قراءة في كتاب
(منهجية القرآن المعرفية)
لأبي القاسم حاج حمد

الكاتب : كريم التايدي
يُعَدّ كتاب (منهجية القرآن المعرفية) لأبي القاسم حاج حمد، من الدراسات الحداثية التي قصدت إلى تجديد النظر في المنجَز التفسيري ومنه إلى تجديد المعرفة الإسلامية عمومًا، ويحاول هذا المقال تسليطَ الضوء على هذا الكتاب، وبيان مقاربته للموضوع وكيفياتها، والموقف منها.

تمهيد:

  من القضايا التي تتصل بالدراسات القرآنية قضية المعرفة، وقد نُظِر إليها من زاويتين: زاوية داخلية تنظر في القرآن الكريم بغية استنباط المعرفة من داخله، وزاوية خارجية تسعى إلى استدعاء العلوم والمعارف الإنسانية لإيجاد ما يوافقها ويلائمها من القرآن الكريم، ولهذا الوجه من النظر أصول في المنجز التفسيري منذ البواكير الأولى للتفسير.

إنّ المتأمل لعلم التفسير وأصوله، وعلوم القرآن، لَيجد أنّ التفسير قد تعدّدت أنماطه، وأخذ له مجالات علمية ومعرفية تنوّع إليها، فأصبحتْ تمثّل المرجعية التي ينطلق منها المفسِّر، مع تسليم كلّ المفسِّرين بأنّ معاني كتاب الله تعالى لا تُحَدّ، ومن هنا ميّز القدماء بين تقليدين (التقليد بمعناه المعرفي الذي يشير إلى الاتجاه أو المدرسة أو المذهب...): التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي. إلا أنَّ كلًّا من الاتجاهين لم يتجاوز طريقة التفسير الخطّي للآي والسور.

وبتأثير من البُعْد المنهجي للمعرفة، والعقلانية الغربية، تأثّر الكثير من الدراسات الحديثة والحداثية التي ترتبط بالقرآن الكريم، سعيًا منها إلى تجديد النظر في المنجز التفسيري خصوصًا، ومنه إلى تجديد المعرفة الإسلامية عمومًا لتصطبغ بصبغة العقلانية، وفي هذا السياق ظهر العديد من الدراسات التي تناولت القرآن الكريم من زاوية معرفية.

سنسعى في هذا المقال إلى مقاربة واحدة من هذه المحاولات، وهي المحاولة التي قدّمها المفكّر السوداني أبو القاسم الحاج حمد -رحمه الله- في كتابه: (منهجية القرآن المعرفية)، فنعمل على اكتشاف معالم وجهة نظره؛ سعيًا إلى تقريب الكتاب من القارئ من جهة، وتقويمًا لبعض الآراء التي احتوى عليها الكتاب من جهة أخرى على نحو ما تقتضيه المبادئ والأُسس المنهجية والعلمية.

نسعى في هذا المقال إلى الإجابة عن الأسئلة الإشكالية الآتية: ما الحاجة إلى المنهجية المعرفية القرآنية؟ وما وجوه الاتفاق والاختلاف بينها وبين التراث التفسيري؟ إلى أيّ حدّ تحقِّق هذه المنهجية امتدادًا لتفاعل النصّ القرآني مع الواقع؟ وإذا كانت المنهجية المعرفية تُعَدّ نفسها بنية متكاملة داخلية فكيف تفاعلتْ مع بقية المعارف الأخرى؟

كتاب منهجية القرآن المعرفية؛ عرض وبيان:

تعريف بالكاتب ومرجعياته:

لنا أن نُلمح بدءًا إلى أنّ المفكر السوداني قد اشتهر شهرة واسعة تغنيه عن التعريف به وبحياته، إلا أنه ينبغي أن نشير إلى مجموعة من العوامل التي كان لها بالغ الأثر في تكوين حياته الفكرية والعلمية، وهو ما يمكن أن يضيء لنا جوانب من فكر الرجل وأطروحته ومراميه.

الحلم السياسي:

من يطّلع على سيرة أبي القاسم الحاج حمد يجد أن حياة الرجل كانت مَلْأَى بالانشغالات السياسية، فمنذ سنواته المبكّرة شارك في مظاهرات وثورات، ورسم لنفسه مسيرًا حافلًا بالمشاركات السياسية تحملًا للمسؤولية، وتوليًا لمناصب استشارية، بالإضافة إلى تقلّده عدّة مناصب سياسية عُليَا، ولأهميته السياسية اهتمت به بعض القنوات التلفزية فأعدّت عنه برامج وثائقية يمكن العودة إليها.

البعد الإصلاحي:

وُلِدَ أبو القاسم الحاج حمد سنة 1942م، وتوفي -رحمه الله- سنة 2004م. لم يستقرّ له حال، ولم يهدأ له بال، فصال وجال بين قضايا الفكر السياسي والديني والاجتماعي، فعمل مستشارًا للمعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن، وأسّس مركز الإنماء الثقافي في أبو ظبي، ودار الدينونة في قبرص من أجل إعداد موسوعة القرآن المنهجية والمعرفية، وأصدر مجلة الاتجاه المتخصّصة في شؤون الفكر والشؤون الإستراتيجية، وله من المؤلَّفات والدراسات الكثير، مثل: (العالمية الإسلامية الثانية، منهجية القرآن المعرفية، الحاكمية، القرآن والمتغيرات الاجتماعية، تشريعات العائلة في الإسلام، جذور المأزق الأصولي، حرية الإنسان في الإسلام، السودان.. المأزق التاريخي وآفاق المستقبل).

