ترجمة القرآن
بحث تاريخي ثيولوجي

المترجم : يحيى بن قديم
يتناول هذا المقال مسألة ترجمة القرآن من وجهة نظر تاريخية ثيولوجية، حيث فحَصَ العواملَ ‏التاريخية التي كانت وراء إنجاز ترجمات للقرآن، وتعرّض لمسألة الإجماع العقدي حول تحريم ترجمة القرآن لعدم قابلية مضاهاة أسلوبه، مع مناقشة هذه الإشكالية في ضوء الحاجة ‏الراهنة لفهم رسالة القرآن.

مدخل[1]:

  تُعتبرُ قضيّةُ ترجمة القرآن من أكثر القضايا إثارةً للجدلِ في العقيدة والفقه الإسلاميَّيْنِ. وقد ظهرتْ -إثْرَ ذلك- مُفارقةٌ غريبةٌ يتمثّلُ وجهُها الأوّلُ في انتشارِ القُرآن على نِطاقٍ واسِعٍ بلُغاتٍ مُتعدّدةٍ في مقابِلِ وجهِها الثاني المتمثّلِ في الفتاوى الصّادرةِ عن كبارِ عُلماءِ الإسلامِ الذينَ يُحرّمون ترجمةَ القرآن. ولفهمِ مسألة عدمِ تجويز ترجمة القرآن والحُكْمِ باستحالةِ ذلك يجبُ أن نُزيلَ الغموضَ واللَّبس عن هذا التعارضِ.

 نسعى في هذا المقالِ إلى إمعان النظرِ في هذا التعارضِ الظاهرِ وهو ما سيثيرُ جملةً من الإشكالات بخصوص هذه المسألةِ تتعلّقُ في الواقعِ بمستوياتٍ ثلاثة؛ أولًا: كيف نشأ الاهتمامُ بترجمة القرآن من الناحية التاريخيّةِ لدى المسلمين وغير المسلمين مثلَ أهل الكتاب؟ ما العواملُ التي أدّت إلى ظهورِ أُولى ترجماتِ القرآن؟ وما اللُّغاتُ الغربيّةُ والأوروبيّةُ التي تُرجِمَ إليها القرآن خاصّةً في المراحلِ الأولى من ترجمتِهِ؟ ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، كيفَ كانَ تعريفُ عمليّة ترجمة القرآن عندَ علماءِ العقيدةِ المُسلمين؟ وفيمَ تمثّلَتْ وجهاتُ النظر العقديّةِ التي ترى أنّ هذه القضيّةَ قضيّة جدليّة؟ وأخيرًا، إلى أيّ مدى مثّلَ الإجماعُ السّنيّ في شِقَّيْه الفقهيِّ والعقَديِّ عائقًا يحولُ دونَ ترجمة القرآن؟ كيفَ نُفسّرُ الحركيّةَ اللّافتَةَ للنظرِ لترجماتِ القرآن اليومَ رغمَ ما يحيطُ بها من فتاوى تنصُّ على المنعِ والتحريم؟

ترجمةُ القرآن؛ نظرةٌ تاريخيّةٌ عامّة:

إنّ تقلّص نشاط الترجمةِ في المرحلةِ الأخيرةِ من العهد العبّاسيِّ لمْ يكن يعني انتهاء حركة الترجمة عندَ العرب. بل إنّ نشاطَ الترجمةِ قد انفتحَ على سُبلٍ جديدةٍ صارت بواسطتها عمليّةُ الترجمة من العربيّة إلى اللُّغاتِ الأخرى أكثرَ انتشارًا[2]. فمن الواضحِ أنّ نشاط الترجمة لدى العرب قد اتّخذَ مسارًا دائريًّا؛ فقد بدأ العربُ بتركيزِ كاملِ اهتمامِهم على نقلِ الأعمال الفلسفيّة والعلميّة اليونانيّةِ وكتُبِ الفرسِ والهنودِ وإنْ بقدرٍ أقلَّ. وفي مرحلةٍ لاحقةٍ، سيتغيّرُ هذا الاهتمام كليًّا خاصّة في بلاد الأندلس حين استجدّتْ على السّاحةِ ظروفٌ وحاجاتٌ ومجموعاتٌ مستهدفةٌ مُغايِرةٌ. فقد انطلقَتْ في القرن الثانيَ عشرَ حركةُ ترجمة ارتداديّة تُرجمت فيها المُصنّفاتُ الإسلاميّةُ والفلسفيّةُ والعلميّةُ إلى اللُّغتَيْنِ اللّاتينيّة والإسبانيّة.

وقد بدا العنصُرُ الدينيُّ حاضرًا بوضوحٍ منذُ أن مثّلت سلطةُ البابا عامِلًا مُهِمًّا في هذه النقلة على مستوى حركة الترجمة. ويعزو الكاتبُ حسن البحراوي هذا الحضورَ إلى عاملَيْن رئيسَيْن؛ فمن ناحيةٍ أولى: عيّنَت الكنيسة رايموند بيشوب (Raymond bishop) واليًا على مدينة توليدو حيثُ كوّنَ فريقَ ترجمةٍ من المسيحيّينَ والعربِ واليهودِ لترجمة الكتب الفلسفية من العربيّة إلى اللّاتينيّةِ[3]. ومن ناحيةٍ أخرى: اضطلعَ ملكُ قشتالة ألفونسو العاشر (Alfonso X) (1252- 1284) بدورٍ حاسمٍ في التاريخ الثقافيِّ لإسبانيا[4]. وتكمنُ أهميّةُ مُبادَرَتِهِ في حقل الترجمةِ في شيئين اثنين؛ أوّلًا: يُعتبرُ ألفونسو العاشر أوّلَ من انتقلَ من ترجمةِ الكتب العلميّةِ ذات الطابع العمليّ النفعيّ إلى ترجمة الأعمال الأدبيّة التخييليّة. فقد أمرَ على سبيل المثال بترجمة كتاب (كليلة ودمنة) إلى الإسبانيّةِ، ومن جانبٍ ثانٍ، استعملَ اللّغةَ القشتاليَّةَ بدلًا من اللّاتينيّةِ[5]. ومن الجدير بالذِّكرِ أن نُنبِّهَ إلى أنَّ الغايةَ الدينيّة كانت هي الحاضرة في هاتَيْن الحالتَيْن، فقد كانت الكنيسةُ تبذل قصارى جهدها لاستعادة الأعمال اليونانية التي كانت في حوزة المسلمين آنذاك؛ قصْدَ إتاحتِها للكنيسةِ وللنطاقِ الأوروبيِّ[6]. فضلًا عن ذلكَ، لم تقتصر مبادرة ألفونسو العاشر في الترجمة على الكتب الفلكيّة والعلميّة وكتب التسليةِ الأدبيّة بل اشتملت كذلكَ على بعض النصوص الدينيّة مثلَ قصّة الإسراء والمعراج[7]، وقد ذُكِرَتْ هذه الحادثةُ في القرآن: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[8]. وبشكلٍ عامٍّ،كانت هذه وضعيّة الترجمة ببلادِ الأندلس. فكيف كانت وضعيّةُ ترجمة القرآنِ التي بدأت في القرن الحادي عشرَ للميلادِ كما تشيرُ أغلبُ المصادِرِ؟ كيف برزَ الاهتمامُ بترجمة القرآن تاريخيًّا على يدِ المسلمين وغيرِ المُسلمينَ؟ وما العواملُ التي أدّتْ إلى إنشاءِ أُولى ترجماتِ القرآنِ الجزئيّةِ والكامِلة؟

فهمُ القرآنِ عامِل رئيس لعمليّة الترجمة:

إلى حدودِ مجيء السلجوقيّينَ في القرنِ الحادي عشرَ والعثمانيّينَ في القرنِ الرابعَ عشرَ وإلى حدودِ إنشاءِ مدرسةِ توليدو للترجمة، لم تُثَر قضيّةُ ترجمة القرآنِ، وتشيرُ بعض المصادرِ إلى بعض الفِقَرِ المترجمة من القرآنِ إلى لُغاتٍ أخرى من قبيلِ ترجمةِ سورةِ الفاتِحةِ على يد الصحابيّ سلمان الفارسيِّ (568- 657) إلى اللّسان الفارسيِّ حتى يُمكِّنَ جماعةً من قبيلتهِ من تلاوتها في الصلاةِ[9]. وقد ترجمَ بعضُ القساوسةِ السّريان آياتٍ قرآنيّةً مختلفةً في فترة الخليفةِ الأمويّ هشام بن عبد الملك (671- 743). ويمكنُ التوصّل إلى مجموعةٍ من المخطوطاتِ السّريانيّةِ الموجودةِ بمكتبةِ مانشستر وبالمتحف البريطانيِّ في لندن[10]. وإضافةً إلى ذلك، ترجمَ المسيحيّونَ في القرونِ الوُسطى آياتٍ قرآنيّةً مُتنوِّعة، ومِن أبرزِ هؤلاء المترجمين الثّيولوجيّ المالطيّ يعقوب بن الصّليبي (ت:1171) الذي ترجم القرآن إلى السريانيّةِ خلال القرن الثاني عشر[11]، وكذلكَ اليهودُ على غرارِ الفيلسوف سعيد بن يوسف الفيّومي (892- 942)، والشاعر سلمان بن جبريول (1120- 1158)[12].

إنّ هذا يؤكّدُ أنّ هذه الترجماتِ الجزئيّةَ للقرآنِ قد اضطلع بها المسلمون وغير المسلمينَ على حدّ سواء؛ فلئن كان سلمان الفارسيّ قد ترجم سورةَ الفاتحة بهدفِ تيسيرِ الصلاة على من اعتنق الإسلام من الفرسِ ممّن كانوا عاجزين عن التكلّم باللغة العربيّةِ وحفظ الآيات القرآنيّة القصيرةِ، فإنَّ المترجمينَ المسيحيّينَ واليهودَ قد ترجموا أجزاء من القرآن إلى السّريانيّةِ والعبريّة بغايةِ الدفاعِ عن عقائدهم الخاصّةِ. فقد توسّلوا هذه الآيات القرآنيّةِ لإقامة الحججِ في الجدالات اللّاهوتيّة والمُناقشات ذات الطابع الدفاعيّ ضدّ المسلمينَ. إلّا أنّه في كلتا الحالتَيْن، كانَ فهمُ القرآنِ في المقامِ الأوّلِ الدافعَ إلى الترجمةِ ولكنَّ الغايةَ تختلفُ من طرفٍ إلى آخرَ. فبالنّسبةِ للمُسلمينَ كانَ الهدفُ قبلَ كلّ شيءٍ فهْمَ الدّينِ وأداءَ الصّلواتِ المُكلَّفِينَ بأدائِها وإقامةَ الفرائضِ الدينيّةِ. في المقابلِ، انصبَّ اهتمامُ غيرِ المسلمين على المُناقشات والجدالات الدينيّةِ.

