كتاب (أصول التفسير ومناهجه) للدكتور/ فهد بن عبد الرحمن الرومي؛ عرض وتقويم

يُعدُّ كتاب (أصول التفسير ومناهجه) للدكتور فهد الرومي من الجهود الحديثة البارزة في الكتابة ‏في ‏أصول التفسير، وتأتي هذه المقالة لتعرِّف بالكتاب، وتستعرض محتوياته، مع تقديم ‏تقويم له.‏

توطئة:

  موضوع أصول التفسير من أهم المواضيع الجديرة بالعناية والاهتمام، لارتباطه العميق بالقرآن الكريم وضبط كيفيات فهمه وتفسيره، ومنذ قرون طويلة كتب العلماءُ فيه عددًا من المؤلَّفات، وبرز منهم الزركشي والسيوطي وابن تيمية، ولا يزال الحقل بِكْرًا، وقد نشطتْ فيه حركةُ التأليف المعاصر بصورة قويّة، ويعدُّ كتاب (أصول التفسير ومناهجه) للدكتور/ فهد الرومي من بواكير الجهود الحديثة في الكتابة في أصول التفسير ومناهجه، وتأتي هذه المقالة عرضًا وتقويمًا لهذا الكتاب.

أولًا: كتاب (أصول التفسير ومناهجه)؛ عرض وبيان:

هذا الكتاب هو من تأليف الدكتور/ فهد الرومي[1]، وهو كتاب صدرت طبعته الأولى عام 1419هـ/ 1999م، وبلغت عدد صفحاته 186 صفحة، وقد عالج فيه المؤلِّف جملةً من المسائل والقضايا؛ بيانها كالآتي[2]:

تعريف علم أصول التفسير:

عرّفه لغةً وشرعًا (أي: اصطلاحًا)، وعَرَّج على التفسير لغةً واصطلاحًا، ثم بيَّن الفرق بينه وبين التأويل، وعرّج على أقوال العلماء ممن سبقه، وعرّج على بعض أقوال الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين -رحمهم الله-، ثم تناوَل أنواع التفسير وحصَرها في أربعة أوجه، ثم عاد إلى تعريف أصول التفسير بمعناه المركّب[3]، واصطلاحًا حصره في «العلم الذي يُتوصل به إلى الفهم الصحيح للقرآن، ويكشف الطرق المنحرفة أو الضالّة في تفسيره»[4].

نشأة علم التفسير ومراحله:

وفيه تكلّم عن علم التفسير والمراحل التي مر بها، وقد تبلورت هذه المراحل عنده في أربع مراحل: التفسير في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتفسير في عهد الصحابة، والتفسير في عهد التابعين، والتفسير في مرحلة التدوين، وقد تكلّم عن كلّ مرحلة وخصائص التفسير فيها.

 اختلاف المفسِّرين وأسبابه:

وقد عالج فيه الكلام على الخلاف في التفسير بين المفسِّرين، وبيَّن أنه قد اختلف الصحابة -رضوان الله عليهم- في تفسير بعض الآيات من الذِّكر الحكيم، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- ينهاهم عن كلّ ما يؤدي إلى الاختلاف في القرآن، واختلافهم هذا -مع قِلّته- اختلاف تنوّع لا اختلاف تضاد، وهو أيسر أنواع الاختلاف[5].

ثم عالج أنواع اختلاف التنوّع، حيث جاءت عنده كالآتي:

أولًا: أن يعبّر كلّ واحد من المفسّرين عن المعنى المراد بعبارة غير عبارة صاحبه.

ثانيًا: أن يذكر كلّ مفسّر من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل.

ثالثًا: ما يكون فيه اللفظ محتملًا للأمرين.

رابعًا: أن يعبِّروا عن المعاني بألفاظ متقاربة.

وكذلك تعرّض لذِكْر أسباب الاختلاف مبيّنًا أنّ لاختلاف السّلف في التفسير أسبابًا كثيرة، منها:

أولًا: أن يكون في الآية أكثر من قراءة، فيفسّر كلّ منهم الآية على حسب قراءة مخصوصة.

ثانيًا: الاختلاف في وجوه الإعراب، ولا شك أنّ الإعراب له تأثير في المعنى، فليس بين الفاعل والمفعول به مثلًا إلّا الضبط بالشّكل.

