تعريف بمخطوط (الدر اللقيط) لابن مكتوم
المحفوظ بمكتبة يني جامع بإستانبول

تعرِّف المقالة بمخطوط نفيس لكتاب (الدر اللقيط من البحر المحيط) لابن مكتوم، وهو المحفوظ بمكتبة يني جامع بإستانبول، وتستعرض الجانب المادي للمخطوط بذكر بيانات الحفظ وحالة النسخة، وكذلك الجانب العلمي بذكر التعليقات على المخطوط وقيمته العلمية.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلاةً وسلامًا على خير مبعوث في العالمين، وبعد:

  فإنَّ الكتاب الذي حوى كلامًا فوق كلام البشر وهو كتاب ربِّ الخلق سبحانه -لجديرٌ بأن تكون له الرُّتبةُ العليَّةُ في شُغل المشتغلين وعمل الدارسين، وإنَّ حَلَّ ألفاظِهِ وتفسيرَ معانيه علمٌ اختصَّ به أفذاذُ العقلاء وأسيادُ الحكماء، فكانت التفاسير أهمّ ما اعتنى به العلماء وأشرف ما رشقه يراع السعداء.

وإنَّ القرآن بحرٌ متلاطمٌ موجُه يهديك التفسير إلى ساحله، ومَن جعَلَ اللهَ آصِرَتَهُ والقرآن مؤونَتَهُ وتَفسيرَهُ عُدَّتَهُ، التقط الدرَّ من هذا البحر ونال العِزَّ دوام الدهر.

وَمِن أبدع ما خطَّ القلم في تفسير كلام الباري سبحانه، ما جادت به أسرار الشيخ أبي حيان الأندلسي[1]، ففضَّ أبكار الأفكار، في تفسيره «البحر المحيط» الذي لخّصه في سِفر لطيف تلميذُه النجيب أحمد بن عبد القادر بن مكتوم القيسي الحنفي[2]، وسمَّاه «الدر اللقيط من البحر المحيط»، وبين أيدينا نسخة من نسخ هذا الكتاب كُتبت بين يدي المؤلف -رحمه الله تعالى- سنحاول بقدر الوسع والطاقة في هذه المقالة دراسَتَها من جانبيها: المادي والعلمي.

أولًا: الجانب المادي:

1. بيانات الحفظ والورق والمقاس:

هذه النسخة محفوظة بمكتبة (يني جامع) داخل المكتبة السليمانية في إستانبول برقم حفظ (45) وهي الجزء الثاني من الكتاب، متوزعة على مائة وإحدى وثمانين ورقة متصلة لا انقطاع بينها بدلالة التعقيبة، في تسعة عشر سطرًا للصفحة الواحدة، بأربع وعشرين كراسة، بمقاس (254×170) مم للورق، و(120×190) مم للنصّ.

2. الخط والمداد:

كُتبت النسخة بخط نسخ واضح كبير قديم، لم يتمّ ضبط الحروف فيها وإنما اكتَفَى بالتنقيط، ولُوِّنت الحروف جميعها بالسواد إلّا أسماء السور والرموز التي وضعها للدلالة على العزو في الأقوال المنسوبة، وهي: (الحاء والشين والعين) لوَّنها بالحُمرة.

3. حالة النسخة:

لقد أصاب هذه النسخة الكثير من الآفات التي أثَّرت على الحبر تارة وعلى الورق تارة أخرى أو على جسم النسخة كاملًا.

فترى الأَرَضة أكلَت من بعض أطراف الورق مما استدعى الترميم الذي غطَّى في بعض المواضع على المادة العلمية، وتبلَّلت جوانبها في كثير من الورق، وأثَّرت الرطوبة على بعض أوراقها تأثيرًا شديدًا أو خفيفًا في غير مكان من النسخة وانتشرت البقع عليها في كثير من الصفحات وتفكَّك بعض أجزائها عن بعضه، ولكن لم يؤثر كلّ ذلك على وضوح المادة العلمية في غالبها.

4. بيانات النَّسْخ:

هذه النسخة تمَّت استكتابًا بأمر محمد بن قراجا بن عليّ، في «يوم الأحد لثلاث إن بقين من شهر ربيع الأول سنة خمسٍ وأربعين وسبعمائة». كما نصَّ كاتبها، واتضح أنَّ القلم انتهى منها بعد أنْ مات صاحب المتن بشهور وتلميذه ما زال حيًّا.

ثانيًا: الجانب العلمي:

1. المقابلات والتصحيحات التي على النسخة:

قُوبِلَت هذه النسخة على المؤلف أو نسخته -بحسب غلبة الظنّ-؛ لأنها نُسخت في حياته، وتوزَّعت التصحيحات على طُرَرِها وهوامشها وتكرَّرت في عِدَّة مواضع، وكذلك البلاغات بالمُقابلة ذُكرت في [49/أ]، [59/أ]، [93/أ]. من غير أن ينصَّ على قيد بالمقابلة في آخر النسخة أو غيرها من المواضع.

 

2. التعليقات والنكات:

لم تكثر التعليقات على النسخة، ولكنها زينت بنكات وتقريرات وأخبار يسيرة مفيدة على بعض هوامشها.

