نقد ما يخالف أصول العقيدة المتعلّقة بالرسل
عند ابن جرير الطبري في تفسيره

من الموضوعات التي تعرّض لها الطبري بالنقد في تفسيره ما يتعلّق بمخالفة أصول العقيدة المتعلّقة بالرُّسل، سواء منها ما يمسّ جناب الأنبياء، أو ما يتعرّض لمقام الرسالة أو ينافي العصمة، وهذه المقالة تتناول هذا الجانب النقدي عند الطبري، ممثّلة عليه بعدد من النماذج، وهي مستلّة من كتاب (الصناعة النقدية في تفسير ابن جرير الطبري).

نقد ما يخالف أصول العقيدة المتعلقة بالرُّسل عند ابن جرير الطبري في تفسيره[1]

أولًا: نقد ما يمسّ جناب الأنبياء والمرسلين:

  كان من ضمنِ الأُسس النقدية التي اعتمدها ابن جرير في نقد التفسير نقد ما يقتضي المسّ من جناب الأنبياء والمرسلين؛ بما تقرّر في أصول الإيمان من الإيمان بالرسل، وما يقتضيه من تعظيم الرُّسُل وتوقيرهم وإجلالهم، قال تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157]، قال ابن جرير: «فالذين صدّقوا بالنبي الأمي، وأقروا بنبوَّته و(عزّروه)، يقول: وقّروه وعظّموه وحموه من الناس»[2]. وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: 8- 9]، قال ابن جرير -بعد نقل الآثار عن السلف-: «ومعنى التعزير في هذا الموضع: التقوية بالنصر والمعونة، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال...، وأمّا التوقير: فهو التعظيم والإجلال والتفخيم»[3].

ومن أمثلته لتقرير هذا الأصل ما أورده في تأويل قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [الأنبياء: 87]؛ إِذْ حكى أقوال السلف في تأويل الآية، فنقل عن الحسن أنه ظنّ أنه يُعجِز ربَّه فلا يقدِر عليه، ونقل عن ابن زيد أن ذلك بمعنى الاستفهام، أي: أفظنَّ أن لن نقدِرَ عليه؟

ثم قال: «وأَوْلَى هذه الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب، قول من قال: عَنى به: فظنّ يونس أن لن نحبسه ونضيّق عليه، عقوبةً له على مغاضبته ربَّه. وإنما قلنا ذلك أَوْلى بتأويل الكلمة؛ لأنه لا يجوز أن يُنسب إلى الكفر وقد اختاره لنبوّته، ووَصْفُه بأنْ ظنَّ أنَّ ربّه يعجز عما أراد به، ولا يقدر عليه، وصفٌ له بأنه جَهِلَ قُدرة الله، وذلك وصفٌ له بالكفر، وغير جائز لأحد وَصْفُه بذلك.

وأمّا ما قاله ابن زيد فإنه قول، -لو كان في الكلام دليل على أنه استفهام- حسنٌ، ولكنه لا دلالة فيه على أن ذلك كذلك، والعرب لا تحذف من الكلام شيئًا إليه حاجة إلا وقد أبقت دليلًا على أنه مراد في الكلام؛ فإِذْ لم يكن في قوله: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [الأنبياء: 87]، دلالة على أنّ المراد به الاستفهام -كما قال ابن زيد- كان معلومًا أنه ليس به؛ وإذ فسد هذان الوجهان، صح الثالث وهو ما قلنا»[4].

ويعتمد ابن جرير هذا المعيار النقدي لبعض أقوال السَّلَف تخطئة وإبطالًا، فقد انتقد ابن جرير قتادة في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ [يوسف: 42]، حيث قال: «وإنما عبارة الرؤيا بالظنّ، فيُحِقُّ اللهُ ما يشاء، ويُبْطِلُ ما يشاء».

فعقّب ابن جرير بقوله: «وهذا الذي قاله قتادة من أن عبارة الرؤيا: ظنّ، فإن ذلك كذلك من غير الأنبياء، فأمّا الأنبياء فغير جائز منها أن تخبر بخبر عن أمر أنه كائن أو غير كائن؛ لأن ذلك لو جاز عليها في أخبارها، لم يؤمن مثل ذلك في كلّ أخبارها، وإذا لم يؤمن ذلك في أخبارها، سقطت حُجّتها على من أُرسلت إليه، فإذ كان ذلك كذلك، كان غير جائز عليها أن تخبر بخبر إلا وهو حقّ وصدق، فمعلوم، إِذْ كان الأمر على ما وصفت، أنّ يوسف لم يقطع الشهادة على ما أخبر الفتيين اللذَيْن استعبراه أنه كائن، فيقول لأحدهما: ﴿أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ﴾ [يوسف: 41]، ثم يؤكد ذلك بقوله: ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ [يوسف: 41]، عند قولهما: لم نَرَ شيئًا إلا وهو على يقين أنّ ما أخبرهما بحدوثه وكونه أنه كائن لا محالة، لا شك فيه، وليقينه بكون ذلك، قال للناجي منهما: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾، فبيَّن إذن بذلك فساد القول الذي قاله قتادة في معنى قوله: ﴿وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا﴾[5]» [6].

وقد وافقه في تقريره أكثر المفسِّرين -قاله القرطبي-، ومنهم: الجصاص، وابن عطية، والقرطبي، وأبو حيان، والشوكاني، وابن عاشور[7].

بينما ذهب بعض المفسِّرين إلى احتمال القولَيْن وتوجيههما معًا، منهم: الزمخشري، والبقاعي، والألوسي، ورشيد رضا[8].

كما كان يُعنى بالجواب عمّا قد يتوهَّمه متوهِّم في القدح في الأنبياء، فيُورده إشكالًا ويجيب عنه، ففي تأويل قوله تعالى: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾ [الأعراف: 155]، قال: «فإن قال قائل: فجائز أن يكون موسى كان معتقدًا أنّ الله يعاقب قومًا بذنوب غيرهم، فيقول: أتهلكنا بذنوب مَن عبدَ العجل، ونحن من ذلك برآءُ؟

قيل: جائز أن يكون معنى ذلك الهلاك: قبض الأرواح على غير وجه العقوبة، كما قال جلّ ثناؤه: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾ [النساء: 176]، بمعنى: مات، فيقول: أتميتُنا بما فعل السفهاء منّا؟»[9]

وكان ابن جرير ينتقد من الأقوال ما فيه غلوّ بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فقد نقل عن ابن جريج قوله: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ﴾: ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا بعدكم؟ ﴿قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: 109].

