيلد[31] في محاضرته (تاريخ القرآن... لماذا لا نحرز تقدمًا؟) بين جملة رودي بارت -أحد أهم المستشرقين الألمان وأحد أهم مترجمي القرآن وشارحيه للألمانية-: (إن صورة النبي محمد التي رسمها وما زال يرسمها المستشرقون والأوروبيون حتى الآن ترتكز على أُسس سليمة، وإذا طالها شيء من التعديل فما هو إلا تفصيل الكلام فيها، ولا يكاد يسفر التفسير الجديد والمنهجي للقرآن عن اكتشافات جديدة ومثيرة). وبين جملة باتريشيا كرون -أحد أهمّ حاملي لواء التنقيحية-: (إنّ مشهد التاريخ الإسلامي تعرّض على مدار أكثر من قرن لريح عاصفة أتت على بنيانه فتركته رُكامًا ورمادًا؛ ليترسب في مسارات فرعية امتزجت بأنقاض ليست من جنسه تذروها الرياح)، فبين صورة الثقة الكاملة مع بارت وبين صورة الرماد مع كرون يبرز تمامًا الأثر الذي خلّفه هذا الاتجاه بتشكيكه في تاريخ القرآن الكريم، والذي ظل متقبّلًا كمصدر موثوق للتأريخ لظهور وبدايات الإسلام... فأضحى هذا الحقل -كما تقول أنجيليكا نويفرت- (فوضى ميئوس منها»)، وأصبح التشكيك المجاني في مجمل النظريات عن تاريخ الإسلام والقرآن سببًا لفراغ معرفي مريع، فتح بدوره الباب للعديد من الفرضيات المثيرة كما يقول شتيفان فيلد»[32].
ولنضرب مثالًا على ذلك بتعامل وانسبرو مع قصة جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه-؛ فإن نزعته التشكيكية أدّت به إلى الوقوع في العديد من الإيهامات، ورغم أن كتاب وانسبرو مليء بالتشكيك إلا أنّ تشكيكه في قصة جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- أمام النجاشي خلال هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة لخدمة نظرياته هو بحقّ -بالنسبة لي- أغرب ما قرأت في هذا الكتاب؛ إِذْ يزعم أنّ خُطبة جعفر أمام النجاشي هي دليل دامغ على تأثّر جعفر بتعاليم الرسل المسيحيين؛ فكيف له أن يعدّد محاسن الإسلام التشريعية في تلك المرحلة المكية رغم الاعتقاد السائد بأن القرآن المكي لم يتطرّق إطلاقًا إلى الأمور التشريعية؟! اللهم إلا أن كان قد اقتبس هذا من الكتاب المقدّس، وتمادَى به الظنّ حتى زعم أن سورة مريم سورة مدنية وليست مكية في محاولة لترسيخ تشكيكه في مرويات القصة برمّتها، ثم لم يتورّع أن يناقض نفسه، فزعم أن قصة جعفر قصة مختلَقة!
وفيما يأتي نُورد خطاب جعفر وَفق الرواية التي اختارها وانسبرو من سيرة ابن هشام لنردّ على ادّعائه ردًّا شافيًا. «قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمَن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة بنت أبي أميّة بن المغيرة زوج رسول اللَّه r، قالت: فكان الذي كلّمه جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال له: أيها الملِك، كنّا قومًا أهل جاهلية: نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار. يأكل القويُّ منّا الضعيف، فكنّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منّا، نعرف نسَبه، وصِدقه، وأمانته، وعفافه، فدَعانا إلى الله؛ لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمَرَنا بصِدق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلة الرحم، وحُسن الجوار، والكفّ عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمَرَنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمَرَنا بالصلاة والزكاة والصيام»[33].
ومن خلال النظر في الرواية نلاحظ ما يأتي:
أولًا: ليس في كلام جعفر -رضي الله عنه- ما يدعو للريبة؛ لأنه يتحدّث عن محاسن الإسلام العامة، ومعظمها محاسن أخلاقية لم تُوغِل في أيّ تفاصيل تشريعية مما ورد في القرآن المدني.
ثانيًا: الإشارة إلى بعض الأمور التشريعية كالصلاة والزكاة والصيام ليست بالأمر المستغرب؛ فهي تشريعات موجودة مع الإسلام منذ بدايته؛ وإنما نزلت فرضيتها وتفاصيلها التشريعية تباعًا وَفقًا لسنّة التدرُّج في القرآن. ودليلنا سورة المزمل، فهي من أوائل ما نزل من القرآن المكّي وموضوعها الرئيس (صلاة القيام). يقول -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 1- 4]، حتى نصِل إلى ختام السورة: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[المزمل: 20].
والصلاة والزكاة شُرِعَتا بمكة، والحديث عنهما في الآيات المكية كثير. قال ابن كثير -رحمه الله-: «قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ [المؤمنون: 4]، الأكثرون على أنّ المراد بالزكاة هاهنا زكاة الأموال، مع أنّ هذه مكية، وإنما فُرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة. والظاهر أن التي فُرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلّا فالظاهر أنّ أصل الزكاة كان واجبًا بمكة، كما قال تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141]»[34].
ويقول الطاهر بن عاشور في تفسير قوله تعالى من سورة لقمان -وهي سورة مكية-: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [لقمان: 4]: «و(الزَّكاة) هنا الصدقة، وكانت موكولة إلى هِمَم المسلمين غير مضبوطة بوقت ولا بمقدار»[35].
وكذا الأمر مع الصيام؛ إذ وردَ في حديث السيدة عائشة -رضي الله عنها- الذي رواه البخاري ومسلم: «أنَّ قُرَيشًا كَانَت تَصُومُ يَومَ عَاشُورَاءَ في الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بصِيَامِهِ حتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وقالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: مَن شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، ومَن شَاءَ أفْطَرَ»[36]. فلماذا نتّهم جعفرًا -رضي الله عنه- بتأثّره بالرُّسل المسيحيين وهو لم يخرج عن محاسن الإسلام في عصره المكي قيد أنملة؟!
ثالثًا: هناك روايات أخرى لقصة جعفر مع النجاشي، فقد جاء في دلائل النبوة للبيهقي: «قالوا: جاءنا به رجلٌ من أنفسنا قد عرَفْنا وجهه ونسَبه، قد بعثه اللهُ إلينا كما بَعث إلى الرسل من قبلنا، فأمرنا بالبِر والصِّدق والوفاء وأداء الأمانة، ونهانا أن نعبد الأوثان، وأمَرَنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به، فصدّقناه وعرفنا كلام الله تعالى، وعلمنا أن الذي جاء به من عند الله»[37]. لكن يبدو أن تلك الرواية لم توافق هوى وانسبرو؛ إِذْ لم يجد فيها بغيته كي يبث تشكيكاته.
رابعًا: دفع الإيهام:
أ- سورة مريم:
أمّا محاولة وانسبرو إيهامنا أنّ سورة مريم سورة مدنية لكي يرسّخ تشكيكاته فأمرٌ غير مقبول بالمرة؛ فهي سورة مكية بالإجماع. «قال القرطبي: وهي مكية بالإجماع. وهي تسعون وثماني آيات. وقال ابن كثير: وقد روى محمد بن إسحاق في السيرة، من حديث أمّ سلمة، وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود في قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة، أنّ جعفر بن أبي طالب -رضى الله عنه- قرأ صدر هذه السورة على النجاشيّ. وكان نزولها بعد سورة فاطر»[38].
ويستبعد الطاهر بن عاشور قول مقاتل بمدنية بعض آياتها فيقول: «وعن مقاتل: أنّ آية السجدة مدنية. ولا يستقيم هذا القول؛ لاتصال تلك الآية بالآيات قبلها، إلا أن تكون أُلحِقت بها في النزول، وهو بعيد»[39].
ثم إنّ سورة مريم بها من خصائص السور المكية ما يغني عن البيان؛ ففيها الحروف المقطعة، وسجدة التلاوة، والاهتمام بالأمور العقائدية، فلا يمكن أبدًا أن نسلّم لادعائك بمدنيتها.
ب- من مشكاة واحدة:
ويحاول وانسبرو أن يوظّف قول النجاشي: «إنّ هذا والذي جاء به عيسى ليَخرج من مشكاة واحدة» في خدمة مزاعمه بالاقتباس من الكتاب المقدس، ومعنى قول النجاشي لا يخفَى على مَن له أدنى عقل بأنه يقصد أنّ الإسلام دينٌ سماوي من لدن الله تبارك وتعالى، وبعثة محمد r ليست ببدع مِن الرسل مِن قبله.