لم تَظهرْ أُولى الترجمات الكاملة للقرآن إلّا بعدَ القرن الثامنِ وهي ترجمةُ ابن الحاج الشيرازي القرآنَ إلى الأورغوازية "Argosian"وهي لهجةٌ تركيّة قديمةٌ. ويدّعي بعضُهم أنّ أوّلَ ترجمةٍ تُركيّةٍ للقرآنِ يُؤرّخُ لها منذُ القرن العاشرِ وتحتوي على ألفَيْن وخمسمائة كلمةٍ عدا عشرَ كلماتٍ باللّغةِ العربيّةِ والفارسيّةِ[13].

يُؤكّدُ أبو ليلى وجودَ عددٍ من مخطوطات الترجمات الفارسيّة للقرآن منذُ القرن الحادي عشرَ. ويتأسّس ذلكَ على المُعطياتِ التي وفّرها لنا المستشرق الهولندي رينهارت دوزي Reinhart Dozzy (1820- 1883) الذي وَضَع قائمةً خاصّةً لأربعٍ وسبعينَ ترجمةً فارسيّةً للقرآن وثماني ترجماتٍ مختلفة وترجماتٍ أخرى فارسيّة وهنديّة متنوِّعة لمترجِمين مجهولين[14]. وقد اقتبسَ محمّد حميد اللّه في مقدّمةِ ترجمته الفرنسيّة للقرآن موقفَ المستشرق الإيطاليِّ إيغنازيو غيدي Ignazio Guidi (1844- 1935) القائلِ إنّ القرآن قد تُرجِمَ إلى اللّسان الأمازيغي خلال القرن الثامنِ. وذكرَ أيضًا أنّ القرآن قد تُرجم كامِلًا إلى اللّغةِ الهنديّةِ خلال القرن التاسع[15].ولكنّ أبا ليلى يشكّ بشأن وجودِ هذه الترجماتِ المُبكّرةِ نظرًا لقلّةِ المُعطياتِ الملموسةِ التي من شأنها أن تدعمَ هذه الحقيقة[16].

وقد ارتبطت الترجمة الأمازيغيّةُ للقرآن بالسُّلالة الحاكمة لإمارةِ بورغواطة في بلاد المغرب (المغرب الأقصى) بين القرن الثامن والقرن الحادي عشرَ. فقد كانَ صالح بن طريف أحدَ أبرز أُمراء هذه السّلالةِ الحاكِمةِ (حكمَ إلى حدودِ 746 للهجرة) وكانَ مُطّلعًا على علم الفلكِ فاتّبعَ الحركة الصُّفريّة الخارجيّة، ثمّ أسّسَ دِينًا جديدًا وكتبَ ثمانينَ سورة قرآنيّةً جديدةً وادّعى النّبوّةَ والمهدويّةَ، وقد كانت هذه صورتهُ في أغلبِ كُتبِ التاريخِ؛ يقولُ رينهارت دوزي بخصوص هذه المسألة: «كانَ قرآنُ صالح، الذي كُتِبَ باللّسان الأمازيغيِّ، مُكوّنًا من ثمانينَ سورةً أو فصلًا تحملُ في الغالبِ اسمَ نبيٍّ. فقد كانَ الفصل الأوّلُ معنونًا بيعقوب، أمّا الفصلُ الأخيرُ فقد كان عنوانه يونس»[17]. وقد تعمّقَ محمّد إسماعيل عبد الرزّاق في تحقيقِ هذه المسألةِ واستنتجَ أنَّ «ما يُكتبُ عن قرآن بورغواطة ليسَ موجودًا وهو ليسَ إلّا ترجمةً للقرآنِ إلى اللسان الأمازيغيِّ. ففي ذلكَ العهد، كانت ترجمةُ القرآن أمرًا ضروريًّا باعتبارِ أنَّ أمازيغَ منطقةِ تمسنة لم يُعرَّبُوا بشكلٍ كاملٍ إلى حينِ عهدِ المُوحّدينَ»[18]. وقد تناولتُ في كتابي (الإسلامُ والأمازيغيّة) هذه القضيّة الجدليّة في تاريخِ المغرب بناءً على نقاطٍ مركزيّةٍ متنوّعةٍ وعلى نظريّاتٍ بما فيها نظريّاتُ ابنِ خلدون ومحمّد إسماعيل عبد الرزّاق[19].

إنّ هذا يُبيّنُ أنَّ ترجماتِ القرآنِ التي أنجزها المُسلمون نشأت منذُ قرونٍ بهدفِ تلبيةِ الحاجات الدينيّةِ للأجيالِ المسلمةِ حديثةِ العهدِ بالإسلامِ خاصّة الذين هم خارج الجزيرة العربيّة ويعيشون في بلاد فارس وتركيا والهند وشمال أفريقيا وغيرها. وبطريقةٍ أخرى، إنَّ الحاجة المُلحّةَ لفهم العقيدة الإسلاميّة الجديدة وممارسة الشعائر المتعلّقة بها كان السببَ الرئيسَ لإنجازِ هذه الترجماتِ المبكّرة للقرآنِ سواءٌ منها الكاملة أو الجُزئيّة. وفي مقابل ذلك، كان دافعُ الخصومِ المسيحيّينَ واليهودِ مختلفًا تمامًا؛ فقد ترجموا القرآن إلى لُغاتِهم إمّا بغايةِ الدفاعِ عن عقائدهم الإيمانيّة أو لانتقادِ الإسلامِ والتشكيكِ في آياتٍ مختلفةٍ من القرآن.

ترجمةُ القرآن والجدالاتُ الثيولوجيّةُ:

خلال العصر العباسيّ، اضطلعت ترجماتُ الأعمال الفلسفية والمنطقيّة اليونانيّة بدورٍ حاسمٍ في المُناظراتِ الكلاميّة الجدليّة، إمّا داخلَ النطاق الإسلاميّ بين الفِرَقِ والمدارسِ الإسلاميّةِ أو خارِجهُ بينَ المُسلمينَ وأصحابِ الدياناتِ الأخرى وخاصّةً منهم أهل الكتاب[20]. وقد تواصلت هذه المجادلاتُ الثيولوجيّةُ إلى حدود اليوم جاعلةً القرآن دائمًا قطب رحاها؛ إِذْ طالـما كان فهم كلمات الله أمرًا ذا أهميّةٍ بالنّسبةِ للخصومِ المسيحيّينَ واليهودِ حتى يتمكّنوا من المنافحةِ عن عقيدتهم ضدّ المسلمين أوّلًا ومُعارضة الإسلامِ والقرآنِ ثانيًا. وهكذا كان حالُ أُولى الترجمات الجزئيّة أو الكاملةِ للقرآن التي أنجزها الثيولوجيّونَ غير المسلمين والمترجمونَ.

إنّ أوّل ترجمةٍ للقرآن في السياق الأوروبيّ كانت إلى اللّاتينيّةِ، ومن المعلومِ أنّ تاريخَها يعودُ إلى سنةِ 1143م وقد اقترنت باسم الفلكيّ والمترجمِ الإنجليزيّ روبرت الكيتوني (Rodbertus Ketenensis)(1110- 1160).شرعت الكنيسةُ في مشروع الترجمةِ هذا تحتَ إشرافِ القسِّ الفرنسيِّ بطرس المُكرّم (Petrus Venerabilis(1092-1156) وبمساعدةِ فريقٍ من المترجمينَ يتكون من روبرت الكيتوني (Rodbertus Ketenensis)، وهرمان الدُّولماطي (Hermann le Dalmate)، وروبار دو كاستر (Robert de Chester)، وعالمٍ مُسلمٍ يُدعى محمّدًا. كانَ الهدفُ من وراء هذه الترجمة أن تُعرض على الأمر الكلوني «The orderofCluny» قصدَ مُحاربةِ الإسلام[21]. ذكرَ جون بول (Juyn boll) في أطروحته[22] عن الفاعلين العرب في القرن السابع عشرَ في هولندا أنّ: «عبد اللّه، المعروف باسمه المسيحيّ الأكثرَ رواجًا يوحنّا أندرياس (Johannes Andreas) كتبَ بيانًا (رافضًا للطائفة المُحمّدية بإسبانيا) (1487) وكتابًا مُقدّسًا كان يحظى بتقديرٍ كبيرٍ في أوروبا الغربيّة وقد تُرجمَ إلى اللّاتينيّة وإلى لُغاتٍ أخرى خلالَ القرنينِ السادسَ عشرَ والسابعَ وعشرَ. فضلًا عن ذلكَ، ترجمَ هذا القسُّ القرآنَ من العربيّةِ إلى اللّهجةِ الأراغونيّة. ولكنّ هذا العملَ قد فُقِدَ تمامًا مثلَ الترجمة اللاتينية للقرآن التي أنجزها الراهب الدومينيكي ريكولدوس دو مونت كريسيس Ricoldus de Monte Crucis)[23]). وقد تعاقبت ترجماتٌ لاتينيّة متنوّعةٌ للقرآن بعد ذلكَ، بما في ذلك ترجمةُ المستشرق الألماني أبراهام هنكلمان (Abraham Hinckelman)(1652-1695) وترجمة المستشرق الإيطالي لويس مراكي Louis Maracci) (1612- 1700)[24])ولكنّ تواريخ هذه الترجماتِ في هذا المرجع[25] ليست صحيحةً. فقد ذكر الزرقاني أنّ ترجمة هنكلمان قد نُشرت سنة 1594، في حين أنّ هذا المستشرقَ عاش بين سنة 1652 و1695. وذكرَ الزرقاني أيضًا أنّ ترجمةَ لويس مراكي كانت سنة 1589، في حين أنّ هذا المستشرق عاش بين سَنَتَيْ 1612 و1700!

ستشكّلُ الترجمة اللاتينية للقرآن قاعدةً يستندُ إليها المترجمون اللّاحقونَ لهذا الكتابِ إلى كافّة اللّغاتِ الأوروبيّةِ، ولذلكَ ظهرت مئاتُ ترجمات القرآن في أوروبا منذُ القرن الثاني عشَرَ، وقد ضمّت الترجماتُ المشتركةُ كُلًّا من الترجمة الإيطاليّة لأندريا أريفابني Andrea Arrivabene) (1547)) والترجمة الألمانيّة لسالومون شويجر (1616) (Salomon Schweigge) والترجمة الفرنسيّة لأندري دي ريار Andre du Ryer(1647)) والترجمة الإنجليزية لألكسندر روس (Alexander Ross) (1648) وترجمة جورج سايل George Sale) (1734)) التي اعتُبِرَتْ أوّل ترجمةٍ للقرآنِ من اللّسان العربيّ بشكلٍ مباشرٍ. ومن الجديرِ بالذِّكر أيضًا الترجمةُ الهولنديّة لجان هندريك كلازمارك Jan Hendrik Glazemaker) (1657))، والترجمةُ الروسيّة لفيركيوفكين M.I. Veryovkin) (1790))، والترجمةُ الإسبانيّة لجوزي غاربي دو روبلي (JoseGarber de Robles)(1844)، وآخرونَ كثيرونَ. واعتمادًا على قائمة مصادر الترجمات القرآنيّة لمركز ترجمة القرآن، نلاحظُ وجودَ العديد من عناوين ترجماتٍ حديثة وقديمة للقرآن بلُغاتٍ مختلفةٍ: الأرديّة (171)، والفارسيّة (57)، والتركية (50)، والإنجليزيّة (41)، والبنغاليّة (33)، والألمانيّة (22)، والإندونيسيّة والماليزيّة واليابانيّة (19 مُجتمعةً)، والفرنسيّة (17)، والبانجابيّة (14)، والسّنديّة والإسبانيّة (13 مُجتمعةً)، والبشتويّة (11)[26].