ثم عقّب بنقده، فابتدأ بتقرير القول الصواب بقوله: «وأَوْلَى الأقوال بالصواب قول من قال: معناه: لا عِلْمَ لنا إلا علمٌ أنت أعلمُ به منّا؛ لأنه -تعالى ذِكره- أخْبَر عنهم أنهم قالوا: ﴿لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾، أَي: إِنكَ لَا يَخْفَى عليك ما عندنا من عِلْم ذلك ولا غيره، مِن خَفِيِّ العلوم وجليلها، فإنما نفَى القوم أن يكون لهم بما سُئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو تعالى ذِكْره، لا أنهم نفَوا أن يكونوا علموا ما شاهدوا، كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك، وهو -تعالى ذِكْره- يخبر عنهم أنهم يخبرون بما أجابتهم به الأمم، وأنهم يستشهدون على تبليغهم الرسالة شهداء، فقال تعالى ذِكره: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143]».

ثم عقّب بنقد قول ابن جريج فقال: «وأمّا الذي قاله ابن جريج من أن معناه: ماذا عملت الأمم بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟ فتأويلٌ لا معنى له؛ لأن الأنبياء لم يكن عندها من العلم بما يحدث بعدها إلا ما أعلمها اللهُ من ذلك، وإذا سُئلت عمّا عملت الأمم بعدها، والأمر كذلك، فإنما يُقال لها: ماذا عرّفناك أنه كائن منهم بعدك؟ وظاهر خبر الله -تعالى ذِكْره- عن مسألته إياهم، يدلّ على غير ذلك»[10].

وابن جرير يعتمد الأليق بجناب الأنبياء والمرسلين معيارًا لاختيار الأقوال ونقدها، فقد اختار في تأويل قوله تعالى: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ﴾ [ص: 33]، أنه جعل يمسح أعرافها وعراقيبها[11] بيده حبًّا لها، ثم نقل عن ابن عباس قوله: «جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبًّا لها».

ثم قال: «وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية؛ لأن نبي الله لم يكن -إن شاء اللهُ- ليعذب حيوانًا بالعرقبة، ويُهلك مالًا من ماله بغير سبب، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها، ولا ذنب لها في اشتغاله بالنظر إليها»[12].

وابن جرير يقرر أن الأخذ بالظاهر لما جاء في قصص الأنبياء لا ينافي مقامهم ولا توقيرهم، فقال في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ [يوسف: 24]، «فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصَف يوسف بمثل هذا، وهو لله نبيّ؟ قيل: إنّ أهل العلم اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: كان من ابتُلي من الأنبياء بخطيئة، فإنما ابتلاه اللهُ بها؛ ليكون من الله -عَزّ وَجَلّ- على وجلٍ إذا ذكرها، فيجد في طاعته إشفاقًا منها، ولا يتّكل على سعة عفو الله ورحمته.

وقال آخرون: بل ابتلاهم اللهُ بذلك؛ ليعرفهم موضع نعمته عليهم، بصفحه عنهم، وتركه عقوبتهم عليه في الآخرة.

وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك؛ ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله، وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا».

وبيّن أنّ هذا القول الموافق لظاهر القرآن وأقوال السلف، غير مخالف لهذا الأصل العقدي، بل قرّر أنّ غيره مخالف لأقوال السلف ومنهجهم في مخالفته لغة العرب، فقال: «وقال آخرون، ممن خالف أقوال السلف، وتأولوا القرآن بآرائهم، فإنهم قالوا في ذلك أقوالًا مختلفة؛ فقال بعضهم: معناه: ولقد همّت المرأة بيوسف، وهمّ بها يوسف أن يضربها، أو ينالها بمكروه لهمِّها به مما أرادته من المكروه، لولا أن يوسف رأى برهان ربه، وكفّه ذلك عمّا هَمَّ به من أذاها، لا أنها ارتدعت من قِبَل نفسها، قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾، فالسوء هو ما كان همَّ به من أذاها، وهو غير الفحشاء.

وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همّت به، فتناهي الخبر عنها، ثم ابتُدِئ الخبر عن يوسف، فقيل: وهمَّ بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه، كأنهم وجّهوا معنى الكلام إلى أن يوسف لم يهمّ بها، وأن الله إنما أخبر أن يوسف لولا رؤيته برهان ربه لَهَمَّ بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها، كما قيل: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 83].

ويفسد هذين القولين أنّ العرب لا تقدّم جواب (لولا) قبلها، لا تقول: لقد قمت لولا زيد، وهي تريد: لولا زيد لقد قمت، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن الذين عنهم يؤخذ تأويله[13]»[14].

ولابن جرير نقد عميق معتمد على السياق وظاهر القرآن، مع مراعاة مقام الأنبياء والمرسلين، ففي تأويل قوله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]، إِذْ حكى الخلاف في معنى الآية، فقال: «قال بعضهم: كان ذهابه عن قومه، وإياهم غاضَب». وأسنده عن ابن عباس -من طريق العوفيين- والضحاك.

ثم ذكر القول الآخر، وهو أنه ذهب عن قومه مغاضبًا لربه؛ إِذْ كشف عنهم العذاب بعدما وعدهموه، وأسنده عن ابن عباس -من طريق آخر-، والشعبي، ووهب بن منبه.

ثم علّق بقوله: «وهذا القول -أعني قول من قال: ذهب عن قومه مغاضبًا لربه- أشبه بتأويل الآية، وذلك لدلالة قوله: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ على ذلك، على أن الذين وجّهوا تأويل ذلك إلى أنه ذهب مغاضبًا لقومه، إنما زعموا أنهم فعلوا ذلك استنكارًا منهم أن يُغاضِب نبيٌّ من الأنبياء ربَّه، واستعظامًا له، وهم بقيلهم: إنه ذهب مغاضِبًا لقومه، قد دخلوا في أعظم مما أنكروا، وذلك أن الذين قالوا: ذهب مغاضِبًا لربه اختلفوا في سبب ذهابه كذلك؛ فقال بعضهم: إنما فعل ما فعل من ذلك كراهة أن يكون بين قوم قد جرّبوا عليه الخُلف فيما وعدهم، واستحيا منهم، ولم يعلم السبب الذي دُفع به عنهم البلاء.

وقال بعض من قال هذا القول: كان من أخلاق قومه الذين فارقهم قتل من جرّبوا عليه الكذب، عسى أن يقتلوه من أجلِ أنه وعدهم العذاب، فلم ينزل بهم ما وعدهم من ذلك.

وقال آخرون: بل إنما غاضب ربّه من أجلِ أنه أُمر بالمصير إلى قوم لينذرهم بأسه، ويدعوهم إليه، فسأل ربّه أن يُنظره ليتأهّب للشخوص إليهم، فقيل له: الأمر أسرع من ذلك، ولم يُنظر حتى شاء أن يُنظر إلى أن يأخذ نعلًا يلبسها، فقيل له نحو القول الأول، وكان رجلًا في خُلُقه ضيق، فقال: أعجلني ربي أن آخذ نعلًا، فذهب مغاضبًا». وممن ذُكر هذا القول عنه الحسن البصري.

