الرباعية القرآنية للتعامل مع القرآن الكريم

يدلّنا القرآن الكريم على مسالك التعامل معه، وتحسين العلاقة بالقرآن يستلزم التعرف على هذه المسالك والعمل بها، وهذه المقالة تسلط الضوء على هذه القضية وتتناول أربعة مستويات للتعامل مع القرآن مما ذكره القرآن نفسه ودلّ عليه.

تقديم:

  إنّ الارتقاءَ بالقرآن في الآخرة الذي تحدّث عنه النبي -صلى الله عليه وسلّم- في قوله: (يُقالُ لصاحِب القرآنِ: اقرأ وارتَقِ، ورتِّل كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرَؤُها)[1]، رهينٌ بمدى تحقيق الارتقاء به في الحياة الدنيا باتّباعه والعمل به، وهو معنى قوله تعالى في: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: ١٥- ١٦]، وقوله: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٣- ١٢٤]؛ فقد جعله -سبحانه- المصدر الأول في كلّ زمان وكلّ مكان، يستقي منه الإنسان معارفه الكبرى، واعتقاداته وتصوّراته الصحيحة عن الوجود والإنسان والكون والحياة، ويهتدي به في كلّ شؤونه وأحواله فردًا وأسرة ومجتمعًا وحضارةً، مما يعني بالضرورة أن يتعامل مع القرآن الكريم بكيفية تبلغُه إلى هذا المراد وذاك المقصود.

ومن لطائف القرآن أنه يوجّه إلى كيفية التعامل معه من خلال الأمر بأعمالٍ وتصرفات نحوه؛ فهو كلام الله سبحانه الذي: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، وكلامه معظَّم ليس كمثله كلام: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨]، الذي: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢]؛ ولذا ينبغي التعامل معه كما يريد ويرضى صاحبُه عزّ وجل. إنّ القرآن يمدّنا بدرس كاملٍ ومتكامل عن مسالك التعامل معه. ومن ثم، فحتى نحسن علاقتنا معه فنحتاج أن نستخرج عناصر هذا التعامل، بما يُجِيب على سؤال: كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟ وفي ضوء ذلك فإنّنا سنحاول في هذه المقالة إلقاء الضوء على مسالك وتصرّفات في التعامل مع القرآن، دلّ عليها القرآن نفسه، وذلك بعد تمهيد وجيز نسلّط فيه الضوء على مفهوم التعامل مع القرآن الكريم والمسالك التي سنعمل على ذِكرها.

تمهيد: مفهوم التعامل مع القرآن الكريم:

أصل لفظ (تعامل) لغةً مِن (عمل)، و«العين والميم واللام أصل واحد صحيح، وهو عام في كلّ فعلٍ يُفْعَل»[2]، وتعامل على وزن (تفاعل)؛ يُقال: «تعامل الشريكان: عامل كلٌّ منهما الآخر... طريقة التعامل: الطريقة التي يتعامل فيها الشخص؛ تعامل مع صديقه: عامله، تصرّف معه (تعامل مع صديقه بإخلاص/ بالحسنى/ بالمثل- تعامل مع الموقف بحكمة)»[3]. وكثيرًا ما تستخدم هذه الكلمة في مجال المعاملات التجارية والمالية؛ يقال: «تعامل تعاملًا (ع م ل) القوم: عامل بعضهم بعضًا "تعامل التجار"»[4]. وفي الفقه يراد بالتعامل بين الناس «أن يتوالى ويتعدّد تعامل الناس بمعاملة مالية حتى يبلغ مبلغ الكثرة... وهذا المصطلح حنفي المورد، استعمله فقهاء المذهب في أبواب المعاملات المالية، واعتبروه أصلًا شرعيًّا، وأناطوا به أحكامًا استثنائية، ورتّبوا على وجوده وتحقّقه ترخيصات وتخفيفات شرعية، بضوابط وضعوها وشرائط قرّروها»[5]. والتعامل في معجم مصطلحات العلوم الشرعية هو «الطريقة التي يسلكها الشخص مع الآخرين، ويتعامل بها، وفي ذلك قوله -صلى الله عليه وسلّم-: (وخَالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ)»[6][7].

وبما أننا نتحدّث عن طريقة التعامل مع القرآن الكريم التي يحدّدها القرآن؛ فنعرفها أنها الطريقة التي يسلكها الشخص مع كلام الله تعالى ويتصرّف بها معه، لتحقيق الاهتداء به، والعمل به، عبر القيام بالأعمال والتصرّفات التي يأمر بها القرآن الكريم.

