بين «مُرضِعَة» و«مُنْفَطِر» في القرآن الكريم

وردت كلمتا «مرضِعة» و«مُنفطر» في القرآن الكريم في ذكر القيامة، وجاءت كلُّ منهما على خلاف الأشهر من حيث التذكير والتأنيث، ويسعى هذا المقال للوقوف على دلالة هذه المغايرة من خلال الكشف عن تفسير اللفظتين في موقعهما.

بين «مُرضِعَة» و«مُنْفَطِر» في القرآن الكريم[1]

  يدور القول في هذا الحديث على كلمتي «مُرْضِعة» و«مُنْفَطِر»، وكلتاهما في سورة غير سورة الأُخرى، وبين السورتين جَمْع كبير من السور، وإن الكلمتين مع ذلك لتلتقيان في مقام واحد؛ لتتشاركا في تصوير مشهد من مشاهد الفزع الأكبر يوم الدِّين، يوم يقوم الناس لربّ العالمين.

وتلتقيان مرة أُخرى، فتَطلب كلتاهما في موقعها فضلَ تفسير وبيان:

فأما «مرضعة» فمذكورة في سورة الحج؛ إِذْ يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: 1-2].

و«مُرْضِعَة» كلمة تُستعمل على وجهين: وجهٍ تكون فيه بالتاء كالتي في الآية الأُولى، ووجه تكون فيه خالية من التاء، فتكون بلفظ (مرضع)، ولكلّ من الوجهين مقال يُقال فيه، فهي بالتاء لمن تكون في حالة إرضاع ويراد وصفها به، أي وطفلُها بين يديها، وثديها في فمه.

وهي بغير التاء لمن تكون ذات إرضاع؛ أي لمن يكون من شأنها أَن تُرضع، وإن لم تباشر الإرضاع حين وصفها به[2]، فالفَيْصَل في الاستعمالين هو حال المرأة التي يُراد وصفها بالإرضاع.

وما أحسب قارئًا يقرأ الآيتين ثم تراوده نفسه أَن يُجيل النظر فيهما، يريد أن يتفهّمها ويكشف عن أَسرارهما إلا يقف أَطول ما يقف على كلمة «مُرْضِعَة» يسأَل: ما بالها قد استقرّت هنا بدلًا من المرضع، مع أنّ المرضع أكثر منها في الكلام تداولًا، وأسبق إلى الخاطر تمثلًا، فالمرأة مرضع في كلّ حال من أحوالها إلا حال الإرضاع فهي فيها مرضعة، ثم إنّ المرضعة من الأوصاف التي تختصّ بها الأنثى مثلُها كمثل حامل وكاعب، فما حاجتها إلى التاء حين الوصف بها؟ فهي إنما يؤتَى بها للتفرقة بين المذكَّر والمؤنّث في الأوصاف المشتركة بينهما، ثم إن المقام أولًا وأخيرًا مقامُ رعب وفزع، لا مقامُ طمأنينة وقرار، فأَين المرضعة منه، وأَين هو من المرضعة؟

أشتات من المشكلات تثير التساؤل وتؤكّد أن المرضعة لم تُذكر في هذ الموضع بلفظها المؤنث عفوًا، ولكن لسرٍّ مكنون يجعلها أحقّ به من المرضع، فما عسى أن يكون هذ السَّر؟

لنرجع إذن إلى الآيتين، ولننظر عمَّ تتحدّثان؟ وأيّ الأحداث تصفان؟

إنهما تتحدّثان عن يوم الساعة، وتصفان حدثًا جللًا من أحداثه، له في الناس آثار شداد، تختلف باختلاف طوائفهم والأحوال التي يكونون عليها؛ فأما الحدث فزلزلة عاتية ترجف الأرض منها والجبال، ويغشى الناسَ منها غاشية طاغية تَذْهَل منها المرضعة عن رضيعها، فما تدري من أمره شيئًا، ولا تملك له نفعًا، ولا يمسكها عليه رحمتها به، وحنوُّها عليه، وإنه لبين يديها، تضمّه إلى صدرها، وتُلقمه ثديها. لقد عُطِّلت أمومتها وذهب عنها أنبل عواطفها شرفًا، وأجلّها قدرًا، وأحمدها في الحياة أثرًا.

