كلمة (قُل) في القرآن
كلمة (قُل) في القرآن[1]
مِن أعجب كلمات القرآن هذه الكلمة ذات الحرفين، أو هذا الأمر بالقول، الكثير الورود في القرآن، وأبرز عجائبه عندي أنْ يبطل في حرفين زَعْم مَن يزعم أنّ القرآن من كلام النبي صلوات الله عليه؛ لأنه يُظْهِر بوضوح أنّ القرآن كلامُ مَن وجَّه إلى النبيّ هذا الأمر المتكرر المطَّرد (قُلْ...):
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108].
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف: 110].
﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 188].
﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الأحقاف: 9].
﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [يونس: 16].
فلو تأملتَ هذه الآيات الكريمة، وهي قليلٌ من كثيرٍ مثلها في القرآن، وصرفتَ النظر عن إعجازها الدالّ على أنها ليست من قول البشر؛ لما وجدت شيئًا يحمي القارئ المؤمن من أن يسبق إلى نفسه أنها من كلام النبيّ إلا هذه الكلمة الكريمة ذات الحرفين، أو هذا الأمر (قُلْ...) في أول كلٍّ منها؛ لأنّ ضمير المتكلم في كلٍّ منها راجع إلى النبي صلوات الله عليه، فإن كان القارئ غير مؤمن وجد أمر (قُلْ...) هذا قائمًا حيال كلّ آية يوقظه وينبهه أنه يقرأ كلامًا لا يمكن أن يكون محمد قاله من عند نفسه ما دام مأمورًا بالقول هكذا في كلّ آية، أو على الأقلّ يجد غير المؤمن أن العقيدة التي تلقّاها ووقرت في نفسه من أن القرآن كلام محمد تريد أن تتقلقل وتتزعزع بكلمة (قُل...) هذه كلّما قرأها في مواطنها من الآيات، فكأنّ هذه الكلمة الكريمة تقوم حيال كلّ آية وردت فيها تذود الشكّ عن نفس المؤمن وتزعج نفس غير المؤمن أن تطمئنّ. كلّما أراد غير المؤمن أن يفهم أنّ محمدًا يقول: ﴿هَذِهِ سَبِيلِي﴾، ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾، ﴿لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا﴾، ﴿مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ أزعجته كلمة ﴿قُلْ﴾ عن هذا؛ كأنها تقول له في كلّ مرة: ليس هذا من كلام محمد، ليس هذا من كلام محمد، حتى ليجد نفسه مضطرًّا -إن كان يطيع داعي عقله- أن يتساءل: من الذي يقول لمحمد: قل... قل... قل... هكذا بهذا التكرار في تلك الآيات وأمثالها في القرآن؟
وعجيبة أخرى لتلك الكلمة الكريمة كلمة ﴿قُلْ...﴾ أنّ ذِكرها من رسولٍ في صلب الرسالة المأمور هو بتبليغها يخالف كلّ مألوف الناس، أو إن شئت يخالف إجماع الناس في كلّ لغة وفي كلّ عصر في الأدب أو في الخطاب.
واسأل نفسك: هل تعرف فيما قرأتَ أو سمعتَ أنّ أحدًا حين يُبلغ رسالة حُمِّلهَا إلى فرد أو جماعة يبلغها مصدرةً بقول: ﴿قُلْ﴾ أو ﴿بَلِّغْ﴾ أو ﴿نَبِّئْ﴾ أو أيّ صيغة أخرى من الصيغ التي يمكن أن تستعمل عند الأمر بالتبليغ أو الإخبار؟ طبعًا لا. فإنّ حامل الرسالة أو الخبر عند أدائه يجد نفسه بالطبيعة بين أمرين: إمّا أن يقتصر على الخبر أو الرسالة يلقيها بالنصّ أو بالمعنى من غير إشارة إلى مصدرها، وإمّا أن يخبر أيضًا عن المصدر بصيغة من صيغ الخبر التي جرى بها عرف اللغة في الخطاب. أمّا أن يعيد نفس كلام الآمِر عند الأمر حتى قول ﴿قُلْ﴾ و﴿نَبِّئْ﴾ فهذا يخالف كلّ ما جرى عليه البشر في الكلام.
ولقد رَوى ثقات المحدِّثين عدّة أحاديث للنبي -صلى الله عليه وسلم- بلَّغ فيها عن ربّه بصيغة الخبر التي يقضي بها عرف اللغة مثل حديث: (إنّ الله كَرِه لكم ثلاثًا: قِيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال). رواه البخاري ومسلم وغيرهما فيما ذكر المنذري.
ومثل الموعظة المشهورة له -صلى الله عليه وسلم-: (أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها: أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وأن أعفو عمّن ظلَمني، وأُعطِي مَن حرمني، وأَصِل مَن قطعني، وأن يكون صَمْتي فكرًا، ونُطْقِي ذِكرًا، ونَظري عِبَرًا).
