قراءة في كتاب (دستور الأخلاق في القرآن الكريم)
للدكتور/ محمد عبد الله دراز

يُعَدّ كتاب (دستور الأخلاق في القرآن) للدكتور محمد عبد الله دراز من أهمّ كتبه، وأصله رسالة الدكتوراه التي تقدَّم بها في جامعة السوربون باللغة الفرنسية، وهذه المقالة تعرِّف بهذا الكتاب وتعرض أهم موضوعاته ومحاوره.

قراءة في كتاب

(دستور الأخلاق في القرآن الكريم)

للدكتور/ محمد عبد الله دراز[1]

  نَشرت مؤسسةُ الرسالة ببيروت ودارُ البحوث العلمية بالكويت الترجمةَ العربية لكتاب (دستور الأخلاق في القرآن) الذي ألّفه باللغة الفرنسية الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله، وقد صدرت الترجمة من (780 صفحة) مشتملة على عشرة فصول، موزعة على النحو الآتي:

1- الإلزام.

2- المسؤولية.

3- الجزاء.

4- النية والدوافع.

5- الجهد.

6- الأخلاق الفردية.

7- الأخلاق الأُسرية.

8- الأخلاق الاجتماعية.

9- أخلاق الدولة.

10- الأخلاق الدينية، مع خاتمة تتضمّن: إجمالًا لأمهات الفضائل الإسلامية.

وكتاب (دستور الأخلاق في القرآن) هو الرسالة الأساسية التي تقدَّم بها المرحوم الدكتور محمد عبد الله دراز باللغة الفرنسية في جامعة السوربون، ونال بها درجة دكتوراه الدولة، وقد قام بتعريب هذه الرسالة وتحقيق نصوصها الدكتور عبد الصبور شاهين، ومراجعة الدكتور السيد محمد بدوي الذي قال في تقديمه لهذا الكتاب بأنه قد عاش مع هذه الرسالة الجامعية مرتين؛ الأولى عند تأليفها، والثانية أثناء ترجمتها؛ إِذْ كان في أوائل الأربعينيات مع الطلبة العرب في باريس الذين يتردّدون على الأستاذ الجليل في منزله خاصة في المناسبات الدينية والقومية، ويدخلون في مناقشات جادة موضوعية تتناول كثيرًا من قضايا الدين والعلم والسياسة، يحدّثنا الدكتور دراز فيقول:

إنه قد شقّ الطريق الصعب ولم يتبع الطريق السهل؛ إِذْ فَضَّل أن يسير في دراسته بطريقة أكاديمية منذ البداية، فالتحق بالسوربون للتحضير لدرجة الليسانس، ودرس الفلسفة وعِلْم النفس والمنطق والأخلاق وعِلْم الاجتماع على عدد من الأساتذة الكبار أمثال (ماسينيون) و(ليفي بروفنسال). وقد استغرق إعداد هذه الرسالة ما يقارب من ست سنوات، ويبدو أنه شرع في كتابتها عام 1941م، وأمضَى قبل الشروع في كتابتها (5) سنوات في دراسة مناهج البحث وتحضير درجة الليسانس، وقد ظلّ الكثير من المثقفين الذين لا يعرفون اللغة الفرنسية -خاصّة من ذوي الاهتمامات بالفكر الإسلامي- ينتظرون صدور هذا العمل القيِّم، ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه لأنه لم يُترجَم، حتى قام الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين بترجمة النصّ الفرنسي إلى العربية، وهو الجدير بأن يتصدّى لترجمة هذا العمل الفكري الكبير، فهو أستاذ للّغة العربية ويتمتع بثقافة إسلامية عميقة، كما أنه يتقن اللغة الفرنسية التي ترجم عنها عددًا من كتب المفكِّر الجزائري الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله.

يهدف الأستاذ المؤلِّف من بحثه إلى إبراز الطابع العام للأخلاق في القرآن الكريم من الناحيتين النظرية والعملية، وقد عبّر عن إحساسه وهو يخوض تجربة الكتابة في هذا الكتاب بأنه إحساس مَن يضع قدميه في أرض مجهولة لم يغامر باكتشافها أحدٌ من قبلُ، ولكنه بالرغم من صعوبة الموضوع فقد عزم -بمشيئة الله- على تناوله ودراسته، إلا أنه لا ينكر بأن عددًا من الفقهاء المسلمين قد ناقشوا مقاييس الخير والشر، وأن بعضهم قد تكلّم عن شروط المسؤولية، كما أن بعضهم الآخر قد ناقش جدوى الجهد الإنساني وضرورة النية الطيبة، ولكن هذه الدراسات ظلّت مبعثرة ولم تتخذ طابع الدراسة المستقلّة الكاملة، كما أن الأفكار التي طُرحت كانت تعتمد على الرأي الشخصي أكثر من اهتمامها بإبراز الأفكار المستمدة من القرآن الكريم نفسه ليكون منها نسقٌ متكامل من المبادئ والقيم، فاستعرض في تأمل ودراسة متأنية النصوصَ القرآنية بحثًا عن سِمَات الواجب وطبيعة السلطة التي ينبعث منها الالتزام، ودرجة المسؤولية وطبيعة الجهد الإنساني والمبدأ الأسمى الذي يحرك إرادة الإنسان، وقد استطاع مِن استعراضه ودراسته أن يصل إلى عدد من المبادئ العامة التي توضح الفلسفة الأخلاقية في القرآن الكريم.

تغلُب على الكتاب فكرة رئيسة هي: أنّ الحاسة الخُلُقية انبعاث فطري، وأن القانون الأخلاقي قد طُبع في النفس الإنسانية منذ نشأتها، ولكن مشاغل الحياة والوراثة والبيئة والمصالح الفردية قد تفسد النوازع الفطرية وتجعل الإنسان -في أحسن الظروف- يواجه صعوبة في عمل الخير؛ لذلك بعث اللهُ في الناس من حين لآخر عددًا من الأنبياء ليوقظوا الضمائر ويردُّوا الناس إلى نور الفطرة التي أودعها الله فيهم، وهكذا يجد النور الفطري ما يكمله ويقويه من النور الإلهي (نور على نور).

إنّ الأنبياء يخاطبون النفوس، ويعملون على تنقية الضمائر، ويدعونها إلى فعل الخير، ولكن ليس بطريقة تعسُّفية أو تحكُّمية وإنما بطريقة تربوية تستجيش المشاعر وتبرز أمامها المثل الأعلى، وهكذا نرى أن الواجب الذي يقوم به الإنسان سيعتمد على القيم التي يؤمن بها باقتناع.