ثالثًا: احتمال أن يكون للّفظ أكثر من معنى بسبب الاشتراك اللغوي.

رابعًا: احتمال الإطلاق والتقييد في الآية.

خامسًا: العموم والخصوص.

سادسًا: من أسباب اختلاف المفسّرين الحقيقة والمجاز.

سابعًا: من اختلاف المفسّرين الإضمار والإظهار.

ثامنًا: من أسباب اختلاف المفسّرين النَّسْخ والإحكام.

تاسعًا: من أسباب اختلاف المفسّرين في تفسير الآية الاختلاف في الرواية عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد يبلُغ أحدَهم حديثُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا يبلغ الآخر.

أساليب التفسير:

وعالج فيه أساليب التفسير الأربعة، وهي: التفسير التحليلي، والتفسير الإجمالي، والتفسير المقارن، والتفسير الموضوعي، وقدّم شرحًا لكلّ نوع على حِدَة ومثّل له، والتفسير التحليلي: وهو الأسلوب الذي يُتتبع فيه المفسَّر، والذي يعتمد على وحدة الآية. والتفسير الإجمالي: وهو الأسلوب الذي يَعمد فيه المفسِّر إلى تفسير القرآن سورةً سورةً إلّا أنه يقسم السورة إلى مجموعات من الآيات. والتفسير المقارن أشبه ما يكون بالترجمة المعنوية التي لا يلتزم المترجم فيها بالألفاظ. والتفسير الموضوعي: وهو أسلوب لا يفسّر فيه صاحبه الآيات القرآنية حسب ترتيب المصحف بل يجمع كلّ الآيات القرآنية التي تتحدّث عن موضوع واحد فيفسّرها.

مناهج التفسير:

 بيّن فيه تنوّع مناهج التفسير وأغراض المفسِّرين، وعرض لبعض المناهج: منهج التفسير بالمأثور، ومنهج التفسير بالرأي أو (المنهج العقلي)، ومنهج التفسير الفقهي، ومنهج التفسير العلمي، ومنهج التفسير اللغوي، ومنهج التفسير الاجتماعي، ومنهج التفسير البياني، ومنهج التذوّق الأدبي، وأسهب في تبيانها وأمثلتها وأهم المؤلّفات في كلّ منهج.

 إعراب القرآن الكريم:

عرّف الإعراب لغةً بأنه: الإبانة، يقال: أعربَ الكلامَ: بيَّنه، وعرَّب منطقَه: أي هذّبه من اللحن.

وعرّفه اصطلاحًا بأنه: اختلاف آخر الكلمة باختلاف العوامل لفظًا وتقديرًا. أمّا الإعراب في القرآن الكريم: فهو ضبط كلماته، والبُعْد عن اللحن في نطقها حتى يظهر معناها الصحيح.

وذكر أنّ أهمية هذا العلم تظهر من كون الإعراب يبيِّن المعنى ويميِّز المعاني، ويوقِف على أغراض المتكلِّمين، ولا يمكن أن يُفهم النصّ القرآني الفهم الصحيح ما لم يُنطق بكلماته النطق الصحيح، والإعراب هو سبيل النطق الصحيح بالكلمات القرآنية.

وتكلّم على نشأة هذا العلم وتطوُّره، حيث بَيَّن أنه لمّا اتسعت الفتوحات الإسلامية اختلط العرب بالأمم الأعجمية، ودخل كثيرٌ من هذه الأمم في الإسلام وكان بين العرب والعجم اختلاط واشتراك، فظهرتْ عوامل الفساد في لسان بعض العرب، وسُمِعَ اللحن في التخاطب، ويُعتبر اللّحنُ الباعثَ الأول على تدوين اللغة وجمعها، وعلى استنباط قواعد النحو وتصنيفها.

وتناول أهم المؤلَّفات في هذا العِلْم، حيث بيَّن أنّ المؤلفات في هذا كثيرة، سلَك مؤلِّفوها اتجاهات مختلفة؛ فمنهم من اقتصر على إعراب القرآن ومشكله مثل مكّي، ومنهم من تعرّض لإعراب غريب القرآن كابن الأنباري في كتابه (البيان في إعراب غريب القرآن)، ومنهم من جمعَ بين أوجه القراءات والإعراب؛ مثل (معاني القرآن) للفرّاء، و(المحتسب) لابن جنّي، و(الحجّة) لابن فارس، وتناول خمسة من المؤلَّفات فيه.