فها هو ذا النبي يبلغ عن ربه كما أَلِف الناسُ، ليس في الكلام (قُلْ) ولا (نَبِّئْ) ولا (أَنذِرْ)، ولا ما شابهها من الكلمات. أفليست كلمة ﴿قُلْ﴾، ﴿نَبِّئْ﴾، ﴿أَنذِرْ﴾ وما ماثلها في القرآن الكريم منفردة ومجتمعة، شاهدًا واضحًا ومذكِّرًا ناطقًا على أن القرآن ليس بكلام محمد صلوات الله عليه، وإلا لَاتّبعَ محمدٌ الفصيحُ البليغ طريقةَ البشر في التبليغ، ولَمَا خالف عُرْف الخطاب عند الناس أجمعين على اختلاف الألسنة واختلاف الألوان؟
وعجيبة أخرى لهذه الكلمة المباركة كلمة ﴿قُلْ﴾ أنها وأمثالها تدلّ دلالة واضحة على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أُمر بتبليغ الرسالة القرآنية أُمِر أيضًا بألَّا يغيّر منها حرفًا، ومُنع من أن يتصرّف فيها أيَّ تصرف، ولو كان ذلك في الصيغة، ولو كان ذلك بإسقاط كلمة ﴿قُلْ﴾ مع أداء مَقُول القول بالحرف دون أدنى تغيير. أليس من عجيب الحكمة وعظيم الرحمة أنْ أُثبت هذا الحرفُ وأمثاله في القرآن رمزًا للرسالة وشهادةً بها، وليدلّ الناس في إيجاز وصراحة على أنّ القرآن ليس من عند محمد، وأنّ محمدًا تلقّاه مِن عالَـم الغيب ونقَلَه إلى عالَـم الشهادة بكلّ لفظ فيه وكلّ حرف؟! فكلّ لفظ فيه وكلّ حرف هو من عند مَن أوحى القرآن إلى رسوله ليبلغه بنصِّه وفصِّه للناس:
﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [ص: 86- 87].
﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ * قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ: 47- 50].
ماذا يا ترى يمنع القارئ الذي لا يفقه إعجاز القرآن أن يقول في نفسه: إن هذا كلام يرجع إليه ضمير المتكلم إلا كلمة ﴿قُلْ﴾ هذه، تقوم في أول كلّ آية كالحارس القائم بسلاحه على مستودع ذخيرة جيش، أو كالدريئة القائمة دون صدر جندي من جنود الله؟
والآيات الأخيرة في القوس الأخير آيات متتالية من سورة سبأ، فأعِد قراءتها الآن ماذا تجد وقعها في نفسك؟ ثم اقرأها مرة أخرى من غير كلمة ﴿قُلْ﴾ في أول كلٍّ منها، ماذا تجد الآن؟ أرأيت الفرق بين الآيات الكريمة كما أنزلها الله، وبينها نفسها بعد حذف هذه الكلمة المتكرّرة فيها، والتي قد يظنّ الملحد والجاحد أن لا لزوم لها في الكلام؟ فهذه عجيبة أخرى وسرّ آخر من أسرار هذه الكلمة الكريمة، كلمة ﴿قُلْ﴾ التي تميَّز القرآن وتفرّد بكثرة ورودها فيه من بين جميع الكتب المنزلة على الأنبياء.
وفي القرآن آيات قليلة جدًّا لعلّها لا تتجاوز الاثنتين، فيها ضمير المتكلِّم راجع إلى النبيّ صلوات الله عليه، لكنها لم تصدر بهذا الأمر الكريم، أمر ﴿قُلْ﴾ كمثلها من الآيات. لكن شاءت رحمة الله وحكمته أن يحيطها بما يذود خاطر السوء عن قلب القارئ، ذود اليقين، مثل آية آخر سورة النمل: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ [النمل: 91- 92].
ألَا ترى إلى كلمة ﴿قُلْ﴾ في آخر الآية الثانية كيف صححت موقف العقل من الآيتين جميعًا، وسدّت عليه باب احتمال أن تكون الآيتان من كلام النبي التي أُدرجتا في القرآن؟ إنّ له وقعًا بلاغيًّا عظيمًا، ففرّق بين الآيتين الكريمتين كما أنزلتا وبينهما يحذف كلمة ﴿قُلْ﴾ من ثانيتهما مع إثبات الفاء طبعًا، لكن هذا الفرق لا يبلغ مبلغه في حالة الآيات الكريمة التي سبق الاستشهاد بها من آخر سورة سبأ. فهناك يتفكّك الكلام ويذهب عنه كثير من الروعة، وهنا لا يدرك تفككه وإن ذهب عنه من الروعة والجلال ما ركز في كلمة ﴿قُلْ...﴾ هذه. لكن بقطع النظر عن هذا لا تتغير الرسالة الكريمة المودعة في الآيتين بحذف ﴿قُلْ...﴾ من ثانيتهما، وإنما ينفتح للشيطان باب الوسوسة إلى الإنسان، وأقلّ ما يوسوس به أن هذا كلام للنبيّ اندرج في القرآن ليزلزل بذلك من القارئ المؤمن اعتقاده أن القرآن كلام الله كلّه، ليس لمخلوق منه حرف، نبيّ أو غير نبيّ، وسيلجأ المؤمن طبعًا إذ ذاك إلى خاصة الإعجاز يدرأ بها الوسوسة من نفسه، ولكن كم في الناس من أوتي من البصر ما يستطيع به إدراك إعجاز الآيات سهل على الشيطان أن يشكّك في الإعجاز اللغوي لآية أو آيتين، لكن من الصعب حتى على الشيطان أن يطمس الدلالة العقلية لكلمة ﴿قُلْ﴾ في آخر الآية الثانية: أنّ الآيتين كلتيهما ليستَا من كلام النبي، وأنهما لا يمكن أن تكونَا من كلام النبي بوجه من الوجوه.
