شرح القصيدة الرائية الموسومة بـ(عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد)‏
المنسوب إلى الإمام المعافري (ت: 672هـ)، والإمام ابن القفال (ت: بعد 628هـ)
تصحيح نسبته، وبيان بعض ملامحه

من أهمّ المنظومات التي أُلّفت في رسم المصحف (عقيلة أتراب القصائد) للشاطبي (ت: 590هـ)، وقد أُلّفت عليها عدّة شروح، ومن أوائلها شرح نُسب في بعض تحقيقاته إلى محمد بن سليمان المعافري، وفي بعضها إلى محمد بن القفال، وهذه المقالة تناقش نسبة هذا الشرح لكلّ منهما، وتصحح الخطأ في نسبته، كما تسلِّط الضوء على بعض الملامح المنهجية لهذا الشرح، وذلك بعد تمهيد لبيان تحقيقاته ونُسَخِهِ الخطية في مكتبات المخطوطات العالمية.

  الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد:

إنَّ من العلوم المتعلِّقة بكتاب الله علم القراءات، الذي يهتمّ ببيان كيفية نطق الألفاظ القرآنية، وكيفية رسمها وضبطها في المصاحف، وقد ألَّف العلماء في ذلك مؤلّفات جليلة، ومِن أهمّ تلك المؤلفات كتاب: (المقنع في رسم مصاحف الأمصار) للإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ)، والذي نَقَلَ فيه ما سمعه من شيوخه عن كيفية رسم الألفاظ القرآنية في المصاحف العثمانية؛ ولمكانة هذا الكتاب نَظَمَه الإمام أبو محمد القاسم بن فِيْرُّه الشاطبي (ت: 590هـ) في قصيدته الرائية التي سمّاها: (عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد)، وقد شهد العلماء بعظمتها، وعلوّ كعب مؤلِّفها، فاشتهرت في الآفاق، واعتنى العلماء قديمًا وحديثًا بشرحها، وكان من أوائل تلك الشروح شرحٌ نُسِبَ في أحد تحقيقاته إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن سليمان المعافري (ت: 672هـ)، ونُسِبَ في تحقيقَيْن آخرَيْن إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن القفال (ت: بعد 628هـ).

وقد بَدَا لنا وجود إشكالات في نِسبة هذا الشرح للإمام المعافري والإمام ابن القفال، وتأتي هذه المقالة لحلّ تلك الإشكالات، مع تسليط الضوء على طرفٍ من الملامح المنهجية لهذا الشرح، وستنتظم المقالة في قسمين؛ القسم الأول: لتصحيح الخطأ في نسبته، والقسم الثاني: لبيان طرفٍ من ملامحه المنهجية. وذلك بعد تمهيد لبيان تحقيقات الشرح وبيان نسبته فيها، وبيان نُسَخِهِ الخطّية الموجودة في مكتبات المخطوطات العالمية.

التمهيد: تحقيقات الشرح وبيان النُّسَخ الخطية:

أولًا: تحقيقات الشرح وبيان نسبته فيها:

 لقد حُقِّقَ هذا الشرح ثلاثة تحقيقات، وفيما يأتي بيانها:

 1) تحقيق الدكتور حسن بن محمد بن خلف الجهني، في رسالته للدكتوراه، في جامعة أمّ القرى، كلية الدعوة وأصول الدين، قسم القراءات، سنة 1434/ 1435هـ، وقد نَسَبَ المحقق الشرح للإمام أبي عبد الله محمد بن سليمان المعافري (ت: 672هـ).

2) تحقيق الشيخ عبد الله بن حسن الشتوي، واكتفى فيه بتفريغ النصّ فقط من إحدى النُّسَخ الخطية، ونشره إلكترونيًّا في ملتقى أهل التفسير، سنة 1432هـ= 2011م، وقد نَسَبَ المحقق الشرح للإمام أبي عبد الله محمد بن القفال (ت: بعد 628هـ).

3) تحقيق الدكتور فرغلي سيد عرباوي، وطُبِعَ في مكتبة الشيخ فرغلي سيد عرباوي، بالقاهرة، سنة 1432هـ= 2012م، وقد نَسَبَ المحقق الشرح أيضًا للإمام أبي عبد الله محمد بن القفال (ت: بعد 628هـ).  

ثانيًا: بيان النُّسَخ الخطّية للشرح:

من خلال الاستقصاء للنُّسَخ الخطّية للشرح وقفتُ على (14) نسخة، وسأبدأ أولًا بذكر النُّسَخ التي اعتمد عليها المحقّقون للشرح، ثم أُتْبِعُهُ بذِكْر النُّسَخ التي لم يعتمد عليها المحققون.

أ) النسخ التي اعتمد عليها المحقّقون:

إجمالي النُّسخ الخطّية التي اعتمد عليها المحقّقون للشرح ثماني نسخ، وبيانها على النحو الآتي:

النسخة الأولى:

 توجد في مكتبة الحرم المكي، بمكة المكرمة، برقم (421)، بدون تاريخ نسخ، وأوراقها: (75) ورقة، وهي نسخة مبتورة، من أثناء البيت رقم (285)، وتم إكمال الشرح فيها من شرح الإمام السخاوي، وكُتِبَ على طُرَّةِ النسخة: (شرح القصيدة الموسومة المسمّاة بعقيلة أتراب القصائد، للشيخ الإمام العالم الفاضل الكامل المحقق أبي عبد الله محمد بن القفال الشاطبي رضي الله عنه).

واعتُمِدَ في كثير من فهارس المخطوطات على هذه النسخة في نسبة الشرح للإمام محمد بن القفال، منها:

1. الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي[1].

2. خزانة التراث، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية[2].

3. معجم تاريخ التراث العربي الإسلامي المخطوط[3]. 

النسخة الثانية:

توجد في مكتبة برنستون مجموعة (جاريت/ یهودا)، برقم (4494)، بدون تاريخ نسخ، وأوراقها: (89) ورقة، وهي نسخة مكتملة، وكُتِبَ على طُرَّةِ النسخة: (شرح الرائية للحصَّاري تلميذ السخاوي رحمه الله تعالى).

النسخة الثالثة:

توجد في مكتبة برنستون، مجموعة (يهودا/ جاريت)، في مجموع برقم (5627)، نُسِخَت سنة 1061هـ، وأوراقها: (55) ورقة، وهي نسخة مكتملة، وكُتِبَ على طُرَّةِ النسخة: (شرح الرائية للحصَّاري تلميذ السخاوي).

النسخة الرابعة:

توجد في مكتبة الحرم النبوي الشريف، بالمدينة المنورة، برقم: (98- 80)، نُسِخَت سنة 1063هـ، وأوراقها: (74) ورقة، وعليها مقابلة، وناسخها: محبّ الدين بن الشيخ شکر، وهي نسخة مكتملة، مجهولة المؤلِّف، وكُتِبَ على طُرَّةِ النسخة: (شرح الرائية).

النسخة الخامسة:

 توجد في المكتبة المركزية بجامعة الملك سعود، بالرياض، برقم: (1749)، نُسِخَت سنة 1315هـ، وأوراقها: (34) ورقة، وناسخها: محمد نور بن محمد عارف الشرنوبي، نسخها لشيخه العلّامة محمد محفوظ بن عبد الله الترمسي الجاوي الإندونيسي (ت: 1338هـ) وهي نسخة منسوخة من نسخة مكتبة الحرم المكي -وسيأتي بيان ذلك لاحقًا- وآخرها مُلَفَّقٌ من شرح الإمام السخاوي، وهي مجهولة المؤلِّف، وكُتِبَ على طُرَّةِ النسخة: (شرح الرائية). 

النسخة السادسة:

توجد في مكتبة الملك عبد الله بن عبد العزيز في جامعة أمّ القرى، بالمملكة العربية السعودية، برقم: (1128)، نُسِخَت سنة 765هـ، وأوراقها: (34) ورقة، وناسخها: زين الدين أبو بكر بن محمد بن عمر المقرئ النحوي، من تلاميذ الشيخ محمد بن أحمد بن عبد الخالق المقرئ الشهير بتقي الدين ابن الصائغ (ت: 725هـ)، وهي نسخة مكتملة، مجهولة المؤلف، وكُتِبَ على طُرَّةِ النسخة: (هذا كتاب فيه شرح الرائية في مرسوم الخط).

النسخة السابعة:

توجد في المكتب الهندي، في لندن، برقم: (1185- 4315)، نُسِخَت في القرن العاشر الهجري، وأوراقها: (30) ورقة، وهي نسخة مكتملة، مجهولة المؤلف.

النسخة الثامنة:

توجد في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، بالرياض، برقم: (2789/ 7)، نُسِخَت في القرن الثاني عشر الهجري، وأوراقها: (18) ورقة، وهي نسخة مكتملة، مجهولة المؤلف، وكُتِبَ على طُرَّةِ النسخة: (مختصر شرح الرائية).

ب) النسخ التي وقفتُ عليها ولم يعتمد عليها المحققون:

إجمالي النُّسخ الخطية التي وقفتُ عليها، ولم تصل إليها أيدي المحققين، فلم يعتمدوها في تحقيقهم، ستّ نسخ، وبيانها على النحو الآتي:

النسخة الأولى:

توجد في مكتبة لاله لي، في تركيا، برقم (56)، نُسِخَت سنة 1034هـ، وأوراقها: (36) ورقة، وناسخها أحمد العليمي، وهي نسخة نفيسة مكتملة، كُتِبَ على طُرَّةِ النسخة: (هذا كتاب شرح الرائية في مرسوم الخط تأليف الشيخ أبي عبد الله المغربي الفاسي المقرئ رحمه الله تعالى، آمين).

النسخة الثانية:

توجد في مكتبة قاضي زاده، في تركيا، برقم (6)، نُسِخَت سنة 708هـ، وأوراقها: (61) ورقة، وهي أقدم النسخ الخطّية للشرح، وهي نسخة مكتملة، وكُتِبَ على طُرَّةِ النسخة: (شرح عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد. للفقيه أبي عبد الله محمد بن القفال الشاطبي -رضي الله عنـه وأرضاه- المعروف بالعقيلي تلميذ السخاوي)، وكُتِبَ على الصفحة المقابلة للعنوان السابق: (شرح عقيلة أتراب القصائد للفاسي)، وكُتِبَ تحت العنوان الأوّل: (الرائية وشرحها وتحصيل الفوائد في القراءات وشرح نكت الشاطبية للفاسي).

