عرض كتاب
التوراة والقرآن في الفكر الاستشراقي
الاستشراق الألماني نموذجًا
د/ أحمد محمود هويدي

يعرض الكاتبُ هنا كتابَ: (التوراة والقرآن في الفكر الاستشراقي؛ الاستشراق الألماني نموذجًا)، والذي يتناول رؤية المدرسة الاستشراقية الألمانية للقرآن وللتوراة، ودور الدراسات الألمانية على القرآن والتوارة في تطوير نظريات نقد الكتاب المقدّس، وفي كشف تأثّر الكتابات اللاهوتية المتأخرة (اليهودية والمسيحية) بالقرآن.

بيانات الكتاب:

 التوراة والقرآن في الفكر الاستشراقي؛ الاستشراق الألماني نموذجًا. تأليف: الدكتور/ أحمد محمود هويدي. من منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الأولى، 2019، ويقع الكتاب في 222 صفحة.

أهداف الكتاب:

 يهدف الكتاب إلى إلقاء الضوء على دور الدراسات الإسلامية والقرآنية الغربية ودراستها للتوراة والقرآن في تطوّر علم نقد الكتاب المقدّس، ويتساءل عن إمكان الإفادة من علم الكتاب المقدّس في تفسير القرآن، كما يبرز أهمية المشترك القصصي والأخلاقي في مسألة الحوار بين الأديان.

أهمية الكتاب:

 الأهمية الرئيسة للكتاب تكمن في انتهاجه منهجًا خاصًّا في تناول الدراسات الاستشراقية الغربية، حيث يحاول إبراز دور هذه الدراسات في تطور مناهج دراسات الكتاب المقدّس، ودور القرآن والإسلام في التأثير على الكتابات اليهودية والمسيحية اللاحقة على نشأة الإسلام، وهو منحًى له جِدته.

محتويات الكتاب:

قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أبواب، مصدَّرة بمقدمة:

الباب الأول: (الاستشراق الألماني والدراسات القرآنية والتوراتية): وهو مقسم لثلاثة فصول يدرس فيها؛ نشأة نقد التوراة مع الدراسات الإسلامية، وتطوّرها مع الدراسات القرآنية، ثم نظرية نقد المصادر وتطوّرها.

الباب الثاني: (حكايات سفر التكوين): وهو أيضًا مقسم لثلاثة فصول يدرس فيها؛ بعض القصص التوراتي، مثل: حكايات الخلق، وقصة الطوفان، وتاريخ الآباء. ثم يتناول الأسفار المفقودة من العهد القديم.

الباب الثالث: (علاقة التوراة بالقرآن): وهو مثل سابقَيْه مقسم لثلاثة فصول يدرس فيها؛ العلاقة بين التوراة والقرآن، فيقارن بعض قصص التوراة بقصص القرآن، ويتناول المصطلحات القرآنية تجاه التوراة، مثل: (التحريف) و(التبديل) وأثرها على دراسات نقد العهد القديم، ويختم بتناول قضية الحوار بين الأديان ودور القصص المشترك في تطويره.

الأفكار المركزية للكتاب:

تُعَدّ المدرسة الاستشراقية الألمانية من أكبر المدارس الاستشراقية الأوروبية، وربما من أكبر المدارس الاستشراقية قاطبة؛ إذ يقال إنها تضرب بجذورها إلى عصر الخليفة العباسي هارون الرشيد، وامتدت حتى القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديين، ومن ثم إلى وقتنا الحالي[1].

كان من أهم ما ميَّز هذه المدرسة الاستشراقية هو تعدّد مجالاتها وموضوعاتها، والموسوعية في الاهتمامات المختلفة، إضافةً إلى انتهاجها منهجًا علميًّا دقيقًا، والذي ربما يكون عائدًا إلى طبيعة الشخصية الألمانية، علاوةً على عدم مركزية الهدف التنصيري من بين أهدافها إلى جانب الأهداف الاستعمارية والسياسية والتجارية[2].

ويُحسب لهذه المدرسة اتسامها -بعض الشيء- بعدم العداء للعرب والتحامل عليهم، وربما يعود ذلك إلى اهتمامها في المقام الأول بالدراسات الشرقية القديمة والحِقبة الإسلامية المبكّرة والآثار والأدب والفنون، وهذا النوع من الدراسات عادةً ما يخلو من تحقيق أيّ أغراض سياسية[3]، الأمر الذي قد يُفسِّر إلى حدِّ كبيرٍ اتصافها بعض الشيء بــ(الإنصاف) في دراساتها.