الأثر الفكري الغربي:

يبدو ذلك بيِّنًا من خلال تعدّد المرجعيات التي يستند إليها، فهو وإن كان يسعى إلى تأسيس مقاربة خاصّة للدراسات القرآنية، وهي المقاربة التي تأخذ في اعتبارها الرؤية الثنائية للكون، بين الخلق والتشيّؤ = إلا أنه في الآنِ ذاته يقتبس أو يحاور أو يستعير مناهج أو أفكارًا لمفكِّرين أو اتجاهات غربية، وذلك نابع من تخوّفه من السقوط في الفكر الخرافي الناتج عن الإيمان بما ورد في الموروث التوراتي، يقول: «إنّ من مهمّات المنهجية المعرفية القرآنية ألّا تتعاطى بعفوية عقلية مع التراث التفسيري الذي يستمد أصوله من الموروث التوراتي الذي يستمد أصوله بدوره من الموروث الأسطوري البابلي، وإلا لاختلطت المعرفية القرآنية بأساطير الأوّلين الخرافية وأغلقت دونها قدرات الوعي المنهجي»[1].

إنّ هذا الحذر نابع من مرجعية الكاتب الغربية التي تنبني على العقلانية المجرّدة، ويمكن أن نشير إلى أهم المرجعيات التي تمّت الإشارة إليها تلميحًا أو تصريحًا في متن الكتاب، حيث يشير الكاتب إلى «حفريات المعرفة»[2]، وصرّح بتبني تصور «مدرسة فرانكفورت» حول القول بوحدة العلوم الطبيعية والإنسانية[3]، بالإضافة إلى استناده إلى بعض الأفكار المستقاة من علم الاجتماع أو علم النفس سعيًا إلى التمييز بينها وبين التصوّر القرآني، كما الشأن في تمييزه بين علم النفس الوضعي والتصوّر القرآني للنفس الإنسانية. «ومن هنا نميّز بالتحديد بين المنهجية القرآنية المطلقة وبين نسبية التلقي البشري وتفاعلات النسبية على المستوى النفسي والسلوك الاجتماعي»[4].

ينبغي أن نشير هنا إلى أنّ زاوية التأثّر بالفكر الغربي كانت منهجية، وذلك ما يصرّح به الكاتب في موضع آخر حيث يقول: «أمّا موقفنا الفلسفي فلا ينطلق من تمجيد العقل والفلسفة لذاتهما سواء بوضعهما في مقابل الدين والوحي، أو في محاولة مقاربتهما من الدين والوحي، وكذلك لا ينطلق من تبنّي المناهج الفلسفية الغربية. وإنما ينطلق موقفنا الفلسفي من استخدام محدّدات معرفية ومنهجية تم اكتشافها علميًّا في سياق التطور الفكري للغرب»[5]، فمنطوق النصّ ينفي التقليد ويثبت الاجتهاد، إلا أنّ مفهومه يحِيل إلى نوع من الأخذ الخفي عن هذه المناهج، وهو الأمر الذي نجده من خلال توظيف عدة مفاهيم ومصطلحات تعود نشأتها إلى البيئة الغربية.

محتويات الكتاب:

يتجاوز حجم الكتاب ثلاثمائة صفحة، وقد قسمه أبو القاسم إلى مدخل، وثلاثة فصول، فجعل المدخل التمهيدي مقدّمة مفهومية إلى الموضوع توقّف فيها عند مجموعة من المفاهيم والأُسس التي تشكّل جهازًا اصطلاحيًّا يمكّن المتلقي من التفاهم والتحاور، وأهم ما وقف عنده هو مصطلح «أسلمة المعرفة» سعيًا إلى التأسيس له، في علاقته بتاريخ الفكر وتطوّره، وكذا ارتباطه بمسألة الخطاب ودوائره وخصائصه.

انتقل في الفصل الأول إلى الحديث عن الخصائص المنهجية والمعرفية للقرآن الكريم، مؤكّدًا على اعتبار القرآن معرفة تعادل الوجود الكوني وحركاته، وقد توقّف في هذا الفصل عند عدّة أمثلة بغية توضيح ما يقصد إليه؛ لذا كان الغالب على هذا الفصل هو التأسيس النظري، وقد انتقل المؤلِّف في الفصلين المتبقيين إلى إجراء تطبيقات حول المنهجية المعرفية القرآنية لأسلمة مناهج العلوم الطبيعية والإنسانية، مستمدًا نماذج وأمثلة من علم النفس والاجتماع والتاريخ.

يمكن القول إنّ لُبّ الكتاب يكمن في الفصل الثالث الذي خصصه المؤلّف للجمع بين القراءتين، ويقصدُ بهذا الجمعَ بين القراءة الطبيعية والإنسانية التي تتشكّل من الوقائع، وبين القراءة التي تتجاوز العالم المنظور، في صيغة جامعة تتجاوز مبدأ القطيعة والمنع إلى مبدأ التكامل والجمع، الأمر الذي اضطرّه إلى التنويع في المرجعيات التي يستند إليها.