ثم عقّب بقوله: «وليس في واحد من هذين القولين مِن وَصْفِ نبي الله يونس -عليه السلام- شيءٌ إلا وهو دون ما في وصفه بما وصفه الذين قالوا: ذهب مغاضبًا لقومه؛ لأن ذهابه عن قومه مغاضبًا لهم، وقد أمره الله تعالى بالمقام بين أظهرهم؛ ليبلغهم رسالته، ويحذرهم بأسه، وعقوبته على تركهم الإيمان به والعمل بطاعته -لا شك أن فيه ما فيه، ولولا أنه قد كان -عليه السلام- أتى ما قاله الذين وصفوه بإتيان الخطيئة، لم يكن الله -تعالى ذِكْره- ليعاقبه العقوبة التي ذكرها في كتابه، ويصفه بالصفة التي وصفه بها، فيقول لنبيّه: ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ [القلم: 48]. ويقول: ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 142- 144]»[15].

وما قرّره ابن جرير هو ما قرّره ابن قتيبة[16]، ووافقه النحاس والمهدوي -نقله القرطبي-.

واختار القول الآخر: ابن عطية، وأبو حيان، وابن كثير[17].

بينما ذهب آخرون إلى الجمع بين القولين واحتمالهما، منهم: القرطبي، وابن عاشور، والشنقيطي[18].

ومن النماذج التي قرّر فيها ابن جرير من الأقوال ما يناسب مقام النبوّة ما ذكره في تأويل قوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 54]، «وأَوْلَى التأويلين في ذلك بالصواب قول قتادة وابن جريج أن معنى الفضل في هذا الموضع: النبوّة، التي فضّل الله بها محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وشرّف بها العرب؛ إِذْ آتاها رجلًا منهم دون غيرهم؛ لِما ذكرنا قبل من أن دلالة ظاهر هذه الآية تدلّ على أنها تقريظ للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ على ما قد بينّا قبلُ، وليس النكاح وتزويج النساء [وهو: القول الآخر في تأويل الآية]، وإن كان من فضل الله -جل ثناؤه- الذي آتاه عباده - بتقريظ لهم ومدح»[19].

وكان ابن جرير يعتمد هذا الأساس في نقد القراءات وتأويلها، ففي تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81]، انتقد قراءة من قرأ: ﴿لِمَا آتَيْتُكُمْ﴾ بكسر اللام[20] بقوله: «لأنّ الله -عز وجل- أخذ ميثاق جميع الأنبياء بتصديق كلّ رسول له ابتعثه إلى خلقه، فيما ابتعثه به إليهم، كان ممن آتاه كتابًا، أو ممن لم يؤتِه كتابًا، وذلك أنه غير جائز وصف أحد من أنبياء الله -عَزّ وَجَلّ- ورسله، بأنه كان ممن أُبيح له التكذيب بأحد من رسله؛ فإِذْ كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أن منهم من أُنزل عليه الكتاب، وأن منهم من لم ينزل عليه الكتاب، كان بيِّنًا أن قراءة من قرأ ذلك: ﴿لِمَا آتَيْتُكُمْ بكسر اللام، بمعنى: من أجل الذي آتيتكم من كتاب، لا وجه له مفهوم إلا على تأويلٍ بعيد، وانتزاعٍ عميق»[21].

وابن جرير يستدلّ بالآثار الواردة عن السَّلَف للإجابة عما يتوهّمه بعضهم فيما يتعلق بمقام الأنبياء، فقال: «فإن قال قائل: وكيف قال زكريا، وهو نبي الله: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: 40]، وقد بشّرته الملائكة بما بشّرته به عن أمر الله إياها به؟ أشكّ في صِدْقهم؟ فذلك ما لا يجوز أن يوصف به أهل الإيمان بالله، فكيف الأنبياء والمرسلون؟ أم كان ذلك منه استنكارًا لقدرة ربّه، فذلك أعظم في البلية؟ قيل: كان ذلك منه -عليه الصلاة والسلام- على غير ما ظننت، بل كان قيله ما قال من ذلك».

ثم أورد أثرًا عن السدي وعن عكرمة، وفيه: «لمّا سمع النداء -يعني زكريا لما سمع نداء الملائكة بالبشارة بيحيى- جاءه الشيطان فقال له: يا زكريا، إنّ الصوت الذي سمعت ليس هو من الله، إنما هو من الشيطان يسخر بك، ولو كان من الله أوحاه إليك كما يوحي إليك في غيره من الأمر، فشكّ مكانه[22]، وقال: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامُ ذَكر؟ يقول: من أين ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾؟!

وعن عكرمة، قال: فأتاه الشيطان، فأراد أن يُكدِّر عليه نعمة ربه، فقال: هل تدري مَن ناداك؟ قال: نعم، نادتني ملائكة ربي، قال: بل ذلك الشيطان، لو كان هذا من ربك لأخفاه إليك كما أخفيتَ نداءك، فقال: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾».

ثم عقّب بقوله: «فكان قوله ما قال من ذلك، ومراجعته ربه فيما راجع فيه بقوله: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ للوسوسة التي خالطت قلبه من الشيطان، حتى خيلت إليه أن النداء الذي سمعه كان نداءً من غير الملائكة، فقال: ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ؛ مستثبتًا في أمره، ليتقرّر عنده بآية يريه الله في ذلك أنه بشارة من الله على ألسُنِ ملائكته؛ ولذلك قال: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾.

وقد يجوز أن يكون قيله ذلك مسألةً منه ربَّه: من أيّ وجه يكون الولد الذي بُشِّر به، أمن زوجته؟ فهي عاقر، أم من غيرها من النساء؟ فيكون ذلك على غير الوجه الذي قاله عكرمة والسدّي ومَن قال مثل قولهما»[23].

ومن النماذج المشكلة فيما يتعلّق بمقام النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب: 37]، فقد ذكر ابن جرير «أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وقع منه استحسان لزينب وهي في عصمة زيد، وكان محبًّا أن يطلِّقها زيد فيتزوجها هو، ثم إنّ زيدًا لمّا أخبره أنه يريد فراقها، ويشكو منها غِلظة قولٍ، وعصيان أمرٍ، وأذًى باللسان، وتعظُّمًا بالشرف، قال له: اتق الله فيما تقول عنها، وأمسِك عليك زوجك، وهو يخفي رغبة طلاق زيد إياها، وهذا هو الذي كان يخفي في نفسه، ولكنه لزم ما يجب من الأمر بالمعروف، قالوا: وخشي النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قالة الناس في ذلك، فعاتبه اللهُ تعالى على جميع هذا».

وقد روى ابن جرير هذا القول عن قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم[24].