الحقّ أن وجود كلمة ﴿قُلْ﴾ و﴿أَنذِرْ﴾ و﴿نَبِّئْ﴾ وأمثالها في القرآن لا يمكن أن يستقيم في عقل مع الفرض الذي يلبس به الشيطان على الملحدين والجاحدين أنّ القرآن من كلام محمد بن عبد الله. فكلّ منها كافٍ لزعزعة هذا الفرض في نفس مفترِضِه إذا اقترن بشيء من الإخلاص، وكلّها كافٍ لاقتلاعه من أساسه وإبطاله كلّ الإبطال عند طلاب الحقّ من مفكِّري غير المؤمنين، وتكون الخطوة التالية لهم إذا تابعوا التفكير أن يتساءلوا من هو ذلك الذي وجّهَ إلى محمد هذا الأمر بالقول أو الإنذار أو الإنباء ما دام قد وضح أن القرآن هو نصّ كلام ذلك الآمر؟ إذ لا يمكن في طبيعة التفاهم اللغوي الإنساني أن يكون هو كلام محمد المأمور المشهود له بالإخلاص حتى عند هؤلاء.
وقد سهّل اللهُ لِمَن يتّجه هذا الاتجاه ويبلغ هذه المرحلة من التساؤل أن يصل إلى الحقّ بالدلائل العقلية الأخرى التي أودعها الله سبحانه واضحة جلية في القرآن ومن غير الممكن الآن أن نوضح إلَّا بابًا منها ببعض الأمثال.
خذ إليك الآيات الكريمة الآتية:
﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ﴾ [إبراهيم: 31].
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ﴾ [الحجر: 49- 50].
﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: 95].
فهذه آيات كريمة حَوت هذا الأمر الكريم ﴿قُلْ﴾ و﴿نَبِّئْ﴾، ولكنها حَوت أيضًا ما يدلّ دلالة قاطعة على أنّ الآمِر لمحمد صلوات الله عليه، لا يمكن أن يكون أحدًا من الخلق لأنّ ضمير المتكلم فيها لا يمكن أن يكون راجعًا إلّا إلى الله رب العباد ورازقهم وربّ الخلق أجمعين.
ويلاحظ أنّ رجوع ضمير المتكلِّم إلى الحقّ سبحانه لا يكفي وحده دليلًا على قرآنية الكلام، فهناك أحاديث شريفة رواها ثقات المحدِّثين فيها ضمير المتكلّم راجع إلى الله سبحانه، وسَمَّوْها من أجل ذلك أحاديث قدسية، تمييزًا لها، ولكن لم يقل أحد إنها من القرآن.
خذ إليك منها:
عن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (قال الله: يا ابن آدم، إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي) رواه الترمذي.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قال الله -عز وجل-: كلّ عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به) الحديث. رواه البخاري ومسلم.
عن أبي ذرّ -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يقول الله -عز وجل-: يا بني آدم، كُلّكُم مذنبٌ إلا من عافيتُ فاستغفروني أَغفِر لكم، وكلّكم فقير إلا من أَغنيتُ فاسألوني أُعطِكُم، وكلكم ضالّ إلا من هَدَيتُ فاسألوني الهدى أَهدِكُم) رواه مسلم.
فهذه أحاديث شريفة فيها ضمير المتكلّم راجع إلى الحقّ سبحانه، وليست بقرآن. والفرق بينها وبين الآيات الكريمة المستشهد بها أخيرًا هو -بعد فرق الإعجاز- صيغة الأمر ﴿قُلْ...﴾ في الآيات، وصيغة الخبر «قال الله» و«يقول الله -عز وجل-»؛ في الأحاديث.
هذه دلالة لفظ واحد من ألفاظ القرآن على حقيقة القرآن، والقرآن كلّه بعد ذلك دلائل على أنه من عند الله لا من عند أحد من خلقه. ولقد يسّر اللهُ القرآنَ للذِّكر لو يذَّكّر الإنسان.
[1] نُشرت هذه المقالة في مجلة «الهدي النبوي»، المجلد 15، العدد 2، صفر 1370هـ. (موقع تفسير).