وكما ذُكِرَ سابِقًا، كانت أُولى الترجمات اللّاتينية والأوروبيّة للقرآن خاضعةً لِسياقِ المُناظراتِ الجدليّة بين المسلمين والمسيحيّينَ. وقد كانَت غايةُ أغلبِ ترجماتِ القرون الوسطى الدفاعَ عن المسيحيّة ضدّ الإسلام، فكان التشجيعُ على الترجمةِ طلبًا لهذه الغايةِ، ولكنَّ النصوصَ العربيّةَ كانت تتعرّضُ للتشويهِ والتلاعُبِ بحقائِقها[27]. وقد أصبحَ واضحًا أنّ إنشاءَ مشروع ترجمة باتريس (Petrus) كانَ بهدفِ «إدانةِ هرطقةِ الشريعة الإسلاميّةِ ومُحاربتها»[28].

إنَّ الشيءَ نفسَه ينطبقُ على الترجماتِ اليهوديّة للقرآن في القرون الوُسطى، فقد ذكرَ شهلان أنّ اليهودَ الذين أقاموا بالعالم العربي لم يكونوا مُضطرّينَ إلى ترجمةِ القرآن في ذلك الزمن لأنهم كانوا قادرينَ على فهم العربيّة دون أيّ مُشكلٍ. والذين ترجموا القرآن، إلى العبريّة أوّلًا، لم يكن لهم أيّةُ درايةٍ بالقرآنِ ولا بلُغتِهِ ولا بمضمونِهِ. فقد اكتفَوْا بِتوظيفِ المُعجمِ في فهم المعنى الحرفيِّ لكلماتٍ مُختلفةٍ فَكانت مُحاولاتُهم في الترجمةِ متّسمةً بالأخطاءِ والتحريفاتِ[29]. مثّلَت الترجماتُ الجزئيّةُ والكاملةُ للقرآن إلى العبريّةِ؛ مِثلَ ترجمة يعقوب بن إسرائيل هاليفي (Jacob ben Israël Ha-Levi)  للقرآن سنةَ 1614 وترجمة هيرمان ركندورف  (Hermann Reckendorf)سنة 1875 وترجمة يوسف جويل ريفلين (Joseph Joel Rivlin)سنة 1936[30] =جُزءًا من الجدالات الدينيّة بين المُسلمينَ وأهل الكتابِ؛ إِذْ لا يمكنُ إنكارُ التأثيرِ الكتابيِّ في هذه المسألة خاصّةً إذا أخذنا بعين الاعتبارِ استخدامَ أسلوبِ الكتابِ المُقدّسِ ولغةَ العهد القديمِ. وبالإضافة إلى ما سبقَ، تُؤكّدُ هذه الترجماتُ غالبًا على حقيقةِ أنّ القرآن كان مُتأثّرًا بالتوراةِ ويسعى كلّ مُترجمٍ إلى نسبةِ القرآن إلى أصولٍ كتابيّةٍ[31].

نخلُصُ إلى أنّ ترجمة القرآن إلى اللّغاتِ الأوروبيّة كانت في البدايةِ على يدِ لاهوتيّينَ ورجال دينٍ مسيحيّينَ ويهود لدوافعَ جداليّةٍ تبشيريّة. وبفضلِ تطوّرِ العلاقةِ بينَ المسلمين والمسيحيّينَ واكتشافِ مصادرِ المعرفة الإسلاميّةِ فضلًا عن نقلِ العلومِ وحركة التنويرِ، أخذت ترجمةُ القرآنِ مساراتٍ جديدةً فابتعدَ بعضُ المترجمينَ عن الخصوماتِ الثيولوجيّةِ[32]. وقد انطلقت بإسبانيا مرحلةٌ جديدةٌ في تاريخِ الترجمةِ، خاصّةً حينَ قرّر الملك ألفونسو العاشر إيقافَ الترجمةِ من العربيّة إلى اللّاتينيّةِ، وهي اللغة المعتمدة في الكنيسة، واستبدالها بالصّقليّةِ لُغةِ الإسبانِ[33].

الإجماعُ العقديّ على تحريم ترجمة القرآن:

(الترجمة الحرفيّة ونقل المعاني)

كشفَت الفِقَرُ السابقةُ عن نظرة تاريخيّةٍ عامّةٍ لترجمات القرآن من العربيّة إلى اللّغاتِ الأخرى. وقد تناولنا عددًا من المسائل من قبيل عوامل ترجمة القرآن والحاجة إلى فهم كلماتِ الله والخصومات الجدليّة وترجمات القرآن الجُزئيّة والكاملةِ. والآن نوجّهُ اهتمامًا أعمقَ إلى المستوى الثيولوجيّ أينَ سنعرّفُ مفهومَ ترجمة القرآنِ وسنناقشُ جُملةً مِنَ الآراء العقديّةِ (الإسلاميّةِ) المتعلّقةِ بهذه المسألةِ.

بشكلٍ عامّ، تُعتبرُ الترجمةُ إجراءً يتمُّ «من اللّغةِ المصدرِ إلى اللّغة الهدفِ»[34]، ويُمكنُنا الظّفَرُ بهذا المفهومِ المِفتاحيِّ في أكثر تعريفاتِ (الترجمةِ)، ولكنّ كلّ نظريّةٍ في الترجمةِ تضيفُ بعض العناصرِ الخارجيّةِ من زاويتها الخاصّةِ. وبالنّظر إلى ترجمة النصوص المُقدّسةِ، يقعُ التركيزُ على بعض العناصرِ من قبيلِ نقل الحقيقةِ والموثوقيّةِ وعدم قابليّةِ الترجمةِ والتأليفِ والبلاغةِ وغيرها من المسائلِ، وهو ما ينطبقُ أيضًا على القرآنِ باعتبارِه يمثّل تحدّيًا أساسيًّا للمُترجمِينَ على وجهٍ خاصٍّ بسببِ أسلوبه الاستعاريِّ الذي يستعصي على الترجمةِ. ويمثّلُ هذا الأمرُ أحدَ أبرزِ الأسباب التي تكمن وراء إجماع علماء الإسلام على أنّ ترجمات القرآن ليست القرآنَ نفسَهُ بل هي تفسيرٌ لمعانيهِ في اللّغة الهدفِ؛ أي إنَّ ترجمة القرآنِ تسعى إلى التأويلِ اللّسانيِّ للقرآن في اللُّغاتِ الأخرى بهدفِ تقريبِ المقاصدِ الأصليّةِ للقرآنِ وتبسيطها وتوضيحِها، «فتفسيرٌ مثل هذا يُعتبرُ محاوَلةً لِنقلِ الدلالاتِ القرآنيّةِ. وعلى هذا النحوِ، يسهلُ على الناسِ أن يشتركوا في اعتبار هذه الترجمةِ ترجمةً لمعاني القرآن»[35].

ومن المُحتملِ أن يكون الزرقاني قد ميّز بين نوعين من أنواع الترجمةِ بناءً على هذه الأسبابِ، فمِن جهةٍ، تفيدُ ترجمةُ القرآنِ نقلَهُ من اللّغةِ العربيّةِ إلى لُغةٍ أخرى. ومن جهةٍ ثانيةٍ، تقومُ ترجمة القرآن على بيان دلالاتِ الألفاظ العربيّةِ بكلمات غير عربيّةٍ مع الالتزام بجميع معاني القرآن ومقاصدِهِ[36]. يُطلَقُ على هذا النوع من الترجمةِ الترجمةُ التأويليّةُ أو عمليّةُ نقلِ المعاني وفيها يُركِّزُ بشكلٍ أكبرَ على الدلالاتِ والمعاني القصديّة، وهو ما يتعارضُ مع الترجمةِ الحرفيّةِ التي تُحاكي النصّ القرآنيّ الأصيل في تأليفهِ ونَظْمِهِ[37]. وقد حضرت هذه الثنائيّةُ المُشكِلةُ بشكلٍ دائمٍ في تاريخِ ترجمات الكتاب المُقدّس في أوروبا، خاصّةً مع جيروم (Jerome) ولوثر (Luther) وألفريك (Aelfricوآخرينَ[38]. وقد عالجَ يوجين نايدا (Eugene Nida)، وهو وجهٌ بارزٌ من وجوه الترجمةِ الدينيّة، بعض الصّراعاتِ التي أُثيرت بين مُترجمي الكتاب المقدّسِ حولَ بعض القضايا مثلَ (الكلِمِ والعقل) و(الشكل والمعنى). إذا لا يمكن لمترجم الكتاب المقدّس أن ينجح في ترجمته إلّا إذا وَفّقَ بين هذه العناصر المتعارضة[39]. وهو ما يعني أنّ الترجمة الحرفيّة للنصوص المقدّسةِ مُستحيلةٌ في حينِ أنّ نقلَ المعاني هو أمرٌ مقدورٌ عليهِ. ونضربُ مثالًا على ذلكَ من ترجمة القرآن (سورة الإسراء الآية رقم 29): ﴿وَلَا تَجْعلْ يَدَكَ مَغْلولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا.

«Make not thy hand tied (like a niggard’s) to thy neck nor stretch it forth to its utmost reach so that thou become blameworthy and destitute»[40].

حينَ نَنقُلُ حرفيًّا (كلمة بكلمة) هذه الآيةَ من العربيّةِ إلى لُغاتٍ أخرى يُصبحُ المعنى غامِضًا ومُلتبِسًا كما ذكرَ الزرقانيّ (1995: 2/ 92)؛ فلْننظُرْ الآن كيف تُرجمَتْ هذه الآيةُ القرآنيّةُ إلى اللّغةِ الهولانديّة:

Kramers (1956): “En houd uw hand niet aan uw nek gekluisterd, en spreid haar ook niet geheel open uit, zodat gij neerzit, beladen met verwijten en benepen.” [“And do not keep your hand glued to yourneck, and do not spread it out completely open, so that you sit down, loaded with accusations and fools.”]

Kramers (1992): “En houd uw hand niet gekluisterd aan uw nek⁴ en spreid haar ook niet geheel open uit zodat gij neerzit beladen met verwijten en benepen.”⁵

⁴. D.w.z. weest niet gierig (Ğalalayn).

⁵. Ğalalayn: Doordat u, vanwege uw vrijgevigheid, niets meer bezit.

