المرويات الإسرائيلية وجدوى اعتمادها في منهج تفسير آيات القرآن
قراءة نقدية في منظور الباحث/ خليل محمود اليماني

الكاتب : محمد كنفودي
يعد توظيف الإسرائيليات في التفسير من الموضوعات المثيرة للجدل، وهذه المقالة تتناول بالنقد والمناقشة أحد الأطروحات الحديثة في هذا الموضوع، وهو الطرح الذي قدمة الباحث/ خليل محمود اليماني، فتناقش البناء المنهجي لهذا الطرح، وتثير حولها عددًا من التساؤلات.

  نتناول في هذه المقالة من منظور نقدي، اجتهادَ الباحث خليل محمود اليماني، المتعلّق بمنظور استناد تفسير السَّلَف إلى المرويات الإسرائيلية، القائم على ما سمّاه بمنظور التوظيف والاستدلال الأداتي، وليس على منظور النّقل المضموني.

مقدمة:

لا ريب أنّ إعادة النَّظَر في الإنتاج الاجتهادي في تاريخ تفسير آيات القرآن الحكيم، إذا صحّ المنهج، بقدر ما له وجاهته، له مشروعيته؛ فأمّا وجاهته فتنبني على الخصائص النّاظمة للقرآن، خصوصًا بالنظر إلى كونه خطابًا إلى الناس جميعًا في مطلق الزمن، وكونه عالميًّا، ومصاديق إنسانيته وعالميته ونحوهما ظاهرة في أيّ زمن تكليفي، توسّلًا بالاجتهاد. وأمّا مشروعيته فتظهر في أنّ ذلك الإنتاج اجتهادي. والاجتهاد الإنساني -بصرف النظر عن زمن انبثاقه- يحتفّ به دومًا أمر الإصابة والخطأ في النظر منهجيًّا ومعرفيًّا، بعد التمكّن من عُدّة أهلية النظر، وإلّا فلا اعتبار لمحصول من لا يتمكّن منها. إلّا أنّ جدوى إعادة النظر في التركة التفسيرية الاجتهادية مثلًا؛ سواء تعلّقت بالجانب المنهجي أو المعرفي، تقتضي قيامها على منهج موضوعي للنظر، ومن أهم معالمه إجمالًا؛ أولًا: أن يكون مبتغاه البحث عن الصواب في تعاليه عن المذهب أو الانتساب المتحيّز المُسبق، ولو خالف رأي الذّات ووافق رأي المخالف. إِذ الحقيقة الموضوعية تقاس بقُربنا منها وليس بقُربها منّا، وإلّا تنسّبَت، خصوصًا إذا كانت حقيقة موضوعية مطلقة متعالية مفصولة عن الذات. ثانيًا: التجرّد عن تسويغ المسبقات وتبريرها، القائمة على تحديد الحكم قبل مباشرة البحث، أو اتخاذ اجتهادٍ ما معيارًا أعلى لمعايرة كلّ شيء به رفضًا أو قبولًا، مما يفضي إلى أن يكون البحث انتقائيًّا، يصوب عمله نحو الظفر بما يعزّز تلك المسبقات ويدحض ما يخالفها، بصورة تأويلية تحكمية جدلية. ثالثًا: البُعد عن إصدار الأحكام القاطعة، خصوصًا المعرفية منها، إِذْ ما دام النظر اجتهاديًّا فهو لا يكون إلّا نسبيًّا، ونسبيته من حدود بحث الناظر ومداركه العقلية، فضلًا عن استقرائه الناقص، خصوصًا إذا تعلّق مجال البحث بمجال التفسير مثلًا، بتعدّده وتوسّعه. رابعًا: الانطلاق من مبدأ التراكم القائم على القطيعة الواعية لا القطيعة المطلقة، إِذْ يكون الهمّ البحثي منصبًّا على تكميل الإصابات وتطويرها، وتجاوز الأعطاب والاعتلال بعد بيانها موضوعيًّا وبتجرّد، فضلًا عن التوقّف إذا لم يتوفر للباحث ما يقيم به نظره إكمالًا أو نقدًا، من باب التواضع العلمي الذي هو دأب أهل النظر المعتبر. خامسًا: البُعد المطلق عن الأحكام الدينية التي تلصق بالمخالف في الرأي والاجتهاد، بدعوى مخالفة النظر الاجتهادي. لا شك أن التقيّد بعُرى هذا الهدى المنهاجي من شأنه أن يكوّن محصول إعادة النظر في الإنتاج الاجتهادي التراثي التفسيري، ذا بالٍ منهجيًّا ومعرفيًّا.

بناء على سبق، اخترنا بعض أبحاث ومقالات الباحث خليل محمود اليماني التي نُشِرَتْ بموقع مركز تفسير[1]، والمتعلقة أساسًا بالروايات الإسرائيلية في فضاء تفسير آيات القرآن، قصد النظر فيها من حيث بيان حدود مشروعية علاقة المرويّات الإسرائيلية في تفسير آيات القرآن، قصد الجواب على الإشكالات الآتية، منها: هل المرويات الإسرائيلية صالحة -نظريًّا أو عمليًّا، منهجيًّا أو معرفيًّا- في تحديد وبناء معاني آيات القرآن؛ سواء كان منظور الاستناد إليها التوظيف والاستدلال الأداتي، أو كان منظور النقل المضموني؟ وهل القرآن بمحدّداته ونواظمه الكلية متوقفٌ على المرويات الإسرائيلية في تحديد المعنى؟ وهل ما أنتجه منهجيًّا ومعرفيًّا جيل من أجيال الاجتهاد في تاريخ التفسير في زمن تأويلي من أزمنة التأويل ملزِم لِمَن تلاهم؟ وهل ما نستنتجه من فضاء اجتهادي معيَّن، يكون هو معيار الصحة والخطأ منهجيًّا ومعرفيًّا؟ وللنظر في هذه الإشكالات وغيرها والجواب عنها، نُورده وفق ما يأتي:

أولًا: منطلقات أوّلية ومحدّدات تمهيدية:

يتحدّد النظر فيما قدمّه الباحث خليل محمود اليماني في هذا الموضوع، بناء على ما سبق تحديده مما كتبه الباحث بالمنطلقات والمحدّدات الآتية:

1. يتم التركيز على الجوانب المنهجية في النظر البنائي والنقدي، وإن كان من الصعب فصل الجوانب المنهجية عن الجوانب المعرفية إلّا تكلُّفًا وتحكُّمًا. وهذا لا يعني أن الباحث خليل محمود اليماني لم يُصِب في منظوره البحثي، ولكن التأكيد على الجانب النقدي يرِد استجابةً لمناط تعلّق المقالة.

2. إنّ النظر في أيّ موضوع بحثي متعلّق باجتهاد أحد النظار يقتضي -ليكون معتبرًا ومجديًا- تحقيق العمد الآتية: عمدة العرض الموضوعي تكاملًا دون انتقاء، عمدة النقد البنائي دون هدم وتقويض، عمدة التكميل تتميمًا وتطويرًا. وهذه العمد الثلاثة تتوافق مع طبيعة النّظر الاجتهادي.

3. في هذه المقالة نحصر الحديث عن علاقة المرويات الإسرائيلية بتفسير القرآن، كما تناولها الباحث خليل محمود اليماني، وذلك بالتركيز على ثلاثة أمور؛ أوّلها: تجليات منهج العلاقة. ثانيها: حدود صلاحية اعتمادها في التفسير. ثالثها: الأعطاب والاعتلالات المنهجية التي تتخلّل توسّل منهج التفسير بها[2].

4. نركّز النظر فيما كتبه الباحث خليل محمود اليماني على التصوّرات التي تكرّرت كثيرًا في مقالاته وأبحاثه المحدّدة سلفًا. لذا، أثناء تحديد أفكار محصوله البحثي والقرائي، نورِدها دون توثيق، باعتبار تكرارها وتردّدها.

5. من باب تأطير الاستعمال، فكلّما استعملنا مفهوم (الباحث) فيقصد به خليل محمود اليماني، وكلّما استعملنا مفهوم (التفسير) يقصد به التفسير التراثي عمومًا وتفسير السَّلَف خصوصًا، وكذا كلّما استعملنا مفهوم (المرويات أو الموروث أو المنقول الإسرائيلي) فمعناه ما رُوي عن أهل الكتاب من بعض أعلام اليهود شفهيًّا أو كتابيًّا؛ سواء تعلّق بالقصص القرآني أو بغيره.