ونرجو أن نبيّن في هذه المقالة جملة هذه الأعمال والتصرّفات التي دلّ عليها القرآن، بتحديدها في أربع كليّاتٍ عامة، هي بمثابة مستوياتٍ متفاوتة؛ إِذْ نجد مستوى يؤسّس لمستوى آخر، ولا يفهم إلا به، أو مستوى هو بمثابة الوسيلة إلى آخر، ولا يتحقّق إلا به، ولا يأخذ أيّ مستوى مقام الآخر.

وعلى أيّ حال، هي أربعة مستويات عامة مترابطة تعكس صورًا مختلفة ومتفاوتة من الأعمال التي يتم التعامل بها مع القرآن يدلّنا عليها ويأمر بفعلها، ومن هذا جاء التعبير بـ«الرباعية القرآنية».

***

يحتوي القرآن الكريم على العديد من الإرشادات التي توجّهنا إليها آياته دالة على طرق التعامل معه بما هي أفعال وتصرّفات وأحوال، ولكثرتها فإنّا نكثّفها في عناوين كلية وجامعة، تمثّل مستويات عامة في التعامل معه، وكلّ مستوى يضمّ عناصر عدةً، سنتناول بعضها بما يسمح به المقام، وذلك كما يأتي:

المستوى الأول: تعرُّف وتصوُّر:

يُستخلص هذا المستوى مما نجده في القرآن من تعبيرات ومضامين ومحدّدات تفيد أن الغرض تكوين معرفة به وتصورٍ عنه، كمستوى من مستويات التعامل معه؛ إذ المعلوم أنّ الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوّره، والعلم دائمًا يسبق العمل. فالقرآن يتضمّن مادة تعريفية به وتصورية عنه غزيرة، ولكثرتها وكثرة أساليب التعبير عن ذلك نقتصر على محورين لهما دور مهم في بناء معرفة جيدة به من خلال آيات قرآنية.

أ- المحور الأول: أسماء القرآن وصفاته وخواصه:

عندما نجيل النظر في آيات القرآن نجده يُعرِّف بنفسه من خلال أسماء متعدّدة، وأوصاف كثيرة، مثل: القرآن، الكتاب، الفرقان، التنزيل، الذِّكر، العِلم، الوحي، البشير، الحكيم، تبيان، النور، الهدى، نبأ عظيم، رحمة وشفاء، وغير ذلك، كقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢]، حيث يعرِّف بأول حقائقه؛ أنه كلام الله المنزل من عنده لا ريب ولا شك، كما في قوله: ﴿الۤـمۤ * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [السجدة: ١- ٢]. وثانيها: أنه الهدى، كما في قوله: ﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [الجاثية: ٢٠]، الذي تتبيّن به حقائق الأشياء فتصبح واضحة، لا غبش فيها ولا لبس؛ ويفرق فيه بين الحقّ والباطل. وسمّى نفسه بالروح: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢]؛ ومعلوم أنّ «الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير»[8]، فهو روح فيه الحياة، و«يبث الحياة ويدفعها ويحرّكها وينمّيها في القلوب وفي الواقع العملي المشهود»[9]. ومن خواصه أنه المحفوظ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]. المعصوم الذي: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢]. وهو الكريم الذي «يستمر في العطاء، ليستجيب لمختلف العصور، وتكون الاستجابة بمكنوناته التي تتكشف طبقًا لحالات الاستدعاء الزماني، فهو متجدّد العطاء: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الواقعة: ٧٥- ٨٠]»[10]، مصدِّق لِما سَبَقه من الكتب في أصولها العقدية والأخلاقية قبل أن تُحرَّف، ومهيمن عليها، مصحّح لها فيما أُدْخِل عليها من أوهام البشر وانحرافاتهم: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨][11].

فكلّ ما يرِد في القرآن من إطلاقات عليه بهذا الاسم أو ذاك الوصف أو تلك الخصيصة، إنما تأتي بمثابة محدّدات منهجية في تصوّره، والنظر فيه والتعامل معه، تُساق للتعريف به وبحقائقه، وبطبيعته وفحواه، ومضمون رسالته، وكما يقول سيد قطب: «حين يعيش الإنسان بروحه في الجو القرآني فترة؛ ويتلقى منه تصوّراته وقيمه وموازينه، يحسّ يسرًا وبساطةً ووضوحًا في رؤية الأمور، ويشعر أنّ مقرّراتٍ كثيرةً كانت قلقةً في حسّه، قد راحت تأخذ أماكنها في هدوء، وتلتزم حقائقها في يُسْر»[12].