غريب القرآن الكريم:

عرّف الغريب لغةً: فمعنى (غَرَب) بَعُدَ، و(الغريب) هو الغامض من الكلام، وفي الاصطلاح علم غريب القرآن هو العلم المختصّ بتفسير الألفاظ الغامضة في القرآن الكريم وتوضيح معانيها بما جاء في لغة العرب وكلامهم، موضوعه هو الكلمات التي تحتاج إلى تفسير وبيان في القرآن الكريم. أمّا عن أهميته، فمعرفة هذا العلم أمر ضروري للمفسِّر لا بدّ منه، وإلّا فلا يحِلُّ له الإقدام على كتاب الله تعالى، وفي هذا قال مالك بن أنس -رحمه الله تعالى-: «لا أُوتَى برجلٍ يفسِّر كتابَ الله تعالى غير عالمٍ بلغة العرب إلّا جعلتُه نكالًا».

الوجوه والنظائر:

عرّف الوجوه لغةً: جمع (وجه)، ووجه كلّ شيءٍ ما يستقبلك منه، ووجه الكلام السبيل الذي تقصده به. واصطلاحًا الوجوه المختلفة التي تكون للّفظ الواحد، فيُسمّى اللفظ من أجل ذلك مشتركًا، وتُسمّى تلك المعاني المتعدّدة له وجوهًا. والنظائر جمع (نظيرة)، وهي المثل والشبه في الأشكال والأخلاق والأفعال والأقوال، وتناوَل اختلافات العلماء في النظائر وأسهب في شرحها، وقارَن بين ابن الجوزي والزركشي.

قواعد التفسير:

تناوَل معنى القاعدة لغةً واصطلاحًا، وقسم القواعد إلى قسمين: القواعد العامة في التفسير، وقواعد الترجيح في التفسير. وفي هذا المبحث سنعمد إلى ذِكْر أهم القواعد الواجب إدراكها مع عرض تفصيلها بشكلٍ موجَز، وعرّج على القواعد الأصولية.

1- كلّ عام يبقى على عمومه حتى يأتي ما يخصّصه.

2- العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

3- الأمر يقتضي الوجوب والنهي يقتضي التحريم.

4- إذا دار اللفظ بين الإطلاق والتقييد فإنه يُحْمَل على إطلاقه.

5- إذا اختلفت الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية قُدِّمَت الشرعية.

6- إذا اختلفت الحقيقة العُرفية والحقيقة اللغوية قُدّمت العرفية.

7- لا تصحّ دعوى النّسْخ في الآية.

8- تقديم المعنى الشرعي على المعنى اللغوي.

9- تفسير جمهور السّلف مقدَّم على كلِّ تفسير شاذّ.

10- القول المجمَع عليه أولى بتأويل القرآن.

وعرّج على القواعد المتعلّقة باللغة والقواعد المتعلّقة بطرق التفسير، ثم أهم المؤلّفات في التفسير ومناهجه، فتناوَل أهم المؤلّفات في التفسير؛ استهلّ بالتفسير المأثور وتناوَل تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) وتناوَل مؤلِّفَه -رحمه الله-، ثم (معالم التنزيل) للبغوي، فـ(المحرّر الوجيز) لابن عطية الأندلسي، و(الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي، و(تفسير القرآن العظيم) لابن كثير، و(الدرّ المنثور) للسيوطي.

أهم المؤلفات في التفسير ومناهجه:

وقد تكلّم فيها عن أبرز التفاسير من وجهة نظره، وقد ذكر التفاسير الآتية:

(الكشاف عن حقائق التنزيل) للزمخشري، و(مفاتيح الغيب) للرازي، و(البحر المحيط) لأبي حيان الأندلسي، و(إرشاد العقل السليم) لأبي السعود العمادي، و(روح المعاني) للآلوسي.