أهداف الكتاب وغاياته:

لم ينصّ المؤلِّف صراحة على أهدافه، ومن خلال قراءتنا للكتاب تبيّن أنه يهدف إلى تحقيق عدّة أهداف وغايات، وبالرغم من تعدّدها وتفاصيلها إلا أنه يمكن إرجاعها إلى أمهات، وهي:

- تحكيم البُعد المنهجي: والمنهجية في تعريفه «هي خروج العقل من حالة التوليد الذاتي للمفاهيم إلى اكتشاف النّسق المرجعي الذي يحاكم هذه المفاهيم نفسها ويؤطّر لإنتاجها، بحيث يحكم التطبيقات في مختلف الحقول الأخرى، فالمنهج هو خلاصة قوانين تحوّلت إلى نظريات تحوّلت بدورها إلى إطار مرجعي وليس مجرّد صياغة موضوعية للتفكير»[6]. ومتى تحقّقت المنهجية بهذا النمط التصوري أمكن معه أن نعيد «فهم أصول الأحكام، لا بمجرد القياس والاستدلال والاستقراء والرأي والاستصحاب والتحسين والمصالح، ولكن بردّ الأحكام إلى المنهج المؤطر للشرعة»[7].

- تغليب البُعد المعرفي: وذلك عبر «التركيز على الدلالات المعرفية المميزة لألفاظ القرآن»[8]، اعتبارًا لكونها تعبيرًا عن رؤية متجاوزة لحدود المرئي المادي إلى عالم الخلق والغيب.

- تحقيق عالمية الرسالة: وذلك مبنيّ على تصورٍ للكاتب، وهو تصوّر مبنيّ على اعتبار أنّ الاصطفاء الإلهي للنبوّة إنما تم على مراحل، بين الاصطفاء المرتبط بالأسرة (آدم -عليه السلام- نموذجًا)، والاصطفاء المتعلّق بالقومية (بنو إسرائيل نموذجًا)، والاصطفاء الذي اختتمت به الرسالات لتتحقّق عالميتها (البعثة المحمدية)، ولا يمكن تحقّق العالمية ما لم تُجَرَّد الرسالة وتُرْفَع عن سياقاتها الخاصّة.

الإشكالات المعرفية الرئيسة للكتاب:

يندرج الكتاب إذن في صلب اهتمامات الرجل الفكرية، وهو الاهتمام الذي يسعى إلى مقاربة القرآن الكريم مقاربة مغايرة عمّا درج عليه المفسِّرون من تفسير وبيان آي القرآن الكريم طُوليًّا. ليس الأمر إذن تفسيرًا، بل هو دراسة، «قرآنية... بدأت بالقرآن العظيم، وانطلقت منه، وعاشتْ في رحابه، وبقيتْ تصدر منه، وترد إليه حين نضجت واستوتْ على سوقها»[9]، في صورة مكتملة الأركان والمعالم والملامح لتشكّل بذلك نظرية جديدة في التعامل مع القرآن الكريم.

منطلقات التصوّر:

يندرج هذا الوجه من النظر ضمن مشروع أوسع، هو ما أطلق عليه صاحبه مصطلح «أسلمة المعرفة» بما يحيل إليه المصطلح من اعتبار التناظر القائم بين النصّ المسطور والكون المنظور، وذلك نابع عن اعتقاد أنّ مصدر العالمَين (الكون والكتاب) واحد هو الخالق، فـ«أسلمة المعرفة تعني أسلمة العلم التطبيقي والقواعد العلمية أيضًا، وذلك بفهم التماثل بين قوانين العلوم الطبيعية، وقوانين الوجود المركّبة على أساسها القيم الدينية نفسها، وبذلك تتم أسلمة الإحالات الفلسفية للنظريات العلمية بحيث تنفي عنها البعد الوضعي، وتعيد صياغتها ضمن بعدها الكوني الذي يتضمن الغائية الإلهية في الوجود والحركة»[10].

هذا النظر المحكوم بالتناظر القائم بين البُعد الكوني والوضعي، أو جانب الخلق وجانب التشيؤ الوظيفي، أدّى بأبي القاسم إلى إعادة النظر في المنجز الفكري البشري من جانبين:

أولهما: نقد الفكر الإنساني خلال تحوّلاته الكبرى:

ينطلق أبو القاسم من قراءة لتاريخ وتحوّلات الفكر الإنساني، حيث يرى أنه من الممكن النظر إلى تحوّلاته الكبرى ورصدها في ثلاثة:

أ) التصور الإحيائي البدائي، وقد نظر الإنسان إلى ظاهرات الكون في استقلالها عن بعضها، فكانت النتيجة أن «تعبد الإنسان ما قهره من قوى الطبيعة».

ب) التفكير الثنائي التقابلي، بحيث نظر إلى «العلاقة بين الظاهرات في شكلِ قوانين جزئية».

ت) الخروج من الحالة الوصفية للقوانين إلى تفسيرها كونيًّا[11].

ويخلُص أبو القاسم بعد هذا التحقيب إلى أنّ الأطوار الأولى للفكر الإنساني لم تراعِ التقابل الواقع بين الخلق والكون، أي بين المطلق الغيبي والمشاهد، وإنما كانت تميل إلى هذا أو ذاك دون أيّ اعتبار لما يقابله، وهذا النمط من التفكير القائم على (القطيعة) إنما هو فكر قاصر ومحدود، قاصر لكونه ينطلق من زاوية محدّدة ومحدودة، ومحدود لانتهائه بانتهاء مجاله، بحيث يقوم على تصوّر قضايا الإنسان وَفق مجالات تشبه الجزر المنعزلة بحيث لا يربط بينها رابط، والحال أنّ المنطلق الذي يسعى أبو القاسم إلى التأسيس له إنما يتوخّى ربط العلاقة بين ما سمّاها «الجدليات الثلاث»، وهي: «جدلية الغيب، وجدلية الإنسان، وجدلية الطبيعة»[12]، وذلك وَفق رؤية كلية وإطار كوني واحد.