قال ابن جرير الطبري: «ذُكِر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى زينب بنت جحش فأعجبته، وهي في حبال مولاه، فأُلْقِي في نفس زيد كراهتها، لما عَلِم اللهُ مما وقع في نفس نبيّه -صلى الله عليه وسلم- ما وقع، فأراد فراقها، فذَكَر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: أمسك عليك زوجك، وهو -صلى الله عليه وسلم- يحبّ أن تكون قد بانت منه لينكحها، واتّقِ الله، وخَفِ الله في الواجب عليك في زوجتك، ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾، يقول: وتخفي في نفسك محبّة فراقه إياها، لتتزوجها إن هو فارقها، واللهُ مبدٍ ما تُخْفِي في نفسك من ذلك، ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ، يقول تعالى ذِكْره: وتخاف أن يقول الناس: أمَرَ رجلًا بطلاق امرأته ونكَحَها حين طلقها، واللهُ أحقّ أن تخشاه من الناس».

وقد استدلّ ابن جرير بما أورده من آثارٍ عن السَّلَف في تأويل هذه الآية، وقد رُوي عن عائشة: «لو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كاتمًا شيئًا مما أُنزل عليه لكتم هذه الآية: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ ‌أَحَقُّ ‌أَنْ تَخْشَاهُ﴾»[25]، لكن ثمة قول آخر أصحّ منه، وأليق بمقام النبوّة، وهو أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد أَوحى اللهُ إليه أن زيدًا يطلق زينب، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها له، فلما تشكى زيد للنبي -صلى الله عليه وسلم- خُلُقَ زينب، وأنها لا تطيعه، وأعلمه بأنه يريد طلاقها، قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جهة الأدب والوصية: (اتق الله)، أي: في أقوالك، (وأمسك عليك زوجك)، وهو يعلم أنه سيفارقها، وهذا هو الذي أخفَى في نفسه، ولم يُرِد أن يأمره بالطلاق، لمّا علم من أنه سيتزوجها، وخشي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يلحقه قول من الناس في أنه تزوّج زينب بعد زيد وهو مولاه، وقد أمره بطلاقها، فعاتبه اللهُ تعالى على هذا القدرِ من أنه خشي الناس في أمر قد أباحه الله تعالى له.

وهذا قد رواه ابن جرير عن عليّ بن الحسين[26]، ونقل عن الزهري[27]، والسدّي[28].

وقد صوّب هذا القول كثير من المفسّرين والمحققين منهم: أبو بكر الباقلاني، وابن حزم، والبغوي وابن العربي، والثعلبي، والقاضي عياض، وأبو العباس القرطبي، وأبو عبد الله القرطبي، وابن كثير، وابن القيم، وابن حجر، والألوسي، والقاسمي، وابن عاشور، والشنقيطي، وابن عثيمين[29].

قال القاضي عياض: «اعلم -أكرمك الله- ولا تسترِب في تنزيه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا الظاهر، وأن يأمر زيدًا بإمساكها، وهو يحب تطليقه إياها، كما ذُكِرَ عن جماعة من المفسِّرين، وأصح ما في هذا: ما حكاه أهل التفسير، عن عليّ بن حسين: أن الله تعالى كان أعلمَ نبيَّه أن زينب ستكون من أزواجه، فلما شكاها إليه زيد قال له: أمسك عليك زوجك واتق الله، وأخفى في نفسه ما أعلمه اللهُ به من أنه سيتزوجها مما اللهُ مُبدِيه ومُظْهِره بتمام التزويج وتطليق زيد لها»[30].

ثانيًا: نقد ما ينافي عصمة النبوّة ومقام الرسالة:

يتّصل هذا الموضوع بما سبق، فكما قرّر ابن جرير توقير الأنبياء وإجلالهم، وتنزيههم عمّا يخلّ بمقامهم العظيم، فقد اعتمد عصمة الأنبياء أساسًا نقديًّا مهمًّا، بما تقرّر في أصول الإيمان من وجوب الإيمان بالرسل وتصديقهم وما يستلزمه ذلك من تصديقهم وعصمتهم، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3- 4]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ [الإسراء: 73- 75]، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: من حدَّثك أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- كتم شيئًا مما أُنزل عليه فقد كذب، والله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67][31]، وقد قرّر ابن جرير هذا الأساس في نماذج كثيرة؛ ففي قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يوسف: 110]، وهذه الآية مما كثر فيها الخلاف بين السلف في تفسيرها وتأويلها على عدّة أقوال. وفيها معنى مُشكِل أطال المفسِّرون في بحثه، وقد جاء في هذه الآية قراءتان: في قوله: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾، فقد قُرئت الكلمة ﴿كُذِّبُوا﴾ بتشديد الذّال مع كسرها، وقُرئت بتخفيف الذّال مع الكسر، فالأُولى: قراءة ابن كثير ونافع، وأبي عمرو، وابن عامر.

وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي بالتخفيف[32]

فأمّا قراءة التشديد فلا إشكال فيها، ومعناها:

حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا بهم ويصدِّقوهم، وتيقَّن الرسلُ أنهم قد كَذَّبَتْهم أممهم، ولا أمل في إيمانهم، جاء الرسلَ نصرُنا؛ فيكون الضمير في قوله: ﴿وَظَنُّوا﴾ عائدًا على الرسل، والضمير في قوله: ﴿كُذِّبُوا﴾ عائدًا على القوم.

وإلى هذا القول ذهبت عائشة، وكانت تقرأ بالتشديد، وتنفي قراءة التخفيف، وهو قول الحسن وقتادة.

وأمّا قراءة التخفيف (كُذِبُوا) ففيها قولان للمفسِّرين، أوردهما ابن جرير:

الأول: حتى إذا استيأس الرسل من النصر، أو من إيمان قومهم، وظنّ القوم أن الرسل قد كَذَبُوهُم فيما ادّعَوه من النصر والعذاب لطولِ مدةِ الإمهال.

وهذا القول أحد قولي ابن عباس وابن مسعود، وذهب إليه سعيد بن جبير، ومجاهد، والضحاك، وابن زيد، واختاره ابن جرير.

الثاني: أن المراد: حتى إذا استيأس الرسل من النصر، وظنوا أنهم قد أُخلِفُوا الوعد من الله بالنصر، جاءهم نصرنا، لكن الضمير في ﴿كُذِبُوا﴾ يعود على الرسل وليس الأقوام، وهذا القول هو موطن الإشكال، وهو أشهر قولي ابن عباس، ورواية عن ابن مسعود، وكذا رواية عن سعيد بن جبير.

وقد رَوى ابن جرير عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، أنّ ابن عباس قرأ: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾ [يوسف: 110]، خفيفة، قال ابن جريج: أقول كما يقول: أُخْلِفُوا.