ولو كان قول النجاشي -كما زعم وانسبرو- إشارة إلى التأثّر بالمسيحية والاقتباس منها لما ثار عليه قساوسته وبطارقته، ولكنهم لم يتحمّلوا قول المهاجرين بأنّ عيسى لا يعدو أن يكون عبدَ الله ورسولَه، وجدير بالذِّكْر أن وانسبرو لم يُشِر إلى تلك النقطة إطلاقًا، وتجاهلها تجاهلًا تامًّا؛ كي لا تعكّر عليه صفو تشكيكاته، فاكتفى بذِكْر مقاطع معيّنة دون غيرها من القصة وسهّل علينا مهمّة الردّ عليه.
3- طمس الهوية القرآنية:
ينكر وانسبرو أن يكون للقرآن الكريم أيّ هوية خاصّة به؛ سواءٌ في نصّه أو لغته أو مناهج تفسيره؛ فهو يحيل نصوصه إلى الكتاب المقدّس، وتفسيره إلى عمل حاخامات اليهود، ولغته إلى الآرامية أو السريانية. وفي النقاط الآتية نقد زعمه وتقويمه:
أولًا: النص القرآني.
أبدَى وانسبرو اهتمامًا كبيرًا بنصوص القصص القرآني، وبالأخصّ سورة يوسف -عليه السلام-، فبدأ بها الصفحة الأولى من كتابه، واختتم بها الحديث في آخر صفحاته؛ فهي في زعمه أحد أبرز الأدلة على اقتباس النصّ القرآني من الكتاب المقدّس، فقال بما فيه نصّه: «القصة القرآنية ليوسف هي بكلّ وضوح امتداد للتقليد المقدّس في جزء من خطابها التقديمي وإشاراتها. مثال: الآيات (24، 67، 77). وفي الواقع، كان من المفترض من الجماهير المنوطة بالنصوص الإسلامية أن توفّر التفاصيل المفقودة»[40].
إذن فهو يرى أن سورة يوسف قد نُقِلَت من الكتاب المقدّس مع بعض التفاصيل المفقودة التي كان يتوجّب على الأمة الإسلامية ألّا تغفل عنها خلال الاقتباس! ولذلك سيكون ردّنا عليه وتقويمنا من خلال نفس السورة الكريمة، فمع احترامنا الشديد لوانسبرو إلا أننا نرى أن الأمر ليس مجرّد تفاصيل مفقودة واختلاف سردي، بل هناك اختلافات (جوهرية) تجعل اقتباس القرآن الكريم من الكتاب المقدّس أمرًا شبه مستحيل؛ وَلْنَقُم الآن بمقارنة مختصرة بين النصّ القرآني والنصّ التوراتي ليتبين لك تهافت هذا الادّعاء وصِدق كلامنا:
أ- الخلافات العقائدية:
الرواية التوراتية | الرواية القرآنية |
- تقدح في عصمة الرسل عليهم السلام. أ- يوسف عليه السلام: ◈ تُظهِر يوسفَ في هيئة شخصٍ نمّام! «فأبلَغ يوسفُ أباه بنميمتهم الرديئة»[41]. وليس هذا فقط، بل ويستخدمه يعقوب في التجسّس على أبنائه! «اذهب واطمئنّ على إخوتك وعلى المواشي، ثم عُد وأخبرني عن أحوالهم»[42]. ◈ تُظهِر يوسف -عليه السلام- حالفًا بغير الله؛ فهو يحلف بحياةِ الفرعون! «وحياةِ فرعون إنكم لن تغادروا هنا حتى تأتوا بأخيكم الأصغر، وتثبتون بذلك صِدقكم» (التكوين: 42/ 15). وكأنما يوسف إِمّعة، يأكل على كلّ الموائد وإن كان ذلك على حساب دينه وعقيدته! ب- يعقوب عليه السلام: ◈ تُظهِر يعقوبَ في صورة الشخص الجازع، الساخط على قضاء الله وقدره: «فشقَّ يعقوب ثيابه، وارتدَى المسوح على حَقوَيْهِ، وناح على ابنه أيامًا عديدةً. وعندما قام جميع أبنائه ليُعَزُّوه أبَى أن يتعزَّى وقال: (إني أَمضِي إلى ابني نائحًا إلى الهاوية). وبكى عليه أبوه»[43]. فقال لهم أبوهم: «لقد أثكلتموني أولادي. يوسف مفقود، وشمعون مفقود، وها أنتم تأخذون بنيامين بعيدًا! كلّ هذه الدواهي حلّت بي!»[44]. | - تؤكد على عصمة الرسل عليهم السلام. أ- يوسف عليه السلام: ◈ تَصِف يوسف -عليه السلام- بالصدق، لا النميمة! ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ [يوسف: 46]. ﴿وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [يوسف: 51]. ب- يعقوب عليه السلام: ◈ تُظهِر صبرَ يعقوب -عليه السلام- وحُسْنَ ظنّه بالله عز وجل: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُستَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾[يوسف: 18]. ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87]. |
- بعيدة عن قضية التوحيد. تبدو الرواية التوراتية بعيدة كلّ البعد عن الاتصال بالله عز وجل. ● تركز على النواحي الدنيوية، ولا تتعرّض لذِكْر الآخرة إطلاقًا. ● أهملت دعوة يوسف لصاحبي السجن، ولم تُشِر إلّا إلى أمرِ أحلامهما فقط[45]. ● تجاهلَت وصيةَ يعقوب لأبنائه (بالتوحيد) عند وفاته، وتناولت الموضوع بصورة دراما سردية Narrative drama: فيعقوب -عليه السلام- لم يوصِ أبناءه بالتوحيد عند وفاته، وإنما جمعهم حوله ليخبرهم بأنباء الغيب مما سيحدث لهم في المستقبل. «ثم استدعى يعقوب أبناءه، وقال: (التفُّوا حولي لأنبئكم بما سيحدث لكم في الأيام المقبلة)»[46]. وكانت وصية يعقوب الوحيدة لأبنائه أن يدفنوه بجوار آبائه: «ثم أوصاهم قائلًا: (قريبًا أنضَمُّ إلى آبائي، فادفنوني إلى جوارهم في مغارة حقل عِفرون الحِثِّيِّ)»[47]. «ولما فرغ يعقوب من توصية أبنائه تمدد في سريره، وضم رجليه معًا، ثم أسلمَ روحه ولَحِق بآبائه»[48]. | - مرتبطة بقضية التوحيد. تبدو الرواية القرآنية متصلة بالله -عز وجل- اتصالًا وثيقًا من خلال: ● أسماء الله تعالى وصفاته: ﴿إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [يوسف: 6]. ﴿وَأَسَرّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [يوسف: 19]. ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ [يوسف: 34]. ﴿فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [يوسف: 66]. ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 76]. ﴿فَلَن أَبرَحَ الأَرضَ حَتّى يَأذَنَ لي أَبي أَو يَحكُمَ اللَّهُ لي وَهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ﴾ [يوسف: 80]. ﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يوسف: 98]. ● اهتمام يوسف -عليه السلام- بالدعوة إلى الله -حتى في أحلك الظروف-، وعرض قضية التوحيد. ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 39- 40]. تناولت سورة البقرة حرص يعقوب -عليه السلام- على وصية أبنائه بالتوحيد عند وفاته، فقالت: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 133]. |
ب- الخلافات الغائية:
الرواية التوراتية | الرواية القرآنية |
غائية القصة: قصة يوسف في الرواية التوراتية تبدو أشبه بدراما تاريخية أو سيرة ذاتية، تتناول قصة حياة أب مكلوم وأخ ظلمه إخوته. ويتبين ذلك من خلال خاتمة القصة: - فتُظهر حزن يوسف على وفاة أبيه بصورة درامية: «فألقَى يوسف بنفسه على جثمان أبيه، وبكى وقبَّله، ثم أمر يوسف عبيده الأطباء أن يحنِّطوا أباه»[49]. ثم تستكمل السيرة الذاتية ليوسف -عليه السلام- فتقول: «وأقام يوسف في مصر هو وأهل بيت أبيه. وعاش يوسف مئة وعشر سنين، حتى شهد الجيل الثالث من ذرية أفرايم، وكذلك أولاد ماكير بن منسَّى الذين احتضنهم عند ولادتهم»[50]. | غائية القصة: قصة يوسف -عليه السلام- في الرواية القرآنية تبدو أشبه بقضية وعظية متمركزة على جوانب عقائدية وأخلاقية. ويتبين ذلك من خلال خاتمة القصة في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [يوسف: 111]. |
ومن هنا يتبين لنا أن أمر (التفاصيل المفقودة) الذي ادّعاه وانسبرو ليس صحيحًا؛ إنّ هناك معالم خاصة تميز الرواية القرآنية مهما حاول وانسبرو وتلامذته إنكارها، فافتقاد التفاصيل كان مقصودًا؛ لأنّ الرواية القرآنية تكتفي بالجوانب العقائدية والأخلاقية، ولا تهتم بالتفاصيل الفارغة التي لن تخدم أغراضها، وهي سمة عامة في القصص القرآني، ولنوضح ذلك بمزيد من الأمثلة:
ج- أمثلة من الخلافات السردية:
الرواية التوراتية | الرواية القرآنية |
تهتم كثيرًا بالتفاصيل، بما يشبه الرواية التاريخية. ● ذكَرَت اسم عزيز مصر (فوطيفار)[51]. ● ذكرَت أسماء إخوةِ يوسف وأبنائِهم نفرًا نفرًا. «وهذه أسماء أبناء إسرائيل الذين قَدِموا معه إلى مصر. يعقوب وأبناؤه: رَأُوبين بِكر يعقوب. وأبناء رَأُوبين: حَنوك وفَلُّو وحَصرون...»[52]. ● تطرقت إلى زواج يوسف من أَسْنَات بنت فوطيفارَع كاهن أُونَ، والتي أنجبت له ولداه: مَنسَّى، وأَفْرَايِم[53]. | لا تهتم بالتفاصيل، وإنما تركز على الأحداث الجوهرية. ● اكتفت بالإشارة إلى عزيز مصر بصفته (العزيز). ● اكتفت بالإشارة إلى إخوة يوسف بوصفهم (إخوة يوسف) دون ذكر أسماء. ● لم تتطرّق إلى الحديث عن زواج يوسف إطلاقًا. |
ثم إنّ الرواية التوراتية لم تخلُ من تناقضات ظاهرة للعيان، في حين أنه لم تَشُب الرواية القرآنية أدنى شائبة.