والمؤلّفات في التفسير في العصر الحديث اختار منها: (محاسن التأويل) للقاسمي، و(تفسير المنار) لمحمد رشيد رضا، و(تيسير الكريم) لابن سعدي، و(في ظلال القرآن) لسيد قطب، و(أضواء البيان) للشنقيطي.

وأمّا المؤلفات في دراسات التفسير ومناهجه، فقد ذكر المؤلِّف فيها: (التيسير) للكافيجي، و(الفوز الكبير) للدهلوي، و(مذاهب التفسير الإسلامي) للمستشرق جولدتسيهر، ترجمة: عبد الحليم النجار، و(المفسّرون بين التأويل والإثبات) للمغراوي، و(اتجاهات التجديد) لمحمد إبراهيم الشريف، و(أصول التفسير وقواعده) للشيخ خالد العك، و(فصول في أصول التفسير) لمساعد الطيار، وختم بـ(اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر) وهي رسالة الدكتوراه الخاصّة بالمؤلف نفسه، وتناول (الإكسير في علم التفسير) للطوفي، و(مقدمة في أصول التفسير) لابن تيمية، و(القواعد الحسان لتفسير القرآن) لابن سعدي، و(التفسير والمفسرون) للذهبي.

ثانيًا: كتاب (أصول التفسير ومناهجه)؛ نقد وتقويم:

من خلال النظر في الكتاب يظهر لي جملةُ ملحوظات عليه:

أولًا: عدم تحديد إطار منهجي منضبط لأصول التفسير:

تشهد حالة البحث في أصول التفسير جدلًا بين المعاصرين، وكذا اختلافًا في تصوّر موضوعاتها ومباحثها، ومن إشكالات الكتاب أنه لم يبيِّن الكيفيات المنهجية التي يحكم بها على ما يكون موضوعًا ضمن أصول التفسير وما لا يكون؛ فالدكتور فهد كان له كتابٌ سالف في أصول التفسير بعنوان: (بحوث في أصول التفسير ومناهجه)، ورغم ذِكْره أنه أحدَث تعديلات في هذا الكتاب اضطرته لتغيير عنوانه وأن يكون هو الكتاب الذي بين أيدينا الآن (أصول التفسير ومناهجه) إلّا أنه لم يبيِّن المعايير التي بنى عليها في حذف وإثبات الموضوعات.

تقول إحدى الدراسات التي عُنِيَتْ بالموازنة بين أصول التفسير في التأليف المعاصر في هذا الحقل -وهي بصدد بيان عدم ذِكر المؤلّفات لأسباب اعتبار الموضوعات التي ذكرَتْها ضمن أصول التفسير-: «بعض ما تعدّدت طبعاته من هذه المؤلّفات قد حدثتْ في موضوعاته ومباحثه تغييرات جوهرية بالحذف والإضافة، ومع ذلك لم نظفر بنصّ لمؤلِّفيها يبيّن أسباب ذلك التغيير حذفًا كان أو إضافة، على الرغم من أنّ التغيير في بعضها أخرجه عن صورته الأولى بحسب عبارة مؤلِّفه...»[6]، وذكروا في الحاشية مثالًا لذلك بكتاب الرومي الذي بين أيدينا.

ومن خلال نظري في كتابَي الدكتور الرومي أمكنني عقد المقارنة الآتية:

ويظهر لي أنّ الفارق الكمي 31 صفحة، يعني فارق بنسبة 14%، ونسبة الكتاب الأول (بحوث في أصول التفسير ومناهجه) من نسبة الكتاب الثاني (أصول التفسير ومناهجه) تمثِّل 85%.

ثانيًا: الكتاب مجرّد إعادة لمضامين كتب علوم القرآن:

 وهو أمر يَلْحَظُه مَن يطالع مادة الكتاب، وتكرير كتب أصول التفسير لمضامين كتب علوم القرآن هو ما قرّره بعض المعاصرين؛ منهم الدكتور/ مساعد الطيار حيث قال: «إنَّ غالب هذه الكتب نُقولٌ وتلخيصٌ لِما في كتابَي: البرهان للزركشي والإتقان للسيوطي، وبهذا تفقد هذه الكتب جانب التحقيق والتجديد، وبالأخصّ ما وُضع منها على أنه مذكّرات، ثم طُبع فيما بعد على أنه كتاب، والفرق واضح بين من يكتب مذكّرات للطلاب، ومن يكتب لعامة طلبة العلم»[7].

