مخطوط قرآني مكتوب بالخط الكوفي بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث

للقرآن الكريم عددٌ كبيرٌ من المخطوطات المنتشرة في العديد من المكتبات الدولية، وتأتي هذه المقالة لتعرِّف بمخطوط قرآني مكتوب بالخط الكوفي بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، وتعرض لبعض الظواهر المميزة فيه.

  يحتفظ قسم المخطوطات بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بأوراق قرآنية مكتوبة على الرَّق بالأسلوب الكوفي ترقَى إلى القرن الرابع أو الخامس الهجري، كان قد أهداها للمركز الدكتور نجم عبد الله العراقي الأستاذ بجامعة الإمارات، ولا يعلم عن أصولها وتاريخها شيء سوى معلومة الإهداء سالفة الذّكر. في هذه المقالة المختصرة، نقدم قراءة للأوراق السبع المتبقية من هذه القطعة القرآنية الكوفية.

وصف المخطوط:

سبع أوراق قرآنية منفصلة، مكتوبة على رَقّ مستطيل الشكل بالأسلوب الكوفي، حبر الكتابة بُنّي غامق، بمعدل 25 سطرًا في الصفحة، وتستخدم النقط الحمراء للإشارة لعلامات الإعراب،ولا يوجد نقط للإعجام ولا توضع فواصل بين الآي. وعلامة التعشير على شكل خطّين متقاطعين، وثمة بعض الصيغ والعبارات المكتوبة بخطّ مُحْدَث في الجزء العلوي من الرَّق، مثل: (بسم الله الرحمن الرحيم)، و(اللهم صلّ على رسولك سيدنا محمد)، وبعضها لبيان الأجزاء والأحزاب. بها آثار رطوبة، وقَطع، وخروم، وترميم حديث.

فواتح السور وعدّ الآي:

تتضمن الأوراق القرآنية السبع آيات متفرّقة من سورة غافر، فُصّلت (في المخطوط السجدة؛ وهو أحد أسمائها)، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف، محمد، والفتح. كُتبت فواتح هذه السور وعَدد آيِها بحبر أحمر، أكبر قليلًا من حبر الكتابة البُنّي الغامق، وبمقارنة نظام العدد في أوراق المخطوط والأعداد التراثية المشهورة: كالكوفي والبصري والمدنيَّين والمكي والشامي، وجدنا أن المخطوط يبتعد كثيرًا عن العدّ الكوفي (بنسبة 25%)، ويقترب بنسبة أكبر من البصري والمدني والمكي (بنسبة 75%)، ومِن ثَمّ من العدد الشامي (بنسبة 62%) [انظر الجدول 1]. وقد عدَّ الناسخ سورة فُصّلت ثلاثًا وعشرين آية، بينما هي خمسون وآيتان في البصري والشامي، وخمسون وثلاث في المدنيَّين والمكي، وخمسون وأربع في الكوفي؛ والأرجح أن هذا وقع سهوًا منه «فرضية: بدلًا من [ثلاث وعشرون] أراد [ثلاث وخمسون]» إِذْ إنهم لم يختلفوا سوى في {حم} التي عدّها الكوفي وتركها الباقون، {وعَادٍ وَثَمُود} التي أسقطها البصري والشامي وعدّها الباقون.


(سورة السجدة [فُصِّلَت] ثلاثٌ وعشرون آية).


(سورة الزخرف تسعٌ وثمانون آية).


(سورة الدخان سبعٌ وخمسون آية).

شكل 1: أمثلة لفواتح السور في المخطوط.


جدول 1: نظام العَدّ في المخطوط مقارنة بأنظمة العَدد المشهورة.

أخطاء النَّسْخ والتصحيحات:

أحصينا عدَّة مواضع أخطأ فيها الناسخ في الكتابة سهوًا ثم استدرك الخطأ؛ إمّا بشطب الزيادة والمكرَّر بالحبر الأحمر الذي لا يطمس المكتوب، أو بإلحاق السقط في المتن، أو في هامش الصفحات مع وضع علامة لذلك في المتن على شكل شارطة مائلة [انظر: الشكل 2].

ففي قوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}[الشورى: 14]، أسقط الناسخ (بعد)، ثم عاد فألحقها في موضعها أعلى الصفحة بالحبر الأحمر.

وفي قوله: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت: 22]، أسقط الناسخ (ولا أبصاركم ولا جلودكم)، ثم ألحقها في هامش الصفحة بنفس حبر الكتابة البُنّي الغامق.

وفي قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ}[الزخرف: 69]، كرَّر الناسخ (وكانوا مسلمين) مرتين، ثم شطب الزيادة بالحبر الأحمر دون الطمس الكلِّي للمكرّر.

وفي قوله: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ...}[الشورى: 41، 42]، كرّر الناسخ الآيات مرتين، ثم شطب الزيادة بالحبر الأحمر دون الطمس الكلي للمكرّر.

وفي قوله: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الشورى: 24]،زاد الناسخ كلمة (الله) بعد (ويحق)، ثم تنبّه فشطب الزيادة بالحبر الأحمر دون الطمس الكلي للكلمة الزائدة. وسبب الخطأ أنّ الناسخ تشابه عليه قوله تعالى في سورة يونس: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}ونس: 82].

وفي قوله: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ}[الأحقاف: 12]، كرَّر الناسخ (إمامًا ورحمة وهذا كتاب مصدِّق) مرتين، ثم تنبّه فشطب الزيادة بالحبر الأحمر دون الطمس الكلِّي لها.

وفي قوله: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الزخرف: 43]، سَها الناسخ فلم يكتب (علَى)، ثم رجع فكتبها في موضعها بخطٍّ صغير.


خطأ نَسْخِي (التكرار) وشطبه بالحبر الأحمر.


خطأ نسخي (الزيادة) وشطبه بالحبر الأحمر.


خطأ نسخي (السقط) وإلحاقه في الصفحة بحبر مختلف.


خطأ نسخي (السقط) وإلحاقه في الهامش.


خطأ نسخي (السقط) وإلحاقه في متن المخطوط بخطّ صغير.

الشكل 2: أمثلة للأخطاء النسخية وتصحيحاتها في المخطوط القرآني.

المخطوط الكوفي المحفوظ بقسم المخطوطات بمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث. دُبيّ- الإمارات العربية المتحدة.

الكاتب

أحمد وسام شاكر

باحث ومترجم، مهتم بدراسة المخطوطات القرآنية المبكرة، وله عدد من المقالات والأبحاث والترجمات.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))