ومن هنا ينتقل المؤلِّف إلى فكرة رئيسة أخرى أوضحها في كتابه القيِّم، وهي أنه لا مكان للأخلاق بدون عقيدة؛ لأنّ العقيدة هي التي تجعل الإنسان يُقْبِل على أداء الواجبات الأخلاقية بوازع من داخل النفس لا نتيجة لقهر أو تسلُّط، وقد شرح المؤلّف في الفصل الثاني فكرة المسؤولية من جوانبها الأخلاقية والدينية والاجتماعية، كما درس بالتفصيل المظهر الأخلاقي لهذه الفكرة، ولاحظ منذ البداية أن المسؤولية كما جاءت في القرآن الكريم تتعلق بالشخصية الإنسانية؛ إِذ المسؤول «هو الشخص البالغ العاقل الذي بلغته قواعد الدين بشأن التكاليف، وكان واعيًا لها أثناء سلوكه»، وبذلك فإنّ هذا الشخص يُعتبر مسؤولًا عن أفعاله الإرادية، وفي ذلك تأكيد لحرّيته، وقد عبّر الفيلسوف الألماني (كانط) عن هذه الفكرة حين قال: «يستحيل علينا أن نتصوّر عقلًا في أكمل حالات شعوره يتلقّى بشأن أحكامه توجيهًا من الخارج، فإرادة الكائن العاقل لا تكون إرادته التي تخصّه بالمعنى الحقيقي إلا تحت فكرة الحرية»، ولكن القرآن الكريم يوضح هذه الفكرة أحسن توضيح؛ إِذْ يؤكد أنه ليس هناك شيء في الطبيعة الداخلية أو الخارجية يستطيع أن يرغم الإرادة الإنسانية على اختيار مسار غير الذي تختاره لنفسها.

وإذا كان الدكتور بدوي على علاقة وثيقة بالدكتور دراز منذ كان طالبًا في باريس ثم صهرًا له، فإن الدكتور عبد الصبور شاهين -الذي قام بتعريب الكتاب- قد جمعته صِلَة وثيقة بالأستاذ المؤلِّف منذ كان طالبًا يجلس بين يديه بكلية دار العلوم من شتاء عام 1954م، يحمل كلّ تقدير لأستاذه، ويدرك مكانته الفكرية والعلمية مما كان له الأثر الكبير في تفكيره وروحه، حتى استبدّت به هذه الصِّلة الفكرية وجعلته يعكف أكثر من ثلاث سنوات، ليترجم رسالته القيّمة عن (دستور الأخلاق في القرآن) إلى العربية، وهي التي قُدِّمَت نسختها الفرنسية إلى المطبعة عام 1948م، ولعلّه من الغريب أن تبقى هذه الرسالة دون تعريب مدّة ربع قرن، ولكنها إرادة الله التي شاءت أن يكون للدكتور عبد الصبور شاهين فضل الترجمة، حتى تزداد العلاقة وثوقًا بين التلميذ وأستاذه. ويؤكّد المعرِّب بأنّ الأستاذ المؤلف لم يقم بكتابة هذه الرسالة لغرض نيل درجة الدكتوراه؛ إِذْ كان بوسعه أن يصل إلى ذلك بجهد أقلّ، ولكنه يحمل في ضميره رسالة الإسلام في فترة كانت أوروبا خلالها بل العالم كله يعيش في صراع ودمار، بسبب الانهيار الأخلاقي الذي كان يسيطر على الحياة في ذلك الوقت، فجاءت هذه الرسالة بمثابة الصرخة التي يدعو صاحبها إلى الحقّ ويبشِّر بالخير؛ لأنّ الإسلام هو الذي يقدِّم للإنسانية ما تحتاج إليه من حلول لمشاكلها داخل إطار العقيدة الدينية، وإذا كانت الحياة من أوروبا وأمريكا وغيرهما من أرجاء العالم قد وصلت إلى درجة كبيرة من التقدّم المادي، فإنّ ذلك لا يعني أنّ الناس يعيشون في سعادة وهناء؛ لأنّ الحياة ليست طعامًا وشرابًا ومتعًا، ولا أرقامًا حسابية، أو علاقات مصلحية، ولكنها قِيَمٌ وأخلاق ومُثُل.

إنّ من العسير أن تجد للأخلاق مكانًا في عالم يقيس كلّ شيء بمعيار مادي، ولكن المشكلات التي تواجهها المجتمعات المعاصرة لن تجد حلّها إلا من خلال مفهوم أخلاقي، يستمد ملامحه وقسماته من القرآن الكريم الذي أنزله الله -سبحانه وتعالى- الخبير بالنفوس الإنسانية، إنّ التغيير الحقيقي يبدأ من داخل النفس، وفقًا للمنهج الأخلاقي الذي حدده كتاب الله وسُنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي غياب هذا المنهج تضيع القيم وتنحرف النفوس، ويصبح التمسك بالفضيلة رجعية وتزمُّتًا، والطُّهر والحشمة تأخرًا وانغلاقًا، بل إنّ اللص قد يُفَلْسِفُ أهدافه في السرقة، ويجاهر أهلُ الفساد بما أعدُّوه من برامج وفنون! إننا لن نستطيع مواجهة مظاهر الانحراف والانهيار الأخلاقي إلا بالرجوع إلى المنهج الأصيل الذي يُوقظ ضمير الفرد، ويجعل الجماعة حريصة على الالتزام بالقيم والمبادئ، وتوفير الضمانات وإقامة الحدود حفاظًا على نظافة المجتمع. وفي هذا الضوء الرباني يقرّر المعرِّب بأننا في حاجة إلى ثورة أخلاقية ترتبط بالقيم دون شعور بأنها قيود على حركة الإنسان، وتلتزم بالأصول دون تنازل أو ارتكاب لوسائل غير نظيفة، بحُجّة أن الغاية تبرر الوسيلة!

إنّ الثورة الأخلاقية الصحيحة تستهدف تكوين الإنسان، الذي يؤمن بعقيدته ويلتزم بالقيم والمبادئ الأخلاقية التي تنبثق عنها، ويسعى إلى أهدافه النبيلة بأساليب نبيلة ووسائل نظيفة، دون أن تؤثر فيه المغريات، وتجعله ينحرف عن الطريق السويّ، ولكن هذه الثورة الأخلاقية لا بدّ لها من منهاج تترسّمه، فأين هذا المنهاج؟!

