حرف (الفاء) في القرآن الكريم

من حروف المعاني التي تتكرّر في القرآن الكريم حرف (الفاء)، وهذه المقالة تعرض لمعانيه في القرآن، ومذاهب العلماء فيه، مع التمثيل عليها من كلام المفسِّرين، وهي مستلّة من كتاب (حروف المعاني التي يحتاج إليها المفسِّر).

حرف (الفاء) في القرآن الكريم[1]

حرف الفاء هو ثاني أكثر حروف العطف وُرُودًا في القرآن الكريم، جاء في (٢٩٨٧) موضعًا[2]. ولا تخلو في جميع هذه المواضع من كونها واقعة لأحد الأوجه الآتية:

الأول: أن تكون عاطفة.

والثاني: أن تكون لمجرّد السببية.

والثالث: أن تكون رابطة للجواب.

والرابع: أن تكون زائدة.

الوجه الأول: أن تكون عاطفة:

الفاء العاطفة إمّا أن تعطف المفرد على المفرد أو الجُمْلة على الجُمْلة. وذكر الدكتور عضيمة أن عطفها للمفردات لم يقع في القرآن إلا في عطف الصفات، نحو قوله تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ [الصافات: ۱- ۳][3]، فقال: «فكلّ ما وردَت فيه الفاء عاطفة للاسم المفرد في القرآن كان اسم فاعل معطوفًا على اسم فاعل»[4].

كذا قال رحمه الله، ويُشْكِلُ عليه العطفُ بالفاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ [البقرة: ٢٦]، على القول بأنّ (ما) في قوله تعالى: ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ موصولة بمعنى الذي، معطوفة على (بعوضة)[5].

وأمّا الفاء العاطفة للجُمَل فكثيرة جدًّا في القرآن الكريم.

وتفيد الفاء العاطفة -كما ذكر غير واحد من النحاة- ثلاثة أمور:

الأول: الترتيب، والثاني: التعقيب، والثالث: الدلالة على السببية في عطف الجُمَل أو الصفات غالبًا[6]. وفيما يأتي توضيح لكلّ دلالة من هذه الدلالات الثلاث:

١. الترتيب، وهو نوعان: معنوي وذِكْري:

قال الأستاذ عباس حسن رحمه الله: «والمراد بالترتيب المعنوي: أن يكون زمن تحقّق المعنى في المعطوف متأخّرًا على زمن تحقّقه في المعطوف عليه.. والمراد بالترتيب الذِّكْرِي: أن يكون وقوع المعطوف بها بعد المعطوف عليه بحسب التحدُّث عنهما في كلام سابق وترتيبهما فيه، لا بحسب زمان وقوع المعنى على أحدهما»[7].

وينبني على ما سبق أنّ وقوع الترتيب المعنوي في عطف الجُمَل يفيد أنّ مضمون الجُمْلَة التي بعد الفاء عقيب مضمون الجُمْلَة التي قبلها بلا فصل، ويفيد في الترتيب الذِّكْري أنّ المذكور بعد الفاء كلام مرتب على ما قبلها في الذِّكْر، لا أنّ مضمون الجُمْلَة عقيب مضمون الجُمْلَة التي قبلها في الزمان[8].

ومن مواضع الترتيب الذِّكْرِي عطف المفصَّل على المُجْمَل[9]، نحو قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٦][10]، وقوله تعالى: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣][11]، وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾ [الأنعام: ٧٦][12]، وقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦][13]. ومنه على أحسن الوجوه قوله تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا﴾ [الأعراف: ٤][14]، وللمفسِّرين في الفاء في هذه الآية أوجه متعدّدة لعلّ هذا الوجه هو أحسنها، والله أعلم[15].

ومن مواضعه أيضًا أن يُذكر الشيء ثم يُعطف عليه ما فيه مدح له أو ذمّ، كما في قوله تعالى: ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٧٢][16]، وقوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [الزمر: ٧٤][17].

ويأتي في الإخبار كما في قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا﴾ [مريم: ۷۷]. قال الزمخشري: «والفاء جاءت لإفادة معناها الذي هو التعقيب، كأنه قال: أخبر أيضًا بقصة هذا الكافر، واذكر حديثه عقيب حديث أولئك»[18]. ومنه كما ذكر ابن عاشور الفاء في قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأعراف: ۱۰۱][19].

والغرض من الترتيب الذِّكْرِي بيان أنّ المذكور أوّلًا حقّه أن يتقدم في الذِّكْر؛ لتقدّم رُتبته على رُتبة المتأخر[20]، أو لأن الاهتمام به أَوْلَى[21].

وما ذكرته سابقًا من دلالة الفاء على الترتيب هو قول جمهور النحاة، وخالف في ذلك الفرّاء[22].

٢. التعقيب:

ومعناه عدم الفصل أو عدم المهلة[23]، بمعنى وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه مباشرة بلا فاصل[24].

قال سيبويه: «والفاء وهي تضمّ الشيء إلى الشيء كما فعلت الواو، غير أنها تجعل ذلك متّسقًا بعضه في إثر بعض»[25].

 وهذا المعنى على الصحيح يلازم الفاء، سواء كانت عاطفة أو سببية أو رابطة للجواب[26].

وذهب ابن عطية وأبو حيان إلى أنّ الفاء في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ١٢]، لا تقتضي تعقيبًا، وأنها كالفاء في قولك: «بنيت داري فبدأت بالأسّ»[27]. والظاهر أنها لم تخرج عن دلالتها على التعقيب؛ لأن التفصيل يعقب الإجمال.

وذهب ابن عاشور أيضًا إلى أنّ الفاء في قوله تعالى: ﴿بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ [البقرة: ٢٦]، لا تفيد التعقيب، وقال بأنها استعملتْ في معنى التدرّج في الرُّتَب[28]. والظاهر أنها لم تخرج عن دلالتها على التعقيب؛ لأنّ التدرج في الرُّتَب من الأدنى إلى الأعلى نوع من التعقيب.

وذهب ابن مالك إلى أنّ الفاء قد يكون معها مهلة، واستدلّ بقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ [الحج: ٦٣][29].

وأجاب غير واحد من المفسِّرين عن هذه الآية بأجوبة:

الأول: أن الاخضرار الذي يعقب نزول المطر يوجد في بعض الأماكن مثل مكة وتهامة، ولفظ (تُصْبِح) على هذا القول على حقيقته، أي: تصبح من ليلة المطر[30].

قال ابن عطية: «وقد شاهدتُ هذا في السّوس الأقصى[31] نزل المطر ليلًا بعد قَحْط، وأصبحت تلك الأرض الرملة التي نسفتها الرياح قد اخضرّت بنباتٍ ضعیفٍ دقیقٍ»[32].

والثاني: أنّ الفاء عاطفة على جُمَل محذوفة، والتقدير: فتهتزّ وتربُو فتصبح. قال أبو حيان: «وإذا جعلنا (فتصبح) بمعنى: فتصير، لا يلزم أن يكون ذلك الاخضرار في وقت الصباح، وإذا كان الاخضرار متأخرًا عن إنزال المطر فثَمَّ جُمَل محذوفة، التقدير: فتهتز وتربو فتصبح، يبيّن ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [فصلت: ۳۹][33]. والفاء على هذا الوجه فاء فصيحة؛ لأنها أفصحت عن جُمَل محذوفة[34]، كما في قوله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ﴾ [البقرة: ٦٠]، المعنی: فضربَ فانفجرت[35].

والثالث: أنه لا يلزم من التعقيب وقوع الاخضرار مباشرة؛ لأنّ تعقيب كلّ شيء بحسبه.

قال ابن كثير: «وقوله: ﴿فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ [الحج: ٦٣]، الفاء هاهنا للتعقيب، وتعقيب كلّ شيء بحسبه، كما قال: ﴿خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ [المؤمنون: ١٤]، وقد ثبت في الصحيحين: «أنّ بين كلّ شيئين أربعين يومًا ومع هذا هو معقب بالفاء، وهكذا هاهنا قال: ﴿فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخضَرَّةً﴾ [الحج: ٦٣]، أي: خضراء بعد يبسها ومحولها، وقد ذكر عن بعض أهل الحجاز: أنها تصبح عقب المطر خضراء، فالله أعلم»[36].

