بحث: ابن تيمية مفسرًا
لـ يونس ميرزا
"عرض وتقويم"

تُعَدّ النظرية التأويلية لابن تيمية موضع اهتمام كبير بين كثير من الدارسين الغربيين، وقد أفرد ميرزا بحثًا لدراسة هذه النظرية وما افترضه تطورًا خضعت له واختلافًا بين شكلها النظري في المقدمة ونتاجها التطبيقي في الرسائل، تقدِّم هذه المقالة عرضًا لبحث ميرزا وتقويمًا له ولِما يقوم عليه من فرضيات حول هذه العلاقة، وكذا للمرتكزات المنهجية التي قام عليها البحث.

تمهيد:

  نُشِرَتْ مؤخرًا ترجمة ورقة بحثية لأحد الباحثين الغربيين، والتي تناول فيها الباحث أحد الموضوعات المهمة، وهي ورقة «ابن تيمية مفسرًا»[1] للباحث يونس ميرزا، وفي هذه المقالة سنحاول تقويم ورقة ميرزا وبيان الموقف منها، وستأتي معالجتنا النقدية مقسومة لقسمين؛ أحدهما لعرض بحث ميرزا، والثاني لتقويمه.

القسم الأول: بحث "ابن تيمية مفسرًا" ليونس ميرزا؛ عرض وبيان:

أهداف بحث ميرزا:

بتأمل طرح ميرزا يمكننا أن نستنبط أنَّ مراده إجمالًا هو محاججة القول الشائع بأن نظرية ابن تيمية التأويلية تمثّلت في كتابه: (مقدمة في أصول التفسير)، فيدّعي أنَّ ممارسة ابن تيمية التفسيرية قد تجاوزت -في أخريات حياته- بعض ما أسَّسه فيها إلى اعتماد الكتاب المقدس والمرويات الإسرائيلية كأداة في تفسير النص، وذلك من خلال مثالَين تطبيقيَّين.

إشكالية البحث:

تقوم إشكالية البحث على أن ثَمَّةَ إهمالًا لعدد من التأويليات الكبرى المؤثرة والفارقة في تاريخ التفسير لعدم اكتمال المشروع التطبيقي لهذه التأويليات، ويرى ابن تيمية مثالًا لذلك، وعليه؛ فالتوقف فقط مع النظرية التأويلية له -دون تأمل واسع للنماذج التطبيقية الحاضرة في مشروعه الحجاجي سواء الكلامي أو الفقهي- يحول دون فهم الملامح الكلية الصحيحة للفكر التفسيريّ لابن تيمية.

لقد سعى ميرزا حثيثًا لإثبات كون ابن تيمية مفسرًا من الدرجة الأولى، فحاول استنطاق المصادر التي تتحدث عن ابن تيمية بما يُثبت أنَّه مفسر، وإن لم يُخلِّف مدونة تفسيرية شاملة، بهذا افتتح يونس ميرزا كلامه للولوج إلى مقصده من الورقة.

وعند تأمل تفاصيل طرح ميرزا نجده منطلقًا من مرتكزين رئيسين:

الأول: القول بتقدُّم رسالة (مقدمة في أصول التفسير) في حياة ابن تيمية:

ويرى ميرزا أن الإشكال الحاصل في قراءة هذا الطرح التطبيقي الكبير لابن تيمية تحول دون تفهمه بصور أكثر دقة، فهذا الطرح -بحسب ميرزا- يُقرأ في ضوء الغطار النظري المتمثل في (مقدمة أصول التفسير) باعتبارها آخر ما استقر عليه رأي ابن تيمية، بعيدًا عن أطروحاته العقدية والجدلية الأخرى، فإذا ما وقع تعارض بين أيّ منتج تفسيري في أعمال ابن تيمية التطبيقية وهذه الأصول النظرية؛ فإنه بلا شك سيتم اعتماد المقرر النظري من جهة كونه آخر ما استقر عليه ابن تيمية بحيث أضحى ناسخًا لما كان من تطبيقه من قبل.

في حين يعارض ميرزا القول بأنَّ رسالة ابن تيمية في أصول التفسير مكتوبة في آخر حياته، ويرجّح خلاف ذلك، ويشاركه في بعض مباني هذا القول وليد صالح. ويقرر ميرزا أنّ شاهدَي عدلٍ قد قامَا على أن هذه المقدمة لم تُكتب في أواخر حياته؛ أحدهما: دليل مخطوطي، والآخر هو حالة التفاوت الواقعة في مستوى الرسالة على امتداد فصولها مما يجعل احتمالية كونها قد كُتِبَتْ في فصول مختلفة هو الاحتمال الأكبر، كما أن الفصل الأخير مشيَّد بالأسانيد، وهو ما لا يمكن برأي ميرزا أن يكون قد كُتب وهو في سجنه الأخير، لما تحتاجه كتابة هذا الفصل من توافر الكتب، ولِتَعذُّر كتابته من إملاء الفؤاد بحسب تعبير صالح.

إن إثبات ميرزا لتقدم تصنيف ابن تيمية للمقدمة يتيح له -بنظره- إمكانية رصد أيّ تطور أو مراجعة فكرية يمكن أن تكون وقعت لابن تيمية، لا سيما وأن ابن تيمية من ذوي الأطروحات الديناميكية، فكان فرضًا على ميرزا ابتداءً أن يثبت تقدُّم تصنيف هذه الرسالة، فيسهل القول بعد ذلك بأنّ أيّ تطبيقات تخالف ما فيها ناسخةٌ لها، ومتجاوزة لها.

إن ميرزا وكأنه مستبطن لفكرة أن التراث التيمي بكامله متفق على تقرير خطوات تفسيرية تتجاوز ما في المقدمة نوع تجاوز سواء بالتطور أو التراجع؛ لذا فقد انصبَّ جهد ميرزا على إثبات تقدُّم تصنيف هذه المقدمة التي تجاوزها الطرح التفسيري؛ بنظر ميرزا.

ثم يلفت ميرزا النظر إلى أنه بصدد بحث موضع تفسيري، فحيثية النظر فيه تفسيرية بالدرجة الأولى، ويكرر ذلك في أكثر من موضع، فيقول: «أؤكد أن هذا العمل التفسيري قد كُتِبَ بعد المقدمة»[2]، وفي موضع آخر يقول: «وهذا العمل ما هو إلا غيض من فيضِ إسهامات ابن تيمية التفسيرية»[3]، وفي موضع ثالث يقول: «يظهر أن ابن تيمية اتخذ في هذا العمل خطوات تفسيرية تتجاوز المقدمة»[4].

لقد كان ميرزا منتبهًا إلى التأكيد على أنّ بحثه تفسيري محض حتى لا يتشتت في أودية الحديث في قضايا جدلية في العقائد والملل والنحل، فلا يبقى لبحثه فائدة، إذ تسقط إشكالية بحثه أصلًا؛ لذا فقد أكّد بشكل مستمر إلى أن بحثه تفسيري في صميم النظرية التفسيرية وممارساتها عند ابن تيمية.

