ورقة قرآنية مبكرة بالخط المائل
من متحف طارق رجب بالكويت

للقرآن الكريم عددٌ كبيرٌ من المخطوطات المنتشرة في العديد من المكتبات الدولية، وتأتي هذه المقالة لتعرف بورقة قرآنية مبكّرة من متحف طارق رجب بالكويت، وتعقد مقارنة بينها وبين الأوراق القرآنية بدار المخطوطات في صنعاء، وتنظر في علاقتها بها.

  يحتفظ متحف طارق رجب بالكويت -الذي فتح أبوابه للجمهور عام 1980م- بورقة قرآنية مبكّرة مكتوبة بالخطّ الحجازي المائل، على رَقّ عمودي الشكل بالحجم الكبير؛ تعود إلى القرن الأول/ الثاني الهجري. هذه الورقة القرآنية معروضة اليوم في غرفة «المخطوطات الإسلامية المبكرة» بالمتحف ضمن مجموعة المخطوطات والآثار التي اقتناها السيد طارق رجب وزوجه السيدة جيهان رجب[1]. لقد كان رجب مهتمًّا بالخطوط العربية وتطورها وأعمال أشهر الخطاطين في العالم الإسلامي، فكانت أكثر مقتنيات متحفه الخاصّ عبارة عن مخطوطات قرآنية مُختلفة الأشكال، والأحجام، وتواريخ النَّسْخ[2].

بيانات وتحليل الورقة القرآنية من متحف طارق رجب:

اسم القطعة: صفحة من القرآن بالخط المائلرقم الحفظ: .QUR-0001-TSR الخط: المائل أو الحجازي. الوسيطالرَّقحبر الكتابةالأسود. تاريخ الكتابةالقرن الأول/ الثاني الهجريمقاسات الورقة: 49.4سم x 39.4سم. عدد الأسطر في الصفحة: 26. المحتوى: سورة المائدة: 18-29.

 

صورة مكبرة للورقة القرآنية من متحف طارق رجب بالكويت. المصدر: موقع برانون ويلر www.usna.edu/Users/humss/bwheeler/quran/maili.html

يظهر في هذه الصفحة المبكّرة نَقط الإعجام -بنفس حبر الكتابة الأسود- لتمييز بعض الأحرف المتشابهة [الباء: ؛ التاء: ؛ الجيم: ؛ الذال: ؛ النون: ؛ الشين: ؛ الضاد: ]، دون نقط الإعراب: (الفتحة، الضمة، الكسرة، الشدة، التنوين... إلخ). وتوضع مجموعة من النقاط أفقية الشكل للإشارة إلى فواصل الآي[]. وتُرسَم دائرة منقوطة من الداخل عليها أسهم مدببة من الخارج [] لبيان مضي عشر آيات، وهو ما يعرف بالتعشير. ويلاحظ انتظام الأسطر وترك فراغ بين الكلمات مما يدلّل على عناية الناسخ بصَفّ الكلمات، وقد أثبت الرسم البياني (histogram) التناغم والتساوي بين الأسطر [الشكل 1][3].

تُقسَّم الكلمة الواحدة على سطرين مع وضع شارحة في آخر السطر لبيان ذلك []: (قد/ير) [س. 6-7]؛ (ا/لله) [س. 7-8]؛ (وا/تيكم) [س. 8-9]؛ (ادخلو/ا) [س. 9-10]؛(ولا تر/تدوا) [س. 10-11]؛ (ا/لذين) [س. 13-14]؛ (ا/لباب) [س. 14-15]؛(فتو/كلوا) [س. 15-16].

الورقة مكتوبة بما يُعرف بالخط الحجازي أو المائل، أو بالأحرى الخطّ المكي أو المدني بحسب تسمية النديم له في كتاب الفهرست[4]؛ وهو من أقدم الخطوط العربية الذي يتميز مظهره العام بالانضجاع ناحية اليمين وكذا تعوج ألفاته إلى جهة اليمين، وهو ما نلحظة في هذه الورقة القرآنية:[]؛ []؛ []. ومن خصائص هذا الخط الحرّ: الرسم المميز لحرف الياء الأخير الذي يرتد إلى الخلف: []. مع ذلك، فإن الصفحة تُظهر خصائص مشتركة بين هذا الخط المائل والكوفي المبكّر الذي يميل أكثر للاستقامة، ومن ذلك رسم حرف الذال في (فاذهب)=، والطاء المتوسطة في (بسطت)=، والكاف الأخيرة في (لأقتلنك)=. ولأجل هذه الخصائص المزدوجة، يُوسم هذا الأسلوب الخطي بــ(الحجازي المتأخر).

