كتاب (علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء)
للدكتور/ خليل محمود اليماني
عرض وتقويم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنّ العلوم بحاجة ماسّة إلى تقويم دائم لمسيرتها حتى تظلّ شجرتها طيبة تؤتي أُكلها كلّ حين، وإذا مضى على نشأة العلم زمانٌ طويلٌ كان أكثر حاجة إلى التقويم والنقد، وإلا فهو مهدّد بالانقراض، وسيفقد روحه شيئًا فشيئًا.
وإنّ علم علوم القرآن من العلوم التي تحفّ بها إشكالات كثيرة، وقد ظهرت محاولات عديدة في الطرح المعاصر لمعالجة بعض إشكالاته خاصّة مسألة كثرة موضوعاته ومحاولة تسييق هذه الموضوعات تحت أزِمَّة كبرى، ويأتي كتاب: (علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء) للدكتور/ خليل محمود اليماني، لمناقشة عِلْمية هذا العلم، وكذلك مناقشة عِلْمية العلوم القرآنية ككلّ، واقتراح مقاربة جديدة لبنائها، وقد خلص الكتاب لنتائج جدّ مغايرة، إذ استشكل جذريًّا عِلْمية علوم القرآن، ورأى فساد هذا العلم ودَعَا لضرورة تجاوزه، واستشكل أيضًا عِلْمية العلوم القرآنية وقام ببلورتها في سياق مختلف.
وقد صدر هذا الكتاب حديثًا، فلمّا طالعته رأيتُ من الأهمية بمكان أن أكتب عنه هذه المقالة، وشجعني على ذلك أيضًا طلب بعض أهل العلم والفضل مِنّي أن أبدي رأيي حول الكتاب، وأرجو أن أكون قد لبَّيت رغبتهم من خلال تلك المقالة بلا وكس ولا شطط، وأسأل اللهَ سبحانه أن يكتب لي ولهم الأجر والثواب، وأن يسدّدنا في القول والعمل، ويلهمنا الصواب.
وتأتي مقالتنا مقسومة إلى قسمين؛ أمّا القسم الأول فأعرِّف فيه بالكتاب وأعرض أبرز قضاياه، وأمّا القسم الثاني فأتعرّض لتقويم الكتاب وبيان الموقف من طرحه. على أنّنا آثرنا أن نتناول طرح الكتاب ككلّ لا ما يتصل بنقاشه فقط لعلم علوم القرآن؛ ليكون ذلك أدعَى لتسليط الضوء على هذا الكتاب المهم، ولما يحفل به من نقاش منهجي مختلف للعلوم مِن المهمّ تأمّله والتعرّف عليه.
القسم الأول: كتاب (علوم القرآن نقد العلمية ومقاربة في البناء)؛ عرض وبيان:
هذا الكتاب من إعداد الدكتور/ خليل محمود اليماني[1]، ويقع في مجلد واحد من (334) صفحة، وهو من منشورات مركز نماء للبحوث والدراسات عام 1444هـ الموافق لعام 2023م.
وقد احتوى الكتاب على دراستين حول علوم القرآن بينهما اتصال في نقاش علوم القرآن، وإن كان لكلّ منهما إشكالية خاصّة بها وأغراض تتوخّاها؛ الدراسة الأولى بعنوان: (علوم القرآن؛ قراءة تقويمية في اعتبار "علوم القرآن" علمًا)، والدراسة الثانية بعنوان: (بناء علوم القرآن قراءة تقويمية للمنجز، مع طرح مقاربة منهجية لبناء علوم القرآن). وقد استهلّ المؤلِّف كتابه بمقدّمة عامة تكلّم فيها عن التسويغ العام لفكرة الكتاب ونقاش علمية علوم القرآن، وأشار للدراستَيْن قيد الكتاب، وختم بالتأكيد على حاجة العلوم القرآنية وعلوم التراث ككلّ لقراءات تقويمية كالتي قام بها وأنه لا خشية ولا توجُّس من أمثال هذه القراءات ما دام أنها تلتزم النقاش المنهجي الجادّ وتشتبك مع التراث على شرطه المنهجي؛ لأن تجديد المعارف لا يتم إلا بمثل هذه القراءات، وأنّ الرؤية التي قدّمها الكتاب لبناء العلوم القرآنية لا يتوقّف استثمارها فحسب عند تعديتها للعلوم التراثية، ولكنها تعين على توليد علوم جديدة مهمّة في ساحاتنا المعرفية، كما أنها قابلة لأن تكون أساسًا منهجيًّا لبناء العلوم بعامّة أيًّا كانت هذه العلوم، ما يعني أنها تصلح أن تكون منطلقًا وأساسًا معرفيًّا لمشروع إحيائي تجديدي كبير لعلومنا ومعارفنا. وفيما يأتي عرض وبيان لكلّ دراسة منهما على حدة.
الدراسة الأولى: علوم القرآن؛ قراءة تقويمية في اعتبار (علوم القرآن) علمًا:
جاءت هذه الدراسة في (119) صفحة، استهلّها الباحثُ بمدخل اعتنى ببيان أهمية الدراسة وإشكاليتها وأهدافها وعرض الدراسات السابقة، وبيان محدّدات الدراسة وصعوبتها ومخططها.
- إشكالية الدراسة، وأهدافها، وحدودها:
انطلق الباحثُ في هذه الدراسة من فكرة رئيسة وهي أهمية التقويم المنهجي للعلوم، مبيِّنًا أنّ مِن أبرز العلوم التي تحتاج إلى نقاش تقويمي لها هو علم علوم القرآن؛ لكثرة بروز الإشكالات والمآزق المنهجية التي يعاني منها على نحو بالغ العمق والمركزية ما أثار إشكالًا رئيسًا وسؤالًا مركزيًّا يتمثَّل في مدى استحقاق وصلاحية علم علوم القرآن أن يكون علمًا؟! وحول هذا الإشكال تمحورت الدراسة ودارت.
وتهدف الدراسة -كما بينها الباحث- بصورة رئيسة إلى تحقيق ما يأتي:
1- تقويم علم علوم القرآن وبيان مقدار أهليّـته في أن يكون علمًا.
2- تسليط الضوء على المآزق المنهجية والإشكالات المعرفية لعلم علوم القرآن.
3- بيان الموقف المنهجي الواجب إزاء علم علوم القرآن.
4- إثراء ساحة مناقشة العلوم والفنون بطرح مقاربة منهجية لتقويم أحد هذه العلوم.
وأمّا عن حدود الدراسة، فقد بَيَّن الباحثُ أنّ المراد بعلم علوم القرآن الذي تهدف الدراسة إلى تقويمه، هو الحقل والإطار المعرفي الذي يعمد لذِكْر قضايا قرآنية كثيرة ومعالجة الكلام على هذه القضايا بصورة نظرية تجريدية، دون غيرها مما يعتبر -عادة- ضمن حدود الكتابة في علم علوم القرآن؛ كالكتابات التي تعالج إحدى القضايا المتّصلة بالقرآن كالناسخ والمنسوخ والمكي والمدني... إلخ.
كما التزم الباحثُ بتقويم الحيثية والقضية التي يقوم عليها هذا الحقل، والحكم عليها سلبًا أو إيجابًا من حيث وجاهتها كمرتكز صالح لبناء حقل علمي، دون الولوج لتفاصيل علم علوم القرآن ومضامينه إلا بالقدر الذي تفرضه طبيعة البحث.
وجاءت الدراسة في فصلين يسبقهما تمهيد ويقفوهما خاتمة؛ أمّا التمهيد فكان بعنوان: (تقويم علم علوم القرآن؛ كيفية التقويم وإطار المناقشة)، تحدّث الباحثُ فيه عن مسوغات تقويم العلوم بشكلٍ عام ومسلك القيام به، وبَيَّن كيفية تقويم علم علوم القرآن.
وجاء الفصل الأول بعنوان: قضية علم علوم القرآن؛ ضبط وتحرير. وجاء الفصل الثاني بعنوان: قضية علم علوم القرآن؛ مناقشة وتقويم. وأمّا الخاتمة فخُصّصت لأبرز نتائج الدراسة.
- أبرز قضايا الدراسة:
التمهيد: (تقويم علم علوم القرآن؛ كيفية التقويم وإطار المناقشة):
أشار الباحث إلى ما يُلابِس العلوم في طريقة تأسيسها من إشكالات منهجية، ما يجعلنا بحاجة إلى دراسة العلم ذاته، وأنّ المعقد الذي يجعلنا نتكلّم عن ذات العلم هو قضية العلم وموضوع اشتغاله، وبَيَّن أنّ معيار الحكم على قضية ما بالعلمية يشترط -كما يرى الباحث- أن تكون قضية كلية، ودلّل على وجاهة ذلك بأنّ القضية الكلية هي القادرة على تفريع حالة بحث كبيرة بخلاف القضية الجزئية التي لا تملك أفقًا يسمح بمثل ذلك، وقد توسّع الباحث في بيان نجاعة هذا المعيار في اعتماد العلمية في بحثه الصادر مؤخرًا بعنوان: (تصنيف أنواع العلوم؛ قراءة في المنجز وتصنيف معياري مقترح)[2]، ثم أشار الباحثُ إلى بعض ما يمكن أن يُستَشكَل عليه في هذا معيار العلمية تجاه علوم القرآن، وأجاب عن هذه الإشكالات المحتملة.
الفصل الأول: (قضية علم علوم القرآن؛ ضبط وتحرير):
عُني الباحث في هذا الفصل بتصوير وإبراز القضية العلمية التي يقوم عليها واقع اشتغال علم علوم القرآن، ويذهب الباحثُ إلى أنّ قضية اشتغال علم علوم القرآن تتعلّق بإيراد مختلف أنواع علوم القرآن وبيان هذه الأنواع والكلام عليها بما يبصِّر ويعرِّف بها ومعالجة القول فيها من نواحٍ عديدة، وقد استدلّ الباحث على ذلك بأمرين أساسيين:
الأمر الأول: تعريفات علم علوم القرآن:
فتعريف العلوم -فيما يرى الباحث- يعدّ: «بابة رئيسة لفهم قضايا وحيثيات اشتغال العلوم، فالعلم يكون له مفهوم خاصّ يترجم قضيته وحيثيته، والتعريفات تحاول ضبط مفهوم العلم وبيانه بصورة دقيقة؛ لذا فالنظر فيها سبيل لاحب لفهم القضايا الكلية لاشتغال العلم»[3].
وقد استظهر الباحث من خلال عدد من تعريفات علم علوم القرآن أنّ هذا العلم يقوم على إيراد مختلف أنواع علوم القرآن والكلام عليها ومعالجتها، ونظرًا لعدم بروز تعريفات قديمة لعلوم القرآن فقد استشهد الباحثُ بتعريفات بعض المعاصرين لعلوم القرآن؛ كالزرقاني وعبد المجيد غزلان ومحمد أبو شهبة ومنّاع القطان.
الأمر الثاني: تأمّل التآليف المؤسّسة لعلم علوم القرآن:
وذلك أنّ التآليف المؤسّسة -فيما يرى الباحث-: «تكون هي الحامل لمفهوم العلم بالأصالة؛ لذا فإنّ النظر فيها يمثّل مرتكزًا مهمًّا في استجلاء قضية العلم وحيثية الاشتغال التي يقوم عليها؛ فمفهوم العلم ترجمة لقضية العلم»[4].
وبناء على ذلك رأى الباحث إمكان استجلاء قضية علوم القرآن من خلال المؤلّفات التي عنونت بعلوم القرآن واجتهدت في الإيراد الجمعي للعلوم القرآنية ونظَّرت لها، ومن أبرز هذه المؤلّفات: (فنون الأفنان في عيون علوم القرآن) لابن الجوزي (597هـ)، و(البرهان في علوم القرآن) للزركشي (794هـ)، و(الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي (911هـ).
وقد استعرض الباحثُ نصوصَ المؤلِّفين في مقدّماتهم النظرية لهذه الكتب الثلاثة في تلكم القضية، وكذا استعرض صنيع أصحابها وتطبيقاتهم في هذه المؤلّفات ليؤكّد ما ذهب إليه من أنّ علم علوم القرآن يقوم في أصل بنائه على حيثية وقضية اشتغال مركزية تتمثّل في الإتيان بمختلف أنواع العلوم المرتبطة بالقرآن الكريم والكلام النظري على هذه الأنواع ومعالجتها.
الفصل الثاني: (قضية علم علوم القرآن؛ مناقشة وتقويم):
عُني الباحث في هذا الفصل بمناقشة وتقويم قضية علوم القرآن، والنظر في مقدار صلاحيتها لتأسيس علم، من خلال ثلاثة محاور؛ المحور الأول: إشكالات علم علوم القرآن. المحور الثاني: علم علوم القرآن؛ كيفيات التشكّل. المحور الثالث: علم علوم القرآن؛ ملحوظات عامة.
وقبل شروع الباحث في تلك المحاور خطَّ صفحتين هما من عيون هذا الفصل ومرتكزاته التي انطلق منها الباحثُ مؤسِّسًا لكافة محاوره، أبان فيهما عن رأيه في قضية علم علوم القرآن والتي قرّر -كما أسلفنا- أنها تقوم على قضية اشتغال تتعلّق بذِكْر أنواع العلوم المرتبطة بالقرآن الكريم والكلام على هذه العلوم ومعالجتها، فصرّح بأن هذه: «قضية مشكلة منهجيًّا، ولا تصلح بالأساس لبناء وإقامة علم بصورة منهجية منضبطة»[5]، وسبب ذلك -فيما يرى الباحث- أنّ هذه القضية هي مجرّد غاية بحثية جزئية وليست قضية كلية لها أفق وشأن القضايا العلمية التي تقوم عليها العلوم.
وقد أسّس الباحثُ لوجهة نظره هذه بصورة تجريدية نرى ضرورة إثباتها هاهنا لاستكناه منطلقاته وفهمها، يقول الباحث: «إنّ مِن المقرّر في شأن العلم أن يكون له حيثية اشتغال محدّدة، وهذه الحيثية تكون عبارة عن قضية كلية بالأساس، ما يجعل العلم يعمل تلقائيًّا على تفريع وتوليد جملةِ محاورَ وموضوعاتِ اشتغالٍ تتكاملُ فيما بينها في دراسة هذه القضية وإحكام القول فيها من مختلف الجوانب، فيكونُ لكلّ محورٍ من محاور البحث في العلم دورٌ محدّد يؤدّيه في خدمة هذه القضية ويتكامل به مع غيره في النهوض بها، ويتحقّق بمجموع هذه المحاور النهوضُ البحثي بالقضية وضبطُ القول فيها، وبذلك ينطلق العلم في مسيرته التي تظلّ متتابعة ومتنامية في تراكمها المعرفي وخدمتها للقضية التي تدور حولها، وتكون للعلم غاياتُه ومقاصده الواضحة، ويعمل على إنتاج المعرفة العلمية الخاصّة به إزاء القضية التي يشتغل بها... إلخ»[6].
