القرآن والطبائع النفسية

من طبائع النفوس اتخاذ المال رافعًا لأقدار الأشخاص، حتى يرجح على الخُلُق عند مفاضلات الناس ومقارناتهم، وقد جاء القرآن مصحِّحًا للمفاهيم مقوِّمًا للسلوكيات. وفي هذه المقالة يسلط الكاتب ضوءًا على هذه الطبيعة النفسية، ومسلك القرآن معها تقييمًا وتقويمًا.

القرآن والطبائع النفسيّة[1]

  البشرية من قديم الزمان حين تفضِّل، تجعل الفضل كلّه للمال والجاه، ولا ترى لإنسان كرمًا ولا مروءة إلا إذا كان من أصحاب القصور والضّياع أو من كُنَّاز الذهب والفضة، وقد عبَّر الشاعر العربي عن هذا المعنى تعبيرًا هادئًا ساذجًا، ولكنه قويّ لطيف، عميق الدلالة، بعيد المغزى، فقال:

إذَا قُلْتَ يوْمًا لِمَنْ قدْ ترَى         أرونِي السَّرِيَّ أرَوْكَ الْغَنِي

فأنت تريد من الناس أن يدلُّوك على صاحب النّفْس العالية والخلال الحميدة، ولكنهم -بدافعٍ من غرائزهم وحماقاتهم- يسوقونك أمامهم، ويرفعون أكُفَّهم ويُشيرون إلى غنيّ من الأغنياء!

هذا المعنى المستولي على النفوس، الجاثم على الصدور، حَظِي من القرآن الكريم بتصوير واضح بارز، وجاء في أكثر من آية، وقد سيق في موقف الأمم من أنبيائهم، أو على وجه الدقة في موقف أغنياء الأمم من الرسل الذين بعثهم الله؛ فنُوحٌ -عليه السلام- يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، فلا يسمع منهم إلا السخرية والاستهزاء به وبمن اتبعه، ويجابهه الملأ من قومه فيقولون له: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ}[هود: 27]، يقول جار الله الزمخشري: «وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخّرهم في الأسباب الدنيوية؛ لأنهم -يريد قومَ نوح- كانوا جهالًا، ما كانوا يعلمون إلا ظاهرًا من الحياة الدنيا، فكان الأشرف عندهم مَن له جاه ومال، كما ترى أكثر المتّسمين بالإسلام يعتقدون ذلك، ويبنون عليه إكرامهم أو إهانتهم، ولقد زلّ عنهم أن التقدم في الدنيا لا يُقَرِّب أحدًا من الله وإنما يُبْعِدُه، ولا يرفعه بل يضعه، فضلًا أن يجعله سببًا في الاختيار للنبوة والتأهيل لها»[2].

وموسى -عليه السلام- يُرسَل إلى فرعون وملئه فيلقَى آذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلفًا، ويرتكب فرعون حماقته الكبرى كما يحكي عنه القرآن الكريم: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف: 51- 53].

فإذا عبَرنا التاريخ إلى الملأ من كفار مكة وجدناهم يَعجبون أشد العجب؛ لأن الرسالة لم تكن في رجل من أغنيائهم: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]، يعنون الوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود الثقفي، وكان الوليد يقول: «لو كان حقًّا ما يقول محمد لنزل القرآن عليَّ أو على أبي مسعود الثقفي»، ومناط العظمة عندهم وعنده الرياسة والغنى، وقد ردّ عليهم القرآن ردًّا هادئًا قويًّا فسَفَّهَ أحلامهم، وعجب من جهلهم، فالرسالة رحمة، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وليس من شأنهم ولا في مقدورهم أن يتحكموا في رحمة الله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}[الزخرف: 32].