قال عبد الله -أي: ابن أبي مليكة-: قال لي ابن عباس: كانوا بشرًا، وتلا ابن عباس: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214]، قال ابن جريج: قال ابن أبي مليكة: ذهب بها إلى أنهم ضعفوا فظنّوا أنهم أُخْلِفُوا[33].

ورَوى عن مسروق، أنّ رجلًا سأل عبد الله بن مسعود: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾، قال: هو الذي تكره: مخفّفة.

ورواه أيضًا عن سعيد بن جبير، أنه قال في هذه الآية: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾، قلت: ﴿كُذِبُوا﴾، قال: نعم. ألم يكونوا بشرًا!

وقد رَوى غير ابن جرير استدلال ابن عباس بآيات أُخرى على معنى قوله، كما رَوى ابن أبي حاتم أنه استدلّ على ذلك القول، فقال: «أليس قال نوح: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [هود: 45]»[34].

وقد انتقد ابن جرير هذا التفسير مراعاةً لمقام النبوّة والرسالة، فقال: «وهذا تأويل وقول غيره من التأويل أَوْلَى عندي بالصواب، وخلافه من القول أشبه بصفات الأنبياء والرسل إِنْ جاز أن يرتابوا بوعد الله إياهم ويشكُّوا في حقيقة خبره، مع معاينتهم من حجج الله وأدلّته ما لا يعاينه المرسَل إليهم فيعذروا في ذلك، فإنّ المرسل إليهم لأَوْلى في ذلك منهم بالعذر. وذلك قول إن قاله قائل لا يخفى أمره».

وقد وافق ابنَ جرير في نقده كثيرٌ من المفسِّرين؛ فقال القرطبي: «وهذه الآية فيها تنزيه الأنبياء، وعصمتهم عمّا لا يليق بهم، وهذا الباب عظيم وخطره جسيم؛ ينبغي الوقوف عليه لئلّا يَزِلّ الإنسان فيكون في سواء الجحيم»[35].

وممن وافق ابنَ جرير في اختياره ابنُ عطية، والقرطبي، والرازي، وأبو حيان، وابن كثير، وغيرهم[36].

لكن قد ذهب عدد من المفسِّرين إلى توجيه قول ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره، فذهب بعضهم أنّ الرسل كانت تخاف من عدم تحقّق موعود الله لذنب وقعوا فيه.

ومِن أشهر هذه التوجيهات ما ذهب إليه الزمخشري وابن تيمية وابن سعدي أن الظنّ في قول ابن عباس يُراد به خطرات وحديث النفس لا حقيقة الظنّ الذي هو الاحتمال الراجح.

قال الزمخشري: «فإنْ صحّ هذا عن ابن عباس فقد أراد بالظنّ ما يخطر بالبال ويهجس في القلب من شِبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية، وأمّا الظن الذي هو ترجح أحد الجائزين على الآخر فغير جائز على رجل من المسلمين، فما بال رسل الله الذين هم أعرف الناس بربهم»[37].

فيتبيَّن لنا في هذا المثال نقد ابن جرير القائم على مراعاة مقام الرسالة وعصمة النبوّة، ومتابعة نقد أُمّ المؤمنين، وموافقة السياق مع احتمال القول الآخر؛ لما جاء من القول المرويّ عن بعض الصحابة والتابعين؛ أخذًا بظاهر القراءة الأخرى، مع تأويله.

ويَستَخدِم ابن جرير معياره النقدي، وهو (اللغة) فيما يتعلق بعصمة الأنبياء، فأورد إشكالًا في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [يونس: 94]، فقال: «فإن قال قائل: أوَ كَان رسول الله في شكّ من خبر الله أنه حقّ يقين، حتى قيل له: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾؟ قيل: لا. وكذلك قال جماعة من أهل العلم».

ثم أسند عن سعيد بن جبير ومنصور عن الحسن قولهم في هذه الآية، قال: «لم يشكّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يسأل»[38].

ثم نقل أيضًا عن قتادة قوله: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾، ذُكِرَ لنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا أشكّ ولا أسأل)[39].

ثم أبان عن وجه ذلك بقوله: «فإن قال: فما وجه مخرج هذا الكلام إذن إن كان الأمر على ما وصفت؟ قيل: قد بينّا في غير موضعٍ من كتابنا هذا استجازة العرب قول القائل منهم لمملوكه: إن كنت مملوكي فانته إلى أمري، والعبد المأمور بذلك لا يشكّ سيده القائل له ذلك أنه عبده، كذلك قول الرجل منهم لابنه: إن كنت ابني فبرّني، وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه، وإن ذلك من کلامهم صحيح مستفيض فيهم، وذكرنا ذلك بشواهده، وأن منه قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: 116]. وقد علم -جلّ ثناؤه- أن عيسى لم يقل ذلك، وهذا من ذلك، لم يكن -صلى الله عليه وسلم- شاكًّا في حقيقة خبر الله وصحته، والله تعالى بذلك من أمره كان عالمًا، ولكنه -جل ثناؤه- خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضًا؛ إِذْ كان القرآن بلسانهم نزل، وأمّا قوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [يونس: 94]، فهو خبر من الله مبتدأ، يقول تعالى ذِكْره: أُقسم لقد جاءك الحقّ اليقين من الخبر بأنك لله رسول، وإن هؤلاء اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك، ويجدون نعتك عندهم في كتبهم؛ ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾، يقول: فلا تكونن من الشاكِّين في صحة ذلك وحقيقته.

ولو قال قائل: إن هذه الآية خُوطب بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمراد بها بعض من لم يكن صحَّت بصيرته بنبوّته ممن كان قد أظهر الإيمان بلسانه، تنبيهًا له على موضع تعرف حقيقة أمره الذي يزيل اللبس عن قلبه، كما قال -جل ثناؤه-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الأحزاب: 1]، كان قولًا غير مدفوعة صحّته»[40].

وقد وافق ابنَ جرير في تقريره الأول غيرُ واحد من المفسِّرين -مع اتفاق الجميع على نفي الشكّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم: أبو حيان، وابن تيمية، وابن القيم، والألوسي، ورشيد رضا، وابن سعدي، وابن عاشور، وغيرهم[41]، وهو ظاهر الآية، والموافق لسنن العرب في كلامها، قال ابن تيمية: «وبهذا يبين أنّ قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [يونس: 94]، يتناول غيره، حتى قال كثير من المفسِّرين: الخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمراد به غيره، أي: هم الذين أُريد منهم أن يَسألوا لِما عندهم من الشك، وهو لم يَرِد منه السؤال إِذْ لم يكن عنده شك، ولا شك أن هذا لا يمنع أن يكون هو مخاطبًا ومرادًا بالخطاب، بل هذا صريح اللفظ، فلا يجوز أن يقال: إن الخطاب لم يتناوله؛ ولأنه ليس في الخطاب أنه أُمر بالسؤال مطلقًا، بل أُمر به إن كان عنده شكّ، وهذا لا يوجب أن يكون عنده شك، ولا أنه أُمر به مطلقًا، بل أُمر به إن كان هذا موجودًا، والحكم المعلّق بشرطٍ عدمٌ عند عدمه»[42].