د- تناقضات:
الرواية التوراتية | الرواية القرآنية |
1- تَصِف الرواية التوراتية الجماعة التي باعت يوسف في مصر بأنهم (مِديَانيّون) ثم تعود لتذكر أنهم (إسماعيليون)! «وباع المديانيون يوسف في مصر لفوطيفار كبير خدم فرعون، رئيس الحرس» (التكوين: 37/ 36). «وأخذ الإسماعيليون يوسف إلى مصر، فاشتراه منهم مصريّ يُدعى فوطيفار، كان خصيّ فرعون ورئيس الحرس» (التكوين: 39/ 1). 2- أنه لما أرسل يعقوب أبناءه إلى مصر أثناء المجاعة لإحضار القمح والطعام، أمرهم بأخذ هدية إلى العزيز، ويا للمفاجأة! فإنّ الهدية كانت مجموعة من أشهى وأغلى الأطعمة! فكيف يُعقَل أنّ هؤلاء القوم في مجاعة! «فقال لهم أبوهم: (إن كان لا بدّ من ذلك فافعلوا، وخذوا معكم هدية للرجل، واملَؤُوا أوعيتكم من أحسن ما تنتجه الأرض، وقليلًا من البَلَسَان والعسل والتوابل والفستق واللوز)» (التكوين: 43/ 11). | لا توجـــــد تناقضــــــــــــــــات |
فانظر إلى الفارق بين الروايتين واحكم بنفسك! ثم تفكّر في حال محمد الرجل الأمّي، الذي لم يكن له يومًا معلِّم، ولم يكن امرءًا رحّالًا، وإن كان هنالك ثمة أُسس مشتركة فهي من قبيل القصص الإلهي المبثوث في الكتب السماوية كلّها، فعن أيّ اقتباسٍ يتحدّث وانسبرو؟! ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 4].
ثانيًا: المناهج التفسيرية:
لم تقتصر اتهامات وانسبرو بالاقتباس من الكتاب المقدس على النصّ القرآني فقط، وإنما تبعها تشكيكه في المناهج التفسيرية للنصوص الإسلامية، فنجده يحاول عبثًا تطويع بعض كتابات المفسِّرين المتقدمين لمناهج التفسير اللاهوتية: الهالاخي، والهاجادي، والماسوراتي. وقد قامت ادّعاءاته تلك على مبدأين، أولهما: لَيّ عنق العلوم الإسلامية، وثانيهما: الانتقائية الاختزالية.
فأمّا عن لَيّ عنق العلوم الإسلامية فذلك بزعم مماثلة القواعد الأصولية الإسلامية بعمل رجالات اليهودية، كتشبيه تطبيق عمر -رضي الله عنه- لحدّ الرجم بقصة سوسنة العفيفة، وادّعاء أن قاعدة المحكم والمتشابه منحولة من سِفريّ عِزرا ونحميا، أو أنّ تأويل الصفات لدى بعض الطوائف الإسلامية مشابه لعمل رجال الدين المسيحي مع الذات الإلهية! رغم أن البَون شاسع وظاهر للعيان في الفارق بين عقيدة التثليث لدى المسيحيين واستخدام المجاز لتأويل الصفات لدى بعض المسلمين! ثم إنّ الكاتب لم يكلّف نفسه بيان أوجه المماثلات المزعومة؛ معتمدًا على ثقة عموم القرّاء الغرب في كلامه! فإذا ما انبرى أحدهم للبحث في هذا الكلام اكتشف أن المماثلة مجرد سراب! هذا بالإضافة إلى الطعن في تلكم العلوم الإسلامية، وبالأخصّ علميّ أسباب النزول والإسناد؛ فلا يوجد لدى وانسبرو أسهل من توزيع الاتهامات!
وأمّا عن الانتقائية الاختزالية فقد اكتفَى وانسبرو في استدلالاته على كتابات تفسيرية معيّنة دون غيرها، صادفَت هواه وأَمِلَ أن يجد فيها بُغيته، متجاهلًا أطوادًا شامخة من المصادر التفسيرية الأخرى؛ فاعتمد على رواة الإسرائيليات كمحمد بن السائب الكلبي ومقاتل بن سليمان؛ والكلبي متّهم بالكذب معروفٌ بسَبئيته، وأمّا مقاتل فمجروح، يقول الشيخ الذهبي عن تفسيره: «وقد قرأتُ في هذا التفسير فرأيته قد حوى كلَّ غريب وغريبة، ووجدت فيه قصصًا إسرائيلية فيها باطل كثير، ولم أجده يروي ما يذكره من ذلك ولا من غيره مسندًا، اللهم إلا في مواضع قليلة يكون إسناده فيها -غالبًا- إلى رجال متهمين بالكذب ووضع الأحاديث»[54].
واستشهد أيضًا لمزاعمه بتفاسير المعتزلة والشيعة والصوفية: كتفسير الزمخشري، والقمي، والتستري، فتتبّع كلّ قول غريب كغرابة ادّعاءاته، متجاهلًا مرويات أهل السنّة والجماعة وأئمة المفسِّرين.
ومن العجيب أن الأمر لم يخلُ من نظرة كولونيالية تستبعد أن يكون للمسلمين مناهج تفسيرية خاصة بهم، لكن الأعجب أنه لم ينسَ عادته، فنقض نفسه بنفسه؛ ليقول أنّ مناهج التفسير اللاهوتية غير متسقة مع النصّ القرآني[55]!
ثالثًا: لغة القرآن:
والمقصود هنا هو طعن وانسبرو في عربية القرآن، فيستمر في رمي الاتهامات الجزافية، ويعمل بتكلّف شديد على إيجاد جذور عبرية وآرامية لكلمات القرآن للطعن في عربيتها. ومثال ذلك تعامله مع كلمة (إسلام)، والتي ربطها من خلال تحليله الفيلولوجي بتاريخ الخَلاص المسيحي!
Islam = peace = berit = Shalom = Salvation!
وأنكر أن يكون للقرآن أيّ تأثير على اللغة العربية الفصحى، ومحاولة وانسبرو ترويج هذا الادّعاء كمحاولته إطفاء الشمس؛ يقول المستشرق ألفونس دينيه[56]: «لقد حقّق القرآن معجزة لا تستطيع أعظم المجامع العلمية أن تقوم بها، ذلك أنه مكّن للغة العربية في الأرض بحيث لو عاد أحد أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلينا اليوم لَكان ميسورًا له أن يتفاهم تمام التفاهم مع المتعلِّمين من أهل اللغة العربية، بل لَما وجد صعوبة تُذكر في التخاطب مع الشعوب الناطقة بالضاد، وهذا عكس ما يجده مثلًا أحد معاصري (رابيليه) من أهل القرن الخامس عشر الذي هو أقرب إلينا من عصر القرآن من الصعوبة في مخاطبة العدد الأكبر من فرنسيّي اليوم»[57].