ثالثًا: كثير من التعريفات بحاجة للإحالات:

على سبيل المثال لا الحصر: كان ينبغي أن يُحيل إلى من استقَى منه هذا التعريف في منهجية الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التفسير[8]، وقد أوجز ذلك القرطبي -رحمه الله- في تفسيره، فقال: «البيان منه -صلى الله عليه وسلم- على ضربين: بيان لمجمَلٍ في الكتاب؛ كبيانه للصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر أحكامها...، وبيان آخر وهو زيادة على حُكم الكتاب؛ كتحريم نكاح المرأة على عمّتها وخالتها»[9].

لم يُحِل إلى الأصل «تعريف علم أصول التفسير بمعناه المركّب: هو القواعد والأُسس التي يقوم عليها علم التفسير، وتشمل ما يتعلّق بالمفسِّر من شروط وآداب، وما يتعلّق بالتفسير من قواعد وطرق ومناهج وما إلى ذلك، ...موضوع أصول التفسير: أصول التفسير يبحث في علم التفسير من حيث تحديد قواعده وأُسسه وشروط تناوله وطُرقه ومناهجه وما إلى ذلك»[10].

لم يتعرّض إلّا لتفسير واحد من أنواع تفسير النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ التفسير القولي (ص24- 25).

ومعلوم أن أنواع التفسير النبوي للقرآن على ثلاثة أنواع:

1- التفسير القولي:

كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء: 78] قال: (تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار) رواه الترمذي.

2- التفسير العمَلي:

منها: تفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعنى إقامة الصلاة المأمور بها في قول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} وقوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ}؛ بأدائه للصلاة أداءً بَيَّنَ فيه أركانها وواجباتها وشروطها وآدابها، وقال لأصحابه: (صلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي) رواه البخاري من حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه-.

3- التفسير بالإقرار:

إقرار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما نزل قول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}[هود: 114] في شأن رجلٍ أذنب ذنبًا، فقال الرجل: يا رسول الله، أهي فيَّ خاصّة، أو في الناس عامة؟ فقال عمر: (لا، ولا نعمة عين لك، بل هي للناس عامة). فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: (صدق عمر).

رابعًا: الميول الشخصية للمؤلِّف أثّرتْ على موضوعيته:

منها: أنه مالَ إلى التفسير الموضوعي، واعتبره أهم أساليب التفسير، وله مزايا عديدة[11]، وعَدَّ تفسير (المنار) لمحمد رشيد رضا، و(في ظلال القرآن) لسيد قطب ضمن منهج التفسير الاجتماعي، ثم حصر -ثامنًا: منهج التذوّق الأدبي- على الحديث عن (الظلال) فقط[12]، فبهذه الإشكالية هدم المؤلِّفُ إشكاليته بنفسه؛ إمّا أساليب التفسير بحاجة لترتيب، وإمّا المؤلَّفات بحاجة إلى إعادة تصنيف.

ميوله الشخصية وَضَحَتْ كذلك بصورة غير مناسبة عندما قام باختيار كتبٍ في التفسير، وحاول أن يفرضها على القارئ ليتبنّاها كأيديولوجية يتمنهج عليها، دون ذِكر أسباب اختيارها، وأهمل الإشارة لتفاسير كثيرة قديمة وحديثة غير ما ذكر؛ مثل تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل)، وهو تفسير مختصر من تفسير البيضاوي وتفسير الزمخشري، وهو جامع لوجوه الإعراب والقراءات، متضمّن لدقائق عِلْمَي البديع والإشارات وأقاويل أهل السنّة والجماعة -كما وصفه مؤلِّفه-، وينتصر لمذهبه الحنفي في كثير من الأحيان، ويندر فيه ذكر الإسرائيليات، وقد حاز القبول بين العلماء، وتقرّر تدريسه في الأزهر والمدارس الشرعية منذ سنوات طويلة. وكذا (التفسير الوسيط للقرآن الكريم) لشيخ الأزهر الأسبق د. محمد سيد طنطاوي... وغيرها.