ومِن هذا المنطلق يرى الباحثُ أنّ قيام علمٍ ما على مجرّد غاية بحثية جزئية كعلوم القرآن فهذا يعني عدم امتلاك هذا العلم لقضية تصلح لتأسيس حقل معرفي بالأساس، كما يرى الباحث -علاوة على ما سبق- أنّ الغاية البحثية التي يقوم عليها علم علوم القرآن غاية مشكلة في ذاتها؛ إِذْ لا تملك -كأيّ غاية بحثية منضبطة- نقطة اشتغال معرفي يتحقّق بها قدر من العمل البحثي تجاه موضوعٍ ما، وإنما هي جمع لمختلف العلوم القرآنية في وعاء واحد دون اشتغال بالقرآن ذاته في موضوع معين، كما أنّ المضامين المتعلّقة بهذه العلوم ليست نتاج درس علمي خاصّ بالحقل حول هذه العلوم بقدر ما هي اصطفاء لمضامين علمية أنتجتها حركة البحث المستقلة في هذه العلوم بالأساس.
ويرى الباحثُ أنّ قيام علم علوم القرآن على هذه الحيثية والقضية المشكلة قد أدى إلى انشعاب مشكلات عديدة، وهو ما حاول الإبانة عنه في المحاور الآتية:
- المحور الأول: إشكالات علم علوم القرآن:
ذكر الباحثُ أنّ علم علوم القرآن تحفّ به إشكالات عديدة، بيدَ أنه ركّز هاهنا على الإشكالات المنهجية التي تتصل بالعلم من حيث هو، مع بيان صِلَة هذه الإشكالات بقضية العلم وكيف أنها ناجمة عنها، وقد أورد ثمانية إشكالات وفصَّلها بصورة تجريدية محضة وناقشها مع الاستدلال ببعض الجوانب من الواقع البحثي القائم في علوم القرآن، وهذه الإشكالات كما يأتي:
الإشكال الأول: عدم دلالة اصطلاح العلم على اشتغال محدّد للعلم:
فمصطلح علوم القرآن يفتقد الدلالة على أيّ نسق اشتغال علمي محدّد يمكن للسامع أن يفهمه، وإنما هو ذِكْر لشيء يعتوره غموض وإبهام على خلاف المتقرّر في العلوم -كما يرى الباحث-، إِذْ: «من المقرّر في شأن العلوم دلالة الاصطلاح اللقبي للعلم على الفكرة العلمية المركزية لاشتغال العلم، وأن يكون هذا الاصطلاح دالًّا على فكرة العلم بشكل مباشر، كما نجده مثلًا في علم أصول الفقه وغيرِه، حيث يسهلُ على سامع المصطلح اللّقبي للعلم تبيُّنُ فكرة العلم ذاتِه وفهمُها إجمالًا بمجرّد وقوفه على اصطلاح العلم»[7].
وقد أدى هذا الإشكال -في نظر الباحث- إلى ترتّب العديد من الإشكالات عليه في علم علوم القرآن، أبرزها اثنان؛ الأول: اتساع دلالة اصطلاح العلم عن معنى العلم، فاصطلاح علوم القرآن يشمل معنى العلم وغيره؛ ولذا يضطر المؤلِّفون في كتب علوم القرآن المعاصرة عند الكلام على تعريف علوم القرآن إلى التنبيه على أن مصطلح علوم القرآن من حيث الإضافة له دلالة تباين تمامًا الدلالة الخاصّة به من حيث هو عَلَم على الفنّ المدلول، وهذا أمر مشكل ويباين النسق المنهجي للفنون -فيما يرى الباحث-، حيث: «يدلّ اصطلاح العلم على فكرته ومفهومه بشكلٍ مباشر، كما يكونُ هناك ارتباطٌ ظاهر بين المعنى اللغوي لمصطلح العلم والمعنى الاصطلاحي وليس تَباينٌ وافتراق»[8].
الثاني: شذوذ تسمية العلم وغرابتها؛ إِذْ من غير المألوف في العلوم والفنون أن يكون هناك عِلم اسمه (علوم كذا)، وإنما تكون لكلّ علم قضية كلية يعبر عنها اصطلاحه -كما يرى الباحث-.
الإشكال الثاني: تعذُّر صياغة تعريف منضبط للعلم:
بَيَّن الباحثُ أن تعريفات العلوم تأتي: «لتُبيِّنَ الفكرةَ العامة للعلم ومفهومَه، وتُصَوِّرَ هذا المفهومَ بشكلٍ دقيق يُبصِّر به ويعِين على فهمه وبيانِ حدود ما يدخل فيه وما لا يدخل»[9].
وبحسب رؤية الباحث فإنّ تعريفات علوم القرآن تخالف ذلك، وقد مَثَّل الباحث بأبرز المؤلِّفات المعاصرة في علوم القرآن فأورد تعريف كلّ من: الزرقاني، وضياء الدين عتر، وعبد المجيد غزلان، ومحمد أبو شهبة، ومناع القطان، وفهد الرومي، ومساعد الطيار، وفضل الهادي وزين، وأوضح أنه لا يظهر في تعريفاتهم بيان لفكرة معينة أو مفهوم منضبط ولا ماهية محدّدة يسهل تصوّرها، وإنما جُلّها أقرب لتوصيفات عامة وتمثيل لبعض المضامين والقضايا المطروقة في علوم القرآن، فضلًا عن أن: «العلم يختلف من حيث هو عن الموضوعات والمسائل المبحوثة بداخله»[10] -كما يرى الباحث-.
الإشكال الثالث: عدم حيازة العلم لثمرة علمية منضبطة:
ذكر الباحثُ أن قيام قضية علوم القرآن على مجرّد الجمع والحشد لمختلف الأنواع القرآنية والكلام عليها والتعريف بها أدّى إلى انعدام وجود ثمرة علمية منضبطة لهذا العلم لسببين؛ الأول: أنّ ثمرة العلم غاية كبيرة تحصل للدّارس عندما تكون للعلم قضية محدّدة يستطيع الإلمام بها ولملمة أطرافها والإضافة البحثية عليها بخلاف ما إذا كان العلم عبارة عن معلومات متفرّقة ونُبَذٍ من هنا وهناك حول قضايا بالغة الكثرة وعظيمة التباين والاختلاف.
الثاني: أنّ ثمرة علوم القرآن شديدة الضعف لا يجد المتأمّل فيها كبير فائدة للإقبال عليها؛ إِذْ غايتها أن تكون مقدّمات لما لا بدّ مِن تعلّمه تجاه الموضوعات المختلفة التي يحتوي عليها علم علوم القرآن.
وقد استعرض الباحثُ بعضَ الثمار الشائع ذِكْرها عن علوم القرآن في مؤلَّفات المعاصرين مثل الزرقاني وفهد الرومي وسالم أبو عاصي وغيرهم، وانتقدها بأنها ناتجة عن عدم التدقيق في طبيعة العلم من حيث هو وضبط ثمرته في ضوء حقيقة طبيعته، وإنما هي عبارة عن فوائد ومنافع تعطيها مباحث هذا العلم لا أكثر.
الإشكال الرابع: عدم امتلاك العلم لموضوع اشتغال معرفي محدّد الملامح:
بَيَّن الباحثُ أنّ الحيثية التي قام عليها علم علوم القرآن كان من لوازمها عدم وجود موضوع علمي ولو جزئيًّا يعبّر عن حالة الاشتغال في ميدانه، وهذا ملاحَظ -كما يرى الباحث- في كتابات المعاصرين ممن حاولوا ضبط موضوع حقل علوم القرآن نحو: الزرقاني، وسالم أبو عاصي، ومحمد أبو شهبة، وغيرهم.
الإشكال الخامس: علم بلا مباحث ولا موضوعات:
بَيَّن الباحثُ أنّ: «المقرّر في شأن العلوم أنها تحتوي على عدد من المباحث والموضوعات التي يُبرهن عليها في الساحات البحثية الخاصّة بهذه العلوم... وهذه الموضوعات يكون عليها مدار الاشتغال البحثي في ميادين العلم»[11]، وأنّ علم علوم القرآن على خلاف هذا النسق لسببين:
الأول: اشتمال علوم القرآن على جملة هائلة من أنواع العلوم والمعارف المتعلقة بالقرآن، وهذه الموضوعات ليست موضوعات مباشرة في العلم، وإنما هي عبارة عن جزئيات وبؤر اشتغال لكلّ واحدة منها استقلالها الخاصّ.
الثاني: أنّ درس هذه الأنواع من العلوم التي يحويها علم علوم القرآن ليست نتاج درس حاصل داخل العلم نفسه بقدر ما هي مقترضة من مضامين مقرّرة بالفعل من مؤلفاتها الخاصّة بها.
وقد أشار الباحثُ إلى أن محاولة بعض الكتابات المعاصرة لتقسيم أنواع علوم القرآن تحت أزمّة معيّنة لا يعالج من الإشكال شيئًا؛ لأنّه لا يجعلنا أمام موضوعات ومسائل تعالج قضية كلية واحدة.
ويرى الباحثُ أن هذا الحال لعلم علوم القرآن أورث العلم إشكالات عديدة أبرزها ثلاثة وهي؛ الأول: ضعف حركة البحث في العلم وقلّة جدواها. الثاني: عجز العلم عن توليد المصطلحات والقواعد والمناهج الخاصّة به. الثالث: عجز العلم عن توليد معرفة خاصّة به.
الإشكال السادس: الاتساع الهائل لفروع العلم وعدم وجود سياج منهجي ضابط للتعامل معها:
هذا الإشكال يتكون من جزأين متّصلين ببعضهما؛ الجزء الأول: أبرز الباحث فيه الاتساع الهائل لعلم علوم القرآن بصورة لا تكاد توجد في أيّ علم آخر، ولزوم هذا الاتساع له أبدًا وتعذّر تلافيه لعدم اشتغاله على قضية كلية، وقد استدلّ الباحث على هذا الاتساع لفروع العلم بصنيع المؤلِّفين في مؤلَّفات علوم القرآن، فالزركشي قد أوصل أنواعه إلى نيِّف وأربعين نوعًا، وأوصلها السيوطي إلى ثمانين نوعًا، وضاعفها ابن عقيلة المكي، وكلّ واحد منهم يشير إلى إمكان الزيادة على الأنواع التي أوردها، ثم أوردَ الباحثُمن المعاصرين قولَ الدكتور حازم حيدر أنّ: «علوم القرآن غير منحصرة بعدد معين من الأنواع نحو 47 أو 80 أو 154 بل يمكن مدّها والإضافة إليها»[12]، واقترح الدكتور حازم زيادة عدد آخر من الأنواع.
وقد أشار الباحثُ إلى سبب هذا الاتساع الكبير في تفريع أنواع علوم القرآن، وعدم إمكان تلافيه أبدًا، فذكر أن سبب ذلك يتّضح بالنظر إلى ضابط عملية التفريع في حقل علوم القرآن قديمًا وحديثًا، والتي لخّصها الباحثُ في إمكان التفريع في حقل علوم القرآن بمجرّد صلاحية الموضوع المفرع حول القرآن للتصنيف المفرد والمستقل، فيرى الباحثُ أن هذا ضابط يؤول ولا بد لاتساع هائل جدًّا في الأنواع داخل العلم ويتعذّر تلافيه؛ لكون التفريع هنا مرتبط بالقرآن الكريم وهو كتاب معجز ومن الممكن أن يرتبط به عددٌ بالغُ الكثرة من النقاط البحثية المتمايزة والحَرِيَّة بالإفراد والتصنيف، وقد أفاض الباحثُ في شرح واستجلاء هذا الضابط ممثّلًا عليه من كتب علوم القرآن قديمًا وحديثًا.
أمّا الجزئية الثانية من هذا الإشكال: فقد بَيَّن الباحثُ فيها أنه بالإضافة إلى حالة الاتساع الهائل في حقل علوم القرآن وتعذّر الحدّ منه، فإنّ هذا الحقل يتعذّر فيه كذلك الوقوف على معيار محرّر للبتّ في رُتَب الأنواع وبيان درجتها، وذلك على خلاف النسق القائم في الفنون -كما يرى الباحث-.
فالزركشي مثلًا يرى أن أعظم أنواع علوم القرآن المذكورة في كتابه هو ما يتعلّق بمعرفة الأسرار البلاغية للقرآن الكريم، بينما السيوطي لم يتعامل مع هذا النوع بنفس الدرجة من الاهتمام، إلى غير ذلك من التسويغات التي مثّل بها الباحث من مؤلّفات علوم القرآن قديمًا وحديثًا، والتي يرى الباحثُ أنها تسويغات لا تتعلّق بالعلم نفسه بقدر ما تتصل بنظرة المؤلِّف الخاصة تجاه الموضوع كأن يرى أهميته أو كونه مدخلًا لغيره أو تتحصل به غايات مهمّة وغير ذلك.
ويرى الباحثُ أنّ هذا الحال من الاتساع لعلم علوم القرآن وعدم وجود معايير منضبطة للتعامل معه أورث هذا الفنّ جملة من الإشكالات أبرزها ثلاثة؛ الأول: صعوبة بناء قواعد بيانات منضبطة للعلم. الثاني: صعوبة التعاطي التدريسي مع العلم. الثالث: ذوقية حركة التفريع للأنواع داخل العلم. وتحت هذا الأثر ناقش الباحثُ كلًّا من الدكتور مساعد الطيار والدكتور نبيل صابري فيما ذكَراه من ضوابط لِما يدخل وما لا يدخل في علم علوم القرآن.
