شروط الإجماع عند الطبري في تفسيره
شروط الإجماع عند الطبري في تفسيره[1]
لم تصل إلينا كتب الطبري الأصولية التي هي مظنّة الحديث عن مسائل الإجماع، ومنها شروطه، وليس في كتب الطبري المطبوعة بيانٌ كامل لشروط الإجماع عنده؛ ولذا سألجأ إلى استخراجها من كلامه المبثوث في كتبه المطبوعة، بعد مقارنتها بأبرز الشروط التي اشترطها الأصوليون للإجماع، محاولًا بيان بعض المسائل المتعلّقة بالتفسير في هذه الشروط.
الشرط الأول: الإسلام:
من شروط الإجماع التي اشترطها الأصوليون: أن يكون الإجماع من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الشرط مُخرِجٌ مَن ليس مسلمًا، فلا عِبرة بهم في الإجماع[2].
وهذا الشرط معتبر عند الطبري، وفي كلامه ما يدلّ على اعتباره له، فمن ذلك:
قوله: «ولِمَا أجمع عليه جميع أهل الإسلام»[3].
وقوله: «ولقد علمت اتفاق جميع أهل القبلة»[4].
وقوله: «ولم يكن من الأمّة إجماع»[5].
وقوله: «فإن قال: لا، خرج من قول جميع الأمّة»[6].
وقوله: «وقد بينّا أن ما نقلته علماء الأمة مجمعًا عليه»[7].
وقوله: «فإن قال: وكيف يدَّعِي من الأمّة إجماعًا على ما قلت»[8].
وقوله: «أم إجماع من الأمّة عليه عندكم»[9].
وقوله: «ولم ندّع من الأمّة إجماعًا عليه»[10].
وقوله: «ولإجماع الأمّة نقلًا عن نبيّها -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يجوز صومه»[11].
وقوله: «خالفت بذلك من القول ما عليه الأمة مجمعة»[12].
وقوله: «فأمّا الاجتهاد والاستنباط من كتاب الله وسُنّة رسوله وإجماع الأمّة، فذلك هو الحقّ الواجب، والفرض اللازم لأهل العلم»[13].
وقوله: «وذلك أنّ الأمّة مجمعة»[14].
فنسبة الطبري الإجماع لأهل الإسلام وأهل القبلة والأمّة يتضمّن اعتبار شرط الإسلام في الإجماع.
الشرط الثاني: عدالة المجمِعِين:
يشترط بعض الأصوليين العدالة في المجمِعين، ويخرج بهذا الشرط الكافر والمبتدع والفاسق[15]، والطبري يظهر من صنيعه اعتباره هذا الشرط في الإجماع، ومما يشير إلى اعتبار الطبري هذا الشرط قوله: «وهذا قول ووجه من التأويل لو كان من أقوال أهل القدوة الذين يُرْتَضَى للقرآن تأويلهم»[16].
وقوله: «غير أني لا أعلم قائلًا قاله ممن يُعتمد على عِلْمه بتأويل القرآن»[17].
وقوله: «فلا قول قال به القدوة من أهل العلم إلا الثالث»[18].
وقوله: «وهما مع ذلك قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة أهل قدوة في القراءة، فبأيّـتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب»[19].
وقوله: «والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أهل قدوة في القراءة، وهما لغتان مشهورتان في العرب، معناهما واحد، فبأيّـتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب في ذلك»[20].
ووجه هذه النقول في الدلالة على اشتراط الطبري للعدالة في المجمِعين هو: أن الطبري لم يعتبر في القراءات وفي التأويل وفي غير ذلك إلا أهل القدوة، ولم يعتبر غيرهم ممن ليسوا كذلك، وإذا كان ذلك كذلك دلّ هذا على اعتباره العدالة في المجمعين، وتركه الاعتداد بغير العدول في الإجماع.
الشرط الثالث: بلوغ درجة الاجتهاد للمجمعين:
اشترط كثير من الأصوليين بلوغ درجة الاجتهاد للمجمعين، وبهذا الشرط يخرج من ليس مجتهدًا، فلا اعتبار له في الإجماع[21].
وهذا الشرط ظاهرٌ من صنيع الطبري اعتباره، فكثيرًا ما ينسب الإجماع إلى العلماء وإلى الحُجّة وإلى أهل الفنّ في فنِّهم؛ كالقرّاء وأهل التأويل، فنسبته الإجماع إلى هؤلاء فيه دلالة على اعتباره لهذا الشرط.
والمجتهدون عند الطبري هم أهل كلّ فنّ في فنِّهم، فالمعتبر في إجماع القرّاء هم القرّاء، والمعتبر في إجماع أهل التأويل هم أهل التأويل.
ولذا فإنّ الطبري لا يعتبر في إجماع أهل التأويل غير أهله، فلا يعدّ مخالفة غيرهم لهم معتبرة في خرق الإجماع[22].
وأهل التأويل عند الطبري هم السلف الذين ذكر لهم الطبري أقوالًا في بيان المعاني، معتبرًا أقوالهم في بيان المعاني، ومستدلًّا بها عليها[23]، وهؤلاء هم مَن بلغَ درجة الاجتهاد في التفسير عند الطبري.
وقد يذكر الطبري غير المجتهدين في بعض الإجماعات، كما في قوله: «لنقل علماء الأمّة جميعًا وجهّالها أنّ قِرَى الضيف وإطعام الطعام كان من حميد أفعال أهل الشرك والإسلام»[24]، وذِكره لهم ليس فيه دلالة على اعتبارهم في الإجماع، إنما ذَكَرَهم لكون ذلك الأمر من مكارم الأخلاق التي توافقت عليها الناس عالمهم وجاهلهم.
الشرط الرابع: انقراض العصر:
هذا الشرط من الشروط المختلف فيها بين الأصوليين؛ فمنهم من يشترط انقراض العصر، فيشترط لانعقاد الإجماع أن يبقى المجمعون على قولهم حتى يموت آخرهم، وينقرض عصرهم، ومنهم من لا يشترط انقراض العصر، فمتى ما أجمع المجمعون على قول في لحظة انعقد الإجماع، ومنهم من يرى اشتراط انقراض العصر في إجماع الصحابة فقط، دون باقي الإجماعات، وفي المسألة أقوال أخرى غير هذه الأقوال[25].
والمعزوّ إلى الطبري من هذه الأقوال في بعض كتب الأصوليين هو القول الثالث[26]، فهذا الشرط يشترطه الطبري لإجماع الصحابة فقط، دون إجماع غيرهم.
الشرط الخامس: وجود المستند:
مستند الإجماع هو الدليل الشرعي الذي يعتمد عليه المجمعون في المسألة المجمَع عليها، وقد اشترط وجوده في الإجماع جمهور العلماء[27].
والطبري وافق الجمهور في اشتراط وجود المستند في الإجماع، يدلّ على هذا ما نُسب إلى الطبري في كتب الأصوليين من آراء متعلّقة بمستند الإجماع، حيث نُسب إليه القول بوجوب كون مستند الإجماع قطعيًّا، ونُسب إليه القول بعدم جواز استناد الإجماع إلى القياس والاجتهاد، ونُسب إليه منع ذلك عقلًا، ولو وقع لكان حُجّة، ونُسب إليه غير ذلك[28].
وهذه الأقوال التي نُسبت إلى الطبري تتضمّن اشتراطه للمستند في الإجماع.