حتى بروكلمان[58] التي جاءت بعض نظرياته بما يخالف عقائد الإسلام لم يستطع أن يغفل تلك الحقيقة، فقال في كتابه تاريخ الأدب العربي: «بفضل القرآن بلغَت اللغة العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أيّ لغة أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعًا مؤمنون بأنّ اللغة العربية هي وحدها اللسان الذي أحلّ لهم أن يستعملوه في صلواتهم، وبهذا اكتسبت العربية منذ زمان طويل مكانة رفيعة فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى التي تنطق بها شعوب إسلامية»[59].
على أنّ وانسبرو لم يكتفِ بذلك وإنما رفض مصطلح «فصاحة الجاهلية»، وعدّه مجرد خرافة أو خيال، وطعن في الشِّعر الجاهلي، متمسكًا في ذلك بأقوال مرجليوث وأشياعه، وغاضًّا الطرف عن سلسلة كبيرة من الأبحاث الاستشراقية المنتصرة للأدب الجاهلي؛ كأبحاث آرثر آربري، وفلهلم ألفرت، وتشارلز ليال، وأوجست فيشر وغيرهم، وكلّ ذلك من أجْلِ أن يطعن في شاهد الإثبات على بلاغة القرآن وإعجازه. يقول الدكتور صلاح الخالدي -رحمه الله-: «فإذا نفَى هؤلاء الشِّعْر الجاهلي فقد نفوا بلاغة العرب الجاهليين وبيانهم، وإذا لم يكن العرب متقدمين في البيان فكيف يتحداهم القرآن أن يأتوا بكلام مثله في البيان؟ وكيف يطلب منهم أن يأتوا بما لم يتقنوه ولم يعرفوه؟ إنّ القرآن يكون -في هذه الحالة- قد تحدّى مَن ليسوا أهلًا للتحدي، وأعجزَ مَن ليسوا في مستوى التحدي والمعاجزة، فلا فضل له في معاجزتهم، ولهذا فهو غير معجز، وإذا لم يكن معجزًا فهو ليس من عند الله!»[60].
4- إثارة الشبهات الميتة:
بالإضافة إلى الصعوبات والغموض فقد اعتمد كتاب وانسبرو أيضًا على إثارة الشبهات الميتة التي قُتِلَت بحثًا وردًّا، ومِن أبرز تلك الشبهات التي تمسّك بها وانسبرو هو ادّعاء وجود خطأ نحوي في قوله تعالى: ﴿قَالُوا إِن هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ [طه: 63] على قراءة التشديد (إِنَّ) لكلٍّ مِن: نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وشُعبة عن عاصم، رغم أن الردّ عليها مبثوث في كتبٍ مختلفة على مدار تاريخ الإسلام! مِن أول كتاب سِرّ صناعة الإعراب لابن جني ونُكت الانتصار لنقل القرآن للباقلاني -والذي بالمناسبة استشهد بكثير من آرائه في الفصل الأخير من كتابه- وحتى التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، إلا أنه غفل عنها جميعًا وتشبث بشُبهته!
كذلك في استخدامه حديث العرنيين[61] لإثارة شُبهة النهي عن المُثلة والتعارض مع نصّ القرآن؛ فقد ردّ عليها ابن القيم في زاد المعاد، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري، حيث قال: «ومال جماعة منهم ابنُ الجوزي إلى أنّ ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص، لما عند مسلم من حديث سليمان التيمي عن أنس: (إنما سمَل النبي r أعينهم؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة)»[62].
5- نظرة كولونيالية:
إنّ النظرة الكولونيالية الاستعلائية الحديثة هي التي دفعت الكثير من المستشرقين -وبالأخصّ أصحاب المذهب التنقيحي- إلى تصديق أنّ بإمكانهم إقناع جماهير المسلمين بالتخلّي عن تاريخ طويل من المعارف الإسلامية والتسليم إلى إملاءاتهم لمجرّد أنّ للغرب تفوقًا حضاريًّا في العصر الحالي؛ «فلا مشكلة لديهم في تلفيق روايات تاريخية لا أساس لها من الصحة ولا ينهض دليل عليها، وإلا فهو دليل مجتزأ، ولا يلتفتون لهذا الطود الشامخ من الدراسات، فهي عندهم وَهْمٌ وخداعٌ منبثقٌ عن عقيدة دينية أو مؤامرات كونية أو على أحسن حال فقدان للذاكرة طال جميعَ المسلمين بلا استثناء!»[63]، فهم يُمْلُون عليهم تاريخهم ويضربون بمروياتهم وعلومهم وكتبهم عرض الحائط، وكأنما قد جاؤوا لإنقاذهم من براثن هذا النيزك الذي ضرب أدمغتهم فأفقدهم الوعي عن حقائق لغتهم وتاريخهم وعقيدتهم!
فوانسبرو يؤلّف تاريخًا كاملًا لنشوء أمة الإسلام، فيشكّك في الكتابات الإسلامية المبكّرة، ويروّج لفرضيات يحطم بها النصّ القرآني وعلوم القرآن والسيرة النبوية دون أدنى أدلة علمية، ويتهم لجنة عثمان بالتحريف، وأن أيّ قداسة أُضيفت إلى نصوص القرآن فقد جاءت بتاريخ متأخِّر تحت غطاء سياسي واجتماعي لحماية جماهير المجتمع الإسلامي من الانفلات، وحتى اللغة العربية لم تَسلم منه، فشكّك في الشعر الجاهلي وأوجُه الإعجاز، ولم ينقص إلا أن يشكّك في وجود أمة الإسلام نفسها!
يقول جوزيف لمبارد[64]: «أثبت هارالد موتسكي أن جون وانسبرو (1928- 2002) حين واجَه الأحاديث التي تدحض نظريته بشأن جمع القرآن، وقوله أنّ الآثار والمرويات الواردة في هذا الشأن لم تظهر إلّا في القرن الثالث الإسلامي؛ لجأ إلى إعادة كتابة التاريخ بما يتّفق مع نظريته لينفي نسبة هذه المرويات إلى أصحابها، ويثبتها للتلاميذ بدلًا من الشيوخ أو حتى لأجيال لاحقة، وذلك بدلًا من تصويب نظرياته. كما ظهر لبعض الوقت اتجاه داخل الدراسات العلمية يرى أن الشِّعر الجاهلي نشأَ في الخلافة العباسية، أمّا الكتابات الحديثة التي دحضت تلك النظريات على يد آربري وعرفان شهيد وآخرين فيغضّون الطرف عنها ويمرون عليها مرّ الكرام»[65].
والنظرة الكولونالية تلك ليست مجرّد اتهام جزافي منّا؛ فالكاتب لم يتورّع أن يظهرها -بل ويفاخر بها- في مقدّمة كتابه، حين قال بكلّ غرورٍ وعناد: «لا يوجد ما يجبرني على الاعتذار عن طبيعة الافتراضات الخاصة بمجهوداتي في ترسيم أصول الإسلام»[66]؛ فهو لم ولن يُذعِن لأيّ دليلٍ علمي، ولن يتراجع عن آرائه مهما بَانَ عوارها.
6- فيلولوجية التكرار وزعم تنافر الموضوعات:
يقول وانسبرو في الصفحة الثانية من كتابه: «أنّ للنصّ القرآني طابعًا تكراريًّا والذي بدوره يشير إلى: إمّا فترة طويلة من النقل الشفوي، أو إلى سلسلة أصيلة من الموضوعات غير المترابطة، أو كليهما معًا»[67].
وادعاؤه هذا ليس بالأمر الغريب، فقد تعامل وانسبرو مع النصّ القرآني بأسلوب فيلولوجي تفكيكي، فاختزله إلى مجرّد (مفردات لغوية) منعزلة عن سياقها، ولم يكتفِ بذلك وإنما عزا هذه المفردات العربية إلى لغاتٍ ساميةٍ أخرى؛ في محاولة لإثبات مزاعمه بالاقتباس من الكتاب المقدّس، فإذا به يقول أنّ أغلب كلمات غريب القرآن ليست عربية، وضرب مثالًا لذلك بكلمة (صمد) من سورة الإخلاص! ولذلك لا غرو أن نجد في النهاية ترويجه القائل بأن القرآن نصّ غير مترابط وموضوعاته متنافرة حسَب مزاعمه.