الإشكال السابع: علم بلا خدمة ممارسة معرفية إنتاجية:
بيَّن الباحثُ أنّ: «العلوم تعمل دومًا على خدمة ممارسة معرفية إنتاجية محدّدة بالأساس وتترتب مسارات الاشتغال فيها على خدمة هذه الممارسة من جملة زوايا مركزية»[13]، -وبحسب الباحث- فإنّ الممارسة المعرفية هي قضية علمية جزئية تمتاز بقابليتها للامتداد التطبيقي؛ كبيان معاني القرآن، واستنباط الحُكْم الفقهي، وأنّ العلوم تقوم لخدمة هذه الممارسات تقنينًا لمزاولتها أو صناعةً للوعي بواقعها التطبيقي.
ويرى الباحثُ أنّ علم علوم القرآن على خلاف هذا؛ لاحتوائه على جملة نقاط متعدّدة يتعذّر سبكها في خدمة مدخل محدّد ورعاية الممارسة الإنتاجية الخاصة به، كأنْ تتوجه الممارسة في الفنّ نحو نظمه أو تجزئته أو تفسيره وغير ذلك، فضلًا عن أن المادة العلمية في المدخل الواحد لا يبرز فيها هاجس معالجة الممارسة الإنتاجية الخاصة بهذا المدخل من زوايا معينة، بل إنّ مادة علوم القرآن عبارة عن مادة وصفية عامة ومركومة بصورة لا يتّضح فيها الترابط والتعاضد لخدمة أحد نوعي الممارسة في العلوم.
كما يرى الباحثُ غلط النظرة الشائعة حول علوم القرآن بأنها تعدّ السياج النظري للممارسة التفسيرية التطبيقية، وذلك لأسباب ثلاثة:
الأول: أنّ علم علوم القرآن لا يقدّم تأصيلًا نظريًّا لطريقة توظيف موارد التفسير إفرادًا وتركيبًا وكيفيات القيام بهذا التوظيف وهو شرط لا بدّ منه لأيّ بناء نظري ضابط لممارسة معرفية إنتاجية[14].
الثاني: ما يظهر من ارتباط من أنواع علوم القرآن بالتفسير وتقنينه إنما هو يتعلّق بفهم القرآن ذاته (النصّ المفسَّر)، لا الممارسة التفسيرية القائمة للقرآن في تطبيقات المفسِّرين.
الثالث: أن طبيعة أنواع العلوم التي يحويها علم علوم القرآن بالغة التنوّع والاختلاف ومنها الكثير مما لا صِلَة له مباشرة بالتفسير وفهم القرآن والإعانة عليه؛ كالأنواع المتعلقة بجمع القرآن وترتيبه ونقله وغير ذلك.
وهذا الواقع للعلم -حسب الباحث- يُفْضِي إلى إشكالات عديدة أبرزها اثنان:
الأول: إصابة المشتغل بالعلم بالتشوّش والتشتّت، فلا تتخلّق لدى الدارس مَلَكة معرفية وصناعية ما في اتجاه معيّن.
الثاني: كَبْح ولادة علوم تقعيدية للممارسات المعرفية حول القرآن وولادة إشكالات في التعامل التقعيدي مع هذه الممارسات، وذلك أنّ علم علوم القرآن -بحسب الباحث- في ضوء جمعه لمختلف أنواع العلوم القرآنية وطرحه بعض المضامين النظرية حول هذه العلوم؛ قد صار في نظر بعضهم وكأنّه العلم المختصّ بالتنظير التقعيدي والتقنيني لهذه الممارسات، خاصّة مع عدم تبلور علوم للعناية التقعيدية بهذه الممارسات، وقد أدى هذا -كما يرى الباحث- إلى إشكالات عديدة؛ منها:
أولًا: عدم بروز علوم تُعنى بتقنين هذه الممارسات المعرفية الممكنة حول النصّ القرآني وكيفيات التعامل معها.
ثانيًا: التنظير لبعض الممارسات المعرفية بشكلٍ خاطئ.
الإشكال الثامن: عدم إمكانية حضور مقرّرات تعليمية منضبطة للعلم:
بَيَّن الباحثُ أنّ العلوم تحتاج مع مرور الزمن إلى عقد برامج ومقرّرات تعليمية تقرِّب محاورها الكلية وتيسِّرها للدارسين، فيتشكّل وعي الدارس بالعِلْم كلّه ويتدرّج فيه تباعًا، ولكن هذا الحال -حسب الباحث- يباين المألوف في علم علوم القرآن، حيث تقوم مقرّراته التعليمية على انتخاب بعض الأنواع والكلام عليها، ولا تكون هذه الأنواع راسمة للصورة الكلية في ذهن الدّارس، ولا تعبّر بمحتوياتها ومضامينها عن مستوى معين للطالب يمكن أن يتدرّج بعده لما هو أصعب وأكثر تعقيدًا، وهذا كلّه -بحسب الباحث- واضح في العديد من الكتب التي أُلّفَتْ لتكون مقرّرات تعليمية نحو: (البيان في مباحث من علوم القرآن) لعبد المجيد غزلان، و(المدخل لدراسة القرآن) لمحمد أبو شهبة، و(مباحث في علوم القرآن) لمناع القطان، و(المحرّر في علوم القرآن) لمساعد الطيار، و(دراسات في علوم القرآن) لفهد الرومي، وغيرها، وهذا الإشكال ظاهر الارتباط بقضية علوم القرآن وأنها ليست قضية كلية.
وفي ضوء هذه الإشكالات الثمانية السابقة يرى الباحثُ أن القضية التي يقوم عليها علم علوم القرآن غير منضبطة ولا تصلح لتأسيس عِلْم منضبط، كما أنّ هذه القضية قد سبّبت الكثير من الإشكالات والمآزق المعرفية الكبرى للعلم ما يدلّ على فسادها واضطرابها، وفساد القضية يعني فساد العِلْم نفسه، كما يرى الباحثُ أنه حتى لو تجاوزنا عن معيار العلمية الذي ذهب إليه من ضرورة كلية قضية العلم = فإن هذا لا يغيّر من موقفه شيئًا، فهناك إشكالات جذرية في العلم يتعذّر بها بقاؤه واستمراره.
- المحور الثاني: علم علوم القرآن؛ كيفيات التشكّل:
بعد أن انتهى الباحثُ في المحور الأول من تقويم قضية علم علوم القرآن أراد في هذا المحور أن يعرِّج على المسار التاريخي لهذا العلم؛ لإفادته في الوقوف على امتداداته وجذوره والطريقة التي تشكّل بها وغير ذلك، مما يفيد في فهم هذا الحقل ومسالك التعامل معه.
وفي ضوء ما قرّره الباحثُ من أنّ تشكّل علم علوم القرآن قد برز من خلال الصنيع الذي قامت به المؤلّفات التي نحَتْ للتأليف الجمعي لأنواع علوم القرآن، فقد تكلّم الباحث عن تاريخ هذا العلم من ثلاث جهات؛ إحداها تتعلّق بالنظر لهذا العلم في مؤلّفات التأليف الجمعي نفسِها. والثانية بما قبل هذه المؤلَّفات. والثالثة بما بعد هذه المؤلَّفات. وفيما يأتي نبين أبرز القضايا التي ذكرها الكتاب.
- أولًا: علم علوم القرآن في مؤلّفات الإيراد الجمعي لأنواع علوم القرآن:
استظهر الباحثُ أنّ مؤلَّفات الإيراد الجمعي لم تُرِد أن تجعل علوم القرآن علمًا، ولم تَعتبِر ما قامت به حقلًا علميًّا بالأساس، ولا طالبَت بذلك، وإنما كانت أمام غاية محدّدة أراد كلّ مؤلِّف إنجازها بالكتاب الذي وضعه ورأى فيه كفايةً لتحقيق تلك الغاية.
واستدلّ الباحثُ على ذلك بنصوص هذه المؤلّفات التي تصرّح بغايتها في تأليف تلك الكتب، وأكّد الباحثُ ما ذهب إليه بحصول التتابع الكتابي في تلك المؤلّفات وأنها كانت تهدف لغايات محدّدة؛ فالزركشي مثلًا لم يجد مَن تصدَّى لجمع أنواع علوم القرآن فألّف البرهان، وكذلك السيوطي أراد تتميمَ ما ألّفه الزركشي وذِكْرَ أنواعٍ فاتته، ورأى أنه وَفَى غايته بالإتقان، ومِن ثَم لم يطالِب بتتابع التآليف بعده في هذا الموضوع.
- ثانيًا: علم علوم القرآن قبل ظهور مؤلَّفات الإيراد الجمعي لأنواع علوم القرآن:
أشار الباحثُ إلى تقدّم وجود مصطلح علوم القرآن في التراث، وبَيَّن أن هذا لا يعني وجود حقل علمي اسمه علم علوم القرآن قبل مؤلَّفات الإيراد الجمعي؛ وذلك لعدم وجود أثر لذلك داخل مؤلّفات الإيراد الجمعي أو خارجها.
كما بيَّن الباحث أنّ استعمال مصطلح علوم القرآن وما يقاربه في عنونة بعض المؤلّفات قبل مؤلّفات الإيراد الجمعي لا يمكن القطع من خلاله بوجود حقل علمي اسمه علوم القرآن؛ لعدم صدور هذه المؤلفات عن حقل علمي اسمه علوم القرآن، وعدم ظهور ذلك في مضامينها، وإنما هو مجرّد الحديث العام عن قضايا معرفية متعدّدة تتعلق بالقرآن لا غير.
وأكّد الباحثُ ما ذهب إليه بعدم وحدة مفاهيم القُدامَى ممن استعملوا مصطلح علوم القرآن، واستشهد على ذلك بنصوص لابن العربي (ت: 543هـ)، وابن النقيب (ت: 769هـ)، وابن جزي (ت: 741هـ) جاء فيها استعمال هذا المصطلح وفق عدة مفاهيم متغايرة.
وبيَّن الباحثُ أنّ وجود مصطلح علوم القرآن زمن الصحابة والتابعين لا يفيد كذلك حضور هذا العلم وقتها، وعلَّل ذلك بأن العلوم لا يمكن الحديث عنها بدون تصانيف وتآليف، وذكر أنّ هذه المرحلة الشفهية ليست إلا ممارسات معرفية تقوم العلوم لاحقًا لخدمتها، وفي ضوء ذلك ناقش الباحثُ عددًا من المعاصرين ممن ذهبوا إلى وجود علم علوم القرآن قبل مؤلَّفات الإيراد الجمعي؛ نحو: نبيل صابري، والزرقاني، وحازم حيدر، ومساعد الطيار، وغيرهم.
- ثالثًا: علم علوم القرآن بعد مؤلَّفات الإيراد الجمعي:
ذهب الباحثُ إلى أنّ تشكُّل علم علوم القرآن قد حصل بعد مؤلَّفات الإيراد الجمعي عند المعاصرين خاصّة، وأنّ هذا التشكّل لم يبرز في الكتابات التي تلت مؤلَّفات الإيراد الجمعي بأمد قصير نحو مفتاح السعادة لطاشكبري زاده (ت: 968هـ)، والذي أورد العلوم القرآنية بشكل مفرد باعتبارها فروعًا للتفسير ولم يتحدث عن علم علوم القرآن، ولم يرد ذِكْر علوم القرآن كذلك في المؤلّفات التي ظهرت في القرن الحادي عشر والثاني عشر وعُنيت بسرد العلوم والكلام عليها؛ نحو: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة (ت: 1067هـ)، وكشاف اصطلاحات الفنون والعلوم للتهانوي (ت: 1158هـ).
وحول تحديد التشكّل الفعلي لعلم علوم القرآن عند المعاصرين فقد أورد الباحث احتمالية حصوله مع أحد المؤلَّفات التدريسية التي ظهرت في أواسط القرن الرابع عشر الهجري في رحاب جامعة الأزهر وهي المذكرة التي أعدّها الشيخ محمود أبو دقيقة (ت: 1359هـ) بعنوان: (مذكرة علوم القرآن)، وعلّل ذلك بأن هذه المذكرة أول الكتابات في علوم القرآن التي اعتنت بالكلام على الصنيع الجمعي لعلوم القرآن باعتباره علمًا، وصاغ لهذا العلم تعريفًا، وتكلّم بإيجاز عن ظهور اصطلاحه وتاريخ الكتابة فيه ومراحلها.
وأمّا عن الكتابات التي يرتد إليها إشاعة علم علوم القرآن في الوسط العلمي فقد رجّح الباحث أنّ كتاب (مناهل العرفان) للزرقاني (ت: 1367هـ) هو العامل الأكثر تأثيرًا في ذلك، وقد بَيَّن الباحثُ أنّ هذا الكتاب وقعت به الحفاوة جدًّا لدى ظهوره وجرى طبعه أكثر من مرّة وترجم للعديد من اللغات الشرقية في حياة مؤلِّفه، واعتمد تدريسه في عدد من الأوساط العلمية.
- المحور الثالث: علم علوم القرآن؛ ملحوظات عامة:
ختم الباحثُ تقويمه لعلم علوم القرآن بهذا المحور، فقام بتسجيل سبع ملحوظات كلية حول علم علوم القرآن والتعامل معه، نشير هنا إليها باختصار:
1- خطأ التلقّي المعاصر لمؤلَّفات الإيراد الجمعي.
2- قلّة الدراسات التاريخية التحليلية لتشكّلات علم علوم القرآن.
3- أهمية قيام دراسات في البحث في بدايات ظهور قضية علوم القرآن، وتحويلِ صنيع مؤلّفات التأليف الجمعي لحقلٍ علمي.
4- وجود فجوة كبيرة بين واقع علم علوم القرآن من حيث هو وبين حالة الاشتغال المعرفي المعاصر به، وضرورة النظر التجريدي للعلوم وتقويمها ومساءلتها منهجيًّا.
5- معاناة الاشتغال البحثي المعاصر في علم علوم القرآن من ضعفٍ منهجي، وذيوع المتابعة والتقليد مع عدم عنايةٍ بالنقد والتحرير.
6- ضرورة التخلي عن فنّ علوم القرآن من الساحة القرآنية لعدم نجاعة أيّ حلول أخرى بسبب تجذّر إشكالاته وكثرتها.
7- يرى الباحثُ أنّ عدم وجود علم علوم القرآن في الساحة القرآنية له العديد من المزايا خلافًا لِمَا قد يُـتصوَّر؛ ففضلًا عن أنه يحرّر الساحة القرآنية من علْمٍ مُشكِلٍ مضطربٍ في مختلف مناحيه، فإنه يعِين على النظر للساحة القرآنية نفسِها وتدبّر إشكالاتها وتوليد الحلول للتعامل معها وتنظيمها بطريقة منهجية منضبطة.