وقال في قوله تعالى: ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ۲۲- ۲۳]: «فالفاء وإن كانت للتعقيب، ولكن تعقيب كلّ شيء بحسبه، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ [المؤمنون: ١٢- ١٤]، فهذه الفاء للتعقيب بحسبها. وقد ثبت في الصحيحين: أنّ بين كلّ صفتين أربعين يومًا، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ [الحج: ٦٣]»[37]. وهذا القول نصّ عليه جماعةٌ من النحاة، وذهب بعضهم إلى أن الفاء في هذه الآية للسببية[38].

المعاني والإشارات البلاغية المستفادة من دلالة الفاء على التعقيب:

اعتنى كثيرٌ من المفسِّرين ببيان الأغراض البلاغية للفاء في كثير من الآيات، نحو دلالتها على قُرْب الإجابة في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ﴾ [الأعراف: ١٣٥][39]، ودلالتها على إسراع الخليل -عليه السلام- في إكرام الضيف في قوله تعالى: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ [الذاريات: ٢٦- ٢٧][40]، ودلالتها على مبادرة الملائكة ومسارعتهم إلى امتثال أمر الله في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٣٤][41]، ودلالتها على سرعة نقل الكلام إلى امرأة العزيز في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ﴾ [يوسف: ٣١][42]. وهذا باب واسع، وهو من دلائل بلاغة القرآن الكريم وإعجازه.

٣. السببية:

وتدلّ عليها الفاء غالبًا في عطف الجُمَل، أو عطف الصِّفَات[43].

 والفاء الدالة على السببية في عطف الجُمَل كثيرة جدًّا في القرآن الكريم، نبّه عليها كثيرٌ من المفسِّرين في كثير من المواضع؛ لإيضاح وبيان معنى الآية، وقد جمعتُ من كلام المفسِّرين في ذلك شيئًا كثيرًا، ومن الآيات التي تكلّموا فيها على دلالة الفاء على هذا المعنى ما يأتي:

1. قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤][44].

2. قوله تعالى: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦][45].

3. قوله تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾ [الأنعام: ۱۰۲][46].

4. قوله تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: ٥٠][47].

5. قوله تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف: ٧٩][48].

6. قوله تعالى: ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾ [النازعات: ۱۹][49].

7. قوله تعالى: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ [يوسف: ۱۸][50].

وقد نبّه البقاعي في (نظم الدُّرَر) على كثير من مواضع هذه الفاء[51]. وهو من المعاني الثابتة للفاء، ولا عِبْرة بقول أبي حيان رحِمَهُ اللهُ: «ودعوى أنّ الفاء تكون سببية لا دليل عليها، وإنما معناها التعقيب فقط، وأمّا مثل: ضربتُ زیدًا فبَکَی، وزنَی ماعزٌ فرُجِم، فالتسبيب فُهم من مضمون الجملة، [لا أن][52] الفاء موضوعة له، وإنما يفيد تعقيب الضرب بالبكاء وتعقيب الزِّنَى بالرجم فقط»[53]. وقد خالف أبو حيان هذا القول وأثبت هذا المعنى ونصّ عليه في غير موضع من تفسيره، منها: قوله تعالى: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤][54]، وقوله تعالى: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦][55].

وقد يدقّ في بعض المواضع ملاحظة معنى السببية، كما في قوله تعالى: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ * فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ [المدثر: ۷- ۸]، قال في (الكشاف): «والفاء في قوله: ﴿فَإِذَا نُقِرَ﴾ للتسبيب، كأنه قال: اصبر على أذاهم، فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم، وتلقى فيه عاقبة صبرك عليه»[56].

ومن أمثلة دلالة الفاء على معنى السببية في عطف الصفات المشتقات: قوله تعالى: ﴿لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ﴾ [الواقعة: ٥٢- ٥٤][57].

وأمّا الفاء في قوله تعالى: ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ [الواقعة: ٥٥]، بعد هذه الآيات، فذهب الزمخشري إلى أنّها جاءت للتفاوت في الرتبة؛ لأنّ شُرْبَ أهل الشمال للحميم أمرٌ عجيب، وشُربهم له كما تَشرب الهيمُ أعجب، ووضح هذا المعنى بقوله: «فإن قلت: كيف صحّ عطف الشاربين على الشاربين، وهما لذوات متفقة، وصفتان متفقتان، فكان عطفًا للشيء على نفسه؟ قلت: ليستَا بمتفقتين، من حيث إنّ كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة وقطع الأمعاء أمر عجيب، وشربهم له على ذلك كما تشرب الهيم الماء أمر عجيب أيضًا، فكانتَا صفتين مختلفتين»[58].

وذهب أبو حيان إلى أنّ الفاء في هذه الآية «تقتضي التعقيب في الشربين، وأنهم أولًا لمّا عطشوا شربوا من الحميم ظنًّا أنه يسكِّن عطشهم، فازداد العطش بحرارة الحميم، فشربوا بعده شربًا لا يقع به ريّ أبدًا، وهو مثل شُرب الهيم، فهما شُربان من الحميم لا شُرب واحد، اختلفت صفتاه فعطف، والمقصود الصفة. والمشروب منه في ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ [الواقعة: ٥٥]، محذوف لفهم المعنى، تقديره: فشاربون منه شُرب الهيم»[59].

وحسّن السمين الحلبي جواب الزمخشري، فقال بعد نقله لكلام شيخه: «والظاهر أنه شُرب واحد، بل الذي نعتقد هذا فقط، وكيف يناسب أن تكون زيادتهم العطش بشربه مقتضية لشربهم منه ثانيًا؟»[60]. وعلى القول بأنه شُرب واحد -وهو الظاهر والله أعلم- يكون ذِكْر الشرب في قوله تعالى: ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ [الواقعة: ٥٥]؛ لفائدتَيْن ذكرهما الحلبي؛ الأولى: التنبيه على كثرة شربهم. والثانية: عدم جدوى الشرب، وأنّ المشروب لا ينجع فيهم كما لا ينجع في الهيم[61].

لا تنافي بين العطف والسببية:

مما نبّه عليه النحاةُ أنه لا تنافي بين دلالة الفاء على العطف والتعقيب ودلالتها على السببية. قال الرضي: «لا تنافي بين السببية والعاطفة، فقد تكون سببية وهي مع ذلك عاطفة جُمْلة على جُمْلة، نحو: يقوم زيد فيغضب عمرو، لكن لا يلازمها العطف، نحو: إن لقيته فأكرمه»[62].

وقال ابن جني: «ولما ذكرناه من حال هذه الفاء من أنّ ما بعدها يقع عقيب ما قبلها، ما جاز أن يقع ما قبلها علةً وسببًا لما بعدها، وذلك أنَّ العلّة سبب كون المعلول وموجبته، وذلك قولك: الذي أكرمني فشكرته زيد، فإنما اخترت الفاء هنا من بين حروف العطف؛ لأن الإكرام علّة لوقوع الشكر، فعطف بالفاء؛ لأن المعلول ينبغي أن يقع ثاني العلّة بلا مهلة»[63].

ومن مواضع دلالة الفاء على السببية المواضع التي يأتي فيها الفعل المضارع منصوبًا بأن مضمرة بعد الفاء، وذلك حين يسبقها نفي أو طلب كالنهي والدعاء والاستفهام والعرض والتحضيض والتمني والترجي، كما في نحو قوله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود: ١١٣][64]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٨][65].

واختلف النحاة في هذه الفاء أعاطفة هي أم لا؟ فمذهب البصريين أنّها عاطفة، والفعل منصوب بـ(أن) مضمرة بعد الفاء، والفاء عاطفة لمصدر مقدّر على مصدر قبله متوهّم[66].

دلالات الفاء في عطف الصفات:

تدخل الفاء في عطف الصفات للدلالة على الترتيب والتعقيب بين الصفات المتعاطفة. قال أبو حيان: «والنعوت يجوز عطف بعضها على بعض إذا اختلفت معانيها، فإن كانت معانيها لا يظهر فيها ترتيب كان العطف بالواو خاصّة، وإن دلّت على أحداث واقع بعضها إثر بعض كان العطف بالفاء، نحو: مررتُ برجلٍ قائمٍ إلى زید فضاربه فقاتله»[67].