النسخة الثالثة:

توجد في مكتبة شهيد باشا، في تركيا، برقم (17)، نُسِخَت سنة 800هـ، وأوراقها: (39) ورقة، وناسخها: محمد بن محمد الشهير بخيالي المنتشوي، وهي نسخة مكتملة، مجهولة المؤلف، وكُتِبَ على طُرَّةِ النسخة: (شرح الرائية).

النسخة الرابعة:

توجد في جامعة التاسع من أيلول، كلية اللاهوت، في مدينة أزمير، بتركيا، برقم (27534)، نُسِخَت سنة 973هـ، وأوراقها: (68) ورقة، وهي نسخة نفيسة مكتملة، كُتِبَ على طُرَّةِ النسخة: (شرح رائية مع شرح جزري قاضي زكريا أفندي رحمه الله).

النسخة الخامسة:

توجد في المتحف البريطاني، برقم (.O.ISLAMIC 4315/ 1 (DELHI ARABIC 86/ 1)، نُسِخَت في القرن العاشر الهجري، وأوراقها: (35) ورقة، وهي نسخة مكتملة، ولم يُكتب لها عنوان على طُرَّةِ النسخة.

النسخة السادسة:

توجد في مكتبة برلين، بألمانيا، برقم (496/ 1)، بدون تاريخ نسخ، وأوراقها: (129) ورقة. ولم أقف عليها، وذكرت في الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي[4].

القسم الأول: بيان الخطأ في نسبة الشرح للإمام المعافري والإمام ابن القفال وبيان المؤلّف الصحيح:

 ذكرنا سابقًا أنَّ هذا الشرح نُسِبَ إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن سليمان المعافري (ت: 672هـ)، كما نُسِبَ أيضًا إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن القفال الشاطبي (ت: بعد 628هـ).

وفيما يأتي بيان الخطأ في تلك النسبة، ثم بيان المؤلِّف الصحيح للشّرح، وسرد الأدلة التي تؤكد صحة ذلك. 

أولًا: بيان الخطأ في نسبة الشرح للإمام المعافري، والإمام ابن القفال:

أ) بيان الخطأ في نسبة الشرح للإمام المعافري:

 قام المحقّق الدكتور حسن بن محمد خلف الجهني في تحقيقه للشرح بدراسة نسبة الكتاب إلى أبي عبد الله محمد بن سليمان المعافري (ت: 672هـ)، وأورد أربعة أدلة يستدلُّ بها على صحة ذلك.

وأحبّ أن أشير في البداية إلى أنَّ المحقق في قسم الدراسة قطع بأنَّ المراد بأبي عبد الله محمد بن القفال -الذي كُتِبَ اسمه على طُرَّة نسخة مكتبة الحرم المكي- هو نفسه الإمام أبو عبد الله محمد بن سليمان المعافري (ت: 672هـ)، دون أن يكون له أيّ معتمد معتبر في ذلك.

فعند ذِكر اسم المؤلِّف ونَسَبه، قال المحقق: «وأمّا لقبه فتذكُر كتب التراجم أنه اشتهر بلقب (ابن أبي الربيع)، وعُرف به، وذكره حاجي خليفة بلقب (ابن القفال)، وهو أيضًا مذكور في مقدمة إحدى النسخ الخطّية، وهي نسخة مكتبة الحرم المكي، إلَّا أنّ الأول أشهر»[5].

فقوله: «وذكره حاجي خليفة بلقب (ابن القفال)»، غير صحيح، فإنَّ حاجي خليفة لم يذكر مطلقًا أنّ القفال هو محمد بن سليمان المعافري، ونصّه -وهو يذكر شرّاح العقيلة- كما يأتي: «...وأبو عبد الله: محمد بن القفال الشاطبي، تلميذ: السخاوي»[6].

فأين ذِكْرُ المعافري في هذا النصّ؟!

وكون حاجي خليفة ذكرَ القفال باسم أبي عبد الله محمد فهذا لا يدلّ أبدًا على أنه هو نفسه أبو عبد الله محمد بن سليمان المعافري، فإنَّ التساوي في الكنية والاسم الأول غير معتبَر؛ لتساوي كثير من الأعلام في ذلك.

أضِف إلى ذلك أنّ جميع كتب التراجم التي ترجمت للإمام محمد بن سليمان المعافري -وهي كثيرة- لم تذكر له مطلقًا لقب القفال، أو ابن القفال.

وعليه فإنَّ قطع المحقّق بأنَّ أبا عبد الله محمد بن القفال الشاطبي هو نفسه أبو عبد الله محمد بن سليمان المعافري، لا يصح، وليس له أيّ دليل يستند إليه.

ثمَّ إنَّ المحقق أورد أربعة أدلة يستدلّ بها في إثبات نسبة الشرح لأبي عبد الله محمد بن سليمان المعافري، وهي بنصها كما يأتي[7]:

أولًا: أنَّ الشيخَين اللذَيْنِ ذكرهما المؤلِّف في مقدمة كتابه، وهما (السخاوي)، و(ابن وضّاح) هما من شيوخه الذين تلقَّى، وأخذ عنهم.

ثانيًا: وجود اسم المؤلِّف على مقدمة نسخة مكتبة الحرم المكي، وهي أصحّ النسخ وأكملها وأتمّها.

ثالثًا: في النسخة الثانية لمكتبة برنستون كتب على ظاهرها: (شرح تلميذ السخاوي للقصيدة الرائية)، والإمام المعافري هو أحد تلاميذ الإمام السخاوي.

رابعًا: أن حاجي خليفة أشار إليه في كتابه (کشف الظنون)، عند ذكره لشراح قصيدة (عقيلة أتراب القصائد).

وبعد أن ساق المحقّق هذه الأدلة الأربعة قال: «وبهذا تطمئن النفس إلى صحة نسبة الكتاب إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن سليمان الشاطبي»[8].

وقد أخطأ المحقّق فيما ذكره من نسبة الكتاب إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن سليمان المعافري، والأدلة التي ذكرها لا تقطع بنسبة الشرح إليه، وهناك ما يعارض ذلك، وفيما يأتي بيان ذلك:

1) أمّا قوله: «إنَّ الشيخَين اللذَيْن ذكرهما المؤلّف في مقدّمة كتابه، وهما: السخاوي، وابن وضّاح، هما من شيوخه الذين تلقَّى، وأخذ عنهم». فغير صحيح، ويُرَدُّ عليه بأمرين:

الأول: أنَّ جميع كتب التراجم التي ترجمت للإمام محمد بن سليمان المعافري لم تذكر مطلقًا قراءته على الفقيه محمد بن محمد بن وضّاح اللخمي، أو أنه من شيوخه.

الثاني: أنَّ المذكور في مقدّمة الشرح هو أنّ المؤلّف قرأ على ابن وضّاح اللخمي سنة 622هـ في جزيرة شُقْر المجاورة لمدينة شاطبة في الأندلس، وحينما نعود إلى مصادر ترجمة الإمام المعافري نجد أنَّه في سنة 622هـ لم يَعُد موجودًا في الأندلس، بل كان قد رحل إلى دمشق قبل ذلك بسنوات، ويؤكّد صحة ذلك أنّ كتب التراجم متفقة على أنَّ الإمام المعافري حدَّث عن أبي محمد ضياء الدين موسى بن عبد القادر بن أبي صالح الجيلي البغدادي في دمشق[9]، وحينما نعود إلى ترجمة أبي محمد ضياء الدين موسى البغدادي نجد أنّ وفاته كانت سنة 618هـ[10]، وهذا يعني أنَّ قراءة الإمام المعافري عليه كانت قبل سنة 618هـ، وذلك يدلّنا على أنَّ رحلة الإمام المعافري إلى دمشق كانت قبل سنة 618هـ، ويؤيّد ذلك أيضًا أن كتب التراجم ذكرت أنَّ الإمام المعافري تفقّه على الإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الدمشقي الحنبلي[11]، وحينما نعود إلى ترجمة الإمام موفق الدين نجد أنّ وفاته كانت سنة 620هـ[12]، وهذا يعني أنَّ تفقُّه الإمام المعافري على الإمام موفق الدين كانت قبل سنة 618هـ، ويدلّنا ذلك أيضًا على أن رحلة الإمام المعافري إلى دمشق كانت قبل سنة 620هـ.

وبناء على ما سبق يستحيل قراءة الإمام المعافري على الفقيه ابن وضّاح اللخمي سنة 622هـ، في جزيرة شُقْر بالأندلس.

وذلك يؤكّد لنا أنَّ الإمام المعافري لم يكن من تلاميذ الإمام الفقيه ابن وضّاح اللخمي، وبالتالي فإنَّ نسبة هذا الشرح للإمام المعافري غير صحيحة.

- وأمّا قوله: «وجود اسم المؤلِّف على مقدّمة نسخة مكتبة الحرم المكي»، فغير صحيح، وذلك أنَّ المذكور في طُرَّة نسخة الحرم المكي هو: «أبي عبد الله محمد بن القفال الشاطبي»، وهو حَتمًا غير الإمام المعافري، وسيأتي قريبًا الكشف عنه والتعريف به.

وعليه، فإنَّ الاسم الموجود على طُرَّة نسخة مكتبة الحرم لا علاقة له بالإمام المعافري مطلقًا.

وقوله: «وهي أصحّ النُّسَخ وأكملها وأتمّها»، غير صحيح أيضًا؛ وذلك لأنَّ هذه النسخة مبتورة من آخرها، من أثناء شرح البيت رقم (284)، كما أنها نسخة لحقها تزوير؛ وذلك أنه تمّ إكمال شرح بقية الأبيات من بعد البتر -أي من البيت رقم (285) إلى آخرها- بخطّ مخالف من شرح الإمام السخاوي، ولا يمنع ذلك حصول تزوير في كتابة اسم المؤلف على طُرَّة النسخة.