وأخيرًا جاءت خاتمة الدراسة التي أشار فيها المؤلِّف لأبرز النتائج.
الدراسة الثانية: بناء علوم القرآن؛ قراءة تقويمية للمنجز، مع طرح مقاربة منهجية لبناء علوم القرآن:
جاءت هذه الدراسة في (191) صفحة، استهلّها المؤلِّف بمدخل اعتنى فيه ببيان أهمية الدراسة وإشكاليتها وأهدافها وعرض الدراسات السابقة، وبيان حدود الدراسة وصعوباتها ومخططها.
- إشكالية الدراسة، وأهدافها، وحدودها:
انطلق الباحثُ في هذه الدراسة من فكرة رئيسة، وهي اكتظاظ الساحة القرآنية بالعديد من الإشكالات التي من أبرزها سيطرة مسارات البحث الجزئي عليها وعدم انتظامها في جملة علوم وقضايا قرآنية كلية محدّدة، وكذا خلوّ ساحة البحث القرآني من تأصيلات مهمّة كطرح مقاربات نظرية لكيفيات البناء المنهجي للعلوم القرآنية ومسالك تحويلها علوم.
وقد أدّى هذا المنطلق بالباحث إلى إثارة تساؤلات تمحورت الدراسة حولها، وهي:
- واقع محاولات إقامة علوم القرآن قديمًا وحديثًا، وأسباب عدم قدرة هذه المحاولات على بناء العلوم القرآنية بصورة منضبطة.
- كيفية بناء علوم القرآن بطريقة منهجية صحيحة.
وتهدف الدراسة بصورة رئيسة -كما بيّن الباحث- إلى تحقيق ما يأتي:
1- تقويم المنجز في بناء علوم القرآن قديمًا وحديثًا، وبيان علّة عدم قدرته على بناء هذه العلوم بصورة معيارية منضبطة.
2- إثراء ساحة بناء علوم القرآن بطرح مقاربة لبناء هذه العلوم بصورة منهجية عملية.
3- إثراء مسالك النظر لضبط ساحة البحث القرآني والنهوض بها بطرح مقاربة منهجية تجتهد في حلِّ أحدِ أبرزِ إشكالاتها، وإعادة رسم ملامح هذه الساحة وَفق نسق جديد أرشد في الارتقاء بها.
4- إثراء ساحة مناقشة العلوم وتجديدها بطرح مقاربة منهجية تفيد في إثراء هذا النقاش ودفعه للأمام.
وأمّا عن حدود الدراسة، فقد رامت الدراسة تقويم الجانب المنهجي والتأسيسي للمحاولات التي ظهر اشتغالها ببناء العلوم القرآنية وانتصابها لهذا الهدف، دون الولوج إلى تفاصيل تلك الكتابات ومضامينها إلا بالقدر الذي تفرضه طبيعة البحث.
وأمّا مخطط الدراسة، فقد جاءت هذه الدراسة في فصلين يسبقهما تمهيد ويقفوهما خاتمة؛ أمّا التمهيد فتحدّث فيه المؤلِّف عن إشكال هيمنة القضايا القرآنية الجزئية على ساحة البحث القرآني.
جاء الفصل الأول بعنوان: بناء علوم القرآن قديمًا وحديثًا؛ نقد وتقويم، وفيه تمهيد ومبحثان:
تحدّث الباحثُ في التمهيد عن: محاولات بناء علوم القرآن؛ الأوعية ومعيار التقويم.
وتناول في المبحث الأول: منجز الدرس التراثي لبناء علوم القرآن؛ نقد وتقويم، من خلال مطلبين:
المطلب الأول: منجز الدرس التراثي لبناء علوم القرآن؛ عرض وبيان.
المطلب الثاني: منجز الدرس التراثي لبناء علوم القرآن؛ مناقشة وتقويم.
وتناول الباحث في المبحث الثاني: منجز الدرس المعاصر لبناء علوم القرآن؛ نقد وتقويم، من خلال مطلبين:
المطلب الأول: منجز الدرس المعاصر لبناء علوم القرآن؛ عرض وبيان.
المطلب الثاني: منجز الدرس المعاصر لبناء علوم القرآن؛ مناقشة وتقويم.
وجاء الفصل الثاني بعنوان: بناء علوم القرآن؛ مقاربة مقترحة، وفيه تمهيد ومبحثان: المبحث الأول: بناء علوم القرآن؛ خطواته وكيفياته. المبحث الثاني: بناء علوم القرآن؛ مقاربة تطبيقية. وأمّا الخاتمة فخصّصت لنتائج الدراسة وأهم التوصيات.
أبرز قضايا الدراسة:
التمهيد: محاولات بناء علوم القرآن قديمًا وحديثًا؛ المحاولات وكيفيات تقويمها:
أشار الباحثُ بإيجاز إلى أبرز المحاولات التراثية والمعاصرة في بناء علوم القرآن، ثم بَيَّن الباحثُ معيار التقويم الذي سينظر من خلاله لهذه المحاولات، وهو: مدى قدرة هذه المحاولات وكفاءتها في ضبط القضايا القرآنية الكلية وتحويلها لعلوم، وشرح هذا المعيار وبَيّن وجه كفاءته في تقويم محاولات بناء علوم القرآن.
الفصل الأول: (محاولات بناء علوم القرآن قديمًا وحديثًا؛ نقد وتقويم):
اشتمل هذا الفصل على مبحثين؛ المبحث الأول: منجز الدرس التراثي لبناء علوم القرآن؛ نقد وتقويم، من خلال مطلبين:
- المطلب الأول: منجز الدرس التراثي لبناء علوم القرآن؛ عرض وبيان:
ذكر الباحثُ أن المعالجة التراثية لبناء علوم القرآن قد تبلورت في مؤلفات الإيراد الجمعي، وأنها برزت في أربعة مؤلَّفات، وهي: (فنون الأفنان في عيون علوم القرآن) لابن الجوزي (597هـ)، و(البرهان في علوم القرآن) للزركشي (794هـ)، و(مواقع العلوم في مواقع النجوم) للبلقيني (824هـ)، و(الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي (911هـ).
وهذه المؤلفات الأربعة -كما ذكر الباحث- لم تنصّ على منهجها في بناء علوم القرآن، ومن خلال تأمّل الباحث في واقعها لاستكناه منهجيتها في بناء علوم القرآن رأى أنها تتمثّل في إقامة القضايا القرآنية الجزئية واعتبارها علومًا، وقد ذكر الباحثُ أن هذه المنهجية تظهر من خلال أمور كثيرة، أبرزها ما يأتي:
الأول: الصنيع الذي قامت به المؤلَّفات تطبيقيًّا: وذلك لصدور المؤلّفات عن فكرة الإيراد الجمعي لأنواع العلوم القرآنية، وتقديم مادة نظرية مختصرة حول كلّ نوع منها تعرِّف به وتبصِّر به من عدة نواحٍ.
الثاني: طبيعة أنواع علوم القرآن التي أوردتها المؤلَّفات: فقد أوردت المؤلَّفات جملة كبيرة من أنواع العلوم القرآنية التي تعتبر مسارات بحث جزئي لا غير -كما يرى الباحث-.
الثالث: عدد أنواع العلوم القرآنية في التآليف: فقد تبلورت هذه الأنواع عند الزركشي في (47) نوعًا، وعند البلقيني (52) نوعًا، وعند السيوطي (80) نوعًا.
الرابع: معيار اعتبار العلم القرآني في التآليف: بيَّن الباحثُ أنّ معيار اعتبار العلم القرآني في المؤلّفات يرتدّ لمجرد صلاحية العلم للإفراد بالتصنيف، والقضايا الجزئية هي التي تحمل فكرة متمايزة يمكن أن تفرد بالتصنيف -كما يرى الباحث-.
الخامس: حديث المؤلّفات عن رغبتها في إقامة ساحة البحث القرآني على وزان ساحة علم الحديث: وهذه رغبة صرحت بها كافة المؤلّفات في مقدماتها، وقد درجت بعض الكتابات في مجال الحديث على ذكر جملة من أنواع علوم الحديث وهي -فيما يرى الباحث- قضايا جزئية تدور حول الحديث النبوي وما يتعلّق به من مسائل؛ كمعرفة صحيح الحديث وضعيفه وحسنه ومعرفة المسند والمتصل والتدليس وغير ذلك.
ويرى الباحثُ أن واقع المؤلّفات حافل بدلائل أخرى كثيرة تدلّ على ما قرّره في منهجيته من إقامة القضايا القرآنية الجزئية واعتبارها علومًا، ومن ذلك:
1- حديث المؤلّفات عن العلوم بوصفها أنواعًا.
2- حديث المؤلّفات في مقدماتها من أنها كانت أمام غاية معيّنة، وأنّ كلّ مؤلّف رأى أنه نهَض بهذه الغاية.
3- محاولة المعاصرين تصنيف الأنواع التي أوردتها المؤلّفات تحت أزمّة كلية.
- المطلب الثاني: المنجز التراثي في بناء علوم القرآن؛ نقد وتقويم:
ذكر المؤلّف أن طريقة المؤلّفات في بناء علوم القرآن عبر ضبط قضايا البحث القرآن الجزئي واعتبارها علومًا هي طريقة خاطئة في ذاتها وأنها تخالف فكرة إقامة العلوم وتأسيسها، فالعلم -في نظر الباحث- لا يكون عِلْمًا إلا بحيازته قضية علمية كلية، وقد بَيَّن الباحث الانعكاسات السلبية لطريقة المؤلّفات من ثلاث جهات:
الجهة الأولى: طريقة المؤلَّفات في بناء علوم القرآن وانعكاساتها السلبية على المؤلفات: ذكر الباحثُ أنّ بناء المؤلّفات لعلوم القرآن من خلال إقامة قضايا البحث الجزئي وتحويلها لعلوم قد أورث المؤلَّفات عددًا من الإشكالات؛ أهمها: ضعف المؤلفات في خدمة التقريب للعلوم القرآنية، ومن مظاهر هذا الضعف -كما يرى الباحث- ما يأتي:
1- عدم انتظام المادة المعلوماتية التي توردها المؤلَّفات عن القضايا في عناصر محددة.
2- عدم نظم المؤلَّفات لمادتها التعليمية في مستوى درسي محدد.
3- اعتماد المؤلَّفات على التلخيص وجمع المعلومات من الكتب الخاصة بالقضايا.
4- عدم طرح المؤلَّفات لمادة درسية خاصة بالقضايا والعلوم التي أضافتها.
5- عدم تحرير المؤلفات -غالبًا- للآراء المختلفة في القضايا التي توردها.
الجهة الثانية: طريقة المؤلَّفات في بناء علوم القرآن وانعكاساتها السلبية على علوم القرآن: ذكر الباحثُ أنّ توجّه المؤلَّفات في بناء علوم القرآن من خلال ضبط القضايا القرآنية والجزئية وتحويل هذه القضايا لعلوم؛ أصابَ العلوم في هذه المؤلّفات ببعض الآفات المركزية؛ أبرزها اثنتان وهما:
1- عدم انضباط مفهوم العلم القرآني وَفق الشرط المنهجي للعلم.
2- ذوقية إقامة العلم القرآني وصعوبة البتّ في الخلاف فيه.
الجهة الثالثة: طريقة المؤلَّفات في بناء علوم القرآن وانعكاساتها السلبية على الساحة القرآنية: ذكر الباحثُ أنه في ظلّ تحويل المؤلَّفات قضايا البحث القرآني الجزئي لعلوم؛ فقد أورثت المؤلفات بصنيعها هذا ساحةَ البحث القرآني عددًا من الآفات؛ أبرزها خمس وهي:
1- تكريس هيمنة القضايا الجزئية على الساحة القرآنية.
2- جَعْل الساحة القرآنية بالغة الاتساع وبلا ملامح واضحة.
3- ذوقية إدخال العلوم وإخراجها في الساحة القرآنية وتعذّر البتّ في الخلاف الحاصل فيها.
4- ضعف حضور العلوم التقنينية للقضايا القرآنية.
5- عدم انضباط الساحة القرآنية على وزان الساحة الحديثية.
وبعد أن بيَّن الباحثُ الانعكاسات السلبية لطريقة المؤلّفات في بناء علوم القرآن عبر قضايا البحث الجزئي ذكر ستة تنبيهات تتعلّق بهذا الموضوع، خلاصتها كما يأتي:
1- يرى الباحثُ أن سبب انصراف المؤلّفات عن ضبط القضايا القرآنية الكلية يكمن في نظرتها للعلم وطبيعة إشكالات ساحة البحث القرآني والحلول اللازمة لضبطها وتنظيمها، فالمؤلّفات رأت أن القضايا الجزئية يمكن أن تكون علمًا، كما انطلقت المؤلّفات من التسليم بحضور حالة البحث الجزئي للقضايا القرآنية دون أن تراها بحاجة إلى معالجة أصلًا، ولم يكن لديها إشكال سوى في شتات القضايا القرآنية وحاجتها إلى جمع وترتيب.
2- يرى الباحثُ أن الطريقة التي نهجتها التآليف في إقامة العلوم القرآنية وإن لم تكن مفيدة في ضبط القضايا القرآنية الكلية وتحويلها لعلوم، إلا أن جمعها الموسوعي يعين على تأمّل قدر مركزي من الممارسات المعرفية التطبيقية لهذه الجزئيات.
3- يرى الباحثُ أن النتيجة التي قرّرها من الغلط الجذري لطريقة المؤلّفات في بناء علوم القرآن لا يمنع من قيام بحوث تهتم بتتبع الطريقة التي نهجتها المؤلفات ومختلف جهات التأثير التي أسهمت في بلورتها.
4- يرى الباحثُ أن ما يظهر في بعض التآليف والآثار المتقدّمة من حضور وصف العلمية وخلعه على القضايا القرآنية الجزئية هو أمر يرِد من قَبِيل التسامح في إطلاق العِلمية ولا يظهر فيه النزع لإقامة العلوم القرآنية على النحو الذي برز مع المؤلَّفات.
5- ذَكَر الباحثُ أن (التيسير في قواعد علم التفسير) للكافيجي (ت: 879هـ) و(التحبير في علوم التفسير) للسيوطي (ت: 911هـ) قد ظهرَ اعتناؤهما في التراث -بحسَب الباحث- بطرح تصوّر تطبيقي لقضايا علم أصول التفسير، وقد قرّر الباحثُ أن تأسيسهما لعلم أصول التفسير لا يفيد في ضبط القضايا القرآنية الكلية وتحويلها لعلوم، ولا يمكن الاعتماد عليه كنسق منهجي قادر على ضبط ساحة البحث القرآني وتحريرها من هيمنة مسارات البحث الجزئي عليها[15].