كما أشار الطبري إلى اشتراط المستند للإجماع في عدد من المواضع، منها[29]:
قوله: «وقد بينّا أنّ ما نقلته علماء الأمة مجمعًا عليه، فعن تعليم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك إياهم، وبيانه لهم، في غير موضع مِن كتبنا، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع»[30].
وقوله: «وقد بينّا أن ما جاء به علماء الأمة من أمر الدِّين مستفيضًا علمه بينهم، فعن الله وعن رسوله»[31].
هذا هو رأي الطبري في اشتراط مستند الإجماع، وما أثبت به رأيه في مستند الإجماع ألصق بالإجماعات الفقهية؛ ولذا فإنّ الإجماعات التفسيرية لها احتمالان:
الأول: يحتمل أن يكون رأي الطبري في مستندها كرأيه في مستند الإجماعات الفقهية، والثاني: يحتمل أن يفرق الطبري بينها في مستند الإجماع[32].
ومَن يحكي الإجماع من العلماء لا يصرّح كثيرٌ منهم بمستند الإجماع المحكي، وهكذا كان فعل الطبري في الإجماعات التفسيرية، فلم يكن يصرّح بمستنده في الإجماع، وإنْ ذكره أو أشار إليه لم يصرّح بأنه مستند الإجماع المحكي، ولم أجد موضعًا عيَّن فيه الطبري مستند الإجماع في الإجماعات التفسيرية.
ولِمَا سبق فإنّ القطع برأي الطبري في مستند الإجماعات التفسيرية مما يصعب؛ لعدم وجود تأصيل للطبري فيها فيما اطلعتُ عليه، ولعدم تصريح الطبري بمستندات الإجماعات التفسيرية.
ولـمّا كان ذلك كذلك حاولتُ استخراج مستندات الإجماعات التفسيرية عند الطبري، وبعد النظر رأيتُ أن مستنداتها ما يأتي:
1. من الإجماعات التفسيرية التي حكاها الطبري ما له مستند من القرآن، ومثال ذلك: الإجماع على أنّ الزوج هو المأمور بالمتعة في قوله: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 241]، قال الطبري: «ولا خلاف بين جميع أهل التأويل أن معنى ذلك: وللمطلقات على أزواجهن متاع بالمعروف»[33]، ومستند هذا الإجماع من القرآن هو قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: 49]، ففي الآية بيان أن المتعة على الزوج المطلق.
2. من الإجماعات التفسيرية عند الطبري ما له مستند من السُّنّة، ومثال ذلك: الإجماع على أن المراد بالنكاح في قوله: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230] عقد الزواج والجماع، وقد ذكر الطبري بعض الأحاديث المروية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدالّة على ذلك[34].
مثال آخر: إجماع الحجة على أنّ المراد بالعشر في قوله: ﴿وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر: 2]، عشر الأضحى، وقد ذكر الطبري حديثًا مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه بيان أن المراد بالعشر عشر الأضحى[35].
3. أكثر الإجماعات التفسيرية عند الطبري ليس لها مستند صريح إلا أقوال أهل التأويل من السلف، وغالب هذه الإجماعات لا تخلو من قول صحابي، ومنها عدد قليل خَلا من قول صحابي، حيث اقتصر فيها الطبري على التابعين وأتباعهم[36].
ومن أمثلة هذه الإجماعات: الإجماع على أنَّ قولَه: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: 102] معنيٌّ به اليهود دون الشياطين[37]، والإجماع على أنَّ المراد بقوله: ﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ [البقرة: 243] بيان عددهم[38]، والإجماع على تعيين مَن رمَى البريء في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: 112][39]، والإجماع على أنَّ الرجُلَيْن في قوله: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ [المائدة: 23] من قوم موسى لا من الجبابرة[40]، والإجماع على أنّ المشار إليه في قوله: ﴿وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ﴾ [هود: 120] هو السورة[41]، والإجماع على خلاف قول مَن نفَى الهَمَّ عن يوسف -عليه السلام- أو فسَّره بالهَمِّ بضربها، وذلك في قوله: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَءَا بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: 24][42]، والإجماع على أنّ إفساد بني إسرائيل المرّة الآخرة، كما في قوله: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ [الإسراء: 4]، كان في قتلهم يحيى بن زكريا[43]، والإجماع على أنّ الصّافّات في قوله: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾ [الصافات: 1] هم الملائكة[44]، والإجماع على أن عُلوّ كتاب الأبرار في قوله: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين: 18] لا يقصر عن السماء السابعة[45].
ويظهر أنّ الطبري يعدّ أقوال أهل التأويل من السَّلَف مستندًا للإجماعات التفسيرية، وقد يرِد على هذا إشكال، وهو: أنّ الطبري نَسب إليه بعض الأصوليين القولَ بوجوب قطعيّة المستند[46]، وبعض ما استند عليه من أقوال أهل التأويل لا تصل إلى القطعية.
وهذا الإشكال يحتمل عدّة أجوبة؛ منها: أن هذا الرأي المنسوب للطبري في مستند الإجماع لا يوجبه الطبري في كلّ إجماع، بل يقصره على الإجماعات التي فيها أحكام وحلال وحرام، وأمّا الإجماعات التفسيرية فلا يرى وجوب قطعية مستندها؛ ولذا استند في بعضها على ما لم يصل إلى القطعية.
ومنها: أنّ الطبري يستند في مثل هذه الإجماعات على أقوال أهل التأويل من السّلف، مضمِّنًا استناده على هذه الأقوال ما تظاهر من أدلّة القرآن والسُّنة في الثناء على السّلف ووجوب اتّباعهم[47]، وبهذه الصورة يصل ما استند عليه الطبري من أقوالهم إلى القطعية.
الشرط السادس: كلية المجمعين:
المراد بكلية المجمعين أنَّ الإجماع لا ينعقد إلا بقول كلّ المجتهدين، فإذا خالف أحدهم لم ينعقد الإجماع، وهذا الشرط اشترطه جمهور العلماء. وذهب بعض العلماء إلى أقوال أخرى، فقيل: إنّ قول الأكثر إجماعٌ وحُجّة، ومخالفة الأقلّ لا تؤثِّر في انعقاد الإجماع، وقيل: إنّ قول الأكثر حُجّة وليس بإجماع، وقيل: إنْ بلغ عدد الأقلّ التواتر لم ينعقد الإجماع، وإن لم يبلغ التواتر انعقد الإجماع، وقيل غير ذلك[48].
رأي الطبري في هذا الشرط: تتابَع كلّ مَن ذكَر رأي الطبري على أنه يرى انعقاد الإجماع مع مخالفة الأقلّ، واختلفوا في عدد الأقلّ الذين لا يعتبرهم الطبري في المخالفة على أقوال يأتي بيانها.
تحرير رأي الطبري في هذا الشرط: الذي يظهر أن ما نُسب إلى الطبري في هذا الشرط لا يصح إطلاقه على منهج الطبري؛ أي أنّ الطبري لا يرى كلّ موضع خالف فيه الأقلُّ إجماعًا، بل يضيف الطبري مع مخالفة الأقلّ اعتبارات وأسبابًا أخرى حتى يحكي إجماع الأكثر، فإذا خالف الأقلّ وتوفرت هذه الاعتبارات والأسباب حكى إجماع الأكثر، وإذا خالف الأقلّ ولم تتوفر هذه الاعتبارات والأسباب لم يحكه ولم يَرَهُ إجماعًا.