إنّ أهمية بحث ميرزا تكمن في تقصده لعمل تطبيقي تفسيري -بنظره- عند ابن تيمية، بحيث يصلح -منهجيًّا- محاكمةُ هذه التطبيقات في ضوء قوانين المقدمة، والخلوص من ذلك إلى نتائج هذه المحاكمة. ولا شكَّ أن خروج البحث عن هذه الحيثية يفقده قيمته أصلًا، ويترك منهجه مختلًّا.

الثاني: النظر في مضمون المقدمة والقول بخلوها من أيّ رأي تجاه التراث الكتابي:

وقد انصبَّ بحث ميرزا على إحدى الأدوات التأويلية، وهي المرويات الكتابية وكيف وظَّفها ابن تيمية، فكان لزامًا على ميرزا وهو بصدد بحث التباين في استخدام هذه الأداة عند ابن تيمية أن يبدأ بما أثبت تقدُّمه وهو رسالة أصول التفسير، فطبقًا لبحث ميرزا فإن مقدمة أصول التفسير لا تشير إلى لجوءٍ للنص المقدس في تفسير القرآن[5].

ويكرر ميرزا -طبقًا لوليد صالح- أنه لا يوجد أيّ ذكر للمرويات الكتابية في مقدمة أصول التفسير[6].

وبهذا فإن أيّ استخدام للمرويات الكتابية يرِد في الكتابات اللاحقة لابن تيمية سوف يُعَدّ تطورًا تفسيريًّا لدى ابن تيمية، وهذا الذي يودّ ميرزا إثباته وتقريره.

إن اختلاف القول في أيّ قضية لدى أيّ عالم له مستويات متباينة، ولكل منها لوازمها المنهجية، فإن الانتقال الفكريّ لعالِمٍ إلى فكرة جديدة أو مُتممة لأفكاره السابقة، يختلف عن انتقاله إلى قول يناقض بعض قوله الأول في ذات القضية؛ ولذا كان ميرزا واضحًا في خطته المنهجية في إثبات أنَّ انتقال ابن تيمية من النوع الأول، إذ ليس لابن تيمية -طبقًا لميرزا- نصٌّ في مقدمة أصول التفسير يلمح إلى استخدام المرويات الكتابية، ومن ثم فإن الحاصل هو نوع تطور مُتفهَّم في ضوء عدم وجود نص له سابق يخالف ما خطا نحوه في الكتابات المتأخرة.

إن ميرزا ينطلق بوضوح من أنه قد فحص المقدمة بحيث لم يعثر على نص في المقدمة يجلّي موقف ابن تيمية من بناء المعنى، ولم يجد عند ابن تيمية ما يشير إلى موقف في ذلك، فعمد ميرزا إلى التراث التطبيقي ليلجأ لفحص رسالة أملاها ابن تيمية بعنوان: «رسالة في قصة شعيب»، وهي رسالة في الردّ على من قال إن والد زوج موسى -عليه السلام- هو النبي شعيب، فَيُبْطِلُ ذلك ابن تيمية بالنقل والعقل. ويرى ميرزا أن غرض ابن تيمية من وراء هذا البحث هو الردّ على التيار الأشعري الذي تورَّط في أخطاء كثيرة في بحث النبوَّات، فبدأ ميرزا في فحص هذه الرسالة ليجلِّي كيف أن ابن تيمية كما استشهد بأقوال السلف ومن يعتبرهم فئة موثوقة؛ فإنَّه اعتضد بنقل عن الكتاب المقدس يثبت أن هذا الرجل والد زوج موسى لم يكن النبيَّ شعيبًا، مما يجعل القولَ بأنّ ابن تيمية قد أخذ خطوات تفسيرية متطورة عن المقدمة = أمرًا مقبولًا لدى ميرزا، وفي ثنايا ذلك يجلي عددًا من المسالك التيمية كهوامش على هذا التطور التيمي؛ منها إبراز عناية ابن تيمية بتفسير الطبري بوصفه تفسيرًا موثوقًا، وغمزه الشديد لتفسير الثعلبي في إطار نقد المدرسة الأشعرية ككل في تأويليتها التفسيرية، فيرى ميرزا أن ابن تيمية تجاوز الطرح الأشعري في مثل هذه الآيات التي تحمل إشارات تتعلق بالمرويات الكتابية، إلى النظر في الكتاب المقدس ذاته لبيان أفضل لآيات القرآن. كما يرى أنَّ ابن تيمية استخدم المرويات الكتابية لا في الاعتضاد بهذه المرويات في البيان، بل في تأسيس بيان النص القرآني رأسًا، وهذا لو صح لميرزا لكانت نتيجة شديدة الأهمية في فهمنا لتأويلية ابن تيمية في التفسير.

ويشير ميرزا إلى أن الباحث بوزورث -محقق رسالة قصة شعيب- لا يرى في صنيع ابن تيمية تغيرًا في موقفه من المرويات الكتابية، على الرغم من استناد ابن تيمية إلى نص الكتاب المقدس لإثبات خطأ القول بأنّ والد زوج موسى ليس هو شعيبًا النبي، بل يرى بوزورث أنّ ابن تيمية معارض بشدة للاعتماد على المرويات الكتابية في تأسيس فهم النص القرآني، ثم يخلص ميرزا -خلافًا لبوزورث- إلى القول بأنّ مجرد نَقْل ابن تيمية نصوصًا عن الكتاب المقدس يُعَدّ دليلًا قاطعًا في إثبات كون ابن تيمية يتخذ من الكتاب المقدس أداة في فهمٍ أدق لنصوص القرآن.

ومن الملاحظ أن ميرزا يقرر أن حِجاج ابن تيمية قد تركَّز على نقض القول بأن والد زوج موسى لم يكن النبي شعيبًا، أكثر مما أظهر جهد ابن تيمية في تحرير من هو والد زوج موسى، وهذه ملاحظة يحسن التنبيه لها في هذا الموضع وسيأتي البناء عليها لاحقًا.

ويرى ميرزا أن استشهاد ابن تيمية الكتابي كان في ثنايا التوفيق بينه وبين قول السلف، فينقل قول ابن تيمية: «وهكذا يتفق قول السلف مع قول أهل الكتاب على أن هذا الرجل ليس شعيبًا بل كان رجلًا آخر»[7].

ولقد عَقَّبَ ميرزا على هذا النقل المهم بنص يبين لنا جزءًا مُهمًّا لتصوره للقضية فيقول: «وهنا يستخدم ابن تيمية المصادر اليهودية كعنصر مساعد في حجته بأن الرجل لم يكن النبي شعيبًا»[8].

إن ميرزا بعد أن قرر أن ابن تيمية صار يستخدم الإسرائيليات كأداة في فهم النص؛ راح يقرر أن هذا الموضع يمكن توصيفه بأنه استخدام مساعد، لا استخدام استدلالي تأسيسي، وسنقف لاحقًا متأملين مدى التعارض أو التوافق بين هذين التقريرين.

وفي نفس الورقة يعرض ميرزا لجهود ابن تيمية في الاستعانة بالمرويات الكتابية في التحقيق حول مَن هم الرسل المذكورون في سورة (يس)؟ وهل هم الحواريون كما يقول الثعلبي؟

وفي هذا الصعيد يحاجج ابن تيمية بالعقل والنقل على أن هؤلاء الرسل ليسوا الحواريين، بل هم رسلٌ كانوا قبل المسيح، وبعد قراءة النص داخليًّا من قِبَل ابن تيمية فإنه يشير في ختام كلامه إلى أن المصادر المسيحية تؤكد على أن هؤلاء الرسل ليسوا حواريِّي المسيح، وبهذا بنَى ميرزا قوله بأنّ ابن تيمية يؤكد على أهمية قراءة المصادر الكتابية في بيانٍ أفضل للقرآن الكريم.