ورغم أنَّ المحقّق جعلها نسخة الأصل إلا أنه لم يُشِر إلى البتر الحاصل فيها عند البيت رقم (285)، ولم يكن من الصحيح أن يجعلها المحقق نسخة الأصل وهي مبتورة

وقد جعل المحقق هامشًا عند رأس البيت رقم (291)، وقال فيه: «من هذا البيت إلى آخر النظم جاءت الأبيات مسرودة من غير شرح في جميع النسخ ما عدا النسخة (أ) -نسخة مكتبة الحرم المكي-، والنسخة (س) -نسخة مكتبة جامعة الملك سعود-، فأثبته كما جاء فيها، وغالبه مأخوذ من شرح السخاوي حرفيًّا»[13].

وهو مخطئ بذلك، والصواب أن يكون الهامش عند رأس البيت رقم (285)، فإنّ النصّ الملحق بعد البتر في نسخة مكتبة الحرم المكي يبدأ من هذا البيت وهو واضح للعيان.

وأمّا نسخة مكتبة جامعة الملك سعود فالذي يظهر أنها نُسِخَت من نسخة مكتبة الحرم المكي، ويدلّ على ذلك أنها مماثلة لها تمامًا في التلفيق الحاصل في آخر الشرح.

وقول المحقق هنا: «من هذا البيت إلى آخر النَّظْم جاءت الأبيات مسرودة من غير شرح في جميع النُّسَخ ما عدا...»؛ غير صحيح، فمن خلال الاطلاع على بقية النسخ تبيَّن أن الشرح فيها كلّها مكتمل إلى آخره، وليس الأمر كما ذكر المحقّق.

فكان الأَوْلى بالمحقّق أن يعتمد الشرح الموجود في أغلب النُّسَخ الخطّية، لكنه اعتمد على نسخة مكتبة الحرم المكي والتي ثبت له أنها ملفَّقة من شرح السخاوي، كما اعتمد على نسخة مكتبة جامعة الملك سعود المنسوخة عنها.

فصرَّح المحقق بأنّ النصّ من البيت المذكور منقول حرفيًّا من شرح السخاوي، ولا أعلم كيف اعتمد المحقق على هذه النسخة، وهي مخالفة لجميع النُّسَخ الأخرى؟!

فثبت بذلك أنّ استدلال المحقق بوجود اسم المؤلِّف على طُرَّةِ نسخة مكتبة الحرم المكي لا يصح.

2) وقوله: «في النسخة الثانية لمكتبة برنستون كُتِبَ على ظاهرها: (شرح تلميذ السخاوي للقصيدة الرائية)، والإمام المعافري هو أحد تلاميذ الإمام السخاوي»؛ غير صحيح، والصواب أنّ المكتوب عليها هو: «شرح الرائية للحصَّاري تلميذ السخاوي». فلم يذكر المحقّق نسبة الشرح في النسخة للحصَّاري؛ وهذا أمر غير مقبول من المحقّق. كما أنّ العنوان نفسه أيضًا في النسخة الأُولى لمكتبة برنستون، ولم يُشِر المحقق إلى ذلك.

ثم على فرض صحة ما ذكره المحقّق، فإنّ ذلك لا يصح دليلًا لإثبات نسبة الشرح للمؤلف، وذلك لكثرة تلاميذ السخاوي.

3) وقوله: «أنَّ حاجي خليفة أشار إليه في كتابه (کشف الظنون)، عند ذِكره لشرّاح قصيدة (عقيلة أتراب القصائد)»؛ ليس بصحيح، كما بيَّنّا ذلك سابقًا.

من خلال ما سبق يتبين أنّ أدلة المحقق ضعيفة، ولا يصح الاستناد إليها في إثبات نسبة الشرح إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن سليمان المعافري.  

ب) بيان الخطأ في نسبة الشرح للإمام ابن القفال:

 لقد نَسَبَ الشرح إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن القفال كلٌّ من: الشيخ عبد الله حسن الشتوي المغربي، والدكتور فرغلي سيد عرباوي، في تحقيقهما للشرح.

أمّا الشيخ عبد الله حسن الشتوي المغربي فإنه لم يقم بدراسة نسبة الكتاب للمؤلِّف، واعتمد في نسبة الشرح للإمام ابن القفال على ما أثبته المفهرسون في بطاقة النُّسخة الخطّية الموجودة في مكتبة جامعة الملك سعود، حيث نسبوه إلى الإمام ابن القفال معتمدين في ذلك على المكتوب على طُرَّةِ النسخة الخطّية الموجودة في مكتبة الحرم المكي، ولم يعتمد الشتوي في تحقيقه للشرح إلا على نسخة مكتبة جامعة الملك سعود.

وأمّا الدكتور فرغلي سيد عرباوي، فقد قام بتحقيق الشرح على ثلاث نُسَخ خطية، وهي: نسخة مكتبة الحرم المكي، ونسخة مكتبة جامعة الملك سعود، ونسخة مكتبة الملك عبد الله بن عبد العزيز في جامعة أمّ القرى، وقام بدراسة نسبة الكتاب للمؤلِّف في أسطر قليلة، قال فيها:

«اسم هذا الكتاب كما جاء في ورقة الغلاف في النسخة الخطية التي اعتمدت عليها (شرح القصيدة الموسومة المسمّاة: بعقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد)، وكتب تحت هذا العنوان اسم ابن القفال، وجاء في مقدمة هذا الشرح أنه تتلمذ على السخاوي، وأكَّدَ على نسبة هذا الشرح لابن القفال الحاج خليفة في (كشف الظنون) عندما عدَّد شروح العقيلة، فذكر منها شرح ابن القفال عليها، وأكَّدَ أنَّه من تلاميذ السخاوي»[14].

وقد أخطأ المحقّقان في نسبة الشرح للإمام محمد بن القفال، وبيان ذلك كما يأتي:

أولًا: أنَّ اعتمادهما في نسبة الشرح للإمام محمد بن القفال على ما كُتِب على طُرَّة نسخة مكتبة الحرم المكي، فلا يعتدّ به، وذلك أنَّ النسخة سقيمة، فهي بدون تأريخ نسخ، وهي مبتورة من آخرها، من أثناء شرح البيت رقم (284)، كما أنها نسخة لحقها تلفيق من شرح آخر، وذلك أنه تم إكمال شرح بقية الأبيات -من بعد البتر- بخطّ مخالف من شرح الإمام السخاوي.

ثانيًا: أنَّ الـمُحَقِّقَيْن لم يقفَا مطلقًا على ترجمة الإمام محمد بن القفال الذي نَسَبَا إليه الشَّرح، وقد تمكنتُ من الوقوف على ترجمته، وذلك من خلال النّسخة الخطّية التي في مكتبة قاضي زاده، حيث كُتِبَ على طُرَّتها عدّة عناوين، وكان من بينها: (شرح عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد للفقيه أبي عبد الله محمد بن القفال الشاطبي -رضي الله عنـه وأرضاه- المعروف بالعقيلي تلميذ السخاوي).

ومن خلال هذا العنوان يتبين أنَّ المراد بالقفال هو: محمد بن أحمد العقيلي تلميذ السخاوي، وقد جاءت ترجمته في عدة مصادر، منها: معرفة القرّاء الكبار للإمام الذهبي، والذي قال في ترجمته: «الرئيس العالِم زين الدين محمد بن أحمد العقيلي، القلانسي، الكاتب، والد الشيخ جلال الدين، قرأ القراءات على السخاوي، وعرض عليه القصيد، وسمعتها عليه... تُوفي سنة ثمان وتسعين وستمائة، وهو في عشر الثمانين»[15].

وقال في ترجمته في تاريخ الإسلام: «محمد بن أحمد بن محمود بن محمد بن محمد، الرئيس الفاضل، زين الدين، أبو عبد الله العقيلي، القلانسي، الدمشقي، الكاتب. قرأ القرآن على السخاوي، وعرض عليه القصيد... وُلِد في ذي الحجة سنة أربع وعشرين وستمائة، وكان إمام مسجد»[16].

وترجمه علم الدين البرزالي (ت: 739هـ) فقال: «وفي ليلة الخميس التاسع من جمادى الأولى تُوفي الشيخ الصدر، الرئيس، المرتضى، الفاضل، زين الدين، أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن محمود بن محمد بن محمد العقيلي، القلانسي، الدمشقيّ... قرأ على الشيخ علم الدين السخاوي القرآن، وسمع عليه الحديث، وعلى عتيق السلماني، ومكي بن علّان، وحدّث عنهم... ومولده في سابع وعشرين ذي الحجة سنة أربع وعشرين وستمائة بدمشق»[17].

ومن خلال الترجمة السابقة يتأكّد لنا عدم صحة نسبة الشرح الذي بين أيدينا للإمام محمد بن أحمد القفال، المعروف بالعقيلي تلميذ السخاوي، والدليل على ذلك هو أنَّ مؤلِّف الشرح الذي بين أيدينا قال في مقدّمته: «فأوّل ما أذكر روايتي فيها: قرأتها بالأندلس بجزيرة شُقْر على الفقيه الإمام الخطيب أبي عبد الله محمد بن محمد بن وضّاح اللخمي سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وقرأتها أيضًا على الشيخ الإمام المقرئ علم الدين السخاوي -رحمه الله- بدمشق سنة ثمان وعشرين وستمائة، كلاهما حدثني بها عن المصنف».

ووجه هذا الدليل هو أنَّ المؤلِّف ذكر أنَّه قرأ العقيلة على الإمام اللخمي سنة (622هـ)، بينما ذُكِرَ في الترجمة السابقة للإمام محمد بن أحمد القفال المعروف بالعقيلي أنَّ مولده كان سنة (624هـ).

ومن خلال المقارنة بين التأريخين يتبيّن لنا استحالة قراءة الإمام محمد بن أحمد القفال المعروف بالعقيلي على الإمام محمد بن محمد بن وضّاح اللخمي، وبناء على ذلك يتأكّد لنا عدم صحة نسبة الشرح إلى الإمام محمد بن أحمد القفال المعروف بالعقيلي تلميذ الإمام السخاوي.