ثانيهما: نقد المنظومة المعرفية للعلوم الإسلامية:

ينطلق أبو القاسم من مسلّمة -عنده- مفادها أنه ينبغي التمييز بين: الدّين المطلق في جوهره، والتلقّي البشري له، وبعد هذا التمييز الأوّلي ينبغي أن نميّز أيضًا بين مرحلتين من التلقّي:

أ) التلقي الرسولي، حين تلقاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحيًا عن الله.

ب) تلقي الأُمة، وهي حالة التطبيق البشري (اتباعًا/ واجتهادًا).

يحِيل هذا النمط من الفهم القائم على تصوّر يسلّم بمطلقية القرآن ونسبية التلقي؛ اعتمادًا على أنّ التلقي إنما هو تلقٍّ بشري متفاعل، لكنه مشوب بما تتسم به الأفعال البشرية من النقص والوقوع في الخطأ، فإذا كان التلقي الرسولي قد حسم فيه بوفاة الرسول -عليه السلام-، فإنّ ما ينبغي أن يُعاد فيه النظر هو تلقي الأمة للوحي، وتطبيقها البشري القابل للاختلال والنقص كما أشرنا، ومن هنا يمكن التمييز بحسَب أبي القاسم بين تصوّرات ثلاثة في تلقِّيها للنصّ القرآني:

1) التصوّر الوضعي: القائل بأنّ القرآن نصّ تاريخي، وهو ما يعني أنه ينبغي أن يظلّ حبيس التجربيّة التاريخية، وهي مرحلة النزول.

2) تصور ديني: يتقيد بمفاهيم القرآن ودلالاته حكمًا بعصر التنزيل والتدوين.

ويعلّق أبو القاسم قائلًا: إنّ كلًّا «من التصورَيْن قد أغلق على القرآن إمكانية امتداده في الزمان والمكان عبر حقول معرفية متعدّدة ومتنوّعة»[13]، والقرآن بطبيعته متجاوز لهذا الإطار الذي حدّ به، من هنا كان من الضروري البحث عن تصوّر مختلف يقوم على التجاوز، ويحقّق مطلب الامتداد الزماني، وهو منهج المماثلة أو الجمع بين القراءتين.

3) منهج المماثلة: يقوم هذا الوجه من النظر على التسليم بأنّ «القرآن كونٌ مقروء»، وهنا يقدّم أبو القاسم أمثلة للتقابل بين القرآن الكريم والكون، وهي مقابلة تختلف عن مقاربة الإعجاز العلمي تمامًا؛ لكونها تتوخّى جانبًا منهجيًّا حياتيًّا لا معرفيًّا خالصًا، فمنظور الإعجاز العلمي يسعى إلى أن يكون العِلم سيد الموقف فتكون العلاقة قائمة على التداخل والاندراج، بينما منهج التماثل يقوم على التكامل الذي يسلّم بمقولة الاختلاف، ونشير هنا إلى مثالين قدّمهما الكاتب ليكشف التماثل بين:

مواقيت الصلاة الزمنية ↔ ظواهر الحركة الكونية

القانون الطبيعي ↔ القانون الأخلاقي

يرى أبو القاسم أن غاية هذا المنهج القائم على المماثلة إنما هو منهج تربوي تعليمي، إنه يشبه ما نكون عليه ونحن صغار، إنّ «منهج المماثلة في المستوى الابتدائي يشبه ما يكون عليه الطفل حين تعلّمه عبر موازنات الأشكال وقوالبها»[14]. فما على الإنسان المتلقي إلا أن يتأمّل هذا التكامل الواقع بين الكون المنظور والكتاب المسطور، ليكشف جمال الاتساق وتكامل الانسجام، ولا يمكن ذلك في نظر أبي القاسم ما لم ينظر إلى القرآن الكريم من زاوية ترفعه عن الوقائع المعزولة والجزئية إلى بناء معرفي كلّي له قوامه الخاصّ ومفاهيمه التي تميزه.

أسس التصوّر وأركانه:

بناءً على ما سبق، يذهب أبو القاسم إلى القول بالتغير الوظيفي العملي للقرآن الكريم بين مرحلتين من مراحله، وهما: مرحلة النزول ومرحلة التنزيل، فإذا كان القرآن الكريم قد نزل منجمًا ليناسب الحوادث والوقائع المنفصلة، فإنّ تنزيله بعد أن اكتمل يقتضي أن ينظر إليه بشكلٍ مختلف، ذلك أنّ «الترتيب انتقال من تنزل القرآن مفرقًا ومنجمًا على وقائع الناس ليركّب تركيبًا منهجيًّا ومعرفيًّا»[15]، ويقتضي ذلك مقاربة جديدة لمعاني ألفاظه لا على ما يقتضيه اللسان العربي المتداول، بل للقرآن استعمال خاصّ، واصطلاح معرفي أدقّ مما درج عليه العلماء والفلاسفة، ذلك أنّ «الاستخدام الإلهي للمادة اللغوية ولأيّ مادة في الكون يختلف نوعيًّا عن الاستخدام البشري مع وحدة خصائص المادة»[16]، وهذا يقتضي أنّ التوقف عند الدلالات اللغوية تداوليًّا بما يقتضيه ذلك من استحضار سياقات الآي؛ كأسباب النزول وما إليها لم يَعُد أمرًا يحتاج إليه، لكون القرآن الكريم في كليته يشكّل بناءً معرفيًّا متكاملَ العناصر ومبرَمَ العلاقات.