6- أشار الباحثُ إلى محاولة البلقيني لتصنيف وتقسيم أنواع علوم القرآن، وذكر أن تصنيفه عبارة عن مجرّد سبك للفكرة الموضوعية للأنواع وليس ميزًا للقضايا القرآنية الكلية ولا تحريرًا للممارسات المعرفية الخاصّة بالقرآن.
- المبحث الثاني: منجز الواقع المعاصر في بناء علوم القرآن؛ عرض وتقويم: اشتمل هذا المبحث على مطلبين:
- المطلب الأول: تصنيف القضايا القرآنية الجزئية؛ عرض وبيان:
يرى الباحثُ أن الجهود المعاصرة في بناء علوم القرآن تبرز في محاولات تصنيف القضايا القرآنية الجزئية ووضعها تحت أزمّة كلية، وقد التزم الباحثُ في نظره لهذه المحاولات بالتركيز على الطرائق المنهجية المسلوكة في التصنيف، واقتصر في النظر على المحاولات التي تصدّت عمليًّا لتصنيف كتلة القضايا القرآنية الجزئية بتمامها أو من خلال أحد المصنفات المركزية في إيرادها.
وبحسَب تأمّل الباحث فقد بَيَّن أن جُلّ المحاولات التي رامت تصنيف القضايا القرآنية إلى قضايا كلية لم تذكر المنهجية المتبعة في التصنيف وكيفيات الضبط الحاصل لها من خلال القضايا الكلية؛ نحو تصنيف: مساعد الطيار، ورياض الحكيم، وفضل الهادي وزين، وحسن حنفي، وفريدة زمرد.
ويرى الباحثُ أن محاولات التصنيف تقوم إجمالًا في ضبط القضايا القرآنية الكلية على مسلكين رئيسين:
المسلك الأول: ضبط الموضوعات التي ترتدّ إليها جملة قضايا قرآنية جزئية، ومن أمثلته تصنيفات كلّ من: الدكتور/ رياض الحكيم، والدكتور/ مساعد الطيار، ومعهد الشاطبي، والدكتورة/ فريدة زمرد، وفضل الهادي، وحسن حنفي.
ويرى الباحثُ أنّ هذا المسلك له حضور كبير جدًّا في التعامل مع تصنيف كتلة القضايا القرآنية الجزئية، ومن أمثلة مَن سلكوه خارج سياق التأليف والكتابة البحثية من خلال بعض الدروس والمحاضرات: الدكتور/ محمد جابر القحطاني، والشيخ/ مصطفى البحياوي، والدكتور/ عبد الرحمن الشهري.
المسلك الثاني: ضبط الوظائف الرئيسة للقضايا القرآنية الجزئية، ومن أمثلته تصنيف كلّ من: الدكتور/ عبد الرحمن أبو درع، والدكتور/ نصر الدين وهابي، والدكتور/ نبيل صابري.
- المطلب الثاني: تصنيف القضايا القرآنية الجزئية؛ مناقشة وتقويم:
بيَّن الباحثُ أن الطريقتين المسلوكتين لتصنيف القضايا القرآنية -تبعًا للموضوعات التي ترتدّ إليها، أو تبعًا للوظائف الرئيسة للقضايا الجزئية- لا تعملان منهجيًّا على بناء القضايا القرآنية الكلية وتحويل هذه القضايا لعلوم؛ ولذا فإنّ هذه المحاولات -كما يرى الباحث- لا تفيد شيئًا على الحقيقة في ضبط الساحة القرآنية وتحريرها من هيمنة مسارات البحث الجزئي، كما أنها لا تقوم على أُسس منهجية ومعايير منضبطة وإنما يعتورها إشكالات جذرية تعوقها عن تحقيق ما رامت إليه.
فيرى الباحثُ أن المسلك الأول -الذي تصنّف فيه القضايا تبعًا للموضوعات التي ترتدّ إليها- تختلف فيه وجهات النظر كثيرًا ويتعذّر معه بناء معيار لميز القضايا الكبرى تطبيقيًّا والبتّ فيما يكون منها قضية كلية وما ليس قضية كلية، وكذلك المسلك الثاني -الذي تصنّف فيه القضايا تبعًا للوظائف الرئيسة للقضايا الجزئية- تختلف فيه وجهات النظر كثيرًا ويتعذّر البتّ فيما يعدّ منه قضية كلية وما ليس كذلك.
الفصل الثاني: (بناء علوم القرآن؛ مقاربة منهجية مقترحة):
اشتمل هذا الفصل على تمهيد ومبحثين؛ أشار الباحثُ في التمهيد إلى ما حرّره فيما مضى من أنّ بناء علوم القرآن بصورة صحيحة يحتاج لضبط القضايا القرآنية الكلية وتحويلها لعلوم، وبَيَّن أن هذا الحل له مزايا عديدة ومهمّة، منها ما يأتي:
1- إنتاج معرفة ومناهج خاصّة بالقضايا القرآنية.
2- بروز القضايا العلمية الكبرى التي يرتدّ إليها زمام البحث حول القرآن واشتداد البحث في هذه القضايا.
3- تثوير حالة النقد والتقويم لواقع البحث القرآني القائم.
4- فتح آفاق معرفية هائلة في ساحات البحث حول القرآن.
- المبحث الأول: بناء علوم القرآن؛ خطواته وكيفياته:
ذكر الباحثُ في هذا المبحث المعاقد المركزية لضبط القضايا الكلية الخاصة بالقرآن الكريم وتحويل هذه القضايا لعلوم، وقد صرّح الباحثُ بفرادته في بيان هذه المعاقد والخطوات؛ حيث لم يقف على مَن نبّه عليها قبله -حسَب قوله- ولذا حاول تعزيز ذلك بالتأصيل لِما يذكره.
وتتلخّص الخطوات التي أوردها الباحثُ في معالجة هذا الموضوع في أربع خطوات، كما يأتي:
- الخطوة الأولى: القضايا القرآنية الكلية؛ كيفيات ضبط القضايا وتحريرها:
بَيَّن الباحثُ أن المعيار المنهجي لضبط القضايا القرآنية الكلية هو امتلاك القضية واقعيًّا لممارسة تطبيقية قابلة لدوام ومتابعة الإنتاج فيها، ولتحقيق هذا المعيار يستلزم الأمر الرجوع والنظر في القضايا القرآنية الجزئية القائمة وتطبيقاتها حول القرآن الكريم، ومن ثم لحظ ما يشتمل منها على ممارسة تطبيقية تقوم على خدمتها وتقبل تلك الممارسة لمتابعة الإنتاج فيها، فهذا النوع من الممارسة هو ما يمكن نصبه علمًا في نظر الباحث.
ويرى الباحثُ أن إقامة القضايا القرآنية الكلية بناءً على هذا المعيار المذكور؛ له العديد من المزايا الكبيرة في التعامل مع الحالة البحثية الخاصّة بالقرآن الكريم، منها ما يأتي:
1- ضبط تفريع العلوم القرآنية وضبط اتساعها.
2- تهذيب ساحة البحث القرآني من الدخيل عليها.
3- بناء ملامح منهجية للعلوم القرآنية.
4- إمكان بناء قواعد معلومات منضبطة للدراسات القرآنية.
- الخطوة الثانية: القضايا القرآنية الكلية؛ تصنيف القضايا وأنماطها:
يرى الباحثُ أن المعيار الأوفق لتقسيم العلوم يكون بالنظر لطبيعة الخدمة التي يقدّمها العلم للممارسة التي يقوم عليها، وبناء على ذلك فوجوه الخدمة التي تضمن حفظ الممارسات المعرفية وتضمن استمرار دفقها وصيانة حركة الإنتاج فيها -كما يرى الباحث- ترتد إلى نمطين رئيسين؛ النمط الأول: تقنين مزاولة الممارسة والتقعيد لكيفيات القيام بها على نحو صحيح. النمط الثاني: صناعة الوعي بالواقع التطبيقي القائم للممارسة.
وفي ضوء هذا المعيار وما انبنى عليه مِن نمطي وجوه خدمة الممارسات المعرفية يرى الباحثُ إمكان قسمة القضايا الكلية للعلوم القرآنية إلى قسمين رئيسين؛ القسم الأول: علوم تقوم قضيتها الكلية على خدمة صناعة الوعي بالواقع القائم للممارسات. القسم الثاني: علوم تقوم قضيتها الكلية على خدمة التقنين النظري لكيفيات مزاولة الممارسة.
وهذا التقسيم والتصنيف يفيد -بحسب الباحث- في درك أمور كثيرة؛ منها ما يأتي:
1- أن يكون لهذه العلوم نسق منهجي في طريقة بنائها ويمكن من خلاله ضبط عملية تفريع المحاور بداخل كلّ علم منها على نحو صارم، والفصل منهجيًّا في الخلاف الحاصل في حركة التفريع داخل كلّ علم وبيان ما يستحق أن يلج العلم من مسائل وما لا يستحقّ.
2- ارتباط قضايا العلوم بخدمة ممارسات تطبيقية يجعل ساحة التفريع بداخلها منظمة ويمكن ضبطها بعدد معين من المحاور الكبرى يمكن تأمله في ضوء كيفيات تحقيق الخدمة، وهو ما يعين على ضبط مسار البحث في العلم في دوائر منضبطة وعدم تشتته، كما أنه يفيد كثيرًا في تصور ضبط العلم ومبادئه وعدم وقوع الغلط في ذلك.
3- أن يكون لدينا معيار من داخل بنية العلم نستطيع من خلاله تقويم حركة الاشتغال الحاصلة في ساحة العلم والحكم عليها ومعرفة ما لها وما عليها وتبيّن إشكالاتها ومسالك تطويرها.
4- يكون لكلّ ممارسة تطبيقية عِلمان يختصّان بخدمتها؛ فيعمل أحدهما على البحث في تقنين مزاولتها، والآخر في صناعة الوعي بواقعها التطبيقي؛ وهذا يعين على ترتيب النسق البحثي وتناغمه في العلوم وأن يكون لكلّ عِلْم إطار اشتغال خاصّ يتناسب مع طبيعته، وبذلك تتجاوز العلوم القرآنية إشكال وقوع عدم تساوق الاشتغال في ساحاتها وضعف انسجامه لجمعه بين مقصدي التقنين للممارسة وصناعة الوعي بواقعها القائم.
- الخطوة الثالثة: القضايا القرآنية الكلية؛ ضبط مبادئ القضية ومحاور دراستها:
أشار الباحثُ إلى أهمية ضبط المبادئ الرئيسة للعلم من أجل اتضاح دائرة اشتغال العلم وعدم وقوع الغلط في تصوّرها، وكذلك ضبط محاور الاشتغال الرئيسة للعلم؛ تلافيًا لتشوّش ذلك في الحركة البحثية داخل العلم وما قد تعرض له من آفات، وذلك كلّه حسب نمط الخدمة التي تؤدّيها القضية الكلية للممارسة المعرفية، وقد بَيَّن الباحثُ ذلك كما يأتي:
أولًا: ضبط المبادئ الرئيسة للعلوم:
1- العلوم التي تعتني بتقنين مزاولة الممارسات:
- مفهوم العلم: يجب أن يقوم رأسًا على البحث في مرتكزات الممارسة وموارد إنتاجها وكيفيات استفادة الممارسة من هذه الموارد وصناعة ملَكة الممارسة ومسلك اكتسابها.
- موضوع العلم: هو الممارسة ذاتها؛ ضبطًا لمرتكزاتها وتحريرًا لمواردها وكيفيات استفادتها من هذه الموارد وتحديدًا لمسلك اكتسابها.
- غاية العلم: هو تقنين مزاولة الممارسة.
2- العلوم التي تعتني بصناعة الوعي بالواقع التطبيقي القائم للممارسات:
- مفهوم العلم: يجب أن يقوم على صناعة الوعي بالواقع التطبيقي للممارسة وتيسير الإحاطة به، وذلك من خلال طَرْق مناحٍ متنوّعة لها صِلَة رئيسة بالممارسة.
- موضوع العلم: هو الواقع التطبيقي للممارسة وما يتعلّق به.
- غاية العلم: حسن الإحاطة بالواقع القائم للممارسة وفهمه، وصناعة الوعي بقضاياه.
ثانيًا: محاور الاشتغال الكبرى في العلوم:
بَيَّن الباحثُ أن بناء محاور الاشتغال الكبرى التي يجب أن يُعقد عليها الحديث في القضية الكلية للعلم ترتدّ أصالةً لقضية العلم ومقدار إفادتها في خدمتها، وكذا قدرة هذه المحاور على طَرْح مرتكزات كلية يتبلور من خلالها تفريع نسق اشتغال بحثي له امتداد، ويتحقّق بها تكاملية في النهوض بقضية الفنّ وتحقيق مقصده العام.
أولًا: محاور الاشتغال في العلوم التي تعتني بتقنين مزاولة الممارسات وتحصيلها:
بيَّن الباحثُ أن محاور الاشتغال في العلوم التي تعتني بتقنين مزاولة الممارسات وتحصيلها يمكن أن تكون كما يأتي:
المحور الأول: ضبط مرتكزات الممارسة: وذلك بضبط مفهوم الممارسة التي سيتم التقعيد لها في الفنّ وكذا مفهوم الممارس لها.
المحور الثاني: ضبط موارد الممارسة وكيفيات تحصيل التفسير منها: تحديد موارد إنتاج الممارسة والتأصيل لكيفيات استفادة الممارسة من هذه الموارد.
المحور الثالث: ضبط ملكة الممارسة: تحديد ملامح ملكة الممارسة وكيفيات اكتسابها.
ثانيًا: محاور الاشتغال في العلوم التي تعتني بصناعة الوعي بالواقع التطبيقي القائم للممارسات:
بيَّن الباحثُ أن محاور الاشتغال في العلوم التي تعتني بصناعة الوعي بالواقع التطبيقي القائم للممارسات يمكن أن تكون كما يأتي:
أولًا: تاريخ الممارسة: دراسة محطات تشكُّل الممارسة وقضاياها عبر الزمن.
ثانيًا: مؤلّفات الممارسة: خدمة مؤلَّفات الممارسة والقيام بتصنيفها والموازنة بينها... إلخ.
