أنواع الإجماعات عند الطبري في تفسيره (جامع البيان)

اعتنى ابنُ جرير الطبري بالإجماع في تفسيره إيرادًا له واحتجاجًا به، وهذه المقالة تتناول أنواع الإجماعات التفسيرية عند الطبري في تفسيره، وذلك من حيث ذِكْر المخالف، ونوع المخالفين، وموضوع الإجماعات، وهي مستلّة من كتاب (الإجماع في التفسير عند الطبري).

أنواع الإجماعات عند الطبري في تفسيره (جامع البيان)[1]

حظي الإجماعُ باهتمام الطبري، فتعدّدت أنواعه عنده، وجاءت متعدّدة من حيث أسلوبها ومقصد الطبري بها، ومن حيث موضوعها، وغير ذلك.

وفي هذا المقال سأعرض لبيان أنواع الإجماعات التفسيرية عنده، ولبيان أنواع الإجماعات التفسيرية من حيث ذِكْر الطبري للمخالف ونوع المخالفين، ولبيان أنواع الإجماعات من حيث موضوعها؛ وذلك لِمَا أورده الطبري من الإجماعات في تفسيره.

أولًا: أنواع الإجماعات التفسيرية:

تعدّدت أنواع الإجماعات التفسيرية عند الطبري من حيث مقصد الطبري بها، ويمكن ردّها إلى الأنواع الآتية:

النوع الأول: أكثر الإجماعات التفسيرية عند الطبري هي من الإجماع المعروف؛ أعني الإجماع على قول واحد، فيحكي الطبريُّ الإجماعَ مُرِيدًا به بيان اجتماع الآراء على قول واحد، ومثاله ما حكاه من الإجماع على معنى الاستهزاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: 14]؛ إِذْ حكى الطبريُّ الإجماعَ على أن المعنى: إنما نحن ساخرون[2].

النوع الثاني: يحكي الطبري في بعض المواضع إجماعَ أهل التأويل على قولَيْن، فحكى إجماعَ أهل التأويل على أنّ قوله: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة: 33]، غير خارج عن أحد المعنيين اللذَيْن ذكرهما، قال الطبري: «لا خلاف بين جميع أهل التأويل أنّ تأويل ذلك غير خارج من أحد الوجهَيْن اللذَيْن وصَفْتُ»[3]، كما حكى الإجماعَ على أنّ قوله: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: 260]، غير خارج من أحد معنيين، قال الطبري: «لإجماع جميع أهل التأويل على أن معنى قوله: ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ [البقرة: 260]، غير خارج من أحد معنيين؛ إمّا: قَطِّعْهُنّ، وإمّا: اضْمُمْهُنّ إليك»[4]، وقد ذكر الطبري قولين في المخاطب بقوله: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء: 35]، حيث قيل: هما الزوجان، وقيل: السلطان، ثم حكى الإجماع على هذين القولَيْن، وعلى أنّ مَن عداهما ليس بمخاطب في الآية، قال الطبري: «وقد أجمع الجميعُ على أن بعثة الحَكمين في ذلك ليست لغير الزوجين وغير السلطان الذي هو سائسُ أَمْر المسلمين، أو مَنْ أقامه في ذلك مقام نفسه»[5].

وذِكْر الطبري لهذه الإجماعات إمّا أن يكون تمهيدًا للترجيح بين القولَيْن اللذَيْن حكى الإجماع عليهما، وإمّا أن يكون لوجه استدلال يذكره من هذه الإجماعات على الترجيح أو الإبطال.

النوع الثالث: يحكم الطبري على بعض الأقوال بأنها خارجة عن إجماع أهل التأويل، ويعني الطبري بهذا أن القول الخارج قول لم يَرِد عن أحد من أهل التأويل المُعتبَرِين عند الطبري، فهو قول خارج عن إجماعهم وأقوالهم؛ إِذْ إنّ إجماعهم وقع في أنّ المعنى لن يخرج عمّا قالوه، سواء كان ما قالوه قولًا واحدًا أو أقوالًا متعدّدة.