إنّ كتاب (دستور الأخلاق في القرآن) للدكتور محمد عبد الله دراز يقدّم هذا المنهاج الذي نبحث عنه، وهو رسالة ضمير يدرك مشاكل عالَـمِه، ويفهم بعمق ما جاء به القرآن الكريم، ويؤمن بصدق أنّ الإسلام هو الرسالة الخالدة التي جاءت لإسعاد الإنسانية.

(2)

لاحَظ الدكتور محمد عبد الله دراز عند استعراضه لعلم الأخلاق العامّ لدى المفكرين الغربيين أنّ هذه المؤلَّفات تُغْفِل الحديث عن الدستور الأخلاقي في الإسلام، بالرغم من أنّ الإضافة القرآنية كانت ذات قيمة لا تقدَّر؛ لذلك فإنّ الخسارة تكون عظيمة عند إغفال هذه النظرية.

لقد كانت هناك محاولات خلال القرن التاسع عشر تهدف إلى استخراج المبادئ الأخلاقية من القرآن الكريم، ولكنها ظلّت محاولات قاصرة محدودة، لم تستطع أن تبيِّن الأبعاد الحقيقية لنظرية القرآن، ومن هنا وجد أنه من الضروري أن يتناول الموضوع بمنهج سليم من أجل تصحيح الأخطاء وملء الفراغ الكبير الذي كانت تعانيه المكتبة الأوروبية والمكتبة العربية أيضًا، فكانت هذه الرسالة لبيان دستور الأخلاق مستنبطًا من القرآن الكريم.

إنّ المؤلّف لا ينكر جهود السابقين في تلمُّس الموضوع، خاصّة في المجال النظري؛ إِذْ إنّ علماء الكلام والأصول فكّروا جميعًا في مقياس الخير والشر، أو مسألة الحُسْن والقُبْح -بتعبير العصور السابقة- كما فكّر الفقهاء في شروط المسؤولية، واهتم الصوفيون والأخلاقيون بالنية والجهد، ولكن هذه الأفكار والاهتمامات ظلّت متنافرة، كما أنها لم تهدف إلى إبراز النظرية القرآنية في مجال الأخلاق.

وقد حاول الإمام الغزالي -في المجال العملي- أن يحلّل جوهر القرآن، وأن يردّه إلى عنصرين أساسيين يتّصل أحدهما بالمعرفة والآخر بالسلوك، كما عمد الجصاص وأبو بكر بن العربي وغيرهما إلى استخراج الآيات القرآنية ذات المغزى الأخلاقي، إلا أنّ محاولات المؤلِّفِين السابقين ظلّت مجرّد جمع لمواد متفرّقة ولم تستطع أن تبرز معالم الدستور الأخلاقي المستنبط من القرآن الكريم نفسه.

لقد أظهرت دراسة الدكتور دراز للنصّ القرآني وجودَ فرعين لعلم الأخلاق في القرآن، وهما: النظري والعملي، أي النظرية والتطبيقية، وقد اتبع نظامًا منهجيًّا في جميع النصوص؛ إِذْ جعلها مجملة في فصول «بحسب نوع العلاقة التي صنعت القاعدة لتنظيمها»، وبذلك تبيّنت معالم منهج كامل لحياة الإنسان كما يجب أن تكون؛ فيتناول علاقته مع ربه، ومع نفسه، ومع أُسرته، ومع الناس أجمعين، كما تتناول المبادئ التي تحدّد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الدول والمجتمعات.

وقد استطاعت شريعة القرآن أن تبلغ كمالًا لا يمكن لغيرها أن يصل إليه؛ إِذْ كانت «لُطفًا في حزم، وتقدّمًا في ثبات، وتنوّعًا في وحدة»، إنّ القرآن الكريم يشتمل على العناصر الأساسية للفلسفة الدينية؛ إِذْ يتحدث عن أصل الإنسان ومصيره، وأصل العالم كذلك ومصيره، والسبب والغاية، وأفكار عن النفس وعن الله، إلى غير ذلك، كما تحدّث في الوقت ذاته عن أسس النظرية الأخلاقية.

إنّ القرآن الكريم لا يضع قواعد عملية للسلوك فقط، ولكنه يضع قواعد متينة وصلبة من المعرفة النظرية أيضًا، كما أنه يحدّد الأساس الذي ترتكز عليه فكرة الواجب القرآني؛ إِذْ يكرر بأنّ التمييز بين الخير والشر «إلهام داخلي مركوز في النفس الإنسانية قبل أن يكون شِرعة سماوية»، ولعلّ من المعلوم أنّ كلَّ مذهب أخلاقي يقوم على فكرة الإلزام؛ إِذْ بدونه لن تكون هناك مسؤولية، وقد استطاع الفيلسوف الفرنسي (هنري برجسون) أن يحدّد للإلزام الخُلُقِي مصدرين، هما:

1- قوة الضغط الاجتماعي.

2- قوة الجذب المستمدة من العون الإلهي.

ولكن المؤلّف يضيف إلى ذلك مصدرًا ثالثًا أعمق جذورًا في فطرة الإنسان، وهو العنصر الفردي أو الحيوي، لقد حارب القرآن عدوَّين للنزعة الأخلاقية، هما: اتّباع الهوى دون تفكير، والانقياد الأعمى؛ لأن الأمر الخُلقي يتضمن العقل والحرية المشروعية، ولقد وُفِّق الفيلسوف الألماني (كانط) بالرغم من النقد الذي وُجِّه لنظريته حين أكَّد أنه كشف عن مصدر الإلزام الأخلاقي في تلك الملَكة العليا في النفس الإنسانية؛ ولقد علَّمَنا القرآن الكريم بأنّ النفس الإنسانية قد تلقّت الإحساس بالخير والشر؛ إِذْ قال عز وجل: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس: 7- 8].

وإنّ الله قد زوَّد الإنسان ببصيرة أخلاقية، حيث قال: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ [القيامة: 14- 15]، وهَداه إلى طريقي الفضيلة والرذيلة؛ ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 8- 10]، وأنّ الإنسان قادر على أن يحكم أهواءه بالرغم من أنّ النفس أمّارة بالسوء؛ لأنّ لديه قوة باطنة توجّه إلى الأوامر والنواهي بالمعنى الصريح.