وقد أخطأ المحقّقان في اعتمادهما نسختَي مكتبة الحرم المكي، ومكتبة جامعة الملك سعود -المنسوخة منها- أصلًا في تحقيقهما، حيث أثبتَا في آخر النصّ المحقَّق النصّ المنقول من شرح الإمام السخاوي، والذي تُمِّمَت به نسخة مكتبة الحرم المكي، بعد البتر الحاصل فيها، وعنها نُسِخَت نسخة مكتبة جامعة الملك سعود. 

ثانيًا: بيان المؤلِّف الصحيح للشرح:

من خلال النُّسَخ الخطّية للشرح التي وقفتُ عليها ولم تصل إليها أيدي المحقّقين، وكذلك من خلال استقراء المصادر، مَنَّ اللهُ عليَّ بالكشف عن المؤلف الصحيح لهذا الشرح، وهو الإمام المقرئ جمال الدين محمد بن الحسن بن محمد بن يوسف، المعروف بأبي عبد الله الفاسي، القيرواني، المغربي، الحنفي، نزيل حلب المتوفى سنة (656هـ).

وفيما يأتي أذكر الأدلة التي تقطع بصحة ذلك:

الدليل الأول: أنَّ اسم الكتاب واسم المؤلِّف مُثْبَتٌ على طُرَّة نسختين خطيّـتين -من النُّسَخ التي لم تصل إليها أيدي المحقّقين- ويُعْتَبَر وجود اسم المخطوط واسم المؤلِّف على طُرَّة مخطوط ما، من الأدلة المعتبرة عند المحقّقين في إثبات نسبة ذلك المخطوط لمؤلِّفه.

وفيما يأتي بيان ما كُتِبَ على طُرَّة النسختين الخطيّـتين، مرفقًا بصورة لطُرَّةِ كلّ نسخة منهما:

أولًا: كُتِبَ على طُرَّة النسخة الخطية الموجودة بمكتبة لاله لي -والتي نُسِخَت سنة 1034هـ-:

(هذا كتاب شرح الرائية في مرسوم الخط تأليف الشيخ أبي عبد الله المغربي الفاسي المقرئ رحمه الله تعالى، آمين).

-صورة مقدّمة النسخة الخطية للشرح الموجودة بمكتبة لاله لي بتركيا-

ثانيًا: كُتِبَ على طُرَّة النسخة الخطية الموجودة بمكتبة قاضي زاده -والتي نُسِخَت سنة 708هـ، وهي أقدم نسخة خطّية للشرح-: (شرح عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد. للفقيه أبي عبد الله محمد بن القفال الشاطبي -رضي الله عنـه وأرضاه- المعروف بالعقيلي تلميذ السخاوي).

ثم كُتِبَ -بخط أحدث- في الصفحة المقابلة للعنوان السابق: (شرح عقيلة أتراب القصائد للفاسي)، وكُتِبَ أيضًا تحت العنوان الأول: (الرائية وشرحها وتحصيل الفوائد في القراءات وشرح نكت الشاطبية للفاسي).

والذي يظهر أنه حصل خطأ في كتابة اسم المؤلِّف في العنوان الأول، وبسبب كثرة التعليقات المكتوبة على صفحة العنوان الأول تم تَصْحِيح الخطأ في نسبة اسم المؤلّف بكتابة العنوان منسوبًا للإمام الفاسي على الصفحة المقابلة لصفحة العنوان، والتي لم يُكْتَب عليها شيء سوى العنوان المصحح، وتكرارُ العنوان منسوبًا للإمام الفاسي تحت العنوان الأول تأكيدٌ لذلك.

-صورة طُرَّةِ النسخة الخطية للشرح الموجودة بمكتبة قاضي زاده بتركيا-

الدليل الثاني: أنَّ الناسخ للنسخة الخطية الموجودة في مكتبة لاله لي، صَرَّحَ باسم المؤلف في أوّل مقدمة النسخة، فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم، قال الشيخ الإمام أبو عبد الله المغربي الفاسي المقرئ رحمه الله، الحمد لله منزل القرآن ومفصِّله، ومشرِّفه على سائر الكتب ومفضِّله...».

ويُعْتَبَر تصريح الناسخ باسم المؤلِّف في مقدّمة مخطوطٍ ما، من الأدلة القوية عند المحقّقين في إثبات نسبة ذلك المخطوط لمؤلِّفه.

 -صورة مقدمة النسخة الخطية للشرح الموجودة بمكتبة لاله لي بتركيا-

   الدليل الثالث: قال المؤلِّف في مقدّمة الشرح: «فأوّل ما أذكر روايتي فيها: قرأتها بالأندلس بجزيرة شُقْر على الفقيه الإمام الخطيب أبي عبد الله محمد بن محمد بن وضّاح اللخمي سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وقرأتها أيضًا على الشيخ الإمام المقرئ علم الدين السخاوي -رحمه الله- بدمشق سنة ثمان وعشرين وستمائة، كلاهما حدثني بها عن المصنِّف». وهذه الرواية ثابتة في حقّ الإمام الفاسي، فقد ذكر الإمام المقرئ عفيف الدين عثمان بن عمر الناشري (ت: 848هـ)، في مقدّمة حواشيه على الشاطبية والعقيلة، قراءة الإمام الفاسي للعقيلة على الإمام محمد بن محمد بن وضاح اللخمي، وعلى المقرئ علم الدين السخاوي.

حيث قال أثناء ذِكْره لمن قرأ على الإمام الشاطبي قصيدته الشاطبية، قال: «...ومحمد بن محمد بن وضاح، وهذا من شيوخ الفاسي أيضًا، قرأ عليه العقيلة»[18].

وفي نفس المجموع الذي يضمّ حواشي الناشري على الشاطبية والعقيلة، علّق ناسخ المجموع، المقرئ عبد الله بن محمد الطيب الناشري (ت: 882هـ)، ناقلًا نفس رواية الإمام الفاسي في مقدّمة شرحه هذا، فقال: «قال الفاسي: قرأت العقيلة على محمد بن محمد بن وضاح اللخمي سنة 622هـ، وعلى علم الدين السخاوي بدمشق سنة 628هـ، كلاهما حدثني بها عن المصنِّف»[19]. وبهذا تثبت قطعية نسبة هذا الشرح للإمام الفاسي.

الدليل الرابع: أنَّ الإمام عثمان بن عمر الناشري (ت: 848هـ)، عقد فصلًا في مقدّمة حواشيه على الشاطبية والعقيلة فيمن شرح الشاطبية والعقيلة، فذكر من شروح العقيلة شرح الإمام الفاسي، حيث قال: «والإمام العلّامة جمال الدين محمد بن حسن المغربي الفاسي، نزيل حلب، قَدِمَ مصر وقرأ على اثنين من أصحاب الشاطبي، كان إمامًا ذكيًّا، واسع العلم، بصيرًا بعلل القراءات، شرح الشاطبية والعقيلة، وشرحه للشاطبية في غاية الحسن، وقد تتبعته وخدمته، ولا سيّما الجزء الأوّل، فتكرّرت عليه مرارًا، وكذا مشيت على شرحه للعقيلة، وهو مختصرٌ جدًّا، مات في أحد الربيعين سنة ستّ وخمسين وستمائة، وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله»[20]. فهذا دليل على أنَّ الإمام الفاسي له شرح للعقيلة، وَوَصْفُ الناشري للشرح بأنه مختصر جدًّا، يتّفق مع الشرح الذي بين أيدينا.

الدليل الخامس: وهذا الدليل لا يدع ذرّة شكّ لدى أحد في نسبة هذا الشرح للإمام الفاسي، وهو: إشارة شرّاح العقيلة إلى شرح الفاسي، وقد وقفتُ على اثنين من الشرّاح أشارَا في شرحهما إلى شرح الإمام الفاسي، وهما:

- الإمام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري (ت: 732هـ).

- والإمام عفيف الدين عثمان بن عمر الناشري (ت: 848هـ).

 وبيان ذلك فيما يأتي:

أولًا: أشار الإمام برهان الدين الجعبري إلى شرح الإمام الفاسي في شرحه للعقيلة المسمّى (جميلة أرباب المراصد في شرح عقيلة أتراب القصائد)، وذلك عند قول الناظم:

تُضَاحِكُ الزَّهْرَ مَسْـرُورًا أَسِرَّتُهَا ** مُعَرِّفًا عَرْفُهَا الْآصَالَ وَالْبُكَرَا

وهو البيت [298]، حيث قال الإمام الجعبري: «و(الزَّهرُ)- ويُروى الدَّهْرُ... و(الزَّهْرَ) كناية عن المكان، وهو رواية السخاوي، وهو أَوْلى من الدَّهْر، وهو رواية الفاسي»[21].

كما أشار الإمام الناشري إلى ما ذكره الجعبري، وأكّد رؤيته لذلك في شرح الفاسي، فقال: «وقوله: (الزَّهْرَ) هو كذا بالزاي في الوسيلة، وفي الجعبري (الدَّهْرَ) بالدال، وكذا في الفاسي علـى مـا قـال الجعبري، قلتُ: والذي رأيته في شرحه بذلك، والنسختان في شرح ابن جبارة والجعبري»[22].

وعند النظر إلى ذلك اللفظ في أقدم نسخة خطية للشرح، وهي نسخة مكتبة قاضي زاده، نجد أنَّه بالدال (الدَّهْرَ)[23]، وكُتِبَ في بعض النسخ (الزَّهْرَ) بالزاي، وهو بلا شكّ خطأٌ من النسّاخ، فإنَّ مما يؤكّد أنَّ اللفظ في شرح الفاسي (الدَّهْرَ) بالدال، قوله في ختام شرح البيت: «أي: يطيب الزمان بكرةً وأصيلًا»، فقوله: (الزمان)، إشارة إلى لفظ (الدَّهْرَ) بالدال في البيت، ولو أراد (الزهر) بالزاي لقال: (المكان)، فإنَّ (الزهر) بالزاي كناية عن المكان، و(الدَّهْرَ) بالدال كناية عن الزمان[24].