وقد قرّر ما ذكره ابن جرير احتمالًا كثيرٌ من المفسِّرين، منهم: ابن قتيبة، والزجّاج، وابن عطية، والواحدي، والرازي، وغيرهم[43].

وقد قرّر ابن جرير في مثال آخر ما رآه احتمالًا في الموضع السابق؛ لاختلاف الأسلوب والسياق، فقد أورد في تأويل قوله تعالى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 147- 148] سؤالًا، وهو: «فإن قال قائل: أوَ كَان النبي شاكًّا في أن الحقّ من ربه، أو في أن القبلة التي وجهه اللهُ إليها حقّ من الله، حتى نُهي عن الشك في ذلك، فقيل له: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾؟

قيل: ذلك من الكلام الذي تخرجه العرب مخرج الأمر والنهي للمخاطب به، والمراد به غيره، كما قال -جلّ ثناؤه-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِين وَالْمُنَافِقِينَ﴾ ثم قال: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 1- 2]، فخرج الكلام مَخْرَجَ الأمر للنبي والنهي له، والمراد به أصحابه المؤمنون به، وقد بينّا نظير ذلك فيما مضى قبلُ بما أغنى عن إعادته»[44].

ويقرّر ابن جرير في تفسيره ما قرّرته الآيات القرآنية من عدم تنافي القول بعصمة الأنبياء مع وقوعهم في الذنب لظاهر الآيات، وتقرير السلف[45]؛ ولأنّ حالهم بعد التوبة والاستغفار أكمل، فقد أورد في تأويل قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 128- 129]، سؤالًا وهو: «فإن قال لنا قائل: وهل كانت لهما ذنوب فاحتاجَا إلى مسألة ربهما التوبة؟ قيل: إنه لا أحد من خلقِ الله إلا وله من العمل فيما بينه وبين ربه ما يجب عليه الإنابة منه والتوبة، فجائز أن يكون ما كان من قيلهما ما قالَا من ذلك، إنما خصّا به الحال التي كانَا عليها من رفع قواعد البيت؛ لأن ذلك كان أحرى الأماكن أن يستجيب اللهُ فيها دعاءهما، وليجعَلَا ما فعَلَا من ذلك سُنّة يُقتدى بها بعدهما، وتتخذ الناس تلك البقعة بعدهما موضع تنصُّل من الذنوب إلى الله. وجائز أن يكونَا عَنيَا بقولهما: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ: وتُب على الظلمة من أولادنا وذرّيتنا، الذين أعلمتنا أمرهم من ظلمهم وشركهم، حتى يُنيبوا إلى طاعتك؛ فيكون ظاهر الكلام على الدعاء لأنفسهما، والمعنيّ به ذريتهما، كما يقال: أكرمني فلان في ولدي وأهلي، وبرّني فلان، إذا برّ ولده»[46].

ويمضي ابن جرير في تقرير هذا الأساس النقدي بمراعاة التفسير النبوي، في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 260]: «اختلف أهل التأويل في مسألة إبراهيم ربَّه أن يريه كيف يحيي الموتى:

فقال بعضهم: كانت مسألته ذلك ربَّه، أنه رأى دابة قد تقسّمتها السباع والطير، فسأل ربَّه أن يريه كيفية إحيائه إياها، مع تفرُّق لحمها في بطون طير الهواء وسباع الأرض؛ ليرى ذلك عيانًا، فيزداد يقينًا برؤيته ذلك عيانًا، إلى عِلْمه به خبرًا، فأراه اللهُ -جلّ ثناؤه- ذلك مثلًا بما أخبر أنه أمَرَهُ به»[47].

تم أسنده عن قتادة والضحّاك وابن جريج وابن زيد[48].

وقال ابن إسحاق: «بل كان سبب مسألته ربَّه -تبارك وتعالى- ذلك المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين نمروذ في ذلك».

ثم قال ابن جرير: «وهذان القولان -أعني الأول وهذا الآخر- متقاربا المعنى، في أنَّ مسألة إبراهيم ربَّه -تبارك وتعالى- أن يريه كيف يحيي الموتى، كانت ليرى عيانًا ما كان عنده من عِلْم ذلك خبرًا.

وقال السدّي وابن جُبَير: بل كانت مسألته ذلك ربَّه عند البشارة التي أتته من الله -جلّ ثناؤه- بأنه اتخذه خليلًا، فسأل ربّه أن يريه عاجلًا من العلامة ليطمئن قلبه.

وقال آخرون: سأل ذلك ربَّه لأنه شكّ في قدرة الله على إحياء الموتى.

ثم رَوى عن سعيد بن المسيب، قال: اتَّعَدَ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو أن يجتمعَا، قال: ونحن يومئذٍ شببة، فقال أحدهما لصاحبه: أيّ آية في كتاب الله أرجى لهذه الأمة؟ فقال عبد الله بن عمرو: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ ‌الَّذِينَ ‌أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: 53]، حتى ختم الآية، فقال ابن عباس: أما إن كنت تقول: إنها، وإنّ أرجَى منها لهذه الأمة قول إبراهيم -عليه السلام-: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: 260]»[49].

قال ابن جرير: «وأَوْلَى هذه الأقوال بتأويل الآية ما صح به الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قاله، وهو قوله: (نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم، قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ﴾)[50]، وأن تكون مسألته ربَّه ما سأله أن يريه من إحيائه الموتى؛ لعارض من الشيطان عرض في قلبه، كالذي ذكرنا عن ابن زيد آنفًا، من أنّ إبراهيم لمّا رأى الحوت الذي بعضه في البر وبعضه في البحر، قد تعاوره دوابّ البر ودوابّ البحر وطير الهواء، ألقى الشيطانُ في نفسه، فقال: متى يجمع اللهُ هذا من بطون هؤلاء؟ فسأل إبراهيمُ حينئذ ربَّه -جل جلاله- أن يريه كيف يحيى الموتى؛ ليعاين ذلك عيانًا، فلا يقدر بعد ذلك الشيطان أن يلقي في قلبه مثل الذي ألقى فيه عند رؤيته ما رأى من ذلك، فقال له ربه: ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ يقول: أوَلَم تصدِّق يا إبراهيم بأنِّي على ذلك قادر؟ قال: بلى يا رب، ولكني سألتك أن تُريني ذلك ليطمئن قلبي، فلا يقدر الشيطان أن يلقي في قلبي مثل الذي فعل عند رؤيتي هذا الحوت.