إنّ القرآن الكريم يقرّر أنّ طبيعة الإنسان ليست شريرة في أصلها أو فاسدة، بل يؤكّد أن الإنسان قد خُلق في أحسنِ تقويم، وأنّ الأمر يعود إلى الإنسان ومدى استخدامه الحَسن أو السيِّئ لملَكاته العليا، وقد عُني القرآن بإيقاظ أزكى المشاعر الإنسانية واستجاشتها؛ حتى يسلك الإنسان في حياته الوجهة الصحيحة التي تحقّق له السعادة في الدنيا والآخرة.

إنّ القرآن قد أبدى عناية فائقة بتربية الإنسان، واتّبع طريقة فريدة في توجيه أوامره؛ إِذْ نجده يبيِّن الحكمة في كلّ أمر، ويربط تعاليمه بالقيمة الأخلاقية التي تُعَدّ أساسًا لها، ومثال ذلك دعوته إلى تقبُّل كلّ تسوية من أهلنا للصلح، حتى لو كانت في غير صالحنا، مؤيدًا دعوته هذه بهذه الحكمة: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: 128]، وعندما يأمرنا بأَنْ نوفي الكيل ونزن بالقسطاس المستقيم، يعقِّب على هذا الأمر بقوله: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الإسراء: 30]، وعندما يأمر الرجال بِغَضِّ البصر وحفظ الفروج تجده يبيِّن بأنّ ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور: 30]، بل إنه ليوضح المبدأ الأساسي للشريعة الإسلامية كلّها؛ إِذْ يقول سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]، ويقول عز من قائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [الأعراف: 28].

إنّ قانون الواجب -كغيره من القوانين- وإن كان ذا طابع فردي، إلا أنه شامل وضروري؛ لذلك فإنّ القرآن الكريم يوجّه أوامره إلى الناس جميعًا، وبذلك فإنّ القاعدة الواحدة يجب أن يطبّقها كلّ فرد؛ لأنّ الجميع متساوون، ولا يتميّز أحدهم عن الآخرين إلا بالتقوى، بل إنّ الشمول لا يَسْري على جميع الأفراد فقط، بل إنه يَسْري على الفرد الواحد في جميع الظروف، إلا أنّ فكرة الواجب القرآني لا تُفرض إلا عندما تكون ممكنة. ولكنها ضرورية، بمعنى أنها لا تُبدل تبعًا لمصالحنا الشخصية؛ لذلك فإنّ المؤمنين يخضعون للقانون في جميع الحالات، دون قيد أو شرط، وإن كان من الواجب أن نميز هنا بين الضرورات الأخلاقية والمادية والمنطقية.

إنّ القانون الأخلاقي لا يغيّر من حرية الاختيار، بعكس القانون المادي الذي يفرض علينا ضغوطًا نتحمّلها مُكرَهِين، كما أن القرآن الكريم ينظر إلى القانون الأخلاقي باعتباره ضروريًّا وشاملًا، ولكن ذلك لا يعني أن هذا القانون غير مشروط، بل إن له شروطًا معيّنة يتعلق أولها بالطبيعة الإنسانية، وثانيها بواقع الحياة المادي، بينما ينظر الشرط الثالث إلى تدرج الأعمال. ولسنا في حاجة إلى تأكيد فكرة الإمكان المادي للعمل؛ إِذْ إن الله لا يكلّف نفسًا إلا ما آتاها، ولا يكلف الناس بما يشقّ عليهم أو يرهقهم؛ لأنه يريد بهم اليُسر ولا يريد بهم العُسر.

إنّ القرآن الكريم يشترط الإمكان كما أنه يهدف إلى اليسر، وينصح بعدم التزام الغلو في تطبيق بعض الأعمال التعبدية كقيام الليل مثلًا، ويدعو إلى الاعتدال؛ لأنّ الـمُنْبَتَّ كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا أرضًا قطعَ، ولا ظهرًا أبقى). إنّ الإسلام قد اتّبع في تشريعه أسلوبًا تدريجيًّا؛ إِذْ نزل القرآن الكريم منجّمًا خلال ثلاث وعشرين عامًا تنقسم إلى مرحلتين: المرحلة المكية، والمرحلة المدنية. ومن الواضح أن الآيات التي نزلت خلال المرحلة الأولى كانت تهدف إلى تعميق الإيمان وتركيز القواعد العامة للسلوك؛ لأنها كانت مرحلة تهدف إلى الإعداد، فاتخذت الأوامر منهجًا تربويًّا بلغ القمة في مخاطبة النفوس وتعامله معها حتى أصبح الصحابة في عهد الرسول الكريم مصاحف تمشي على الأرض؛ لأنهم وعوا الدروس القرآنية وتربّوا في مدرسة محمد -صلى الله عليه وسلم- فبلغوا القمة في السموّ الأخلاقي.

(3)

يحدّد القرآن الكريم لكلّ عمل أخلاقي درجةً أدنى تعتبر الخير الإلزامي، ودرجةً أعلى تمثِّل الخير المرغوب فيه، وهو يفتح الطريق دائمًا أمام الإنسان حتى يرتفع إلى الآفاق السامية ولا يرضى لنفسه بالدرجة الدنيا. إنّ القرآن الكريم يقرّر للإنسان (حقّه الثابت)، ولكنه يدعوه إلى العفو، ويؤكّد بأنّ إمهال المدين في حالة العجز عن الوفاء واجب، ولكنه يرى أنّ إعفاءه من الدَّيْن نهائيًّا أفضل، قال الله في كتابه الكريم: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 280]، وهو يقرّر بأنّ الدفاع عن النفس حقّ، ولكنه يدعو إلى التحمّل والمغفرة لأنّ ذلك أجمل: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: 43]، كما يؤكد بأن أداء الفرائض خيرٌ، ولكنه يحث الإنسان على التطلع إلى آفاق أعلى؛ لأن التطوع خير، فيقول عز وجل: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158]. إنّ سُلَّم القيم في القرآن الكريم لا يقف عند طرفي القيمة، ونقيض القيمة؛ إِذْ يوجد بين (المفروض) و(المحرَّم) مكان لـ(المباح)، وهو يميز بين الواجب الرئيس والتكاليف الأخرى ثم الأعمال التي يتصاعد ثوابها، كما أنه يجعل المحرَّم درجات؛ إِذْ هناك الكبائر ثم السيئات الأخرى من الفواحش أو اللَّمَم، كما يميز في الأعمال المباحة بين درجتين: 1- المسموح به. 2- والمتغاضَى عنه، فهل يمكن لأدقّ العقول أن يضيف شيئًا إلى هذا البناء الشامخ؟!