وجاء عطف الصفات في قوله تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ [الصافات: ۱- ۳]، وقوله تعالى: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا﴾ [الذاريات: ١- ٤]، وقوله تعالى: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ [النازعات: ٣- ٥]، وقوله تعالى: ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا﴾ [المرسلات: ١- ٥]، وقوله تعالى: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِياتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا﴾ [العاديات: ١-٣]، وقوله تعالى: ﴿لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ [الواقعة: ٥٢- ٥٥]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق: ٦][68]. وجميع هذه الآيات جاء فيها عطف اسم الفاعل على اسم الفاعل.

وذكر الزمخشري في تفسيره قاعدة حَسَنَة تكشف عن دلالات الفاء العاطفة للصفات، حيث قال: «فإن قلتَ: ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات؟ قلتُ: إمّا أن تدلّ على ترتب معانيها في الوجود، كقوله:

يا لهف زيّابة للحارث الصَّـ ** ــابح فالغانم فالآيـب[69]

كأنه قيل: الذي صبح فغنم فآب. وإمّا على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه، كقولك: خذ الأفضل فالأكمل، واعمل الأحسن فالأجمل. وإمّا على ترتب موصوفاتها في ذلك، كقوله: رحم اللهُ المحلِّقين فالمقصِّرين، فعلى هذه القوانين الثلاثة ينساق أمر الفاء العاطفة في الصفات»[70].

وتوضيح ما ذكره: أنّ الصفات التي يعطف بعضها على بعض بالفاء لها حالتان:

الحالة الأولى: أن تكون الفاء عاطفة لصفات مختلفة لموصوف واحد، ولها حالتان:

الأولى: أن تدلّ الفاء على ترتيب حدوث تلك الصفات ووجود بعضها عقيب بعض، كما في نحو: جاءني زيد الآكل فالنائم، أي: الذي يأكل فينام[71].

والثانية: أن تدلّ الفاء على الترتيب والتفاضل بين تلك الصفات من بعض الوجوه، كقولك: خذ الأكمل فالأفضل، واعمل الأحسن فالأجمل. فـ«ليس المراد أنّ وجود الفضل متأخِّر عن وجود الكمال، بل المراد حصِّل الأكمل فالأفضل، أي: خُذ الفرد الكامل ثم الذي يليه في الكمال»[72]، وهذا عند إرادة التدلّي، وقد يعكس ويراد بالفاء الترقّي[73].

والحالة الثانية: عطف الموصوفات أو الذوات المختلفة ذات الصفات المختلفة، وتدخل الفاء للدلالة على الترتيب والتفاضل بين الموصوفات بحسب الاختلاف في الصفات، كما في نحو: رحم اللهُ المحلِّقين فالمقصِّرين، «فحصول الرحمة للمقصِّرين متأخِّر عن حصولها للمحلِّقين»[74]، والنظر في هذه الحالة للذّوات المتّصفة بالحدث لا للحدث[75].

وزاد بعضهم حالةً ثانية متفرّعة عن الحالة الثانية، وهي أن تعطف الموصوفات أو الذوات المختلفة ذات الصفات المختلفة للدلالة على ترتيب معانيها في الوجود، نحو: أحلّ المتمتع فالقارن فالمفرِد[76].

وأجرى الزمخشريُّ هذه القاعدة على عطف الصفات في قوله تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ [الصافات: ١- ٣]، فقال: «إنْ وحّدت الموصوف كانت للدلالة على [أنّ] ترتب الصفات في التفاضل، وإن ثلّثته فهي للدلالة على ترتب الموصوفات فيه، بيان ذلك: أنك إذا أجريتَ هذه الأوصاف على الملائكة وجعلتهم جامعين لها، فعطفها بالفاء يفيد ترتبًا لها في الفضل: إمّا أن يكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة، وإمّا على العكس، وكذلك إن أردت العلماء وقوّاد الغزاة. وإن أجريت الصفة الأولى على طوائف والثانية والثالثة على أُخَر فقد أفادت ترتب الموصوفات في الفضل، أعني أن الطوائف الصافات ذوات فضل والزاجرات أفضل، والتاليات أبهر فضلًا، أو على العكس»[77].

قال أبو حيان: «ومعنى العكس في المكانين: أنك ترتقي من أفضل إلى فاضل إلى مفضول، أو تبدأ بالأدنى، ثم بالفاضل، ثم بالأفضل»[78].

ويلاحظ أنّ دخول الفاء في الحالات السابقة يفيد الدلالة على الترتيب والتعقيب، إمّا في الوجود؛ لأن الحدث في كلّ صفة وجد عقيب الحدث في الصفة التي قبله، وإمّا في الرُّتَب؛ لأنّ رُتْبَة الصفة المعطوف عليها أعلى من رُتْبَة الصفة التي جاءت عقيبها، أو العكس.

وقد تدلّ الفاء في عطف الصفات على معنى السببية كما في قوله تعالى: ﴿لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ﴾ [الواقعة: ٥٢- ٥٤]. فالترتيب في عطف هذه الصفات ترتيب في الوجود[79].

الوجه الثاني من أوجه الفاء: أن تكون للسببية مجرّدة عن معنى العطف:

ومَثّل عليه جماعة بالفاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: ۱- ۲]؛ لأنه لا يجوز عطف الإنشاء على الخبر ولا العكس.

قال ابن عرفة: «الفاء للتسبيب، أي: بسبب ذلك اشكر ربك وصلِّ له»[80]، وعبّر أبو السعود عن هذا المعنى بقوله: «والفاء في قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ﴾ [الكوثر: ٢]؛ لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ فإنّ إعطاءَه تعالى إيّاه -عليه السلام- ما ذكر من العطية التي لم يعطها ولن يعطيها أحدًا من العالمين مستوجبٌ للمأمور به»[81].

وكثيرًا ما يُعبّر أبو السعود والآلوسي عن معنى السببية بقولهم: والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها[82].

وجعلها ابن عاشور للتفريع، وهذا المعنى نصّ عليه ابن عاشور في مواضع كثيرة من تفسيره، ويريد به في مواضع معنى السببية، كما في قوله تعالى: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦]، حيث قال: «وقوله: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦]، جيء فيه بالفاء للتفريع عن كونه مَولى؛ لأنّ شأن المولى أن ينصر مولاه»[83]، والظاهر أنه يريد به هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: ۲]، وقد جمع بين هذا التفريع والتسبب في بعض المواضع[84].

وقد يطلِق ابن عاشور هذا المعنى في مواضع أخرى ويريد به الترتيب المعنوي، كما في قوله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ﴾ [يونس: ٧٣]، حيث قال: «الفاء للتفريع الذِّكْرِي، أي: تفريع ذِكْر هذه الجُمَل على ذِكْرِ الجُمَل السابقة؛ لأن الشأن أن تكون لما بعد الفاء مناسبة لما قبلها تقتضي أن يذكر بعدها فيؤتى بالفاء للإشارة إلى تلك المناسبة، كقوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ۷۲]»[85].

وقال أيضًا في قوله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾ [البقرة: ۱۰۹]: «وقد جاء التفريع بالفاء هنا في معنى تفريع الكلام على الكلام لا تفريع معنى المدلول على المدلول؛ لأنّ معنى العفو لا يتفرّع عن ودّ أهل الكتاب، ولكن الأمر به تفرّع عن ذِكْر هذا الودّ الذي هو أذى»[86].

وممن قال بأنّ الفاء في قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: ٢] لمجرد السببية ابنُ هشام والزركشيُّ والسيوطيُّ[87].

والقول بأنّه لا يجوز عطف الإنشاء على الخبر وعكسه من المسائل المختلف فيها[88]، صحّح ابن هشام في مغني اللبيب مذهب المانعين[89].