ثانيًا: من الاعتلالات البنائية لمقوّمات منظور الباحث في تحديد علاقة المرويات الإسرائيلية بتفسير آيات القرآن:

قسم الباحث في أكثر من سياق بحثي؛ وصفي كان أو بنائي أو نقدي، المرويّات الإسرائيلية في علاقتها بالتفسير التراثي أو تفسير السلف لآيات القرآن من المنظور المنهجي إلى قسمين؛ القسم الأول: تحدّدت فيه العلاقة وفق منظور التوظيف الاستدلالي الأداتي. القسم الثاني: انبنت فيه العلاقة على منظور النقل الجاهز للمعلومات والمضامين. وبعد النظر والتتبع، أفضى به إلى التقييم والحكم؛ بحيث إنه أشاد بالمنظور الأول واعتبره هو الصحيح وبَيّن مزاياه ودافع عن أهله كالطبري[3]، علمًا أنّ تحديده يعدُّ مجرّد استنتاج مبني على استقراء ناقص، الذي لا يخوّل إصدار الحكم الكلي القطعي كما نبيّن لاحقًا. وفي المقابل، رفض المنظور الثاني ونقد أهله كابن تيمية وبيَّن أعطابه واختلالاته، واعتبره منظورًا مخالفًا لمنهج النظر التفسيري الأمثل نظريًّا وتطبيقًا، علمًا أن حكمه على هذا المنظور وأهله لم يكن موضوعيًّا، بل كان تسويغيًّا كما يتبيّن لاحقًا. وتناوله للمنظورين ورَد قائمًا على مجموعة عناصر، ابتداء بالتعريف والتمييز وذلك ببيان السمات والمقومات، مرورًا ببيان واقعهما النظري والتطبيقي، فضلًا عن أعلامهما، وانتهاءً بتحديد مآلاتهما وغير ذلك. بناء على عناصر التعريف المجمل لوجه حضور المرويات الإسرائيلية في التفسير، أو في تفسير السلف، نورد بعض ما اعتور منظور اجتهاد الباحث من أعطاب واعتلالات منهجية ظاهرة، ونبدأ بما يتعلّق بمنظور التوظيف والاستدلال، ونثنِّي بمنظور النقل، وذلك وفق ما يأتي:

أ. من الاعتلالات البنائية لمنظور الباحث، منظور التوظيف والاستدلال الأداتي:

اعتبر الباحث أن ورود المرويات الإسرائيلية في التفسير أو في تفسير السلف، كان محكومًا بهذا المنظور، الذي يستجيب في أصله لحيثية التفسير الأصلية، وهي بيان المعنى وتحريره وتقريره وتحصيله، وبهذا الاعتبار تكتسي المرويات الإسرائيلية شرعيتها الأداتية وليس المضمونية، والتي تتجلّى في أمرين؛ أولهما: أنها مجرّد أداة، وليست مضمونًا نقليًّا موجهًا للمعنى. ثانيهما: أنّ العمل المنهجي في تفسير السّلف جرى على وفق ذلك[4]. جمعًا بينهما، يكون ذلك المنظور هو المنهج الصحيح، عكس مقابله. بناء على هذا التلازم، نسوق بعض الأعطاب المنهجية التي شابت بناء منظور الباحث، ومنها:

الأول: صلاحية الأداة في الجانب المنهجي متوقّف على صحتها:

اعتبر الباحث أنّ المرويات الإسرائيلية يتحدّد دورها أداتيًّا في تحديد المعنى وتحديد احتمالات الألفاظ والتراكيب؛ إِذْ يكون التوظيف على قدر تحديد المعنى. إذا سلَّمنا للباحث بهذا الإجراء الأداتي افتراضًا وجدلًا، فإنّ صلاحية استعمال الأداة منهجيًّا ووظيفيًّا، يتوقّف على أصل صحتها، فإنْ صَحَّت اعتُمدت لصحتها، وإن لم تصحّ لا تُعتمد لعدم صحّتها. فيكون مدار الأمر في استعمال الأدوات وظيفيًّا: الصحة، بصرف النظر عن مصدرها أو زمن انبثاقها، فضلًا عن مراعاة أمر المجانسة بين أداة التفسير وموضوع التفسير. والسؤال: هل المرويات الإسرائيلية من المنظور الوظيفي الأداتي ثبتت صحتها، ووفق أيّ معيار تحقق ذلك؟ وهل المرويات الإسرائيلية -سواء كما هي مظانها الأصلية أو الفرعية- متوافقة مع آيات القرآن، وما معيار تحقق الموافقة؟ الجواب على السؤالين، يقتضي الفصل بينهما، والإجابة عنهما وفق ما يأتي:

1. المرويات الإسرائيلية وتحقّق الصحة بوصفها شرط الصلاحية:

إنّ المرويات الإسرائيلية باعتبارها أخبارًا ونقولًا، يتعيّن أن يكون مصدر الحكم عليها خبريًّا من مصدر متعالٍ، ومما يؤسّس الحكم عليها بهذا الوصف، نورد ما يأتي:

أ. إنّ أهل الكتاب من اليهود، هم بلا ريب أصحاب تركة خبرية عظيمة؛ سواء كان مصدرها الكتاب المنزل -التوراة، أو ما انبثق عنها. وقد شهدت آيات القرآن على أصل الكتاب بالتحريف، ولا ريب أن التحريف يسقط اعتبار موضوع التحريف، وبالتّبع يجرّده من المشروعية، خصوصًا الاعتقادية والبنائية؛ أداتيًّا كان استعمال الخبر أو مضمونيًّا. وأدلة ذلك من القرآن عديدة، منها قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة: 75]، {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}[البقرة: 79]، {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}[النساء: 46].

ب. قد ورد التحذير والنهي في السُّنّة النبوية عن تصديق أخبار أهل الكتاب، وخصوصًا من اليهود في أحاديث عديدة. ولا شك أنّ النهي يشمل ما ورد عنهم جميعًا، بما في ذلك الأخبار بشتى تعلقها، دون تمييز بين الأداة فيها والمضمون، مثل عدم صحة الخبر في علم الحديث. خصوصًا وأنّ الخبر الإسرائيلي يتصل بآيات القرآن، التي هي ذات طبيعة تكليفية بالأساس، بصرف النظر عن تعلّق موضوع التكليف. ومما يدلّ على ذلك، ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله -عليه السلام-: (لا تصدِّقوا أهل الكتاب ولا تكذِّبوهم، وقولوا: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}[العنكبوت: 46])[5].

ج. أغلب المرويات الإسرائيلية متعلقة بالأخبار الغيبية؛ كأخبار البعث وبدء الخليقة وقصص الأوّلين من الأنبياء والرسل وغيرهم. ومعرفة الغيب؛ سواء في كلياته أو تفاصيله، متوقفٌ على السند الخبري الموثوق كما هو مأصول الفكر الإسلامي، وليس على مجرّد العقل أو الأخبار التي علم أنّ مصدرها محرّف، يقول الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[النمل: 76]، {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود: 120].

2. المرويات الإسرائيلية وتحقّق محدّد المجانسة:

من أهم ما يحدّد مشروعية منهج النظر؛ سواء كان أداتيًّا أو مضمونيًّا، تحقّق شرط المجانسة، وإلّا أصبح مجال النظر مستباحًا لكلّ المناهج، الأمر الذي يفقده خصوصيته. ولا شكّ أنّ من أهم ما يحدّد خصوصية القرآن، أنه وحي منزل محفوظ من التحريف، في حين المرويات الإسرائيلية، تحقّق تحريفها بالخبر الصحيح الصادق، وبالنظر المحقّق المدقّق أيضًا. لذا فإنّ اعتبار هذه الروايات مساعدة على تبيين المعنى وتحديده وتحصيله وتقريره كما يرى الباحث، بقدر ما يلغي مفعول التحريف، فإنه أيضًا يجعل آيات القرآن تابعة في الفهم والتفسير لما هو خارج عنها، ومباين لها في الخصوصية والسياق والآفاق والمقاصد العالية إنسانيًّا ووجوديًّا.