ومثال هذا النوع قول الطبري: «ما ذكرتُ من القول عمّن ذكرتُ عنه من أهل العربية أنه كان يُوجِّه تأويل ذلك إلى أنه حروف هجاء استُغني بذِكْر ما ذُكِر منه في مفاتح السور عن ذِكْر تتمّة الثمانية والعشرين حرفًا من حروف المعجم... فإنه قولٌ خطأ فاسد؛ لخروجه عن أقوال جميع الصحابة والتابعين فمَن بعدهم من الخالفين من أهل التفسير والتأويل، فكفى دلالة على خطئه شهادة الحُجّة عليه بالخطأ»[6].

وقوله: «وقد زعم بعض نحويي أهل البصرة أنّ قوله: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 31]، لم يكن ذلك لأنّ الملائكة ادّعوا شيئًا، إنما أخبر عن جهلهم بعِلْم الغيب، وعلمه بذلك وفضله»، إلى أن قال: «مع خروج هذا القول الذي حكينا عن صاحبه، من أقوال جميع المتقدِّمين والمتأخِّرين من أهل التأويل والتفسير»[7].

وقوله: «وقد زعم بعضُ أهل العربية أنّ معنى قوله: ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ [البقرة: 25]، أنه متشابه في الفضل، أي: كلّ واحد منه له من الفضل في نحوه مثل الذي للآخر في نحوه.

وليس هذا قولًا نستجيز التشاغل بالدلالة على فساده؛ لخروجه عن قول جميع علماء أهل التأويل، وحسبُ قولٍ بخروجه عن قول جميع أهل العلم =دلالة على خطئه»[8].

وينقسم هذا النوع فيما درسته من الإجماعات التفسيرية إلى قسمين؛ فقسم يكون القول خارجًا عن أقوال أهل التأويل مع إجماع أهل التأويل على قول واحد[9]، وقسم يكون القول خارجًا عن أقوال أهل التأويل مع اختلاف أهل التأويل فيما بينهم[10].

والأقوال التي حكم الطبري عليها بأنها خارجة عن أقوال أهل التأويل هي أقوال لبعض أهل العربية، وهم الذين لا يعتبر الطبري مخالفتهم لأهل التأويل على الإطلاق.

النوع الرابع: يحكم الطبري على بعض الأقوال بأنها مخالفة لإجماع أهل التأويل، وهذا النوع قريب من النوع الذي قبله، ويعني الطبري بهذا الإجماع أن القول المخالف لم يَرِد عن أحد من الذين حكى إجماعهم، فخالف بقوله ما قالوه من الأقوال، سواء كان ما قالوه قولًا واحدًا أو أقوالًا متعدّدة.

ومثال هذا النوع قول الطبري: «وأمّا ما حُكي عن ابن عيينة من التأويل الذي ذكرناه، فتأويل خطأ لا معنى له؛ لوجوه شتى؛ أحدها: أنه خلاف لقول جميع أهل التأويل»[11].

وقوله: «وقد زعم بعضُ أهل العلم بالغريب من أهل البصرة، أن مجاز قوله: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: 11]، ويُفرِغ عليهم الصبر وينزله عليهم، فيثبتون لعدوّهم، وذلك قول خلاف لقول جميع أهل التأويل من الصحابة والتابعين، وحسبُ قولٍ خطأ أن يكون خلافًا لقول مَنْ ذكرنا»[12].

وقوله: «ويفسد هذين القولَيْن أنّ العرب لا تقدِّم جواب (لولا) قبلها، لا تقول: لقد قمتُ لولا زيد، وهي تريد: لولا زيد لقد قمتُ، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن، الذين عنهم يُؤخذ تأويله»[13].

وهذا النوع ينقسم فيما درسته من الإجماعات التفسيرية إلى قسمين كما في النوع السابق؛ فقسم يكون القول مخالفًا لأقوال الذين حكى الطبريُّ إجماعَهم مع وقوع الإجماع منهم على قول واحد[14]، وقسم يكون القول مخالفًا لأقوالهم مع وقوع الاختلاف فيما بينهم[15].

والأقوال التي حكم الطبري عليها بأنها مخالفة لإجماع أهل التأويل أكثرها أقوال لبعض أهل اللغة، الذين لا يعتبر الطبري مخالفتهم لأهل التأويل على الإطلاق، وبعضها أقوال لبعض أهل التأويل كمجاهد وابن عيينة[16]، لم يعتبر الطبري مخالفتهم في هذه المواضع التي حكى فيها الإجماع على خلاف أقوالهم.