ونصّ شرحه للبيت كاملًا كما يأتي: «(تُضَاحِكُ الدَّهْرَ): أي تفتحه، لما جعل الصلاة سُحُبًا اسْتِعَارَةً جعلها تضاحك الدهر، و(أسِرَّتُهَا): الطرق التي في الوجه وفيها تظهر السرور، (مُعَرَّفًا): حال من المضمر في تضاحك، و(عَرْفُهَا): فاعل بمعروف، والعَرْف: الطيب، ومعرَّف: مطيَّب، أي: يطيب الزمان بكرةً وأصيلًا»[25].

ثانيًا: جعل الإمام عثمان الناشري شرح الإمام الفاسي من مصادره في حواشيه على العقيلة، فقد نقل منه في مواضع عديدة، ينقل منه النصّ بلفظه أحيانًا، وأحيانًا أخرى ينقل منه بتصرّف، وكان يشير إلى النصوص التي ينقلها منه بأن يُتْبِعَ النصّ بلفظ (فاسي)، وأحيانًا يُصَرِّحُ في بداية النصّ المنقول بقوله: (قال الفاسي)، أو نحو ذلك.

ومن خلال استقصاء عددٍ من المواضع التي نقلها الناشري في حواشيه على العقيلة من شرح الإمام الفاسي، ومقابلتها مع هذا الشرح -الذي بين أيدينا-، يتبين لنا اتفاقها تمامًا.

وفيما يأتي أسوق بعض المواضع التي نقلها الناشري من شرح الإمام الفاسي، وأذكر بعد كلّ نصٍّ منها النَّصَّ في هذا الشرح -الذي بين أيدينا-:

- الموضع الأول: عند قول الإمام الشاطبي في البيت [1]:

الْحَمْدُ لِلهِ مَوْصُولًا كَمَا أَمَـرَا ** مُبَارَكًا طَيِّبًا يَسْـتَـنْـزِلُ الدِّرَرَا

قال الناشري: «يَسْتَنْزِلُ: يطلب النزول، فاسي»[26].

والنصّ في هذا الشرح: «ويَسْتَنْزِلُ: يطلب النزول»[27].

- الموضع الثاني: عند قول الإمام الشاطبي في البيت [41]:

وَرَدَّهُ وَلَدُ النَّحَّاسِ مُعْتَمِدًا ** مَا قَبْلَهُ، وَأَبَاهُ مُنْصِفٌ نَظَرَا

قال الناشري: «قال الفاسي: كأنَّ الشاطبي أراد بالمنصف[28] نفسه»[29].

والنصّ في هذا الشرح: «وكأنَّ الشاطبي -رحمه الله- أراد بالمنصف نفسه»[30].

- الموضع الثالث: وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [57]:

وَقَـٰــتَـلُواْ وَثُلَـٰــثَ مَعْ رُبَـٰــعَ كِتَـ ** ـبَ اللهِ مَعْهُ‚ ضِعَـٰــفًا عَـٰــقَدَتْ حَصَرَا

قال الناشري: «أي: ذكر نافع هذه المواضع، فاسي»[31].

والنص في هذا الشرح: «أي: ذكر نافع هذه المواضع»[32].

- الموضع الرابع: عند قول الإمام الشاطبي في البيت [70]:

مَعًا خَطِيـٓــئَــٰـتِ وَالْيَا ثَابِتٌ بِهِمَا ** عَنْهُ الْخَبَــٰٓــئِثَ حَرْفَاهُ‚ وَلَا كَدَرَا

قال الناشري: «وَلَا كَدَرَا: أي: هو ظاهر كالماء الصافي، فاسي»[33].

والنصّ في هذا الشرح: «وقوله: (وَلَا كَدَرَا): أي: هو ظاهر بيِّن كالماء الصافي»[34].

- الموضع الخامس: عند قول الإمام الشاطبي في البيت [88]:

تَزْوَرُّ زَاكِيَةً مَعْ لَتَّخَذْتَ بِحَذْ ** فِ نَافِعٍ كَلِمَـٰــتُ رَبِّيَ اعْتُمِرَا

قال الناشري: «اعْتُمِرَا: من اعتمره: زاره، واستعار هذا للرؤية والوقوف على الشيء، فاسي»[35].

والنصّ في هذا الشرح: «والاعتمار: الزيارة، واستعاره هنا للرؤية والوقوف على الشيء»[36].

- الموضع السادس: عند قول الإمام الشاطبي في البيت [90]:

كُلٌّ بِلَا يَاءٍ اءْتُونِي، وَمَكَّنَنِي **   مَكٍّ، وَمِنْهَا عِرَاقٍ بَعْدَ خَيْرًا اِرَى

قال الناشري: «اِرَا: أي أرى ذلك غيره، أو رآه؛ وقلب، فاسي»[37].

والنصّ في هذا الشرح: «وقوله: (اِرَا) أي أرى ذلك غيره، أو رآه؛ وقلب»[38].

- الموضع السابع: عند قول الإمام الشاطبي في البيت [133]:

سُلَــٰــلَةٍ وَغُلَــٰــمٍ وَالظِّــلَــٰــلُ وَفِي ** مَا بَيْنَ لَامَيْنِ هَــٰــذَا الْحَذْفُ قَدْ عُمِرَا

قال الناشري: «عُمِرَا: أي: استعمل، فاسي»[39].

والنصّ في هذا الشرح: «عُمِرَا: اتخذ واستعمل»[40].

- الموضع الثامن: عند قول الإمام الشاطبي في البيت [135]:

وَبَعْدَ نُونِ ضَمِيرِ الْفَاعِلِينَ كَـ: ءَا ** تَيْنَـٰـ وَزِدْنَـٰـ وَعَلَّمْنَـٰا حَلَا خَضِـرَا

قال الناشري: «حَلَا خَصِرَا: أي أنه متداول غير متروك، فكأنه غضٌّ طري لكثرة ما يستعمل، فاسي»[41].

والنص في هذا الشرح: «وقوله: (حَلَا خَصِرَا): عنى به أنه متداول غير متروك، فكأنه غضٌّ طري لكثرة ما يستعمله في كل وقت»[42].

- الموضع التاسع: عند قول الإمام الشاطبي في البيت [137]:

وَاللَّــٰـعِنُونَ مَعَ اللَّـٰتَ الْقِيَــٰـمَةِ أَصْــ ** ــحَــٰـبٌ خَلَــٰٓــئِفَ أَنْهَــٰــرٌ صَفَتْ نُهُرَا

قال الناشري: «يريد صفت ضوءًا ونورًا، يريد أنها مشهورة، فاسي»[43].

والنصّ في هذا الشرح: «(نُهُرَا): جمع نهار، أراد صفت ضوءًا ونورًا، يريد أنها مشهورة»[44].

- الموضع العاشر: عند قول الإمام الشاطبي في البيت [142]:

وَأَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ أَيُّهَ الثَّقَــلَا ** نِ أَيُّهُ السَّاحِــرُ احْضُـرْ كَالنَّدَى سَحَرَا

قال الناشري: «وقال الفاسي: أي: كن لطيفًا في بحثك عن مثل هذا ولا تزد ما تراه خارجًا عن الأصل، فما فعلوا شيئًا إلا لعلّة بعد نظر واجتهاد، ولا تقل: لِـمَ خَصُّوا موضعًا دون آخر، انتهى»[45]. في قول الشاطبي: (احضُرْ كالنَّدَى سَحَرَا).

والنصّ في هذا الشرح: «وقوله: (احضُرْ كالنَّدَى سَحَرَا): أي: كن لطيفًا في بحثك عن مثل هذا، ولا تزد ما تراه خارجًا عن الأصل، فما فعلوا شيئًا إلا لعلّة بعد نظر واجتهاد، ولا تقل: لِـمَ خَصُّوا موضعًا دون آخر»[46].

من خلال النقول السابقة، ومقابلتها مع الشرح الذي بين أيدينا، وكذلك من خلال ما سبق من أدلة، يتأكّد لنا قطعيًّا أنَّ مؤلِّف الشرح الذي بين أيدينا، هو الإمام المقرئ جمال الدين محمد بن الحسن، المعروف بأبي عبد الله الفاسي المغربي المقرئ، المتوفى سنة (656هـ)، رحمه الله.    

القسم الثاني: الملامح المنهجية لهذا الشرح:

 إنَّ الطريقة التي سار عليها الإمام الشاطبي في قصيدته (عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد) قد فرَضَت على الإمام الفاسي باعتباره شارحًا لها، أن يسلك منهجًا معيّنًا في ترتيب شرحه، يتتبّع فيه أبيات القصيدة، فيشرح ألفاظها، ويبيّن معانيها، ويوضح ما تنطوي عليه من مسائل الرسم وتوجيهها، ويحلّ ما أشكل منها.

وقد حدّد الإمام الفاسي معالم منهجه إجمالًا في مقدّمة شرحه، حيث قال: «...وبعد: فإنّ مرسوم المصحف سُنّة تتبعها كَتَبَتُهُ، وتفتقر إلى معرفتهِ قرّاؤه، وإنَّ مِن أوجزِ ما صُنِّف فيه قصيدة الإمام الحافظ أبي القاسم محمد بن فِيْرُّه بن خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي -رحمه الله- المسمّاة بالعقيلة، إلا أنها صعبة غلقة، وألفاظها متكلَّفة ملفَّقة، فأردتُ أن أشرحها، وأبيِّن معانيها؛ ليرغب فيها معانيها. وكنتُ كتبتُ عليها حواشي وتعليقات من المقنع لأبي عمرو وغيره من الشروحات؛ فخشيتُ أن يضيع ذلك؛ فجعلته لها شرحًا مع ما يسّر الله تعالى في فهمها، ومعرفة علمها، وسألتُ اللهَ العون على ذلك»[47].

كما ذكرَ الإمام الفاسي في مقدّمة شرحه روايته لمنظومة العقيلة، عن اثنين من تلاميذ الإمام الشاطبي، عنه، فقال: «فأوّل ما أذكر روايتي فيها: قرأتها بالأندلس بجزيرة شُقر على الفقيه الإمام الخطيب أبي عبد الله محمد بن محمد بن وضاح اللخمي سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وقرأتها أيضًا على الشيخ الإمام المقرئ علم الدين السخاوي -رحمه الله- بدمشق سنة ثمان وعشرين وستمائة، كلاهما حدثني بها عن المصنف»[48].