مقارنة مع الأوراق القرآنية بدار المخطوطات في صنعاء:

وقد تبين لي بعد إجراء المقارنات الواقعية بين هذه الورقة المعروضة في متحف طارق السيد رجب بالكويت (برقم Qur-001-TSRوالرقوق القرآنية التي اكتشفت في الجامع الكبير بصنعاء عام 1972؛ أنها تتطابق مع مخطوط قرآني موجود اليوم بدار المخطوطات اليمنية برقم حفظ (01-30.1)[5]. إننا لا نعلم المجموع الكلي لأوراق المخطوط القرآني (01-30.1)[6]، لكننا نحيط علمًا بتسع ورقات منه منشورة في مرجعين؛ الأول: قرص اليونسكو «ذاكرة العالم: مخطوطات صنعاء» (1996)؛ الذي يحتوي على أكثر من 300 صورة فوتوغرافية للمخطوطات القرآنية الصنعانية. والثاني: كتاب «مصاحف صنعاء» (1984)، وهو كتلوج للرقوق القرآنية الصنعانية أصدرته دار الآثار الإسلامية في الكويت عام 1984.

يُظهر الجدول الآتي تفاصيل الأوراق المنشورة للقطعة (01-30.1) من مجموعة صنعاء[7]:

صحيفة قرآنية مزدوجة

دار المخطوطات اليمنية (01-30.1)

المقارنات البصرية بين القطعتين:

اخترنا للمقارنة البصرية مجموعة من الرموز الدالة؛ مثل: فواصل الآي وعلامة التعشير، وبعض الأحرف الأبجدية المميزة في طريقة رسمها كالقاف والكاف والياء التي تأتي في آخر الكلمة؛ كلّ ذلك للتدليل على أنّ الورقة القرآنية المبكّرة المكتوبة بالخط المائل من متحف طارق رجب تنتمي فعليًّا إلى المصحف المحفوظ بدار المخطوطات اليمنية برقم (01-30.1).

ختامًا: إذا كانت الورقة القرآنية المبكرة في متحف طارق رجب هي جزء من المصحف الصنعاني الفاخر ذي المقاسات الكبيرة ضمن مجموعة صنعاء؛ فإنّ السؤال المطروح هو: كيف استقر بها المقام في الكويت؟ إنّ المعلومات المتوافرة بين أيدينا الآن لا تكفي للردّ على هذا السؤال، لكننا نقترح إحدى هاتين الفرضيتين لتفسير ذلك؛ الفرضية الأولى: أن تكون الورقة القرآنية المبكرة قد أُخرجت من اليمن وعُرضت للبيع في مزاد علني في إحدى الدول الأوربية وعن المزاد اشتراها المتحف وضمَّها لمجموعته. الفرضية الثانية: أن تكون الورقة القرآنية المبكرة قد أُخرجت من اليمن ثم اشتراها المتحف من أحد تجار المخطوطات والآثار القديمة المنتشرِين في هذه المنطقة وضمَّها لمجموعته. والله أعلم بالصواب.

 

[1]  Safwat, Nabil F, Géza Fehérvári, and Mohamed U. Zakariya. The Harmony of Letters: Islamic Calligraphy from the Tareq Rajab Museum. Singapore: National Heritage Board, 2000, pp.26-27, 118.

[2] Roper, Geoffrey. World Survey Of Islamic Manuscripts. Volume Two. Al-Furqan Islamic Heritage Foundation, 1992, pp. 172-173.

[3] El Menshawy, Sherine et al. "An Evaluation Of Mail Qur'an Manuscript". Scientific Culture, vol 4, no. 1, 2017, p. 79.

[4] قال محمد بن إسحاق: «فأوّل الخطوط العربية، الخط المكي وبعده المدني ثم البصري ثم الكوفي. فأمّا المكي والمدني، ففي ألِفاته تعويج إلى يمنة اليد وأعلى الأصابع، وفي شكله انضجاع يسير». (الفهرست، ص14).

[5] لا أعلم أحدًا أشار إلى التطابق بين الورقة Qur-0001-TSR من متحف طارق رجب (الكويت) والمخطوط 01-30.1 من دار المخطوطات (صنعاء). وبعد نشر نتائج بحثي، أعلمني موقع Islamic Awareness أنه عثر على إشارة موجزة لذلك لدى ماركوس فريزر-المدير السابق لقسم الفنّ الهندي والإسلامي بمزادات سوثبيز- في مقال منشور له عن خطوط المخطوطات القرآنية عام 2012. انظر المرجع في:
"Codex Sana‘A DAM 01-30.1 – A Qur'anic Manuscript From 1st/2nd Century Of Hijra". Islamic-Awareness.Org, 2019 , www.islamic-awareness.org/quran/text/mss/yem1j.html.

[6] يعتقد فرانسوا دريوش -اعتمادًا على الخصائص الكوديكولوجية- أن مجموع أوراق هذا المصحف كانت في حدود 150 ورقة. انظر:

Déroche, François. Qur'ans Of The Umayyads. Brill, 2014, p. 50.

[7] اعتمدنا في بناء هذا الجدول على المعلومات التي استقيناها من المرجعين السابقين، ومرجع آخر: Small & Puin, 2007, p.64, 69.

 

الكاتب

أحمد وسام شاكر

باحث ومترجم، مهتم بدراسة المخطوطات القرآنية المبكرة، وله عدد من المقالات والأبحاث والترجمات.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))