فهل صح له هذا البناء، واستقامت له حججه؟ هذا محل الحديث في القسم القادم.

القسم الثاني: بحث "ابن تيمية مفسرًا" ليونس ميرزا؛ مناقشة وتقويم:

بعد هذ التطواف مع ميرزا ومحاولة الإمساك بمعاقد طرحه، ومرتكزاته ومنطلقاته فإنه قد آنَ أن نتناوله بالتقويم، من خلال النقاط الآتية:

أبرز مميزات البحث:

أولًا: الإشارة إلى أهمية دراسة الجوانب التفسيرية لدى علماء لهم جهد تفسيري وإن لم يكن لهم مدونة تفسيرية كاملة:

لقد نجح ميرزا في إثبات أهمية النتاج التفسيري لابن تيمية، في حين لم يَلْقَ هذا النتاج من البعض ما يستحقّه؛ لأنه ليس نتاجًا كاملًا. وقد أحسن ميرزا في تثبيت القول بأهمية دراسة المنتَج التفسيري التيمي باعتباره نتاجًا تطبيقيًّا له تأثير كبير فيمن بعده، علاوة على أنه في نفسه يمثل منعطفًا بارزًا في مسار علم التفسير على العموم، فدراسة مثل هذه الحالات والمشاغل المفصلية لها أهمية كبرى في فهم حقيقة العلم وحسن التبصر به.

ثانيًا: تسليط الضوء على أهمية رسالة (قصة النبي شعيب) وموقعها في الطرح الحِجاجي التيمي:

لقد نجح الباحث في تسليط الضوء على هذه الرسالة كممارسة تيمية مهمة يكثر إغفالها في ظل تسليط الضوء بكامله على مشروع «الجواب الصحيح» باعتباره يمثل الحجاج التيمي مع النصارى، فقد نجحت هذه الورقة في إقناع القارئ بضرورة تأمل هذه الرسالة على صعيد تحليل الطرح التيمي في جدال أهل الكتاب، وعلى مستوى تأمل تشكل تأويلية ابن تيمية في التفسير.

ثالثًا: اقتراح منهجية متميزة لدراسة ابن تيمية بصورة صحيحة عمومًا:

من أبرز ميزات هذا البحث أنه أشار إلى إشكالية مهمة جدًّا، وهي الضدّية في الاستشهاد بابن تيمية، فترى في القضية الواحدة المُناظِر وخصمه يستشهدان بأقوال ابن تيمية كلٌّ على مراده، وهذا أمرٌ لا تختص به كتابات ابن تيمية، بل يقع لتراث العلماء الذين امتدَّ عمرهم التصنيفيّ، وكثر إنتاجهم، وكانوا من المتفنِّنين المتوسعين في العلوم والمعارف، فكلما تشعَّب إنتاجهم الفكريّ صعب على غير المتمرس أن يُلبِّب أفكارهم وأن يُحكِم قبضته عليها، فيجتزئ من كلامهم ما يظنُّ أنه رأي العالم في قضية معيّنة، ولا خروج من هذه الطامّة المنهجية التي تملأ الساحة العلمية إلّا بالدراسة المنهجية المعنية باستكناه الرأي واستيعاب حدود المذهب في صورة كلية لا جزئية. وفي سبيل ذلك أشارت الدراسة إلى أنَّ عالمًا كبيرًا كابن تيمية يتميَّز بالمرونة وحرية الفكر، ووقع له مراجعات فكرية في عدد من القضايا تغير فيها رأيه وانتقل إلى رأي آخر، مما يجعل القولَ الأول منسوخًا لا يصح الأخذ به بحال، ولا يليق بباحث أن يستدعي القول الأول بِجَعْلِه ممثلًا لرأي ابن تيمية، وهذا لا يتضح إلا بما أشارت إليه الدراسة من ضرورة دراسة أفكار ابن تيمية في تسلسل زمني من أجل فحص كيفية تطور أفكاره وآرائه[9]. وقد أحسنت الدراسة إذ أشارت إلى تطبيقٍ لهذه المنهجية في دراسة أفكار ابن تيمية في عمل يحيى ميشوت حول موقف ابن تيمية من الحلّاج[10].

رابعًا: الاعتماد على تجربة رائدة في دراسة مقدمة في أصول التفسير:

بحسب ميرزا فيعتبر اشتغال وليد صالح بمقدمة ابن تيمية من الاشتغالات الأكثر شمولًا وتدقيقًا في معاقد مقدمة أصول التفسير، وكثير من نتائج هذ الاشتغال هو الذي سمح لميرزا بالولوج لمثل هذا المشاغل المهمة حتى لو أشكل المنهج واضطربت النتائج، لكن يبقى هذا المشغل التحليلي المعمق للأطروحات من أهم المشاغل في سبيل الانطلاق بالعلوم إلى فضاءات أرحب وسبل ألحب.

أبرز إشكالات البحث:

ومع المميزات الحاضرة في ورقة ميرزا بحيث لا يسع منصفًا إنكارُها، فإنَّ ثمة إشكالات مركزية تحتفّ بطرحه يجب التوقف معها مليًّا، وتسليط الضوء عليها؛ حتى نستطيع أن نَخرج من هذه المناقشة أبصر بمعالم الطريق الذي يجب أن نستأنف السير فيه. وفيما يأتي نُلقي الضوء على أبرز هذه الإشكالات والتي تتجه إلى نقد المعقدين الرئيسين اللذين بنى عليهما طرحه.

أولا: نقد القول بتقدُّم رسالة مقدمة في أصول التفسير:

1. ضعف البناء الاستدلالي على تقدم رسالة (مقدمة في أصول التفسير) في حياة ابن تيمية:

لقد كانت مباني مقدمة أصول التفسير عائقًا معرفيًّا أمام نظرية ميرزا؛ بحيث رأى ميرزا أن حل الإشكال يكمن في افتراض أنَّ هذه المقدمة ليست آخر ما آلت إليه النظرية التفسيرية التيمية، فأخذ يدلل على أنها لا يمكن أن تكون في سجنته الأخيرة، طبقًا لما أبداه وليد صالح «من حالة التفاوت الواقعة في مستوى الرسالة على امتداد فصولها، مما يجعل احتمالية كونها قد كُتِبَتْ في فصول مختلفة هو الاحتمال الأكبر، كما أن الفصل الأخير مشيَّد بالأسانيد، وهو ما لا يمكن -برأي ميرزا- أن يكون قد كُتب وهو في سجنه الأخير؛ لِما يحتاجه كتابة هذا الفصل من توافر الكتب، وتعذُّر كتابته من إملاء الفؤاد بحسب تعبير صالح»، فاتخذ ميرزا من عدم قدرة ابن تيمية على تحرير هذا الفصل المسند من إملاء الفؤاد؛ دليلًا قاطعًا في بطلان القول الشائع بأنها أمليت في سجنته الأخيرة.