فالخلاصة أنّ الطبري يرى انعقاد إجماع الأكثر في حال مخالفة الأقلّ، وتوفر الاعتبارات والأسباب مع مخالفة الأقلّ، ولا يرى انعقاده إذا تخلّفت هذه الأسباب والاعتبارات.
وبناءً عليه فإنّ الرأي المشتهر عن الطبري في هذا الشرط فيه إشكال من وجهين، الوجه الأول: هو إطلاق هذا المنهج على الطبري، والواقع أنّ منهج الطبري ليس كذلك، فلم يكن يعدّ كلّ موضع خالف فيه الأقلُّ إجماعًا، والثاني: جعل منهجه هو النظر في العدد فقط، دون الإشارة إلى الاعتبارات والأسباب الأخرى مع العدد، وقد كان الواضح من منهج الطبري هو اعتبارها مع العدد.
ولـمّا كان الطبري يرى انعقاد إجماع الأكثر في حال مخالفة الأقلّ مع اشتراطه توفر الاعتبارات الأخرى غير العدد بانَ من هذا أهمية ما يحكيه من إجماعات الأكثر، فلم تكن حكايته لها لمخالفة الأقلّ فحسب، بل لمخالفة الأقل ولأسباب أخرى، فانضم مع العدد أسباب أخرى ترفع شأن وأهمية ما يحكيه من إجماعات الأكثر.
وإذا كان الطبري يرى انعقاد إجماع الأكثر بتلك الاعتبارات فلا يعني هذا أنّ كلّ ما يحكيه من إجماعات في كتبه هي من إجماعات الأكثر، بل منها ما أراد به إجماع الأكثر، ومنها ما أراد به إجماع الكلّ، وهو يوضح هذا بعباراته.
وفيما يأتي تدليل على ما ذكرته من منهج الطبري، وسيكون التدليل على قسمين؛ فقِسم للتدليل على أنه يرى انعقاد إجماع الأكثر، وقسم للتدليل على أنه لا يرى انعقاده في كلّ موضع خالف فيه الأقلُّ.
الاستدلال على أن الطبري يرى انعقاد إجماع الأكثر:
1. تتابع العلماء على نسبة هذا الرأي للطبري، والغالب فيهم نقل بعضهم عن بعض، ومع اختلافهم في تفصيل مذهبه إلا أنّ في أقوالهم قدرًا متفقًا عليه، مما يدلّ على صحة هذا النقل عنه في الجملة.
2. صرّح الطبري في غير ما موضع بانعقاد الإجماع مع مخالفة الأقلّ، وأوجب اتّباعه، ولم يجز مخالفته، ومن أقواله في ذلك:
قوله: «وقد دلّلنا على أنّ ما جاءت به الحُجّة متّفقة عليه، حُجّة على مَن بلغه، وما جاء به المنفرد فغير جائز الاعتراض به على ما جاءت به الجماعة التي تقوم بها الحجة نقلًا، قولًا أو عملًا، في غير هذا الموضع، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا المكان»[49].
وقوله: «لإجماع الحُجّة من القَرَأة على صحةِ ذلك، وما اجتمعت عليه فحجة، وما انفرد به المنفرد عنها فرأي، ولا يُعترَض بالرأي على الحُجّة»[50].
وقوله: «فلو كان أبو مسعود قال: لم تتمّ صلاتي، أو قال: كانت صلاتي فاسدة، كان القول في ذلك خلاف ما قال؛ إِذْ كان منفردًا بما قال من ذلك، والخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخلافه، والأمة مجمعة على غيره»[51].
وقوله: «لإجماع الحُجّة من القرَأة على قراءة ذلك كذلك، وتصويبها إياها، وشذوذ مَن خالَف ذلك إلى غيره، وما جاء به النقل مستفيضًا فحجة، وما انفرد به من كان جائزًا عليه السهو والغلط فغير جائز الاعتراض به على الحجة»[52].
وقوله: «هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحُجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه، وكفى دليلًا على فسادِ قولٍ إجماعُها على تخطئته»[53].
وقوله: «لإجماع الحُجّة على أن ذلك تأويل الآية، ولا يُعارَض بالقول الشاذ ما استفاض به القول من الصحابة والتابعين»[54].
وقوله: «وأمّا من قال: عُنِي بذلك ما ذبحه المسلم فنسي ذكر اسم الله، فقول بعيد من الصواب؛ لشذوذه وخروجه عمّا عليه الحُجّة مجمعة من تحليله، وكفى بذلك شاهدًا على فساده»[55].
وقوله: «وأمّا التأويل الذي ذهب إليه أبو عمرو، فتأويل لا نعلم أحدًا من أهل العلم ادّعاه غيره، وغير أبي عبيدة معمر بن المثنى، ولا يجوز خلاف ما جاءت به الحجة مجمعة عليه بتأويل لا برهان له من الوجه الذي يجب التسليم له»[56].
فهذه بعض النقول[57] التي تدلّ على أنّ الطبري يرى انعقاد الإجماع مع مخالفة الأقلّ، وتدلّ على أنه يراه إجماعًا وحُجّة، ويلزم اتّباعه ويحرم مخالفته.
3. أكثر الإجماعات التي حكاها الطبري مع وجود المخالف سمّاها الطبري: إجماع الحُجّة، وتسميتها بذلك دليل على أنه يراها إجماعًا وحُجّة.
الاستدلال على أن الطبري لا يرى انعقاد إجماع الأكثر في كلّ موضع خالف فيه الأقلّ:
يدلّ على صحة هذا بعض تطبيقات الطبري وبعض تأصيلاته، وسأجملها في الآتي:
1. مما يدلّ على أنّ الطبري لا يرى كلّ ما خالف فيه الأقلّ إجماعًا تلك المواضع التي خالف فيها الأقلّ ومع ذلك لم يحكِ الطبري فيها إجماع الأكثر، وهذه المواضع ليست قليلة ونادرة حتى يحكم بشذوذها عن منهجه، بل هي كثيرة في تفسيره.
بل إنّ من هذه المواضع ما رجّح الطبري فيها قول الأقلّ[58]، مما يدلّ دلالة صريحة على أنه لا يرى كلّ موضع خالف فيه الأقلّ إجماعًا؛ إذ لو كان هذا رأيه لم يكن ليرجح فيها قول الأقلّ.
كما أنّ بعض هذه المواضع رجّح فيها قول الأكثر وضعّف قول الأقلّ، وبعضها لم يرجح بين الأقوال[59]، وهو في كلّ ذلك لم يذكر الإجماع البتة، وفي هذا أمارة على ما ذكرت من منهجه؛ إِذْ لو رأى في هذه المواضع إجماعًا لحكاه، خصوصًا في المواضع التي ضعّف فيها قول الأقلّ وذكر أدلةً على ذلك، إِذْ إن هذا هو الغالب في منهجه، وهو ما صرّح به في مقدمته حين قال: «ومخبرون في كلّ ذلك بما انتهى إلينا من اتفاق الحُجّة فيما اتفقت عليه منه، واختلافها فيما اختلفت فيه منه»[60].
2. مما يدلّ على صحة ما ذكرتُه أنّ الطبري حكى الإجماع في مواضع ولم يعتدّ بالمخالف، وفي مواضع أخرى اعتدّ بالمخالف في مخالفته للأكثر ولم يحكِ الإجماع، والمخالف في المواضع التي حكى فيها الإجماع هو المخالف في المواضع التي لم يحكِ فيها الإجماع، فاعتدّ بمخالفته في مواضع، ولم يعتدّ بها في مواضع أخرى، مع مخالفته للأكثر في جميع هذه المواضع.