وهذا التأويل الذي قلناه في ذلك هو تأويل الذين وجّهوا معنى قوله: ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، إلى أنه: ليزداد إيمانًا، أو إلى أنه: ليُوقن»[51].

فهو هنا يبين أن الأصل في تأويل الآيات التي تتعلق بعصمة الأنبياء أن تفسَّر بما فسرها به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-[52].

وردَّ ابن جرير على من يغلو في العصمة، فقال في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: 74- 75]: «وزعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله: ﴿يُجَادِلُنَا: يكلِّمنا، وقال: لأن إبراهيم لا يجادل الله، إنما يسأله ويطلب إليه، وهذا من الكلام جهل؛ لأن الله -عَزّ وَجَلّ- أخبرنا في كتابه أنه يجادل في قوم لوط، فقول القائل: إبراهيم لا يجادل الله -موهمًا بذلك أنّ قول من قال في تأويل قوله: ﴿يُجَادِلُنَا يخاصمنا، أن إبراهيم كان يخاصم ربه- جهلٌ من الكلام، وإنما كان جداله الرسل على وجه المحاجّة لهم، ومعنى ذلك: وجاءته البشرى يجادل رسلنا، ولكنه لما عُرف المراد من الكلام حذف الرسل»[53].

ومن النماذج النقدية لابن جرير فيما يتعلّق بأدلة النبوّة، ما أورده ابن جرير تعليقًا على قول عكرمة ومجاهد في قوله تعالى: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 49].

حيث عقّب ابن جرير بعميق نظره ولطيف نقده بقوله: «وإنما أخبر اللهُ -عَزّ وَجَلّ- عن عيسى -صلوات الله عليه- أنه يقول ذلك لبني إسرائيل احتجاجًا منه بهذه العِبر والآيات عليهم في نبوّته، وذلك أنَّ الكَمَه والبَرَص لا علاج لهما فيقدر على إبرائه ذو طب بعلاج، فكان ذلك من أدلّته على صِدْق قيله: إنه لله رسول؛ لأنه من المعجزات، مع سائر الآيات التي أعطاه الله إياها دلالةً على نبوّته.

فأمّا ما قال عكرمة، من أن الكَمَه العَمَش، وما قاله مجاهد من أنه سوء البصر بالليل، فلا معنى لهما؛ لأنّ الله لا يحتجّ على خلقه بحُجّة تكون لهم السبيل إلى معارضته فيها، ولو كان مما احتج به عيسى على بني إسرائيل في نبوّته أنه يُبرئ الأعمش، أو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل، لقدروا على معارضته بأن يقولوا: وما في هذا لك من الحُجّة، وفينا خلق ممن يعالج ذلك وليسوا لله أنبياء ولا رسلًا؟ ففي ذلك دلالة بيّنة على صحة ما قلنا من أن الأكْمَه هو الأعمى الذي لا يبصر شيئًا، لا ليلًا ولا نهارًا، وهو بما قال قتادة من أنه المولود كذلك أشبه؛ لأن علاج مثل ذلك لا يدّعيه أحد من البشر إلا من أعطاه الله مثل الذي أعطى عيسى، وكذلك علاج الأبرص»[54].

ويتلخص لنا من هذه النماذج النقدية عدد من المعالم:

1. أن ابن جرير الطبري قرّر في تفسيره الإيمان بالرسل، وما يقتضيه من تصديقهم وتوقيرهم وتعظيمهم وتبجيلهم، وعصمتهم عمّا يُزري بمراتبهم العالية ومكانتهم السامية.

2. أنّ ابن جرير اعتمد هذا الأصل في نقد التفسير، على وفق ما جاء في القرآن من غير غلو ولا جفاء، بل عمل بظاهر القرآن بما ذكر الله عن أنبيائه من ورود الخطأ البشري، قال تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]، وقال تعالى: ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ[الشرح: 2- 3]، لكنهم صاروا بذلك أعلى مرتبة وأعظم جاهًا؛ بما حكاه الله من مغفرته واجتبائه: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: 2]، ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [طه: 121- 122].

3. استعمل ابن جرير في نقد التفسير -وفق هذا الأصل- منهجه النقدي العميق، ومعاييره النقدية المتعدّدة؛ من توجيه القراءات، وتقديم التفسير النبوي، وترجيح أقوال السلف على مَن عداهم، ومراعاة سنن العرب في كلامها، وعمق النظر والاستدلال، كما تبيَّن لنا من خلال النماذج المذكورة.

 

 

[1] هذه المقالة من كتاب: (الصناعة النقدية في تفسير ابن جرير الطبري)، الصادر عن مركز تفسير سنة 1443هـ، تحت عنوان: ­(المبحث الأول: مخالفة أصول العقيدة المتعلقة بالرسل عليهم السلام)، (2/ 6) وما بعدها. (موقع تفسير)

[2] جامع البيان (13/ 168).

[3] جامع البيان (22/ 208).

[4] جامع البيان (16/ 381- 382).

[5] إنما قصد قتادة إلى تعبير الرؤيا لا الخبر عن الله بالوحي، ويؤيده حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحُجّته من بعض، وإنما أقضي بنحوٍ مما أسمع) رواه البخاري (2326)، ومسلم (1713). لكن يشكل عليه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ﴾ قال ابن عباس: أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه، وكان الله قد علّمه إياه، فيتوجه قول ابن جرير ونقده لقتادة بالجزم، وإن كان قتادة قصده أنّ التعبير ظنٌّ وليس بجزم.

[6] جامع البيان (13/ 172).

[7] أحكام القرآن (4/ 388)، والمحرر الوجيز (5/ 91)، وتفسير القرطبي (9/ 169)، والبحر المحيط (5/ 311)، وفتح القدير (2/ 37)، والتحرير والتنوير (13/ 278).

[8] الكشاف (3/ 286)، ونظم الدرر (10/ 92)، وروح المعاني (12/ 283)، وتفسير المنار (12/ 258).

[9] جامع البيان (10/ 477).

[10] جامع البيان (9/ 112).

[11] عراقيبها جمع (عرقوب)، وهو الوتر والعصب الغليظ فوق أعقابها. ينظر: لسان العرب، مادة (ع ر ق ب).

[12] جامع البيان (20/ 87).

[13] ولذلك قال أبو عبيد القاسم بن سلام: «وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هَمَّ بها، وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه، وأشدّ تعظيمًا للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم»، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/ 146)، ونقل أن هذا قول معظم المفسِّرين وعامتهم. ولابن تيمية كلام نفيس فيما يتعلّق بعصمة الأنبياء وهمّ يوسف -عليه الصلاة والسلام. ينظر: مجموع الفتاوی (10/ 290- 297).

[14] جامع البيان (13/ 85- 87).