[And do not keep your hand glued to your neck⁴, and do not spread it out completely open, so that you sit down, loaded with accusations and fools.

 ⁴. This means: don’t be cheap, stingy (Ğalalayn).

 ⁵. Ğalalayn: Since you no longer own anything because of your generosity.]

Verhoef (2016): “En houd uw hand niet op slot, maar doe uw hand ook niet al te wijd open. Dan zou u schuldig en zonder iets achterblijven.” [“And don't keep your hand locked, but don't open your hand too wide either. Then you would be left behind guilty and without anything.”]

Leemhuis (1989): “Houd je hand niet aan de hals gebonden en strek haar ook niet helemaal uit, want dan zul je met verwijten overladen beschaamd terneer zitten.” [“Do not keep your hand tied to the neck and do not stretch it out completely, because then you will sit embarrassed showered with accusations.”]

Aboe Ismail (2018): “En maak jouw hand niet vastgebonden aan jouw nek (d.w.z. wees niet gierig) en strek het niet volledig uit (als een verkwister), anders blijf jij vol verwijt en spijt achter.” [“And don't make your hand tied to your neck (i.e. don't be stingy) and don't stretch it out completely (like a waster), otherwise you'll be left with reproach and regret.”]

يظهَرُ من الترجماتِ المعروضةِ أعلاهُ أنّ الآية القرآنيّة (الآية رقم 29 من سورة الإسراء) قد نُقِلَتْ بشكلٍ حرفيِّ من العربيّة إلى الهولنديّة باستثناء ترجمة فرهوف (Verhoef) الذي أسقطَ كلمة "عُنُق" (hals /nek بالهولانديّة و «neck» بالإنجليزيّة) واستبدلَها بعبارةِ: «notlocked». وزادَ ناشِرو ترجمة «Kramers»، وأبو إسماعيل تفسيراتٍ إضافيّةً تستندُ إلى تفسير الجلالَيْن إمّا بإحالات الهوامشِ كما فعل ناشرو ترجمة «Kramers» أو بوضعها في معقوفَيْن كما فعل أبو إسماعيل. فإذا ما أسقطنا هذه التفسيرات الإضافيّة أصبحت هذه الترجمات الخَمسُ متماثِلةً تمامًا. ومن غير الممكن أن يستخرجَ قارِئو القرآن الذينَ تنعدمُ لديهم المعرفة الأساسيّةُ بالعربيّةِ والإسلامِ؛ المعنَى الأصليّ لهذه الآيةِ القرآنيّةِ، وهو ما يجعلُ تفسيرَ الجلالَيْنِ ذا أهمّيةٍ كبيرةٍ في بيان هذه الاستعارةِ القرآنيّةِ، إِذْ إنّ المقصودَ مِن جَعْلِ اليد مغلولةً إلى العُنُقِ صفةُ الجشعِ والشحِّ، والمقصودَ من بسطِ اليدِ المبالغةُ في الكرمِ والتبذيرِ. على هذا النحوِ، يقتربُ هدفُ الفريق الفلمندي- الهولندي من المعنى الأصليِّ للنصِّ الأصليِّ (القرآن) واللّغة المصدرِ (العربيّة). فالخيارُ الآخرُ في الترجمة التي من شأنِها أن توَضِّحَ الجملة الأولى ﴿وَلَا تَجْعلْ يَدَكَ مَغْلولَةً إِلَى عُنُقِكَ، هو أن نستدعيَ من اللّغةِ الهدفِ -الهولنديّة- عبارةً قريبةً في المعنى مثلَ“op de penning zijn”,(تُعادِلُها في الإنجليزيّة عبارةُ: “looking at the penny twice before spending”) والتي تحملُ دلالةَ الجشعِ.

ترجمةُ القرآن من منظورٍ ثيولوجيٍّ:

(تأويلُ القرآن في اللّغات الأخرى)

يمكنُ التمييزُ بين أربعةِ أصنافٍ أو معانٍ تتعلّقُ بمفهومِ ترجمةِ القرآن، يتمثّلُ المعنى الأوّلُ في نقلِ ألفاظِ القرآنِ كما هي[41]. في حينِ يتعلّقُ المعنى الثاني بتفسيرِ القرآنِ باللّغة العربيّة[42] ويرتبطُ المعنى الثالثُ بتأويلِ معاني القرآنِ بلُغةٍ مُختلفةٍ[43]، ويختصُّ المعنى الأخيرُ بِترجمةِ القرآنِ إلى لسانٍ آخرَ[44][45].

توجدُ العديدُ من الأعمالِ التي نقلت الآراءَ العقديَّةَ المتعلّقةَ بترجمةِ القرآن من بينها أعمالُ محمّد خيرت الشاطر والزرقاني وعلّوش ورمضان وآخرونَ. وقد اعتمدنا في هذا القسمِ بشكلٍ أكبرَ على الزرقاني لأنّه يفسّرُ أغلبَ آراءِ المذاهبِ الفقهيّةِ الأربعةِ واجتهاداتِ علماءِ الإسلام البارزينَ حول قضيّة ترجمة القرآنِ ويُحلِّلُها. واللّافتُ للنّظرِ في هذا المقامِ هو أنّ المعنى الأوّل والثّاني يختصّان بالترجمة «الضمن- لغويّة»[46] (داخلَ اللّغةِ نفسِها)، أمّا المعنيان الآخران فيختصّان بالترجمة «البين- لغويّة»[47] (بين لغاتٍ مُختلِفةٍ) كما يحدّدُها رومان جاكوبسون (Roman Jakobson)[48]؛ لذلكَ سنهتمُّ بالصِّنفَيْنِ الأخيرَيْنِ بشكلٍ أكبرَ في هذا القسمِ من المقالِ.

يوجدُ إجماعٌ على نطاقٍ واسِعٍ بين علماء الإسلامِ والمذاهبِ السّنيّةِ الأربعةِ حولَ جواز تأويل القرآنِ باللّغاتِ الأخرى. ذلكَ أنّ هذا التأويلَ ضروريٌّ خاصّةً للمسلمينَ غير الناطقينَ بالعربيّةِ، وقد تلقّى العلماءُ هذا الأمرَ بالقَبولِ باعتبارهِ لا يختلفُ عن تأويلِ القرآنِ باللّغة العربيّةِ ذاتِها. وفي الحالتَيْن، يُعتبرُ ذلكَ تفسيرًا لكلام اللّهِ بلغةٍ يفهَمُها المُتلقّي، ولكنّهُ لا يُعادلُ مفهومَ ترجمةِ القرآن نفسِهِ[49]. ووَفقًا للشاطبيّ (1320- 1388) تكونُ المعاني على صِنفَيْن اثنَيْنِ. فنجدُ المعانيَ الأصليّةَ وفيها تُحيلُ الألفاظُ على معانٍ عامّةٍ ونجدُ المعانيَ الثانويّةَ التي تحيلُ فيها الألفاظُ على معانٍ مخصوصةٍ. فالصّنفُ الأوّلُ مُشتركٌ بينَ جميع اللّغات البشريّةِ أمّا الصّنفُ الثاني فهو خاصٌّ بعربيّة القرآن؛ إِذْ تمتازُ عربيّة القرآن بخصائصَ ثقافيّةٍ وسياقيّةٍ ولسانيّةٍ وبلاغيّةٍ مُميّزة[50]. وقد أنكرَ ابنُ قتيبة (828- 889) إمكانيّةَ ترجمةِ القرآنِ ولكنّهُ أجازَ أنْ يفسَّرَ القرآن لمن هو عاجزٌ عن فهمِ مَراميه. وقد انعقدَ إجماعُ علماء الإسلامِ على هذه المسألةِ[51]. وأيّدَ الغزاليُّ هذا المذهبَ، وأضافَ أنّ المقصدَ هو فهمُ القرآنِ وتبليغُ معانيهِ إلى عامّةِ الناسِ، وتبقَى الألفاظُ المُختصّةُ بالعباداتِ غير قابلةٍ للترجمةِ. وقد دعمَ هذا الحُكمَ أغلبُ علماءِ الإسلام مِنَ القدامى، وينضافُ إلى مَن سبَقَ ذِكرُهم علماءُ عقيدةٍ بارزونَ من بينهم ابن تيمية والنوويّ.

وبالنظر إلى الصّنفِ المتعلّقِ «بتفسير القرآن بلغةٍ أجنبيّةٍ»، ينبّهُ الزرقاني إلى بعض «الأمور المهمّة» التي يجبُ أن تُؤخذَ بعينِ الاعتبار. فالقرآنُ يجبُ أن يُكتبَ بالحروفِ العربيّةِ لتفادي أيّ تشويهٍ أو تغييرٍ؛ لأنّ بعض الأصواتِ العربيّة لا مُقابلَ لها في الكتابةِ اللّاتينيّةِ. وأيضًا، تغيبُ الفواصِلُ[52] في كُلِّ ترجماتِ القرآن ويتحدّثُ فيرهوف (Verhoef) عن هذه المسألة من خلال تجربته الخاصّةِ مع ترجمة القرآن: «لن أناقشَ الفاصلةَ المشتركةَ بينَ آيات القرآن. ففي الغالبِ، لا يظهرُ أثرُ الفاصلةِ كما ينبغي في الترجمةِ، بل تضيعُ في ثناياها وهو أمرٌ مُؤسفٌ، ولكن ما باليدِ حيلةٌ. ومن المفاجئِ أنّ مسألة الفاصلة لا تزال يشوبها الكثيرُ من الغموضِ؛ إِذْ كثيرًا ما يُثارُ الجدلُ حولَ مسألة إنتاجِ بعضِ الكلماتِ وتأثّرِ ذلكَ بالحاجةِ إلى ربطها بفاصلةٍ مُحدّدةٍ. وهو ما أثارَ حيرتي لأنَّ الكاتبَ إذا ما حرصَ على استخدامِ صيغة المفردِ والجمعِ أو المفردِ والمؤنّث أو حتى حينَ يختارُ الألفاظَ المقترنة بالحاجةِ إلى الفواصل، كيف بإمكاني أن أتعرّفَ على مقصود كلامِه؟ وأيضًا، أعتقدُ أنّنا نحتاجُ إلى عددٍ أكبرَ من الأبحاثِ بخصوصِ استخدام الفواصل، قبلَ أن نُطلقَ أحكامًا تتعلّقُ بهذه المسألة».

والتفسيرُ يجبُ أن يعقُبَ النصّ القرآنيَّ الأصليّ بشكلٍ مُباشرٍ، ولا يجبُ فهمُ تفسيرِ القرآن على أنّه ترجمةٌ لهُ. إضافةً إلى ذلك، يجبُ أن يطلقَ على هذا الضّرب من الترجمة «ترجمةُ تأويلِ القرآن» أو «تفسير القرآن بلغةٍ أجنبيّةٍ»[53]. ويحملُ هذا الصّنفُ من الترجمةِ فوائِدَ عديدة من قبيلِ إظهارِ جمالِ القرآن لغير الناطقين بالعربيّة وتيسيرِ فهمهِ ودفعِ الشبهاتِ المتعلّقةِ بالإسلامِ والقرآن و«تنوير غير المسلمين بحقائقِ الإسلامِ وتعاليمهِ»[54].