كان لهذه المدرسة إسهامات بارزة في نشر الثقافة الإسلامية وبيان الحضارة العربية، وذلك لما نشرت من نصوص قديمة ساعدت على نشر آلاف من أمهات الكتب العربية والإسلامية، وجعلتها مُيسّرة للمثقفين الغربيين، كما أنّ مجهوداتها لا تُنسى في مجال فهرسة المخطوطات العربية، إضافة إلى اهتمامها بعد الحرب العالمية الثانية بأحوال الوطن العربي ودراسته من جميع جوانبه[4].

ويأتي الكتاب الماثل للعرض ليلقي الضوء على رؤية المدرسة الاستشراقية الألمانية لكلّ من التوراة والقرآن الكريم، مشيرًا في مقدمته إلى أنه انتهج منهجًا مغايرًا للدراسات العربية والإسلامية الدارسة والناقدة للكتابات الاستشراقية؛ ذلك المنهج الذي تمثّل في إيضاح الجوانب الإيجابية في دراسات المستشرقين الألمان حول الدراسات الإسلامية، لا سيّما تلك الدراسات التي أدّت إلى نشأة ما بات يُعرف في الغرب بـ(علم نقد الكتاب المقدّس)، علاوة على تقديم دراسة تطبيقية على سفر التكوين بالتوراة تبرهن على ذلك؛ إذ استفاد ما يعرف بـ(نظرية تعدّد مصادر التوراة) من الدراسات الاستشراقية في الغرب عامة وألمانيا تحديدًا حول الإسلام.

كما يرى مؤلّف الكتاب في مقدمته أن الدراسات الاستشراقية الألمانية كان لها دورٌ كبيرٌ في تبيان العلاقة بين التوراة والقرآن الكريم، لا سيّما الدراسات الاستشراقية المهتمة بعلم تفسير القرآن الكريم، وكيف أنه من الممكن أن يكون لها تأثير إيجابيّ في إعادة تفسير الآيات القرآنية المتعلقة بأهل الكتاب، مضيفًا أنّ اهتمام عددٍ من المستشرقين بدراسة بعض الشخصيات القرآنية المشتركة مع بعض الشخصيات التوراتية عزَّز من مسار «الحوار بين أتباع الديانات الإبراهيمية» وتطوره.

الاستشراق الألماني والقرآن الكريم:

يعرّج الكتاب على نشأة الدراسات الإسلامية (الاستشراقية) في ألمانيا، ودور الاستشراق الألماني في خدمة الدراسات القرآنية تحديدًا، مشيرًا إلى أنّ أهم دوافع نشأة هذه الدراسات هو الحروب الصليبية التي شاركت فيها ألمانيا، علاوة على حركة نقل الحضارة والثقافة الإسلامية في الأندلس إلى الغرب الأوروبي النصراني عن طريق الترجمات، وهو ما أدّى إلى التركيز على دراسة اللغة العربية من قِبل مجموعة من المستشرقين الألمان على نطاق واسع في السنوات الأخيرة من القرن السابع عشر الميلادي، كان على رأسهم المستشرق الألماني رايسكه (1716-1774م) الذي دعا إلى إعادة فهم العربية بعيدًا عن النظرة اللاهوتية للإسلام ومصادره الرئيسة.

سلّط الكتاب الضوء كذلك على إسهامات المستشرقين الألمان في الدراسات الإسلامية، قاصدًا بها تلك الدراسات العربية أو الشرقية المرتبطة بالإسلام، والتي تعدّدت لتشمل التدريس والنشر والتحقيق والترجمة والدراسات النقدية وغير ذلك، وكان من أبرزها عمَلان جليلان للمستشرق الألماني جوستاف فلوجيل (1802-1870م)، وهما: نشر القرآن بالعربية عام 1834م، ونشر أول فهرسة للقرآن بعنوان: (نجوم الفرقان في أطراف القرآن) عام 1842م، وهو الذي صار أساسًا انبنت عليه كلّ المعاجم في البلاد العربية والإسلامية، ولم يصل إلى درجته من الدقّة والاستيعاب أيُّ عملٍ مماثل.