تنبني على ما سبق ضرورة -بحسَب أبي القاسم- نتيجة بموجبها يلغى القول بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، «ليس في القرآن ناسخ ومنسوخ، فالقول الإلهي واضح وصريح، آيات تتبدّل مواقعها فقط، وقرآن منزل بالحقّ فلا ينسخ بعضه، ولا تسقط آياته، غير أن مَن ابتدع علم الناسخ والمنسوخ فقد كان يحاول أن يحلّ مشكلته هو مع القرآن حين لم يتفهم منهجيته الكلية الرابطة للآيات التي بدَت له متضاربة أو متشابهة أو حتى متناقضة مع بعضها أحيانًا، فأوجد علم الناسخ والمنسوخ الذي لا يعني سوى إقرار حالة التناقض في تركيب القرآن ومضمونه، فظنّ بمجرد القول في القرآن ناسخًا ومنسوخًا أنه قد حلّ الإشكال، وما أدرك بذلك أنه قد طعن في الحقّ الذي أنزل القرآن»[17]؛ لأنّ «إعادة التركيب من بعد النزول المتموضع على الوقائع المتعينة في تلك المرحلة خروجٌ بالقرآن من التقييد إلى الإطلاق»[18]. معنى هذا أنّ من يعتبر الناسخ والمنسوخ إنما ينظر إلى آي القرآن منجمة، والحال أنّ القرآن بعد الختم قد شكّل متكاملًا، ومنظومةً معرفية شاملة ومترابطة لا يصح بحال أن تجزّأ إلى قطائع، كما ينبغي من جهة أخرى أن يفصل بين الاستعمال العادي للغة وبين الاستعمال القرآني؛ إِذْ هو استعمال خاصّ.

إنّ «القرآن ينحو في دلالات المفاهيم إلى الضبط والمنهجية على غير ما هو شائع وسائد ومتغير في ذهنية العائد المتصور»[19]. ومن هنا فإنّ استخدام اللغة وَفق مستوى إلهيّ يقوم على الإحكام المطلق بحيث تحوّل الكلمة إلى مصطلح دلالي متناهي الدقّة، ويمثل لذلك أبو القاسم بالوقوف عند مفردتين قرآنيتين: الأولى: تمييزه بين المس واللمس، حيث يستعمل المسّ (للروح)، مسّ القرآن إدراكه والشعور به، واللمس (للبدن). أمّا الثانية فهي مفردة (الأمّي) إِذْ تحِيل على ما يقابل الكتابِيّين لا الكاتبِين.

يقتضي ذلك إذن، «ضرورة قاموس يُعنى بدلالات ألفاظ القرآن المنهجية والمعرفية»[20]. بناء على أنّ الكلمات لا تحِيل على المعاني بشكل مباشر، بل هناك واسطة بين الكلمات وما تحيل إليه وهو المعاني، فـ«هناك ثلاثة أمور في عملية توصيل دلالات المفردة، فهناك الكلمة، وهناك الأمر الذي تشير إليه، وهناك التصور العقلي المشكّل عن هذا الأمر في الذهن، وذلك خلافًا للتصور التقليدي لفقه اللغة والمعاني»[21].

بنية التصور ووظيفته:

يظهر من خلال مقاربة هذا المفكر ودراسته أن تصوّره ينبني على عناصر ثلاثة: أ) القول بالتقابل بين الكون والكتاب. ب) القول بالغائية الأخلاقية لتحقيق التوازن. ج) القول بوحدة العلوم بناء على الغاية الواحدة. لذا كانت «مهمّة أسلمة المعرفة أن تعيد توظيف قوانين الصيرورة ضمن اتجاهات الغاية التي يحملها التركيب الكوني في ذاته معرفةً وأخلاقًا، فنأخذ بالصيرورة الكونية الغائية بحدّيها المزدوجين كمنهج علمي متجاوز للتطوّرية المادية، كما نأخذ بفلسفة العلوم الوظيفية في بُعدها الطبيعي والإنساني كمنهج علمي يتجاوز فلسفة العلوم الطبيعية الوضعية والمادية»[22]. فهو تجاوز إذن لمقولة القطيعة لكون الحقيقة الواحدة لا تنفصل بالرغم من تعدّد الطرق إليها.

ينبني تصوّر أبي القاسم إذن على مفهوم أساس هو «الجمع بين القراءتين»، ويقصد بذلك أن ينظر إلى الكون في شموله وكليته جمعًا بين الخلق بعده مقابل التشيّؤ الوظيفي والوعي القرآني بعده معادل للوجود الكوني، على أنّ هذا الجمع بين القراءتين يتم عبر مستويات:

1. التأليف بين القراءتين بطريقة توفيقية ثنائية؛ حيث يحصل الصعود من الواقع إلى الغيب، وقد أطلق عليه أبو القاسم: «عالم المشيئة المبارك».