والفرق بين هذا النوع والذي قبله فيما درسته من الإجماعات التفسيرية: أن هذا النوع يكون المخالف فيه إمّا من أهل التأويل أو من غيرهم، وأمّا النوع السابق فلا يكون المخالف إلا من غير أهل التأويل.

النوع الخامس: يحكي الطبريُّ إجماعَ أهل التأويل أو الحُجّة منهم على تخطئة قول من الأقوال، وهذا أحد أنواع الإجماعات التفسيرية عنده.

ومثال هذا النوع: قول الطبري: «وزعم السدّي أن ذلك من المقدَّم الذي معناه التأخير، والمؤخَّر الذي معناه التقديم... وهذا تأويل يدلّ ظاهر التأويل على خلافه، مع إجماع أهل التأويل على تخطئته»[17].

وقوله: «هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحُجّة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه، وكفى دليلًا على فسادِ قولٍ إجماعها على تخطئته»[18].

وقوله: «وواضح فساد قول مَنْ زعم أن معنى ذلك: إلا الذين ظلموا منهم، فإنهم لا حُجّة لهم فلا تخشوهم... لإجماع جميع أهل التأويل على تخطئة ما ادّعى من التأويل في ذلك، وكفى شاهدًا على خطأ مقالةٍ إجماعهم على تخطئتها»[19].

وهذه الأمثلة لم يصرّح فيها أهل التأويل بخطأ القول المخالف، وعنى الطبري بتخطئتهم له أن أقوالهم لمّا كانت مجمعة على خلاف هذا القول فإنها قد تضمّنت تخطئته.

النوع السادس: يحكي الطبريُّ بعضَ الإجماعات على قدر وجزء تضمنته الأقوال المختلفة؛ أي أنّ الأقوال مع اختلافها تضمّنت الإجماع على هذا القَدْر.

ومثال هذا النوع: قول الطبري: «وأَوْلَى الأقوال في ذلك بالصواب أن يُقال: هي الأرض المقدسة، كما قال نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ القول في ذلك بأنها أرض دون أرض، لا تدرَك حقيقة صحته إلا بالخبر، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به، غير أنها لن تخرج من أن تكون من الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر؛ لإجماع جميع أهل التأويل والسِّيَر والعلماء بالأخبار على ذلك»[20].

وبيان هذا المثال أن الطبري ذكر اختلاف المفسِّرين في تعيين الأرض المقدسة في قوله تعالى: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: 21]، حيث قال بعضهم: هي الشام، وقال بعضهم: هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقال بعضهم: هي أريحا، وقال بعضهم: هي إيليا، وقال بعضهم: هو الطور وما حوله[21]، ثم حكى الطبري الإجماع على أن الأرض المقدّسة لن تخرج عن المنطقة الواقعة بين الفرات وعريش مصر؛ لأن كلّ ما قالوه من الأماكن في تعيينها لن يخرج من أن يكون بين هذين المكانَيْن، فأقوالهم مع اختلافها تضمّنت هذا الإجماع.

مثال آخر: قال الطبري: «والصواب أن يُقال في ذلك كما قال جلّ ثناؤه: إنّ كتاب أعمال الأبرار لفي ارتفاع إلى حدّ قد علم الله -جلّ وعزّ- منتهاه، ولا عِلْم عندنا بغايته، غير أن ذلك لا يقصر عن السماء السابعة؛ لإجماع الحُجّة من أهل التأويل على ذلك»[22].