ومن مثارات العجب في الكتاب أنّ المؤلِّف أدرج ضمن أهم الكتابات في مناهج المفسّرين كتاب (مذاهب التفسير الإسلامي) للمستشرق جولدتسيهر، وهذا صنيع مشكِل؛ فالكتاب به إشكالات كثيرة جدًّا كما هو معلوم، ولا يمكن اعتباره من أهم الكتابات في مناهج المفسّرين.

خامسًا: خلو الكتاب من خاتمة يجمل فيها أبرز نتائجه وتوصياته: بحيث يستفيد منها من يجيء بعده.

وفي ذات السياق لا بدّ من الإنباه إلى أنّ الكتاب به مميزات مهمّة، فهو كتاب تميّز بالتنظيم والترتيب في طَرْح أفكاره وترتيبها؛ بدايةً من تعريف علم أصول التفسير، ومرورًا بالأساليب والمناهج، وإعراب القرآن وغريبه، فالوجوه والنظائر، وقواعد التفسير، واختتم بأهمّ المؤلَّفات في التفسير ومناهجه، وتوخَّى في كلّ ذلك الاختصار، والدقّة قدر الطاقة.

كما أنه توخَّى الأدب في النقد؛ حيث انتقد بعض التفاسير البِدعية، وحذَّر منها دونما قدحٍ في شخصٍ أو تجريحٍ، وحرص على إثارة بعض القضايا الخلافية؛ كالفرق بين التفسير والتأويل، وأسهب في بيان أقوال العلماء في ذلك -على مدى ثمان صفحات (ص8- 15)-، وحسم الخلاف بالتأكيد على الراجح من الأقوال.

وكذلك حرص المؤلِّفُ على إحالة الآيات إلى سورها وتخريج الأحاديث وبيان حكمها، وأحال جُلّ النصوص إلى مصادرها.

ولا شكّ أنّ هذه الملحوظات التي أوردناها لا تنقص من قيمة الكتاب، وأنّ المؤلِّف حاول جاهدًا، ومهَّد الطريق لمن جاء بعده.

خاتمة:

قُمنا في هذه المقالة بعرض وتقويم أحد المؤلفات البارزة في أصول التفسير، وهو كتاب (أصول التفسير ومناهجه) للدكتور/ فهد الرومي، وفي ضوء ما أوردْنا من ملحوظات على الكتاب فيطيب لنا دعوة جُلّ العلماء في تخصّص التفسير وأصوله ومناهجه لِأَنْ يقدِّموا عملًا جامعًا مانعًا في أصول التفسير ومناهجه، يراعي روح العصر ويكون العمدة ولو لقرنٍ قادم، وذلك خير من كثرة الإصدارات التي هي محضُ تكرار لمادة علوم القرآن.

 

 

[1] الأستاذ الدكتور/ فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي، أستاذ الدراسات القرآنية بكلية المعلّمين، الرياض، يتميز بغزارة الإنتاج، وجُلّه في نطاق تخصّصه، كما قام بتحقيق بعض المؤلّفات.

[2] نعتمد في هذا العرض على هذه النسخة الصادرة من الكتاب عام 1438هـ، الطبعة الثالثة، الرياض.

[3] أصول التفسير ومناهجه، فهد الرومي، ص17.

[4] أصول التفسير ومناهجه، فهد الرومي، ص11.

[5] أصول التفسير ومناهجه، فهد الرومي، ص56.

[6] أصول التفسير في المؤلفات؛ دراسة وصفية موازنة بين المؤلفات المسمّاة بأصول التفسير، خليل محمود- محمود حمد- باسل عمر، مركز تفسير للدراسات القرآنية، 1437هـ- 2015م، ص148.

[7] فصول في أصول التفسير، مساعد الطيار، ص7.

[8] أصول التفسير ومناهجه، فهد الرومي، ص25.

[9] تفسير القرطبي، القرطبي (1/ 38).

[10] بحوث في أصول التفسير ومناهجه، فهد الرومي، ص11، وفي أصول التفسير ومناهجه، فهد الرومي، ص17.

[11] أصول التفسير ومناهجه، الرومي، ص69

[12] أصول التفسير ومناهجه، الرومي، ص125- 127.

الكاتب

عبد الرحمن علي أبو المجد

عضو هيئة التدريس بجامعة منيسوتا ‏الإسلامية، وله عدد من المشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))