ترجمةُ القرآنِ إلى اللّغاتِ الأخرى:

يَعتبِرُ الزرقاني أنّ ترجمة القرآن إلى لغةٍ أخرى أمرٌ غير ممكنٍ من جهتَيْن. من الجهة الأولى، تتّسِمُ ترجمةُ القرآنِ إلى لغةٍ أخرى «بالاستحالةِ العاديّة» نظرًا إلى عدم إمكانِ «الوفاء بجميع معاني القرآن الأوّليّة والثانويّة وبجميعِ مقاصِده الرئيسةِ الثلاثة»[55]. يشتمِلُ المقصدُ الأوّلُ على المعاني الثانويّةِ للقرآنِ التي ترتبطُ بِخصائصهِ البلاغيّةِ العُليا وطابعِهِ الإعجازيّ. فلا يمكنُ للبشرِ أنْ يتبيّنوا هذه المعاني أو أن يستعرضوها بألفاظهم الخاصّةِ وإلّا لن تثارَ أيّةُ إشكالاتٍ بخصوص عقيدةِ إعجاز القرآنِ. ثَانيًا، القرآنُ هو كلام اللّه الذي لا يمكنُ الإتيانُ بِمثلِهِ سواءٌ بالعربيّة أو بغيرها من اللّغاتِ. وإلّا، كفّ القرآن عن أن يكونَ كلامًا بديعًا يفوقُ قدرةَ البشر. وفي الختامِ، لا يُمكنُ أن نماثِلَ بينَ ترجمةِ القرآنِ ونصّ القرآنِ نفسِهِ[56].

أمّا من الجهةِ الثانيةِ، يوصفُ نقلُ القرآن إلى لغةٍ أخرى «بالاستحالةِ الشرعيّة»، وقد عرضَ الزرقاني «ثمانيةَ وجوهٍ» لهذه الاستحالةِ، وسنناقشُ أبرزَها في هذا الفصلِ؛ أوّلًا: إنّ دعوى تماثُلِ ترجمةِ القرآن مع النصّ القرآنيّ الأصليِّ يتناقضُ مع القرآن نفسِهِ وخاصّةً مع الآية القرآنيّة من سورةِ يونس: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، فالذين يعتمدونَ ترجمة القرآنِ يكونونَ بمنأى عن كلامِ اللّهِ حينَ يُقيّدونَ أنفُسَهم بهذه الترجماتِ. ومع مرور الزمن، سيُنظَرُ إلى الترجمة على أنّها هي القرآنُ الحقيقيّ. وبذلكَ سيُقالُ: هذا قرآنٌ إنجليزي وهذا قرآنٌ فرنسيّ. ومثالُ ذلكَ ما ذكرهُ محمّد خيرت الشاطر من أنّ مسلمي اليابان يتلون القرآنَ المُترجَمَ على أبنائِهم مُعتقدينَ أنّه القرآن الحقيقيُّ[57]. وهكذا، إذا اعتمدنا ترجمةَ القرآنِ بدلًا من القرآنِ نفسِهِ، سيتعرّضُ القرآنُ الأصليُّ للضّياع تمامًا كما ضاعَ الأصلُ العبريُّ للتّوراة والأصل الآراميُّ للإنجيلِ.

إنّ ما سبقَ يدُلُّ على أنّ الإطارَ الثيولوجيَّ الذي يستوعِبُ قضيّةَ ترجمة القرآنِ قد أرسَتْ دعائِمَهُ المذاهبُ الفقهيّةُ السّنيّةُ الأربعةُ وكبارُ علماءِ الإسلامِ. ففي مثلِ هذا الإجماعِ يتأيّدُ بشكلٍ قاطِعٍ القولُ «بتحريم ترجمة القرآنِ وكتابتهِ بالحروف غير العربية كما تُحرَّمُ تِلاوتُه بغير العربيّةِ في الصلاة»[58]. وبهذه الكيفيّة، لا يُعَدُّ كلُّ ما هو مكتوب بلسانٍ غير عربيٍّ قرآنًا ولا تعدو الترجمةُ كونَها تأويلًا لخصائصِ اللّغةِ العربيّةِ[59]. وقد مضى ردحٌ من الزمنِ على تقريرِ محمد خيرت الشاطر لمسألة أنّ ما من أحدٍ من العلماء المعاصرينَ قد جوّزَ ترجمةَ القرآنِ كامِلًا. فالذين قالوا بجواز الترجمة وضعوا لذلكَ شروطًا يصعبُ تحَقّقها. فعلى سبيل المثال، يشترطُ المذهبُ الحنفيُّ شرطَيْن لترجمة الآيات المتعبّد بها في الصلاة. فمن ناحية أولى، يجبُ أن تُترجمَ اللفظةُ إلى لفظةٍ تعادِلُها شكْلًا ومعنًى. ويجبُ من ناحيةٍ ثانيةٍ، أن يُدرِكَ المُتعبِّدُ أنَّ المعنى (في اللّغة الأجنبيّة) مُماثِلٌ بشكلٍ تامٍّ للمعنى الذي تحيلُ عليه الألفاظُ العربيّةُ الأصليّة[60]. فالاستثناءُ الوحيدُ الذي نظفرُ به في الفقه الإسلاميِّ هو الرأيُ (السّابق) لأبي حنيفةَ الذي يسمحُ بِتلاوةِ القرآنِ بلغةٍ أخرى أثناءَ الصلاةِ سواءٌ كانت الفارسيّةَ أو غيرها، ولكنّهُ رجعَ عن هذا الرأيِ بعدَ ذلكَ[61]. وقد جوّزَ عُلماءُ العقيدةِ المتأخّرون من أمثالِ الزركشي والخضر حسين والحجيوي ترجمةَ القرآنِ بشرط ألّا تُدعى الترجمةُ قُرآنًا بلْ تُعتبرُ تفسيرًا للقرآنِ. وفي هذا الصّدد، يبيّنُ الحجيوي تضليلَ الترجمةِ الحرفيّةِ خاصّةً بسببِ المُترادفاتِ التي تُسبِّبُ انحرافاتٍ دلاليّةً. فبعضُ الألفاظِ يُنظرُ إليها باعتبارِها مترادفاتٍ ولكنّها في الحقيقة تحملُ دلالاتٍ مختلفةً. ولكنّ عمليّةَ كشف قناع المعنى تمثّلُ تحدّيًا خاصّةً بسبب الأسلوب البلاغيّ والتصويريّ للقرآنِ وهو ما جعلَ الحجيوي يعتبرُ الترجمةَ تأويلًا والتأويلَ ترجمةً[62].

وتنطبقُ هذه المُلاحظةُ أيضًا على قضيّة تعدّد المعنى التي تحيلُ فيها الكلمة على أكثرَ من معنى. فعلى سبيل المثال، تُترجِمُ جماعةُ (Kramers)كلمةَ «فتنة»، التي تحملُ معانيَ مختلفة (الامتحان والإغواءُ والتعذيبُ والعقابُ والشّركُ والجَمالُ وغيرها) إلى معنًى واحدٍ verzoeking: (temptation in English) أي: الإغواء. وسأقتصرُ على تناول ثلاثِ دلالاتٍ يحيلُ عليها لفظُ «فتنة» تجتمعُ في الأخيرِ في معنًى واحدٍ؛ الدلالةُ الأولى هي الامتحانُ الشديدُ:

 “Doch dezen onderwijzen niemand, zonder dat zij zeggen: “Wij zijn slechts een verzoeking, word dus niet ongelovig.” (2:102).

وهذه الترجمة الإنجليزية ليوسف عليّ:

“But neither of these taught anyone (Such things) without saying: We are only for trial; so, do not blaspheme”.

أمّا الدلالةُ الثانية فهي العقابُ:

“maar de verzoeking is erger dan de doodslag.” (2:191).

والترجمة الإنجليزية هي:

“for tumult and oppression are worse than slaughter”.

وتحيلُ الدلالةُ الأخيرةُ على الشِّركِ:

“En bestrijdt hen, totdat er geen verzoeking meer is en de godsdienst geheel aan Allah behoort. Indien zij dan ophouden, dan is Allah scherp ziende op wat zij bedrijven.” (8:39).

والترجمةُ الإنجليزيّة هي:

“And fight them on until there is no more tumult or oppression and there prevail justice and faith in God altogether and everywhere; but if they cease verily God doth see all that they do”.

وباختصارٍ، بإمكاننا أن نعتبرَ أنّ العلماءَ المسلمينَ قد ميّزوا بوضوحٍ بينَ الترجمةِ وتأويل القرآن بلغةٍ أخرى، وهم مُتّفقون على أنّ معانيَ القرآن قابلةٌ لأَنْ تُبلَّغَ بلغةٍ دقيقةٍ. وهذا التبليغُ لا يجبُ أن يقدَّمَ على أنّهُ ترجمةٌ للقرآن نفسِه بل هو ترجمةٌ لمعاني القرآن. وهو ما يفيدُ أنّ القرآن يبقى غيرَ قابلٍ للترجمةِ وخاصّةً منه ما أُطلِقَ عليه «المعاني الثانويّة» المُتعلّقَة بالخصائصِ السياقيّة واللسانيّة والبلاغيّة للقرآنِ والتي تستعصي على الترجمةِ. إنّ هذا الموقفَ الثيولوجيَّ التقليديّ لا يزالُ حاضرًا في الفقه الإسلاميّ اليومَ. ونتيجةً لذلك، نُواجهُ اليومَ مفارقةً (غريبةً) تتمثّلُ في أنّ القرآنَ يُترجَمُ إلى لغاتٍ مُختلفةٍ في جميع أنحاء العالمِ بينما يستمرُّ وجودُ الفتاوى المانعة لترجمة القرآن.