إنّ من أهم ما يعكس أيضًا عدم تحقّق شرط المجانسة، باعتباره أساس الجدوى والاعتبار المنهجي، أنّ القرآن ليس مجرّد نصّ لغوي، نفكّ غموضه ونحلّ أسراره ونفصل مجمله وننشر تكثيفه ونحو ذلك، وإنما هو تبيان لكلّ شيء وأُنزل بلسان عربي مبين، قصد تأسيس التكليف بمختلف تعلُّقاته. فخصيصة التكليف باعتبارها أصل أصول آيات القرآن، بقدر كونها ليست تابعة لما هو خارجي عنها، ما عدا البيان النبوي الصحيح؛ لأنه من بابها وإن كان دونها في الاعتبار، فضلًا عن أنّ تحديد معنى الآية وتحصيله وتقريره، لا ينظر إليه باستقلال، وإنما باعتباره أساس التكليف. ولا ينبني أساس التكليف أداتيًّا كان أو مضمونيًّا على أصلٍ محرّفٍ مخالفٍ للقرآن في الخصائص الناظمة. اللهم إلّا إذا كان القرآن مبنيًّا على المرويات الإسرائيلية ومكرّرًا لها من باب القول بالتناص، أو كان مثلها في الخصائص الناظمة وفي كلّ شيء، من باب القول بالتسوية الدينية، أو كانت من باب الوحي المنزل المحفوظ من التحريف، وليس من باب الروايات التاريخية التي أفرزتها الانعطافات التاريخية التي مَرّ بها أهلها، فضلًا عن أنها انعكاسات لمعتقداتهم ونحو ذلك.

الثاني: عدم انفكاك الأداة التاريخية المنهجية عن محمولها النقلي المضموني المعرفي:

إنّ أي أداة منهجية -قيد التأسيس والإنشاء- تعلّقت بسياق تاريخي وثقافي وديني معيّن كالمرويات الإسرائيلية قلّما تتجرّد عن محمولها المعرفي ظاهريًّا كان أو باطنيًّا، إلّا تجردًا في الأذهان، وليس تطبيقًا في الأعيان. فتكون المرويات الإسرائيلية في حقيقة أمرها وإن كانت أداة كما يرى الباحث، فهي -أخبارًا ونقولًا- بقدر ما تحمل مضمونًا، تعكس خصوصية المنظور. والقول بالفصل بين الجانب الأداتي والجانب المضموني من الروايات الإسرائيلية، ما هو في حقيقة الأمر إلّا تعسّف وتحكم نظريّ، مثل استدلال الباحث بالشِّعر العربي الجاهلي في تفسير آيات القرآن، كونه مجرّد أداة. ولبيان الأمر على وجهه، نقدّم مثالين للدلالة على التداخل بين الجانبين وعدم الفصل إلّا تعسفًا وتحكمًا:

1. مثال الوصل وعدم الفصل بين الجانب الأداتي والجانب المضموني في الروايات الإسرائيلية:

ما يدلّ على ذلك، ما أورد ابن جزي، إِذْ قال بعد أن ذكر الخلاف: «ونحن نذكر من ذلك ما هو أشهر وأقرب إلى تنزيه داود -عليه السلام-: رُوي أنّ أهل زمان داود -عليه السلام-، كان يسأل بعضهم بعضًا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته، وكانت لهم عادة في ذلك لا ينكرونها، وقد جاء عن الأنصار في أول الإسلام شيء من ذلك، فاتفق أن وقعت عينُ داود على امرأة رجل فأعجبته فسأله النزول عنها ففعل وتزوّجها داود -عليه السلام- فوُلِد له منها سليمان -عليه السلام-، وكان لداود تسع وتسعون امرأة، فبعث الله إليه ملائكة لقصته، فقال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة، إشارة إلى التسع والتسعين امرأة التي كانت لداود، ولي نعجة واحدة، إشارة إلى أن ذلك الرجل لم تكن له إلّا تلك المرأة الواحدة، فقال: أكفلنيها. إشارة إلى سؤال داود من الرجل النزول عن امرأته، فأجابه داود بقوله: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه. فقامت الحجة عليه بذلك، فتبسَّمَ الملكان عند ذلك وذهبَا ولم يرهما، فشعر داود أن ذلك عتاب من الله له على ما وقع فيه، فاستغفر ربه وخَرّ راكعًا وأناب. وروي هذا الخبر على وجه آخر، وهو أنّ داود انفرد يومًا في محرابه للتعبد، فدخل عليه طائر من كوّة، فوقع بين يديه فأعجبه، فمدّ يديه ليأخذه فطار على الكوة فصعد داود ليأخذه، فرأى من الكوة امرأة تغتسل عريانة فأعجبته فانصرف فسأل عنها، فأخبر أنها امرأة رجل من جنده، وأنه خرج للجهاد مع الجند، فكتب داود إلى أمير تلك الحرب، أن يقدِّم ذلك الرجل يقاتل عند التابوت، وهو موضع قلّ ما تخلّص أحد منه، فقدّم ذلك الرجل فقاتل حتى قتل شهيدًا، فتزوج داود امرأته، فعُوتب على تعريضه ذلك الرجل للقتل وتزوُّجه امرأته بعده، مع العلم أنّ له تسعًا وتسعين امرأة سواها»[6]. في مقابل هذا الروايات التي تورَد من باب تفسير قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ... وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}[ص: 21- 25]. ضمّت السُّنة النبوية معنًى كليًّا موافقًا للقرآن، وهو ما أورَد البخاري عن أبي هريرة، قوله -عليه السلام-: (قال سليمان بن داود -عليهما السلام-: لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة -أو تسع وتسعين- كلّهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهنَّ إلّا امرأة واحدة جاءت بشِقِّ رجلٍ، والذي نفس محمد بيده، لو قال إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون)[7]. وهذا المعنى يتقرر بناءً على ما ورد في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}[الكهف: 23- 24].

2. مثال الوصل وعدم الفصل بين الجانب الأداتي والجانب المضموني في الشعر الجاهلي:

منذ ابن عباس ومسائل ابن الأزرق، مرورًا بالشافعي وابن قتيبة والطبري والشاطبي وغيرهم، تجد تقرر المسلك التفسيري القائم على الربط بين آيات القرآن والشِّعْر العربي، خصوصًا في الزمن الجاهلي. وفق هذا الربط تأسست مقولات تفسيرية منهجية عديدة، منها: أنّ مَن رامَ تفسير آيات القرآن، فهذا يتحقّق على وجهه باللسان العربي؛ لأنّ القرآن به أُنْزِل، فضلًا عن مقولة الترادف والتناوب ونحو ذلك. نُورد في هذا السياق بعض ما يدلّ على ذلك من باب سوق الدليل على سبيل التمثيل الجزئي، لا من باب الإلمام الكلي المستغرق:

 أ. فسّر الشافعي قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة: 150]، بقوله: «فُرض عليهم حيث ما كانوا أن يُوَلُّوا وجوههم شطره، وشطره: وجهته، في كلام العرب... وكذلك: تلقاءه... وإنّ كلها معنى واحد، وإن كانت بألفاظ مختلفة، بدليل قول الشاعر: أقول لأم زنباع أقيمي .. صدور العيش شطر بني تميم. أو قول الشاعر: فشطرها بصرُ العينين مسجور .. إنّ العسيب بها داء مخامرها»[8].

ب. فَسّر ابن قتيبة قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى}[القيامة: 31]. بقوله: «إنّ (لا) بمعنى (لم)، والمعنى: (لم يصدِّق ولم يصلِّ)، بدليل قول الشاعر:

إن تغفر اللهم تغفر جمّا .. وأيّ عبدٍ لك لا ألمّا»[9].

 ثالثا: عدم انفصال المنظور الأداتي الوظيفي عن المنظور النقلي المضموني في التفسير:

 إنّ تحقيق النظر في تفسير آيات القرآن المتعلقة بالقصص القرآني، يجد أن الفصل بين المنظورين غير متحقّق على الوجه الموضوعي، باستثناء اللجوء إلى التحكّم؛ ذلك أنّ طبيعة القصّ القرآني تختلف عن طبيعة القصّ في الموروث الإسرائيلي، الذي تجده يتحدّد بناظم التفصيل التاريخي؛ بحيث تجده يُكْثِر من إيراد أسماء الشخصيات التاريخية وعددهم وأزمنتهم وأمكنتهم ومراتبهم الاجتماعية ونحوها، فضلًا عن مختلف الحيثيات المصاحبة، بل حتى الوصف المفصّل للحيوانات ونحوها، وهذا عكس منهج القص في القصص القرآني، الذي تجده يغلّب ناظم الاعتبار والسنن والاستلهام ونحوه على أمر التفصيل، إلّا بمقدار ما يحقّق ذلك الناظم. وبالتبع يكون هَمّ إيراد الموروث الإسرائيلي هو معرفة التفاصيل القصصية التاريخية، التي حوَّلت القصص القرآني إلى نصّ تأريخي صرف، فضلًا عن ما يفضي إلى إهدار خصوصية ومقاصد القصّ القرآني. وقد رصد العديد من الباحثين هذا المنظور في التفسير[10]، باعتبار أنّ المسلمين تعرّفوا على هذا الموروث الإسرائيلي منذ زمن النبوّة والنزول، واتسع الأمر بعد ذلك. وفي ضوء ذلك، تشكلّت الكثير من معالم منهج التفسير؛ إِذْ قد تحوّل الموروث الإسرائيلي إلى سلطة معرفية قبل أن يكون سلطة منهجية، الأمر الذي أفضى ببعض المفسِّرين إلى أنْ جعَلهم كحاطبي ليل حسب الوصف الخلدوني[11]. وما يدلّ على ذلك، حديثهم عن قصة أصحاب الكهف في سورة الكهف، من حيث ذكر عددهم وأوصافهم، بل حتى تفصيل ما تعلّق بالكلب من حيث اللون وغيره. ولا يختلف الأمر عن قصة آدم وزوجه -عليهما السلام-، خصوصًا ما تعلّق بالحية، باعتبارها وسيلة وسوسة الشيطان. وقِس على ذلك ما تعلّق بقصة ابني آدم، من حيث ذكر أسمائهما، وما قدّماه قربانًا، وسبب قتل الأخ لأخيه، إذ حدد فيما هو مبتذل، ويتعلّق بما هو جنسي ونحو ذلك غزير. الأمر الذي أفضى إلى أن يكون مجال تفسير القصص القرآني تأريخي خرافي بامتياز، يحتوي على «طامات وظلمات»[12]. ولا يحمل الإقبال على المرويات الإسرائيلية بأن ذلك كان نتيجة دسائس معرفية، وإنما يحمل على أن ذلك كان اختيارًا منهجيًّا صرفًا.