 وهذا الاستدلال لا ينهض ولا يستقيم إذا ما حاولنا استنطاق كتب التراجم عن قدرات ابن تيمية على حفظ الأسانيد، وأن مثل هذه المقدرة على حفظ الأسانيد الكثيرة ليست مستغربة عند مَن عَرف ابن تيمية حقيقة، وشهرة هذا عن ابن تيمية لدى أهل عصره لا تخفى، وعجبهم منه لا ينقضي، فقد جاء في ترجمة ابن تيمية لتلميذه أبي حفص البزّار: «ومن أعجب الأشياء في ذلك أنه في محنته الأولى بمصر، لمّا أُخذ وسُجن وحيل بينه وبين كتبه صنَّف عدة كتب صغارًا وكبارًا، وذكر فيها ما احتاج إلى ذكره من الأحاديث والآثار وأقوال العلماء وأسماء المحدثين والمؤلفين ومؤلفاتهم، وعزَا كل شيء من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم، وذكر أسماء الكتب التي ذكر فيها وأي موضع هو منها كل ذلك بديهة من حفظه؛ لأنه لم يكن عنده حينئذ كتاب يطالعه»[11].

فهذه كتب التراجم تشهد في موطن النزاع بأنه لم يكن غريبًا على ابن تيمية أن يملي من فؤاده مثل هذه الأسانيد، وأن يستظهر هذه النصوص، وأن يملي هذا البيانات عن ظهر قلب. لقد أُتي ميرزا في هذا الموطن من ضعف المعرفة بحافظة ابن تيمية هائلة القدرات، ومن قلة القراءة الفاحصة لكتب التراجم، مما جعله يستدل بما لا دليل فيه، ويبني على هذا ما لا يسلم له. وإن إسقاط الأدلة التي قدمها ميرزا على تقدم رسالة (مقدمة في أصول التفسير) يوقفه مرة أخرى على تصادم نظريته مع البناء النظري للمقدمة، الذي حاول هو -بفكرة إثبات تقدمها- أن يتجاوز محتواها الذي يتفهم هو مصادمته لما يودّ تقريره، فهذا النقض أيضًا يعيدنا مرة أخرى إلى ما قبل نظرية ميرزا، ويوجب عليه قراءة أخرى بدلائل أكثر استقامة من هذه الدلائل.

2. مصادمة القول بأولية المقدمة لصنيع تلاميذ ابن تيمية وداعمي نظريته:

إنّ تلاميذ العالِم هم أعرفُ الناس به، وغالبًا ما يمثِّل تلاميذ العالِم -خاصة من ساروا على نهجه ونسجوا على منواله- أقرب فكرة وأصحها لأطروحة العالم المعرفية، فكان على ميرزا وهو يتحدى قولًا شائعًا له حضوره في كتابات ابن تيمية أن يختبر صحة نظريته في كتابات تلامذته. ولو فعل لوجد من كبار تلاميذ ابن تيمية ممن مارسوا صنعة التفسير بعده يقولون بقوله ويذهبون مذهبه، فهؤلاء بلا شك أعرف الناس به، وأفهم الناس لانتقالاته وتقلباته، وإنّ رَصْدَ موقف هؤلاء مهم جدًّا من ناحية المنهج سواء وافقتهم أو خالفتهم، فإذا ما قمنا نحن بهذا الواجب المنهجي، وتأملنا طرحًا مهمًّا كطرح ابن كثير المعروف بتأثره بالتأويليّة التيمية، فإنّا نجده في مقدمة تفسيره قد اعتمد مقررات ابن تيمية النظرية بكاملها من رسالته (مقدمة أصول التفسير) منهجًا يسير عليه في تفسيره. وإنَّ اعتماد ابن كثير للمذهب التيمي في حكم الاستشهاد بالمرويات الإسرائيلية في التفسير؛ دالٌّ على أن رأي ابن تيمية لم يتطور ولم يتغير، ولو كان تغير لكان أولى الناس بلحظ ذلك تلامذته المفسرين[12].

3. عدم جدوى القول بأولية المقدمة في ضوء الكتابات المتأخرة لابن تيمية:

إنّ المطالِع لبحث ميرزا ليجده معتمدًا على رسالة (قصة النبي شعيب) باعتبارها كتابة متأخرة عن مقدمة أصول التفسير التي قد خلت من التنظير للاستشهاد بالمرويات الكتابية في تفسير القرآن، وبالتنزُّل مع ميرزا عن ما سبق إبطاله من القول بخلو المقدمة من تنظير لهذا الأمر، فالأمر المركزي الذي فات ميرزا هو أن الكتابات المتأخرة المجمع على تأخرها لدى ابن تيمية تشتمل على تقريرات تعارض ما ذهب إليه ميرزا، فمن ذلك هذا النص من مجموع فتاويه يقول فيه: «هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذْكَر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام؛ أحدها: ما عَلِمْنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح. والثاني: ما علمنا كَذِبه بما عندنا مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القَبِيل ولا من هذا القَبِيل، فلا نؤمن به ولا نكذِّبه وتجوز حكايته؛ لِما تقدّم. وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمرٍ ديني؛ ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسِّرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعِدَّتهم، وعصا موسى من أيّ الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها اللهُ لإبراهيم، وتَعْيِين البعض الذي ضُرِب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلَّم اللهُ منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه اللهُ في القرآن، مما لا فائدة في تَعيِينه تعود على المكلَّفِين في دنياهم ولا دينهم، ولكنَّ نَقْل الخلاف عنهم في ذلك جائز»[13].

ففي هذا النص يصرح بأنه لا يمكن الاعتماد على المرويات الكتابية في تقرير الأمر وإن كان يرى جواز نقل الخلاف عنهم في ذلك، وهو الأمر الذي أقام ميرزا ورقته لإثبات ضده؛ إذ يرى أن ابن تيمية قد آلَ إلى تأسيس المعنى من هذه المرويات.

وفي هذا النص تصريح ابن تيمية بأن أكثر هذه المرويات؛ مع ما يعتريها من مشكلات ثبوتية؛ فإنها تبقى أمورًا لا تقوم بها الديانة، ولا تعود على المرء بفائدة دين ولا دنيا.

وكذلك في كتابه في الردّ على البكري كرّر هذا المعني الحاضر في كتاباته المتقدمة والمتأخرة، فيقول منكِرًا على البكري استدلاله بالحديث الذي يرويه عن استشفاع آدم بالنبي -صلى الله عليه وسلم-: «هذا الحديث وأمثاله لا يُحتَجُّ به في إثبات حكم شرعي، لم يسبقه أحد من الأئمة إليه... فإنّ هذا الحديث لم ينقله أحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بإسناد حسن، ولا صحيح، بل ولا ضعيف يُستأنس به، ويُعتضَد به، وإنما نقل هذا وأمثاله -كما تُنقَل الإسرائيليات التي كانت في أهل الكتاب وتُنقَل عن مثل كعب، ووَهْب، وابن إسحاق، ونحوهم- مَنْ أخَذ ذلك عن مُسْلِمَة أهل الكتاب أو غير مُسْلِمَتِهم، كما رُوي أن عبد الله بن عمرو وقعت له صحف يوم اليرموك من الإسرائيليات، وكان يحدِّث منها بأشياء»[14].