وتهز الزّلزلةُ بِنْيَةَ الحامل هزًّا عنيفًا، يوهن من تماسكها، ويقذف بالجنين فيسقط منها لغير تمام، لا يمنعه أن كان منها بحرز حريز، وقرار مكين. أما سائر الناس فيصيبهم من هول هذه الزلزلة ما يصيبهم من خلَل وارتكاس، وهاهم أَولاءِ يتهافتون إعياءً وضعفًا، ويتخبّطون ذهولًا وهلعًا. اختلت موازينهم، وفسدتْ تصوراتهم، فما يُصدرون عن وعي فيما يلفظون من قول، وما يبدون من حراك.

«المرضعة» إذَن أَوْلَى بالمقام من المرضع، إنه لها أطلب، وهي له أوجب، وبه أشبه؛ لأنها تُكسب الصورة مزيدًا من الوضوح، وتَمدّها بفيض من القوّة وشدّة التأثير؛ لأنها تمثّل ذهول الأم في أبلغ صورته، وأعنف شدّته، ولو حلَّت المرضع محلّها لكان ذهولها أقلّ دلالة على استفحال الخطب، وهول المشهَد؛ لأنها حينئذٍ خليَّة لا تمارس الرضاعة، ولا يكون الطفل منها بمكان، وإنما هي وحيدة مفردة لا يعنيها غير نفسها، فما تحسر إلا بها، ولا تذهل إلا عنها.

وأما «مُنْفَطِر» فمذكورة في سورة المزّمل؛ إِذْ يقول الله تعالى: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا﴾ [المزمل: 17-18].

ومدار القول في هاتين الآيتين قوله تعالى: ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾، فـ﴿السَّمَاءُ﴾ مفرد مؤنث وهو مبتدأ، و﴿مُنْفَطِرٌ﴾ مفرد مذكر، وهو خبر المبتدأ، فلم يطابق الخبر مبتدأ في التأنيث، وتأنيثه في مثل هذا الأسلوب واجب.

وقد نظر العلماءُ في هذا الخلاف، والتَمس كلّ له وجهًا يجعل بينه وبين أصول العربية نسبًا، ويُحلّه منها محلًّا. فقال أبو عمرو بن العلاء: «لم يقل: منفطرة لأن مجازها السقف، تقول: هذا سماءَ البيت»[3]. يريد أبو عمرو أن السماء هنا ملحوظ فيها السقف وهيئته، ذهبت بها الآية إليه إِذْ كان السقف بعض ما تدل عليه السماء.

وقال الخليل: «إن ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ كقولك: «مُعْضِلٌ» للقطاة، وقولك: «مرضع» للتي بها الرضاع. وأما المنفطرة فيجيءُ على العَمَل، كقولك: «منشقة»، وكقولك: «مرضعة» للتي ترضع»[4]. يريد الخليل أن «منفطر» في الآية وصف قائم بالسماء على سبيل الثبات والاستقرار، لا علاجًا به، وإحداثًا له، فهي كالمرضع لذات الإرضاع.

وقال الفراء: «السماء تُذكَّر وتُؤنَّث، فهي هنا في وجهة التذكير. قال الشاعر:

فلو رَفع السماءُ إليه قومًا ** لحِقنا بالنجوم مع السماء»[5]

  ويحكي المبرد أنّ من النحويين من يقول: «السماءُ هاهنا جمع سماوة كما تقول في صَلابة[6] وعلاوة[7] وهِراوة[8]: صلاء، وهَرَاء. واحتجوا بقوله -عز وجل-: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ﴾ [البقرة: 29]»[9].

وإذا كنت أوردت رأي أبي عمرو أولًا لأنه أسبق زمنًا فسيكون التعليق عليه آخرًا؛ لأنه -فيما أرى- أحقّ أن يؤخذ به، ويعوَّل في القضية عليه بعد شيء من التعديل يسير.

أمَّا الخليل فعنده أن معنى ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ﴾ ثبوت الانفطار لها، واتصافها به، لا أنه فعل تعرضت له وعُولجت به، فانفرج جانبها، وباعد الشق ما بينهما. ولو أُريد بمنفطر معنى وقوع الانفطار وعمله لكانت منفطرة، ويضرب مثلًا لها قولهم: (قطاة معضل)؛ أي يعسر خروج البيض منها. ونحن إِذْ ننظر في معنى كلّ من «منفطر» و(معضل) ونقرن معنى كلّ منهما إلى معنى الآخر نشعر وضوح أن ثمَّة فرقًا بينهما؛ لأن الإعضال ذاتي في القطاة، وليس نازلًا بها، ولا هي منفعلة به لحدث طرأ عليها.