 رابعًا: سلطة اجتهاد السَّلَف في الإثبات والنفي المنهجي:

 في سياق حديث الباحث عن مزايا منظور توظيف المرويات الإسرائيلية، أرجع شرعية هذا المنظور الاستنتاجي الاستقرائي إلى أنه منهج السَّلَف في تفسير آيات القرآن، وكونه قد ورد عن السَّلَف، فإنه هو المسلك الصحيح المرضي؛ لأنهم أعلم الناس بالشرع والدِّين، وبه احتج في تقريره[13]. وفي سياق نقد ورفض منظور النقل المضموني للموروث الإسرائيلي، استند إلى أنه يعود على حجة السّلَف بالإبطال؛ بالنظر إلى أن السَّلَف نقلوا ما يعارض الدِّين من مصادر أجنبية، فضلًا عن أنه يعود على مقولات السَّلَف في التفسير ونحوه باعتباره حجة بالردّ، وينزع عنهم أهم خصائص السَّلَف، كون حقبتهم تمثّل النبع الصافي في المنظور الشرعي، وأنه أيضًا يعود على السَّلَف باللّمْز والتشنيع، بالنظر إلى أن السَّلَف نقلوا ما لا فائدة منه، أو ما يعارض الدِّين، وأخيرًا أنه يعود على الشرع والدِّين بالطعن والتشكيك ونحو ذلك. لذا، قرّر الباحث أن هذا الأمر يتعذر القول به، ولا يسع أحد تقريره. لا شَكّ أنّ هذه المقرّرات التي هي عبارة عن مسلّمات توجيهية التي ينطلق منها الباحث، بقدر كونها تحتوي على مغالطات منهجية ومعرفية عديدة، بقدر ما أنها شكّلت عمود منظور الباحث في النظر إلى المرويات الإسرائيلية؛ بحيث إنّ هذه المرويات، كما هو معلوم، بالنظر إلى عدم إمكانية الفصل الموضوعي بين الوجه الأداتي والمضمون، بعلّة فقدها للغتها الأصلية، إذا اعتبرناها منزلة في الأصل، تحتوي على قدر عظيم من المضامين غير الصحيحة وغير اللائقة، خصوصًا بمقام الأنبياء والرسل والملائكة والله تعالى، وغير ذلك. وما دام أنها شكّلت في منهج نظر أهل التفسير عمدة في المراحل الأولى من تشكل وتكوّن التفسير، قرّر الباحث -من أجل تنزيه تفسير السّلَف عن إيرادها أو تقرير مضامينها النقلية- أن منظور السَّلَف هو أداتي لا نقلي. فيكون بالتبع، الاعتقاد التصوري المسبق، هو الذي حدّد منهج النظر، الأمر الذي يجعل الجهد منصبًّا على تسويغ المسبقات، وليس من أجل بناء الحقائق الموضوعية المجرّدة. وما دام الباحث أكثر مما به ينزه تفسير السَّلَف عن منظور النقل، نعمد إلى التوقّف عند بعض منها، ولو من باب الإجمال، ما دام أن إمكان المقالة الواحدة لا يأذن بالتفصيل، ومنها:

 1. ما معيار تحديد تعريف مفهوم السلف في تفسير القرآن؛ بحيث إنّ هذا المفهوم بقدر ما كثرت حوله الأقاويل تعريفًا وتحديدًا، بقدر ما تعدّدت مسالك الانتساب إليه. درءًا لذلك، نحدّد السَّلَف من باب الاهتداء بالحديث النبوي الآتي، بأنه يشمل الثلاثة القرون بعد البعثة النبوية. ونصّ الحديث: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته)[14]. وعلى الرغم من كونه يشمل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، أو غيرهم ممن يليهم، إلّا أنه لا عصمة لأحد منهم في اجتهاده قولًا أو فعلًا؛ إِذْ هي حصرًا متعلقة بالأنبياء والرسل أساسًا. ذلك أنَّ خيريّتهم تتصل أساسًا بالخيرية الأخلاقية. وبالتّبع فإنَّ ما يصدر عن السَّلَف ويكون حجة، رهين بناظم الصحة المنهجية والمعرفية، وعلى قدرها تكون الحجة. وإذا كان الباحث اعتبر بأن حقبتهم تمثّل النبع الصافي في المنظور الشرعي، فإنّ العديد من الفتن السياسية والقلاقل الاجتماعية والانحرافات التصوّرية والتفسيرية التأسيسية، ظهرت في هذه الحقبة؛ سواء كانت تنتمي إلى أعلام أو مذاهب وطوائف ونحو ذلك.

 2. آفة النظر الحصر الكلي في الاجتهاد الإنساني. ما المسوغ للقول بأن هذا الجيل أو ذاك من أجيال التلقي والتأويل في التاريخ الإسلامي، هو الأعلم بالدين والشرع وفيه اجتمعت المعرفة الكاملة المطلقة. فهل فهمُ الدين محصور قصرًا في هذا أو ذلك من الأفراد أو الأجيال ما عدا الرسول -عليه السلام- المبلِّغ المبين. لا شك أنّ هذا هو الوهم الأكبر الذي يحصر الإمكان المتعدّد في واحد منه، الأمر الذي يفضي إلى ما حذّر منه الإسلام، وهو التقليد أو اتّباع ما عليه الآباء، الذي ينتج عنه غيبوبة ثقافية ونكوص يعفي من استئناف ومواصلة النظر الاجتهادي.

 3. إنَّ أصل قِوام الإسلام القرآنُ والسنّةُ النبوية الثابتة عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وكلّ ما عداهما هو اجتهاد، معيار قبوله أو ردّه هو تحقّق نسبة من نِسَب الصحة والاعتبار. ولا يمكن القول بأنّ قول أحد من الناس أو اجتهاده، أنه أصل من أصول تكوين قِوام الإسلام. فلمّا نقول إنّ السلف في تفسيرهم اعتمدوا الموروث الإسرائيلي باعتباره نقلًا لا أداة، فيكون بالتبع هذا المسلك إنْ حكَمْنا عليه بالخطأ، أن يعود أثر الخطأ على اجتهادهم لا على الإسلام في حقيقته، وإلّا لأصبح خطأ أيّ مسلم، هو خطأ الإسلام.

 4. الحكم على اجتهادٍ بشريٍّ ما بالخطأ، هل يتضمن هذا الحكم -اعتباريًّا كان أو حقيقيًّا- ما تحدَّث عنه الباحث باللمز والتشنيع؟ إن الناظم الكلي للاجتهاد هو الإصابة والخطأ. وتحقّق هذا أو ذاك، رهين بعدّة النظر أو تحقّق الأهلية. والاجتهاد بعد تحقّق الأهلية، يكون المجتهد مأجورًا ولو أخطأ في الاجتهاد كما هو منصوص قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-[15]. فما مَأْتى اللمز والتشنيع بالحكم على اجتهاد أحد السّلف بالخطأ، اللهم إلّا إذا كانوا معصومين من الخطأ، آحادًا أو جميعًا، وهذا ليس عليه دليل شرعي إلّا تقوُّلًا أو شذوذًا.