وهذا مبطل للقول بإمكانية تغير رأي ابن تيمية في مثل هذه الآراء السائرة في كلامه وكتاباته.

ثانيًا: نقد فحص ميرزا لمقدمة أصول التفسير وصنيعه التطبيقي في رسالة النبي شعيب:

لقد قام ميرزا بفحص مقدمة أصول التفسير مؤكدًا خلوها من أيّ تأصيل بشأن الاستدلال بالمرويات الكتابية في التفسير، ومن ثم عمد إلى فحص رسالة تطبيقية يرى أنّ فيها تطورًا عن المقدمة بحيث قد آلَ أمر ابن تيمية إلى الاستدلال بالمرويات الكتابية في تأسيس المعنى التفسيري، وهو الأمر الذي يرد عليه ما يأتي:

1. مصادمة ذلك لواقع رسالة (مقدمة في أصول التفسير):

انطلق ميرزا من مقدمة قطعية، وهي خلو المقدمة مما يبيّن موقف ابن تيمية من الاستناد للكتاب المقدس أو المرويات الكتابية في تفسير القرآن، وقد قرر ميرزا ذلك بوضوح في أكثر من موطن، فيقول: «فإن مقدمة أصول التفسير لا تشير إلى لجوءٍ للنص المقدس في تفسير القرآن»[15].

ويكرر ميرزا -طبقًا لوليد صالح- أنه لا يوجد أيّ ذكر للمرويات الكتابية في مقدمة أصول التفسير[16].

لكن واقع المقدمة يشهد بخلاف ذلك، وهذا ربما يخفى؛ لأن من ينظر في المقدمة فلن يجدها تنص على فكرة اللجوء للكتاب المقدس نصًّا، لكنها تعالج بتوسع شديد قضية هي من جنس بحث الاستشهاد بالكتاب المقدس، وهي فكرة المرويات الكتابية، وميرزا نفسه يرادف في ورقته بين هذين الموضوعين، فليس ثم فارق علمي منهجي ولا نوعِي بين القضيتين.

وكل مطالع لرسالة (مقدمة في أصول التفسير) سيجد ابن تيمية يسهب في تحرير الموقف من المرويات الإسرائيلية والكتابية في موضعين من مقدمته؛ الأول: في كلامه عن نوعَي الاختلاف في التفسير، وفي كلامه عن أحسن طرق التفسير، وسأنقل نصًّا له بطوله يضم تحريراته حول هذه القضية بعيدًا عن إبداء الموقف إزاء ذلك، فيقول: «الاختلاف في التفسير على نوعين: منه ما مستنده النقل فقط، ومنه ما يُعلَم بغير ذلك؛ إِذ العلم إمّا نقل مصدَّق وإمّا استدلال محقَّق، والمنقول إمّا عن المعصوم، وإمّا عن غير المعصوم. والمقصود بأنَّ جنس المنقول سواء كان عن المعصوم أو غير المعصوم -وهذا هو النوع الأول- منه ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف، ومنه ما لا يمكن معرفة ذلك فيه. وهذا القسم الثاني من المنقول، وهو ما لا طريق لنا إلى الجزم بالصِّدق منه، عامَّتُه مما لا فائدة فيه، فالكلام فيه من فضول الكلام.

وأمّا ما يحتاج المسلمون إلى معرفته؛ فإنّ اللهَ نَصَبَ على الحقّ فيه دليلًا، فمثال ما لا يفيد ولا دليل على الصحيح منه: اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف، وفي البعض الذي ضَرَب به موسى من البقرة، وفي مقدار سفينة نوح وما كان خشبها، وفي اسم الغلام الذي قتَله الخضر، ونحو ذلك. فهذه الأمور طريق العلم بها النقل، فما كان من هذا منقولًا نقلًا صحيحًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كاسم صاحب موسى أنه الخضر فهذا معلوم، وما لم يكن كذلك بل كان مما يُؤخَذ عن أهل الكتاب؛ كالمنقول عن كعب ووَهْب ومحمد بن إسحاق وغيرهم ممن يَأخُذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلَّا بحُجّة، كما ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا حدَّثكم أهلُ الكتاب فلا تُصدِّقوهم ولا تُكذِّبوهم، فإمّا أن يحدِّثوكم بحقٍّ فتُكذِّبوه، وإمّا أن يحدِّثوكم بباطل فتُصدِّقوه)... والمقصود أنَّ مثل هذا الاختلاف الذي لا يُعلَم صحيحُه ولا تُفيد حكاية الأقوال فيه هو كالمعرفة لِمَا يُرْوَى من الحديث الذي لا دليل على صحّته، وأمثال ذلك.

وأمّا القسم الأول الذي يمكن معرفة الصحيح منه فهذا موجود فيما يُحتاج إليه ولله الحمد، فكثيرًا ما يوجد في التفسير والحديث والمغازي أمورٌ منقولة عن نبينا -صلّى الله عليه وسلّم...»[17].

وعلى مَن لا يرى أنَّ هذا الكلام من جنس الكلام على الاستشهاد بالكتاب المقدس أن يذكر فارقًا معتبرًا بين الكلام على المرويات الكتابية والإسرائيلية وبين الكلام على الكتاب المقدس ذاته[18].

والشاهد أن ميرزا لم يُعِرْ هذا الأمر انتباهًا، ولو أنه يرى أن الكلام مختلف في المقامين فإنّ المنهج كان يلزمه أن يجيب للقارئ عن هذه الشبهة القريبة السبق للذهن، فإن أيّ مطالع للمقدمة سوف يرِد على ذهنه التعارض بين جزم ميرزا بعدم وجود أيّ تنظير يخص المرويات الكتابية والاستشهاد بها في التفسير خلال المقدمة، وبين التأصيل النظري المبسوط والموسع في الكلام على المرويات الكتابية والإسرائيلية والاستشهاد بها في التفسير.

2. مصادمة منطلقات البحث وتقريراته لمفهوم التفسير عند ابن تيمية أصالة:

لقد اعترى البحثَ مشاكلُ كثيرة تجعل ما قدّمه نقشًا على غير عرش، وبسطًا على غير فرش؛ فإن البحث حدَّد هدفه منذ البداية في البحث عن تطوُّر في التفسيرية التيمية، وقد قرر هذا بقوله: «أؤكد أن هذا العمل التفسيري قد كُتب بعد المقدمة»[19]، وفي موضع آخر يقول: «وهذا العمل ما هو إلا غيض من فيضِ إسهامات ابن تيمية التفسيرية»[20]، وفي موضع ثالث يقول: «يظهر أن ابن تيمية اتخذ في هذا العمل خطوات تفسيرية تتجاوز المقدمة»[21].

لقد كان ميرزا منتبهًا إلى التأكيد على القارئ أن بحثه تفسيري محض فلا يتشتت إلى قضايا أخرى لا تبقي لبحثه فائدة أصلًا؛ لذا فقد أكد على أن بحثه يأتي في صميم النظرية التفسيرية وتطبيقاتها عند ابن تيمية، ومن هنا وقع اختياره على ممارسة تفسيرية -بنظره- عند ابن تيمية تصلح -منهجيًّا- لمحاكمة طريقته التفسيرية في ضوء نظريته.