ومثال هذا: ما ذكره الطبري من الأقوال عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230]، حيث ذكر قولين، وأسند الأول منهما إلى ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي، في حين أسند القول الثاني إلى مجاهد وحده، ثم رجح قول مجاهد[61]، وعند تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة: 65]، ذكر الطبري قولين في المسخ، وأسند الأول منهما إلى ابن عباس وقتادة والسدي، ثم أسند القول الثاني إلى مجاهد، وبعد ذلك حكى الإجماع على خلاف قول مجاهد ولم يعتدّ بمخالفته[62].
ففي هذين الموضعين يُلحظ اعتبار الطبري مخالفة مجاهد في الموضع الأول، وعدم اعتباره في الموضع الثاني، مع مخالفته للأكثر في كِلا الموضعين، وما ذاك إلا لوجود الاعتبارات التي يعتبرها في حكاية إجماع الأكثر في الموضع الثاني دون الأول، فحينما وُجِدَت حكى الإجماع ولم يعتدّ بالمخالفة، وحينما تخلّفت اعتدّ بالمخالفة ولم يحكِ الإجماع.
مثال آخر: اعتبر الطبري مخالفة عاصم بن أبي النجود في مواضع ولم يعتبره في مواضع أخرى، فمِن المواضع التي اعتبره فيها[63]:
قوله: «واختلف القرَأة في قراءة قوله: ﴿فَمَكَثَ﴾ [النمل: 22]؛ فقرأت ذلك عامّة قرَأة الأمصار سوى عاصم: (فَمَكُثَ) بضم الكاف، وقرَأَهُ عاصم بفتحها، وكِلتا القراءتين عندنا صواب؛ لأنهما لغتان مشهورتان»[64].
وقوله: «واختلفت القرَأة في قراءة ذلك؛ فقرأته عامّة قرَأة الحجاز والعراق: ﴿يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف: 137]، بكسر الراء، سوى عاصم بن أبي النجود، فإنه قرأه بضمها، وهما لغتان مشهورتان في العرب، يقال: عَرَشَ يَعرِش ويَعرُش، فإذا كان ذلك كذلك، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب؛ لاتفاق معنى ذلك، وأنهما معروفان من كلام العرب»[65].
ومن المواضع التي لم يعتبره فيها[66]:
قوله: «واختلفَت القرَأة في قراءة قوله: ﴿نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 88]، فقرأت ذلك قرَأة الأمصار -سوى عاصم- بنونين... وقرأ ذلك عاصمٌ: (نُجِّي الْمُؤْمِنِينَ) بنون واحدة، وتثقيل الجيم، وتسكين الياء... والصواب من القراءة التي لا أستجيز غيرها في ذلك عندنا ما عليه قرَأة الأمصار، من قراءته بنونين، وتخفيف الجيم؛ لإجماع الحُجّة من القرَأة عليها، وتخطئتها خلافه»[67].
فالمخالف في هذه المواضع هو عاصم، وقد ذكر الطبري مخالفته للأكثر، وهم عامّة القرّاء، وقد اعتدّ بمخالفته في مواضع ولم يحكِ إجماع الأكثر، في حين لم يعتدّ بمخالفته في مواضع أخرى وحكى إجماع الأكثر على خلافه.
مثال آخر: اعتبر الطبري مخالفة أبي عمرو البصريفي بعض المواضع، ولم يعتبره في مواضع أخرى، فمن المواضع التي اعتبره فيها[68]:
قوله: «واختلفت القرَأة في قراءة ذلك؛ فقرأته عامّة قرأة الحجاز والعراق غير أبي عمرو: ﴿وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ﴾ [الحديد: 8]، بفتحِ الألِف من (أَخَذ) ونصْبِ (الميثاق)، بمعنى: وقد أَخَذ ربُّكم ميثاقَكم، وقرأ ذلك أبو عمرو: (وقَد أُخِذ ميثاقُكُم) بضمّ الألِف ورفْعِ الميثاق، على وجه ما لم يُسَمّ فاعله، والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب»[69].
وقوله: «واختلفت القرأة في قراءة قوله: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ [نوح: 25]؛ فقرأته عامّة قرأة الأمصار غير أبي عمرو (مِمَّا خَطِيئَتِهِمْ) بالهمز والتاء، وقرأ ذلك أبو عمرو: (مِمَّا خَطايَاهُم) بالألِف بغير همز، والقول عندنا أنهما قراءتان معروفتان، فبأيّتهما قرأ القارئ فهو مصيب»[70].
ومن المواضع التي لم يعتبره فيها[71]:
قوله: «واختلفت القرَأة في قراءة ذلك؛ فقرأته عامّة قرأة الحجاز والعراق غير أبي عمرو: ﴿لِأَهَبَ لَكِ﴾ [مريم: 19]، بمعنى: إنما أنا رسول ربّك، يقول: أرسلني إليك؛ ﴿لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ [مريم: 19]، على الحكاية، وقرأ ذلك أبو عمرو بن العلاء: (لِيَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا)، بمعنى: إنما أنا رسول ربك، أرسلني إليك؛ لِيَهَبَ اللهُ لكِ غلامًا زكيًّا، والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرأة الأمصار، وهو: ﴿لِأَهَبَ لَكِ﴾ [مريم: 19]، بالألِف دون الياء؛ لأنّ ذلك كذلك في مصاحف المسلمين، وعليه قرأة قديمهم وحديثهم، غير أبي عمرو، وغير جائزٍ خلافهم فيما أجمعوا عليه، ولا سائغ لأحد خلاف مصاحفهم»[72].
فالملاحظ هنا أيضًا أن الطبري اعتبر مخالفة أبي عمرو للأكثر في مواضع، ولم يعتبره في مواضع أخرى، وفي هذا دليل على أنه لا يرى كلّ موضعٍ خالف فيه الأقلُّ إجماعًا، بل يشترط وجود اعتبارات أخرى.
3. بعض تأصيلات الطبري فيها إشارة إلى أنه لا يرى أن كلّ ما خالف فيه الأقلُّ إجماعًا، ومن أقواله في ذلك:
قوله: «وأمّا التأويل الذي ذهبَ إليه أبو عمرو، فتأويل لا نعلم أحدًا من أهل العلم ادّعاه غيره، وغير أبي عبيدة معمر بن المثنى، ولا يجوز خلاف ما جاءت به الحجة مجمعة عليه بتأويل لا برهان له من الوجه الذي يجب التسليم له»[73].
فمفهوم كلامه: يجوز خلاف ما جاءت به الحُجّة مجمعة بتأويل له برهان إذا كان من الوجه الذي يجب التسليم به.
وكذلك قوله: «وكلّفوا الفصل بين الإجماع في الكفالة بالمال والكفالة بالنفس، وقيل لهم: مَن المخالف من سلف الأمة ممن يجوز الاعتراض به على ما نقلته الحُجّة في الكفالة بالنفس»[74].
فيفهم من كلامه: أنّ بعض المخالفين يجوز له الاعتراض على إجماع الأكثر وعلى ما نقلته الحُجّة.
وكذلك قوله: «لإجماع جميع الحُجّة على أنّ المتيمّم لو ضرب بيديه الصعيد، وهو أرض رمل فلم يَعْلَق بيديه منها شيء فتيمم به، أنّ ذلك مجزئه، لم يخالف ذلك من يجوز أن يعتدّ خلافًا»[75].