 5. إنّ منهج تفسير السَّلَف الذي يتخذ منه الباحث مرجعية في الحكم والنقد، لم يبلغ مرحلة التفسير النسقي، ليكون وحدة قياسية للردّ والقبول، وإنما الغالب عليه الهمّ اللغوي كما يظهر ذلك في تفسير ابن عباس، وفي كتاب التفسير من مصنفات السنّة النبوية، وفي تفسير الطبري، عكس ما سيتأسّس بعد ذلك.

 بناء عليه؛ يظهر أنّ مسلك الباحث في تقرير منظور التوظيف الأداتي باعتباره منهج السلف، ورفض منظور النقل، بقدر ما أنه تحكّم وتسويغ، فهو يُعْلِي من مرجعية سلطة السَّلَف في النظر التفسيري الاجتهادي، إلى حَدّ تنزيههم عن الخطأ، حقيقيًّا كان أو اعتباريًّا.

 خامسًا: المرويات الإسرائيلية ومراعاة الخصوصية الناظمة للقرآن:

 اعتبر الباحث أنّ اعتماد تفسير السَّلَف على المرويات الإسرائيلية، انبنى على المنظور التوظيفي الاستدلالي الأداتي، القائم على تحصيل معاني الآيات الغامضة إفرادًا وتركيبًا، فيكون بالتّبع مناط النظر التفسيري توسّلًا بها متعلقًا بتفسير ما استغلق معناه من آيات القصص القرآني مثلًا، باعتباره وردَ مجملًا موجزًا ونحو ذلك. إنّ هذا المسلك الذي اعتبره الباحث هو مسلك تفسير السَّلَف، يقتضي وضع إشكال منهجي أساسي، بصرف النظر عن صحة ذلك المنظور أو لا، ومع التسليم الجدلي بإمكان الفصل بين الوجه الأداتي والمضموني من الموروث الإسرائيلي، وهو هل طبيعة وخصوصية القرآن تقبل ذلك منهجيًّا؟

 إنّ الناظر في آيات القرآن، يجد أنها تتضمّن مجموعة من العلامات المنهجية، التي يتعيّن أن يتأسّس منهج التفسير على هديها، ومنها على سبيل الإجمال والتمثيل:

 1. كَوْنها تبيانًا لكلّ شيء بدلالاتها، وبيانًا مبينًا بلسانها، وبهذه الخصيصة المزدوجة الواردة في قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[النحل: 89]، {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء: 192- 195]، فإنها تكون على مستوى تحديد دلالاتها مكتفية بذاتها، دون الاستعانة بالمعينات الخارجية، ما عدا البيان النبوي الصحيح؛ لأنه من بابها وتبع لها، فضلًا أنه وظيفة الرسول -عليه السلام- في علاقته بآيات القرآن بعد التبليغ، يقول تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[النحل: 64][16].

 2. كون آيات القرآن احتفَّت بها خصيصة الإجمال والتفصيل؛ بحيث ما ورد مجملًا في سياقات، فُصِّل في أخرى، وما ورد مطلقًا في مواطن، قُيِّد في أخرى، وما سيق عامًّا، خُصِّص في آيات أخرى. وهكذا تتكامل آيات القرآن كلّها في بناء وتحديد المعنى، ذلك أنّ مقتضى التفصيل، يوجب القول نظريًّا وتطبيقًا بكون القرآن مكتفيًا بذاته؛ تحديدًا للمعاني وبناءً للأحكام ونحو ذلك، يقول تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[هود: 1]،{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: 52][17].

 3. كَوْن آيات القرآن احتفَّت بها خصيصة الإحكام، وهي بقدر كونها هدًى منهاجيًّا، فهي أيضًا محدّد معرفي؛ فاتصالها بما هو منهجي متعلّق بالبناء النصِّي، واتصالها بما هو معرفي متعلّق بالمضمون الدلالي؛ لذا فإنهما يتصلان ولا ينفصلان في آيات القرآن كلّها، يقول تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصّلت: 42]، {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ}[يس: 1- 2].

 4. كَوْن آيات القرآن احتفَّتْ بها خصيصة الترتيل، أو الوحدة البنائية للقرآن، وهي تدلّ على أن آيات القرآن نسق واحد، كالنفَس الواحد والكلمة الواحدة، بل كالحرف الواحد، في بنائه وتكامله البنيوي، يقول الله تعالى: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}[الفرقان: 32]، {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل: 3][18].

 5. كَوْن آيات القرآن في علاقتها بمن سبق، تحدّدت بخصيصة التصديق والهيمنة، وهي عبارة عن ميزان للأخذ والردّ، أو معيار أعلى للحكم؛ فما وافقَها قُبِلَ، وما خالفها رُدَّ. وما وافقها، فالاعتقاد والعمل بما ورد فيها لا بما وافقها، يقول تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}[المائدة: 48][19].

 وعليه؛ فإنّ القول بأنّ آيات القرآن قصصية كانت أو غيرها، أنها غامضة أو مستغلقة وعصيّة على الفهم أو مشكلة أو غريبة ونحو ذلك، بقدر ما يخالف خصائص آيات القرآن، بقدر ما أنه هو الذي سوّغ في مجال التفسير الاعتماد -ولو استئناسًا- على المعينات الخارجية كالموروث الإسرائيلي ومعهود الكلام العربي ونحو ذلك. لذا، فإن الاحتكام إلى تلك الخصائص، بقدر ما يفضي إلى تعطيل الاعتماد بما هو خارجي عنه ومخالف له في الطبيعة والخصوصية، بقدر ما يجعل الاجتهاد التفسيري منصبًّا على آيات القرآن لتفسيرها من داخلها ترتيلًا.

 من معالم الهدى المنهاجي لمنظور النقل في تفسير آيات القرآن بالمرويات الإسرائيلية:

 أكثر الباحثُ من نقد ورفض ما سمّاه بمنظور النقل في إيراد المرويات الإسرائيلية لتفسير آيات القرآن، باعتبار أنّ هذا المنظور بقدر كونه لم يراعِ الحيثية الأصلية للتفسير، وهي تبيان المعنى وتحصيله وتحريره وتقريره، فضلًا عن أنه مخالف لمنظور تفسير السَّلَف، القائم على أن قصد استدعاء الموروث الإسرائيلي، يتأسّس على ناظم الاستدلال الأداتي لا النقل المضموني، الذي لا ينقل المضمون المعلوماتي، وإنما غايته بناء المعنى. نبيّن في هذا السياق بعض معالم الهدى المنهاجي الأصيل، التي يكتنزها منظور النقل حسب وصف الباحث.

 سبق أن أنجزنا مقالتَيْن متعلقتَيْن بأحد مؤسِّسي منظور النقل حسب تسمية الباحث، وهو ابن تيمية، تولّى نشرهما مركز تفسير[20]، بينّا في المقالة الأولى بعض معالم هذا المنظور. تكميلًا لذلك، نورد الحديث في هذا لبيان أمرين؛ أولهما: من معالم الهدى المنهاجي المعتبر لمنظور أهل النقل. ثانيهما: ما يدلّ على التجرد من الاعتبار لمنهج تفسير آيات القرآن بالمرويات الإسرائيلية.

 الأول: من معالم الهدى المنهاجي المعتبر لمنظور أهل النقل:

 منهج نظر ابن تيمية في دراسة منقول أهل الكتاب عمومًا، والمنقول الإسرائيلي خصوصًا، بقدر ما هو وصفي، فهو أيضًا نقدي وتأسيسي؛ إِذْ قد أثبت المتن التيمي بالرواية تعرُّف المسلمين في الزمن التأويلي الأول -عهد الصحابة والتابعين- على أقاويل أهل الكتاب[21]. يقتضي المنظور التيمي في علاقة آيات القرآن بالأحاديث الإسرائيلية، إيرادها من باب الاستئناس وليس قصد الاستشهاد لبناء المعنى الاعتقادي، بالنظر إلى أنها في علاقتها بالصحة والكذب من المنظور التيمي على أضرب ثلاثة؛ الضرب الأول: النقول التي علم صحتها، فهي بالتّبع صادقة صحيحة مقبولة، وهي في هذه الحال لا تنشأ وإنما يؤتَى بها للتعزيز ونحوه. الضرب الثاني: المرويات التي عُلِم كذبها، فهي بالتّبع كذب صراح مرفوض، والأَوْلى عدم الالتفات إليها، ولو على سبيل الذِّكْر، ما دام لا فائدة تُرجى من ذلك. الضرب الثالث: المنقول الذي هو في دائرة المسكوت عنه، فلا هو كذب، ولا هو صادق. وحكم التعامل معه من المنظور التيمي، «لا نؤمن به ولا نكذِّبه»، وتجوز في المقابل روايته وحكايته، إلى أن يتم التحقيق منه صحةً وكذبًا. وقد قرّر ابن تيمية أن عموم ما روي عن أهل الكتاب ولو صح، «لا فائدة فيه تعود على أمرٍ ديني»[22]. فعموم ما روي عن أهل الكتاب في تعلّقه بما «أبهمه الله تعالى في القرآن»، فهو «لا فائدة من تعيينه تعود على المكلَّفِين في دنياهم ولا دينهم»[23].