وبيان هذا المثال أن الطبري ذكر اختلاف المفسِّرين في المراد بـ(عليين) وذلك في قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين: 18]، فذكر خمسة أقوال عنهم في ذلك؛ حيث قال بعضهم: هي السماء السابعة، وقال بعضهم: العليّون قائمة العرش اليُمنى، وقال بعضهم: عُني بالعليّين الجنة، وقال بعضهم: العليّون عند سدرة المنتهى، وقال بعضهم: عُني بالعليّين: في السماء عند الله[23]، وبعدما ذكر الطبري الأقوال حكى الإجماع على أن عُلوّ كتاب الأبرار لا يقصر عن السماء السابعة؛ وذلك لأنّ أدنى مكان قيل في تعيين العلوّ هو السماء السابعة، فصارت الأقوال متضمّنة الإجماع على هذا؛ فالأقوال منها ما جعل المكان في السماء السابعة، ومنها ما جعل المكان أعلى من السابعة، وبناء على ذلك فإن كلّ الأقوال تضمّنت أنّ العلوّ لا يقصر عن السماء السابعة.

هذه أهم أنواع الإجماعات التفسيرية عند الطبري، ومن أنواعها حكاية الإجماع على المعنى الجامع بين الأقوال.

ثانيًا: أنواع الإجماعات التفسيرية من حيث ذِكْر الطبري للمخالف ونوع المخالفين:

بلغ مجموع الإجماعات التفسيرية عند الطبري (106) إجماعات، وهذه الإجماعات تنوّعت من حيث:

أ. ذِكْر الطبري للمخالف أو عدم ذِكْره.

كما تنوّعت أيضًا من حيث:

ب. نوع المخالِفين الذين يذكر الطبري مخالفتهم، وفيما يأتي حديث عن ذلك.

1- الإجماعات التفسيرية من حيث ذِكْر الطبري للمخالف:

تنقسم الإجماعات التفسيرية بهذا الاعتبار إلى قِسْمين؛ فالقسم الأول منها: ما لم يذكر الطبري فيها مخالفًا، والقسم الثاني: ما ذكر الطبري فيها مخالفًا، وبيان عدد كِلَا القسمين وفق الآتي:

الإجماعات التفسيرية من حيث ذِكْر الطبري للمخالف

1. ما لم يذكر فيه مخالفًا

2. ما ذكر فيه مخالفًا

العدد:

52

النسبة:

49,05٪

العدد:

54

النسبة:

50,9٪

        

وفيما يأتي نقاط متعلّقة بتقسيم الإجماعات التفسيرية وفق هذا الاعتبار، وهي:

- منهج الطبري في المواضع التي يذكر فيها مخالفًا هو أنه يذكر القول المخالف، وأمّا قائله فيصرّح به وذلك بإسناد القول إليه أو نسبته إذا كان المخالف من أهل التأويل[24]، وإذا لم يكن المخالف من أهل التأويل فإنه لا يصرّح بتسمية قائله، وهذا في الأعمّ والأغلب، ولا يخالف هذا إلا نادرًا.

- الإجماعات التي لم يذكر الطبري فيها مخالفًا هي كذلك في الأغلب، فإذا لم يذكر الطبريُّ مخالفًا فإنّ ما حكاه من الإجماع ليس له مخالف من أهل التأويل، الذين هم أهل الإجماع في التفسير عند الطبري.

ومن خلال بحثي لم أجد ما خالف هذا إلا في بعض المواضع اليسيرة، وهذه المواضع جاءت على قسمين:

أ. فقِسْم تكون المخالفة فيه منسوبة لأحد أهل التأويل دون سند، وما كان منها كذلك فلا عِبْرة به في خرق إجماع الطبري، خصوصًا إذا كان المنسوب لأحد أهل التأويل مخالفًا للمسند عنه.

ب. والقسم الآخر هو ما كانت المخالفة فيه مسندة لأحد أهل التأويل، ومع ذلك لم يذكره الطبري، وهي أربعة مواضع:

فموضع من هذه المواضع أُسند لسعيد بن المسيب فيه قول مخالف، ومخالفة سعيد في هذا الموضع مخالفة شاذة؛ لخلافها لنصّ حديث صريح، وموضع منها أخرج الثعلبي فيه قولًا مخالفًا لابن عباس، وما أسنده الطبري عنه موافق للإجماع، وموضع منها أخرج يحيى بن سلام عن ابن عباس قولًا مخالفًا واختاره يحيى بن سلام، والطبري أخرج عن ابن عباس قولًا موافقًا للإجماع، ومما هو أيضًا من هذا القسم مخالفة مالك لأحد إجماعات الطبري، وقول مالك في مدونته.