[15] جامع البيان (16/ 377- 378).

[16] تأويل مشكل القرآن، ص402- 408، وتفسير القرطبي (11/ 234).

[17] المحرر الوجيز (6/ 195)، والبحر المحيط (6/ 334)، وتفسير ابن كثير (5/ 366).

[18] تفسير القرطبي (11/ 234)، والتحرير والتنوير (18/ 130)، وأضواء البيان (4/ 241).

[19] جامع البيان (7/ 157).

[20] قرأ حمزة بكسر اللام وقرأ باقي العشرة بفتحها، ينظر: البحر المحيط (2/ 509)، والنشر (2/ 241).

[21] جامع البيان (5/ 538).

[22] شك مكانه: أي: من ساعته، من فوره. ينظر: تعليق الأستاذ شاكر، جامع البيان (6/ 382).

[23] جامع البيان (5/ 382- 383).

[24] جامع البيان (10/ 301).

[25] جامع البيان (10/ 303)، والحديث رواه مسلم (177).

[26] جامع البيان (10/ 303)، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 3135- 3137).

[27] نقله عنه: القاضي عياض في الشفا (2/ 117)، وأبو العباس القرطبي في المفهم (1/ 406).

[28] ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 3037).

[29] ينظر: الانتصار للقرآن، للباقلاني (2/ 704)، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض (2/ 117- 118)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (2/ 312)، معالم التنزيل (3/ 532)، وأحكام القرآن، لابن العربي (3/ 577)، والكشف والبيان (8/ 48)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (1/ 406)، وتفسير القرطبي (14/ 123)، وتفسير ابن كثير (3/ 499)، (2/ 198)، وزاد المعاد (4/ 266)، وفتح الباري (8/ 384)، وروح المعاني (22/ 278)، ومحاسن التأويل (8/ 83)، والتحرير والتنوير (22/ 31)، وأضواء البيان (6/ 580- 583)، ومجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (1/ 325).

[30] الشفا (2/ 117).

[31] رواه البخاري (4336)، ومسلم (178).

[32] السبعة في القراءات (351)، جامع البيان للداني (569)، حجة القراءات (366).

[33] رواه البخاري (4524). 

[34] رواه ابن أبي حاتم (7/ 2211).

[35] أحكام القرآن (9/ 275).

[36] جامع البيان (16/ 296)، المحرر الوجيز (5/ 164)، أحكام القرآن (9/ 275)، مفاتيح الغيب (9/ 129)، البحر المحيط (7/ 83)، تفسير القرآن العظيم (4/ 425).

[37] الكشاف (2/ 480)، وتفسير السعدي (1/ 407)، وينظر: القاعدة الرابعة والستون من كتابه النفيس (القواعد الحسان لتفسير القرآن)، وعنون لها: الأمور العارضة التي لا قرار لها بسبب المزعجات أو الشبهات قد ترِد على الحقّ وعلى الأمور اليقينية، ولكن سرعان ما تضمحل وتزول.

[38] جامع البيان (12/ 286- 287)، والأثر رواه سعيد بن منصور في سننه (1076- 1078)، وابن أبي حاتم (1986).

[39] جامع البيان (12/ 286)، والحديث رواه عبد الرزاق في مصنفه (10211)، كذلك من مرسل قتادة؛ فالحديث ضعيف.

[40] جامع البيان (12/ 287- 289).

[41] البحر المحيط (5/ 191)، ومجموع الفتاوى (16/ 325- 328)، وبدائع التفسير (2/ 410- 414)، وروح المعاني (11/ 190)، وتفسير المنار (11/ 392)، وتيسير الكريم الرحمن ص219- 220، والتحرير والتنوير (11/ 284- 285).

[42] مجموع الفتاوى (16/ 325- 326).

[43] تأويل مشكل القرآن ص272- 274، ومعاني القرآن وإعرابه (3/ 32)، والمحرر الوجيز (7/ 217- 218)، والوسيط (2/ 559)، والتفسير الكبير (17/ 128- 130).

[44] جامع البيان (2/ 647).

[45] قال شيخ الإسلام: «هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضًا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول» مجموع الفتاوى (4/ 319)، وقال ابن قتيبة: «يستوحش كثير من الناس من أن يُلحقوا بالأنبياء ذنوبًا، ويحملهم التنزيه لهم -صلوات الله عليهم- على مخالفة كتاب الله -جلّ ذِكْره- واستكراه التأويل» تأويل مشكل القرآن، ص402.

[46] جامع البيان (2/ 572- 573).

[47] جامع البيان (4/ 624).

[48] وقال بهذا القول البغوي (1/ 322)، والقرطبي، تفسير القرطبي (3/ 195)، وابن تيمية، مجموع الفتاوى (15/ 177)، وابن القيم، التبيان في أقسام القرآن (1/ 120)، وابن كثير (1/ 689)، والسعدي (1/ 112)، وابن عاشور (3/ 38)، وابن عثيمين (3/ 138).

[49] جامع البيان (4/ 628- 629)، والأثر رواه عبد الرزاق في التفسير (1/ 106)، وأبو عبيد في فضائل القرآن، ص149، وابن أبي حاتم (2694)، والحاكم (1/ 20)، قال الحافظ في الفتح (6/ 474)، رُوي من طرق يشد بعضها بعضًا.

[50] رواه البخاري (4537)، ومسلم (151).

[51] جامع البيان (4/ 630).

[52] وقد انتقد ابنُ عطية (1/ 353) ابنَ جرير بقوله: «ما ترجم به الطبري عندي مردود، وما أدخل تحت الترجمة متأوّل، فأمّا قول ابن عباس: (هي أرجى آية) فمن حيث فيها الإدلال على الله تعالى، وسؤال الإحياء في الدنيا، وليست مظنة ذلك».
وأسرف القرطبي في المفهم (7/ 317)، فعلّق على أثر ابن عباس بقوله: «ما نُقل عن ابن عباس، فإنه قول فاسد لا يصح نقله ولا معناه، وليس في الآية ما يدلّ على أن إبراهيم شكّ». وهذا ذهول عن قول ابن عباس، فقد قال: «هذا لما يعرض في الصدور، ويوسوس به الشيطان، فرضي الله تعالى من إبراهيم قوله: بلى»، وليس فيه نسبة الشك إلى إبراهيم، وفيه إعراض عن ظاهر الآية والحديث النبوي، وسوء أدب مع أقوال السلف من الصحابة والتابعين، وهم أعلم الناس بالله وبرسله، وأشدهم تعظيمًا، وأوفرهم إجلالًا.

[53] جامع البيان (24/ 489).

[54] جامع البيان (5/ 423- 424).

 

الكاتب

الدكتور يوسف بن جاسر الجاسر

حاصل على الدكتوراه من جامعة الملك سعود، وله عدد من الجهود العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))