ثالثًا: ثمرة الممارسة: خدمة الأقوال والمضامين المنتجة جمعًا وتبويبًا وترتيبًا وتنظيمًا... إلخ.
رابعًا: مدارس الممارسين وقواعدهم ومناهجهم وأسباب اختلافهم في الممارسة: بيان أصول الممارسة الخاصة بالمشتغلين تطبيقيًّا بالممارسة والقواعد الضابطة لتلكم الممارسة عندهم، وبيان مكونات مناهج الممارسة لديهم، وأسباب اختلافهم في هذه الممارسة.
خامسًا: رجال الممارسة: معرفة تراجم المصنّفين في الممارسة وبيان رتبهم وطبقاتهم العلمية.
- الخطوة الرابعة: القضايا القرآنية الكلية؛ بناء المقرّرات التعليمية للقضايا:
يرى الباحثُ أن بناء مقرّرات القضية القرآنية الكلية يكون من خلال حركة الاشتغال الحاصلة في محاور البحث في هذه القضية وتقديم مادة معلوماتية درسية للعلم من خلالها، وأمّا بعض المحاور التي لا يوجد فيها مادة بحثية فإنها تحتاج لإنشاء مادة علمية أولية تعمل على التصوير العام لقضية المحور نفسها فيها، بحيث يتم الإفادة منها في بناء المقرّر، ومع نموّ حركة الاشتغال العلمي في المحاور تلاحق المقرّرات هذا النمو وتدمجه في طياتها.
وقد بَيَّن الباحثُ أن بناء المقرّرات التعليمية حسب مستويات الدارسين معتمدة على تلك المحاور يفيد في أمور كثيرة، منها ما يأتي:
1- التعبير عن الصورة الكلية للعلم.
2- تحقيق الوعي بالعلم بصورة مختصرة.
3- بناء المهارات البحثية لدارسي العلوم.
4- يُسر بناء المستويات التعليمية في العلم بصورة متدرجة.
5- تدريس كيفيات التعامل مع الثمرة العلمية للممارسات المعرفية.
6- بيان أولويات مسارات الاشتغال في العلم من حيث أهميتها ووزنها النوعي في معالجة القضية الخاصة بالعلم.
7- تثوير الاشتغال بإعداد المقرّر التعليمي وربط بنائه وبناء مستوياته بامتلاك فلسفة ورؤية منهجية أولًا تجاه العلم وخبرة معمقة بواقعه البحثي والتطبيقي... إلخ.
8- أن يكون لوضع المقرّرات معيار معرفي مركزي يرتدّ إليه.
- المبحث الثاني: بناء علوم القرآن؛ مقاربة تطبيقية:
قدّم الباحثُ في هذا المبحث نموذجًا عمليًّا تطبيقيًّا لِما نظَّر له في المبحث السابق لتقرير رؤيته في أنّ السبيل الناجع لبناء علوم القرآن والنهوض بالساحة القرآنية هو ضبط العلوم القرآنية الكلية وتحويلها لعلوم.
وقد اختار الباحث (الممارسة التفسيرية) للحديث عنها في هذا التطبيق، من خلال مطلبين:
- المطلب الأول: الممارسة التفسيرية؛ ضبط الممارسة والعلوم الخادمة لها:
ذكر الباحثُ أن الممارسة التفسيرية من أبرز وأظهر الممارسات المعرفية المتصلة بكتاب الله تعالى، وعلى الرغم من ذلك فقد حفلت باختلافات عديدة وتباينات جذرية؛ ولذا قام الباحثُ بمعالجة واقع هذه الممارسة أولًا، ثم طرح تأصيلًا حول طبيعتها، وبعد ذلك عمل على إقامة العلوم الخادمة لها، وذلك كما يأتي.
أولًا: الممارسة التفسيرية؛ نظرات في الواقع التطبيقي:
ذكر الباحثُ أن الواقع التطبيقي للممارسة التفسيرية يشوبه إشكال مركزي وهو عدم انضباط قضية الممارسة التفسيرية، واستدلّ على ذلك بأربعة أمور؛ الأول: تباين مادة التفسير في كتب التفسير. الثاني: تباين مفهوم التفسير. الثالث: مصطلح التفسير وعدم دلالاته على معنى محدّد. الرابع: النظر في مراحل التفسير عبر التاريخ.
ثانيًا: قضية الممارسة التفسيرية؛ ضبط وتحرير:
ضبط الباحثُ قضية الممارسة التفسيرية بتبيين المعنى لا غير، وذلك رعاية لأمور وهي: الأول: النظر في المحتوى التفسيري ومركزياته. الثاني: تاريخ الممارسة التفسيرية نفسه. الثالث: واقع تطبيقات الأجيال الأُولى من الممارسين للتفسير.
وبخصوص الخلاف في طبيعة المعنى التفسيري وهل هو المعنى المراد/ السياقي أو المعنى اللغوي أو المعنى الإشاري، فقد رجح الباحث أن المعنى المراد/ السياقي هو الخليق بالممارسة التفسيرية، وعليه رأى الباحثُ أن الممارسة التفسيرية -في ضوء ربطها بالمعنى المراد- هي ممارسة تأويلية، وهكذا يجب أن تكون؛ لدلالة اصطلاح التأويل على فعل الممارسة.
ثالثًا: العلوم الخادمة للممارسة التأويلية:
أقام الباحثُ عِلْمَين خادمَين لهذه الممارسة؛ الأول متعلّق بتقنين مزاولة الفعل التأويلي (علم أصول التأويل)، والآخر مرتبط بتحقيق الوعي بالواقع القائم للممارسة التأويلية (علم التأويل). وبيان هذين العلمين ومبادئهما ومحاور الاشتغال في كلّ منهما كما يأتي -حسب رؤية الباحث-:
أولًا: علم التأويل؛ المبادئ والمحاور:
ذكر الباحثُ أن قضية هذا العلم تقوم على صناعة الوعي بالممارسة التأويلية الحاصلة للقرآن الكريم من خلال مجموعة من محاور البحث؛ كالنظر في تاريخ هذه الممارسة ومصنفاتها ومناهج رجالها وغير ذلك، وبَيَّن أبرز مبادئ العلم ومحاور الاشتغال الخاصة به.
علم التأويل؛ أهم المبادئ:
- مفهوم العلم: علم التأويل هو معرفة واقع الممارسة التأويلية الحاصلة للقرآن الكريم.
موضوع علم التأويل: هو الممارسة التأويلية الحاصلة للقرآن الكريم ومتعلقاتها.
غاية علم التأويل: تحقيق الوعي بالممارسة التأويلية الحاصلة للقرآن وضبط مداخل دراستها وفهمها وتثوير النظر لقضاياها.
ثانيًا: محاور علم التأويل:
ذكر الباحثُ أنه في ضوء وجود ممارسة تأويلية تطبيقية للقرآن أنتجت عبر الزمن العديد من المعاني، فإنّ التكاملية في تحقيق الوعي بهذه الممارسة تترتب من خلال الإحاطة بعدة أمور؛ تشكِّل محاور علم التأويل، وهي:
أولًا: تاريخ التأويل: دراسة تاريخ التأويل وقضاياه عبر الزمن.
ثانيًا: مؤلفات التأويل: معرفة المؤلّفات والقيام بتصنيفها والموازنة بينها.
ثالثًا: المعاني: ضبط المعاني والتأويلات المنتَجة ودراستها.
رابعًا: مدارس المؤوّلين ومناهجهم وأسباب اختلافهم في التأويل: بيان المدارس التي انتظمت عمل المؤولين، وذكر مكونات المناهج الكبرى عندهم في مزاولة التأويل وممارسته، وأسباب اختلافهم في التأويل.
خامسًا: المؤولون: معرفة المؤولين وبيان طبقاتهم... إلخ.
ثانيًا: علم أصول التأويل؛ المبادئ والمحاور:
ذكر الباحثُ أن قضية هذا العلم تقوم على التقعيد للممارسة التأويلية الحاصلة للقرآن الكريم من خلال مجموعة من محاور البحث؛ كضبط قضية هذه الممارسة وبيان مواردها وغير ذلك، ثم بَيَّن أبرز مبادئه ومحاور الاشتغال الخاصة به:
أولًا: أهم مبادئ علم أصول التأويل:
- مفهوم العلم: يتعلّق علم أصول التأويل بضبط مرتكزات التأويل (تقرير المعنى المراد) وموارده وكيفيات توظيفها، واكتساب مَلَكة التأويل.
موضوع علم أصول التأويل: تقنين مزاولة الممارسة التأويلية الحاصلة للقرآن الكريم.
غاية علم أصول التأويل: ضمان حُسْنِ مزاولة تأويل كتاب الله تعالى، وحِفْظِها من الغلط والأهواء.
ثانيًا: محاور علم أصول التأويل:
المحور الأول: مرتكزات التأويل: وذلك بضبط قضية الممارسة التأويلية ومفهوم التأويل الذي سيتمّ التقعيد له، وكذلك مفهوم القائم به، وغير ذلك.
المحور الثاني: موارد التأويل وكيفيات تحصيل التأويل منها: تحديد موارد إنتاج التأويل والتأصيل لاستثمار هذه الموارد في إنتاج التأويل في حالتي الإفراد والتركيب.
المحور الثالث: ملَكة التأويل: تحديد ملامح ملَكة الممارسة التأويلية وكيفيات اكتسابها وصناعة القائم بها.
- المطلب الثاني: الممارسات المعرفية الخاصة بالقرآن الكريم؛ ضبط وتحرير:
ذكر الباحثُ في هذا المطلب حاصل نظره في الممارسات القرآنية التي يمكن نصبها علومًا قرآنية كلية حسبما تحرّر لديه من خلال هذا الطرح، وحاصل هذه الممارسات التي ذكرها عشر، وهي:
1- ممارسة بيان نَظْم القرآن الكريم.
2- ممارسة الاختيار[16].
3- ممارسة رسم المصحف.
4- ممارسة تجويد القرآن.
5- ممارسة تجزئة القرآن الكريم.
6- ممارسة عدّ آي القرآن.
7- ممارسة ضبط المصحف.
8- ممارسة ضبط مفاهيم القرآن.
9- ممارسة خطّ المصحف وكتابته.
10- ممارسة الوقف والابتداء.
وأمّا القضايا القرآنية التي تتصل بالقرآن الكريم من حيث هو كتاب ولا يمكن اعتبارها علومًا -بحسب الباحث-، فهي كما يأتي:
1- تاريخ القرآن: ويُدرس فيه ما يتصل بالوحي والنزول المنجّم للقرآن والأحرف السبعة، وجمع القرآن، وكيفيات نقل القرآن.
2- أسماء وفضائل القرآن: ويتعرّض فيه لأسماء القرآن وفضائله وفاضل القرآن ومفضوله.
3- المعرّب والإعجاز: ويدرس في الأَوّل قضية وقوع ألفاظ غير عربية في القرآن، وفي الثاني مسألة الإعجاز والأقوال الحاصلة فيها... إلخ.
وبعد حديث المؤلّف عن هذه الممارسات وذكره لمخطط العلوم القرآنية ككلّ في ضوء طرحه، أشار لعددٍ من الملحوظات؛ منها: أهمية دراسة الممارسات التي ذكر، وأنّ نقاش واقع الممارسات يجعل بناء علوم القرآن يكون عملًا تجديديًّا بحقّ؛ لكونه ليس قطعًا معرفيًّا مع الواقع القائم ولكنه ناتج عن مساجلة هذا الواقع وإعادة سبكه في نسق أفضل، وأنّ بناء علوم القرآن هو مشروع كبير يحتاج لجهد مؤسّسي كبير، وأن الرؤية التي قدّمها الكتاب في أمر العلم وتصنيف العلوم تبرز إشكالات عديدة في مباني علوم التراث، وأشار المؤلِّف بإيجاز لفائدة تفعيل هذه الرؤية في علوم التراث.
وأخيرًا جاءت خاتمة الدراسة التي أشار فيها المؤلِّف لأبرز النتائج.
القسم الثاني: كتاب (علوم القرآن نقد العلمية ومقاربة في البناء)؛ مناقشة وتقويم:
عرضنا في القسم الأول من المقالة أبرز القضايا التي احتوى عليها كتاب (علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء)، ويتضح مِن عرضِنا أن الكتاب يحوي بين دفتيه كثيرًا من المسائل المطروحة والقضايا الجديرة بالتأمّل والمناقشة.
إنني في البداية أثـمّن هذا الجهد الذي قام به الباحثُ، وأدعو المتخصّصين في الدراسات القرآنية خاصة، وفي غيرها عامة، إلى تأمّل طرح الكتاب بصورة علمية متجرّدة، فقد احتوى على نقاشات دقيقة ونظرٍ عميق، وطريقة في النقد أراها فاتحة منهجية جديدة لتطوير النقاش في العلوم.
وهذا التقييم لطرح الكتاب لم أقُلْه من تلقاء نفسي، وإنما أقوله بعد نظرٍ كافٍ في الكتاب، مع عنايتي زمنًا بالدراسات القرآنية، ووَفق العديد من التجارب التي تعنَّيت فيها معالجة بعض الجوانب المتعلقة بعلوم القرآن الكريم -كما سيأتي-، «وإذا كانت العلوم منحة إلهية، ومواهب اختصاصية؛ فغير مستبعدٍ أن يدَّخر لبعض المتأخِّرين ما عَسُر على كثيرٍ من المتقدِّمين، أعاذنا اللهُ من حسد يسدّ باب الإنصاف، ويصدّ عن جميل الأوصاف، وألهمَنا شكرًا يقتضي توالي الآلاء، ويقضي بانقضاء اللأواء»[17].
وسأذكر في هذا القسم من المقالة بعض النقاط الإجمالية العامة حول الكتاب دون الولوج إلى التفاصيل والدقائق.
1- أهمية فكرة الكتاب:
تنبع أهمية هذا الكتاب من أهمية الفكرة الأساسية التي قام عليها؛ فقد انتصب في إحدى دراستيه لتقويم علم علوم القرآن ذاته كعلم. وبرغم كثرة الكتابات فيه واعترافها بوجود إشكالات لكن لم تقصد إحدى الدراسات تقويم علم علوم القرآن ذاته كعلم -حسب اطلاعي-، وإنما جرَتْ محاولات في عصرنا الحاضر لتحرير بعض قضايا علوم القرآن وغير ذلك، مما لا يعدو أن يكون محاولات للتحرير داخل الإطار القائم للعلم دون التقويم الشامل للعلم.