الوجه الثالث من أوجه الفاء: أن تكون رابطة لجواب الشرط:

الأصل في جواب (إِنْ) الشرطية وما تضمّن معناها من أدوات الشرط أن يكون فعلًا، كما يشترط ذلك في فعل الشرط[90]؛ لأنَّ الجواب شيء يتوقف وجوده على وجود شرطه، والأفعال هي التي تحدث وتنقضي، ويتوقّف وجود بعضها على وجود بعض[91].

قال ابن يعيش: «وأمّا إذا كان الجزاء بشيء يصلح الابتداء به كالأمر والنهي والابتداء والخبر [فكأنه][92] لا يرتبط بما قبله، وربما آذَن بأنه كلامٌ مستأنفٌ غير جزاءٍ لما قبله، فإنه حينئذ يفتقر إلى ما يربطه بما قبله؛ فأتوا بالفاء لأنها تُفيد الاتّباع، وتؤذِن بأنَّ ما بعدها مسبّب عمّا قبلها؛ إِذْ ليس في حروف العطف حرف يوجد فيه هذا المعنى سوى الفاء، فلذلك خصّوها من بين حروف العطف، ولم يقولوا: إِنْ تُحسن إِلَيَّ والله يجازيك، ولا ثم الله يجازيك»[93].

وذكر النحاة أنّ جواب الشرط إذا كان جملةً اسمية أو جملةً فعلية فِعلها جامد أو فعلًا مقرونًا بحرف استقبال أو بقد أو منفيًّا بلن أو ما، أو كان جملةً فعلية طلبية؛ فإنّه يجب دخول الفاء الرابطة في الجواب[94]؛ لتدلّ على ارتباط جملة الجواب بجملة الشرط، ولتفيد الدلالة على معنى التعقيب ومعنى السببية[95].

قال الرضي: «إن كان الجزاء مما يصلح أن يقع شرطًا، فلا حاجة إلى رابطة بينه وبين الشرط؛ لأنّ بينهما مناسبة لفظية من حيث صلاحية وقوعه موقعه، وإن لم يصلح له فلا بد من رابط بينهما، وأَوْلَى الأشياء به: الفاء؛ لمناسبته للجزاء معنى، لأنّ معناه: التعقيب بلا فصل، والجزاء متعقّب للشرط كذلك»[96].

والأمثلة على دخول الفاء الرابطة في جواب الشرط كثيرة في القرآن الكريم، ذكر ابن هشام والسيوطي جملة منها[97].

الفاء الرابطة لشبه الجملة الجوابية بشبه الشرط:

قال ابن هشام: «كما تربط الفاء الجواب بشرطه كذلك تربط شبه الجواب بشبه الشرط، وذلك في نحو: «الذي يأتيني فله درهم»، وبدخولها فُهِم ما أراده المتكلِّم من ترتب لزوم الدرهم على الإتيان، ولو لم تدخل احتمل ذلك وغيره»[98].

وتدلّ هذه الفاء على معنى التعقيب والسببية[99]، وذكر ابن عطية أنها تجيء مؤكّدة للمعنى، وقد يُستغنى عنها إذا لم يقصد التأكيد، كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥][100]. ويزاد على هذا ما ذكره الزمخشري من أنّ عدم ذِكْرها يأتي للدلالة على أنّ الموصول قبلها لم يضمَّن معنى الشرط، وعليه فإنّه لا حاجة إلى الربط بالفاء الدالّة على معنى التعقيب والسببية.

ومن متشابه الآيات في هذا: قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦٢]، وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٢٧٤].

قال الزمخشري: «فإن قلت: أيّ فرق بين قوله: ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٢]، وقوله فيما بعد: ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٤]؟ قلت: الموصول لم يضمَّن هاهنا معنى الشرط وضمَّنه ثمة، والفرق بينهما من جهة المعنى أنَّ الفاء فيها دلالة على أنَّ الإنفاق به استحقّ الأجر، وطرحها عارٍ عن تلك الدلالة»[101].

وقوله: «به استحقّ الأجر» تنبيه على معنى السببية[102]؛ يريد أن حصول الأجر في الآية الثانية مرتّب ومسبّب على الإنفاق[103]. وذكر الطيبي أنَّ في تضمّن الآية الثانية معنى الشرط تعليقًا للكلام، وفي زواله تحقيق للخبر، وإنما بنيت الجُمْلَة في الآية الأولى على التحقيق؛ لأنها واردة في الحثّ على الإنفاق في سبيل الله لرفع منار المسلمين وإشادة الدِّين القويم[104].

وقد تكلّم كثيرٌ من المفسِّرين على هذه الفاء في جملة من الآيات، منها:

1. قوله تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: ٥٣][105].

قال ابن عطية: «والفاء في قوله: ﴿فَمِنَ اللهِ﴾ [النحل: ٥٣] دخلتْ بسبب الإبهام الذي في (ما) التي هي بمعنى الذي، فأشبه الكلام الشرط، ومعنى الآية: التذكير بأنّ الإنسان في جليل أَمْرِه ودقيقه إنما هو في نعمة الله وأفضاله، إيجاده داخل في ذلك فما بعده»[106].

2. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: ۲۱][107].

قال ابن عطية: «ودخلت الفاء في قوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾ لِمَا في (الذي) من معنى الشرط في هذا الموضع، فذلك بمنزلة قولك: الذي يفعل كذا فله كذا، إذا أردت أنّ ذلك إنما يكون له بسبب فعله الشيء الآخر»[108].

3. قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥][109].

4. قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٦٦][110].

5. قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢][111].

6. قوله تعالى: ﴿وَالسَارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَأَقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ۳۸][112].

7. قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٢][113].

8. قوله تعالى: ﴿فَمَا أُوتِيتُم مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الشورى: ٣٦][114].

ومن مواضع هذه الفاء دخولها في خبر (إنّ) إذا كان اسمها مضمّنًا معنى الشرط، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: ۲۱][115]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [محمد: ٣٤][116]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ [الأحقاف: ۱۳][117]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا﴾ [آل عمران: ٩١][118].

الفاء الفصيحة:

من أحكام الفاء التي قرّرها النحاة أمران:

الأول: أنه يجوز حذفها مع معطوفها لدليل، كما في قوله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ [البقرة: ٦٠][119]، فالفاء في ﴿فَانْفَجَرَتْ﴾ عاطفة على محذوف لا بدّ منه والتقدير: فضربَ فانفجرت[120]. وجاء مثل هذا الحذف في قوله تعالى: ﴿أَنِ اضْرِبْ بَعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ [الشعراء: ٦٣]، وقوله تعالى: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ [الأعراف: ١٦٠].

قال الفرّاء في الآية الأولى: «معناه -والله أعلم- فضربَ فانفجرت، فعُرِف بقوله: ﴿فَانْفَجَرَتْ﴾ أنَّه قد ضرب؛ فاكتفى بالجواب لأنه قد أدى [عن] المعنى»[121].

وذكر البقاعي أنّ لهذا الحذف دلالته على سرعة امتثال موسى -عليه السلام- لِمَا أمره الله به، وسرعة تأثير الضرب الذي وقع منه[122].

والثاني: أنه يجوز حذف جملة الشرط مع الأداة، وهو -كما قال ابن هشام- مطّرد بعد الطلب، كما في نحو قوله تعالى: ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ [آل عمران: ۳۱]، والتقدير: فإِنْ تتبعوني يحبِبْكُم الله[123].

ويجيء هذا الحذف بدون الطلب -وهو المقصود بالكلام هنا- كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت: ٥٦]، قال الزمخشري: «فإِنْ قلتَ: ما معنى الفاء في ﴿فَاعْبُدُونِ﴾ وتقديم المفعول؟ قلتُ: الفاء جواب شرط محذوف؛ لأنّ المعنى: إنَّ أرضى واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها لي في غيرها، ثم حذف الشرط وعوّض من حذفه تقديم المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص»[124]. وقال بهذا التقدير ابن هشام من النحاة[125]، ومن المفسِّرين البيضاوي والنسفي والآلوسي[126].

 وأمّا أبو حيان فيجعل الفاء في مثل هذا الموضع في جواب أمرٍ مقدّر، والتقدير: تنبّهوا فاعبدون[127]، وتبعه البقاعي[128]، والفاء على هذا الوجه عاطفة، وقيل: الفاء في مثل هذا التركيب زائدة[129].