2. التوحيد بين القراءتين بطريقة منهجية عضوية؛ إِذْ يقع التوسّط بين الغيب والواقع، وهو: «عالم الإرادة المقدس».

3. الدمج بين القراءتين برؤية أحادية؛ بحيث يكون التنزل من الغيب إلى الواقع، ويحيل ذلك إلى: «عالم الأمر المنزه».

بناء على هذا التصوّر الرابط بين الغيب والواقع ربطًا قائمًا على الاتصال والتفاعل يصل أبو القاسم إلى القول بـ«التأسيس الإبراهيمي للإسلام؛ لأنه أرسى صيغة العلاقة بين الغيب والواقع»[23]. وهكذا فإنّ هذا البعد المنهجي يؤدّي إلى نتيجة مهمّة و«ترتبط بالوحدة العضوية للوجود الكوني وحركته، فنقرأ الكون كلّه بمنهجية واحدة تعتمد على الجمع بين القراءتين وَفق مراتب مختلفة، ولكنها متراكبة تبدأ بفهم علاقة ثنائية جدلية، هي: (الخالق - الخلق)، ثم تبحث في جدلية (الخالق - الخلق) في إطار التأليف بين القراءتين (المشيئة)، والتوحيد بين القراءتين (الإرادة)، والدمج بين القراءتين (الأمر)، وهي مراتب متداخلة من الأدنى إلى الأعلى»[24].

يمكن أن نخلص بعد كلّ ما سبق إلى جوهر مقالة أبي القاسم، والتي تتمثل في النظر إلى الدين وتشكّله خارج التاريخ؛ إِذْ للدين صفة الإطلاقية التي تتصل بما هو متشيّئ، إلا أنه لا يعبر عنه، فيرى أن الدِّين تشكّل خارج التاريخ فليس معبرًا عن إيديولوجيا بشرية، وكلّ ربط له بالزمن الجزئي، سواء أكان من جانب إغلاق الدلالات من خلال ربطها بالحوادث والأسباب المنفصلة، أو تحديد صلاحياته بمرحلة زمنية معينة لا يتجاوزها بحجة التطور، إنما هو ربط ناتج عن قصور في الفهم والتصور.

كتاب منهجية القرآن المعرفية؛ أبرز مزايا الكتاب:

أوّل ما يمكن ملاحظته إيجابيًّا على كتاب (منهجية القرآن المعرفية) تأسيسُه للرؤية التقابلية بين الكون والكتاب، بالإضافة إلى سلوك صاحب الكتاب مسلكًا متفردًا في الخطاب يسعى منه إلى تحقيق نمط من التفرد في تناول القرآن الكريم، وهو نمط مختلف عن المنوال التفسيري بما هو معهود عليه منذ القِدم، إنه يسعى إلى تشكّل رؤى وقناعات وأفكار مؤسّسة على مبادئ عامة ومؤسّسة تستمد أصولها من القرآن الكريم.

أمّا الملاحظة الثانية فهي أنّ هذه المقاربة مقاربة داخلية تتوخّى التأسيس لنظام معرفي موجّه لفهم ما ترمي إليه الوصايا والأوامر والقيم دون الوقوع في إسقاطات إيديولوجية، بمعنى آخر أنّ أبا القاسم قد سعى إلى التأسيس لنوع من القراءة الموضوعية المتجرّدة والمسدّدة في آن؛ لذا ربط بين هذا النمط الجديد من القراءة، وحضور النفس وطبائعها. «الغاية القرآنية من مخاطبة النفس هي الوصول بها لتتطابق أخلاقيًّا مع مبادئ الوجود الكوني وقوانينه، أي قوانين الحقّ المبثوثة في الخَلْق»[25].

ومِن أبرز نقاط القوّة في هذا النمط من النظر المعرفي، درء التعارض ودفع التنافي بين التقديس والتأسيس، فالكتاب محاولة لقراءة القرآن قراءة معرفية تتجاوز الحدود الضيقة للمادة، وتسعى إلى إضفاء بُعد آخر من تعظيم الكتاب تعظيمًا يبرز أوجه التناسق والانسجام بين الغيب والشهادة، بين الطبيعة وما وراءها على هدى من الوحي.

إنّ قراءة أبي القاسم داخلية تتبنّى مقول الوصل لا الفصل؛ إِذْ تماثل بين «الخلق والحقّ»، وتقوم على أساس اعتبار «غائية الكون»[26]. ومن ثَمّ تكون قراءتها لأحداث التاريخ وسيرورته قراءة مبنية على سيرورة مقدرة تختلف عن الروح الهيغيلية المبنية على أساس مسيحي، فـ«الأسلمة تكمن في تضمين الظاهرة التاريخية دلالاتها الغائية الكامنة في منهجية الخلق والتي تتكشّف عبر مؤشّرات القرآن عليها من ناحية، وعبر قوانين التشيؤ من ناحية أخرى»[27]، «وبهذا تتحدّد مهمّة الباحث التاريخي المسلم في أن يستنبط ما هو أكثر تعقيدًا، أي الكيفية التي تهيمن بها الغائية المزدوجة في منهجية الخلق ومنهجية التشيؤ على سير الحركة التاريخية»[28]. مثال: الظاهرة الإسرائيلية وعودتها... الأمة العربية وانكماشها وتجزئتها... = يتجاوز مبدأ التشيؤ إلى الخلق. «فإذا كانت المذاهب التأليهية للتاريخ تكتفي بتناول المعاصي كسبب للانهيار فإنّ المطلوب من علماء التاريخ المسلمين فهم هذه المعاصي في نطاقها الأوسع باعتبارها تناقضًا تحمله الحضارات المنهارة في أصول تركيبها»[29].