ولا شك أن تقويم العلوم نفسها من الأهمية بمكان إذا قام على أُسس منهجية وعلمية، فهذه الطريقة هي القادرة على النظر الشمولي للعلم وملاحظة مشكلاته الكبرى، ومن ثم مناقشة أسباب تلك المشكلات وطرح الحلول التي من شأنها تطوير العلم ودفع عجلته إلى الأمام، ورفده بعوامل النهوض واستمرارية الإنتاج والعطاء.
إنّ العلوم لا تنهض ولا تتقدّم ولا تتجدّد بصورة حقيقية إلا بوجود مثل هذه الدراسات والاشتباك معها ومناقشتها، وإننا بحاجة إلى وجود مثل هذه الدراسات بكثرة وبخاصّة بعد مرور أزمنة طويلة على نشأة العلوم كما الشأن في زماننا.
2- صحة منطلقات الكتاب:
إنّ القبض على منطلقات الكتاب والنظر في هذه المنطلقات يجعل عملية التقويم محكمة، ويوصلها إلى نظرة منصفة، ذلك أن كافة أفكار البحث وموضوعاته تكون مبنية على تلكم المنطلقات.
وبتأمّل الكتاب يتبيّن أن الباحث ينطلق في كافة أفكاره بصورة عامة من مرتكز رئيس، ألَا وهو أنّ: العلم لا يكون علمًا إلا بحيازته قضية علمية كلية، بخلاف القضايا الجزئية التي يمكن أن تكون مسارات بحث جزئية ولا تعدّ علمًا، وإنما توصف بالعلمية من قَبِيل التسامح في إطلاق الاصطلاح لا غير.
وقد ترتب على هذا المنطلق في الكتاب عدّة أمور مركزية، وهي:
- الأول: استشكال علم علوم القرآن؛ لقيامه على قضية جزئية.
- الثاني: انتقاد منهجية المنجز التراثي في علوم القرآن؛ لإقامتها القضايا القرآنية الجزئية واعتبارها علومًا.
- الثالث: استشكال الجهود المعاصرة في تصنيف القضايا القرآنية؛ لأنها لم تعمل منهجيًّا على بناء القضايا القرآنية الكلية وتحويل هذه القضايا لعلوم.
- الرابع: تشييد الباحث لمقاربته المقترحة في بناء علم علوم القرآن بالاعتماد على هذا المنطلق.
ولم أقف -حسب اطلاعي- على مَن نَصَّ على هذا الضابط الذي قرّره الباحث في اعتبار العلم، إلا أنه من خلال تأمّل هذا الضابط تتبين وجاهته وصلاحية الاعتماد عليه والتأسيس من خلاله في بناء علوم القرآن، وذلك لثلاثة أسباب:
السبب الأول: بالنظر في نسق بعض العلوم الأخرى والتي جرت عليها أيدي العلماء على مَرّ العصور وتناولتها عقولهم بالتنقيح والتحرير والضبط كالفقه وأصوله ومصطلح الحديث =يتضح أن هذا المنطلق يحكي واقع تلك العلوم، فهي علوم قائمة على قضايا علمية كلية، فالفقه مثلًا يقوم على قضية الأحكام، وأصول الفقه يقوم على قضية الأدلة الشرعية، ومصطلح الحديث يقوم على قضية تصحيح الحديث وتضعيفه... إلخ.
السبب الثاني: عند تأمّل هذا المنطلق نجده يستقيم عقلًا؛ فالقضايا الكلية لها القدرة على تفريع وتشقيق الموضوعات والمحاور في العلم وينتج جراءها معرفة جديدة، بخلاف القضايا الجزئية فليس لها القدرة على تفريع موضوعات ومحاور اشتغال في العلم ومِن ثَم إنتاج معرفة جديدة تعِين على استمرارية العلم.
السبب الثالث: كانت لنا تجربة في دراسة المؤلّفات التراثية لأحد المسارات الجزئية المشكلة في علوم القرآن وهو مسار (المبهمات)، فقمنا بكتابة دراسة شملت كافة جوانب هذا المسار جاءت في أربعة أجزاء؛ الأول: كتب المبهمات؛ الطبعات، الأهداف، الموارد، المناهج، المفاهيم[18]. الثاني: كتب المبهمات؛ تحليل ومقارنة[19]. الثالث: مسار الكتابة في مبهمات القرآن[20]؛ آفاق وتطلّعات. الرابع: ببليوغرافيا المؤلفات في مبهمات القرآن والدراسات المتعلقة بها[21].
ومن خلال هذه الدراسة حول (المبهمات) وتدقيقنا في هذا المسار، تبيّن لنا بوضوح أنّ القضايا الجزئية -مهما كانت- تظلّ محدودة ويمكن أن تنتهي ببعض الكتابات، وليس لها أفق وشأن القضايا الكلية التي لها القدرة على تفريع وتشقيق الموضوعات والمحاور في العلم.
وقد كانت دراستنا لمسار المبهمات بهذه الطريقة بداية مشروع لدراسة بقية مسارات علوم القرآن على ذات المنوال، ومع نجاعة طريقتنا وفائدتها في النظر للمسار والبصر بمشكلاته وآفاق النهوض به، إلا أنها تظلّ نظرة جزئية محدودة ويمكن أن ينجز ما طرحناه فيها من آفاق في كتابات محدودة.
3- البناء المنهجي للكتاب:
إنّ منهجية البحث هي عصب أيّ دراسة، وتعدّ الدقة المنهجية البحثية في هذا الكتاب إحدى أبرز ميزاته، فجميع خطواته وإجراءاته على درجة عالية من التنظيم والترتيب والدقّة، ويبرز ذلك في الأمور الآتية:
- تحديد مشكلة الدراسة وبيان وجاهتها من واقع قراءة مطوّلة وسبح عميق في تخصّص الدراسات القرآنية، ما أدى إلى بصر الباحث بأبرز إشكالات هذا الحقل.
- العناية برصد الدراسات السابقة ومناقشتها وبيان مساحات تقاطعها ومساحات تبيانها مع الدراسة.
- بيان الآلية والإجراءات المتبعة في البحث والوسائل المستخدمة لحلّ إشكالية البحث بوضوح.
- الترتيب المنطقي للكتاب؛ حيث ابتدأ الباحث بتقويم علم علوم القرآن كعلم، وثَنَّى بالنظر في المنجز التراثي وتقويمه، ثم بالمنجز المعاصر، وبعد ذلك طرح مقاربته في بناء علوم القرآن.
4- دقّة التحريرات ونفاسة الزيادات:
تميّز الكتاب بحسن نظر مؤلِّفه في كُتب السابقين، فلم يكن نقده وتقويمه لعلم علوم القرآن داعيًا لإهمال التراث وإحداث قطيعة معه، أو قراءته وفق أدوات أجنبية عنه كما يتداول في العصر الحاضر تحت مسمى (القراءات المعاصرة) وغيرها من دعوات أجنبية غريبة عن التراث وأدوات فهمه، وإنما كان هذا الكتاب محاولة لنقد علوم القرآن من داخله وفق آليات البحث المتصلة بالتراث.
ولم يكتفِ الباحثُ بهذا وإنما تميّز بإضافته إلى تلك المعارف تحريرات نفيسة وتأصيلات فريدة لم يُسبق بها، وعند تأمّلها نجد لها وجهًا، يقول الباحثُ في مقدمته لمقاربته المقترحة لبناء علوم القرآن: «هذه المعاقد والخطوات التي سنذكرها فيها نظراتٌ في شأن العلم لم نجد مَن نبّه إليها، كما أنّنا خالفنا في جانب منها -في ضوء نظرنا- بعض البناءات لبعض العلوم التراثية المركزية، ومن ثم فإننا سنطرح بعض التأصيل لما نذكر في ثنايا الحديث؛ لبيان وجهتنا وتقرير نجاعة ما ذهبنا إليه والتدليل عليه»[22]، وهذا ظاهر في الكتاب سواء في منطلقاته أو معاييره أو تأصيله للمسائل.
ويتجلّى هذا الإبداع كذلك في اعتماد الباحث كثيرًا على إنتاجه العلمي السابق في العديد من قضايا علوم القرآن والإحالة عليها[23].
5- جرأة الطرح في الكتاب:
المتأمّل في نتائج هذا الكتاب يدرك جرأته الشديدة في الطرح، سواء في نقد علم علوم القرآن نفسه، أو في نقده لبعض الباحثين المعاصرين، ولا شك أن الجرأة تحمد في البحث العلمي متى تسلّحت بالمنهجية والخبرة المعمقة في المجال، وهو ما وجدناه حاضرًا في الكتاب.
وعلى الرغم من تقرير الكتاب لنتائج مغايرة وصادمة للسائد والشائع في الأوساط العلمية، إلا أنّ هذا لا ينبغي أن يكون صادًّا لناشد الحقّ وملتمسه عن التأمّل والتفكر في طرح الكتاب؛ ذلك أنه كما يجب في بعض الأحيان على الزارع أن يستبدل تربته بتربة أخرى ليتمكن من زراعتها، وكما أن الدواء لا يجدي أحيانًا في معالجة بعض الأمراض، ويكون الحلّ الناجع عندئذ في بتر العضو لتعود الحياة إلى الجسد ويكمل مسيرته؛ فكذلك الشأن في العلوم، قد لا يجدي الترميم والإصلاح في علاج بعض مشكلاتها، خاصّة إذا تعمقت المشكلة واستفحلت دون علاج ناجع، فيجب علينا حينئذ تغيير طريقة تعاملنا ونظرتنا للمشكلة، وقد يكون الحل عن طريق الإطاحة الثورية بنظرية مقبولة، واستبدالها بواحدة أفضل كما يرى توماس كون (T.S. KUHN) وإن كان توماس قد مَثَّل على ذلك بقانون الجاذبية والقانون البصريات وغيرها من أمثلة تختلف في طبيعتها عن العلوم الشرعية[24]، «فالعلوم الدينية لها ما يميزها عن غيرها من العلوم، لكن الذي تشترك فيه العلوم على اختلافها أن العلم أي علم يمر بأزمات تكمن في فترات الركود أو في مشكلات يستعصي حلها إذا لم يوجه القائمون على ذلك العلم نقدًا صارمًا لقواعده يسمح لهم بتقييم إرثه النظري ليتجاوز الأزمة أو المشكل الذي انتهى إليه العلم»[25].
وقد طالعتُ الكتاب بعينٍ ناقدة أكثر من مرّة، فوجدتُ هذه الجرأة حاضرة فيه، وكما يقول الدكتور/ عليّ جواد: «أعلى درجات الجرأة في البحث العلمي أن تكون صريحًا وأن تضحي، ولكنها درجة عالية جدًّا ليست في متناول كلّ الباحثين، فإن استطعتها فبها، وإلا فالأنسب لك ألا تلج بحثًا لا تجرؤ أن تفرح بنتائجه»[26].
إنّ العلوم لا تنهض ولا تتجدّد روحها إلا بالمناقشات المنهجية الجادَّة، ولا بد أن ننتبه لهذا في واقعنا الذي أصبح فيه التقليد سمة بارزة، وأن نفرِّق بين المناقشات المنهجية المستندة إلى النظر والدليل، الساعية إلى نهضة العلم وتطويره، وبين المناقشات العشوائية الأجنبية عن التراث وأدواته الساعية إلى هدم الثوابت وتعطيلها، فالأُولى أداة بناء وتطوير بالغة الأهمية، والثانية معول هدم بالغ الخطورة، والبصير لا يعوقه واقع المسلمين الأليم عن ملاحظة ما بين المناقشتين من فروق شاسعة، والحديث ذو شجون.
والمطالع في هذا الكتاب يلاحظ كذلك إطلاق الباحث لبعض العبارات القطعية الشديدة؛ كالحُكم بفساد عِلْم علوم القرآن والجزم عند تخطئة الباحثين وغير ذلك من العبارات، بيدَ أن المتأمّل لسياقات الكلام يدرك أن هذا القطع والجزم قد تمَّ في ضوء تحليل موسَّع واستدلالات واضحة، وكتب التراث مليئة بمثل هذه الأساليب في هذه السياقات، ولو رحنا نتتبعها لطال المقام؛ ولذا فلا يَرِد على الكتاب إشكال من هذه الناحية، اللهم إلا أن تنتقض دلائله ومستنداته بطريقة علمية فعندئذ يسوغ النقد، وهو ما لم يتبين لنا.
6- التحليل المعمّق لقضية علم علوم القرآن:
أبان الباحثُ في أول فصول الكتاب عن القضية التي عليها اشتغال كتب علوم القرآن الجامعة، وقد اعتمد في ضبطه لقضية علوم القرآن على جانبين مهمّين أكسبَا تحليله عمقًا وأصالة وحسن تصوير للمسألة؛ وهما الجانب التنظيري والجانب التطبيقي، فالتنظيري من خلال تعريفات العلماء لعلوم القرآن؛ لكون التعريفات تعدّ مدخلًا رئيسًا لفهم قضايا اشتغال العلوم، وأمّا الجانب التطبيقي فقام بالنظر في صنيع المؤلّفات وتطبيقاتها وتأمّل اشتغالها.
ولا شك أنّ الطريقة التي اعتمد الباحث عليها في استجلاء قضية علوم القرآن طريقة علمية دقيقة، وبخاصة الجانب التطبيقي لأنه المعبِّر الصادق عن العلم واشتغالاته، ولا بد من الاعتماد عليه والانطلاق منه عند التنظير لمسألةٍ ما، وإلا كان التنظير سقيمًا لا قيمة له كما نبّهنا على ذلك بالتفصيل في غير هذا الموضع[27].
وقد كانت لنا تجربة في دراسة المؤلّفات الجامعة لعلوم القرآن، تضمّنت النظر في مفهوم المؤلّفات لعلوم القرآن، وتأكّد لدينا من خلاله ما استظهره الباحث في تحليل قضية علم علوم القرآن من أنها تورد مختلف أنواع علوم القرآن وتتحدّث عنها بما يبصر بها ويعرف بها من نواح عديدة[28].
7- التوسّع في بيان إشكالات علم علوم القرآن:
أفاض الباحثُ في بيان إشكالات علم علوم القرآن، وكان نظره مركزًا صوب الإشكالات المنهجية خاصّة من حيث النظر في دلالة العلم الاصطلاحية، وتعريفه، وثمرته، وموضوع اشتغاله، ومباحثه، ومنهجية تفريعه، وخدمته المعرفية، ومقرّراته التعليمية.