إنّ القرآن الكريم يدعو الإنسان إلى مجاهدة النفس ومغالبة الأهواء، ويختار دائمًا طاعة، ولا يخضع لرغباته وشهواته، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [القصص: 50]، وهو يراعِي الواقع المحسوس، ولكنه يدعو الإنسانَ إلى أن يبذل جهده، ويؤدي واجبه.

إنّ فكرة الإلزام الخلقي تواجهها عدّة تناقضات يذكر منها المؤلِّف اثنتين:

أولًا: إذا كانت الأخلاق عِلْمًا يتناول تنظيم النشاط الإنساني، وكانت الحياة في جوهرها متنوّعة ومتغيرة ومتجدّدة، فهل يكون نموذج السلوك ثابتًا وعامًّا أو قابلًا للتنويع والتعديل؟ إذا رضينا بالفرض الأول فإننا نكون قد حدّدنا للإنسانية نموذجًا وحيدًا متماثلًا لا تحيد عنه، وإذا وافقنا على الفرض الثاني فكيف نستطيع أن نضع قواعد عامة تصلح لجميع الناس.

ثانيًا: إنّ الإلزام علاقة تجمع بين إرادتين مختلفتين: 1- إرادة الشرع الحريص على إظهار سُلطته. و2- إرادة الفرد الذي يريد أن يُدافع عن حريته.

إنّ سُلطة الشرع تظلّ محترمة ما دامت القواعد التي حدّدها تحتفظ بمعناها الكامل دون مساس، ولكن ألَا يكون الإلزامُ المطلق دون مراعاة للظروف الإنسانية انتفاءً للحرية؟ ولكننا إذا اتجهنا إلى الطرف المقابل، وتركنا للفرد حريته الكاملة في الاختيار والتصرف ألَا يجعل ذلك من الأوامر الأخلاقية مجرد (نصيحة) يمكن أن نقبلها أو نرفضها، وفقًا لمزاجنا وتقديراتنا الخاصة؟

إنّ الحلّ الذي يقدِّمه القرآن هو حلّ توفيقي ينصف جميع الأطراف المعنيّة؛ إِذْ يوجِّه الضمير الإنساني إلى ضرورة الاستمرار في التقريب بين المثل الأعلى والواقع، وبين المطلق والنسبي؛ ليكون العمل الإنساني نتيجة للارتباط بينهما، وبالتالي يحقق (ثبات القانون) الأزلي وحدة الإبداع الفني[2].

يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]، وهو بذلك يوجّه أنظارنا إلى السماء؛ لأنه يريد لنا أن نقف على أرضية صلبة، وبالتالي يكون قد جمع بين طرفي الواقع الإنساني والمثَل الأعلى واستجاب للفطرة وحقق الخضوع للقانون والحرية لذات الفرد. ولكن ألَا يمكن أن يتنافر الطرفان المتعارضان؟

يجيب المؤلِّف بأنّ ذلك لا يمكن أن يحدث أبدًا، إنّ الضمير الذي يخاطبه القرآن الكريم ليس ضميرًا فارغًا غير مهذَّب، بل إنه ضمير مستنير بفضل تعاليم القرآن الإيجابية التي حددت له واجباته، وهو ضمير يواجه الواقع بنزعة خيّرة، إنّ هذا الضمير هو ضمير المؤمن الذي لا يمكن أن يخدع نفسه أو يخونها، أو يستسلم لاعتبارات غير مشروعة، أو يتبع وسائل غير نظيفة، إنّ الله -سبحانه وتعالى- يأمر الإنسان أن يلتزم الحلال وأن يتجنب المحرَّم، ولا يقربه إلا إذا كان مكرهًا بضرورة، ولكنه يخاطب ضميره، ويستجيش مشاعره دائمًا حتى يكون له في داخله حارس يحفظه وينبهه إذا همّ بارتكاب بعض المخالفات، وبذلك تكون بعض التعاليم القرآنية قد راعت في تحقيق المثَل الأعلى والظرف الإنساني والحرية المتاحة للفرد وأكّدَت بصورة مستمرة على ضرورة بذل الجهد، واتّباع أوامر الله واجتناب نواهيه بأمانة وإخلاص.

إنّ الإسلام لا يحدد قواعد صارمة يُلزَم بها كلّ فرد، ولكنه يترك فرصة للفرد في بعض الجوانب يتحرك خلالها بوحي من ضميره؛ إِذْ يرى أنه «لا بدّ من جهد فردي وبصيرة خاصة لتقديرها (أي الحالات) بقيمتها الحقيقية؛ ليختار منها ما يفرض منطقة أكثر»[3].

إنّ هناك حالات كثيرة تستوجب على الفرد أن يجتهد في اختيار ما يراه مناسبًا في إطار المبادئ والقواعد الشرعية عند الانتقال من المفهوم الأخلاقي إلى العمل الأخلاقي، كما أن القاضي مُلْزَم بتقصّي كلّ حالة قبل إصدار حكمه ليتأكد من سلامة تفسيره للنصوص الشرعية، خاصّة ما كان منها غير محدد تحديدًا تامًّا؛ لذا ترك للإنسان مجالًا للاجتهاد فيه، كالقاعدة الأخلاقية الخاصّة بمراعاة حاجات اليتامى أو التوجّه إلى وجهة معيّنة أثناء الصلاة «والقاعدة القانونية التي نطلب إلى القاضي أن لا يقبل من الشهود سوى الأشخاص العدول»[4]... إنّ القرآن الكريم يبتعد عن التحديد الصارم ويترك مسافة بين المثل والواقع؛ ليعطي للإنسان فرصة للاجتهاد، تحقّق للعمل التشريعي مرونته، وللفرد مجالًا لممارسته حريته.

إنّ القواعد والمبادئ لم توضع لتحد من حرية الإنسان، ولكنها وُضعت لإثراء هذه الحرية بطريقة معينة؛ إِذْ توفر له كثيرًا من الجهد والوقت، وتقلل من فرص الخطأ والوقوع في متاهات البحث عن الاتجاه الصحيح، وتهدف إلى تقوية نشاط الإنسان في مضمار الحق ورحاب الخير... إنّ كثرة الأوامر الأخلاقية، بالإضافة إلى تنوّع ظروف الحياة وتغيّرها، تفتح للإنسان أرحب المجالات ليمارس حريته واختياره خلال حياته اليومية أو خلال دورات أو مواسم معيّنة.