فهذه المواضع هي التي وقفتُ فيها على أقوال مسندة لأهل التأويل مخالفة للإجماعات التي لم يذكر الطبري فيها مخالفًا حسب بحثي واطّلاعي.

وما سبق مبين عن دقّة ما يحكيه الطبري من هذه الإجماعات، وسعة اطّلاعه على أقوال أهل التأويل، فالأصل إذًا فيما لم يذكر فيه مخالفًا أنه كذلك حقًّا، وما خالف هذا إلا هذه المواضع التي ذكرتُها، وهي مواضع قليلة، كما أن فيها ما ذكرته من شذوذ المخالف أو تعدّد الروايات عنه.

2- أنواع الإجماعات التفسيرية من حيث نوع المخالف عند الطبري:

بلغ مجموع الإجماعات التفسيرية التي ذكر الطبري فيها مخالفًا (54) إجماعًا كما سبق بيانه، وهذه الإجماعات انقسمت إلى قسمين من حيث نوع المخالف الذي يذكره الطبري؛ فالنوع الأول: ما كان المخالف فيه من أهل التأويل، ولم يعتبر الطبري مخالفته في هذا الموضع. والنوع الثاني: ما كان المخالف فيه من غير أهل التأويل، وهم الذين لا يعتبر الطبري خلافهم لإجماع أهل التأويل على الإطلاق، وعدد كِلَا النوعين وفق الآتي:

المخالفون للإجماعات باعتبار نوعهم

1. من أهل التأويل

2. من غير أهل التأويل

العدد:

25

النسبة:

46,2٪

العدد:

29

النسبة:

53,7٪

        

وفيما يأتي نقاط متعلّقة بتقسيم الإجماعات التفسيرية وفق هذا الاعتبار، وهي:

- لم يعتبر الطبري مخالفة مَنْ كان من غير أهل التأويل؛ لأن الإجماع في التفسير عنده هو إجماع أهل التأويل دون مَن سواهم، ولم يعتبر الطبري مخالفة بعض أهل التأويل في بعض المواضع.

- تبيَّن أنّ أكثر مواضع الإجماعات التفسيرية التي ذكر الطبري فيها مخالفًا يكون المخالف فيها من غير أهل التأويل؛ ولذا فإنّ هذه المواضع تعدّ مواضع إجماع أكثر بالنظر إلى وجود المخالف، وتعدّ من الإجماع الكلي بالنظر إلى أهل الإجماع في التفسير عند الطبري.

- عدد مواضع الإجماعات التفسيرية التي لم يذكر الطبري فيها مخالفًا (52) إجماعًا، وعدد المواضع التي خالف فيها غير أهل التأويل (29) إجماعًا، وبناء عليه فإن عدد المواضع التي لم يخالف فيها أهل التأويل (81) موضعًا، ونسبتها من مجموع الإجماعات التفسيرية (76,4%)، وما بقي (23,5٪) هي المواضع التي ذكر فيها مخالفًا من أهل التأويل، وبهذا يتبين أن نسبة (76,4٪) من الإجماعات التفسيرية هي إجماعات كلية بالنسبة لأهل الإجماع في التفسير عند الطبري.

- المخالفون من أهل التأويل الذين ذكر الطبري مخالفتهم للإجماعات التفسيرية التي حكاها، هم:

❖ الحسن: في (7) مواضع.

❖ ابن عباس: في (6) مواضع.

❖ ابن زيد: في (6) مواضع.

❖ مجاهد: في (3) مواضع.

❖ قتادة: في (2) موضعين اثنين.

❖ سهل بن سعد: في (1) موضع واحد.

❖ سعيد بن جبير: في (1) موضع واحد.

❖ عكرمة مولى ابن عباس: في (1) موضع واحد.

❖ الضحاك: في (1) موضع واحد.

❖ سفيان بن عيينة: في (1) موضع واحد.

❖ السدي: في (1) موضع واحد.

- المخالفون من غير أهل التأويل الذين يذكر الطبري مخالفتهم هم أهل اللغة في الغالب؛ كالأخفش، وأبي عبيدة، والفرّاء، وغيرهم، وقد يكون من غيرهم كابن كثير القارئ.