وقد بَيَّن الباحثُ ما اعتور علم علوم القرآن من إشكالات بالنظر لهذه النقاط بيانًا موسعًا جدًّا، وأصَّل لكلّ إشكال منها بصورة تجريدية لبيان وجهه، مستدلًّا لذلك من الواقع التطبيقي لعلوم القرآن في القديم والحديث، وبَيَّن كثيرًا من الآثار السلبية المترتبة والمتفرّعة على تلك الإشكالات، وناقش العديد من تنظيرات المعاصرين كما ناقش بعض المعلومات الشائعة مما يتصل بهذه القضية.
8- المناقشة المعمّقة لتشكّلات علم علوم القرآن:
تعرّض الباحثُ لهذه المسألة المهمّة والتي تتعلّق بنشأة علم علوم القرآن وجذوره وكيفية تشكّله وتطوره وامتداداته، فناقش كلّ ذلك بصورة معمقة، وناقش أبرز الآراء في هذا الموضوع، كما صحّح من خلاله كيفية النظر والتلقّي الواجب لمؤلّفات علوم القرآن الجامعة على ما قصده مؤلِّفوها وأرادوه، وناقش طريقة المعاصرين في تلقّي هذه المؤلفات، مستدلًّا بنصوص من داخل المؤلَّفات نفسها، وبتتبع صنيعها وتطبيقاتها من داخلها.
كما ناقش الباحثُ مسألة استعمال المتقدّمين لمصطلح علوم القرآن قبل مؤلّفات الإيراد الجمعي لعلوم القرآن ومرادهم بذلك، واستعمال مصطلح علوم القرآن زمن الصحابة والتابعين منبّهًا على أمور مهمّة تتعلّق بالتفريق بين الممارسات المعرفية للعلوم وبين طريقة خدمة هذه الممارسات لاحقًا، وهي تنبيهات نفيسة لم أقف -حسب اطلاعي- على مَن نبّه عليها.
9- مناسبة المعيار المقترح لضبط القضايا القرآنية الكلية:
انتقد الباحثُ الكتابات في علوم القرآن قديمًا وحديثًا لسبب مركزي -كما بينَّا في القسم الأول- وهو عدم قدرتها على بناء القضايا الكلية القرآنية وتحويل هذه القضايا لعلوم، ومن ثمَّ طرَحَ الباحثُ في مقاربته معيارًا منهجيًّا لضبط القضايا القرآنية الكلية، وهو: امتلاك القضية واقعيًّا لممارسة تطبيقية قابلة لدوام ومتابعة الإنتاج فيها.
وهذا المعيار الذي طرحه الباحثُ نراه مناسبًا لضبط القضايا القرآنية الكلية وتحريرها، ذلك أنه نابع من داخل العلم نفسه ومعتمد على الواقع التطبيقي للعلم، وهذا الواقع التطبيقي هو العلم نفسه على الحقيقة، وهو الذي ينبغي الاعتماد عليه حصرًا في أيّ تنظيرات خاصّة بالعلم.
فهذا المعيار المقترح له القدرة على ميز القضايا القرآنية الكلية عن غيرها من القضايا الجزئية بدقة، وسواء اتفقت وجهات النظر على تحديد قضية معينة بأنها كلية أو تعدّدت الوجهات فيبقى هذا المعيار معيارًا منهجيًّا مناسبًا ومفيدًا لخروجه من رحم العلم نفسه.
10- العناية بالمقرّرات التعليمية:
يعدّ انعدام المقرّرات التعليمية المنهجية في حقل علوم القرآن إحدى العقبات الكؤود التي تواجه طالبيه ومريديه، وهذا الأمر يسبّب تشتّتًا كبيرًا لدى المقبلين على هذا العلم، وبالتالي قِلّة وندرة المتخصّصين المحرّرين فيه.
ومما يميز طرح هذا الكتاب عنايته بفكرة بناء المقرّرات التعليمية وفق خطة منهجية، وبالاعتماد على محاور ثابتة، ومستويات متدرجة داخل هذه المحاور، ما يعين على بناء الملَكة العلمية الخاصّة بهذا العلم لدى طالبيه، ومن ثم الانطلاق في فضاءاته وخدمته.
وقد كانت لي تجربة في إحدى مراحل عنايتي بالتفسير، وواجهتني تلك المشكلة من انعدام وجود مقرّرات منهجية فيه[29]، ما دعاني لاستخراج المعاني التفسيرية الواردة عن السلف من تفسير الإمام ابن جرير الطبري (ت: 310هـ)، ثم طُبعت لاحقًا كمتن تفسيري، بعنوان: (أقوال السلف في التفسير من جامع البيان لابن جرير)[30].
هذا وقد بدت لي ملاحظة فنية لا تغض من قيمة الكتاب وأهميته؛ أذكرها لتجويد العمل وتحسينه.
فالباحث كثيرًا ما يشير إلى اختصاره للمسألة وتوسّعه فيها في موضع آخر من الكتاب دون أن يحدّد هذا الموضع غالبًا[31]، مما يصعب على القارئ وصوله إلى هذا الموضع، ولو أشار الباحثُ إلى رقم الصفحة المرادة في الحاشية لكان أيسر على القارئ وأكثر فائدة له.
كما اتّبع الباحث أسلوبًا فيه شيء من الصعوبة والتعقيد، يحصل بسببه تشتيت للقارئ، وهذا ظاهر في أغلب مباحث الكتاب، ومن ذلك مثلًا أن الباحث كثيرًا ما يبتدئ في فكرة المسألة فيُورد جزئية منها ويفيض في بيانها والكلام عليها والتمثيل لها، ثم يستأنف الكلام عن نفس الجزئية مما يبدو في ظاهره تأكيدًا لما سبق، وإذا به يكمل بقية الفكرة، وبذلك يصعب على القارئ الإمساك بالفكرة كاملة وتقليب النظر فيها، واضطراره إلى إعادة قراءة المسألة عدّة مرات ومحاولة تجميع جزئياتها.
ويبدو في بعض الأحيان إرادة الباحث من وراء هذا الأسلوب توكيد فكرته وتثبيتها، إلا أنّ هذا يمكن أن يحصل باتّباع أسلوب أكثر وضوحًا، بدلًا من تلك الطريقة التي تفضي لتشويش القارئ وتصعب هضم محتوى الكتاب.
الخاتمة:
عرضنا في هذه المقالة أبرز الأفكار والقضايا في كتاب: (علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء) للدكتور/ خليل محمود اليماني، كما بينَّا موقفنا من هذا الطرح وذكرنا بعض النقاط الإجمالية والعامة حول الكتاب.
وإنني أثـمِّن هذا الجهد الذي قام به الباحث في تقويمِ علم علوم القرآن، وفي نظره للمنجز التراثي والمعاصر وطرحهِ لمقاربة في بناء علوم القرآن، وأدعو المؤسسات العلمية والمراكز البحثية والجهات الأكاديمية إلى عقد ندوات ومؤتمرات وورش عمل لمناقشة هذا الطرح، كما أدعو إلى إثراء ما اقترحه الباحث من مقاربة لبناء علوم القرآن والتي نرى نجاعتها وصلاحية البدء في تفعيلها وَفق منهجية مدروسة.
كما ندعو إلى ضرورة دراسة المؤلَّفات الجامعة في علوم القرآن دراسة تحليلية وتقويمية، كلّ كتاب منها على حدة، وهو مشروع رائد، ويصلح لأن تكتب فيه العديد من الرسائل الجامعية، وقد طرح الكتاب العديد من الأفكار البحثية المباشرة -بخلاف طرحه العام ومقاربته- نذكر أبرزها، وهي:
1- دراسة مفهوم علوم القرآن في المؤلّفات المعنونة بعلوم القرآن.
2- دراسة ظهور قضية علم علوم القرآن وتحويل صنيع مؤلّفات الإيراد الجمعي لحقل علمي؛ المسوغات والمؤثرات والامتدادات.
3- دراسة جهات التأثير في مؤلّفات الإيراد الجمعي لعلوم القرآن (وبخاصة الكتب الجامعة لعلوم الحديث، والمؤلّفات في القضايا القرآنية الجزئية؛ كفضائل القرآن لأبي عبيد وتفهيم القرآن للحارث المحاسبي، وغيرهما).
4- دراسة مدى استيعاب الرسم العثماني الحالي للأحرف السبعة والقراءات.
وأخيرًا ندعو الباحثين والباحثات في شتى العلوم الإسلامية بتكثيف الكتابات التقويمية للعلوم ومناقشتها على نمط هذا الكتاب مع التنبه لطبيعة كلّ علم وما يحتاجه، ونأمل من المؤسّسات البحثية والجهات المسؤولة تبنّي هذه المشاريع والعمل الجادّ لبناء علوم القرآن وبناء مقرّرات تعليمية لها، تناسب جميع المراحل.
وصلى اللهُ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
[1] خليل محمود اليماني، مدرّس بجامعة الأزهر، له عدد من الأعمال العلمية المنشورة؛ منها: حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية، توظيف الإسرائيليات في التفسير؛ دراسة تحليلية تأصيلية، دراسة نظم القرآن؛ قراءة في المنجز وآفاق الاشتغال مع طرح فرضية للنظم القرآني، تصنيف التفاسير؛ قراءة في التصنيفات المعاصرة مع طرح معيار منهجي لتصنيف التفاسير. كما شارك في عددٍ من الأعمال العلمية المنشورة؛ منها: موسوعة التفسير المأثور، المؤلّفات في أصول التفسير؛ دراسة وصفية موازنة، أصول التفسير في آراء المتخصّصين؛ دراسة استطلاعية، وغيرها.
[2] وهو بحث منشور على موقع نماء، تحت هذا الرابط: www.nama-center.com/Articles/Details/41477 (ص:20).
[3] علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء، د/ خليل اليماني، ص34.
[4] علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء، د/ خليل اليماني، ص35.
[5] علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء، د/ خليل اليماني، ص45.
[6] علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء، د/ خليل اليماني، ص45- 46.
[7] علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء، د/ خليل اليماني، ص47.
[8] علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء، د/ خليل اليماني، ص50.
[9] علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء، د/ خليل اليماني، ص53.
[10] علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء، د/ خليل اليماني، ص55.
[11] علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء، د/ خليل اليماني، ص64.
[12] علوم القرآن بين البرهان والإتقان، د/ حازم حيدر، ص726.
[13] علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء، د/ خليل اليماني، ص89.
[14] وقد دلّل الباحثُ على ذلك وتوسّع فيه في بحثه: البناء النظري للتفسير؛ قراءة في المنجز مع طرح رؤية للنهوض بالبناء النظري للتفسير، بحث منشور على موقع تفسير.
[15] تناول الباحث هذه القضية بالتفصيل في دراسة خاصة بعنوان: (تأسيس علم أصول التفسير قديمًا وحديثًا؛ قراءة في منهجية التأسيس، مع طرح مقاربة منهجية لتأسيس العلم)، وهو بحث منشور على موقع تفسير تحت هذا الرابط: tafsir.net/research/67
[16] وهي ممارسة تقوم على انتخاب وجوه معينة من مسموعات القرآن (الأحرف السبعة) والاقتصار عليه، وهذه الممارسة هي التي أنتجت لنا ما نعرفه اليوم بالقراءات -كما يرى الباحث-.
[17] تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، ابن مالك، ص2.
[18] ينظر: مرصد تفسير تحت هذا الرابط: tafsiroqs.com/article?article_id=3777
[19] ينظر: مرصد تفسير تحت هذا الرابط: tafsiroqs.com/article?article_id=3787
[20] ينظر: مرصد تفسير تحت هذا الرابط: tafsiroqs.com/article?article_id=3791
[21] ينظر: مرصد تفسير تحت هذا الرابط: tafsiroqs.com/article?article_id=3803، والأجزاء الأربعة السابقة مجموعة ضمن كتابنا: نسائم الريحان في مقالات التفسير وعلوم القرآن، ص193- 301.
[22] علوم القرآن؛ نقد العلمية ومقاربة في البناء، د/ خليل اليماني، ص239.
[23] نحو: (البناء النظري للتفسير؛ قراءة في المنجز مع طرح رؤية للنهوض بالبناء النظري للتفسير)، و(تأسيس علم أصول التفسير قديمًا وحديثًا؛ قراءة في منهجية التأسيس، مع طرح مقاربة منهجية لتأسيس العلم)، و(مقاربة في ضبط معاقد التفسير؛ محاولة لضبط المرتكزات الكلية للعلم ومعالجة بعض إشكالاته)، وغيرها.
[24] ينظر: تركيب الثورات العلمية، توماس كون، ص19-20.
[25] القراءات علمًا من علوم القرآن، المنجي الأسود، ص36.
[26] منهج البحث الأدبي، د/ علي جواد الطاهر، ص49.
[27] ينظر: مقالتنا: «الطريقة الشائعة في دراسة مناهج المفسّرين؛ عرض وتقويم -كتاب (منهج ابن عطية في تفسير القرآن الكريم) للدكتور/ عبد الوهاب فايد أنموذجًا-» وهي منشورة على موقع تفسير تحت هذا الرابط: tafsir.net/article/5357، وهي ضمن كتابنا: نسائم الريحان في مقالات التفسير وعلوم القرآن، (ص:117- 128)، وقد نبهنا فيها على خطورة إهمال الجانب التطبيقي عند التنظير لمناهج المفسرين، وهو تنبيه ينسحب على كافة القضايا المراد بحثها.
[28] وهو بحث لم يُنشر بعد، جاء فيه مثلًا عند دراسة مفهوم علوم القرآن عند السيوطي في الإتقان: «لم يبيّن السيوطي مراده بمفهوم علوم القرآن، وإنما جمع في كتابه ثمانين نوعًا ليس بينها رابط ولا بينها شَبَه سوى تعلقها بالقرآن الكريم».
[29] ذكرت هذا التجربة ومراحلها بالتفصيل في مقدمة كتابي: (متن أقوال السلف في التفسير من جامع البيان لابن جرير)، د/ عبد الرحمن المشد، دار طيبة الخضراء، الطبعة الثانية، 1443هـ= 2022م، ص17- 22.
[30] ينظر: التعريف بهذا المتن على مرصد تفسير تحت هذا الرابط: tafsiroqs.com/article?article_id=3881
[31] ينظر مثلًا: ص84.