ثم إنّ اسمه العَلَم (قرآن)كما سمّاه الله تعالى في سبعين موضعًا[13]؛ كقوله: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: ١٥٨]، وقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: ٢]، بمثابة الاسم الجامع التعريفي به؛ فمعنى لفظ(قرآن) من الجمع والضم؛ وسُمّي كلام الله قُرْآنًا لأَنه يجمع الآيات والسور ويضمّها، بل لأنه ضمّ الحروف والكلمات بعضها إلى بعض، كما جمع القصص، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، وكذا لأنه جمع ثمرة كتب الله تعالى كلّها، وثمرة جميع العلوم، كما أشار إلى ذلك بقوله: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩][14]؛ كما أنه الجامع والضامّ لعلومٍ ومعارفَ كونيةٍ، وحقائق وتصوّرات وجودية، وهدايات ربانية، وحِكَم ومقاصد إلهية، ومفاهيم وقيم مركزية تهدي للتي أقوم في الحياة على هذه الأرض، لعمارتها بالخير والصلاح والسعادة الإنسانية. وما زال يضمّ معارفَ وعلومًا وهداياتٍ لم يكتشفها الإنسان؛ فهو كتاب لا تنتهي عجائبه، ولا يبلى من كثرة الردّ، يقول تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف: ١٠٩]، وهذا التعبير «كناية عن عدم تناهي معلومات الله تعالى»[15]، كما أنه تصوير محسوس «يقرب إلى التصوّر البشري المحدود معنى غير المحدود، ونسبة المحدود إليه مهما عظم واتسع... والبحر في هذا المثال يمثل علم الإنسان الذي يظنّه واسعًا غزيرًا، وهو -على سعته وغزارته- محدود. وكلمات الله تمثّل العِلْم الإلهي الذي لا حدود له، والذي لا يدرك البشر نهايته؛ بل لا يستطيعون تلقّيه وتسجيله، فضلًا على محاكاته»[16].

ب- المحور الثاني: مقاصده وغاياته:

تعدّ مقاصد القرآن أعظم مدخل لتكوين المعرفة الحقيقية بالقرآن الكريم، وتصوّر معمق وشامل عن مضمون رسالته؛ فهو يضم مقاصد وغايات وحِكمًا لا تصلح الإنسانية ولا تسعد إلا بها، حتى نعتبر من معرفاته الكبرى أنه كتاب المقاصد العليا للإنسان والحياة، أنزله سبحانه «لصلاح أمر الناس كافة؛ رحمة لهم، لتبليغهم مراد الله منهم، قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ[النحل: ٨٩]، فكان المقصد الأعلى منه صلاح الأحوال الفردية، والجماعية، والعمرانية»[17].

والإلمام بمقاصده حاجة قائمة، وضرورة معرفية لا غنى عنها؛ لفهم خلاصة الهدى الذي بثّه الله تعالى في كلامه، فهي التي «تمثّل مضمون خطابه العام، وهذا لا يُختلَف في وجوب تعلّمه على كلّ مسلم؛ لأنها تمثّل أساسيات يقوم عليها تديّن الفرد، وفهمه الكلي لدينه، فيسير على بصيرة من أمره»[18]؛ لِما تحقّقه لديه من الثقة بدينه، وتعميق وعيه برسالة كتاب ربه.

وها هو ذا القرآن يقدِّم نفسَه في العديد من المواضع من خلال مقاصده؛ منها:

- عبادة الله وحده، كقوله تعالى: ﴿الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ [هود: ١- ٢].

- الإنذار والتبشير، كقوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ [الكهف: ١- ٢].

- مقصد التذكير والذِّكْر، كقوله: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٥١].

فالقرآن يوجّه إلى معرفة مقاصده، والوعي بمضمون رسالته وخلاصة هديه؛ كطريقة في التعامل معه لفهمه والعمل به؛ ذلك أنّنا «لن نستطيع أن نفهم القرآن حقّ الفهم، ونستنزله حقّ الاستنزال، ونستلهمه للحياة معه والجهاد به في واقع أمّتنا المعاصر، إلا إذا تعاملنا مع القرآن الكريم وفق أهدافه التي نَصّ عليها القرآن نفسه»[19].

وتكمن الأهمية الكبرى لمعرفة مقاصده في ما تحقّقه من فوائد وآثار كبيرة، أعظمها «توجيه المفسِّرين للقرآن الكريم إلى الوجهة الصحيحة في تفاسيرهم ومناهجهم، وهذه هي الفائدة الأهم والأوسع أثرًا... فبها يتسدّد المفسّر في تفسيره، وهي التي تعصمه من الانجرار وراء أمور لا مكان لها في مقاصد الكتاب العزيز، فإذا استدّ منهج المفسِّر في تفسيره، انتقل أثر ذلك إلى قرّائه وإلى عامة المسلمين، وإذا اختل منهجه أصابهم مِن خلله»[20].

المستوى الثاني: تأدُّب وتعلُّم:

من مستويات التعامل مع القرآن الكريم المستخلصة من القرآن نفسِه التأدّب معه وتعلّم أدائه بما يليق.