فمفهوم كلامه: لو خالف من يجوز أن يعتدّ بخلافه لاعتدّ به، ولم يحكِ إجماع الحُجّة[76].
4. في بعض ما يحكيه الطبري من الإجماعات إشارة إلى بعض ما يعتبره ويشترطه لانعقاد إجماع الأكثر، مما يدلّ على أنه يعتدّ بها، وتخلّفها سبب لاعتبار مخالفة الأقلّ، وعدم حكاية إجماع الأكثر، وعدم إيجاب اتّباع قول الأكثر، وفي هذا دليل على أنّ مذهبه في ذلك ليس على الإطلاق، وسيأتي الحديث عن هذه الاعتبارات.
كلّ ما سبق فيه أدلة على أن الطبري لا يرى كلّ موضع خالف فيه الأقلّ إجماعًا، بل يشترط مع مخالفة الأقل اعتبارات وأسبابًا أخرى، فينعقد الإجماع إذا خالف الأقلّ ووُجِدَت هذه الاعتبارات والأسباب، ولا ينعقد حال تخلّفها، وفيما يأتي حديث عن هذه الاعتبارات والأسباب.
الاعتبارات والأسباب التي يعتبرها الطبري لانعقاد إجماع الأكثر:
تبيَّن مما سبق أنّ الطبري يحكي إجماع الأكثر بشرطين؛ الأول: هو مخالفة الأقلّ، والثاني: هو وجود الأسباب والاعتبارات التي يشترطها لحكايته إجماع الأكثر.
وهذه الأسباب والاعتبارات لم أجد للطبري بيانًا مفصَّلًا لها؛ ولذا فقد استخرجتها من بعض تأصيلاته وبعض تطبيقاته، ولـمّا كانت كذلك، فلا يُقطع بكونها من الأسباب التي يعتبرها الطبري لانعقاد إجماع الأكثر، ولا يُقطع باطّرادها على جميع مواضع إجماع الأكثر، ولا يُقطع أيضًا بعدم وجود غيرها، والذي وقفتُ عليه من هذه الأسباب والاعتبارات:
1. يحكي الطبري الإجماع مع وجود الخلاف في حال كون المخالف ليس من أهل الإجماع الـمُعتَبَرِين عنده، ففي التفسير لا يَعتبر الطبريُّ المخالِفَ إذا كان من غير أهل التأويل، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعله يحكي الإجماع مع وجود الخلاف[77].
2. بعض مواضع إجماع الأكثر صرّح الطبري بضعف القول المخالف، فقد صرح بضعف القول المرويّ عن مجاهد في تفسير قوله: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: 29]، وشكّك في صحته من حيث السند والمتن، وبيَّن أن الرواية الصحيحة عنه موافقة للإجماع[78]، ويظهر أنّ هذا هو أحد الاعتبارات التي جعلته يحكي الإجماع ولا يعتدّ بالمخالف.
3. بعض المواضع التي حكى فيها الطبري إجماع الأكثر فيها حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم[79]، ومحتمل أن يكون هذا سببًا لعدم اعتباره المخالف وحكاية الإجماع.
4. يحكي الطبري إجماع الأكثر في بعض المواضع التي يكون المخالف فيها له روايات مخالفة للإجماع، وروايات موافقة له[80]، ويظهر أن هذا هو أحد أسباب حكاية إجماع الأكثر وعدم اعتبار المخالف.
5. المخالف في بعض المواضع من طبقة ليست كطبقة القائلين بالقول المجمع عليه، كخلاف بعض أتباع التابعين لِمَا ورد عن الصحابة والتابعين[81]، ويظهر أن هذا هو سبب حكاية الإجماع وعدم اعتبار المخالف.
6. في بعض مواضع إجماع الأكثر صرّح الطبري بشذوذ المخالف، مما يشير إلى أن من أسباب حكايته لإجماع الأكثر شذوذ المخالف، ومن ذلك قوله: «وإنما قلنا: ذلك أَوْلَى بتأويل الآية؛ لإجماع الحُجّة على أن ذلك تأويلها، وشذوذ مَن تأوّلها بأنها بمعنى: تُوَلُّون عنه فتستدبرونه»[82]، وقوله: «لإجماع الحجة على أنّ ذلك تأويل الآية، ولا يُعارَض بالقول الشاذّ ما استفاض به القول من الصحابة والتابعين»[83]، وأكثر المواضع التي صرّح فيها بشذوذ المخالف هي في إجماع الأكثر عند القرّاء[84].
7. أشار الطبري في بعض مواضع إجماع الأكثر إلى استفاضة القول الذي حكى عليه الإجماع، مما يشير إلى أنّ الاستفاضة من الأسباب التي تجعله يحكي إجماع الأكثر في حال مخالفة الأقلّ، ومن ذلك قوله: «لإجماع الحُجّة على أنّ ذلك تأويل الآية، ولا يعارض بالقول الشاذّ ما استفاض به القول من الصحابة والتابعين»[85]، ومما يدلّ على ذلك أيضًا قوله: «فغير جائز أن يُـترَك المفهومُ من ظاهر الكتاب -والمعقول به ظاهر في الخطاب والتنزيل- إلى باطنٍ لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل، ولا خبر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- منقول، ولا فيه من الحجة إجماع مستفيض»[86].
والمواضع التي أشار فيها إلى الاستفاضة أكثرها في إجماع الأكثر عند القرّاء، فمنها قوله[87]: «وما خالفه ممن قرأ ذلك ببعض الوجوه التي ذكرناها، فمنفرد بقراءته عمّا عليه الحُجّة مجمعة من القرأة، وغير جائز خلاف ما كان مستفيضًا بالقراءة في قراءة الأمصار»[88]، وقوله: «لإجماع الحُجّة من القرأة على قراءة ذلك كذلك، وتصويبها إيّاها، وشذوذ مَن خالفَ ذلك إلى غيره، وما جاء به النقل مستفيضًا فحُجّة، وما انفرد به من كان جائزًا عليه السهو والغلط، فغير جائز الاعتراض به على الحجة»[89].
وقد أشار ياقوت الحموي إلى هذا الاعتبار عند الطبري في الإجماع، حيث قال في تعريفه للإجماع عند الطبري: «هو نقل المتواترين لِمَا أجمع عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم[90]- من الآثار، دون أن يكون ذلك رأيًا ومأخوذًا من جهة القياس»[91].
بل إنّ الطبري يوجب اتّباع ما استفاض من الأقوال أو القراءات حتى لو لم يحكِ إجماع الأكثر ويصرّح به، كما في قوله: «وإنما اخترنا هذا القول على غيره من الأقوال لموافقته أقوالَ أهل العلم من الصحابة والتابعين؛ إِذْ كنّا لا نستجيز الخلاف عليهم فيما استفاض القول به منهم، وجاء عنهم مجيئًا يقطع العذر»[92]، وقوله: «والقراءة التي لا نستجيز غيرها في ذلك عندنا بالنون: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: 285]؛ لأنها القراءة التي قامت حُجّتها بالنقل المستفيض الذي يمتنع معه التشاعر والتواطؤ والسهو والغلط، يعني ما وصفنا من يقولون: لا نفرِّق بين أحدٍ من رسله، ولا يُعترَض بشاذّ من القراءة على ما جاءت به الحُجّة نقلًا وراثة»[93]، وقوله: «والصواب من القراءة في ذلك عندنا والتأويل ما قاله أبيّ بن كعب وقرأ به، لقيام الحُجّة بالنقل المستفيض وراثة بتصويب ذلك، وشذوذ ما خالفه من القراءة، وغير جائز الاعتراض بمن كان جائزًا عليه في نقله الخطأ والسهو، على من كان ذلك غير جائز عليه في نقله»[94]، وقوله: «والقراءة التي هي القراءة عندنا، قراءة مَن قرأها: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [آل عمران: 28]؛ لثبوت حُجّة ذلك بأنه القراءة الصحيحة، بالنقل المستفيض الذي يمتنع معه الخطأ»[95].