أمّا منهجه من خلال شرحه، فيمكن إجمال أهمّ ملامحه في ما يأتي: 

أولًا: الاعتناء بألفاظ أبيات القصيدة من حيث اللغة، والاشتقاق، والتصريف:

 من أمثلة ذلك:

- عند قول الإمام الشاطبي في البيت [2]:

ذُو الْفَضْلِ وَالْمَنِّ وَالْإِحْسَانِ خَالِقُنَا ** رَبُّ الْعِبَادِ هُوَ اللهُ الَّذِي قَهَرَا

قال الفاسي: «(ذُو): بمعنى صاحب، و(الْفَضْلِ وَالْمَنِّ وَالْإِحْسَانِ): العطاء، و(قَهَرَا): غلب»[49].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [158]:

لَلدَّارُ وَأْتُواْ وَفَأْتُواْ وَسْئَلُواْ فَسَلُواْ ** فِي شَكْلِهِنَّ وَبِسْمِ اللهِ نَلْ يُسُـرَا

قال الفاسي: «وقوله: (نَلْ يُسُرَا)، أي: خُذ وأدرِك يُسُرَا، وهو ضد العُسر، يقال يُسْر ويُسُر وهما لغتان، وكذلك عُسْر وعُسُر»[50].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [171]:

وَتَشْهَدُونِ ارْجِعُونِ إِن يُرِدْنِ نَكِيـــ ** ـــرِ يُنْقِذُونِ مَــئَابِ مَعْ مَتَابِ ذُرَى

قال الفاسي: «قوله: (ذُرَى): جمع ذروة، وهو أعلى الجبل. أي: هذه ذُرَا، أي: مشهورة، ويجوز أن يكون المبتدأ (وَتَشْهَدُونِ) في أوّل البيت وما عطف عليه»[51].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [183]:

وَفِي الْمُنَادَى سِوَى تَنزِيلُ آخِرِهَا ** وَالْعَنْكَبُوتِ وَخُلْفُ الزُّخْرُفِ انْتَقَرَا

قال الفاسي: «وقوله (انْتَقَرَا): خصّ، وهو من: نقر الطائر الحَبّ. وانتقر الرجل في الدعوة: دعا قومًا دون قوم»[52].  

ثانيًا: الاهتمام بجانب الإعراب، والتعرُّض غالبًا لإعراب ما يشكل من مفردات أبيات القصيدة:

من أمثلة ذلك:

- عند قول الإمام الشاطبي في البيت [2]:

ذُو الْفَضْلِ وَالْمَنِّ وَالْإِحْسَانِ خَالِقُنَا ** رَبُّ الْعِبَادِ هُوَ اللهُ الَّذِي قَهَرَا

قال الفاسي: «و(ذُو الْمَنِّ): خبر مبتدأ محذوف، أي: هو، وكذلك (خَالِقُنَا)، و(رَبُّ الْعِبَادِ): صفة لِــ(خَالِقُنَا)، وخبر مبتدأ، ويجوز أن يكون (خَالِقُنَا): مبتدأ، و(ذُو الْمَنِّ): خبره، و(الَّذِي): نعت»[53].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [9]:

ومنْ رَوَى سَتُقيمُ العُرْبُ أَلْسُنُهَا ** لَحْنًا بهِ قَوْلَ عُثْمَانٍ فَمَا شُهِرَا

قال الفاسي: «و(أَلْسُنُهَا): بدل من العرب، و(لَحْنًا): مفعول (سَتُقيمُ)، و(قَوْلَ عُثْمَانٍ): مفعول (مَنْ رَوَى)، وَ(مَنْ): مبتدأ موصولة صلتها ما بعدها، و(فَمَا شُهِرَا): خبره، أي ما شهر ما رواه، ودخلت الفاء لشبه الموصول بالشرط في الإبهام»[54].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [120]:

فَلَا يَخَافُ بِفَاءِ الشَّامِ وَالْمَدَنِي ** وَالضَّادُ فِي بِضَنِينٍ تَجْمَعُ الْبَشَرَا

قال الفاسي: «وحذف التنوين من (بِفَاءِ) للإضافة فيكون (فَلَا يَخَافُ) مبتدأ، والمجرور خبره، ويحتمل أن حذف التنوين لالتقاء الساكنين، فيكون (الشَّامِ وَالْمَدَنِي): مبتدأ، و(بفَاءِ): خبره، والجملة خبر (فَلَا يَخَافُ)، والعائد محذوف للعلم به، أي بكتابته»[55].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [181]:

بَشِّـرْ عِبَادِ التَّلَاقِ وَالتَّنَادِ وَتَقْـــ ** ـــرَبُونِ مَعْ تُنظِرُونِ غُصْنُهَا نَضَرَا

قال الفاسي: «(غُصْنُهَا): مبتدأ، و(نَضَرَا): فعل وفاعل في موضع الخبر، وأراد به الشهرة»[56].

ثالثًا: الإشارة إلى المعاني البلاغية والأساليب البديعية، التي أودعها الإمام الشاطبي في أبيات قصيدته:

من أمثلة ذلك:

- عند قول الإمام الشاطبي في البيت [6]:

وَبَعْدُ: فَالْمُسْتَعَانُ اللهُ فِي سَـبَبٍ ** يَهْدِي إِلَى سَنَنِ الْمَرْسُومِ مُخْتَصَرَا

قال الفاسي: «والسبب والسنن مجانسة من البديع في الشعر»[57].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [7]:

عِلْقٌ عَلَائِقُهُ أَوْلَى الْعَلَائِقِ إِذْ **   خَيْرُ الْقُرُونِ أَقَامُوا أَصْلَهُ وَزَرَا

قال الفاسي: «(عَلَائِقُهُ)، أي: التماسه وتحمُّله أَوْلى ما يتحمَّل، أي: يتعلم، والعلاقة: ما يحمل به الشيء من خيط أو سير، فاستعاره هنا، وجمع بين التجنيس والاستعارة وهما من بديع الشِّعْر»[58].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [261]:

وَدُونَكَ الْهَاءَ لِلتَّأْنِيثِ قَدْ رُسِمَتْ ** تَاءً لِتَقْضِـيَ مِنْ أَنْفَاسِهَا الْوَطَرَا

قال الفاسي: «قوله: (لِتَقْضِيَ مِنْ أَنْفَاسِهَا الْوَطَرَا): جعلها نَفَسًا، أي: رائحة طيبة؛ لأنَّ أخْذَ العِلْم يُشَبَّه باستنشاق الروائح وقطفِ الزهر والثمر، وتشبيهه بالروائح أبلغ؛ لأنه مَعانٍ، والروائح أنْسَبُ للمعاني من غيرها، و(الوَطَرَ): الحاجة والغرض»[59].

رابعًا: الاعتناء بمعاني البيت، وما يتضمنه من مسائل الرسم رواية ودراية، وعرضها على أصلها المقنع، والنصّ على ما ليس فيه ولا في العقيلة:

 من أمثلة ذلك:

- عند قول الإمام الشاطبي في البيت [46]:

بِالصَّادِ كُلُّ صِرَاطٍ وَالصِّـرَاطِ وَقُلْ ** بِالْحَذْفِ مَـٰــلِكِ يَوْمِ الدِّينِ مُقْتَصِـرَا

قال الفاسي: «وكُتب في بعض المصاحف القديمة بحذف الألِف من (صِرَاطَ)، و(الصِّرَاطَ)، حيث وقع، ولم يذكره الشاطبي ولا أبو عمرو الداني؛ لأنه ليس بمشهور عندهما»[60].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [57]:

وَقَـٰــتَـلُواْ وَثُلَـٰــثَ مَعْ رُبَـٰــعَ كِتَـ ** ـبَ اللهِ مَعْهُ‚ ضِعَـٰــفًا عَـٰــقَدَتْ حَصَرَا

قال الفاسي: «يريد: ﴿وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا﴾ [آل عمران: 195]، كُتب بغير ألِف؛ ليحتمل القراءتين، أو على قراءة مَن قرأ بالقلب، ﴿وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: 3]، و﴿كِتَابَ اللَّهِ﴾ [النساء: 24]، و﴿ضِعَافًا﴾ [النساء: 9]؛ فللاختصار، وكان القياس أن لا يذكر (كِتَابَ) هنا؛ لأنه من الحذف المطّرد، وإنما ذكره هنا اتّباعًا لصاحب المقنع؛ لأنه ذكره في سوره، ولأنه مما رواه نافع»[61]. 

 - وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [118]:

وَجِاْيٓءَ أَنْدَلُسٌ تَزِيدُهُ أَلِفًا ** مَعًا وَبِالْمَدَنِي رَسْمًا عُنُوا سِيَرَا

قال الفاسي: «ذكر أبو عمرو الداني في غير المقنع أنَّ ﴿وَجِاْيءَ بِالنَّبِيِّينَ﴾ في الزمر [69]، و﴿وَجِاْيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ في الفجر [23] بألِف بعد الجيم في مصاحف أهل بلدة الأندلس المتّبع في رسمها مصاحف أهل المدينة، فأهل المدينة عُنُوا بذلك ومَن اتّبعهم؛ وعِلَّتُه الفرقُ بين (جيء) و(حتى)، فكان أَوْلى بالزيادة؛ لأجل الهمزة ولأنه فعل، وقيل: إنما كُتبت بالألِف تقويةً للهمزة المتطرفة»[62].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [188]:

بِآيةٍ وَبآياتِ الْعِرَاقُ بِهَـا ** يَاءَانِ عَن ْبَعْضِهِمْ وَلَيْسَ مَشْتَهِرَا

قال الفاسي: «قال أبو عمرو الداني: رأيتُ في بعض مصاحف أهل العراق ﴿بِآيَةٍ﴾ [آل عمران: 49]، و﴿بِآيَاتِنَا﴾ [البقرة: 39]، حيث وقع إذا كان مجرورًا بالباء خاصة بياءين، يعني بعد الألِف؛ وعِلَّتُه التنبيهُ على الإمالة»[63].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [218]:

وَفِي يُنَبَّؤُاْ الِانسَـٰـنُ الْخِلَافُ مَنْ ** يَنْشَــؤُاْ وَفِي مُقْنِعٍ بِالْوَاوِ وقدْ مُسْتَطَرَا

قال الفاسي: «بعضٌ يكتب: ﴿يُنَبَّؤُاْ الْإِنْسَانُ﴾ [القيامة: 13] بالواو والألِف، وبعضٌ يكتب: ﴿يُنَبَّأُ﴾ بالألِف وحدها، و﴿أَوَمَنْ يُنَشَّؤاْ﴾ [الزخرف: 18]، بالواو والألِف، وذكَرَهُ [27/ ظ] أبو عمرو في المقنع بغير واو». 