- بعد زمن الطبري وقعت مخالفات لبعض ما حكاه الطبري من الإجماعات، وأكثر إجماع خالفه المفسِّرون بعد الطبري هو الإجماع في إثبات هَمّ يوسف في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: 24]، حيث وقعت مخالفة هذا الإجماع من الزمخشري، وابن عطية، وابن العربي، وابن الجوزي، والرازي، وابن تيمية، وابن جزي، وأبي حيان، والألوسي، والشنقيطي.

ومن الإجماعات التي كثر مخالفوها بعد الطبري الإجماع على أن المعنيّ بقوله: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ﴾ [الأعراف: 190]: آدم وحواء، وأن الشِّرْك في الاسم لا في العبادة، حيث وقعت مخالفة هذا الإجماع من الزمخشري، وابن العربي، والقرطبي، وابن جزي، وابن كثير، وابن عاشور.

ثالثًا: أنواع الإجماعات عند الطبري من حيث موضوعها:

لا يخفى ما للطبري من مكانة علمية؛ فقد جمع علومًا ومعارف شتى، يرى ذلك كلُّ مُطالِع لتفسيره وكتبه، ولمّا كان ذلك كذلك تنوّعت العلوم التي أودعها الطبريُّ في تفسيره، حتى قيل في وصفه: «لو ادّعى عالمٌ أن يصنّف منه عشرة كتب، كلّ كتاب منها يحتوي على علم مفرد عجيب مستقصى لفعل»[25].

وكان مما تنوّع من ذلك ما أودعه الطبري فيه من الإجماعات؛ فقد تنوّعت موضوعاتها وتعدّدت، وقد بلغ عددُ الإجماعات التي حكاها الطبري في تفسيره (564) إجماعًا، وتفصيل موضوعاتها وأعدادها كما في الجدول الآتي:

م
موضوع الإجماع
العدد
النسبة

1.

القراءات

260

46,09٪

2.

الأحكام الفقهية

141

25٪

3.

التفسير

106

18,7٪

4.

اللغة

21

3,7٪

5.

علوم القرآن

17

3,01٪

6.

الأخبار التاريخية

15

2,6٪

7.

العقيدة

4

0,7٪

المجموع

564

100٪

 

 

 

[1] هذه المقالة من كتاب: (الإجماع في التفسير عند الطبري؛ دراسة نظرية تطبيقية)، الصادر عن مركز تفسير سنة 1443هـ، ص167 وما بعدها. (موقع تفسير)

[2] ينظر: جامع البيان (1/ 311).

[3] جامع البيان (1/ 533).

[4] جامع البيان (4/ 638، 639).

[5] جامع البيان (6/ 726).

[6] جامع البيان (1/ 223).

[7] جامع البيان (1/ 525، 526).

[8] جامع البيان (1/ 418).

[9] ينظر: جامع البيان (14/ 373).

[10] ينظر: جامع البيان (1/ 223) (1/ 418) (1/ 525، 526).

[11] جامع البيان (5/ 91).

[12] جامع البيان (11/ 68، 69).

[13] جامع البيان (13/ 86، 87).

[14] ينظر: جامع البيان (5/ 91) (11/ 68، 69) (13/ 86، 87) (13/ 473).

[15] ينظر: جامع البيان (3/ 571) (13/ 197) (15/ 136، 137) (18/ 169، 170).

[16] ينظر: جامع البيان (13/ 398) (5/ 91).

[17] جامع البيان (1/ 693).

[18] جامع البيان (2/ 66).

[19] جامع البيان (2/ 689).

[20] جامع البيان (8/ 286).

[21] ينظر: جامع البيان (8/ 284- 286).

[22] جامع البيان (24/ 211).

[23] ينظر: جامع البيان (24/ 206- 210).

[24] أهل التأويل عند الطبري: هم السلف الذين ذكر الطبري لهم أقوالًا في بيان المعاني، معتبرًا أقوالهم في ذلك.

[25] تاريخ دمشق، لابن عساكر (52/ 196)؛ سير أعلام النبلاء (14/ 273)؛ طبقات المفسرين، للداوودي (2/ 114).

الكاتب

الدكتور عبد الله بن سليمان اللاحم

حاصل على الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة القصيم.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))