8. أمّا ما يخصّ إجماع الأكثر عند القرّاء فيعلّل الطبري لبعض ما يردّه من القراءات بالإجماع وبعلل أخرى، كمخالفة رسم المصحف، في حين يقبل الطبري بعض القراءات المخالفة للأكثر معللًا ذلك بصحتها وشهرتها في العربية، وبقرب معناها من معنى قراءة الأكثر[96]، وما يعلّل به الطبري لقبول بعض القراءات أو ردّها يظهر أنه من الأسباب والاعتبارات التي يعتبرها عند حكاية إجماع الأكثر عند القرّاء.
ما سبق استنباط لبعض الأسباب والاعتبارات التي تجعل الطبري يحكي إجماع الأكثر إذا خالف الأقلّ، وقد يوجد غيرها من الأسباب والاعتبارات؛ ومعرفة جميع الأسباب التي تجعل الطبري يحكى إجماع الأكثر والقطع بها مما يصعب ما دام أنّ الطبري لم يبيِّـنها ويفصِّلها.
وبعد، فهذا بيان لرأي الطبري في هذا الشرط؛ شرط كلية المجمعين، وفيما يأتي سأعرض للأقوال التي نُسبت للطبري في هذا الشرط.
الأقوال المنسوبة للطبري في انعقاد إجماع الأكثر:
جاءت الأقوال المنسوبة للطبري في هذه المسألة مختلفة ومتعدّدة، والأقوال التي نُسبت إليه هي:
القول الأول: أنّ الطبري يرى انعقاد الإجماع مع مخالفة الواحد فقط، وفي حال مخالفة الاثنين فأكثر لا يرى انعقاد الإجماع[97].
القول الثاني: أنّ الطبري يرى انعقاد الإجماع مع مخالفة الاثنين، ولا يرى انعقاده مع مخالفة الثلاثة[98].
القول الثالث: أنّ الطبري يرى انعقاد الإجماع مع مخالفة الثلاثة، ولا يرى انعقاده مع مخالفة أكثر من ذلك[99].
القول الرابع: بعض من حكى قول الطبري نَسب إليه القول بانعقاد الإجماع مع مخالفة الأقلّ دون تحديد عدد مُعيّن[100].
القول الخامس: أنّ الطبري يرى انعقاد الإجماع إن لم يبلغ المخالفون عدد التواتر، وإن بلغوا التواتر لم ينعقد الإجماع[101].
هذه هي الأقوال التي قيلت في رأي الطبري في إجماع الأكثر[102]، وأكثر ما نُسب إليه منها هو القول الثاني، ولعلّ سبب هذا الاختلاف في بيان رأي الطبري هو عدم اطّلاع العلماء على نصّ للطبري في ذلك، أو عدم تنصيص الطبري على ذلك في جميع كتبه، فصار استخراجهم لمذهبه في ذلك هو بالنظر في عدد المخالفين الذين لم يعتدّ بمخالفتهم في موضع أو مواضع من كتبِه، وحينما كان عدد المخالفين في هذه المواضع مختلفًا ظهر هذا الاختلاف بين العلماء في بيان مذهبه، فقيل: إنه لا يعتدّ بمخالفة الواحد، وقيل: لا يعتدّ بمخالفة الاثنين، وقيل: لا يعتدّ بمخالفة الثلاثة.
ولم أجد نصًّا للطبري في كتابه (جامع البيان) في تحديد العدد، وقد رصدتُ أعداد المخالفين الذين يَـنسب الطبري الأقوال إليهم ويصرِّح بأسمائهم في كتابه (جامع البيان)، فكان عدد المخالفين إمّا واحدًا أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو ستة، وأكثر المواضع يكون المخالف فيها واحدًا، ويأتي بعده ما خالف فيه اثنان، ثم ما خالف فيه ثلاثة، ثم ما خالف فيه أربعة وستة وهي مواضع قليلة نسبةً لسابقتها.
ويحتمل أن يكون رأي الطبري في عدد المخالفين غير محدود بعدد معيَّن، بل يختلف من موضع لآخر، ويؤثِّـر في ذلك بعض الاعتبارات، ككون المخالفين ليسوا من أهل الإجماع، أو أنّ المخالفة وقعَت مقابل استفاضة وشهرة، فيؤثِّـر ذلك في العدد الذي لا يعتبره في المخالفة، ويختلف العدد من موضع لآخر بسبب ذلك، وهذا الاحتمال يؤيّده ويقوّيه اختلاف عدد المخالفين الذي ذكرته.
[1] هذه المقالة من كتاب (الإجماع في التفسير عند الطبري؛ دراسة نظرية تطبيقية)، الصادر عن مركز تفسير سنة 1443هـ، ص63 وما بعدها. (موقع تفسير)
[2] ينظر: الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (4/ 162).
[3] جامع البيان (3/ 180).
[4] جامع البيان (7/ 723).
[5] جامع البيان (8/ 645).
[6] جامع البيان (3/ 399).
[7] تهذيب الآثار- مسند عمر (2/ 909).
[8] تهذيب الآثار- الجزء المفقود، ص229.
[9] تهذيب الآثار- مسند ابن عباس (1/ 77)، وينظر: (1/ 79).
[10] تهذيب الآثار- مسند ابن عباس (2/ 792).
[11] تهذيب الآثار- مسند عمر (1/ 351).
[12] تهذيب الآثار- مسند ابن عباس (2/ 710).
[13] شرح صحيح البخاري، لابن بطال (10/ 352).
[14] شرح صحيح البخاري، لابن بطال (4/ 135).
[15] ينظر: أصول السرخسي (1/ 311)، الإبهاج في شرح المنهاج (2/ 386).
[16] جامع البيان (1/ 450).
[17] جامع البيان (10/ 339).
[18] جامع البيان (12/ 583).
[19] جامع البيان (12/ 467).
[20] جامع البيان (12/ 514).
[21] ينظر: المعتمد في أصول الفقه (2/ 3)، البرهان في أصول الفقه (1/ 265).
[22] مثاله: قول الطبري: «ما ذكرتُ من القول عمّن ذكرتُ عنه من أهل العربية أنه كان يُوجّه تأويل ذلك إلى أنه حروف هجاء استُغني بذِكْرِ ما ذُكِرَ منه في مفاتح السور عن ذِكْر تتمة الثمانية والعشرين الحرف من حروف المعجم... فإنه قول خطأ فاسد، لخروجه عن أقوال جميع الصحابة والتابعين فمَن بعدهم من الخالفين من أهل التفسير والتأويل، فكفى دلالة على خطئه شهادة الحجة عليه بالخطأ». جامع البيان (1/ 223).
[23] ينظر: الاستدلال في التفسير، للزهراني، ص614.
[24] جامع البيان (6/ 628)، وينظر مثال آخر في: اختلاف الفقهاء، ص170.
[25] ينظر: المستصفى، ص152، الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (1/ 256- 260).
[26] ينظر: التحبير شرح التحرير (4/ 1622)، التقرير والتحبير (3/ 87).