3. قيمة النسخة:

ارتفعت رُتبَةُ هذه النسخة إلى النَّفاسَة؛ لأنها كتبت في حياة المؤلف صاحب المختصر وقوبلت في أغلب الظنِّ عليه أو على نسخته، وكذا بعد وفاة صاحب المتن أستاذ المؤلف بأشهر قليلة مما يعني أنها نُسخت في عهدة المؤلف، وحديثة عهدٍ بعبارة صاحب المتن.

4. رحلة المخطوط:

هذه النسخة لم تحظَ بتنقُّلات كثيرة بين الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد أمر مستكتبها «محمد بن قراجا بن عليّ» بكتابتها في السنة الخامسة بعد سبع مئين وأربعين من الهجرة الشريفة، في حياة المؤلف مقابلَةً عليه، فيَرجُحُ أنها كانت بمصر، ثم وُجِدَت بعد أربعة قرون من محفوظات مكتبة يني جامع في عاصمة العثمانيين من أوقاف السلطان أحمد خان بن غازي بن سلطان بن سلطان محمد خان[3]. وعليها خاتمه المنقوش فيه: (وقف سلطان أحمد خان بن سلطان غازي محمد خان).

خاتمة:

مع أنَّ هذه النسخة هي جزء من الكتاب وأثَّرت عليها بعض الآفات المادية، إلا أنَّ نِساخَتَها في عهد المؤلف أفرد لها بابًا في النفاسة، وإنَّ الباحث المحقّق ليجمع في هذه النسخة شروط بحثه وقيود درسه من اعتماده عليها أصالة ثم ما يتوفر له تباعًا، والحمد لله ربّ العالمين.

 

[1] شيخ النحاة العَلَم الفرد والبحر الذي لم يعرف الجزر بل المد، سيبويه الزمان والمبرد إذا حمي الوطيس بتشاجر الأقران، مولده بمطخشارش وهي مدينة مسورة من أعمال غرناطة في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وستمائة. ونشأ بغرناطة وقرأ بها القراءات والنحو واللغة، وجال في بلاد المغرب ثم قدم مصر قبل سنة ثمانين وستمائة، سمع بغرناطة ومالقة وبجاية وتونس والإسكندرية ومكة ومصر. اختصر منهاج النووي، وصنف التصانيف السائرة: البحر المحيط في التفسير، وشرح التسهيل، والارتشاف، وتجريد أحكام سيبويه، والتذكرة، والغاية، والتقريب، والمبدع، واللمحة، وغير ذلك. توفي عشيّة يوم السبت الثامن والعشرين من صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة بمنزله بظاهر القاهرة ودفن بمقابر الصوفية. انظر: طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين السبكي، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1413هـ. ج9، ص279.

[2] أحمد بن عبد القادر أحمد بن مكتوم بن أحمد بن محمد بن سليم بن محمد القيسي، تاج الدين، أبو محمد، النحوي: ولد في أواخر ذي الحجة، سنة اثنتين وثمانين وستمائة. قال ابن حجر: «قرأت بخطِّه أنه حضر دروس البهاء بن النحاس، وسمع من الدمياطي اتفاقًا قبل أن يطلب، ولزم أبا حيان دهرًا طويلًا»، وكان قد تقدَّم في الفقه والنحو واللغة، ودرَّس، وناب في الحكم. وله على الهداية تعليق، وجمع كتابًا حافلًا سَمّاه: الجمع المتناه في أخبار اللغويين والنحاة، شرح كافية ابن الحاجب، وشرح شافيته وشرح الفصيح والتذكرة سماها قيد الأوابد. قال السيوطي: وجمع من تفسير أبي حيان مجلدًا، سمّاه «الدر اللقيط من البحر المحيط» وهو الذي نَصِفُ نسخته، قصَره على مباحث أبي حيان، مع ابن عطية، والزمخشري. وكانت وفاته في الطاعون العامّ، في شهر رمضان سنة تسع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى. انظر: الطبقات السنية في تراجم الحنفية، تقي الدين بن عبد القادر التميمي الداري الغزي، ج1، ص113.

[3] السلطان أحمد الأول: (1012-1026هـ/1603-1617م) تولى الحكم بعد وفاة والده وعمره 14 سنة، ولم يجلس أحد قبله من سلاطين العثمانيين في هذه السنّ على العرش، وكانت أحوال الدولة مرتبكة جدًّا، فأتمّ ما بدأ به أبوه من تجهيزات حربية، كان كثير الاستشارة لأهل العلم والمعرفة، والقيادة وكان شديد الحبّ للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي عهده بدأ إرسال ستائر الكعبة الشريفة من إستانبول، وقبل ذلك كانت ترسل من مصر، توفي -رحمه الله- في 1617م ودفن عند جامع سلطان أحمد. انظر: الدولة العُثمانية -عَوَامل النهُوض وأسباب السُّقوط، عَليّ محمد الصَّلَّابي، دار التوزيع والنشر الإسلامية، مصر، الطبعة الأولى: 1421هـ-2001م. ج1، ص303.

الكاتب

عبد العاطي الشرقاوي

باحث في مجال التراث الإسلامي، حصل على درجة الماجستير في التفسير والحديث من جامعة الشارقة، وله عدد من البحوث والتحقيقات والمؤلفات.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))