 إنّ التناول التيمي، فضلًا عن الوصف الخلدوني، اللذَيْن توقف عندهما الباحث بالنقد المفضي للرّفض، تجد أنَّ ذلك التناول التيمي خصوصًا منبثقٌ من تحكيم بعض المعايير العليا للقرآن، عكس منظور الباحث، الذي زعم أنه منظور السَّلَف، فما هو، إن صح أنه منظور السَّلَف في التفسير، إلّا تسويغ سلطة مرجعية السَّلَف والنأي عن التخطئة، ومن المعايير على وجه الإجمال:

 1. كَوْن القرآن بخاتميّته وعالميّته وإنسانيّته، المشدودة إلى المستقبل أكثر من الماضي، يقتضي أن يكون حاكمًا على مطلق ما سواه، بصرف النظر عن صفة استعمال المنقول الخارجي عنه، أداتيًّا كان الاستعمال أو وظيفيًّا حسب التقسيم التحكمي للباحث. ولا شك أنّ رهن تفسير الآيات القرآنية بالمنقول الإسرائيلي بمنظور التوظيف، يجعلها دومًا مشدودة إلى ما هو خارجي تاريخي، الأمر الذي يجعل المرويات الإسرائيلية بقدر ما تفقد مشروعيتها تفقد صلاحيتها؛ فأمّا فَقْدُ المشروعية فعائد إلى أمر التحريف، وأمّا فقْدُ الصلاحية فعائد إلى الإغراق في التاريخية التي تعكس الخصوصية.

 2. تحكيمًا لفقدِ الشرعية والصلاحية، يصبح التقسيم التيمي موضوعيًّا بالنظر إلى المضمون الذي لا ينفصل عن الأداة. والتقسيم التيمي على مستوى الحكم إن كان من منظور نقلي صرف كما كرّر الباحث القول، إلّا أنه تقسيم ينطبق على ماهية المرويات الإسرائيلية في حدّ ذاتها، ولو بالصورة التي علمت في فضاء الفكر الإسلامي؛ سواء تعلّق بفضاء التاريخ أو التفسير أو بغيرهما، بحكم التداخل الحاصل في المعرفة الإسلامية في مراحلها الأولى خصوصًا، مراحل الجمع والتدوين.

 3. وفق ما سبق، يتقرّر أنّ ما يرِد في النقول الإسرائيلية لا يترتب عنه أمر ذو بال، منهجيًّا كان الاستناد إليها أو معرفيًّا. إِذْ شرعيّة الاستناد إليها؛ سواء بدعوى الباحث، وهي أنّ السَّلَف اعتمدها أداتيًّا في تفسير بعض آيات القرآن، أو بأيّ دعوى أخرى، قديمة كانت أو حديثة[24]، لا يترتّب عنه إلّا أمر واحد من أمرين؛ الأول: إلغاء اعتبار كونها محرّفة تاريخانية. الثاني: اعتبار أنّ الحقيقة في الكتب الدينية المنزلة واحدة. مع العلم أن الله يقول في سياق الحديث عن القصص القرآني: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[النمل: 76].

 الثاني: من علامات التجرّد من الاعتبار لمنهج تفسير آيات القرآن بالمرويات الإسرائيلية:

 إنّ التوسّل بالمرويات الإسرائيلية بصرف النظر عن التمييز عن ما أقامه الباحث، إِذْ هو -كما سلف- تحكُّمي غير علمي، وتسويغي غير موضوعي، هو مسلك غير مرضي في باب تفسير آيات القرآن، قصصية كانت الآيات أو غيرها. ولبيان عدم جدوى ذلك، نسوق بعض آثار الارتهان والتقيد بها، ومنها:

 1. توجيه معاني الآيات لتعزيز ما وردَ في النقل الإسرائيلي؛ بحيث إن الاستناد إلى الموروث الإسرائيلي في تبيان المعنى وتحديده وتحصيله وتقريره، بالنظر إلى التلازم بين المنظور الأداتي والمنظور النقلي في الاستناد إلى الخبر الإسرائيلي، يجعل من الخبر الخارجي سلطة موجهة في تحديد المعنى من الآية القرآنية قصصية كانت أو غيرها. فمثلًا قوله تعالى في قصة زكرياء -عليه السلام-: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}[مريم: 8]، روي عن السدّي قال: «نادى جبريل زكرياء: إنّ الله يبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًّا، فلمّا سمع النداء جاءه الشيطان فقال: يا زكرياء إن الصوت الذي سمعته ليس من الله، إنما هو من الشيطان يسخر منك، ولو كان من الله أوحاه إليك كما يوحي إليك غيره من الأمر، فشكّ وقال: أنى يكون لي غلام»[25].

 2. تثبيت المعاني التاريخية المحايثة؛ بحيث إنّ الاستناد إلى المرويات الإسرائيلية لتفسير بعض الآيات القرآنية القصصية، لا ينتج عنه في حقيقة الأمر ما كرّره الباحث، وهو تبيين المعنى وتحديده وتحصيله وتقريره، وإنما تكريس المضامين التاريخية. وأمثلة ذلك لا تُعَدّ كثرةً، منها تحديد اسم الذبيح في قصة إبراهيم -عليه السلام- في قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات: 102]؛ إذ الولع بالإسرائيليات مضمونيًّا لا أداتيًّا، أفضى بأهل التفسير كالطبري وغيره إلى اعتبار الذبيح هو إسحاق -عليه السلام-، تكريسًا للمنظور الاعتقادي الإسرائيلي، باعتبار هذا المعنى (أولى القولين وأقوى النقل) عن الرسول -عليه السلام-؛ لذا فإن هذا التحديد، ليس له من تعليل سوى «اللهث خلف الإسرائيليات» بنقولها ومضامينها[26].

 3. تعطيل خصائص القرآن المنهاجية والبنائية؛ بحيث إن السائد في منهج التفسير التراثي هو الاستناد إلى المرويات الإسرائيلية باعتبارها نقولًا ومضامين بالأصالة، أفضى ذلك الولع الشديد إلى إلغاء خصائص آيات القرآن الكلية، والتي منها كما سلف القول، أنها تبيان وبيان مبين، أنها مشدودة إلى الزمن المستقبلي أكثر من الماضي، أنّ منهج القصّ في الآيات القصصية فريد من نوعه، مخالف لقصّ المرويات الإسرائيلية إن صحَّت.

 ثالثا: بناء منظور الباحث بين آفة العجلة وتسويغ المسبقات:

 إنّ الباحث وهو يقرّر ما قرّره؛ تقسيمًا وتعريفًا، قبولًا ورفضًا، في علاقة المرويات الإسرائيلية بتفسير آيات القرآن، ظهر أنه كان محكومًا بآفتين منهجيتَيْن مؤثرتَيْن على المحصول القرائي البحثي، بالنظر إلى التلازم بين منهج البحث ومحصوله صحةً واعتلالًا. وإن كان ما نبديه، هو ما أفضى إليه النظر بنسبيته. وفق هذا، نجمل القول فيهما في ختام هذه المقالة وفق ما يأتي:

1. آفة العجلة والتسرّع في إصدار الأحكام القاطعة:

 يعلم الناظر في فضاء التفسير التراثي، أنه بقدر تعدّد مظانّه الأصلية والفرعية، بقدر كثرته، إِذْ في كلّ مرحلة يظهر البحث والتحقيق التاريخي مصنفات تفسيرية عظيمة الشأن، من حيث كونها جامعة، بصرف النظر عن الانتماء المذهبي للتفسير والمفسّر، إِذْ قد علم في التاريخ الإسلامي، أنه قد ضاعت بسبب من الأسباب العديد من مصنفات التفسير، أصيلة كانت أو فرعية. وبحكم هذه الصفة الناظمة، فإنّ النظر في التفسير التراثي علميًّا وموضوعيًّا، يتعيّن أن يكون رهين البحث المؤسّسي الجماعي الإجماعي، وليس رهين اجتهاد فرد مهما بلغت منزلته العلمية والبحثية. وبالتبع، فإن الحكم ولو كان من منظور البحث المؤسّسي، يبقى نسبيًّا، لنسبية الاجتهاد، وما يحتفّ بالمجتهدين[27]. إلّا أن الناظر فيما كتبه الباحث يلاحظ عليه جملة ملاحظات بناء على ما سبق، عبارة عن اختلالات منهجية صريحة، ومن أهمها:

 أ. إصدار الأحكام الكلية، بصورة قطعية، نحو: إنّ اعتماد تفسير السَّلَف على المرويات الإسرائيلية كان من الناحية المنهجية أداتيًّا استدلاليًّا توظيفيًّا، قائمًا على إنتاج وتبيان المعنى وتحصيله وتقريره، دون النظر في المضمون النقلي المعرفي. وإنّ المنظور النقلي في التعامل مع الموروث الإسرائيلي، وردَ مخالفًا لحيثية التفسير، المتعلقة أساسًا بإنتاج المعنى؛ لذا لا فائدة ترجى منه، باعتباره مشكلًا وغير صحيح.