ولكن هذه ليست أولى جهالاتهم وليست آخرها، فكم لهم مثلها من جهالات: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان: 7- 10]، فهم يَعجبون من أن الرسول يتردد في الأسواق لطلب المعاش، كأنّ الرسالةَ عندهم مُلْكٌ، ثم يَعجبون من أنه رسولٌ فقيرٌ لا كنز معه من السماء ولا بستان يأكل منه، ولكن الرسالة ليست مُلْكًا، ولكنّ الرسل السابقين لم يكونوا ملوكًا ولا ملائكة: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20].

ويَعرض القرآن لمنطق آخر عجيب لهؤلاء الأغنياء يصوّر ما تجيش به نفوسهم من معانٍ متهافتة عجيبة، فهم -وكثير من أمثالهم- يعتقدون أن هذا الغِنَى الذي مُنِحُوه إنما كان لأنهم له أهل، ولأن الله يُؤْثِرهم على الآخرين من عباده، بل يمضي بهم الحُمق إلى أبعد الغايات فيعتقدون أن هذا التفضيل في الدنيا مُؤْذِنٌ بتفضيلٍ مثله في الآخرة، وأنهم كما كانوا منعَّمين في الدنيا بالأموال محبةً من الله لهم سينعَّمون في الآخرة بالجنة للسبب ذاته: {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} [فصلت: 49، 50]، {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: 35، 36]، {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: 35].

ويمضي القرآن الكريم كذلك على عادته في بساطة وهدوء فيردهم إلى الصواب، ويبين لهم أن الرزق فضل من الله يقسمه كما يشاء على حسب ما يراه من المصالح، فربما وسَّع على العصاة، وضيَّق على المطيعين، وإنما مدار الرحمة على الإيمان والعمل الصالح، ولن يُقرِّب المالُ إلى الله أحدًا، إلا إذا أنفق في سبيل الخير: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 36، 37].

ويتضح لنا من بعض الآيات السابقة ومن آيات أخرى تشبهها أنّ كثيرًا من الأغنياء يطغيهم الغنى، فيغفلهم عن حقائق الكون، فيظنون أن الدهر لن يصيبهم إلا بما شاؤوا، وأن الفقر لن يَعرف أين هم، وهذا مُشاهَد ملموس، وكلام لا يزال يتردد على الأفواه، وهو منطق قديم؛ فصاحب الجنة الذي ضرب الله به المثل في سورة الكهف يقول كما حكى عنه القرآن: {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} [الكهف: 35]، وأصحاب الجنة الذين ذكر الله قصتهم في سورة القلم كانوا على أتمّ الثقة من أنهم سيجنون ثمار جنتهم حتى أقسموا على ذلك دون أن يخطر ببالهم أن يُرجِعوا الأمر إلى الله: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم: 17- 20].

ومما لا نزال نسمعه من الأغنياء ونَعجب له أشد العجب قولهم حين تدعوهم إلى أن يُعطوا الفقير وذا الحاجة، وتحاول أن تُفهِمهم أن المال الذي في أيديهم إنما هو مال الله في خزائنهم، كما قال ذلك الأعرابي، وقد سُئِل عن غنم يرعاها فقال: (هي لله في يدي)، وتؤكد لهم هذا المعنى فتُسمعهم قولَه تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه} [الحديد: 7]= قولَهم حينئذ: لو شاء الله لأغنى هؤلاء الفقراء، ولو كان يريد لهم الخير ما حرمهم منه، أيُفقِرهم اللهُ ونُغنِيهم نحن؟! وتتذكر على الفور قول إخوانهم من قبل، كما جاء في سورة يس: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [يس: 47].

ويتجه القرآن وجهة أخرى في الحديث عن المال؛ فمع تبيان أثره في النفوس خُلُقًا واعتقادًا، لا يغفل التصريح بأَخْذ الحذر منه، وجعله في المرتبة الثانية، ولعلّ أروع مظهر لذلك هو هذه المقارنة العجيبة الطريفة بين حبّ الله -عزّ سلطانه، وتعالت أسماؤه- وبين حبّ المال، وقبل أن نتحدث عن هذه المقارنة نسجّل أن القرآن كان واقعيًّا -وهو دائمًا كذلك- حين كشف عن شعور الناس نحو المال، فهو لم يحلِّق في سماء الخيال ليصف البشر بأنهم يكرهون الدنيا وزينتها أو يبغضون النعيم والرفاهية فيها، بل قرَّر في لغة الواثق الصادق، العارف بطبائع النفوس، أن الناس يحبون المال: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 19، 20]، {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 6- 8].