أشار الكتاب أيضًا إلى ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الألمانية وترجمة السيرة النبوية لابن هشام، والتي رأى فيها مؤلِّفُ الكتاب واحدة من أهم الأعمال الاستشراقية الألمانية التي أسهمت ليس في تطوير الدراسات القرآنية في ألمانيا وحسب، بل أيضًا في تطوير دراسات نقد أسفار العهد القديم؛ وذلك لأنها اشتملت على عدد من الآيات القرآنية الخاصّة باليهود والتوراة، فقدّمت بعض التفسيرات التي تشير إلى نقد يوضح ما أصاب التوراة من تحريف وتبديل، كما أن فيها إشارات توضح أسباب نزول بعض الآيات القرآنية الخاصّة بكتمان اليهود لما في توراتهم، مثال الآية 42 من سورة البقرة: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

أسهب الكتَابُ كذلك في التأريخ لأعمال المستشرقين الألمان المتعلّقة بترجمة معاني القرآن الكريم إلى الألمانية، والتي كان أولها من الأصل العربي تلك التي قام بها ديفيد فريدريش ميجيرلين عام 1772م، وحملت عنوان: (التوراة التركية أو القرآن)، ثم ترجمة المستشرق الألماني بويسن عام 1773م، والتي توالت بعدها الترجمات الجزئية لمعاني القرآن للألمانية لخدمة أغراض بحثية في أعمال عددٍ من المستشرقين الألمان.

ظهرت بعد ذلك ترجمات ألمانية كاملة لمعاني القرآن الكريم، تخطت 14 ترجمة، أهمها ترجمة ماكس هيننج عام 1901م، وهي الترجمات التي تلتها أعمال استشراقية ألمانية تهتم بدراسة نصّ القرآن الكريم خلال القرن التاسع عشر الميلادي، والتي كان من أبرزها دراسة المستشرق الألماني جوستاف فايل (1808-1889م) التي اهتمت بتتبع تاريخ جمع القرآن وحملت عنوان: (المدخل التاريخي النقدي للقرآن الكريم) ونشرت عام 1844م. ويرى مؤلف الكتاب أن هذه الدراسة تعبّر عن اتجاه نقديّ سيطر على الدراسات الاستشراقية الألمانية المتعلقة بالقرآن خلال هذه الحِقبة، متأثرًا باتجاه إخضاع النصوص الدينية للنقد التاريخي الذي كان سائدًا في أوروبا آنذاك.

في هذا الصدد، يلفت مؤلّف الكتاب الانتباه إلى بعض المؤلفات الاستشراقية الألمانية التي تركت أثرًا قويًّا في هذا المجال، ومنها كتاب المستشرق الألماني أبراهام جايجر (1810-1874م) الذي حمل عنوان: «ماذا أخذ محمد من اليهودية؟»، وكذلك كتاب: «تاريخ القرآن» لتيودور نولدكه (1836-1930م)، وكذلك كتابات يوليوس فلهاوزن (1844-1917م) سواء عن تاريخ صَدْر الإسلام أو في مجال دراسات نقد العهد القديم.

ويرى مؤلفُ الكتاب أن هذه المؤلفات ظهرت مع تطوّر علم اللغة المقارن في الغرب، وبالتالي بدَت فيها محاولة إيجاد المتشابهات أو المشتركات بين الديانات التوحيدية الثلاث: (اليهودية، النصرانية، الإسلام)، على غرار تلك المتشابهات والمشتركات التي حاولوا إيجادها والبحث فيها بلغات العالم التي درسوها.

كما تعرّض الكتاب لتأثير الدراسات الاستشراقية في ألمانيا -لا سيّما المتعلقة بالقرآن- على تطوّر علم نقد أسفار العهد القديم، فيشير إلى أن نقّاد العهد القديم قسَّموا التعديلات في نصّ العهد القديم إلى (متعمدة وغير متعمدة)، وقد سبق القرآن هذا الاتجاه النقدي والذي تم التعبير عنه على سبيل المثال من خلال الآية 75 من سورة البقرة: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، وغيرها من الآيات القرآنية، والتي -بلا شك- تعرَّف عليها المستشرقون من خلال ترجمات معاني القرآن الكريم أو من خلال دراساتهم التحليلية والنقدية للقرآن، وهو ما ظهر بشكلٍ جليّ في استعارتهم لعددٍ من الألفاظ القرآنية حول نقد العهد القديم، ومنها مصطلحات: (التحريف، التعديل، التبديل)، وغيرها.