 ب. من المعلوم أن إصدار الأحكام، بصورة قطعية كما هو مسلك الباحث، يتعيّن أن يكون رهين استقراء تاريخي كلي، الأمر الذي ليس في مكنة أحد من الباحثين؛ لذا تبقى الأحكام التي أطلقها الباحث، تحت محكّ الاختبار، ليس بالنظر إلى صدورها عن باحث واحد، وإنما بالنظر إلى عدم صحّتها موضوعيًّا.

 ج. كون الهمّ البحثي كان منصبًّا على إصدار الأحكام الكلية القطعية، لداعي التسويغ، فقد انبنى على أصل مخلّ بالنظر المعتبر في الباب، وهو التحكُّم والتمحُّل. ومن أهم ما ندلّل به على ذلك، مسلّمة الباحث الأساسية، وهو الفصل بين الوجه الأداتي والوجه المضموني في الروايات الإسرائيلية، مثل الفصل الذي افترضه متعلقًا بالشعر الجاهلي، وقد تبيّن عكس ما ادّعاه الباحث تمامًا.

2. آفة تسويغ المسبقات في الإصرار على منظور التوظيف في التفسير:

 من أهمّ ما حكم منظور الباحث في سياق إقرار منظور التوظيف والحكم عليه بالصحة والسلامة المنهجية، وفي المقابل، نفي منظور النقل والحكم عليه بالاعتلال والردّ، كونه غير منسجم مع حيثية التفسير، عكس المنظور الأول، يرجع إلى تنزيه السَّلَف عن الاستعانة بمصدر أجنبي في تفسير آيات القرآن. وهذا المنطلق المنهجي الناظم لمنظور الباحث -كما سلف القول- يحتوي على اختلالات ومغالطات شتى؛ إِذْ من يقول من المسلمين بعصمة ما عدا الرسل والأنبياء -عليهم السلام-، ما عدا مَن شذّ، ولا اعتبار لمَن شذّ. ومن يقول بأنّ عدم الإصابة في الاجتهاد قدح وطعن في المجتهد، ومن يقول بأن اجتهادات السَّلَف حجة مطلقًا؛ لأنهم يمثّلون الحقبة الصافية في تاريخ المسلمين في النظر والتأسيس... ولا شك أن من يقول بمثل هذا، من باب لازم المذهب مذهب، تكون الموازين في النظر والبحث قد اختلَّت لديه. وكيف يتسنى أن نبني منظورًا كليًّا في البحث على أساس استنتاج أقرب إلى الفرض منه إلى التحقيق.

 وعليه؛ يكون منظور السلف في التفسير -في حال كونه قائمًا على الاجتهاد- نموذجًا إمكانيًّا في النظر، يعكس التفاعل مع القرآن وفق زمن الانبثاق، الأمر الذي لا يمنع بحكم خصائص القرآن، أن يتجدّد النموذج، خصوصًا إذا كان مؤسسيًّا.

خاتمة:

بناء على سالف القول المتعلّق أساسًا باجتهاد الباحث خليل محمود اليماني المتعلقة بعلاقة المرويات الإسرائيلية في تفسير آيات القرآن، والتي بعد أن ميز فيها بين منظور النقل المضموني ومنظور الوظيفي الاستدلالي الأداتي، رفض المنظور الأول ونقد أهله، باعتباره مخالفًا لاجتهاد السَّلَف والحيثية الأصلية للتفسير، وعزّز في المقابل المنظور الثاني باعتباره منهج السَّلَف في التفسير. نجمل بعض الخلاصات العامة:

 1. إنّ المنظور الذي اعتمده الباحث، واعتبره أصيلًا صحيحًا في تفسير القرآن، ما هو في حقيقة أمره إلا استنتاج فرْضِي، لا يتطابق مع واقع التطبيق التفسيري التراثي. وقد تحكّم وتمحّل كثيرًا في تمييزه عن منظور النقل، فضلًا عن الحكم.

 2. إنّ منظور النقل الذي قام الباحث بنقده ورفضه، هو بقدر كونه ينسجم مع خصائص القرآن؛ سواء باعتباره كتابًا ذا محدّدات منهاجية محدّدة، أو في علاقته بمصدر الروايات الإسرائيلية، بقدر كونه يتطابق مع حقيقة واقع التفسير.

 3. إنّ المحدد الأساس الذي جعل الباحث يتمحَّل ويتكلَّف تحكُّمًا في إحداث التمييز بين منظور التوظيف ومنظور النقل، هو إيجاد جواب يحقق به هدفين؛ أولهما: كون المرويات الإسرائيلية من حيث المحتوى المضموني فاقدة الأثر والشرعية باعتبارها محرَّفة أصالةً. ثانيهما: كون السَّلَف قد استندوا في التفسير إلى الموروث الإسرائيلي؛ فالنظر إلى كونهم أعلم الناس بالدين، يكون استنادهم إليه وظيفيًّا أداتيًّا لا نقليًّا مضمونيًّا. لذا، إذا ظهر أن أصل تأسيس المنظور غير معتبر، فما بني عليه يكون من جنسه من حيث عدم الاعتبار.

 4. يبقى منظور الترك الكلي للموروث الإسرائيلي في تفسير آيات القرآن هو الأصوب منهجيًّا ومعرفيًّا. والإبقاء على الموروث الإسرائيلي باعتباره أرشيفًا تاريخيًّا، يعكس تفاعل الإنسان مع الدين.

 5. في ختام المقالة، يمكن القول: إنّ موضوع البحث يحتاج إلى تَعْديد الدراسات وتكثير البحوث، لتبين الأمر على حقيقته الموضوعية، دون هجوم عليه بمسبقات، ودون تحكم في النظر إليه.

 

[1] منها؛ أولًا: سلسلة مكوّنة من مقالات ثلاث، وهي بعنوان: منطلقات دراسة توظيف الإسرائيليات في تفسير السلف. ثانيًا: سلسلة مكوّنة من مقالات ثلاث، وهي بعنوان: قراءة نقدية لتأصيل ابن تيمية لتوظيف الإسرائيليات في التفسير. ثالثًا: مقالة بعنوان: القول بانحصار توظيف الإسرائيليات في القصص وعدم دخولها في العقائد والأحكام؛ قراءة نقدية. رابعًا: بحث بعنوان: الإسرائيليات في التفسير بين ضرورة التوظيف وإمكان الاستغناء؛ قراءة تحليلية لمقولات المفسِّرين في جواب السامري في سورة طه. علاوة على بعض المقالات المتعلّقة بمنظور بحث خليل محمود اليماني، ومنها؛ أولًا: طرح الباحث خليل محمود اليماني في موضوع الإسرائيليات؛ الأهمية والآفاق، عبد الرحمن المشدّ. ثانيًا: وقفة نقدية مع بحث: الإسرائيليات في التفسير بين ضرورة التوظيف وإمكان الاستغناء لخليل محمود اليماني، محمود عبد الجليل روزن.

[2] يكاد يكون الناظم الذي يعمُّ اجتهادات الباحث خليل محمود اليماني، هو التحكُّم والتمحُّل تعسفًا في إحداث التمييز، لقيام جملة من مقالته وأبحاثه، منها التميز الذي أقام عليه مقالته: القول بانحصار توظيف الإسرائيليات في القصص وعدم دخولها في العقائد والأحكام؛ قراءة نقدية. ذلك أن الفصل متعذّر بين الوجه الخبري والوجه الاعتقادي في الموروث الإسرائيلي.

[3] الشرط المنهجي الكلي الذي تقيّد به الطبري في تفسيره في إيراد الأخبار والقصص، أنه يوردها كلّها بذكر أسانيدها، دون تعقيب، فكان بالتّبع جامعًا. الأمر الذي جعل تفسيره الجامع «يحتوي على غرائب» و«أباطيل كثيرة، يردّها الشرع ولا يقبلها العقل». الإسرائيليات في التفسير والحديث، محمد حسين الذهبي، مكتبة وهبة، القاهرة. مصر، ط5، 2004، ص99، 100.