ترجمةُ القرآنِ بين المنعِ والقَبولِ؛ مُفارقة:

نشأت مشكلة ترجمة القرآن في البداية بسببِ اختلافِ مفهوم الترجمةِ، «فالآراء المُتمايزة حولَ ترجمة القرآن هي نتيجة للاختِلافِ في تحديدِ تعريفٍ للترجمةِ. ورغم هذا الخلافِ بين داعمي ترجمة القرآن والرافضينَ لها، يتّفقُ جميعهم على بعض النقاط المُهمّةِ؛ أوّلُها: أنّ النصّ الوحيدَ الذي يُدعى قرآنًا هو النصّ الذي أُوحِيَ إلى النّبيّ محمّدٍ باللّسان العربيِّ وهو أمرٌ من شأنِهِ أن يحولَ دونَ اعتبارِ ترجماتِ القرآن بديلًا عن النصّ الأصليِّ. وثاني هذه النقاط المهمّة هو أنّ الداعمين والرافضينَ مُتّفقونَ على أنّ رسالةَ الإسلام يجبُ أن تُبلَّغَ إلى الناطقينَ بغيرِ العربيّةِ[63]. فإلى أيّ مدى يمكنُ للقرآن أن يَبلُغَ غير الناطقينَ بالعربيّة إذا ما انعدمت ترجماتُ القرآنِ؟ إنّ مثل هذا السّؤال قد طرحَهُ كامبانيني (Campanini) الذي يعتقِدُ أنّه «لو كان القرآنُ قد كُتِبَ بالعربيّة ليفهمه العربُ، فمن الواضح أنّهم بإمكانهم أن يفهموه بسُهولة. ولكنّ الإسلامَ دينٌ عالميٌّ ورسالتُهُ تُبلَّغُ إلى غير العرب أيضًا. فالوحيُ منزّلٌ إلى جميع البشرِ ولكنّ اللّه تكلّمَ بلسان عربيٍّ. فكيفَ بإمكاننا إذن أن نُبلِّغَ جميعَ البشرِ الذين تتعدّدُ ألسنتهم معانيَ رسالةٍ جاءت بلسانٍ مُحدّدٍ هو اللّسانُ العربيُّ؟»[64].

ويوجدُ عامِلٌ آخرُ مَفادُهُ أنّ ترجمةَ القرآن كانت مُهمّشةً وثانويّةً بالنّسبةِ للمُسلمينَ على خلافِ ترجمة الكتاب المُقدّسِ التي تُعتبَرُ ضروريّةً وأساسيّةً بالنّسبةِ للمسيحيّينَ. وعلى هذا النّحو، لا تُعادِلُ ترجمةُ القرآنِ القرآنَ الأصليَّ بل هي مُجرّدُ ترجمةٍ لمعانِيهِ. وفي المقابلِ، ترى الكنيسةُ أنّ ترجمةَ الكتابِ المُقدّس تُعادلُ الكتابَ المقدَّس نفسَه، وأنّ هذه الترجمةَ تحملُ في جوهرها قداسَةً مُماثِلةً لقداسةِ الكتاب المقدّسِ الأصليّ[65]. فترجمةُ القرآن لم تُمَثّلْ أولويّةً في الفقه الإسلاميِّ ومجتمع المسلمينَ إلّا بحلول القرن الحادي عشرَ. ومع ذلكَ، فقد قدّمَ العربُ إسهاماتٍ عظيمةً في ترجمةِ الأعمالِ اليونانيّة والفارسيّةِ إلى اللّغة العربيّةِ. وبتعبيرٍ آخرَ، يُعزى غياب ترجمةِ القرآن في المقامِ الأوّلِ إلى التحريم الثيولوجيِّ لهذه المسألةِ[66].

وبالإضافةِ إلى ذلك، لا يجبُ الخلطُ بينَ قضية تحريم استبدالِ القرآن الأصليّ بالنُّسخ المُترجمةِ وبينَ قضيّة تحريمِ ترجمة القرآن. ويمكنُ أن نجدَ حقيقةَ هذا الإشكالِ في البابِ الفقهيِّ المتعلِّقِ بحُكمِ قراءة القرآن أثناء الصلاة بغير العربيّة. وبهذه الطريقة، انتقلَت المسألةُ إلى حقلِ ترجمة القرآنِ الذي يُعتبرُ اليومَ مركزيًّا في فكرِ علماءِ الإسلامِ[67].

إنّ اختلافَ الرُّؤى حولَ مفهوم «الترجمة الدينيّة» لا يقتصرُ فقط على الباحثين والعُلماءِ المُسلمينَ بل يشملُ كذلكَ ثيولوجيّينَ مُسلمينَ وغربيّينَ ومُنظِّرينَ في حقلِ دراسات الترجمةِ على حدٍّ سواء. فالتعريفُ الكِتابيُّ للترجمةِ الدينيّة يختلفُ اختلافًا كُلّيًّا عن التعريفِ الإسلاميِّ لترجمة القرآنِ. وبناءً على ذلكَ، يجبُ أن تُؤخذَ هذه الفروقُ الثيولوجيّةُ والنّظريّةُ بعينِ الاعتبارِ حينَ ننقُلُ القرآنَ وحينَ نبحثُ في نظريّات الترجمةِ (الدينيّةِ) ونقارنُ بينَها.

«إنَّ دراساتِ الترجمةِ لدى الثيولوجِيّينَ الغربيّينَ قد أدّت إلى بعضِ الفرضيّات والنّظريّات التي تبدو مُتعارِضةً مع مبادئِ ترجمةِ النصّ الدينيّ لدى المُسلمينَ. ولتوضيحِ هذه المُفارقةِ، يجبُ أن نُنبّهَ إلى أنّ الغربَ يقصِدُ بترجمةِ النصوص الدينيّةِ ترجمةَ الكتابِ المُقدّسِ فقط. في المُقابلِ، يُدرِجُ المسلمونَ ضمنَ الترجمةِ الدينيّة دراساتٍ نشأَتْ مع ترجمة القرآنِ. فاختلافُ النصِّ الدينيّ بينَ المسلمينَ والغربيّينَ كانَ على الأرجحِ السّببَ في اختلافِ مفهومِ الترجمةِ الدينيّةِ وفي تمايزِ مبادئِ الترجمةِ بين الفكر الإسلاميِّ والفكرِ الغربيِّ»[68].

وهو ما يعني أنَّ الترجمةَ الدينيّة في الإسلامِ تختلفُ عن الترجمةِ في الغربِ في مُستوياتٍ عِدّةٍ. ولأجلِ تدعيمِ هذا الرأيِ، من المُهمّ أن نتناولَ بالدرسِ عددًا من تقنيات الترجمةِ المُتعلّقة بالنصوص المُقدّسةِ في دراسات الترجمة الحديثةِ بهدفِ التحقّقِ من مدى انطباقها على ترجمةِ القرآنِ. وسنناقش أربعَ تقنياتٍ فيما يأتي وهي: التكافؤُ الحيويُّ، والتطبيعُ، والترادفُ، واللاتحدّد.

التكافؤ الحيويّ:

حسَبَ نايدا، تقومُ الترجمة التي تبحثُ عن تطبيق التكافؤ الحيويّ على مبدأ التأثيرِ المُتكافئِ. في هذه الترجمةِ، لا يُركّزُ المترجم اهتمامه على التوفيقِ بينَ رسالةِ اللّغة الهدفِ ورسالةِ اللغةِ المصدرِ بقدرِ تركيزه على العلاقاتِ الحيويّةِ بينَهُما. فالعلاقةُ بينَ المتلقّي والرّسالةِ يجبُ أن تكافِئَ العلاقةَ بينَ المتلقّي الأصليّ والرسالةِ (في النصّ المصدرِ)[69]. على هذا النحوِ، يمنحُ مبدأُ التكافؤِ الحيويِّ المترجِمَ فرصةَ اختيارِ ما يعتَبِرُهُ مُلائمًا لتحقيقِ تأثيرِ النصّ الأصليِّ على قُرّائهِ. وبتعبيرٍ آخرَ، تمنحُ هذه التقنيةُ المترجمَ سلطةً مخصوصةً تفوقُ سلطةَ النصّ الأصليِّ، إِذْ بإمكانِهِ أن يتدخّلَ في النصّ المصدرِ بشكلٍ مُطلقٍ وبلا أيّ قيدٍ مُستندًا إلى ذوقه الشخصيِّ. إنّ مثلَ هذا المبدأ لا يمكنُ أن يكون مقبولًا لدى علماءِ الإسلامِ خاصّةً في مجالِ ترجمةِ القرآنِ؛ لأنّه يسمحُ للنصّ الأصليِّ أن يكونَ خاضعًا لِتأويلاتِ المترجمِ الحرّةِ وهو ما قد يُؤدّي إلى تحريفِ كلامِ اللّه[70]. وأيضًا، لا يجبُ أن تنحصِرَ معاني القرآنِ في مستوى التأثيرِ في القرّاء فقط بَل يجبُ أن تكونَ منقولةً بشكلٍ دقيقٍ إلى القارئينَ.

التطبيعُ[71]:

هذا المفهومُ أيضًا من المفاهيم التي استعرضها نايدا، إذ افترضَ أنَّ التطبيعَ يمكنُ أن يتحقّقَ عبر الأخذ في الاعتبارِ اللّغةَ المصدرَ وثقافتها بشكلٍ كُلّيٍّ بالإضافةِ إلى السّياق الثقافيِّ للرسالةِ والجمهورِ المُستهدَفِ. فعلى المترجمِ أن يُلغِيَ الفروقَ اللّغويّةَ ويتخطّى الفجوات الثقافيّة بينَ النصّ المصدرِ والترجمةِ. بهذه الطريقةِ، يعمَدُ إلى تغييرِ أيّ مفهومٍ جديدٍ في النصّ المصدرِ ويُطبِّعُهُ ويعيدُ بناءَهُ ويُقرِّبُهُ إلى فهمِ القُرّاءِ. وعلى هذا النحوِ، «يمكنُ تطبيقُ هذه التقنيةِ على مُستوياتٍ ثلاثة من عمليّةِ التواصُلِ، فالصّيغةُ الخاضعةُ للتطبيعِ يجبُ أن تُلائِمَ..

1- لُغةَ المتلقّي وثقافتَهُ بشكلٍ كُليّ.

2- سياقَ الرسالةِ المخصوصةِ.

3- لغةَ الجمهورِ المُتلقّي»[72].

يتضمّنُ القرآنُ ما لا يُحصى من الاستعاراتِ وصُورِ الخطابِ التي لا يُمكنُ نَقلُها حرفيًّا. فمِن خلال إستراتيجيّةِ التطبيع يمكنُ أن نُكيِّفَ عددًا من الاستعارات القرآنيّةِ اعتمادًا على السّياق السّوسيو- ثقافيّ للمُتلقّي. ويمكنُ أن نأخذ مثالًا على ذلكَ من الترجمةِ الإنجليزيّةِ لمحمّد مرمدوك بكثال (Mohammad Marmaduke Pickthall) للقرآنِ (سورة طه الآية عدد 40): ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا، والتي تَرجمها ضمنَ معنى الحزنِ.

“When thy sister went and said: Shall I show you one who will nurse him? and We restored thee to thy mother that her eyes might be refreshed and might not sorrow.” (Haziri & Hadj 2009:32-33).

وهو ما ينطبق أيضًا على الترجمة الهولندية للآيةِ لجماعة (Kramers):

“opdat zij goedsmoeds zou zijn en zij niet zou treuren” [“That she might be good-hearted and not grieve.”]