خامسًا: الاهتمام بتوجيه ظواهر الرسم، وتفسيرها، وإظهار عِللها:

ومن أمثلة ذلك:

- عند قول الإمام الشاطبي في البيت [47]:

وَاحْذِفْهُمَا بَعْدُ فِي ادَّارَءْتُمُ‚ وَمَسَـٰـ ** ـكِينَ هُنَا، وَمَعًا يُخَـٰــدِعُونَ جَرَى

في حذف الأَلِفَين الأخيرتين في ﴿ادَّارَءْتُمُ﴾ [البقرة: 72]، قال الفاسي: «وحُذِفَتا للاختصار؛ لأن في الكلمة ثلاث ألِفات وخصّتا؛ لأنّ الواحدة صورة الهمزة حاملة لها فاكتفى بالهمزة، والأخرى ألِف التفاعل فموضعها معلوم لا يمكن النطق إلا بها»[64].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [77]:

لَأَاْذْبَحَنَّ، وَعَنْ خُلْفٍ مَعًا لَإِاْلَى ** مِنْ تَحْتِهَا آخِرًا مَكِّيُّهُمْ زَبَرَا

في زيادة الألِف بعد اللام ألِف في لفظ ﴿وَلَأَاوْضَعُوا﴾ [التوبة: 47]، ولفظ ﴿لَأَاذْبَحَنَّهُ﴾ [النمل: 21]، قال الفاسي: «والعلة في زيادتها في هذين الموضعين؛ التنبيه على جواز إشباع الحركة، وقيل: التقوية للهمزة، وقيل: الإشارة إلى حركة الهمزة أنها مفتوحة؛ لأن الفتحة من الألِف، وكانوا لا يضبطون، وقيل: أرادوا أن يبيِّنوا صورة الكلمة قبل دخول اللام»[65].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [162]:

فِي الْكَهْفِ شِينُ لِشاْيْءٍ بَعْدَه أَلِفٌ ** وَقَوْلُ: فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَيْسَ مُعْتَبَرَا

في كتابة الألِف بعد الشين في ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيْءٍ﴾ [الكهف: 23]، قال الفاسي: «وعلّته تقوية الهمزة، وليقع الفرق بينه وبين ﴿لَشَتَّى﴾»[66].

 - وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [182]:

فِي النَّمْلِ ءَاتَىٰـنِ، فِي صٓ عَذَابِ، وَمَا ** لِأَجْلِ تَنْوِينِهِ كَـ: هَادٍ اخْتُصِرَا

في حذف الياء في لفظ ﴿عَذَابِ﴾ [ص: 8]، قال الفاسي: «وعلّة حذفه؛ أنه رأس آية فحذف لموافقة رؤوس الآي»[67].

سادسًا: يشير المؤلِّف إلى ما في ألفاظ أبيات العقيلة من روايات أخرى، ويوجه المعنى في كلّ رواية:

 من أمثلة ذلك:

- عند قول الإمام الشاطبي في البيت [16]:

وَمَنْ يَقُلْ: بِعُلُومِ الْغَيْبِ مُعْجِزُهُ ** فَلَمْ تَرَ عَيْنُهُ عَيْنًا وَلَا أَثَرَا

قال الفاسي: «ويُروى (مُعْجِزُهُ) بالميم؛ أي: المعجِز بعلوم الغيب، ويُروى (تُعْجِزُهُ) بالتاء؛ أي: بسبب علوم الغيب التي تعجز المطالب بالإتيان بمثله لا يقدر على ذلك»[68].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [19]:

مَا لَا يُطَاقُ فَفِي تَعْيِينِ كُلْفَتِهِ ** وَجَائِزٍ وِوُقُوعٍ عُضْلَةُ الْبُصَرَا

قال الفاسي: «ويُروى (وَجَائِزٍ وِوُقُوعٍ): بالجر عطفًا على كلفته، ويُروى بالرفع فيهما، أي: وهل هو جائز؟ وهل له وقوع؟ فيكون تقدير البيت: ما لا يطاق ففي تعين كلفته عضلة البصرا»[69].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [33]:

فَاسْتَحْضَرَ الصُّحُفَ الْأُولَى الَّتِي جُمِعَت ** وَخَصَّ زَيْدًا وَمِنْ قُرَيْشِهِ نَفَرَا

قال الفاسي: «ويُروى (خَصَّ) بالخاء المنقوطة والصاد المهملة، و(حَضَّ) بالحاء المهملة والضاد المنقوطة، من الحض على الشيء، أي: الأمر والتوكيد»[70].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [147]:

وَالْأَعْجَمِيُّ ذُو الِاسْتِعْمَالِ خُصَّ وَقُلْ ** طَالُوتَ جَالُوتَ بِالْإِثْبَاتِ مُغْتَفِرَا

قال الفاسي: «ويُروى (مُؤْتَمِرَا): وقد تقدَّم مثله، ويُروى (مُغْتَفِرَا): وهو أحسن لأجل الإيطاء؛ فإنه قد ذكر (مُؤْتَمِرَا) قبله ببيتين، والإيطاء مكروه، وهو: تكرير القافية فيما دون السبعة أبيات، وقيل: فيما دون العشرة»[71]. 

سابعًا: سهولة الأسلوب والميل إلى الاختصار، والإيجاز غير المخلّ:

وذلك أنَّ المؤلِّف استخدم في شرحه لأبيات المنظومة لغة بسيطة وواضحة، بعيدة عن التعقيد اللغوي الذي قد يصعب على القارئ فهمه، وتجنَّب الإطالة الزائدة في الشرح والتفاصيل غير الضرورية، وسعى لتقديم المعنى بشكلٍ موجزٍ ومباشِر، مما يساعد القارئ على التركيز على المعنى المراد من البيت دون تشتت.

وبالرغم من ميل المؤلِّف إلى الاختصار، إلا أنّنا نجده يحافظ على شمولية الشرح، فلم يُغفِل النقاط الأساسية التي تتضمنها أبيات النَّظْم؛ كمسائل الرّسم، والقيود والاحترازات، ولم يهمل ذكر الفوائد؛ كالإشارة إلى ما ليس في المقنع ولا في العقيلة، والإشارة إلى المعاني البلاغية والأساليب البديعية في أبيات النَّظْم.

ثامنًا: الإشارة إلى ما في الرسم من قراءات، دون العزو إلى أصحابها غالبًا، والاكتفاء بالإشارة إلى وجود قراءة أو قراءتين أو أكثر:

من أمثلة ذلك:

- عند قول الإمام الشاطبي في البيت [47]:

وَاحْذِفْهُمَا بَعْدُ فِي ادَّارَءْتُمُ‚ وَمَسَـٰـ ** ـكِينَ هُنَا، وَمَعًا يُخَـٰــدِعُونَ جَرَى

قال الفاسي: «وأمّا ألِف ﴿مَسَاكِينَ﴾ [البقرة: 184]؛ فللاختصار، ولتحتمل القراءتين، أو على قراءة التوحيد»[72]، وأمّا ﴿يَخْدَعُونَ﴾ الثاني؛ فللاختصار، وليحتمل القراءتين، أو على قراءة من حذف؛ وأمّا الأول فللاختصار، وليوافق صورة الثاني بحذف الألِف، وقراءته بالألِف بالإجماع ترفع إشكاله»[73].  

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [51]:

ونافعٌ حَيْثُ وَاعَدْنَا خَطِيـئَـتُهُ ** والصَّعْقَةُ الرِّيحُ تَفْدُوهُمْ هُنَا اعْتُبِرَا

قال الفاسي: «يريد أنَّ نافعًا رَوَى الحذف في هذه الألِفات؛ فحيث جاء ﴿وَاعَدْنَا﴾ [البقرة: 51]، و﴿وَاعَدْنَاكُمْ﴾ [طه: 80]، حُذفت فيه؛ للاختصار، ولتحتمل القراءتين، أو على قراءة من حذف»[74].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [55]:

أَوْصَى الإِمَامُ مَعَ الشَّامِيِّ والمَدَنِي ** شَامٍ وقَالُوا بحذفِ الواوِ قبلُ يُرَى

قال الفاسي: «يريد أنَّ في الإمام وفي مصاحف أهل الشام والمدينة ﴿وَأَوْصَى بِهَا﴾ [البقرة: 132]، بالألِف بين الواوين، وفي سائر المصاحف ﴿وَوَصَّى﴾؛ لأنه لا يمكن الجمع بين القراءتين في مصحف واحد»[75].

 - وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [57]:

وَقَـٰــتَـلُواْ وَثُلَـٰــثَ مَعْ رُبَـٰــعَ كِتَــٰـ ** ــبَ اللهِ مَعْهُ‚ ضِعَـٰــفًا عَـٰــقَدَتْ حَصَرَا

قال الفاسي: «يريد: ﴿وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا﴾ [آل عمران: 195]، كُتب بغير ألِف؛ ليحتمل القراءتين، أو على قراءة مَن قرَأ بالقلب»[76].