وردّنا عليه سيكون من خلال ثلاث نقاط، كالآتي:
أ- إقرار التكرار:
لماذا يظنّ وانسبرو أنه أتانا بأمر جديد حين أشار إلى طابع القرآن التكراري؛ فالنصّ القرآني بنفسه يقول: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: 23]. «(ومَثاني) هنا: جمع مُثَنَّى بضم الميم وبتشديد النون جمعًا على غير قياس، أو اسم جمع. ويجوز كونه جمع مَثْنَى بفتح الميم وتخفيف النون وهو اسم لجعل المعدود أزواجًا؛ اثنين اثنين، وكِلا الاحتمالين يطلق على معنى التكرير. كني عن معنى التكرير بمادة التثنية لأنّ التثنية أول مراتب التكرير، كما كني بصيغة التثنية عن التكرير في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ [الملك: 4]، وقول العرب: لبيك وسعديك، أي إجابات كثيرة ومساعدات كثيرة... وهذا يتضمّن امتنانًا على الأمة بأنّ أغراض كتابها مكرّرة فيه لتكون مقاصده أرسخ في نفوسها، وليسمعها مَن فاته سماع أمثالها من قبل. ويتضمّن أيضًا تنبيهًا على ناحية من نواحي إعجازه، وهي عدم الملل من سماعه وأنه كلّما تكرّر غرض من أغراضه زاده تكرره قبولًا وحلاوة في نفوس السامعين»[68].
فنعت القرآن بوصف التكرار ليس بتهمة، بل هو أحد مظاهره الجمالية، يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: «فإنه تعالى، لمّا علم احتياج الخلق إلى معانيه المزكية للقلوب، المكملة للأخلاق، وأنّ تلك المعاني للقلوب، بمنزلة الماء لسقي الأشجار، فكما أنّ الأشجار كلّما بَعُد عهدها بسقي الماء نقصت، بل ربما تلفت، وكلّما تكرّر سقيها حَسُنَت وأثمرت أنواع الثمار النافعة، فكذلك القلب يحتاج دائمًا إلى تكرر معاني كلام الله تعالى عليه، وأنه لو تكرر عليه المعنى مرة واحدة في جميع القرآن، لم يقع منه موقعًا، ولم تحصل النتيجة منه؛ ولهذا سلكتُ في هذا التفسير هذا المسلك الكريم؛ اقتداء بما هو تفسير له، فلا تجد فيه الحوالة على موضع من المواضع، بل كلّ موضع تجد تفسيره كامل المعنى، غير مراعٍ لما مضى مما يشبهه، وإن كان بعض المواضع يكون أبسط من بعض وأكثر فائدة، وهكذا ينبغي للقارئ للقرآن، المتدبر لمعانيه، أن لا يدع التدبّر في جميع المواضع منه، فإنه يحصل له بسبب ذلك خير كثير، ونفع غزير»[69].
ب - من وجوه الإعجاز:
والتكرار ليس بمجرد مذهب جمالي في النصّ القرآني وإنما هو أحد وجوه الإعجاز في القرآن الكريم؛ فإنه رغم تكرار المعنى الواحد إلا أنه أتى بأساليب مختلفة وصيغٍ متعددة، ومع ذلك فقد وقفت قريش منه موقف المتفرج ولم تستطع مجاراة النصّ القرآني في أيٍّ من أساليبه.
ثم ألا ترى أنه رغم طابع معانيه التكراري إلا أنه محبَّبٌ للنفس مألوفٌ للسمع؟ وقد عدّ القاضي عياض ذلك من وجوه الإعجاز، فقال: «قارِئهُ لا يَمَلُّهُ، وسَامِعهُ لَا يَمُجُّه، بَلِ الإِكْبَابُ على تِلاوَتِهِ يَزِيدُهُ حَلاوَةً، وَتَرْدِيدُهُ يُوجِبُ لَهُ مَحَبَّةً، لا يَزَالُ غَضًّا طَرِيًّا، وَغَيْرُهُ مِنَ الكَلامِ وَلَوْ بَلَغَ فِي الحُسْنِ وَالبَلاغَةِ مَبْلَغَهُ يُمَلُّ مَعَ التَّرْدِيدِ وَيُعَادَى إِذَا أُعِيدَ، وَكِتَابُنَا يُسْتَلَذُّ بِهِ فِي الخَلَوَاتِ، وَيُؤْنَسُ بِتِلاوَتِهِ فِي الأَزَمَاتِ، وسِوَاهُ مِنَ الكُتُبِ لا يُوجَدُ فيها ذلك، حتى أحدث لها أَصحابُهَا لُحُونًا وَطُرُقًا يَسْتَجْلِبُونَ بِتِلْكَ اللُّحُونِ تَنْشِيطَهُمْ على قراءتها؛ ولهذا وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القُرْآنَ بِأَنَّهُ لَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عِبَرُهُ وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، هُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ لَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ وَلَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، هو الذي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ حِينَ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾»[70].
وهذا الاجتماع على محبّة صوت القرآن يستوي فيه العالم والجاهل والحاضر والباد؛ فقد أحبّ سماعه رسول الله r حتى قال لعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: «اقرأ عليّ، فقال: يا رسول الله، اقرأُ وعليك أُنزِل؟! قال: نعم، إني أحبُّ أن أسمعه من غيري»[71]. ولم يستطِع صناديد قريش منع أنفسهم من استراق السمع إليه والتلذّذ بجمال آياته. روى ابن إسحاق أنّ أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شريق خرجوا ليلةً ليستمعوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كلّ رجل منهم مجلسًا يستمع فيه، وكلٌّ لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا. فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كلّ رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له. حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كلّ رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد ألّا نعود، فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرّقوا... فلما أصبح الأخنس بن شریق أتى أبا جهل في بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعتَ من محمد؟ فقال: ماذا سمعت! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الرُّكَب، وكنّا كفرسَي رهان، قالوا: منّا نبيّ يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه! والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدّقه. فما منعتهم إلا العصبية كما ترى[72].
بل ويستوي في ذلك العربي والأعجمي؛ فإنّ كثيرًا من الأعاجم وهم لا يفقهون العربية ولا ينطقون بها يجدون راحتهم في سماع القرآن، ويستشعرون اللّذة والسكينة والأمان في صوته المألوف من غير أن يفهموا معانيه، فما بالك إذا اجتمع إلى حلاوة الصوت جمال المعاني؟! وقد كانت الأنظمة الموسيقية للقرآن وتضافر حروفه في أبنيته الصوتية سببًا في إسلام الكثيرين من غير الناطقين باللغة العربية، وقد عرض لنا الشيخ فهد الكندري -جزاه الله خيرًا- أمثلة لهؤلاء في برنامجه الشهير (بالقرآن اهتديت)، فنجد آدم الذي نشأ مع أمّه الإنجليزية وزوجها في بيت كاثوليكي بليفربول يشدّ انتباهه كلمة (الحقّ) المتكرّرة بكثرة في القرآن الكريم، ويستفزّ مشاعرَه بناؤها الصوتي، خصوصًا عند وقوف الإمام عليها بالقلقلة الكبرى على القاف المشددة، فتهز كيانه وتثير آماله دون أن يدرك معناها! وحينما سأل أصدقاءه المسلمين عن معنى تلك الكلمة التي لصقت بذِهْنه وسَمْعه أخبروه أن معناها Truth فتيقّن حينها بأنه الدّين الحقّ، وأقرّ بعظمة هذا الكتاب، وكيف أنّ قِشرته الصوتية خير سفير لجوهر معانيه، وأسلم[73].
وكذا كان الحال مع الموسيقيّ الإنجليزي الشهير رحيم جونغ الذي انبهر بتلاوة الشيخ سعد الغامدي لآيات سورة الفجر، يقول: «أسَرَتْنِي الآيات فقط بنغمة الترتيل، وعندما بدأت أقرأ وأفهم المعنى أسَرَتْنِي بكلّ جوانبها»[74]، ...وهو الخبير بعالم الموسيقا ودقائقها[75].
فنصٌّ هكذا وَصْفُه وتأثيرُه في النفوس كيف يُعقَل أن يُرمَى بتهمة التنافر؟!
والأدلة كثيرة إلا أنّ المقام لا يسع التوسّع أكثر من ذلك وإلا خرجنا عن موضوعنا الرئيس؛ ولمن أراد المزيد فعليه بالاطلاع على رسالة الإمام الخطابي في إعجاز القرآن وكتاب النبأ العظيم للدكتور محمد عبد الله دراز؛ فإنّ فيهما من البيان ما يُغنِي عن غيرهما.
ج- التفسير الموضوعي وعلم المناسبات يدحضان الاتهام:
ولو افترضنا صِدق دعوى وانسبرو في تنافر موضوعات وآيات النصّ القرآني، فمِن أين نشأ علم المناسبات؟! وكيف يمكن أن تترابط آيات وسور القرآن إذا كانت متنافرة؟! وقد أُلِّفَ في هذا العلم العديد من المؤلّفات، منها: البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن - للغرناطي (ت: 708هـ)، ونظم الدرر في تناسب الآيات والسور - للبقاعي (ت: 885هـ)، وتناسق الدرر في تناسب السور - للسيوطي (ت: 911هـ)، بالإضافة إلى مؤلّفات العلماء المتأخرين، إلا أن وانسبرو تجاهل كلّ هذا مثلما تجاهل سائر المصادر الإسلامية.