[27] ينظر: الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (1/ 261).
[28] ينظر: اللمع في أصول الفقه، ص88، التبصرة في أصول الفقه، ص372، التلخيص في أصول الفقه (3/ 105). قواطع الأدلة في الأصول (1/ 474)، أصول السرخسي (1/ 302)، المستصفى، ص153، الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (1/ 264)، الإبهاج في شرح المنهاج (2/ 391)، البحر المحيط في أصول الفقه (6/ 400)، التحبير شرح التحرير (4/ 1633)، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (1/ 211).
[29] وللاستزادة، ينظر: جامع البيان (7/ 91)، (8/ 188)، اختلاف الفقهاء، ص212، تهذيب الآثار- الجزء المفقود، ص230، تهذيب الآثار- مسند ابن عباس (2/ 710)، تهذيب الآثار مسند عمر (1/ 351)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال (4/ 135) (4/ 155).
[30] تهذيب الآثار- مسند عمر (2/ 909).
[31] تهذيب الآثار- مسند عمر (2/ 910).
[32] يرى أ.د. حسين الزومي أن مستند الإجماع في التفسير يختلف عن الإجماع في الأحكام الفقهية والقراءات؛ فمستند الإجماع في الأحكام التكليفية لا بد أن يقوم على ما سبق ذِكْره؛ إِذْ مناط التكليف والحلال والحرام قائم على النصّ من الشارع أو قياس عليه، وكذلك الإجماع في القراءات قائم على النقل ولا بد. بينما الإجماع في تفسير معاني القرآن ليس له من مستند سوى اللغة العربية التي نزل القرآن بها وفهمها السلف. وهو الأمر الذي سار عليه الطبري باستقراء تفسيره، كما أنه قد أشار في مقدمة تفسيره إلى اعتماده الكبير على اللغة العربية في بيان معاني كلام الله. وأشار في مواضع متعدّدة من تفسيره أنه لا ينقل بالإسناد إلا فَهْم وتفسير القرون الثلاثة المفضلة؛ لِمَا عرفوه وفهموه من لغة القرآن.
[33] جامع البيان (4/ 303).
[34] ينظر: جامع البيان (4/ 169- 174).
[35] ينظر: جامع البيان (24/ 348).
[36] ينظر: جامع البيان (5/ 91- 93) (8/ 43) (17/ 62، 63).
[37] ينظر: جامع البيان (2/ 369).
[38] ينظر: جامع البيان (4/ 423).
[39] ينظر: جامع البيان (7/ 478).
[40] ينظر: جامع البيان (8/ 299).
[41] ينظر: جامع البيان (12/ 647).
[42] ينظر: جامع البيان (13/ 86، 87).
[43] ينظر: جامع البيان (14/ 469).
[44] ينظر: جامع البيان (19/ 494).
[45] ينظر: جامع البيان (24/ 211).
[46] ينظر: أصول السرخسي (1/ 302). المستصفى، ص153.
[47] تنظر هذه الأدلة وأوجه الاستدلال بها في: إعلام الموقعين (4/ 94- 119).
[48] ينظر: البحر المحيط في أصول الفقه (6/ 430- 433).
[49] جامع البيان (2/ 231).
[50] جامع البيان (5/ 435).
[51] تهذيب الآثار- الجزء المفقود، ص257، 258.
[52] جامع البيان (2/ 679).
[53] جامع البيان (2/ 66).
[54] جامع البيان (4/ 423).
[55] جامع البيان (9/ 529).
[56] جامع البيان (19/ 91).
[57] للاستزادة، ينظر أيضًا: جامع البيان (1/ 269) (1/ 580) (2/ 103) (2/ 105) (2/ 161) (3/ 161) (3/ 180) (5/ 107) (5/ 435) (6/ 465) (6/ 469) (6/ 498) (6/ 557) (7/ 296) (7/ 321) (7/ 328) (8/ 299) (9/ 483) (9/ 489) (9/ 677) (10/ 461) (12/ 169) (12/ 232) (13/ 46) (13/ 140) (13/ 249) (13/ 400) (14/ 30) (14/ 71) (14/ 84) (14/ 171) (14/ 323) (14/ 522) (14/ 580) (15/ 105) (15/ 106) (15/ 107) (15/ 114) (15/ 613) (15/ 614) (16/ 37) (16/ 426) (16/ 445) (16/ 511) (19/ 146) (19/ 151) (20/ 238) (20/ 319) (21/ 63) (21/ 138) (21/ 269) (24/ 621)، التبصير في معالم الدين، ص156.
[58] ينظر: جامع البيان (4/ 165- 168)، حيث أسند القول الأول إلى ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي، وأسند القول الثاني إلى مجاهد، ثم رجح قول مجاهد، وينظر: جامع البيان (6/ 311- 314)، حيث أسند القول الأول إلى أنس بن مالك وسعيد بن المسيب والحسن وابن جريج، وأسند القول الثاني إلى جابر بن عبد الله، ثم رجح قول جابر، وينظر: جامع البيان (8/ 259- 261)، حيث أسند القول الأول إلى السدي وابن زيد ومجاهد وقتادة، وأسند القول الثاني إلى الربيع بن أنس، ثم رجح قول الربيع، وينظر: جامع البيان (10/ 139- 141)، حيث أسند القول الأول إلى مجاهد والسدي وابن زيد، وأسند القول الثاني إلى الربيع بن أنس، ثم رجح قول الربيع.
[59] ينظر: جامع البيان (3/ 268- 272)، حيث أسند القول الأول إلى ابن عباس وعطاء والضحاك والربيع وقتادة والسدي ومجاهد، وأسند القول الثاني: إلى مالك بن أنس وابن زيد، وينظر: جامع البيان (9/ 125- 131)، حيث أسند القول الأول إلى ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي وعطية ووهب بن منبه ومجاهد وإسحاق بن عبد الله وعمار بن ياسر وقتادة وغيرهم، وأسند القول الثاني إلى مجاهد والحسن، وينظر: جامع البيان (13/ 637- 643)، حيث أسند القول الأول إلى أنس بن مالك وابن مسعود وابن عباس ومسروق ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة وابن زيد، وأسند القول الثاني إلى ابن عباس، وينظر: جامع البيان (15/ 43- 47)، حيث أسند القول الأول إلى ابن عباس وابن مسعود والحسن ومجاهد وسلمان الفارسي وقتادة، وأسند القول الثاني إلى مجاهد، وينظر: جامع البيان (16/ 311- 315)، حيث أسند القول الأول إلى أبيّ بن كعب والحسن وقتادة والسدي وابن إسحاق وابن جريج وأبي العالية وابن زيد، وأسند القول الثاني إلى ابن عباس، وينظر أيضًا بقية المواضع: جامع البيان (1/ 348- 350) (1/ 356- 362) (1/ 507- 511) (2/ 92- 95) (2/ 107- 109) (2/ 221- 224) (3/ 16- 18) (3/ 44- 50) (3/ 68، 69) (3/ 595- 596) (4/ 236- 240) (4/ 582- 584) (4/ 603- 606) (4/ 639- 643) (4/ 690- 693) (5/ 315- 319) (5/ 388- 390) (5/ 594- 598) (7/ 45- 49) (7/ 399- 401) (7/ 561- 565) (8/ 102- 107) (8/ 307- 315) (9/ 296- 398) (9/ 369- 378) (9/ 569- 573) (10/ 13- 29) (10/ 330- 332) (12/ 632- 637) (14/ 382- 385) (14/ 420- 448) (15/ 43- 47) (15/ 467- 470) (16/ 644- 646) (17/ 315- 318) (19/ 579، 580).