ومن الآيات الأخرى التي قيل إنّ الفاء فيها واقعة في جواب شرط محذوف: قوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ﴾ [الشورى: ٩]، التقدير: «إِنْ أرادوا وليًّا بحقّ، فالله هو الولي بالحقّ، لا وليّ سواه»[130]. وقيل: الفاء عاطفة، ولا حاجة إلى تقدیر شرط محذوف[131].

الخلاف في الفاء التي يطلق عليها الزمخشري الفاء الفصيحة:

نصّ الزمخشري على هذا الوصف في آيتين:

الأولى: قوله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ﴾ [البقرة: ٦٠]، والثانية: قوله تعالى: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات: ١٢].

حيث جوّز في قوله: ﴿فَانْفَجَرَتْ﴾ أن تكون الفاءُ عاطفةً والمعطوفُ عليه محذوفًا، وأن تكون رابطةً لجواب الشرط، وجملة الشرط محذوفة، فقال: «﴿فَانْفَجَرَتْ﴾، الفاء متعلقة بمحذوف، أي: فضربَ فانفجرت، أو فإِنْ ضربت فقد انفجرت، كما ذكرنا في قوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤]، وهي على هذا فاء فصيحة لا تقع إلا في كلام بليغ»[132].

والذي ذكره في قوله تعالى: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤]، أنّ الفاء في هذه الآية متعلقة بمحذوف، وجعل التقدير تبعًا لأحد معنيين:

الأول: أن يكون قوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ منتظمًا في قول موسى عليه السلام، كأنه قال: فإن فعلتم فقد تاب عليكم.

والثاني: أن يكون قوله تعالى: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ خطابًا من الله تعالى لهم على طريقة الالتفات. والتقدير: ففعلتم ما أمركم به موسی فتاب علیکم بارئكم.

والفاء على التقدير الأول عاطفة والمعطوف عليه محذوف، وعلى الثاني جوابية، وجملة الشرط محذوفة.

واختُلف في مُراد الزمخشري بقوله: «وهي على هذا فاء فصيحة»، هل يقصد بالفاء الفصيحة الفاء على كِلَا التقديرين اللذَيْن جوّزهما؟ أم يريد بذلك الفاء على التقدير الثاني الذي تكون فيه الفاء في جواب شرط محذوف؟

قال الطيبي: «ظاهره يقتضي أنّ الفاء على التقدير الثاني فصيحة... ولا يبعد أن يُقال: إنّ المراد من قوله: (على هذا)، أي: على أنّها محتملة لهذَيْن المعنيين»[133].

والقول بأنّ الفاء الفصيحة هي الفاء العاطفة على جُملة أو جُمَل محذوفة هو قول السكاكي في (مفتاح العلوم)[134].

والظاهر من صنيع أبي السعود والآلوسي وابن عاشور أن الفاء الفصيحة تشمل الفاء العاطفة على جملةٍ محذوفة أو جُمَلٍ محذوفة، والفاء الجوابية التي تكون في جواب شرط محذوف، قال ابن عاشور: «وهذه طريقة الجمهور»[135].

ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره أبو السعود في قوله تعالى: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ [الذاريات: ٢٦]: حيث قال: «والفاء في قوله تعالى: ﴿فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ فصيحة، مفصحة عن جُمَلٍ قد حُذفت ثقةً بدلالة الحال عليها، وإيذانًا بكمال سرعة المجيء بالطعام، كما في قوله تعالى: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ [الشعراء: ٦٣]، أي: فذبح عجلًا، فحنذه، فجاء به»[136]. وقال الآلوسي بنحو قوله هذا[137].

وقال -أعني أبا السعود- في تفسير قوله تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾ [التغابن: ۸]: «والفاء في قوله تعالى: ﴿فَآمِنُوا﴾ فصيحة، مفصحة عن شرط قد حُذف ثقةَ ظهوره، أي: إذا كان الأمر كذلك ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾»[138]، وتبعه الآلوسي في هذا القول[139].

وقال ابن عاشور في قوله تعالى: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٩]: «والفاء فصيحة تؤذِن بكلام مقدّر هو شرط، والتقدير: فإِنْ كان قولكم لمجرد اتّباع الظنّ والخرص وسوء التأويل، فلله الحُجّة البالغة»[140]. والقول بأنّ الفاء في هذه الآية واقعة في جواب شرط مقدّر قال به الزمخشري وأبو السعود والآلوسي[141].

وفي تفاسير كلٍّ من أبي السعود والآلوسي وابن عاشور مواضع كثيرة نَصُّوا فيها على هذه الفاء[142].

قول أبي حيان في الفاء الفصيحة التي تكون جوابًا لشرط مقدّر:

المتتبّع لكلام أبي حيان في تفسيره يجد اختلافًا ظاهرًا في منعه وتجويزه حذف جملة الشرط مع الأداة، ففي مواضع يتعقّب الزمخشري ويردّ القول به[143]، ويقول: «ولا يحذف الشرط ويبقى جوابه إلا إذا انجزم الفعل في الذي يطلق عليه أنه جواب الأمر والنهي وما ذكر معهما على قول بعضهم، أمّا ابتداءً فلا يجوز حَذْفه»[144]. وفي مواضع أخرى يوافق الزمخشري ويقول بتقدير حذف جملة الشرط، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٩١][145]، وقوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر: ١٠][146]، وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ﴾ [البقرة: ٢٥٨][147].

وقد لخّص منهجه الدكتور محمد عبد الخالق عضيمة، بقوله: «والمتتبّع لكلام أبي حيان يجده اعترض على الزمخشري في مواضع تزيد عن العشرة، ثم قال بهذا التقدير في مواضع سكت فيها الزمخشري عن هذا التقدير، ثم وافقه في مواضع أخرى»[148].

والظاهر بعد عرض ما سبق أنّ الفاء الفصيحة تشمل كِلَا التقديرَيْن السابقَيْن، سواء أفصحت عن جملةٍ أو عن جُمَلٍ محذوفة أو أفصحت عن شرطٍ محذوف، لكن يُراعى في كلّ موضع التقدير اللائق به. فالظاهر في قوله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ﴾ [البقرة: ٦٠]، أنها عاطفة والمعطوف عليه محذوف، والتقدير: فضربَ فانفجرت، وعلى هذا أكثر المفسِّرين، وأمّا تجويز الزمخشري أن تكون الفاء مفصحة عن شرط مقدّر، والتقدير: فإِنْ ضربْتَ فقد انفجرت، «فغَير بيِّنٍ» كما قال ابن عاشور[149].

الوجه الرابع: أن تكون زائدة:

القول بزيادة الفاء لا يقول به سیبویه وجمهور النحاة[150]، ونقل عن الأخفش أنه يقول بجواز زيادة الفاء في الخبر مطلقًا[151]، واستدلّ على هذا بقول الشاعر:

وقائلةٍ: خَوْلانُ فَانْكِحْ فتَاتَهُمْ ** وأَكرومَةُ الحَيَّيْنِ خلوٌ كمَا هِيَا[152]

والظاهر أنّ قول الأخفش بالزيادة لا يقتصر على الخبر؛ لأنه نَصَّ في كتابه (معاني القرآن) على زيادتها في قوله تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ﴾ [البقرة: ۸۷][153]، وكذلك في قوله تعالى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [آل عمران: ۱۸۸]، حيث جعل قوله تعالى: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ﴾ بدلًا من ﴿لَا تَحْسَبَنَّ﴾ الأُولى[154]، والعطف لا يقع بين البدل والمبدل منه.

وفي هذه الآية عدّة قراءات[155]، خُرِّجَت بأكثر من وجه؛ منها ما ذهب إليه جماعة من أنّ الفاء زائدة، وممن قال بذلك ابن عطية والعُكْبري وأبو حيان والآلوسي وأبو السعود[156].

قال السمين الحلبي بعد عرضه وجوه الأعاريب في هذه القراءات: «إلا أنّ زيادة الفاء ليس رأي الجمهور، إنما قال به الأخفش»[157].