ثم يأتي بعد ذلك التفسير الموضوعي -وهو منهج تفسيري حديث نسبيًّا- كدليل على كذب دعوى وانسبرو وأتباعه، ومؤكّدًا على ترابط الوحدات الموضوعية للنصّ القرآني والتي تخدم المقصد العام للقرآن الكريم.
7- النظرة الانتقائية:
الحقيقة أن الكتاب مليء بالتناقضات الفجّة، وقد ذكرتُ طرفًا منها في النقاط السابقة، ولكن أشدّ ما لفت انتباهي هي النظرة الانتقائية لدى وانسبرو، فرغم انطلاق مذهبه من قاعدة التشكيك في كلّ شيء إلا أنه لم يشكّ ولو للحظة في نظرياته وآرائه، وقد بدا ذلك واضحًا في مقدمة كتابه التي أعلن فيها بكلّ بوضوح أنه لا شيء يجبره على التراجع أو الاعتذار!
بالإضافة إلى الانتقائية في التعامل مع علوم التراث ونصوصه، فوانسبرو مثلًا طوال صفحات كتابه يؤكد على رفضه لعلم الجرح والتعديل، حتى إذا ما وافق هواه أخذ به! ففي خضمّ معركته لهدم علم أسباب النزول وترك الاعتداد به لم يتورّع أن يخبرنا أنّ (الوليد بن محمد المقري) -أحد تلامذة الزهري- متروك الحديث؛ فقط لكي يشكّك في كتاب (تنزيل القرآن) للإمام ابن شهاب الزهري[76].
كذلك فقد سار من بداية كتابه إلى منتهاه على مبدأ نقض المنهج التاريخي، لكن ذلك لم يمنعه من الاستعانة ببعض روايات التاريخ الإسلامي للاستدلال على نظرياته! فنجده يستخدم قصة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع صبيغ للاستدلال على منع الصحابة للتفسير، ويشير في مواضع أخرى إلى ترك ابن إسحاق للمدينة لخلافه مع الإمام مالك، وكذلك اتهام ابن المقفع بالزندقة، والسؤال هنا: أليست تلك مرويات تاريخية إسلامية؟ لماذا استعنت بها وأنت تنقض منهجها؟! يبدو أنّ أحدًا لا ينبغي له طرح مثل هذا السؤال؛ لأن المؤلِّف لن يتراجع ولن يعتذر!
إنّ الاعتمادَ على مبادئ مطاطة -نأخذ بها إذا وافقَتْنا ونهدمها إذا خالفَتْنا- أمرٌ مؤسف في مجال البحث العلمي، والأكثر أسفًا أن يُروَّج لمثل هذه الأبحاث في أوساط الاستشراق العلمية.
8- تخلّف الدليل عن المدلول:
إذا ما سلّمنا لمقدمات مبدأ وانسبرو الفيلولوجي بتشابه ألفاظ النصّ القرآني مع ألفاظ الكتاب المقدّس سنجد تخلّفًا للدليل عن مدلوله وفسادًا للنتائج، فلماذا لا يكون مترجمو الكتاب المقدّس هم من اقتبسوا من لغة القرآن الكريم؟ أو أنّ مفسِّري اللاهوت قد تأثّرت مناهجهم بالفكر الإسلامي؟ وهو أمر غير مستبعد إطلاقًا، وخصوصًا أنّ أول نسخة عربية من الكتاب المقدّس لم تظهر إلا قبل نهاية القرن الثاني الهجري، أي بعد استتباب أمر الإسلام وانتشاره في أغلب ربوع الأرض، ونحن نرى أن أول ترجمة قد نشأت تحت ظلال الأندلس على يد يوحنا أسقف أشبيلية، وأمّا حبرهم الأعظم موسى بن ميمون -أو كما يسمّونه (رمبام)- صاحب (مشناه توراة)، فقد عاش في بلاط الدولة الإسلامية، وتأثره بالفلسفة الإسلامية غير خافٍ على أحد، لدرجة أن الشيخ مصطفى عبد الرازق -شيخ الجامع الأزهر السابق- قد عدّه أحد فلاسفة الإسلام.
9- أسطورة تأخّر التدوين:
طيلة صفحات الكتاب يحاول وانسبرو إقناعنا بفرضيته التي تقول أنّ القرآن لم يظهر إلا أواخر القرن الثاني الهجري، وأنّ تدوين النصّ القرآني احتاج إلى فترة ما بين 200- 300 عام من الجمع والتعديلات والتنقيح حتى يستقر بصورته النهائية التي بين أيدينا.
وهنا يدور في خَلَدِنا تساؤل: لماذا حدّد وانسبرو تلك الفترة ما بين مائتي إلى ثلاثمائة عام فقط؟ لماذا لم تكن مثلًا مائة عام؟ أو تطول قليلًا ليمتدّ التحريف إلى أربعمائة أو خمسمائة عام؟ وهنا نجد أنه لم يكن ليدفعه إلى التقيد بتلك الفترة إلا لأنّ أول نسخة عربية من الكتاب المقدّس لم تظهر قبل نهاية القرن الثاني الهجري؛ فمِن أين لأمّة العرب الأمية أن تفهم الكتاب المقدّس أو تقتبس منه بلغته اللاتينية؟! ولذلك آثر أن يربط ادّعاء الاقتباس بتلك الفترة الزمنية حتى يجد رواجًا لادعائه بين جماهير وملحدي الغرب، وهو السبب نفسه الذي دفعه إلى تأليف تاريخ جديد للمسلمين يتناسب مع أسطورة تأخّر التدوين التي يتبنّاها.
وفي اعتقادي أنه لم يستطع إطالة تلك الفترة المزعومة إلى أكثر من ثلاثمائة عام كي ما يزيح عن عاتقه حِمل تأليف تاريخ كامل لأمّة الإسلام منذ نشوئها وحتى قرونها المتأخرة، فاضطرّه جفاف القريحة ونضوب المخيلة إلى وضع نقطة النهاية لأسطورته بظهور أول نسخة عربية من الكتاب المقدس!
وبالنسبة للمتشبّثين بالدلائل المادية فنقدّم إليكم مخطوطة جامعة توبنجن الألمانية الناسفة لأسطورة تأخّر التدوين؛ إذ اعتُبِرَت بمثابة دليل قاطع على استقرار أمر النصّ القرآني شفويًّا وكتابيًّا في فترة مبكّرة من تاريخ الإسلام، «والتي أُعلن عنها رسميًّا في نوفمبر 2015، وكان العلماء قد عثروا على نسخة من المصحف هي أقدم مما كان يُعْتَقَد في بداية اكتشافها، وأتت دراستها ضمن المشروع العالمي Corpus Coranicum، وهو أحد أكبر المشروعات الاستشراقية لدراسة القرآن الكريم بالتعاون بين الأكاديمية الفرنسية بباريس والأكاديمية الألمانية ببرلين، ليفاجئوا بأنها تعود إلى عصر صدر الإسلام، حيث أثبتَت الأبحاث المعملية بالكربون المشعّ على عيّنات من جلد المخطوطة أنها تعود إلى الفترة ما بين عامي 649- 675م، أيْ بعد أقلّ من عشرين سنة من وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبقراءة هذه الفترة الزمنية فإنه يُحْتَمَل أنها قد كُتِبَتْ على عهد أحد الصحابِيَّيْن الجليلَيْن؛ عثمان بن عفان، أو عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، مما عرّض وانسبرو وأنصاره إلى حرج شديد»[77].
صورة لإحدى صفحات مخطوط جامعة توبنجن الألمانية
يقول المستشرق الفرنسي فرانسوا ديروش: «صحيح أن جون وانسبرو قد دافع عن فكرة أنّ النصّ -كما نعرفه- قد دُوّن بصورة متأخّرة، واقترح أن نهاية القرن الثامن أعلى تاريخ ممكن لهذه العملية، لكن الآثار المادية لتداوُلٍ كتابيٍّ للقرآن مطابقٍ للنسخة العثمانية تعود في أسوأ الأحوال إلى زمن لا يتجاوز نهاية القرن السابع قد استبعدَت هذا الاحتمال بشكلٍ قاطع»[78].
الخاتمة:
يعتبر كتاب وانسبرو (الدراسات القرآنية: مصادر ومناهج تفسير النصوص المقدسة) أحد أهمّ المؤلّفات الغربية التي أثارت جدلًا، وقد قدّمنا في هذه المقالة عرضًا لهذا الكتاب وتقويمًا له، ويظهر معَنَا من خلال هذا التقويم أنّ الكتاب به إشكالات منهجية عديدة لا يمكن تجاوزها حتى بعد ظهور طبعته الجديدة التي اعتنى بها أندرو ريبين، وفي سياق نتائج طَرْحِنا التقويمي ندعو الباحثين والمستشرقين إلى إعادة النظر في فرضيات هذا الكتاب من خلال رؤية نقدية جديدة، وبخاصة مع ظهور دلائل مادية تبطل مزاعم المؤلِّف.