تاسعًا: ذكر ما يحتمله الرسم من القراءات الشاذة، مع ذِكر مَن قرأ بها غالبًا:

من أمثلة ذلك:

- عند قول الإمام الشاطبي في البيت [69]:

ونافعٌ باطلٌ معًا وطائِرُهُم ** بالحذفِ معْ كلماتِه متَى ظَهَرا

قال المؤلف: «و﴿طَائِرُهُمْ﴾ [الأعراف: 131] حذف؛ للاختصار أيضًا، ولأنّ ثَمّ مَن يقرأ ﴿طَيْرُهُمْ﴾، وقد قرأ به الحسن ومجاهد وجماعة»[77].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [72]:

وَيَا وَرِيشًا بِخُلْفٍ بَعْدَهُ أَلِفٌ ** وَطَاءُ طَــٰٓــئِفٌ أيْضًا فَازْكُ مُخْتَبِرَا

قال الفاسي: «أي: كُتب في بعض المصاحف ﴿وَرِيَاشًا﴾ [الأعراف: 26]، بألِف بعد الياء، وهو قليل، وفي بعضها ﴿وَرِيْشًا﴾، بغير ألِف وهو الأكثر المشهور، ومَن كَتَبَ بالألِف فعلى قراءة من قرأ: ﴿وَرِيَاشًا﴾، قرأ به جماعة كالحسن، وعكرمة، وعليّ بن الحسين، وزيد بن عليّ، وجماعة، ويُروى أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يَقرأ بها، ولكن ما اشتهرت إلا القراءة بغير ألِف»[78].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [86]:

بِالْحَذْفِ طَــٰٓــئِرَه عَنْ نَافِعٍ، وَبِـ: أَوْ ** كِلَاهُمَا الْخُلْفُ وَالْيَا لَيْسَ فِيهِ تُرَى

قال الفاسي: «حَكَى أيضًا نافع حذف الألِف من قوله: ﴿طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ [الإسراء: 13]، وعِلّته احتمال القراءتين؛ لأنَّ ابنَ مسعود، وأُبيًّا، والحسن، وجماعة، قرؤوا بالحذف: ﴿طَيْرَهُ﴾»[79].

- وعند قول الإمام الشاطبي في البيت [119]:

خِتَــٰــمُهُ وَتُصَـٰـحِبْنِي كَبَـــٰٓـــئِـرَ قُلْ ** وَفِي عِبَــٰـدِي سُكَــٰــرَى نَافِعٌ كَثَرَا

قال الفاسي: «فعِلّة حذف ألِف ﴿خِتَامُهُ﴾ [المطففين: 26]؛ الاختصار، ولتحتمل قراءة مَن قرأ ﴿خَتْمُهُ﴾ بفتح الخاء وسكون التاء بغير ألِف، رُوِيَتْ عن أُبَيّ، وعروة بن الزبير، وغيرهما»[80].

الخاتمة:

وفيها أهم النتائج والتوصيات:

قمتُ بحمد الله -جلّ وعلا- في هذه المقالة بالحديث عن (شرح القصيدة الرائية الموسومة بـ: (عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد)، والذي نُسِبَ في أحد تحقيقاته إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن سليمان المعافري (ت: 672هـ)، ونُسِبَ في تحقيقَيْن آخرَيْن إلى الإمام محمد بن القفال الشاطبي (ت: بعد 628هـ)، حيث قمتُ في القسم الأول من المقالة ببيان خطأ المحقِّقِين في نسبتهم الشرح للإمام المعافري والإمام ابن القفال، وذلك من خلال مناقشة الأدلة التي ذكروها في دراستهم لنِسبة الشرح إلى المؤلِّف، وبيان ضعفها وعدم صحة الاستناد عليها في إثبات نِسبة الشرح للمؤلِّف، ثم ذكرتُ أنَّ المؤلِّف الصحيح للشرح هو الإمام المقرئ جمال الدين محمد بن الحسن بن محمد بن يوسف، المعروف بأبي عبد الله الفاسي، القيرواني، المغربي (ت: 656هـ)، وقمتُ بسرد الأدلة والبراهين التي تقطع بصحة ذلك.

وفي القسم الثاني تعرّضتُ لذِكْر الملامح المنهجية لهذا الشرح، والتي كان من أبرزها أنَّ الإمام الفاسي سَلك في شرحه هذا سهولة الأسلوب، والميل إلى الاختصار، والإيجاز غير المخلّ، كما اعتنى في شرحه بجانب اللغة، والإعراب، والبلاغة، وأكثر ما اهتمَّ به في شرحه هو توجيه ظواهر الرسم، وتفسيرها، وإظهار عِللها.

ويُوصِي الباحث بتصحيح نِسبة هذا الشرح في التحقيقات والدراسات السابقة، كما يُوصِي بعمل دراسات حول منهج الإمام الفاسي في شرحه، واستخراج آرائه وترجيحاته فيه.

والحمد لله ربّ العالمين، وصلى اللهُ وسلَّم على نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

[1] ينظر: الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي، علوم القرآن، علم رسم المصاحف، ص38.

[2] ينظر: خزانة التراث، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، برقم (55020)، (55/ 758).

[3] ينظر: معجم تاريخ التراث الإسلامي، برقم (8001)، (4/ 2996).

[4] ينظر: الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي، مخطوطات علوم القرآن، رسم المصاحف، ص35.

[5] شرح القصيدة الرائية، المعافري، ص49.

[6] كشف الظنون، حاجي خليفة (2/ 1159).

[7] شرح القصيدة الرائية الموسومة بـ: عقيلة أتراب القصائد للإمام محمد بن سليمان المعافري الشاطبي (ت: 672هـ)؛ دراسة وتحقيقًا، أطروحة دكتوراه للباحث حسن بن محمد خلف الجهني، في جامعة أمّ القرى، سنة 1434هـ/ 1435هـ، ص79.

[8] شرح القصيدة الرائية، المعافري، ص79.

[9] ينظر: المقتفي على كتاب الروضتين، البرزالي (1/ 303)، تاريخ الإسلام، الذهبي (50/ 106).   

[10] ينظر: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ابن تغري (6/ 253).

[11] ينظر: المقتفي على كتاب الروضتين، البرزالي (1/ 303).

[12] ينظر: الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (3/ 297).

[13] شرح القصيدة الرائية، المعافري، ص425.

[14] شرح عقيلة أتراب القصائد لابن القفال الشاطبي، الإمام أبي عبد الله محمد بن القفال الشاطبي تلميذ السخاوي كان حيًّا سنة (628هـ)، تح: فرغلي سيد عرباوي، مكتبة الشيخ فرغلي سيد عرباوي، القاهرة، ط1، 1432هـ= 2012م، ص110.

[15] معرفة القراء الكبار، الذهبي، ص390.

[16] تاريخ الإسلام، الذهبي (52/ ‏360).

[17] المقتفي على كتاب الروضتين، البرزالي (2/ ‏579).

[18] مقدمة حواشي الناشري على الشاطبية والعقيلة، (مخطوط) في مكتبة الملك عبد الله بن عبد العزيز، في جامعة أمّ القرى، برقم (72) مجموع، (6/ ظ).

[19] مجموع في القراءات، في مكتبة الملك عبد الله بن عبد العزيز في جامعة أمّ القرى، برقم (72)، (94/ و).

[20] مقدمة حواشي الناشري على الشاطبية والعقيلة (2/ ظ).

[21] جميلة أرباب المراصد، الجعبري (2/ 410- 411).

[22] حواشي الناشري على العقيلة (25/ و).

[23] ينظر ذلك في الصفحة (61/ ظ) من النسخة، وأمّا النقطة المثبتة فوق الدال في النسخة -في المواضع الثلاثة- فإثباتها متأخّر عن كتابة النسخة، يلاحظ ذلك كلّ من يطلع عليها. وكتبت بالدال كذلك في البيت في نسخة مكتبة شهيد باشا (40/ و)، ثم وقع عليها تعديل متأخر عن تاريخ النسخة.

[24] جميلة أرباب المراصد، الجعبري (2/ 411).

[25] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (34/ ظ).

[26] حواشي الناشري على العقيلة (1/ ظ).

[27] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (1/ ظ).

[28] حُرِّفت في النسخة الخطية إلى (المصنف).

[29] حواشي الناشري على العقيلة (4/ ظ).

[30] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (6/ ظ).

[31] حواشي الناشري على العقيلة (5/ ظ).

[32] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (8/ و).

[33] حواشي الناشري على العقيلة (6/ ظ).

[34] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (10/ و).

[35] حواشي الناشري على العقيلة (8/ و).

[36] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (12/ ظ).

[37] حواشي الناشري على العقيلة (8/ و).

[38] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (13/ و).

[39] حواشي الناشري على العقيلة (11/ ظ).

[40] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (18/ و).

[41] حواشي الناشري على العقيلة (11/ ظ).

[42] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (18/ ظ).

[43] حواشي الناشري على العقيلة (11/ ظ).

[44] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (18/ ظ).

[45] حواشي الناشري على العقيلة (12/ ظ).

[46] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (18/ ظ).

[47] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (1/ ظ) (نسخة مكتبة قاضي زاده).

[48] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (1/ ظ- 2/ و) (نسخة مكتبة قاضي زاده).

[49] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (1/ ظ- 2/ و).

[50] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (21/ و).

[51] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (22/ ظ).

[52] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (23/ ظ).

[53] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (1/ ظ- 2/ و).

[54] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (2/ ظ).

[55] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (16/ ظ).

[56] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (23/ و).

[57] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (2/ و).

[58] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (2/ و).

[59] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (32/ و).

[60] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (6/ ظ - 7/ و).

[61] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (8/ و).

[62] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (16/ و- 16/ ظ).

[63] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (23/ ظ).

[64] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (12/ ظ- 13/ و) (نسخة مكتبة قاضي زاده).

[65] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (10/ ظ- 11/ و).

[66] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (21/ ظ).

[67] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (23/ و).

[68] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (3/ ظ).

[69] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (4/ و).

[70] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (5/ ظ).

[71] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (19/ ظ).

[72] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (13/ و) (نسخة مكتبة قاضي زاده).

[73] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (13/ و) (نسخة مكتبة قاضي زاده).

[74] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (7/ ظ).

[75] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (8/ و).

[76] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (8/ و).

[77] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (9/ ظ).

[78] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (10/ و).

[79] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (12/ و).

[80] شرح الرائية في مرسوم الخط، الفاسي (16/ ظ).

الكاتب

الدكتور جمال نعمان ياسين

عضو هيئة التدريس في قسم علوم القرآن والدراسات الإسلامية بكلية الآداب - جامعة إب باليمن، وله عدد من المؤلفات والأعمال العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))