ونقل عن الفرّاء وجماعة[158] تقييد زيادة الفاء في خبر المبتدأ بالحال التي يكون الخبر فيها أمرًا أو نهيًا[159]، كما جاء في البيت السابق على أنّ (خَوْلان) مبتدأ، وجملة (فَانْکِح) هي الخبر. وجوّز الزجّاج في قوله تعالى: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ [ص: ٥٧]، أن يكون ﴿هَذَا﴾ مبتدأ، و﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾ خبرًا، وينبني عليه أن تكون الفاء زائدة[160].

والذين لا يثبتون زيادة الفاء يجعلون (خَوْلان) في قول الشاعر:

وقائلةٍ: خَوْلانُ فَانْكِحْ فتَاتَهُمْ .........................[161]

خبرًا لمبتدأ محذوف، والتقدير: هذه خَوْلان فانْكِح فتاتَهم[162]، والفاء على هذا القول لمجرد السببية[163]. وأمّا الآية ففيها عدّة أعاريب؛ منها: أنّ الخبر ﴿حَمِيمٌ﴾، وجملة: ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾ اعتراضية[164]، ومنها: أنّ ﴿هَذَا﴾ خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: العذاب هذا فليذوقوه، إلى غير ذلك من وجوه الإعراب التي تبقى الفاء فيها على بابها.

وهناك آيات أخرى قيل فيها بزيادة الفاء، كقوله تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة: ٤٠]، وقوله تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ [البقرة: ٤١][165]، وقوله تعالى: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: ۳- ٥][166]. والأقوى حمل الفاء في جميع هذه الآيات على عدم الزيادة.

قال أبو حيان: «والفاء في قوله: ﴿فَارْهَبُونِ﴾ دخلت في جواب أمرٍ مقدّر، والتقدير: تنبّهوا فارهبون»[167]. وبعضهم يضمِّن الكلام معنى الشرط، ويجعل التقدير: إن كنتم راهبين شيئًا فارهبون، والفاء على هذا الوجه جزائية[168].

وفي قوله تعالى: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ [المدثر: ۳]، ذهب الزمخشري إلى أنّ الفاء تدلّ على تضمين الكلام معنى الشرط، كأنه قيل: وما كان فلا تَدَع تكبيرَه[169]، قال ابن عاشور: «والمعنى: أَنْ لا يفتر عن الإعلان بتعظيم الله وتوحيده في كُلّ زمان وكلّ حال، وهذا من الإيجاز»[170].

 

 

[1] هذه المقالة من كتاب (حروف المعاني التي يحتاج إليها المفسّر ودلالاتها وأثرها في التفسير)، الصادر عن مركز تفسير سنة ۱٤٤٢هـ، تحت عنوان: (الحرف الثاني: الفاء)، ص۱٩٧ وما بعدها. (موقع تفسير)

[2] انظر: معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم، لعمايرة والسيد، ص۲۸۷- ۳۳۱.

[3] نبّه على هذا الدكتور محمد عبد الخالق عضيمة رحمه الله. انظر: دراسات لأسلوب القرآن الكريم (٢/ ١٨٩).

[4] دراسات لأسلوب القرآن الكريم (٢/ ١٨٩).

[5] انظر: الدر المصون، للحلبي (١/ ٢٢٦).

[6] انظر: شرح التسهيل، لابن مالك (٣/ ٣٥١- ٣٥٥)، والجنى الداني، للمرادي، ص٦١- ٦٥، ومغني اللبيب، لابن هشام، ص۱۸۳- ١٨٦، وهمع الهوامع، للسيوطي (٥/ ٢٣٢- ٢٣٣).

[7] النحو الوافي (٣/ ٥٧٣). وانظر: شرح التصريح على التوضيح، لخالد الأزهري (٢/ ١٦٠)، وحاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك (٣/ ٩٣).

[8] انظر: شرح الرضي على الكافية (٦/ ١٤٩) بتصرف يسير.

[9] انظر: شرح التصريح على التوضيح، لخالد الأزهري (٢/ ١٦٠)، وحاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك (٣/ ٩٣).

[10] انظر: الكشاف، للزمخشري (١/ ٢٠٦).

[11] انظر: مغني اللبيب، ص۱۸۳.

[12] انظر: روح المعاني، للآلوسي (٧/ ٢٨٨).

[13] انظر: التحرير والتنوير (١/ ٣٦٣).

[14] انظر: نتائج الفكر، للسهيلي، ص١٩٦، وشرح الرضي على الكافية (٦/ ١٥٠).

[15] انظر: جامع البيان، للطبري (١٠/ ٦٠- ٦١)، والمحرر الوجيز، لابن عطية (٥/ ٤٢٧)، والكشاف، للزمخشري (٢/ ٦٨)، والبحر المحيط، لأبي حيان (٤/ ٣٤٦- ٣٤٧).

[16] انظر: شرح الرضي على الكافية (٦/ ١٥٠)، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (٨/ ٢١)، (١١/ ٢٤٢).

[17] انظر: شرح الرضي على الكافية (٦/ ١٥٠).

[18] انظر: الكشاف (٣/ ٣٠).

[19] انظر: التحرير والتنوير (٩/ ٣٠).

[20] انظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك (٣/ ٩٣) بتصرف يسير.

[21] انظر: نتائج الفكر، للسهيلي، ص١٦٩.

[22] انظر: مغني اللبيب، ص١٨٣.

[23] انظر: شرح التصريح على التوضيح، لخالد الأزهري (٢/ ١٦٠)، والنحو الوافي، لعباس حسن (۳/ ٥٧۳).

[24] انظر: فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية، ص٤٥٣.

[25] انظر: الكتاب، لسيبويه (٤/ ٢١٧).

[26] انظر: شرح كتاب سيبويه، للسيرافي (٣/ ٢٦٤)، ونتائج الفكر، للسهيلي، ص١٩٦، وتعليق الفرائد على تسهيل الفوائد، للدماميني (٣/ ٦٥)، وحروف العطف بين الدرس النحوي والاستعمال القرآني، لعبد الستار مهدي، ص١٨٠- ١٨٣، وأساليب العطف في القرآن الكريم، لمصطفى حميدة، ص۱۳۸.

[27] انظر: المحرر الوجيز (٩/ ٣٠)، والبحر المحيط (٦/ ١٨).

[28] انظر: التحرير والتنوير (١/ ٣٦٣).

[29] انظر: شرح التسهيل (٣/ ٣٥٤).

[30] انظر: المحرر الوجيز، لابن عطية (١٠/ ٣١٤)، والبحر المحيط، لأبي حيان (٦/ ٤٦٩).

[31] السوس الأقصى: بلد بالمغرب. انظر: معجم البلدان (۳/ ۲۸۱).

[32] المحرر الوجيز (١٠/ ٣١٤- ٣١٥).

[33] البحر المحيط (٦/ ٤٦٩).

[34] انظر: روح المعاني، للآلوسي (١٥/ ٤١٣).

[35] انظر: تفسير الماوردي (۱/ ۱٢٧)، والبسيط (٢/ ٥٦٧)، ومعالم التنزيل، للبغوي (١/ ١٠٠)، والكشاف (١/ ١١٣)، والبحر المحيط (١/ ٣٣٣).

[36] تفسير القرآن العظيم (٥/ ٤٥٠).

[37] تفسير القرآن العظيم (٥/ ٢٢٢).

[38] انظر: أمالي ابن الحاجب (١/ ٣٩).

[39] انظر: نظم الدرر، للبقاعي (٩/ ٤٣).

[40] انظر: البحر المحيط (۸/ ۱۹۷)، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٦/ ٣٥٩).

[41] انظر: روح المعاني، للآلوسي (١/ ٣٦٤).

[42] انظر: نظم الدرر، للبقاعي (١٠/ ٧٢).

[43] انظر: شرح التسهيل، لابن مالك (٣/ ٣٥٢)، وارتشاف الضرب، لأبي حيان (٢/ ٦٣٦)، والجنى الداني، للمرادي، ص٦٤، ومغني اللبيب، لابن هشام، ص١٨٥.

[44] انظر: البحر المحيط، لأبي حيان (۱/ ۳۰۱)، وروح المعاني، للآلوسي (١/ ٤١١).