وأضاف الكتاب أن هذه المصطلحات النقدية القرآنية حول العهد القديم، ظهرت في كتابات عدد من المستشرقين الألمان، مثل: آيشهورن (1752-1827م) وفلهاوزن (1844-1918م) وغيرهما، والذين جمعوا في الاختصاص بين دراسات العهد القديم والاختصاص في الدراسات العربية والقرآنية، كما أن الكثير منهم كانوا من رجال الدّين الذين تعلّموا العربية بهدف فهمِ النصوص الدينية اليهودية والنصرانية.

يرى مؤلّفُ الكِتاب كذلك أن «نظرية مصادر التوراة» التي تُعَدّ من أهم وأقدم نظريات نقد العهد القديم التي ظهرت في الغرب ترتبط بالدراسات الاستشراقية -لا سيّما الألمانية- حول القرآن الكريم؛ إذ يؤكد أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين منهج النقد التاريخي عند علماء المسلمين وتطبيقه في مجال دراسات المِلَل والنِّحَل وبخاصّة دراسة اليهودية والنصرانية، ومنهج النقد المصدري للتوراة عند علماء الغرب لا سيما المستشرقين منهم، مثل: آيشهورن وجراف (1875-1955م)، ورويس (1872-1951م)، وفلهاوزن.

أوضح مؤلّفُ الكِتاب ذلك التأثّر بالإشارة إلى أن «الخبر الديني» بالنسبة لمؤرخ الأديان يجمع بين الدين والتاريخ والأدب، وهذا هو الأساس الذي بُنيت عليه نظرية مصادر التوراة، والتي حاولت تتبع كلّ مصدر من خلال أسلوبه والألفاظ التي يستخدمها، وهو الأمر نفسه الذي سبق لعلماء المسلمين أن انتهجوه من خلال تتبعهم لصحّة السند، وحرصهم على إسناد النصوص لأصحابها على اختلاف درجة صحة السند.

الاستشراق الألماني وقصص القرآن:

طرح مؤلّفُ الكِتاب نموذجًا تطبيقيًّا لمدى تأثير الاستشراق الألماني -لا سيّما المتعلق بالدراسات الإسلامية والقرآنية- على تطوّر نقد التوراة في ألمانيا والغرب، محاولًا إلقاء الضوء على ضرورة الاستفادة من علم نقد أسفار العهد القديم في التفاسير الإسلامية للقرآن، لا سيّما تلك التفاسير المتعلقة بالآيات التي يرِد فيها ذكرٌ لبني إسرائيل أو اليهود وقصصهم المختلفة، معتمدًا في ذلك على إرساء منهجٍ جديدٍ يحاول المقارنة بين قصص القرآن الكريم وحكايات التوراة من خلال الاعتماد على بعض آراء المستشرقين وكتاباتهم في هذا الصدد.

أشار مؤلّف الكتاب إلى أن التوراة تسرد في تسلسل تاريخي روايات منذ خلق العالم وحتى خروج بني إسرائيل من مصر وتجوالهم في صحراء سيناء، وهي خاصيّة تتميز بها حكايات التوراة، وكلّ حكاية من هذه الحكايات تنتمي لأكثر من مصدر من مصادر التوراة ولم يتم تكرارها في مواضع أخرى بالعهد القديم على عكس حكايات داوود وسليمان حيث تمّ تكرارهما في نطاق أسفار الأنبياء الأوائل ومرة أخرى في نطاق أسفار المكتوبات، كما تمّ عرض كثير من حكايات التوراة في قصص القرآن، مع الاعتراف بوجود اختلافات؛ ففي سورة الأعراف تمثّل قصصُ الخلق وحتى خروج بني إسرائيل من مصر والتيه في الصحراء المحورَ الرئيس للآيات (11-166) مع وجود استثناءات قرآنية خاصّة غير موجودة في التوراة، مثل أوامر الربّ لبني آدم الواردة في الآيات (26-28) من السورة نفسها، وعقاب أهل مدين، كذلك ورود القصص بأسلوب مختلف في سورة الأنبياء ومواضع أخرى في القرآن الكريم.