إنّ على الإنسان أعباء كثيرة وواجبات عديدة وهو يستطيع أن يحدّد لنفسه الجدول الذي يراه مناسبًا لتنفيذ هذه الواجبات، وأداء عدد من الأعمال الصالحة ليضيف إلى حسناته درجات ودرجات، وبذلك يستطيع الفرد أن يسطر كلّ يوم صفحة جديدة في سجلّه الأخلاقي، تزيد من حسناته وترفع من قيمته كإنسان جعله الله خليفة في الأرض. إنّ القرآن الكريم يرسم لنا القواعد العامة للسلوك ويترك للفرد حرية التصرف داخل إطار هذه القواعد كلٌّ بحسب اجتهاده ومقدرته، متطلّعًا نحو المثل العليا بقدر وُسْعِهِ، وبذلك يكون القرآن الكريم «قد وضع الإنسان في مكانه الصحيح، وفي الظروف التي تناسبه على وجه التحديد ما بين الفطرة والعقل المحض»[5].

إنّ الفيلسوف الفرنسي برجسون عندما أعلن عن وجود نوعين للأخلاق: أحدهما ذو طابع إلزامي، والآخر ذو طابع إبداعي، فقد أحدث «فصلًا مصطنعًا بين عنصرين لا ينفصمان في حقيقة واحدة»[6]... إنّ الروح الأخلاقية ليست خضوعًا ولا إبداعًا مطلقًا، ولكنها تجمع بين هذين العنصرين؛ لأنّ القرآن الكريم لا ينظر إلى الإنسان كعبد رقيق أو سيد مطلق، ولكنه إنسان «يشارك بقدر معيّن في السلطة التشريعية بالاختيار، والمبادئ التي يملكها»[7]، «فهل يستطيع إنسانٌ مهما عَلَت منزلته الفكرية أن يضيف شيئًا إلى ما جاء به القرآن الكريم الذي جعل بين المشرِّع والإنسان نوعًا من التعاقد، يقدِّم كلٌّ منهما بموجبه جزءًا من تحديد الواجب الحسي»[8].

إنّنا نستطيع أن نقول بأنّ القرآن الكريم قد جعل العلاقة بين واضع الشرع والإنسان اندماجًا بين إرادتين، وقد استطاع أن يحقّق بذلك ما لم تستطع أن تحقّقه أيّة فلسفة أرضية، ولا غرو في ذلك، فالقرآن الكريم هو وحي من عند الله العظيم، خالق الناس العليم بخفايا نفوسهم وأسرار فطرتهم وتكوينهم.

(4)

إنّ المبدأ الأسمَى من الأخلاق هو ابتغاء مرضاة الله، والتوجّه نحو المثَل الأعلى، وأداء الواجب استجابةً لأمر الله؛ لأنه الجدير بالطاعة، وأن نهتمّ بإرساء قواعد النظام والعدالة والحقّ، وأن نجاهد في سبيل تحقيق الخير الذي دعَت إليه الشريعة الإسلامية الغرّاء... إنّ الاهتمام بتحقيق الخير الأخلاقي ينبعث من داخل ضمير المؤمن؛ لأنه يحمل في أعماقه الرضا بكل ما أمَرَ به الشرع، لثقته بأنه لا يأمر إلا بما فيه الخير للناس.

ولكن ألَا يمكن أن يتعارض الخير العام مع الخير الخاصّ؟ يجيب المؤلِّف بأنه ليس من الضروري أن يتعارض هذان الخيران، بل يمكن أن يكونَا متطابقين، وإن كان الكثير من الأخلاقيين المسلمين قد حكموا بتأثيم كلّ اهتمام بالخير الشخصي؛ لأن ذلك يتنافى مع شرط العبادة الخالصة، ويدعون إلى أن يكون الفكر موصولًا بالله دائمًا؛ إِذْ ليس بين الفضيلة والرذيلة حدّ وسط، ولكن للمعتدلين -وهم الأغلبية- وجهة أخرى لا تتسم بهذه الصرامة، وقد تساءلوا عمّا إذا كان من الممكن أن يتجرّد الإنسان تجرّدًا مطلقًا، بمعنى أن لا يُبدِيَ أيّ اهتمامٍ بشخصه وأوضاعه الصحية والحياتية وعلاقاته مع الآخرين، إلى غير ذلك، باعتبار أن هذه الأشياء لا قيمة لها... لقد وصف أبو بكر الباقلاني أنصار هذا التجرّد المطلق وصفًا قاسيًا يقضي بتكفير من يدّعي البراءة من الحظوظ[9]، إِذْ إنهم كانوا يريدون أن يجنِّبوا المؤمنين الوقوع في نوع من الشِّرك وهو عبادة المنفعة، ولكنهم وقعوا في الشَّر الذي أرادوا أن يبتعدوا عنه؛ لأنهم بذلك يحاولون أن يؤلِّـهوا الإنسان.

ويتساءل الدكتور دراز هنا: ألَا يمكن للإنسان أن يتحرك دون أن تكون له منفعة أو مصلحة شخصية؟ هل يمكن أن نحرِّم على إنسان مهدَّد بالجوع والعطش أن يأكل ويشرب؟ ويجيب بأنّ من القسوة بل من السخف أن نرفض الاستجابة لصوت الفطرة، ويمكن أن نقسم الأخلاق تقسيمًا ثلاثيًّا، نجعل بمقتضاه بين الثواب والعقاب درجةً ثالثةً يمكن أن نسميها درجة (البراءة)، ومن الملاحَظ أن هذا التقسيم الثلاثي نجده في جميع نواحي القرآن الكريم، بل نجده في الحديث الشريف أيضًا، ومثال ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ)[10]، وبذلك يمكن أن نحكم على الإرادة الذاتية بأنها مقبولة أو مباحة أو مرذولة.