[45] انظر: البحر المحيط (٢/ ٥٩٦)، وروح المعاني، للآلوسي (۳/ ۱۱٥).

[46] انظر: الكشاف (٢/ ٤۱).

[47] انظر: البحر المحيط (٦/ ١٦٩)، وروح المعاني، للآلوسي (۱٥/ ٤٢۳).

[48] انظر: الكشاف (٢/ ٥٤٣).

[49] انظر: الكشاف (٤/ ٥٢٣).

[50] انظر: نظم الدرر، للبقاعي (١٠/ ٣٢).

[51] انظر: نظم الدرر، للبقاعي (١/ ١٥١، ٤٧٢، ٤٩٦، ٤٩٧)، (٢/ ٤٣، ۱۹۲، ۲۱۸، ٢٧٦)، (٣/ ٢٣٤، ٣٣٦)، (٤/ ٥٦، ٣٦٤)، (٥/ ٤١٤)، (٧/ ٢٦٦)، (٨/ ٢١)، (١٠/ ٣٢)، (۱۱/ ٧٦)، (۱٢/ ۳٦۱).

[52] في المطبوع (لأن)، والظاهر أنه تصحيف؛ لأن المعنى لا يستقيم مع قوله السابق.

[53] البحر المحيط (٤/ ١٠٨).

[54] انظر: البحر المحيط (١/ ٣٠١).

[55] انظر: البحر المحيط (٢/ ٥٩٦).

[56] انظر: الكشاف، للزمخشري (٤/ ٤٨٨).

[57] انظر: الكشاف، للزمخشري (٤/ ٣٤٨)، وشرح التسهيل، لابن مالك (٣/ ٣٥٢)، والجنى الداني، للمرادي، ص٦٥، ومغني اللبيب، لابن هشام، ص١٨٥.

[58] الكشاف (٤/ ٣٤٨).

[59] البحر المحيط (٨/ ٢٩٨).

[60] الدر المصون (۱۰/ ۲۱۳).

[61] انظر: الدر المصون (١٠/ ٢١٣).

[62] شرح الرضي على الكافية (٦/ ١٥٤).

[63] سر صناعة الإعراب (١/ ٢٥٢).

[64] انظر: روح المعاني، للآلوسي (١٢/ ٢٣١).

[65] انظر: الكشاف، للزمخشري (٢/ ٤٣).

[66] انظر: الجنى الداني، للمرادي، ص٧٤. بتصرف يسير، والدر المصون (٤/ ٣٥)، والنحو الوافي، لعباس حسن (٣/ ٥٧٦).

[67] ارتشاف الضّرب (٢/ ٥٩٤).

[68] انظر: دراسات لأسلوب القرآن الكريم، لعضيمة (٢/ ١٩٥).

[69] البيت لابن زيّابة، انظر: شرح ديوان الحماسة، ص۱۰۹، شرح حماسة أبي تمام، للفارسي (٢/ ١٢٠).

[70] الكشاف (٤/ ٢٧- ٢٨).

[71] انظر: شرح الرضي على الكافية (٦/ ١٤٩).

[72] حاشية الدسوقي على مغني اللبيب (١/ ٤٤٦).

[73] حاشية الدسوقي على مغني اللبيب (١/ ٤٤٦).

[74] حاشية الدسوقي على مغني اللبيب (١/ ٤٤٦).

[75] انظر: حاشية الدسوقي على مغني اللبيب (١/ ٤٤٦) بتصرف يسير.

[76] نقله عبد القادر البغدادي عن الفاضل اليمني. انظر: خزانة الأدب، للبغدادي (٥/ ١٠٩)، وأساليب العطف في القرآن الكريم، لحميدة، ص١٤٩.

[77] الكشاف (٤/ ٢٨).

[78] البحر المحيط (٧/ ٤٦٨).

[79] انظر: نظم الدرر (۱۹/ ۲۱۷).

[80] تفسير ابن عرفة (٤/ ٣٥١).

[81] إرشاد العقل السليم (٦/ ٤٧٧).

[82] انظر: إرشاد العقل السليم (١/ ٥٩)، (٢/ ٦٦، ٤٦٣)، (٦/ ٢٧٨)، وروح المعاني (٤/ ٤١)، (٦/ ٣٥)، (۱۱/ ٢۳٠)، (٢٧/ ۱٢٠).

[83] التحرير والتنوير (٣/ ١٤٢).

[84] انظر: التحرير والتنوير (۷/ ۳۱۷)، (۲۳/ ١٢٧)، (٢٩/ ١٠٣)، (٣٠/ ٤١).

[85] التحرير والتنوير (١١/ ٢٤٢).

[86] التحرير والتنوير (١/ ٦٧١).

[87] انظر: مغني اللبيب، لابن هشام، ص۱۸۹، ٥٥٧، وشرح الكافيجي على قواعد الإعراب، ص٥٠٣، والبرهان في علوم القرآن، للزركشي (٤/ ۲۹۸)، والإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (٢/ ٢١٠).

[88] انظر: مغني اللبيب، لابن هشام، ص٥٥٥- ٥٥٨، وحاشية الصبان على شرح الأشموني (٣/ ١٢١)، وهمع الهوامع، للسيوطي (٥/ ٢٧٣).

[89] انظر: مغني اللبيب، ص٥٥٥- ٥٥٨.

[90] انظر: شرح ابن يعيش على المفصل (٩/ ٢)، وشرح الكافية الشافية، لابن مالك (٣/ ١٥٩٣)، وشرح الرضي على الكافية (٦/ ١١٩).

[91] انظر: شرح ابن يعيش على المفصل (٩/ ٢) بتصرف يـسير.

[92] كذا في المطبوع، وفي بعض النسخ: «فإنه».

[93] شرح ابن يعيش على المفصل (٩/ ٢).

[94] انظر: الجنى الداني، للمرادي، ص٦٨، ومغني اللبيب، لابن هشام، ص١٨٦- ١٨٧، وأوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك (٤/ ١٩٠).

[95] انظر: شرح التصريح على التوضيح، لخالد الأزهري (٢/ ٤٠٥).

[96] شرح الرضي على الكافية (٥/ ١٢٠).

[97] انظر: مغني اللبيب، لابن هشام، ص١٨٦- ١٨٧، وأوضح المسالك، لابن هشام (٤/ ١٩٠)، والإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (٢/ ٢١٠).

[98] مغني اللبيب، ص١٨٧.

[99] انظر: نظم الدرر، للبقاعي (٤/ ٤٧٥)، (٤/ ٤٨٠)، (١٢/ ٣٤٩).

[100] انظر: المحرر الوجيز (۱/ ٤٧٨).

[101] الكشاف (١/ ٢٣٩).

[102] قال الطيبي: «يعني بالدلالة أنَّ الثاني مع الفاء مسبب عن الأول». حاشية الطيبي على الكشاف (۳/ ٥۱٩).

[103] انظر: حاشية الطيبي على الكشاف (٣/ ٥١٩).

[104] انظر: حاشية الطيبي على الكشاف (٣/ ٥١٩).

[105] انظر: جامع البيان، للطبري (١٤/ ٢٥٠).

[106] المحرر الوجيز (٨/ ٤٤٠- ٤٤١).

[107] انظر: المحرر الوجيز، لابن عطية (٣/ ٦١)، وروح المعاني (٣/ ١٧٦).

[108] المحرر الوجيز، لابن عطية (٣/ ٦١).

[109] انظر: نظم الدرر، للبقاعي (٤/ ٤٨٠).

[110] انظر: البحر المحيط (٣/ ١٥١)، وروح المعاني (٤/ ١٨٣).

[111] انظر: نظم الدرر، للبقاعي (١٢/ ٣٤٩).

[112] انظر: الكشاف، للزمخشري (١/ ٤٨٥)، والبحر المحيط (٣/ ٦٥٨) وما بعدها، والتحرير والتنوير (٦/ ١٩٠).

[113] انظر: الكشاف، للزمخشري (٣/ ١٥٩)، والبحر المحيط (٦/ ٥٢١)، ونظم الدرر، للبقاعي (۱۳/ ٢٠٤).

[114] المقصود هنا الفاء الثانية، انظر: الكشاف (٤/ ١٧٤).