ولأن مفهوم التفسير يعتريه اختلاف واسع بين العلماء؛ فقد كان لا بد من ضبط مفهومه عند ابن تيمية، إذ إن البحث يرصد التطور في التفسيرية التيمية كما أكَّد الباحث. والغفلة عن هذا الإجراء المنهجي أوقعه في خلل، حيث جاء الدليل التطبيقي الذي يمثل عصب الدراسة شديد الإشكال، بحيث جاء خارجًا عن مفهوم التفسير عند ابن تيمية أصلًا. وذلك أن المثالين اللذَين اتّخذهما ميرزا دليلًا على نظرية التطور التفسيري التيمي التي هو بصدد إثباتها؛ يدخلان تحت ما يسميه العلماء بـمبهمات القرآن، ويقصدون بذلك ما لم يُسمَّ باسمه من الأعلام في القرآن[22]. وهذا ينطبق تمامًا على المثالين التطبيقيين اللذين اتخذهما ميرزا دليلَه لإثبات فرضيته؛ فالمثال الأول دائر على بحث من هو والد زوج موسى الذي لم يسمه القرآن باسمه، وكذا الكلام على بيانات الرسل الوارد ذكرهم في سورة (يس) هو أيضًا من هذا القبيل.

ولمّا كان تصنيف هذه المبهمات القرآنية مثار جدل واسع بين المفسرين في القديم والحديث، وهل يمثّل الحديث حول هذه المبهمات عملًا تفسيريًّا أم هو فضول لا طائل من ورائه، فقد كان لزامًا على الباحث أن يعمد إلى تحرير قول ابن تيمية في هذا الشأن؛ إذ سيبني على ذلك أطروحته بكاملها، فكان لابد أن يُحرّر: هل ينهض المثالان المذكوران ببناء نظريته؟

وعند تأمل طرح ابن تيمية في هذه القضية الكلية التي يدخل تحتها مثال والد زوج موسى، والرسل المذكورين في سورة (يس) = نجد موقف ابن تيمية يصادم ما ينطلق منه ميرزا؛ فإن نصوص ابن تيمية تدل على أن بحث مثل هذه الأمور مما لا فائدة فيه، فضلًا عن أن تكون من صنعة التفسير، وعن أن يتعنّى ابن تيمية لمراجعة المرويات الكتابية لتحريرها.

ومن نصوصه الجلية في تقرير ذلك قوله: «فمثال ما لا يفيد ولا دليل على الصحيح منه اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف، وفي البعض الذي ضَرَب به موسى من البقرة، وفي مقدار سفينة نوح، وما كان خشبها، وفي اسم الغلام الذي قتَله الخضر ونحو ذلك»[23].

فانظر كيف صرّح بأن هذه الأمور المبهمة مما لا فائدة تحت رفع إبهامه، ولا شك بأن القول في تعيين اسم والد زوج موسى له حكم ما قد صرح به ابن تيمية من اسم غلام الخضر ونحوه.

ولا يقال هنا: إنّ هذا قول قديم لابن تيمية قاله في أوّل أمره، بما يمكن أن يتراجع عنه بأَخَرة، بل هو من نصوصه في كتاباته المتأخرة، ولا يحتمل أن يكون تراجع عنه؛ لمتابعة تلامذته إيّاه على هذا الموقف، ونقله والتأكيد عليه. ومن ذلك اعتماد تلميذه ابن كثير هذا التوجُّه في تفسيره فيقول: «والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القَبِيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته لِما تقدّم. وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمرٍ ديني؛ ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك؛ كما يذكرون في مثل أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعِدَّتهم، وعصا موسى من أيّ شجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضُرِب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلّم اللهُ منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلَّفين في دنياهم ولا دينهم، ولكن نَقْل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} إلى آخر الآية [الكهف: 22]»[24].

ومما يقوي القول بأن هذا المذهب التيميّ لم يتغير ولم يتطور، أنَّ ابنَ كثير في تفسيره لهذا الموضع حكى الخلاف في ذلك، ثم عقَّب بما هو من تقرير ابن تيمية في هذا الشأن بقوله: «الصواب أن هذا لا يدرك إلا بخبر، ولا خبر تجب به الحجة في ذلك»[25]. فتوقيف ابن كثير البيان على طلب الحجة الشرعية التي أَولاها ابن تيمية الأهمية في مقدمة أصول التفسير؛ يجعل القولَ بأنّ ابن تيمية يؤسس للمعنى من مصادر كتابية؛ قولًا غير مقبول.

 وفي ظل هذا الموقف من ابن تيمية وتتابع تلامذته عليه أيضًا وحسبانهم أنَّ البحث في تحقيق هذه المبهمات مما لا فائدة منه، فضلًا عن أن يكون عملًا من وظائف المفسِّر وواجباته؛ فإنَّ في اعتبار ميرزا هذين البحثين عند ابن تيمية من التفسير محلّ نظرٍ.

3. الغفلة عن أنَّ حجاج ابن تيمية لنفي القول بأنه شعيب وليس لإثبات معين:

إنّ من الأمور المهمة التي غفل عنها ميرزا في فحصه لرسالة ابن تيمية حول شعيب أن حِجاج ابن تيمية كان في نفي القول المثبت الجازم أن الآيات تتحدث عن النبي شعيب أكبر من حِجاجه لتعيين اسم معيّن لوالد زوج موسى، يتضح ذلك على طول معالجته في الرسالة، فقد استهلها بقوله: «ولم يذكر عن هذا الشيخ أنه كان شعيبًا، ولا أنه كان نبيًّا، ولا عند أهل الكتابين أنه كان نبيًّا، ولا نقل عن أحد من الصحابة أن هذا الشيخ الذي صاهر موسى كان شعيبًّا النبي؛ لا عن ابن عباس ولا غيره»[26].

ويقول أيضًا: «فهذه كتب التفسير التي تروي بالأسانيد المعروفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين لم يذكر فيها عن أحد أنه شعيب النبي -عليه السلام-»[27].

فواضحٌ أنّ حِجاج ابن تيمية منصبٌّ على إبطال قول الجازمين بأنه شعيب، من غير أن يكون عندهم خبر من المعصوم، كما يذكر ابن تيمية دائمًا. وهذا الموقف النقدي متسق مع نظرته لباب المبهمات، وهو أن ابن تيمية يرى أنه يجب السكوت عما سكت عنه الوحي المعصوم، ومثل هذه المغيبات لا يقال فيها إلا بنصّ معصوم. إنّ ابن تيمية بموقفه هذا يناهض ما يراه تقوُّلًا على الوحي وتقدُّمًا بين يدي المعصوم، واستدلالًا بما لا يُستدل به، وهو الأمر الذي يفسر لنا نقد ابن تيمية اللاذع لتفسير الثعلبي لأنه لا يستوثق مما يروي من أخبار، فيستدل بما لا يصح به الاستدلال من جهة الثبوت، وبهذا يكون ابن تيمية متسقًا مع نفسه تمام الاتساق.