وإذا كان انفطار السماء في الآية بلفظ منفطر وصفًا ثابتًا لها، فجاز لذلك أن يقرن إلى معضل، وأن يُجعلَا سواء في الحكم والتقدير؛ فقد ذُكِر بلفظ الفعل في مواطن أُخرى، منها قوله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ﴾ [الانفطار: 1]، وقوله: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ﴾ [الانشقاق :1]، وقوله: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ﴾ [الفرقان: 25]. والأفعال الثلاثة من قبيل الأفعال المطاوعة: الأول للفعل (فَطَر)، والثاني للفعل (شق)، والثالث للفعل (شَقّق).

والفعل المطاوع يدلّ على قبول الأشياء له وتأثّرها به، فمعنى ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ﴾، وانفطرت السماءُ من هذا القبيل، ولا أدري حينئذ كيف يمكن أن يكون «منفطر» كـ(معضل) و(مرضع) وأشباههما؟ ولو أن انفطار السماء كإعضال القطاة مجرّد وصف ثابت وأمر واقع بغير علاج لم يكن شيئًا مذكورًا ولا كان لذِكْرِه حكمة، فليس فيه حينئذٍ دلالة على قدرة الخالق سبحانه، دلالة مشاركة في تصوير مشاهد يوم الدين وما يكابد الناس فيه من أهوال.

وأما أنّ السماء -فيما يقول الفرّاء- تذكَّر وتؤنث وأنها مذكورة في آيتها على وجه التذكير فقول لا مَقْنَع فيه، ولا اطمئنان إليه، ولكنه يزيدنا استشرافًا للحقيقة، وجدًّا في طلبها؛ لأنّه ينقلنا إلى سؤال جديد، فالقرآن الكريم يعامل السماء تسعًا وعشرين مرّة معاملة المؤنث، إسنادًا إليها، ووصفًا لها، وإعادة للضمير عليها، ولم يستعملها مذكّرة ولو مرّة واحدة لا نصًّا ولا احتمالًا، فما للقرآن لا يدع منهجه في استعمالها إلا في هذه الآية خاصّة، وما كان القرآن ليصنع هذا الصنيع إلا لأَمر يراد.

سؤال لا يمكن الصبر عليه ولا إغفال الإجابة عنه، وليس في البيت الذي يحتجّ الفرّاء به غناء، ولا فيه شاهد، ولم ينسبه الفرّاء ولا القرطبي، وهو مهموز الرّوي في رواية الفراء وبائيه في رواية القرطبي، ثم إن للشِّعر لغته المتميزة ورخصه المعهودة، وله من قبلُ ومن بعد مآزقه الضيّقة، وضروراته الملجئة لإقامة وزن أو إحكام قافية، وقد تُقبل نماذج من ذلك في الشِّعْر، لكنها لا تُقْبَل في النثر، فكيف هي في القرآن الكريم؟ ولو أنّ قائل هذا البيت استجاب في نظمه لداعية اللغة الفاشية بل الصحيحة، ولم تدفعه إلى خلافها ضرورة، فقال: فلو رُفعت السماءُ إليها لاضطرب الوزن في موضعين، ولو قال: فلو رَفَعَ السماء إليه لكان الاضطراب في موضع واحد، فالاضطراب واقع لا محالة مع تأنيث السماء وتذكيرها.

أما الذين يقولون -فيما يروي عنهم المبرد-: «إن السماء جمع سماوة» فيريدون أن السماء ليست اسمًا مفردًا، ولكنها اسم جنس جمعي، فلفظه مفرد، ومعناه جمع لما لا يعقل، فيجوز تذكيره للفظه، وتأنيثه لمعناه، مثله كمثل (شَجَر) في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ﴾ [الواقعة: 51-54].

والاستشهاد بالآية يقتضي أن يكون الضمير في سواهن عائدًا على السماء، جمعًا ومفردًا، وأن تكون كلمه (سبع) بعدها حالًا من هذا الضمير. وهو وجه كان يمكن الأخذ به وإنزال الآية على حكمه في الإعراب لو كان له صدى من بعيد أو من قريب في القرآن الكريم، لكن القرآن لا يذكر (سماوة) أبدًا، ولا يعامل السماء بغير ما يعامل به كل مفرد مؤنث حين الإسناد إليها وإعادة الضمير عليها.