[115] قال أبو حيان: «الصحيح جواز دخول الفاء في خبر (إنّ) إذا كان اسمها مضمّنًا معنى الشرط»، البحر المحيط (٢/ ٦٦١)، وانظر: الكشاف (١/ ٢٦٧).

[116] انظر: البحر المحيط (٢/ ٦٦١).

[117] انظر: البحر المحيط (٢/ ٦٦١).

[118] انظر: نظم الدرر (٤/ ٤٨٠)، والتحرير والتنوير (٣/ ٣٠٥).

[119] انظر: معاني القرآن، للفراء (۱/ ۳۹)، وارتشاف الضرب، لأبي حيان (٢/ ٦٦١)، وشرح الـتسهيل، لابن مالك (۳/ ۳۸۱)، ومغني اللبيب، لابن هشام، ص۷۲۲.

[120] انظر: الدر المصون، للحلبي (١/ ٣٨٥) بتصرف يسير.

[121] معاني القرآن (١/ ٣٩).

[122] انظر: نظم الدرر (۸/ ۱۳۳).

[123] انظر: مغني اللبيب، ص٧٤٣.

[124] الكشاف (٣/ ٣٤٨).

[125] انظر: مغني اللبيب، ص٧٤٣- ٧٤٤.

[126] انظر: أنوار التنزيل (٤/ ١٩٨)، ومدارك التنزيل (٣/ ٣٧٩)، وروح المعاني (٢١/ ١٥).

[127] انظر: البحر المحيط (١/ ٢٥٦)، والدر المصون (١/ ٣١٤- ٣١٥)، (١٠/ ٥٣٤).

[128] انظر: نظم الدرر (١٤/ ٤٦٥).

[129] انظر: الدر المصون (١/ ٢٨٤).

[130] الكشاف، للزمخشري (٤/ ١٦٢)، وانظر: التفسير الكبير، للرازي (٢٧/ ٥٨١)، وأنوار التنزيل، للبيضاوي (٥/ ۷۷)، ومدارك التنزيل، للنسفي (٤/ ١٤٨)، ومغني اللبيب، لابن هشام، ص٧٤٤، والتحرير والتنوير، لابن عاشور (٢٥/ ٤٠).

[131] انظر: البحر المحيط (٧/ ٦٧٤)، وتفسير الجلالين، ص٦٣٩.

[132] الكشاف (۱/ ۱۱۳).

[133] حاشية الطيبي على الكشاف (٢/ ٥٠٢).

[134] انظر: مفتاح العلوم، للسكاكي، ص۲۷۸.

[135] التحرير والتنوير (١/ ٥١٩).

[136] إرشاد العقل السليم (٦/ ١٣٧).

[137] انظر: روح المعاني (٢٧/ ١٨).

[138] إرشاد العقل السليم (٦/ ٢٥٦).

[139] انظر: روح المعاني (۲۸/ ۱۸۱).

[140] التحرير والتنوير (٨/ ١٥١).

[141] انظر: الكشاف (٢/ ٦٠)، وإرشاد العقل السليم (٢/ ٤٥٧)، وروح المعاني (٨/ ٧٧).

[142] انظر: إرشاد العقل السليم (١/ ١٤٦، ۳۰٥، ۳۷۳)، (۲/ ۱٥۰، ۱۸۲، (٤/ ٢٨٠)، (٥/ ١١٤)، (٦/ ١٣٧، ٢٥٦، ٣٥٨)، وروح المعاني (۱/ ٤۲۸، ٤٨٠، ٤۸۱)، (۱۲/ ۳٥۰)، (١٥/ ٤٥٢، ٤٥٤)، (١٦/ ٤٤، ١١٥، ٣٣٦)، (٢٠/ ٦٩)، (٢١/ ٨٢)، (٢٣/ ٢٨٣)، (٢٤/ ١١٨)، (٢٦/ ٢٣٨)، (٢٧/ ١٨)، (٢٩/ ۳٥)، (۳٠/ ۱٩، ٥۱)، والتحرير والتنوير (۱/ ٥۱٨، ٥۱٩، ٥٥٦، ٥٨٠، ٥٩۱)، (٢/ ۳٧۱)، (٥/ ٥٦)، (٦/ ۱٦٠)، (٧/ ۱۳٥)، (٨/ ۱٥۱)، (٩/ ٢٩۳)، (۱٦/ ۱٧٥، ٢٧۱)، (۱٨/ ۳٤۱)، (٢۳/ ۱٧٧)، (۳٠/ ٤۱۳).

[143] انظر: البحر المحيط (١/ ٣٣٣)، (٤/ ٣٢٠)، (٤/ ٦٠٢).

[144] انظر: البحر المحيط (٧/ ٤٧٣).

[145] انظر: البحر المحيط (١/ ٤٤٣).

[146] انظر: البحر المحيط (٣/ ٥٣٠).

[147] انظر: البحر المحيط (٢/ ٤٦٤).

[148] دراسات لأسلوب القرآن الكريم (٢/ ١٩٨).

[149] انظر: التحرير والتنوير (١/ ٥١٩).

[150] انظر: مغني اللبيب، لابن هشام، ص۱۸۸، والدر المصون، للحلبي (٣/ ٥٢٩).

[151] انظر: شرح ابن يعيش على المفصل (۱/ ۱۰۰)، وشرح التسهيل، لابن مالك (٣/ ٣٥٦)، ورصف المباني، للمالقي، ص٣٨٦، وارتشاف الضرب، لأبي حيان (٢/ ٦٣٧)، والجنى الداني، للمرادي، ص۷۱، ومغني اللبيب، لابن هشام، ص۱۸۸.

[152] هذا البيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يُعْرَف لها نَاظم. انظر: خزانة الأدب، للبغدادي (١/ ٤٥٧).

[153] انظر: معاني القرآن، للأخفش (١/ ١٤٧)، وسر صناعة الإعراب، لابن جني (١/ ٢٦٧).

[154] انظر: معاني القرآن (١/ ٢٤١).

[155] انظر: البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة، للقاضي، ص٧٤- ٧٥.

[156] انظر: المحرر الوجيز (٣/ ٤٥٦)، والتبيان في إعراب القرآن (۱/ ۳۱۹)، والبحر المحيط (٣/ ١٩٢)، وروح المعاني (٤/ ٢٣٧)، وإرشاد العقل السليم (٢/ ٧٨).

[157] الدر المصون (٣/ ٥٢٩).

[158] ذكر منهم ابنُ هشام الأعلمَ الشنتمري. وقال به أبو عليّ الفارسي وابن جنّي. انظر: سر صناعة الإعراب (٢/ ٢٦٠).

[159] انظر: معاني القرآن، للفراء (٢/ ٣٧٠).

[160] انظر: معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (٤/ ٣٣٩)، والجنى الداني، للمرادي، ص٧٢، ومغني اللبيب، لابن هشام، ص۱۸۸.

[161] سبق تخريجه.

[162] انظر: الكتاب، لسيبويه (۱/ ۱۳۸- ۱۳۹)، ومعاني القرآن وإعرابه، للزجّاج (٢/ ٤٠٧)، وشرح كتاب سيبويه، للسيرافي (۱/ ٤٩۳)، والكشاف، للزمخشري (٣/ ٢٤)، وشرح التسهيل، لابن مالك (١/ ٣٣١)، ومغني اللبيب، لابن هشام، ص۱۸۸.

[163] انظر: مغني اللبيب، لابن هشام، ص٥٥٧.

[164] انظر: مغني اللبيب، ص۱۸۸.

[165] انظر: البحر المحيط (١/ ٢٥٦)، والدر المصون (١/ ٣١٤).

[166] انظر: سر صناعة الإعراب، لابن جني (١/ ٢٦٠)، وأمالي ابن الشجري (٣/ ٩٠).

[167] البحر المحيط (١/ ٢٥٦).

[168] انظر: فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب، للطيبي (٢/ ٤٥٣).

[169] انظر: الكشاف (٤/ ٤٨٦).

[170] التحرير والتنوير (٢٩/ ٢٩٦).

الكاتب

الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله القرشي

حاصل على الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن من جامعة أم القرى.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))