ويمكننا القول أخيرًا وبصراحة شديدة أنّ جون وانسبرو وأنصار المدرسة التنقيحية أحد وجوه الاستشراق الاستعماري، ورغم تهافت ادّعاءاتهم إلا أنها لاقت رواجًا في أروقة الاستشراق الغربي، فحتى متى نصمت إزاء تلك الاستفزازات التي لا تمتّ إلى قواعد البحث العلمي بِصِلَة؟! ومتى سنجد إنصافًا من الاستشراق المزمع أنه جديد؟! إنني أتطلّع إلى اليوم الذي تنشأ فيه جامعاتنا العربية والإسلامية كراسي للبحث في الفكر الغربي ونقده؛ حتى تتساوى الرؤوس، وينقشع غرور ثقافة الغرب الأوحد.
[1] جون وانسبرو John Wansbrough (1928- 2002م): مستشرق أمريكي، ويعدّ رائد التوجّه التنقيحي، وتمثّل كتاباته منعطفًا رئيسًا في تاريخ الاستشراق؛ حيث بدأت في تشكيك جذري في المدونات العربية الإسلامية وفي قدرتها على رسم صورة أمينة لتاريخ الإسلام وتاريخ القرآن، ودعا لاستخدام مصادر بديلة عن المصادر العربية من أجل إعادة كتابة تاريخ الإسلام، عمل أستاذًا للدراسات السامية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن (SOAS). من مؤلّفاته: الدراسات القرآنية، والأواسط الطائفية. (انظر: كتاب "الاتجاه التنقيحي في الدرس الاستشراقي المعاصر للقرآن الكريم"، مجموعة ترجمات تتناول الاتجاه التنقيحي وفرضياته والاهتمامات البحثية المنبثقة عنه، مجموعة من المترجمين، مركز تفسير للدراسات القرآنية، الطبعة الأولى، 1443هـ= 2022م، ص38).
[2] المذهب التنقيحي Revisionism: هو إثارة التساؤلات ومحاولة تغيير المعتقدات الراسخة حول وقوع بعض الأحداث التاريخية وأهميتها، وقد بلغ هذا الاتجاه أَوْجَهُ في سبعينيات القرن الماضي. انظر: قاموس كامبريدج. dictionary.cambridge.org/dictionary/english/revisionism
[3] أندرو ريبين Andrew Rippin (1950- 2016م): باحث كندي من أصل بريطاني، يتعلق اهتمامه الرئيس بدراسة الإسلام المبكّر ودراسة تفسير القرآن في العصور الكلاسيكية، له عددٌ من المؤلفات التي قام بتأليفها أو المشاركة في إعدادها، مثل: دليل إلى الإسلام، مع ديفيد إيدي ليونارد = ودونالد ليتل ريتشارد، كما حرّر كتابًا بعنوان: «مقاربات في تاريخ تفسير القرآن»، الذي صدر عن جامعة أكسفورد عام 1988م، وقد عمل كباحث زميل في معهد الدراسات الإسماعيلية بلندن عام 2013م. انظر: الدراسات القرآنية: مصادر ومناهج تفسير النصوص المقدسة، جون وانسبرو - Tafsir Center for Quranic Studies، مركز تفسير للدراسات القرآنية.
[4] وقد اخترتُ في المقالة أن أعمل على النسخة التي اهتم بها أندرو ريبين لعدّة أسباب، أهمها: أن نسخة وانسبرو لم تبين المخطوطات الإسلامية التي استند عليها الكتاب رغم أنه أمر في غاية الأهمية لبيان الأثر الذي أحدثته مخطوطة جامعة توبنجن الألمانية، وأيضًا لبيان كيفية تعامل المحقّق مع إشكاليات الكتاب؛ إِذْ يعتبر أندرو ريبين أحد أهم تلاميذ وانسبرو والمذهب التنقيحي، بالإضافة إلى ما يميز نسخة ريبين المتوفرة على الشبكة العنكبوتية من كونها مقروءة نصيًّا عبر برنامج الـ(pdf) مما سهّل عليّ عمليات البحث داخل الكتاب وترجمة نصوصه، على عكس نسخة وانسبرو التي لم تتوفر إلا مصوّرة.
[5] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), John Wansbrough, Edited by: Andrew Rippin, Prometheus Books, New York, 2004, P.P. xxii.
[6] أبراهام جيجر Abraham Geiger (1810- 1874): مستشرق يهودي ألماني، متعصّب ضد الإسلام، من أشهر كتبه: ماذا أخذ محمد من اليهودية؟
[7] ثيودور نولدكه Theodor Nöldeke (1836- 1930): مستشرق ألماني، يعدّ شيخ المستشرقين الألمان، حصل على الدكتوراه عام 1856م وهو في سن العشرين عن كتابه تاريخ القرآن، وعُيّن مدرسًا للتاريخ الإسلامي في جامعة غوتينغن عام 1861م، وأستاذًا للتوراة واللغات السامية في كييل عام 1864م، ويعدّ كتابه (تاريخ القرآن) من أبرز ما كُتب في العصر الحديث، وقد تناول كتابَه بالترجمة والنقد الدكتور رضا الدقيقي في أطروحته لنيل رسالة الدكتوراه بجامعة الأزهر.
[8] توشيهيكو إيزوتسو Toshihiko Izutsu (1914- 1993): مستشرق ياباني، وهو أول مَن ترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية، من أبرز مؤلّفاته في الدراسات القرآنية: بناء المصطلحات الأخلاقية في القرآن - الله والإنسان في القرآن.
[9] سبق التعريف به.
[10] أنجيليكا نويفرت Angelika Neuwirth (1943- ...): مستشرقة ألمانية معاصرة، ورئيسة مشروع الموسوعة القرآنية في برلين، لها العديد من المؤلَّفات، من أشهرها: كيف سحر القرآن العالم؟ ودراسات في تكوين السور المكية.
[11] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. xii.
[12] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. xiii.
[13] نسبة للهاجادا، وتعني (السرد) أو (الرواية)، وهي المعتقدات الدينية وقصص الأنبياء المعتبرة كحقائق دينية، لكنّها في النهاية نصوص غير قانونية (انظر: الاتجاه التنقيحي في الدرس الاستشراقي المعاصر للقرآن الكريم، ص242).
[14] نسبة إلى الهلاخاة: وهي مجموع القوانين والتقاليد والإرشادات الدينية الواجب اتّباعها لمن يتبع اليهودية. (انظر: الاتجاه التنقيحي في الدرس الاستشراقي المعاصر للقرآن الكريم، ص242).
[15] نسبة إلى الماسوراتية: وهي نصّ العهد القديم الذي تم اعتماده كنصّ موحد حسمًا للخلافات السابقة بين المخطوطات، وقد تكثف العمل عليه من قِبَل الماسورتيين أو (حفّاظ التقليد) منذ القرن السابع تقريبًا، وتم الانتهاء منه في القرن العاشر الميلادي. (انظر: الاتجاه التنقيحي في الدرس الاستشراقي المعاصر للقرآن الكريم، ص14).
[16] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. 2.
[17] المزمور 136.
[18] نسبة إلى الهالاخية، وقد سبق التعريف بها.
[19] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. 56.
[20] ديفيد صمويل مرجليوث David Samuel Margoliouth (1858- 1940): مستشرق إنجليزي يهودي، معروف بتعصبه ضدّ الإسلام، تخرّج بكلية اللغات الشرقية من جامعة أكسفورد، وأتقن العربية وكتب فيها بسلاسة وأقام أستاذًا لها في جامعة أكسفورد منذ 1889، فعُدّ مِن أشهر أساتذتها ومن أئمة المستشرقين، تبنّى القول بالوضع في الشِّعْر الجاهلي، وقد تصدّى للردّ عليه عدد من الكُتّاب العرب والمستشرقين. من مؤلفاته: التطوّرات المبكّرة في الإسلام، محمد ومطلع الإسلام، الجامعة الإسلامية. [انظر كتاب: المستشرقون، نجيب العقيقي، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1964م، (2/ 518)].
[21] ردولف زلهايم Rudolf Sellheim (1928- 2013): مستشرق ألماني، عمل أستاذًا في جامعة جوته بفرانكفورت، وعضوًا بمجمع اللغة العربية بدمشق. من مؤلّفاته: الأمثال العربية القديمة، والعلم والعلماء في عصور الخلفاء. انظر: موقع المكتبة الوطنية الألمانية:
portal.dnb.de/opac.htm?method=simpleSearch&cqlMode=true&query=nid%3D102264243X.