ولم يحاول القرآن أن ينتقص من قيمة المال في تزيين الحياة وتجميلها: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، ولكن الإنسان لا يحب المال فقط، بل لا يحب نوعًا واحدًا منه، وإنما يحب أشياء أخرى هي ما سماها القرآن شهوات: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]، ولكن لا ينبغي أن تلهي هذه الشهوات عن ذكر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون: 9].

والملاحظة البدهيّة توقفنا على حرص القرآن الشديد على أن يجعل المال -مع كونه زينة الحياة وزهرتها- في مرتبة أدنى، ومكان أحطّ، وإنما الشأن كلّ الشأن في الإيمان والعمل الصالح: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46]، {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران: 195]، {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى: 4]، ويُطيل القرآن في هذا المعنى، ثم ينتهي إلى أن يضع الناس أمام هذا الاختيار الشديد على النفوس: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].

يقول الزمخشري -رحمة الله- عقب هذه الآية: «وهذه آية شديدة، لا نرى أشدّ منها، كأنها تنعي على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين، واضطراب حبل اليقين، فلينصف أورع الناس وأتقاهم من نفسه هل يجد عنده من التصلّب في ذات الله والثبات على دين الله ما يستحب له دينه على الآباء والأبناء والإخوان والعشائر والمال والمساكن وجميع حظوظ الدنيا ويتجرَّد منها لأجله؟ أم يزوي الله عنه أحقر شيء منها لمصلحته فلا يدري أي طرفيه أطول؟ ويغويه الشيطان عن أجلِّ حظ من حظوظ الدين، فلا يبالي كأنما وقع على أنفه ذباب فطيَّره؟»[3].

وقد اعتَبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هذا الشعورَ بحبّ الله وتفضيله على ما سواه دليلًا على أن الإنسان وجد حلاوة الإيمان، وتمكنت في نفسه لذَّته، وهذا أمر معنوي لا يمكن وصفه، وإنما يشعر به المخلصون، وفي ذلك يقول الرسول الكريم: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»[4].

إنّ أولئك المخادعين الذين يوهمون الناس أنهم لا يحبّون المال لا صلة بينهم وبين الصدق، فالحقّ الذي لا مِرية فيه أن حب المال طبيعة في النفوس، وأن إنسانًا يدَّعي أنه لا يحب المال كاذب أو منافق؛ ولذلك كان بعض الأقدمين يقول: «مَن زعم أنه لا يحب المال فهو عندي كاذب حتى يثبت صدقه، فإذا ثبت صدقه، فهو عندي أحمق».

 

[1] نشرت في مجلة (رسالة الإسلام)، العدد 16، ص: 425- 429.
وقد يُلحظ في عنوان المقال سعة عن مضمونه؛ حيث يتناول طبيعة واحدة من الطبائع النفسية، وهي تعظيم المال واتخاذه معيارًا في التفضيل بين الناس، وموقف القرآن منها، وكيفية تقويمه لها، إلا أننا قد أبقينا العنوان على ما كتبه صاحبه -رحمه الله- في المقال المنشور.

[2] الكشاف، الزمخشري، ط. دار الكتاب العربي (2/388، 389).

[3] الكشاف، الزمخشري (2/257).

[4] رواه البخاري (16) واللفظ له، ومسلم (43).

الكاتب

علي محمد حسن العماري

أستاذ البلاغة بجامعة الأزهر وجامعة أم درمان والجامعة الإسلامية بمكة المكرمة، توفي عام 1419هـ/ 1998م.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))