إنّ شعار المؤمنين الدائم هو سَمِعْنَا وأطعنا لله ورسوله؛ لذا فإنّ المسلم يهدف من وراء أعماله إلى تحقيق أهداف الشرع وغاياته، ويتجه إلى الله بنية خالصة، ويتحرك بدافع الرجاء والخوف، فهما أشبه بجناحين لازمين لتحقيق الإيمان والتقوى وارتقائهما[11]، وأنه يستعين في مجاهدته وصراعه أمام الآلام والمشكلات بالصبر والصلاة، قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ[البقرة: 45]، وقال عز وجل: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا[الأعراف: 56]، كما عرفنا من سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان «إذَا حَزَبَهُ أمْرٌ فَزِعَ إلى الصّلاة»[12]، ونستطيع أن نركِّب من عنصري الرجاء والخوف شعورًا واحدًا يمكن أن نصفه بأنه شعور الحياة الذي يمكن تعريفه بأنه مفارقة الأمر للشيء مخافةَ أن يتدنس ويحمر خجلًا أمام نفسه وأمام الله[13]، وقد أوضح لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السِّمَة المميزة للأخلاق الإسلامية، حيث قال: (لكلّ دين خُلُق، وخُلُق الإسلام الحياء)[14]، ومن هنا يمكن أن نقول بأن العنصر الغالب على الأخلاق الإسلامية هو الحياء، وبذلك نعرف أن النظرية الإسلامية تجمع مختلف المبادئ اللازمة للحياة الأخلاقية في تركيب منسجم، بحيث نجعلها جميعًا تتجه نحو الوسط العادل[15]، والإنسان في ضوء المبادئ الإسلامية وهو يسعى لتحقيق أهداف الشرع، فإنه لا يوجد مانع يمنعه من تحقيق الخير لنفسه، ولكن الغاية القصوى التي يسعى إليها هي رضاء الله، سواء أكان ذلك وهو يكتسب من خيرات الأرض ويفرح بتملّك الأشياء ويتمتع بالحياة، ما دام ذلك في إطار من المبادئ الأخلاقية التي حدّدها الإسلام، بل إنه لا مانع من استعمال أدوات الترف والرفاهية على أن يكون ذلك في اعتدال؛ ولأنّ الله (يحبُّ أن يرى أَثر نعمته على عبدِه)[16]، بل إنّ الإسلام لا يمنع الإنسان من ممارسة اللعب؛ لأن القلوب تحتاج إلى شيء من الترويح أو إلى شيء من الاستجمام، إِذْ إنّ في ذلك عونًا لها على الحقّ[17] -كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه- حتى يستردّ قوّته ويستأنف نشاطه الأخلاقي.

إنّ الطريق إلى الفضيلة طريق واحد، وهي الطريق التي تتفق فيها إرادة الفرد مع مقاصد الشريعة، وإن أيّ انحراف عن المبادئ التي رسمها الإسلام يؤدي بالضرورة إلى تجنُّب الطريق السويّ، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: 153]؛ لذلك يركز القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة دائمًا على ضرورة أداء الواجب بنية خالصة، وعدم الإضرار بالآخرين والإساءة إليهم، أو الحصول على مكاسب غير مشروعة، وهما لا يقيمان وزنًا لأيّ عمل إلا إذا كان منبثقًا عن إرادة واعية ونية صادقة حسنة، وأن يكون هدفه والغاية منه هو رضاء الله وحده.

تلك هي الشروط التي يجب توفرها عند أداء الواجب، حتى يحظى العمل بالقبول، «وإنّ المقاعد محجوزة للقلوب المحضة المتوجهة إلى الله»[18].

عرفنا مما تقدّم أن البناء الأخلاقي يقوم على ركيزتين هما النية والعمل، ولقد زوّد الله -تبارك وتعالى- الإنسانَ بعدد من القُوَى المعنوية والمادية حتى يتمكن من أداء عمله وتسخير طاقاته في سبيل بناء الأرض وتعمير الكون، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ [النحل: 78]. وقد خلق الله -سبحانه وتعالى- النفس الإنسانية وجعلها قادرة على الارتقاء أو التردّي بتأثير إرادتها الخاصة؛ ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا[الشمس: 9- 10]، ومن هنا جاءت الضرورة الأخلاقية التي تدفع الإنسان للعمل وتحمّل المسؤولية؛ ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[التوبة: 105]؛ لذلك فإنّ الإنسان مُطالَب بالعمل وبذل الجهد، بل إنّ عليه أن يجاهد بقوة وإصرار وفقًا للمبادئ الأخلاقية التي حددتها الشريعة الإسلامية حتى يحقق رسالته في الأرض وينعم برضوان الله في الآخرة: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق: 6]، ولم يفرض الله تعالى على الإنسان شيئًا فوق طاقته، ولكنه يدعوه إلى الطاعة والمجاهدة في سبيل انتصار القيم الأخلاقية ونشر الخير بين الناس.

إنّ الإسلام لا يعارض نداء الفطرة ولكنه يوجه عواطف الإنسان وسلوكه نحو القيم العليا، وقد حدَّثنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه فقال: (وجُعِلَت قُرَّة عيني في الصّلاة)[19]، وإذا دُعِيَ الإنسان إلى الصراع والمجاهدة فإنّ الغاية من الصراع لا تكمن في الصراع نفسه، بل في النصر الذي يُسفِر عنه[20]، ويجب أن يتعمق ويتأصّل حتى يصبح طبعًا خاصًّا أو فطرة ثانية، وبذلك يكون الإنسان قد حقّق الأخلاق التي كان ينشدها في الواقع، ولم تبقَ مجرد أحلام وأماني، وأنّ الأخلاق لا تعني مجرّد السيطرة على الأهواء، ولكنها تعني بالمعنى الكامل مشروعًا لتحقيق القيم الإيجابية وبذل الجهد من أجلِ المعيشة: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك: 15]. ومن أجلِ اكتساب ما يكون صدقة وجهدًا لأداء الفرائض وللدفاع عن حقيقة الإسلام وكيانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ[التوبة: 38]، ويدعو الإنسانَ إلى الصبر والمصابرة في السراء والضراء، عن صهيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عجبًا لأمرِ المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إنْ أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)[21]، ولكنه لا يذهب إلى حدّ الإفراط لأنّ أهم سمات النظام الإسلامي أن يضم صفتين في وقت واحد، إنه (متين) وإنه (يُسر)، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برِفق)[22]، وإنّ الاعتدال الذي يمدحه الإسلام يتمثّل في نُبل يقترب بقدر الإمكان من الكمال مقرونًا بالسرور والأمل[23]، وهو ما عبّر عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دعوته إلى الرفق بقوله: (إنّ هذا الدّينَ يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلا غَلبه؛ فسدّدوا وقاربوا وأبشروا)[24].