ودعوى أن السماء جمع (سماوة) يشوبها الضعف والاضطراب، فالملاحظ أن المبرد لم يسمِّ الذين رواها عنهم، وجاءت عبارة المصباح عنها هكذا: «وقال الفرّاء: التذكير قليل، وهو على معنى السقف؛ وكأنه جمع سماوة». وقال الأزهري: «السماءُ عندهم مؤنثة لأنها جمع سماءة». لهذا أرى أنها دعوى لا سند لها من اللغة، وما هي إلا مجرّد خيال من متخيل أو افتراض من مفترض.

أما الوجه الذي نرتضيه وندعو إليه؛ لأنه يمتّ إلى العربية بعرق أصيل فهو أن يُجعل مرجع ضمير (سواهن) لفظَ (سبع) بعده، جيء به بدلًا منه ليوضّح إبهامه، ويدلّ على أنه هو وحده المراد بالتسوية، وما الضمير قبله إلا مجهوله، الآخذ به إلى مناط الحكم الذي بنى عليه الأسلوب، ولا يمنع من أصالته واستقامة نهجه أن يكون الضمير سابقًا البدل لاحقًا، فمن سنن العربية أن يعود الضمير على البدل وإنه لمتأخر لفظًا ورتبة. ومنه في الأثر: «اللهم صلِّ عليه الرؤوفِ الرحيم»، وفي شعر المتنبي:

أعيذها نظرات منك صادقة ** أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورمُ

نعود الآن إلى قول أبي عمرو: إنّ «السماء» إنما ذُكرت لأن مجازها السقف، تقول: «هذا سماء البيت». فنقول: إنّ السماء على شبه من السقف لأنها مثله تعلو وتظلّ، وفي اللغة متّسع لملاحظة المعنى، فكثيرًا ما تؤْثره العرب على اللفظ، وتلقي إليه زمام الكلام يصرفه إلى الوجه الذي يلائمه، وفي المقام وحسن الملاءمة بين الظاهر والباطن أمان من اللَّبْس والتخليط.

فمذهب أبي عمرو في «السماء» هو المذهب، لكن حَمْل «السماء» على البناء أَوْلَى من حملها على السقف؛ لأنها لم تُحمل عليه حيثما ذكرت في القرآن الكريم إلا في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ [الأنبياء: 32] على حين أنه يجعلها بناء، ويعبر عن خلقها بالفعل (بنى) ستّ مرّات، منها قوله سبحانه: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ [البقرة: 22]، وقوله: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾ [النازعات: 27-28]، ويجعل لها في موضعين اثنين أبوابًا تفتح، والأبواب -فيما يعهد الناس- من خصائص البناء وما يُلحق به، فقال جلّ ذكره: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾ [الأعراف: 40].

والبناءُ بعد أدلّ على إحكام الخلق وقوة التماسك، ويذكر القرآن فيما يذكر من أحوال السماء أنها خُلقَت بأيد، وأنها وثيقة الالتحام، فيقول: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [الذاريات: 47]، ويقول: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ [ق: 6].     

ثم إنّ العربية ترسل البناء مثلًا في قوّة التماسك؛ ولذا يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف: 4]، ويقول الرسول -صلوات الله عليه-: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا». رواه أبو موسى الأشعري[10].

فإذا ارتضينا أن يكون «البناء» لا السقف هو مجازُ السماء، كان في كلمة «منفطر» على خلافها لكلمة «السماء» إشارةٌ إلى البناء، ودعوة إلى استحضاره، وأنه ملحوظ فيه معنى، وإن لم يذكر لفظًا. وهو بذلك أحقّ أن يكون أبلغ تأثيرًا، وأهول تصويرًا لأحداث اليوم الموعود. فتنشق السماءُ طوعًا لإرادته سبحانه، لا يغني عنها أنها وثيقة البنية، وأنها خُلِقت بأيد، وليس فيها فطور، فالآمر هو الله -جل جلاله-، وهو سبحانه إذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كن فيكون.

 

 

[1] نُشرت هذه المقالة في مجلة «مجمع اللغة العربية بمصر»، العدد (45)، 1 مايو 1980م. (موقع تفسير).

[2] الكشاف (3/ 142).

[3] تفسير القرطبي (19/ 51).

[4] الكتاب (1/ 34).

[5] معاني القرآن (3/ 99).

[6] الصلابة: مدق الطيب.

[7] العلاوة: هي من كلّ شيء ما يزيد عليه.

[8] الهراوة: العصا.

[9] المذكر والمؤنث، ص122.

[10] التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (2/ 141).

الكاتب

علي النجدي ناصف

عضو لجنة إحياء التراث بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ومجمع اللغة العربية بمصر، توفي عام 1982م.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))