أكّد مؤلفُ الكِتاب على أن المستشرقين الذين قارنوا بين قصص القرآن وما يشابهها في سفر التكوين، توصّلوا إلى أن قصص التوراة في هذا السفر تنتمي لمصادر مختلفة ولوحدات أدبية متنوعة، وأنه تم تدوينها في فترات تاريخية مختلفة ومتنوعة، وأن كلّ وحدة منها تحمل الكثير من الرؤى والأفكار والمفاهيم المختلفة، مشيرًا إلى أنه بمقارنة قصة يوسف التوراتية والقرآنية يتضح أن المصدر (الإلوهيمي) -أحد مصادر التوراة- هو الأكثر قِدمًا وتشابهًا لما جاءت عليه هذه القصة في التوراة، بمعنى أنه أقرب للوحي، وهو ما يعني وحدة المصدر، وهو الوحي الإلهي مع اختلاف طبيعة الوحي باختلاف الفترة الزمنية.

كما ربط مؤلّفُ الكِتاب بين قصص القرآن وأثر الدراسات الاستشراقية الألمانية حولها على مسألة الحوار بين الأديان، ونشر القيم الأخلاقية التي يمكن أن تكون نموذجًا للحوار والتعايش السلمي بين أبناء الديانات التوحيدية الثلاث: (الإسلام، النصرانية، اليهودية)، مشيرًا إلى أنه قد ظهرت بعض الكتابات الاستشراقية الألمانية التي حاولت مناقشة الشخصيات القرآنية والقصص المتعلقة بهم من وجهة نظر قرآنية وليس ردّها إلى مصادر يهودية أو نصرانية كما هو شائع ومعتاد في هذه الدراسات من هذا النوع.

كما أشار مؤلّفُ الكِتاب إلى عدّة أسباب أدت لظهور هذا الاتجاه في الدراسات الاستشراقية لا سيّما الألمانية، ومنها التقدّم الهائل في علم نقد الكتاب المقدّس في الغرب وظهور مدرسة تاريخ الأديان، وذلك في أعقاب الأبحاث التي قام الباحث الألماني فلهاوزن أواخر القرن التاسع عشر، والذي تركت أبحاثه انطباعًا شَكِّيًّا لدى كثير من الباحثين والمستشرقين في الغرب حول الشخصيات الوارد ذكرها في الكتاب المقدّس ما دفعهم للبحث عن صورة أخرى لها وجدوها في القرآن الكريم، إضافة إلى أن الدراسات المقارنة بين قصص القرآن وحكايات الكتاب المقدّس، أدّت إلى رسم صورة أكثر إيجابية عن القرآن في الغرب بعدما توصلوا لوجود قاسم مشترك بين الكتُب الدينية التوحيدية الثلاثة حول هذه الشخصيات.

كما أشار هذا الجزءُ من الكتاب إلى أن هناك عدّة دراسات استشراقية تناولت شخصيات من الكتاب المقدّس ومن القرآن الكريم، وكان منها دراسات عامة؛ مثل دراسة جون بومان (1893-1946م) التي تعرّض فيها لبني إسرائيل في القرآن الكريم.

اختتم هذا الجزء من الكتاب بالحديث عن أن هناك دراسات استشراقية لم تتوقف عند البحث في المتشابهات والمشتركات بين قصص القرآن وحكايات العهد القديم وحسب، بل هناك دراسات استشراقية تحدّثت كذلك عن أن اليهودية والنصرانية هما اللتان تأثرتا بالإسلام وليس العكس، والمقصود هنا الأثر على المستوى العقديّ والشعائريّ فقط وليس في مجالات أخرى، ومن بين هذه الدراسات الاستشراقية أعمال المستشرق نفتالي فيدر (1905-2001م) التي تناول فيها توضيح تأثير الإسلام في العبادات اليهودية، والتي أشار فيها إلى أنه ظهر بطريقتين؛ الأولى: استيعاب عادات تختص بالعبادة لا أساس لها في التقاليد اليهودية. والثانية: إحياء عادات قديمة اندثرت عند اليهود تحت تأثير أسباب تاريخية ودينية مختلفة.

 

[1] مدخل إلى الاستشراق ومدارسه، أحمد محمود هويدي، بدون ناشر، القاهرة، ص110.

[2] المرجع نفسه، ص110.

[3] الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية، ساسي سالم الحاج، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطا 1991، ص152-153.

[4] المرجع نفسه، ص153.

المؤلف

الدكتور أحمد صلاح البهنسي

حاصل على الدكتوراه في الآداب، تخصص الديانة اليهودية وتاريخ الأديان، وله عدد من المؤلفات والمشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))