كتاب منهجية القرآن المعرفية؛ أبرز المآخذ على الكتاب:

بالرغم من الإشارات الإيجابية التي مررنا بها سلفًا، فيمكن أن نسجّل بعض الملاحظات على هذا الكتاب ومقاربته، وهي عديدة غير أنّنا نكتفي منها بالأهمّ منهجيًّا ومعرفيًّا، فممّا تتسم به هذه القراءة التي قام بها أبو القاسم حاج حمد أنها:

- قراءة تجريدية تتعالى بإطلاقية النصّ عن التدافع السياسي، بمعنى أنّ ما ركّز عليه أبو القاسم الحاج حمد من القرآن الكريم كليات عمومية، ولم يتوقّف عند بعض الأحكام التفصيلية التي تناقش أمور الحياة العملية، من خلال هذا يريد أن يؤسّس لوجهة نظر خاصة تقارب النصّ القرآني في عموميته وشموليته دون الالتفات إلى بعض الأحكام الجزئية.

- وقد سلك أبو القاسم مسلكًا غريبًا في بعض التأويلات، وهي تأويلات تتجاوز معهود العرب في مخاطباتهم، وتحميل الآيات ما لا تتسع لحمله، ويمكن التمثيل لذلك بالتأويل الغريب الذي فسّر به سورة القدر، الأمر الذي أوقع صاحب هذا التأويل في نوع من التناقض، حين ربط المطلق بالتاريخي، واستناده إلى معطيات العلم والفكر الحديث لتأويل آي القرآن، ومثال ذلك تأويل قصة يأجوج ومأجوج.

- يُثار نقاش كبير حول الأسلمة، فهل المطلوب أسلمة المعرفة أم أسلمة النفس؟ إن كان الإسلام لا يبتغي من الفرد إلا أن يسلم وجهه لله قولًا وعملًا واعتقادًا، ولا شك أنّ للجانب الذاتي دخلًا كبيرًا في المسألة، لكن البدايات الأُولى لدعوى أسلمة المعرفة كانت في غاية الحماسة والاندفاع -بحافز من الموضوعية العلمية- إلى المقاربة بين المعرفة العلمية الموضوعية والإيمان أو العقيدة، ومن هنا لم يَعُد الإشكال مرتبطًا بموقف الإسلام من بعض القضايا، بل الرهان على تكييف تلك القضايا تكييفًا يرتفع معه الحرج الديني أو المعرفي، وإن اقتضى ذلك بعض التأويلات الغريبة التي لا تتحمّلها بنية اللغة وطبيعة أساليبها.

- ومن أهم ما يمكن أن يؤخذ على هذا التصوّر بشكل عام، هو نزعته التجريدية في مقاربة النصّ القرآني، بحيث يسعى إلى تأسيس نظرٍ تأمّلي خاصّ في إطار من الوحدة الكلية المتماسكة للقرآن الكريم دون اعتبار للظروف المكانية والزمانية التي نزل فيها، والحال أنّ طريقًا كهذا لا يقوم به علم مشترك، ولا يتحقّق به تفاهم ولا تواصل حتى مع القرآن الكريم ذاته؛ إِذْ نص القرآن الكريم يندرج ضمن اللسان الطبيعي الذي صيغ به عربيًّا؛ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}... ولا يمكن أن يقارب إلا في إطار استحضار السياق الذي نزل فيه مع اعتبار الأحوال والظروف والسياقات، لكون اللغة الطبيعية محكومةً بأعراف الممارسة والتخاطب.

إنّ الناظر للمقاربات العديدة للتراث العربي والإسلامي يجدها قد آلَت إلى نوع من التضخم المنهجي، ويمكن هنا أن نلخّص أهم المقاربات التي سعت إلى دراسة التراث في اتجاهات ثلاثة:

أ) اتجاه ينقل كلّ رَحْله ليستقر هناك ضاربًا صفحًا عن طبيعة التحول زمانًا ومكانًا وأحوالًا.

ب) اتجاه يسعى إلى القطيعة مع التراث واضعًا مكانه ما توصّلَتْ إليه الحضارة المعاصرة من أسباب رغد العيش.

ت) اتجاه ثالث يقوم على مبدأ الحوارية بين الحاضر والماضي، وإحلال الماضي في الحاضر عبر تبيئته وَفق المعارف والاتجاهات المعاصرة.

يمكن أن ندرج مقاربة أبي القاسم الحاج حمد ضمن الصنف الثالث من هذه المقاربات؛ إِذْ هي مقاربة تسعى إلى عقد صلة نوعية بالتراث، صلة تميز فيه بين المطلق والنسبي، بين الوحي الأول والتلقي، وتعتبر أن ما تُلُقِّيَ من قِبل الأمة قابلًا للنقاش والتحاور والتجاوز أيضًا، غير أنها مقاربة داخلية في الآن ذاته تتوخّى استمداد وسائلها ومسائلها من القرآن ذاته، باعتبار القرآن الكريم خطابًا يتسم بعدّة خصائص، أهمها:

1) البُعد المنهجي البنيوي.

2) المخاطبة بالمضمون = تجاوز لعصبيات التدافع الديني الذي يقف عند خصوصية الإرث التاريخي الذاتي والانتماء الشكلي، بحيث تنعدم لغة الحوار بين معتنقي الأديان المختلفة.