في المقابلِ، توجدُ بعضُ المفاهيمِ التي لا يُمكنُ تطبيعُها من قبيلِ الصّلاةِ والزكاةِ والوصايا؛ المُتعلّقة بتحريمِ الخمرِ والرّبا. فهذه القضايا يجبُ أن تُنقَلَ دونَ أيّ تغييرٍ أو تكيِيفٍ. فعلى سبيل المثالِ، يُخيّرُ إدوارد فرهوف (Eduard Verhoefفي ترجمته الهولندية للقرآنِ (2015) تقنيات الترجمةِ القائمة على التكيِيفِ لترجمةِ مُصطلحاتٍ أساسيّةٍ مُتنوّعةٍ (الله، صلاة، زكاة وغيرها)؛ لأنّه يفترِضُ أنّ دلالاتِ هذه المصطلحاتِ معروفةٌ ومُتاحةٌ للقُرّاءِ الهولنديّينَ الفلمنكيّينَ. ولكنّه ليس من السّهلِ أن يميّزَ القارئُ العاديُّ بينَ الصّلاةِ أو الزكاةِ المقصودةِ في القرآن وبينَ “gebed, prayer” (الدّعاء)، و“aalmoes, alms”(الصّدقة).

الترادفُ:

يُعتبرُ الترادفُ أحدَ أهمّ التقنيات المعتمدة في الترجمة، وهو غالبًا ما يلجَأُ إليه المترجمونَ في عملِهم. فبيتر نيومارك (Peter Newmarkيستعمِلُ «الكلمة المرادفة أي المعادِلَ اللّغويّ في اللّغة الهدف القريب من مقابله في اللغة المصدر وفي سياقٍ مُحدّدٍ مع اعتبار أنّ هذا المعادل اللّغويّ الدقيقَ يمكنُ أن يوجدَ ويمكن ألّا يوجَدَ». إنّ هذه التقنيةَ تُستعملُ في حال غيابِ مُعادلٍ مُباشِرٍ للكلمة التي في اللّغة المصدرِ[73]. وبناءً على عددٍ من الترجمات الهولنديّة للقرآنِ، استخلصنا أنّ الكيفيّة التي طُبّقت بها هذه التقنيةُ لا يمكنُ أن تعكِسَ دائمًا المعنى القرآنيّ الأصليَّ. إِذْ يفشلُ النّاقلُ أحيانًا في انتقاءِ المُرادِفِ المُلائمِ في الترجمةِ. فعلى سبيل المثال،

تفيدُ كلمةُ حنيف (ḥanif) معنَى المُوحِّد، أي الذي يميلُ عن عقيدةِ تعدّد الآلهةِ ويبحثُ عن الإله الواحدِ الحقِّ لجميع الأنبياءِ من آدمَ إلى مُحمّد (Ibn Kaṯhir 1999: 2/ 58). وأيضًا، يحيلُ هذا اللّفظُ على معانٍ أخرى بما فيها المُخلِصُ والنصيرُ والذي يُؤمنُ بجميع الأنبياءِ[74][75]. وقد ترجمت جماعةُ (Kramers) كلمة حنيف بـ«الباحث عن اللّه»، فاستعملَ ليم مويس (Leemhuisعبارةَ «مُتّبِـع العقيدةِ النقيّة» واستخدم فرهوف (Verhoef) عبارةَ مُعتنِق «العقيدةِ الحقّةِ». إنّ كلّ هذه المُعادِلاتِ في الترجمةِ تعجزُ عن إبرازِ المعنى الحقيقيّ للمفهوم القرآني لكلمة حنيف؛ ونتيجةً لذلك، يمكنُ أن يضيعَ المعنى القرآنيّ الأصيل في ثنايا هذه المُحاولاتِ.

اللّاتَحدُّد:

طرحَ هذه النظريّةَ في الترجمة ويلارد فان أورمين كوين (W.V. Quine) ونَجدُها كذلكَ عندَ فلاسفةٍ آخرينَ مثلَ جاك دريدا (Derridaوَوالتر بنيامين (Benjamin). إنّ المضمونَ الأساسيَّ لمبدأ اللّاتحدُّد هو إنكارُ وجودِ معانٍ ثابتةٍ ومُطلقةٍ والتشكيكُ فيها. «إنّ الدعوى العامّة لِلّاتحدُّد في الترجمةِ هي أنّه من الممكن أن نجد أكثرَ من طريقةٍ في الترجمةِ من لُغةٍ ما مع اعتبارِ أنّ كُلّ هذه الطرُقِ صحيحة بقدرٍ مُتساوٍ إلّا أنّها ليست مُجرّدَ بدائِلَ أسلوبيّةٍ. فهذه الدعوى تتضمّنُ ما يُمكن أن يظُـنّهُ المرءُ الحالةَ المُقيَّدةَ في الترجمةِ أين تُترجمُ لُغةٌ ما إلى نفسِها»[76]. إنّ هذا الرأيَ يتصادمُ مع الحقائق الإسلاميّةِ؛ لأنّ عدَمَ ثباتِ المعنى يعني أنّ مفاهيم الإيمان والعقيدةِ الدينيّةِ يمكنُ أن تخضعَ لِلتبديلِ حسَبَ الرؤيةِ الخاصّةِ للأفرادِ. وبهذه الطريقةِ، ستتغيّرُ الدلالاتُ حسَبَ الأشخاصِ. ولهذا السّببِ، يجبُ أن نميّزَ بينَ المعنى الاجتماعي المشتركِ بين جميع الناس وبينَ المعنى الذاتيّ الذي يختلفُ من فردٍ إلى آخرَ[77]. يُمكنُ لتقنيَةِ اللّاتحدُّد أن تكونَ صالحةً في مجالِ النصوص الشعريّةِ والنثريّةِ أكثرَ منها في مجالِ النصوص المقدّسةِ وخاصّةً القرآنَ الذي يجبُ أن يُتَرجَمَ ويُؤَوّلَ بشكلٍ موثوقٍ ومُلائمٍ بمُراعاةِ مُصطلحاتِهِ وحسَبَ إجماعِ المدارسِ الفقهيّةِ الأربعةِ ومُعظمِ كِبارِ علماءِ الإسلامِ.

نخلُصُ إذن إلى ثلاثةِ استنتاجاتٍ من هذا البحثِ، أوّلًا: قدّمَ العربُ إسهاماتٍ جليلةً عبرَ التاريخِ في مجالِ حركةِ الترجمةِ عبرَ نقلِ الأعمالِ الفلسفيّةِ والعِلميّةِ اليونانيّةِ إلى اللّغة العربيّةِ وخاصّة خلال فترة الحكمِ العبّاسيِّ. ولكنْ لم يكُنْ يوجدُ اهتمامٌ ولا مُجرّدُ تفكيرٍ في مسألةِ ترجمةِ القرآنِ؛ إِذْ لم يكُن ثمّةَ حاجةٌ دينيّةٌ أو اجتماعيّةٌ لهذا النشاطَ في ذاك الوقتِ، إلّا أنّهُ لا يُمكننا أن نغُضّ الطرفَ عن الدورِ الذي اضطلعَ به التحريمُ العقديُّ لكُلِّ صنفٍ من أصنافِ الترجمةِ.

ثانيًا: ظهرَتْ ترجمةُ القرآنِ بشكلٍ أساسيٍّ بدايةً مِنَ القرن الحادي عشَرَ فما تلاهُ بفعلِ الظروفِ السوسيو- الثقافيّة والسياسيّة الجديدةِ. في ذلكَ الزمنِ ظهرَتْ حاجةٌ لفهمِ القرآنِ من قِبَلِ الأجيالِ المُسلِمةِ حديثةِ العهدِ بالإسلامِ ومُعتنقِي الإسلامِ الذينَ لا يُتقنون اللّغةَ العربيّةَ فضْلًا عن المؤمنين الآخرين أي أهل الكتابِ من المسيحيّينَ واليهودِ. فالفئةُ الأولى لم تكن قادرةً على فهم المنبع الأصيلِ لعقيدتها الجديدةِ أي القرآن العربيّ. فكانت الترجمةُ ضروريّة لتَمثُّلِ الدّين الإسلاميِّ وتطبيقِ أحكامِهِ وعباداتِهِ. بينما استعملَت الفئةُ الثانيةُ الترجمةَ أداةً جدليّةً لفهم مُحتوى القرآنِ الذي خضعَ بعدَ ذلكَ للتشكيكِ لصالحِ عقائدهم المسيحيّةِ واليهوديّةِ.

أخيرًا، يُجمِعُ علماءُ العقيدةِ والمدارسُ الفقهيّةُ على أنَّ عدمَ قابليّةِ ترجمةِ القرآنِ مُرتبطةٌ بِطابَعِهِ اللّسانيِّ والثقافيِّ غير القابلِ للمُضاهاةِ فضلًا عن طابَعِهِ التعبُّدي. ولكنّنا اليومَ في أمسّ الحاجةِ إلى فهم القرآنِ خاصّةً غير الناطقينَ بالعربيّةِ الذينَ يُمثّلون الأغلبيّة بينَ المُسلمينَ. إِذْ في غيابِ ترجمة القرآنِ بلُغاتٍ حديثةٍ مُتنوِّعةٍ يُصبحُ تبليغُ رسالةِ الإسلامِ إلى جميع البشرِ ضربًا من المُحالِ.

قائمةُ المصادر والمراجع:

Abdul Razzaq, I. 1977. Al-Khawarij fi Bilad al-Maghrib (De Kharidjieten in Marokko). Casablanca: Dar Al Thaqafa.

Abu Laila, M. 2002. Al-Qur'an al-Karim mina 'al-Manzur al-'Istishraqi (De Koran vanuit het perspectief van de orientalistiek). Cairo: Dar al-Nashr li al-Jami`ah.

Allouche, J. A.-D. 2008. Ahkam Tarjamat al-Qur'an al-Karim (de oordelen van het vertalen van de Koran). Beirut: Dar Ibn Hazm.

 al-Bahansi, A. 2014. (Spring). Al-Tarjamah al-'ibriyyah li ma'ani al-Qur'an al-Karim (de Hebreeuwse vertalingen van de Koran). The Moroccan Journal for Translation Studies. 2 (3): 151-172.

Bahraoui, H. 2010. Abraj Babil, Shi'riyyat al-Tarjamah mina al-Tarikh ila al-Nazariyyah (Toren van Babel, de vertaling van de theorie naar de praktijk). Rabat: Faculty of Arts and Human Sciences Rabat.

Baker, M., & Hanna, S. F. 2009. Arabic tradition. In, M. Baker, G. Saldanha, & (eds.), Routledge Encyclopedia of Translation Studies (pp. 328-337). New York: Routledge.

Boulaouali, T. 2008. Al-Islam wa al-Amazighiyyah (de Islam en het Amazighisme). Casablanca: Afrique Orient.

Campanini, M. 2008. Is the Quran translatable, some methodological issues? Journal of the History of Medieval Philosophy. 7: 115-124.

Catford, J. C. 1965. A Linguistic Theory of Translation. Oxford: Oxford University Press.

Didaoui, M. 2012. Al-Kitabah fi al-Tarjamah, al-Tarjamah al-`Arabiyyah al-Dawliyyah Namudajan (Schrijven en vertaling, de internationale Arabische vertaling als voorbeeld). Beirut: Al Markaz al-Thaqafi al-`Arabi.