[60] جامع البيان (1/ 7).
[61] ينظر: جامع البيان (4/ 165- 168).
[62] ينظر: جامع البيان (2/ 59- 66).
[63] وينظر أيضًا: جامع البيان (20/ 340، 341).
[64] جامع البيان (18/ 37).
[65] جامع البيان (10/ 407، 408).
[66] ينظر بقية المواضع: جامع البيان (15/ 306، 307) (15/ 388) (15/ 536) (17/ 21) (17/ 347) (19/ 189) (19/ 226) (19/ 415) (21/ 224) (23/ 108) (24/ 718، 719).
[67] جامع البيان (16/ 386، 387)، والقراءة التي نسبها الطبري لعاصم هي رواية أبي بكر عنه، وقد قرأ عاصم بنونين في رواية حفص عنه. ينظر: السبعة في القراءات، ص430.
[68] ينظر بقية المواضع: جامع البيان (22/ 586) (23/ 556) (24/ 329).
[69] جامع البيان (22/ 390).
[70] جامع البيان (23/ 306).
[71] ينظر بقية المواضع: جامع البيان (17/ 103) (21/ 190) (21/ 393) (22/ 502) (22/ 503) (24/ 322).
[72] جامع البيان (15/ 488).
[73] جامع البيان (19/ 91).
[74] اختلاف الفقهاء، ص213.
[75] جامع البيان (7/ 83، 84).
[76] ينظر: الإجماع عند الإمام أحمد بن حنبل؛ دراسة استقرائية تحليلية تطبيقية، لمحمد الطويل، ص73.
[77] ينظر: جامع البيان (2/ 369) (2/ 688) (2/ 689) (16/ 273، 274) (18/ 171، 172) (20/ 103) (24/ 334).
[78] ينظر: جامع البيان (8/ 332).
[79] ينظر: جامع البيان (24/ 348).
[80] ينظر: جامع البيان (8/ 332) (12/ 647) (14/ 646، 647) (14/ 652) (16/ 143).
[81] ينظر: جامع البيان (4/ 423) (4/ 703) (14/ 37) (23/ 214).
[82] جامع البيان (2/ 459).
[83] جامع البيان (4/ 423).
[84] ينظر: جامع البيان (1/ 182) (1/ 269) (2/ 161) (2/ 231) (2/ 382) (2/ 397) (2/ 546) (2/ 588) (2/ 609) (2/ 679) (2/ 743) (4/ 619) (5/ 107) (5/ 151) (5/ 336) (5/ 367) (6/ 324) (7/ 296) (7/ 631) (8/ 46) (9/ 99) (9/ 489) (9/ 673) (10/ 461) (11/ 241) (11/ 270) (12/ 169) (13/ 46) (14/ 17) (14/ 71) (14/ 84) (14/ 171) (14/ 522) (14/ 580) (15/ 185) (16/ 426) (16/ 444) (19/ 151) (21/ 63) (21/ 138)، وقد ذكره عند غير القراء أيضًا، ينظر: جامع البيان (8، 147) (9/ 529).
[85] جامع البيان (4/ 423).
[86] جامع البيان (2/ 73).
[87] ينظر أيضًا: جامع البيان (2/ 161)، جامع البيان (16/ 37)، جامع البيان (8/ 545).
[88] جامع البيان (13/ 400).
[89] جامع البيان (2/ 679).
[90] حَصْر ياقوت الإجماع عند الطبري بإجماع الصحابة فيه نظر؛ وذلك أن الإجماع عند الطبري لم يكن محصورًا بهم، بل هو أعمّ من ذلك، وهذا ظاهر للناظر في الإجماعات التي يحكيها الطبري في جميع كتبه، وفي بعض كلام الطبري تنصيص على خلاف الذي قاله ياقوت، كما في قوله: «وبعد، فإنّ هذا قول علماء الأمصار في جميع الأوقات، الذين يثبت بنقلهم الحجة، ويقطع ما جاؤوا به مجمعين عليه عذر من بلغه»، تهذيب الآثار- مسند عمر (2/ 745)، وقوله: «البرهان على أن ذلك كذلك إجماع الجميع من أهل العلم قديمهم وحديثهم»، تهذيب الآثار- مسند عمر (2/ 875، 876)، وقوله: «لإجماع الحجة من القرأة عليه وشذوذ ما خالفه، وكفى دليلًا على خطأ قراءة خلافها ما مضت عليه الأئمة من المتقدمين والمتأخرين»، جامع البيان (21/ 63)، وقوله: «مع خروج هذا القول الذي حكيناه عن صاحبه، من أقوال جميع المتقدمين والمتأخرين من أهل التأويل والتفسير»، جامع البيان (1/ 526)، وقوله: «وما مضى عليه السلف وأجمع عليه الخلف»، تهذيب الآثار- الجزء المفقود، ص230، وقوله: «كما غير جائز عند الجميع مِن سلفِ علماء الأمة وخلفِهم»، تهذيب الآثار- مسند ابن عباس (1/ 39).
[91] معجم الأدباء (6/ 2458).
[92] جامع البيان (16/ 38).
[93] جامع البيان (5/ 151).
[94] جامع البيان (2/ 546).
[95] جامع البيان (5/ 320).
[96] ينظر: جامع البيان (10/ 407، 408) (15/ 306، 307) (15/ 388) (15/ 488) (17/ 103) (18/ 37) (22/ 390) (22/ 586) (23/ 306).
[97] ينظر: الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم (4/ 145)، البحر المحيط في أصول الفقه (6/ 432)، المسودة في أصول الفقه، ص329، 330.
[98] ينظر: التبصرة في أصول الفقه، ص361، البرهان في أصول الفقه (1/ 279)، التلخيص في أصول الفقه (3/ 61)، قواطع الأدلة في الأصول (2/ 12)، المنخول، ص409، نهاية السول شرح منهاج الوصول، ص298، المختصر في أصول الفقه، ص75، التحبير شرح التحرير (4/ 1569)، مذكرة في أصول الفقه، ص182.
[99] ينظر: التحبير شرح التحرير (4/ 1571، 1572).
[100] ينظر: الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (1/ 235)، شرح مختصر الروضة (3/ 53- 55)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (3/ 245)، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (1/ 234).
[101] ينظر: التلخيص في أصول الفقه (3/ 61)، الإبهاج في شرح المنهاج (2/ 387)، البحر المحيط في أصول الفقه (6/ 432)، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (1/ 235).
[102] هناك قول سادس لم أذكره مع الأقوال لشذوذه وخطئه، وقد ذكره ياقوت الحموي عن محمد بن داود الأصبهاني، حيث رأى أن الإجماع عند الطبري هو إجماع هؤلاء الثمانية: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، والشافعي، والأوزاعي، وأبو ثور، وقد ذهب ابن داود إلى هذا القول ظنًّا منه أن الطبري يرى أن الإجماع هو إجماع العلماء الذين ذكر آراءهم في كتابه اختلاف الفقهاء، فكما حكى عنهم الاختلاف حكى عنهم الإجماع أيضًا، حيث يذكر الطبري الإجماع، وبعده يذكر الخلاف وينسبه إلى هؤلاء، فظنّ أن الإجماع عند الطبري هو إجماعهم، وقد خطَّأ ياقوت هذا القول وبيَّن غلَطه. ينظر: معجم الأدباء (6/ 2457، 2458).