[4] أرجع الطاهر بن عاشور سبب ولع المفسِّرين بعموم الأخبار والمرويات إلى «اتقاء الغلط الذي عظّموا أمره في القرآن، حتى ورد عنهم: خطؤه كفر. فأصبح الناس يغتفرون فيه -التفسير- النقل ولو كان ضعيفًا أو كاذبًا، ويتّقون الرأي ولو كان صوابًا حقيقيًّا؛ لأنهم توهّموا أنّ ما خالف النقل عن السابقين إخراجٌ للقرآن عمّا أراد الله منه، على أنّ أكثر ما صح منه جارٍ مجرى التمثيل بجزئية، أو مجرى الآراء العلمية، وكثير منه مكذوب». أليس الصبح بقريب؛ التعليم العربي الإسلامي: دراسة تاريخية وآراء إصلاحية، دار السلام، القاهرة. مصر، ط1، 2006، ص161.

[5] صحيح البخاري، كتاب: التوحيد، باب: قول النبي -عليه السلام-: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء)، حديث رقم 7362.

[6] التسهيل لعلوم التنزيل، ضبط وتصحيح وتخريج: محمد سالم هاشم، دار الكتب العلمية، بيروت. لبنان، ط1. 1995، (2/ 251، 252).

[7] صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب طلب الولد للجهاد، حديث رقم 2819.

[8] الرسالة، تحقيق وتخريج وتعليق: عبد اللطيف الهميم وماهر ياسين الفحل، دار الكتب العلمية، بيروت. لبنان، ط2، 2009، ص73، 418.

[9] تأويل مشكل القرآن، تحقيق: السيد أحمد صقر، مكتبة دار التراث، القاهرة. مصر، ط1، 2006، ص491.

[10] إِذْ إن الموروث التفسيري بمنهجيته المتبعة من المنظور الأركوني قد حوّل ماهية آيات القرآن الرمزية الإيحائية إلى شيء عادي تمامًا؛ وذلك من خلال اعتماده على «التفسير الواقعي الصرف»؛ حيث تلمس على طول المتن التفسيري الحرص على تحديد الأسماء والأماكن وتواريخ الأحداث، أمّا الحِكَم القرآنية المتضمنة في موضوع القصص القرآني مثلًا، فقد حوّلها إلى لغة وعظية، وأمّا التصورات الأخروية فقد تم اختزالها إلى مجرد وقائع ملموسة معهودة للملذات أو العذابات. وعليه؛ فهو «تفسير تاريخوي ماضوي عِلموي، بل حتى مادي؛ لأنه يرى أن لكلّ كلمة تعود على معنًى ما بالضرورة وجب تقصي أثره والبحث عنه». القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ترجمة: هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت. لبنان، ط2، 2005، ص161.

[11] المقدمة، دار الفكر، بيروت. لبنان، ط2004، ص421.

[12] تفسير القرآن الكريم بين القدامى والمحدثين، جمال البنا، دار الشروق، القاهرة. مصر، ط1، 2008، ص107- 109.

[13] في المقالة الثانية من المقالتين المتعلقتين باجتهاد ابن تيمية في وضع أصول منهج التفسير، والتي يتولّى نشرها مركز تفسير، توقفنا بالنقد عند منظور ابن تيمية لتفسير السلف. ولا ريب أن الباحث أخذ منظور كون السلف أعلم بالتفسير من ابن تيمية، فحاكمه به، لمّا انتقد منظور النقل الإسرائيلي في التأسيس التيمي، باعتباره يخالف كون السلف أسلم منهجًا في التفسير.

[14] صحيح البخاري، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل أصحاب النبي عليه السلام، حديث رقم 3651.

[15] صحيح البخاري، كتاب: التوحيد، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، حديث رقم 7352.

[16] بيّن بعض النظّار في تاريخ الفكر الإسلامي أنّ الرسول -عليه السلام- بيّن لأصحابه معاني القرآن، كما بَيّن لهم ألفاظه، خصوصًا ابن تيمية وابن خلدون. وكنّا في المقالة الثانية، من المقالتين المتعلقتين باجتهاد ابن تيمية في وضع أصول التفسير، قد تحدثنا عن ذلك تفصيلًا.

[17] أصّل الشافعي والشاطبي، أن البيان النبوي لآيات القرآن، هو الكمال الدالّ على مراد الله من كلامه. الرسالة، الشافعي، ص112، 121، 122، 131. الموافقات في أصول الشريعة، الشاطبي، شرح وتخريج: عبد الله دراز، وضع الترجمة: محمد عبد الله دراز، تخريج الآيات ووضع الفهرس: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت. لبنان، ط، 2011، (4/ 15).

[18] الوحي والإنسان؛ نحو استئناف التعامل المنهاجي مع الوحي، أحمد عبادي، دار النيل، القاهرة. مصر، ط1، 2013، ص31- 33.

[19] فضلًا عن محددات منهاجية ومعرفية أخرى، لا يسع المقالة بسط القول فيها، إلا أنها تلتقي في كونها تضع منظورًا منهجيًّا للتفسير أصيلًا في الباب.

[20] المقالتان بعنوان: اجتهاد ابن تيمية التأسيسي لأصول منهج علم التفسير من خلال مقدمته في أصول التفسير؛ عرض وتقويم.

[21] من ذلك: كون عبد الله بن عمرو «قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب». وحديثه منهما يرجع من المنظور التيمي إلى ما فهمه من الإذن من الحديث، كما في قوله -عليه السلام-: (بلِّغوا عنِّي ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كَذَب عليّ متعمدًا فليتبوّأ مقعده من النار). مقدمة التفسير، ص341. 342. صحيح البخاري، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث رقم 3461.

[22] مقدمة التفسير، ص342.

[23] مقدمة التفسير، ص342، 343. اعتبار الكثير من آيات القرآن مبهمة أو غامضة أو مشكلة ونحو ذلك من الأوصاف، بقدر ما أنه لا يراعي محدّدات القرآن المنهاجية والمعرفية، بقدر ما اتخذ أساسًا للتوسّل بالمعينات الخارجية لتفسير آيات القرآن.

[24] كدعوى محمد عابد الجابري، القائمة على أنّ القصص القرآني لا يفهم إلّا بالاعتماد على التوراة والإنجيل، باعتبار أن «الحقيقة التاريخية في هذا المجال ليست مستقلة بنفسها، بل هي جزء من التاريخ المقدس». أمّا ما يختلف فيه القرآن في القصّ عنهما، فهو «طريقة العرض»، باعتبار «مجال الإبداع والأصالة في القصة القرآنية». مدخل إلى القرآن الكريم، في التعريف بالقرآن، دار النشر المغربية، الدار البيضاء. المغرب، ط1، 2006، (1/ 240، 392). وهو نفس منظور محمد أركون، الذي يرى بأن إعادة قراءة القرآن، لا بد أن تكون قائمة على الاطلاع على التوراة والإنجيل، بدعوى أن القرآن قد «استعاد العديد من القصص» منهما، إلّا أنه «أخضعهما لمبدأ التعديل، حتى تتكيف مع الظروف الخاصة بالمجتمع العربي». تحرير الوعي الإسلامي نحو الخروج من السياجات الدغمائية المغلقة، ترجمة وتقديم: هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت. لبنان، ط1، 2011، ص61. الهوامل والشوامل حول الإسلام المعاصر، ترجمة وتقديم: هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت. لبنان، ط1، 2010، ص102.

[25] الإسرائيليات في التفسير والحديث، محمد حسين الذهبي، ص102.

[26] القصص القرآني، محمد شحرور، دار الساقي، بيروت. لبنان، ط1، 2012، (2/ 205- 208).

[27] التراث الإسلامي عمومًا، والتفسيري منه خصوصًا، ما زال إلى الآن، يشكل تحديًا عظيمًا أمام الباحثين، ليس فقط على مستوى الإتيان بمثله، فهذا يعدُّ بعيد المنال، وإنما فقط على مستوى الاستيعاب المحيط. ومن هذا الحيث، يظهر عدم جدوى منظور القطيعة مع التراث التفسيري في فضاء القراءات الجديدة للقرآن.

الكاتب

محمد كنفودي

باحث مغربي حاصلٌ على إجازة في الدراسات الإسلامية، درجة الماجستير في فقه المهجر أصوله وقضاياه وتطبيقاته المعاصرة، وله عدد من المؤلفات العلمية والمقالات المنشورة في مجلات ودوريات ومراكز بحثية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))