 El-Shater, M. M. 1936. Al-Qawl al-Sadid fi Hukm Tarjamat al-Qur'an 'al-Majid (het doorslaggevende woord over het oordeel van het vertalen van de Koran). Cairo: Hijazi.

Gutas, D. 1998. Greek Thoucht, Arabic Culture The Graeco-Arabic Translation Movement in Baghdad and Early 'Abbasid Society. London: Routledge.

Haziri, A., & Haj, M. 2009. Al-Mabadi' al-Asasiyyah fi Tarjamat al-Qur'an al-Karim (de basisprincipes van het vertalen van de Koran). Ayn (3): 13-48.

Ibn Hisham. 1990. Al-Sirah al-Nabawiyyah (de Biografie van de Profeet) (Vol. 2). (O. A. Tadmuri, Red.) Beirut: Dar al-Nashir al-`Arabi.

Ibn Kathir, A. A. F. 1999. Tafsir al-Qur'an al-`Azim (Exegese van de Edele Koran) (Vol. 1-8). (S. B. As-Salamah, Red.) Riyadh: Dar Taibah.

 Ismail, A. & Studenten. 2013-2018. De interpretatie van de betekenissen van de Koran. Nederland: Jamal Ahajjaj (Aboe Ismail).

Juynboll, W. M. C. 1931. Zeventiende-eeuwsche Beoefenaars van het Arabisch in Nederland. Utrecht: Kemink En Zoon N.V.

Kramers, J. H. 1956. De Koran uit het Arabisch vertaald. Amsterdam: Elsevier.

Kramers, J. H., (red.), A. J., & (red.), J. J. 1992. De Koran uit het Arabisch vertaald. Amsterdam: Agon.

Leemhuis, F. 1989. De Koran: Een weergave van de betekenis van de Arabische tekst in het Nederlands. Houten: Het Wereldvenster.

Nida, E. 1964. Toward a Science of Translating: With Special Reference to Principles and Procedures Involved in Bible Translating. Leiden: Brill.

Qarai, A. Q. (sd). The Quran and Its Translators. Opgeroepen op mei 2019, van Islamic Sources: www.en.islamic-sources.com/book/the-Quran-and-its-translators-3. Retrieved date: 05 Dec. 2020.

Ramadan, N. 1998. Tarjamat al-Qur'an al-Karim wa Atharuha fi Ma'anih (de koranvertaling en de invloed op zijn betekenis). Damascus: Dar al-Mahabbah.

Razzaq, I. M. 1977. Al-Haqiqah 'al-Burajwatiyyah (de waarheid van Baraghwata). Morocco: Fedala.

Shahlan, A. 2014. (Spring). Tarjamat al-Qur'an 'ila al-lughati al-`Ibriyyah (de vertaling van de Koran in het Hebreeuws). The Moroccan Journal for Translation Studies. 2(3): 11-23.

Verhoef, E. 2016. De Koran Heilig Boek van de Islam. Vught: Skandalon.

Verhoef, E. 2017. Uitleg bij de Koran. Vught: Skandalon.

Zalta, E. N. & e. a. (eds.). (2010) Willard Van Orman Quine. In, Stanford Encyclopedia of Philosophy. Stanford: The Metaphysics Research Lab.

al-Zarqani, M. A. 1995. Manahil al-'Irfan fi 'Ulum al-Qur'an (de bronnen van de koranwetenschappen). (F. A. Zamrali, Red.) Beirut: Dar al-Kitab al-`Arabi.

Zawaqa, B. A. 2014. (Spring). Mahaathir al-Tarjamah ghayr al-Madbuṭah `ilmiyyan `ala al-`aqidah (het gevaar van de niet-gedisciplineerde vertaling op het geloof). The Moroccan Journal for Translation Studies. 2 (3): 71-105.

 

 


[1] كُتبت هذه المقالة باللغة الإنجليزية ونُشرت عام 2012م، وأصلها فصل من رسالة دكتوراه نُوقشت عام 2019م للدكتور/ التيجاني بولعوالي حول ترجمة القرآن إلى اللغة الهولندية والمرجعيات الكتابية في الترجمة، وقد ترجمها لموقع تفسير الأستاذ/ يحيى بن قديم. (موقع تفسير).

[2] (Bahraoui 2010; Baker & Hanna 2009).

[3] (Bahraoui 2010: 76-78; Juynboll 1931: 26-27).

[4] (Juynboll 1931: 24).

[5] (Bahraoui 2010: 76-78).

[6] (Bahraoui 2010: 84).

[7] (Bahraoui 2010: 88).

[8] “Glory to (Allah) Who did take His Servant for Journey by night from the Sacred Mosque to the Farthest Mosque whose precincts We did Bless in order that We might show him some of Our Signs: for He is the one Who heareth and seeth (all things).”(17:1) [translation by Yusuf Ali].

وانظر أيضًا سيرةَ النبيّ محمّد (Ibn Hisham 1990: 2/53-57).

[9] (Allouche 2008 :7).

[10] (Abu Laila 2002: 383).

[11] (al-Zarqani 1995:2/89).

[12] (al-Bahansi 2014:153).

[13] (Ramadan 1998: 130).

[14] (Abu Laila 2002: 381-382).

[15] (Allouche 2008: 8).

[16] (Abu Laila 2002: 381).

[17] (Dozy 1900: 255).

[18] (Abdul Razzaq 1977: 53).

[19] (Boulaouali 2009: 100-105).

[20] (Gutas 1998; Baker & Hanna 2009).

[21] (al-Zarqani 1995: 2/89; Bahraoui 2010: 81-82; Abu Laila 2002: 384).

[22] (Zeventiende-eeuwsche beoefenaars van het Arabisch in Nederland).

[23] (Juynboll 1931 :12).

[24] (al-Zarqani 1995 :2/89).

[25] المرجع المقصود هو مناهل العرفان للزرقاني. (المترجم).

[26] See: Qarai, Ali Quli. (2018). The Quran and Its Translators. www.islamic-sources.com, (Retrieved: 6 May 2019).

[27] (Bahraoui 2010:94).

[28] (Bahraoui 2010:101).

[29] (Shahlan 2014:12).

[30] (al-Bahansi 2014: 154-157; Shahlan 2014: 17, 18).

[31] (al-Bahansi 2014: 155-157).

[32] (Abu Laila 2002: 399-400).

[33] (Bahraoui 2010: 105).

[34] (Catford 1965: 20).

[35] (Zawaqa 2014: 74).

[36] (al-Zarqani 1995:2/114).

[37] (al-Zarqani 1995:2/114).

[38] (Gutas 1998).

[39] (Nida 1964: 2).

[40] الترجمة الإنجليزيّة ليوسف عليّ.

[41] رأينا أن ننقُل اصطلاحات الزرقاني كما هي حتى يتّضحَ المقصودُ من هذه المعاني الأربعةِ. «ترجمةُ القرآن بمعنى تبليغ ألفاظهِ».

[42] «ترجمة القرآن بمعنى تفسيره بلغته العربيّة».

[43] «ترجمةُ القرآن بمعنى تفسيره بلغةٍ أجنبيّة». (المترجم).

[44] (al-Zarqani 1995: 2/107-114).

[45] يصفُ الزرقانيّ هذا الصّنف بقولهِ: «والرابعُ تشتركُ فيه اللّغةُ والعُرفُ العامُّ الذائِعُ بين الأمم، ولا ريبَ أنّ هذا المعنى الرابِعَ هو الجديرُ بالعنايةِ والاهتمامِ لأنّهُ المتبادرُ إلى الأفهامِ والمقصودُ في لسان التخاطب العامّ». (المُترجم).

[46] Intralingual.

[47] Interlingual.

[48] (Gentzler 2001: 29, 30).

[49] (al-Zarqani 1995: 2/107).

[50] (al-Zarqani 1995: 2/130).

[51] (al-Zarqani 1995: 2/130).

[52] يُعرِّفُ ابنُ عاشور الفواصلَ في تفسيره التحرير والتنوير بقوله: «الكلماتُ التي تتماثل في أواخر حروفها أو تتقارب، مع تماثل أو تقارب صيغ النطق بها، وتكرّر في السورة تكررًا يُؤْذِن بأنّ تماثلها أو تقاربها مقصودٌ من النّظم في آيات كثيرة متماثلة».(المترجم).

[53] (al-Zarqani 1995: 2/107-109).

[54] (al-Zarqani 1995: 2/110, 111).

[55] العبارةُ للزرقاني. (المترجم).

[56] يُطلِقُ الزرقاني على هذه الخاصيّة مُصطلحَ «المِثليّة المُستحيلة». (المُترجِمُ).

[57] (El-Shater 1936:17).

[58] (El-Shater 1936: 48).

[59] (Didaoui 2014: 42).

[60] (El-Shater 1936: 79; 104).

[61] (El-Shater 1936:60-62; al-Zarqani 1995: 2 /128).

[62] (Didaoui 2014: 41).

[63] (Haziri & Hadj 2009: 20).

[64] (Campanini 2008: 115).

[65] (Nida 1964).

[66] (Gutas 1998; Baker & Hanna 2009).

[67] (Haziri & Haj 2009:19).

[68] (Haziri & Hadj 2009: 29; see also Nida 1964; Campanini 2008).

[69] (Nida 1964:159).

[70] (Haziri & Hadj 2009:29-30).

[71] يمكنُ أن نُترجِمَ هذا المُصطلحَ أيضًا بـ(التكيِيف)؛ لأنّ حاصِلَهُ تكييفُ معنى اللّغة المصدرِ حسَبَ ما تقتضيهِ الدّلالةُ في اللّغة الهدفِ ولكنّنا اخترنا (التطبيع) لكونه أكثرَ وفاءً لمُصطلح «Naturalisation» وراوحنا بينَ المُصطلحَيْنِ في بعض المواضِعِ. (المُترجِم).

[72] (Nida 1964: 166-1967).

[73] (Newmark 1988:84).

[74] (Ibn Manẓur 1980: 1025- 1026).

[75] رأينا أن ننقُلَ جزءًا ممّا جاء في مادّة (ح.ن. ف) من لسان العرب لابن منظور: «والحَنِيفُ: الـمُسْلِمُ الذي يَتَحَنَّفُ عن الأَدْيانِ أَي: يَمِيلُ إلى الحقّ، وقيل: هو الذي يَسْتَقْبِلُ قِبْلةَ البيتِ الحرام على مِلَّةِ إبراهيمَ، على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام، وقيل: هو الـمُخْلِصُ، وقيلهو مَن أَسلم في أَمر اللّه فلم يَلْتَوِ في شيء، وقيل: كلُّ من أَسلم لأَمر اللّه تعالى ولم يَلْتَوِ، فهو حنيفٌ». (المُترجِمُ).

[76] (Zalta 2010).

[77] (Haziri & Hadj 2009: 33).

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))