لقد قام القرآن الكريم بتعليم الناس واجباتهم بطريقة واضحة، كما قدّم لنا نظرية كاملة في الأخلاق، حدّد فيها منبع القاعدة الأخلاقية والشروط التي تفرضها، والنتائج التي تترتب على موقفنا منها، كما حدّد لنا المبدأ الذي يَهْدِي سُلوكَنَا، وأوضح لنا معالم الطريق إلى الفضيلة، وبَيَّن الأركان الرئيسة التي ترتكز عليها كلّ نظرية أخلاقية، وهي: الإلزام، والمسؤولية، والجزاء، والنية، والجهد. إنّ السمات الأساسية التي تتميز بها نظرية القرآن الكريم الأخلاقية تتلخّص فيما يأتي:

إنّ القواعد التي يقرّرها القرآن الكريم تنظم علاقة الإنسان بالله تبارك وتعالى، ولكن ذلك لا يبقى داخل إطار العبادات فقط، بل إنّ حياة المسلم في جميع مناحيها ومجالاتها تتميز بعمق التديّن، «فهو يحب الله فوق كلّ شيء، وهو يُخضِعُ كلَّ شيء لإرادته، وهو يستوحي في كلّ موقف أمر الله ورضاه»[25]. لقد علَّمَنا القرآن الكريم بأنّ الجزاء ليس أخرويًّا، بل يوجد جزاءان آخران عهد بهما إلى السلطة الشرعية والضمير الأخلاقي، حتى يضمن سير الحياة وفقًا لمبادئ الإسلام وقِيَمه، وبذلك يكون قد أضاف إلى تعاليمه الأخلاقية طريقة تربوية بلغت ذروة الكمال، تصلح لكلّ أنواع الناس، وقد راعى في كلّ التكاليف القدرة الإنسانية، والواقع المادي، والتوافق بين الواجبات. إنّ شريعة الإسلام «توصِي بالعدل والرحمة معًا، وتتواثق فيها العناصر الفردية والاجتماعية والإنسانية والإلهية، على نحو متين»[26].

وقد جمع الفضائلَ جميعًا في مفهوم واحد هو التقوى، ومن هنا يبدو لنا الاحترام في منتصف الطريق بين الحبّ والخوف، الذي يكوِّن لنا مركبًا جديدًا هو الحياء. ولن تجد الإنسانيةُ نظامًا أفضلَ من النظام الذي جاء به الاسلام؛ لِمَا يتميز به من العمق والاعتدال والتوازن وقاعدة أفضل «لتنظيم نشاطها أخلاقيًّا، ووسيلة لدفع جهدها، ورحمة للضعفاء، ومثلًا أعلى للأقوياء»[27]. إنّ الأخلاق التي دعا إليها القرآن الكريم تحتاج إلى ما يؤيّدها، بل إنها تكفي نفسها بنفسها؛ لأنها أخلاق متكاملة، رسمها الله -تبارك وتعالى- خالق البشر العليم بنواياهم والخبير بفطرتهم وأسرار تكوينهم؛ ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ [البقرة: 138].

لم يكتفِ المؤلِّف بتحديد المفاهيم القرآنية حول الحاسّة الأخلاقية والواجب والجزاء والمسؤولية والجهد؛ لأن ذلك لا يُشبِـع إلا حاجة عقلية، إِذْ إنه يحرص إلى أن يرى الفضيلة سائدة بين البشر أكثر من رغبته في تعريف الفضيلة؛ لذلك أضاف إلى كتابه القيم نصوصًا من القرآن الكريم توضح الأخلاق العملية، مصنّفة حول مواضيع معيّنة تشمل النشاط الإنساني في مجال الحياة، وتنظمه في علاقته بالله -عز وجل- وسلوكه الشخصي وعلاقاته مع الآخرين، وقد تناولت الأخلاق الفردية والأُسرية والاجتماعية وأخلاق الدولة والأخلاق الدينية، ثم قَدَّم إجمالًا لأمهات الفضائل الإسلامية حتى تتضح معالم الطريق أمام المسلم في هذه الحياة ليسير في وضوح وثقة وإخلاص، يبني تقدّمه وحضارته في ضوء القرآن الكريم وسُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، مؤمنًا بأنّ الإسلام عقيدة وأخوّة ومنهج حياة.

رحم اللهُ أستاذَنا الكبير الدكتور محمد عبد الله دراز، وأدخله فسيح جناته، وجزاه الله خير الجزاء على ما قدَّم من أعمال فكرية عالية، إِذْ إن كتابه هذا بالذات لم يكن مجرّد رسالة لنيل الدكتوراه، ولكنه كان رسالة ضمير مؤمن عرف الإسلام حقّ المعرفة، وآمن به إيمانًا صادقًا، ودعا إليه بقوة وإخلاص؛ لأنه يؤمن بأنه المنهاج الوحيد الذي يحقّق للإنسانية الاستقرار والسعادة والهناء المقيم.

والحمد لله رب العالمين

 

[1] نُشرت هذه المقالة في مجلة (كلية الدعوة الإسلامية) بالجماهيرية الليبية، العدد الخامس، سنة 1397هـ= 1988م، ص559. (موقع ‏تفسير)

[2] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏126.

[3] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏130.

[4] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏131.

[5] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏133.

[6] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏133.

[7] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏133.

[8] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏516.

[9] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏516.

[10] مالك في الموطأ، كتاب الجهاد، باب 1، والبخاري- كتاب المساقاة، باب 13. ومسلم- كتاب الزكاة، باب 6.

[11] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏523.

[12] انظر: مسند أحمد (5/ 388).

[13] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏531.

[14] ابن ماجه، كتاب الزهد، باب 17.

[15] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏531.

[16] الترمذي، كتاب الأدب، باب 53.

[17] إحياء علوم الدين، (4/ 364).

[18] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏508.

[19] النسائي، كتاب عِشرة النساء، باب 1.

[20] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏602.

[21] صحيح مسلم، كتاب الزهد، باب 13.

[22] انظر: مسند أحمد من طريق أنس. ‏

[23] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏674.

[24] البخاري، كتاب الإيمان، باب 29.

[25] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏676.

[26] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏681.

[27] دستور الأخلاق في القرآن، ص‏684.

الكاتب

محمد عبد السلام الجفائري

حصل على ماجستير الدراسات الإسلامية من كلية التربية بطرابلس، وله عدد من الأعمال العلمية المنشورة، وتوفي عام 1997م.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))