لقد غفل ميرزا عن أن ابن تيمية لم يقطع باسم والد زوج موسى إلا بمقدار الثقة في الأسانيد الواردة في ذلك في تفسير الطبري أو تفسير سنيد، فلا يزال منطلق ابن تيمية نقليًّا، فهو يعتمد على الرواية بقدر ثبوتها في الكتب المعتمدة لديه؛ كتفسير الطبري أو تفسير سنيد، والقاعدة عنده في ذلك أنه متى صح المروي في ذلك قُبِل، ومتى تطرق إليه الوهن رُدَّ، ولم يُقبَل؛ ولذلك نقل قول الطبري: «وهذا لا يدرك علمه إلا بخبر عن معصوم، ولا خبر في ذلك»[28]،بما يعنى أن حقيقة موقف ابن تيمية هو القطع بأن الرجل ليس النبيَّ شعيبًا؛ إذ القطع حاصل بعدم ورود خبر عن المعصوم في ذلك، وهذا هو الأمر الذي تدور عليه الرسالة، وأمّا القول بأنه (يثرون) فإنه محتمل بقدر الاعتبار السندي لهذه المرويات، ثم بعد اعتبارها إسناديًّا يعود الأمر في رأي ابن تيمية أنَّه بلا فائدة تعود على المكلف دينيًّا ولا دنيويًّا، ولو كان فيه فائدة لجاء به الوحي المعصوم، فما فرّط الكتاب من شيء.

وهو الأمر الصريح في تحريره لما هو من قبيل هذا الأمر، فيقول: وهذه الأمور فيها أنَّه لا طريق للبَتِّ في أمر صحتها.

وهذا يبطل قول ميرزا بأن ابن تيمية تحوَّل إلى اعتماد الكتاب المقدس مصدرًا لتأسيس تحرير المعنى القرآني -إذا سلمنا أن هذا من المعاني التي يجب البحث عنها عند ابن تيمية- وهذا القول مشكل أيضًا في ظل تأمل أمرين مهمّين؛ أولهما: أن إبطال ابن تيمية للقول بأن الرجل شعيب لم يقم على قول الكتاب المقدس، وإيراد الاحتمال الروائي القائل بأن اسمه (يثرون) لم يكن مؤسسًا في المقام الأول على الكتاب المقدس، بل كان تأسيسه على المرويات التي يعتبرها هو عن الطبقات المفضلة عنده؛ وهم الصحابة والتابعون، وفي الكتب المعتبرة عنده كتفسير الطبري وتفسير سنيد، ولم يأت الاستناد إلى مرويات الكتاب المقدس إلا كجانب استئناسي يضاف على هامش القول الذي أسس به من صريح المعقول، ومن معتبر المنقول، ثم يضاف القول الكتابي للاستشهاد لا للاعتقاد، وهو الذي يتوافق تمامًا مع نظرية ابن تيمية الكلية في هذا الباب المترامية في كتاباته طولًا وعرضًا، فيقول: «ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذْكَر للاستشهاد لا للاعتقاد»[29]، وهذه التقريرات التيمية تصادم تمامًا ما يودّ ميرزا تقريره من القول بأن ابن تيمية يؤسس للمعنى القرآني من الكتاب المقدس، وكل تقريرات ابن تيمية في جانب المرويات الكتابية يصادم ذلك مصادمة تامة ويعارض ذلك من كل وجه.

4. إهمال ميرزا لحقيقة عدم اشتغال ابن تيمية بالمادة الكتابية الكاملة حول تحرير اسم والد زوج موسى:

لقد كان لزامًا على ميرزا وهو بصدد إثبات قوله الصادم بأن ابن تيمية قد تطور إلى تأسيس معنى النص القرآني من الكتاب المقدس = أن يتأمل كيفية معالجة ابن تيمية للمسألة من الكتاب المقدس، لقد أغفل ميرزا هذا الواجب المنهجي ففاته ما يرد على تقريره، وهو أن الكتاب المقدس نفسه أورد عددًا من الأسماء لوالد زوج موسى جاءت كلها في التوراة التي بين أيدي القوم؛ أحدها أن اسمه يثرون (سفر الخروج 3: 1)، والآخر أنه رعوئيل (سفر الخروج 2: 18)، والثالث أنه حوباب (سفر القضاة 4: 11).

إن تأمل هذه الملحوظة يُشكِل غاية الإشكال على نظرية ميرزا، ويدعم الرأي المستقر القائل بأن ابن تيمية يتخذ من بعض المعلومات الواردة في الكتابيات مستأنسًا لما هو عنده من الروايات عن الصحابة والتابعين؛ إذ إنّ ابن تيمية تجاهَل قولين موجودين في الكتاب المقدس، وأخذ الثالث الموافق للمروي عن ابن عباس وابن مسعود وأبي عبيدة، وتأمُّل هذا كان فرضًا منهجيًّا على ميرزا ليوافينا بجواباته عن هذه الإشكالات الظاهرة عند التأمل.

5. غلط ميرزا في الإمساك بمقاصد ابن تيمية من رسالة (قصة النبي شعيب):

من المشكلات التي لا تزال تعتري بحوث الاستشراق -بنظري- استحضارهم دائمًا فكرة الصراع داخل مدارس التراث، ومحاولة إعماله في تفسير كل ظاهرة معرفية، وهم لا يزالون يتوارثون هذا في أطروحاتهم فيُحدِث لهم اختلالًا في النَّظر والتحليل والتقرير. وبخصوص ابن تيمية فإنهم يجعلون خلافه مع التيار الأشعري وراء كل أطروحة يأتي بها، ويستدعون هذا الخلاف مُشكِّلًا لكل أطروحة معرفية لدى ابن تيمية، وهو ذاته الأمر الذي تورّط به ميرزا في هذه الورقة؛ فإنه يصرح بأن غرض ابن تيمية من وراء هذا البحث هو الردّ على التيار الأشعري الذي تورّط في أخطاء كثيرة في بحث النبوَّات[30].

لقد استلمح ميرزا هذا من نقد ابن تيمية للثعلبي فيما أورده من أنّ والد زوج موسى هو النبي شعيب، فاتخذ ميرزا منه ذريعة للقول بأنّ ابن تيمية يسلك هذا المسلك لنقد التيار الأشعري القائل بأن الرجل هو شعيب النبي، وهذا مبنيّ على مقدّمتين؛ أُولاهما: أن الثعلبي ممثل للتيار الأشعري في التفسير. وثانيتهما: أن التيار الأشعري مجمع على القول بأن والد زوج موسى هو النبي شعيب.