3) تكريس المنهج المعرفي في إطار العالمية الشاملة.

ومن هنا فإنّ هذا الخطاب ينبغي أن يراعي الأُسس التطبيقية التي ينطلق منها:

- عدم الفصل بين الظواهر الكونية وحركتها بما فيها الإنسان.

- الإعلاء من الجانب الوظيفي على حساب النسبية.

- تحديد العلاقة بين الخلق المطلق والتشيؤ الوظيفي.

خاتمة:

انطلاقًا مما سبقت الإشارة إليه، يمكن أن نخرج من هذه القراءة بعدّة خلاصات:

- يسعى كتاب (منهجية القرآن المعرفية) إلى التأسيس لمنوال جديد في التعاطي مع القرآن الكريم، إنه براديغم يقوم على أساس ربط العقدي بالعلمي ربطًا مختلفًا عن قضية الإعجاز العلمي، من حيث اعتقاده بالتكامل بين الغيب والشهادة، والقيم والعالم، والخلق والتشيؤ، دون الوقوف عند إشارات آيات بعينها وتفسيرها بعدها تعبيرًا عن حقائق علمية كانت فيما سبق من علم الغيب، هو منوال يجمع بين القراءتين: قراءة الكتاب المنظور، أي العالم والكون، وقراءة الكتاب المسطور، بناءً على مسلّمة الأصل الواحد.

- اقتضى هذا المنوال أن ينطلق الباحثُ من كليات تحدّد معالم النَّظَر، من أجل التمييز بين المعرفة القرآنية والإسقاطات الإيديولوجية؛ إذ الغاية هي النظر المعرفي الموضوعي، إلا أنّ هذه الموضوعية -بالرغم من شدّة الحماسة التي تحدو أصحاب المشروع- لم تتحقّق، خصوصًا عند بعض التأويلات التي يبدو فيها فعل الإسقاط الفجّ واضحًا، وقد أشرنا إلى بعض ذلك في متن المقال.

- من بين غايات هذا النمط من الدراسات القرآنية التخلّص من الحرج التأويلي عند قراءة بعض الآيات التي لا تتلاءم مع المقاربات العلمية الحديثة، وقد وجد أصحابه الحلّ في تأويل الآي ونقلها عن معانيها الحرفية إلى دلالات رمزية وإيحائية، تتوخّى بيان الانسجام مع المقتضيات العقلية -من منظور معين- وإن لم يناسب ذلك مقتضيات اللغة، وسياقات التداول باعتبار أن الوحي نزل منجمًا وتُدُووِلَ في سياق، والذي كان يحدو الكاتب ويدفعه إلى ذلك هو إحداث قطيعة مع التفسير الخرافي... وخصوصًا ما يرتبط بالتوراة.

- إنّ منوال أسلمة المعرفة، أو المنهجية المعرفية منوال طموح، لكنّ فائضًا من الحماسة -على ما يبدو- قد أفضى به إلى القطع مع منظومة تراثية بأكملها في مجال إنساني وفكري لا يصح القول بالقطيعة أو التجاوز، لطبيعته التراكمية.

 

 

[1] منهجية القرآن المعرفية، أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية، محمد أبو القاسم الحاج حمد، دار الهادي، بيروت، الطبعة الأولى، 2003م، ص129.

[2] منهجية القرآن المعرفية، ص156.

[3] منهجية القرآن المعرفية، ص157.

[4] منهجية القرآن المعرفية، ص162.

[5] العالمية الإسلامية الثانية، جدلية الغيب والإنسان والطبيعة، محمد أبو القاسم الحاج حمد، دار الهادي، بيروت، الطبعة الأولى، 2004م، ص66.

[6] منهجية القرآن المعرفية، ص35.

[7] منهجية القرآن المعرفية، ص57.

[8] منهجية القرآن المعرفية، ص26.

[9] من مقدمة د. طه جابر العلواني، لكتاب: (منهجية القرآن المعرفية)، ص5.

[10] منهجية القرآن المعرفية، ص31.

[11] منهجية القرآن المعرفية، ص36.

[12] إبستمولوجية المعرفة الكونية، محمد أبو القاسم الحاج حمد، ص195.

[13] منهجية القرآن المعرفية، ص84.

[14] منهجية القرآن المعرفية، ص88.

[15] منهجية القرآن المعرفية، ص94.

[16] منهجية القرآن المعرفية، ص97.

[17] منهجية القرآن المعرفية، ص95.

[18] منهجية القرآن المعرفية، ص96.

[19] منهجية القرآن المعرفية، ص99.

[20] منهجية القرآن المعرفية، ص133.

[21] منهجية القرآن المعرفية، ص98.

[22] منهجية القرآن المعرفية، ص140.

[23] منهجية القرآن المعرفية، ص196.

[24] منهجية القرآن المعرفية، ص236.

[25] منهجية القرآن المعرفية، ص160.

[26] منهجية القرآن المعرفية، ص142.

[27] منهجية القرآن المعرفية، ص146.

[28] منهجية القرآن المعرفية، ص144.

[29] منهجية القرآن المعرفية، ص147.

الكاتب

كريم التايدي

أستاذ اللغة العربية بالتعليم الثانوي التأهيلي، وباحث بسلك الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية - جامعة عبد المالك السعدي - تطوان

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))