[22] ونلاحظ هنا أنه قد استخدم لفظ (الشعر القديم) بدلًا من الشعر الجاهلي في إشارة تأكيدية على صحة رأيه!
[23] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. 97.
[24] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. 147.
[25] وذلك استنادًا إلى رأي المستشرق الألماني جوزيف شاخت الذي يقول أنّ: «قياس مشتقة من المصطلح التفسيري اليهودي هيكيش، من الجذر الآرامي نكش، والذي يعني: لنحزمهما معًا». انظر:
The Origins of Muhammadan Jurisprudence, Joseph Schacht, Oxford University Press, Ely House, London , Fourth Edition, 1967, p.p. 99.
[26] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. 192.
[27] سوزانا والزناة، أو سوزانا والقاضيان، أو سوسنة العفيفة: هي إحدى قصص العهد القديم الملحقة بسفر دانيال، والتي تتحدث عن امرأة يهودية عفيفة رماها رجلان بالزنا لرفضها فعل الفاحشة معهما، إلى أن استطاع النبي دانيال إثبات براءتها وحكم على هذين الزانيين بالرجم حتى الموت.
انظر: موقع الأنبا تكلا:
[28] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. 202.
[29] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. 227.
[30] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. 257.
[31] شتيفان فيلد Stefan Wild (1937- ...): أحد أبرز أعلام الاستشراق الألماني، حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة ميونيخ عام 1961، وعمل كرئيس للمعهد الألماني للدراسات الاستشراقية ببيروت منذ 1968 وإلى 1974، وهو أستاذ اللغات السامية والدراسات الإسلامية في جامعات؛ أمستردام، ورينيش فريدريش فيلهلمز في بون، وقد بقِي في الأخيرة حتى تقاعده عام 2002. له عدد من الكتابات المهمة بين التأليف والتحرير. من أهمها: القرآن كنص، وكتاب المرجعية الذاتية للقرآن. [انظر كتاب: الاتجاه التنقيحي في الدرس الاستشراقي المعاصر للقرآن الكريم، ص56].
[32] الاتجاه التنقيحي في الدرس الاستشراقي المعاصر للقرآن الكريم، ص17- 18 [باختصار].
[33] السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام، دار العقيدة، الإسكندرية، الطبعة الثانية، 1430هـ= 2009م، (1/ 187).
[34] تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت 774هـ)، ت: سامي بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1420هـ= 1999م، (5/ 462).
[35] التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، دار سحنون للنشر والتوزيع (تونس)، ودار ابن حزم (بيروت)، الطبعة الأولى، 1443هـ= 2021م، (8/ 805).
[36] متفق عليه.
[37] دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت: سيد إبراهيم، دار الحديث، القاهرة، لم أقف على رقم الطبعة، 1428هـ= 2007م، (2/ 214).
[38] انظر: التفسير الوسيط، محمد سيد طنطاوي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1997- 1998م، (9/ 9).
[39] التحرير والتنوير (7/ 38).
[40] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. 1.
[41] التكوين (37/ 2).
[42] التكوين (37/ 14).
[43] التكوين (37/ 34- 35).
[44] التكوين (42/ 36).
[45] انظر: التكوين (40).
[46] التكوين (49/ 1).
[47] التكوين (49/ 29).
[48] التكوين (49/ 33).
[49] التكوين (50/ 1- 2).
[50] التكوين (50/ 22- 23).
[51] التكوين (39/ 1).
[52] انظر: التكوين (46/ 8- 27).
[53] انظر: التكوين (41/ 45، 50، 51، 52).
[54] الإسرائيليات في التفسير والحديث، محمد حسين الذهبي، مجمع البحوث الإسلامية – الأزهر الشريف، 1439هـ= 2018م، ص169.
[55] انظر:
Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), John Wansbrough, P.P. 119.
[56] ألفونس دينيه Alphonse- Étienne Dinet(1861- 1929): مستشرق ورسّام فرنسي، وُلِدَ سنة 1861م في وسط عائلة برجوازية، كان والده قاضيًا فرنسيًّا بارزًا، رحل دينيه إلى الجزائر وعاش بها فترة، ثم عاد إلى باريس وأشهر إسلامه عام 1913م، وغيّر اسمه إلى (نصر الدين دينيه). مِن أشهر مؤلفاته: (أشعة خاصة بنور الإسلام، والشرق كما يراه الغرب، والسيرة النبوية: في مجلد كبير ألّفه مع صديقه الجزائري الحميم سليمان بن إبراهيم، وزيّنه بالصور الملونة الكثيرة من ريشته الخاصة، وطُبع باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وقد ترجمه للعربية شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود، ومحمد عبد الحليم).
[57] أشعة خاصة بنور الإسلام، ألفونس دينيه، ترجمة: راشد رستم، المطبعة السلفية، مصر، 1347هـ= 1929م، ص34.
[58] كارل بروكلمان Carl Brockelmann (1868- 1956): مستشرق ألماني، من تلاميذ ثيودور نولدكه، اهتم بدراسة اللغات السامية والتاريخ الإسلامي. من أهم مؤلفاته: تاريخ الأدب العربي، والمعجم السرياني.
[59] انظر: أثر القرآن الكريم في اللغة العربية، أحمد حسن الباقوري، سلسلة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف (18/ 54) القاهرة، 1444هـ= 2023م، ص10.
[60] البيان في إعجاز القرآن، صلاح الخالدي، دار عمار، عَمّان - الأردن، 1409هـ= 1989م، ص74.
[61] ما رواه البخاري (233)، ومسلم (1671) عَن أَنَسِ بنِ مالِكٍ، قال: «قدِم أناسٌ من عُكْل أو عُرَيْنَة فاجْتوَوا المدينة، فأمَرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بِلِقاحٍ، وأن يشربوا من أبوالها، وألبانها، فانطلقوا فلما صَحُّوا قتلوا راعي النبي -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا النَّعَم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمَر فقَطَعَ أيديَهم وأرجُلَهم، وسُمِرَت أعينُهم، وأُلْقُوا في الحَرَّة يَستَسقُون فلا يُسْقَون». قال أبو قِلابَةَ: «فَهَؤُلاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
[62] فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، ت: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ومحمد فؤاد عبد الباقي، دار المنار، القاهرة، الطبعة الأولى، 1419هـ= 1999م، (1/ 411).
[63] The Codex of a Companion of the Prophet and the Qurān of the Prophet, Behnam Sadeghi and Uwe Bergmann, Arabica Magazine, Vol. (57), 2010, P.P. 416.
[64] جوزيف لمبارد Joseph Lumbard: باحث أكاديمي أمريكي، من مواليد واشنطن في العام 1969، هو حاليًا أستاذ الدراسات العربية بالجامعة الأمريكية بالشارقة، بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو مستشار سابق للشؤون الدينية للملِك عبد الله الثاني ملك الأردن. له عدد كبير من الاهتمامات المتصلة بالشؤون الدينية الإسلامية: الفلسفة الإسلامية، والصوفية، والدراسات القرآنية.
[65] تفكيك الاستعمار في الدراسات القرآنية، جوزيف لمبارد، ترجمة: حسام صبري، مركز تفسير للدراسات القرآنية، شوال 1439هـ.
تفكيك الاستعمار في الدراسات القرآنية - Tafsir Center for Quranic Studies، مركز تفسير للدراسات القرآنية.
[66] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), P.P. xiii.
[67] Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), John Wansbrough, P.P. 2.
[68] التحرير والتنوير، ابن عاشور، (9/ 610- 611).
[69] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (ت 1376هـ)، ت: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة للنشر، الطبعة الأولى: 1420هـ= 2000م، ص722.
[70] الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (ت 544هـ)، دار الفيحاء - عمّان، الطبعة: الثانية - 1407هـ، (1/ 535- 536).
[71] متفق عليه.
[72] السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام (1/ 174) [باختصار].
[73] رابط الحلقة على يوتيوب: youtu.be/e1886TJZTeg
[74] رابط الحلقة على يوتيوب: youtu.be/lYz_RcErZP4
[75] باب السعادة (وجدت سعادتي مع القرآن)، هند الورداني، دار البشير للثقافة والعلوم، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، ص21- 22 [باختصار وتصرف].
[76] Look at: Quranic Studies (Sources and Methods of Scriptural Interpretation), John Wansbrough, P.P. 180.
[77] انظر: تعريف بمخطوط مصحف جامعة توبنجن الألمانية رقم MaVI165، هند الورداني، مركز تفسير للدراسات القرآنية، شعبان 1443هـ= مارس 2022. tafsir.net/article/5419
[78] Le Coran: «Que sais-je?», François Déroche, P.P: 74- 75, Presses Universitaires de France, 2014.