فأمّا المقدمة الأولى فيرد عليها أن الثعلبي ليس ممثِّلًا للتيار الأشعري من أيّ وجه، فليس ثم مَنْ نَصَّ على رتبة علمية تسمى «ممثّل للتيار»، ويرد عليها أيضًا أن ليس الثعلبي المفسر الأشعري الوحيد، حتى يكون هو ممثل التيار الأشعري باعتبار الواقع، ويرد عليها أيضًا: أن من الأشاعرة من انتقدوا الثعلبي عمومًا[31]، ومنهم من انتقده في هذا الموضع خصوصًا، فكيف يكون ممثلًا لمن ينتقدونه في هذا الموطن بل ينتقده بعضهم عمومًا؟

وأمّا المقدمة الثانية فتبطل مع تصفح قليل لبعض مدونات مفسري الأشاعرة، والذي يخلص به أيُّ مطّلع على كتب التفسير الخاصة بالأشاعرة أنه ليس لأكثرهم قطع في المسألة، بل يتعرضون لحكاية المروي ثم يمضون، وإليك أقوال عدد من كبارهم؛ فهذا الإمام الماوردي الشافعي الأشعري الكبير يقول في تفسيره: «وفي أبيها قولان؛ أحدهما: أنه شعيب النبي -عليه السلام-. الثاني: أنه يثرون ابن أخي شعيب»[32]، انتهى ولم يعقب عليه بترجيح. وكذلك الإمام الكبير ابن عطية الغرناطي الأشعري يقول: «واختلف الناس في الرجل الداعي لموسى -عليه السلام- من هو،  فقال الجمهور: هو شعيب -عليه السلام- وهما ابنتاه، وقال الحسن: هو ابن أخي شعيب واسمه ثروان، وقال أبو عبيدة: يثرون، وقيل: هو رجل صالح ليس من شعيب بنسب»[33]، ولم يعقب على الخلاف بقطعٍ فيه.

بل إنّ إمام المتكلمين وشيخهم الإمام فخر الدين الرازي ينص في تفسيره أنه: ليس في القرآن ما يدل على أن أباهما كان شعيبًا[34]. ويقرر مع ذلك أن المروي عن الصدر الأول وعن مفسري الصحابة أنه ليس شعيبًا؛ بل هو (يثرون).

وتتبُّع مواقفهم يطول حصره، وشاهِدُنا من ذلك أن المفسّرين من الأشاعرة غير مجمعين على أنه شعيب، بل قصارى الأمر أنهم يحكون المروي، وكبار أئمتهم على أنه ليس شعيبًا النبي، فإذا كان ذلك كذلك فمن الغلط المنهجي تسييق جهد ابن تيمية كرَدٍّ على الأشاعرة، بل الظاهر لمن تأمل الرسالة أنها إحدى أعمال ابن تيمية في الجهد الحجاجي عن أطروحته في أصول التفسير، حيث يبطل في هذه الرسالة أحد المزاعم التي يقطع بها بعض المفسرين في باب المبهمات، ويبنون على ذلك بحوثًا وقصصًا، فجاء هذا الجهد تأكيدًا لمسلكه في الوقوف على المنصوص، وفي عدم البحث عن ما أُبهم؛ إذ أكثرُ الخوض في ذلك خوضٌ بالباطل من جهة المعقول والمنقول.

خاتمة:

قامت هذه الورقة على محاولة الإمساك بمنطلقات يونس ميرزا ومعاقد بحثه في ورقته «ابن تيمية مفسرًا»، والتي خلص منها إلى القول بأنه على الرغم من أنّ البناء النظري التفسيري لابن تيمية لا يظهر فيه جليًّا موقفه من محاولة فهم القرآن بمعطيات كتابية = فإنَّ ممارسته التطبيقية للتفسير تدل على أنَّ الرجل قد آلَ أمره إلى العمل بمحاولة فهمٍ أفضل للقرآن من خلال الكتاب المقدس. فجاءت ورقتنا نقدًا لمنهجه ومنطلقاته، وأثبتَتْ أن كثيرًا منها جاءت مخالفة لحقيقة مفهوم ابن تيمية عن التفسير، وغير مطابقة لتقريرات كتابات ابن تيمية، وتلاميذه الأَدْنَيْن. وأثبتت الدراسة أن ميرزا قد أغفل بحوثًا مهمة في كتابات ابن تيمية المـتأخرة، بما لا يمكننا معه القول بأن أطروحة ميرزا صالحة للاعتراف بها على مستوى المنهج والنتائج.

 


[1] وهي ورقة مترجمة على موقع تفسير تحت هذا الرابط: tafsir.net/translation/84، بترجمة: مصطفى هندي، وفي الورقة تعريف بالباحث المؤلف يونس ميرزا، فليراجع الرابط السابق.

[2] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا، ص14.

[3] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا، ص14.

[4] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا، ص14.

[5] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا، ص16.

[6] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا، ص17.

[7] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا، ص41.

[8] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا، ص41.

[9] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا، ص16.

[10] كما أنني أشير إلى أن موقف ابن تيمية من عدد من قضايا التصوف والصوفية قد حظي بتطور كبير خاصة في أواخر أيامه، وليس المقام هنا مناسبًا لبسط ذلك.

[11] الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، ص22.

[12] ربما صدّ ميرزا عن ذلك رؤيته أن ابن كثير ليس تابعًا لابن تيمية في طرحه التأويلي، وهو ما أفصح عنه في ورقة (هل كان ابن كثير متحدثًا باسم ابن تيمية) وهي مترجمة ومنشورة على موقع تفسير، وقد ناقشناه في ذلك وبينّا غلطه، يراجع بحث: (هل كان ابن كثير متحدثًا باسم ابن تيمية؟ تفسير قصة يونس أنموذجًا)، وهي مادة منشورة على موقع تفسير تحت الرابط الآتي: tafsir.net/paper/12 لـيونس ميرزا "عرض وتقويم".

[13] مجموع الفتاوى (13/ 364).

[14] الردّ على البكري (2/ 581).

[15] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا،  ص16.

[16] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا، ص17.

[17] مقدمة أصول التفسير، ص20- 26.

[18] ما ذكره ابن تيمية في مقدمته هو تأصيل لتوظيف الإسرائيليات في التفسير وهو معبّر عن موقفه -برأينا- لاستثمار مرويات الكتاب المقدس في التفسير فلا فرق، وجدير بالنظر أن التأصيل التيمي للموضوع ينطوي على إشكالات كثيرة. يراجع في بيان وتقويم موقف ابن تيمية عدد من المقالات للباحث خليل محمود اليماني حول نقد التأصيل التيمي للإسرائيليات، والمقالات منشورة على مركز تفسير تحت هذا الربط: tafsir.net/article/5165.

[19] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا، ص14.

[20] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا، ص14.

[21] ابن تيمية مفسرًا، يونس ميرزا،  ص14.

[22] التعريف والإعلام للسهيلي، ص50.

[23] مجموع الفتاوى (13/ 345).

[24] تفسير ابن كثير (1/ 31).

[25] تفسير ابن كثير (6/ 229).

[26] رسالة في قصة النبي شعيب، ضمن مجموع الرسائل.

[27] رسالة في قصة النبي شعيب.

[28] رسالة في قصة النبي شعيب.

[29] المقدمة، ص42.

[30] يراجع: ابن تيمية مفسرًا.

[31] ومنهم الفتَّني حيث يقول: «والثعلبي في نفسه كان ذا خير ودين؛ لكن كان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع، والواحدي صاحبه كان أبصر منه بالعربية لكن هو أبعد عن أتباع السلف، والبغوي تفسيره مختصر من ‌الثعلبي لكن صان تفسيره من الموضوع والبدع». انظر تذكرة الموضوعات (ص84).

[32] النكت والعيون (4/ 228).

[33] المحرر الوجيز، (4/ 284).

[34] تفسير الرازي، (24/ 589).

المؤلف

محمد يحيى جادو

باحث في التفسير وعلوم القرآن، وله عدد من المشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))