١- التأدّب معه: وذلك أن يتحلّى المسلم في تعامله مع القرآن الكريم بآدابٍ وأخلاقٍ وأحوالٍ باطنًا وظاهرًا، والقرآن فيه من الإشارات والتوجيهات بمختلف الأساليب والطرق التي تفيد هذا الأمر.

والمقام لا يسمح بذِكْر هذه الآداب تفصيلًا، فنذكر الأساس المنشِئ لها، والناظم لشتاتها؛ ذلك هو تعظيمه، وتشريفه، وإنزاله المنزلة العليا والمكانة الرفيعة في النفس والواقع المتولّد مما يتحقّق من معرفته المعرفة الحقيقية، ونحسب أن هذا هو ما يشتغل عليه القرآن الكريم في النفوس والعقول بالدرجة الأولى؛ ذلك أن التعظيم إذا تمكّن في النفوس، تجيء كلّ الآداب التفصيلية بيُسْر. وقد أمر سبحانه بتعظيم شعائره كافة: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢]، وأولى ذلك تعظيم كتابه، فهو كتاب الدِّين كلّه، وجامع شعائره كلّها وعنوانها.

ويغرس القرآن هذا التعظيم في الضمائر والنفوس بأساليب شتى، وطرق متنوّعة لا تكاد تُحصى، بمثل:

• الثناء عليه ومدحه بأوصاف وأسماء وعبارات دالّة على معاني التعظيم والتشريف، كـ(العظيم) في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: ٨٧]؛ فقد «أُجري وصف (العظيم) على القرآن تنويهًا به»[21]. و(المجيد) لقوله: ﴿قۤ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ [ق: ١]؛ أي «الذي له العلوّ والشرف والكرم والعظمة على كلّ كلام»[22]. و(العزيز) لقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ [فصلت: ٤١]، إشارة إلى شَرفه وعظمته؛ فالعزيز النفيس المنيع الغالب الذي لا نظير له، «أصله من العِزة، وهي المنعة؛ لأنّ الشَّيء النفيس يُدافع عنه ويُحْمى عن النبذ... العزيز أيضًا: الذي يَغْلِبُ ولا يُغْلَبُ»[23]. و(عَلِيٌّ حكيم)في قوله: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤]؛ فيشهد -سبحانه- بعظمة القرآن وعلوّ شأنه وقدره، «مؤكِّدًا لذلك، وتنبيهًا على أنه أهلٌ لِأن يُقسم به، ويُزاد في تعظيمه لِأنّه لا كلام يشبهه، بَل ولا يُدانيه بوجه: ﴿وإنَّهُ﴾ أي: القرآن؛ وقدّم الظرفين على الخبر المقترن باللام اهتمامًا بهما ليفيد بادئ ذي بدءٍ أن علوّه وحِكمته ثابتة في الأمّ...﴿فِي أُمِّ الكِتابِ﴾ وهو اللَّوح المَحْفُوظ، وزاد في شرفه بالتعبير بـ(لدى) الَّتِي هي لِخاصِّ الخاصِّ وأغرب المُسْتَغْرِب، ونون العظمة، فقال مُرَتِّبًا لِلظرف على الجارِّ ليفيد أن أمّ الكِتابِ مِن أغرب الغريب الذي عنده. ﴿لَدَيْنَا﴾ على ما هو عليه هناك ﴿لَعَلِيٌّ﴾. ولـمّا كان العَلِيُّ قَدْ يتّفق علوّه ولا تصحبه في علوّه حكمة، فلا يثبت له علوّه، فيتهور بنيانه وينقص سفوله ودنوه، قالَ: ﴿حَكِيمٌ﴾ أي: بليغٌ في كلٍّ مِن هاتين الصِّفَتَين، راسخٌ فيهما رسوخًا لا يدانيه فيه كتاب، فَلا يُعارَض في (عَلِيِّ) لفظه، ولا يُبارى في (حَكِيم) معناه، ويعلو ولا يُعْلى عليه بنسخٍ ولا غيره، بل هناك مكتوب بأحرفٍ وعباراتٍ فائقةٍ رائقةٍ تَعْلُو عن فهم أعقل العقلاء، ولا يمكن بوجه أن يبلغها»[24].

• ضرب الأمثال إبرازًا لعظمته، كقوله تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر: ٢١]؛ حيث يصوّر -سبحانه- عظمة القرآن بعِظَمِ أثرِه في الصخر؛ تعبيرًا عن حالة الخشوع والتصدّع، «وهي صورة تمثِّل حقيقة، فإنّ لهذا القرآن لثقلًا وسلطانًا وأثرًا مزلزِلًا، لا يثبت له شيء يتلقّاه بحقيقته»[25]، وقد وُصف بالقول الثقيل في قوله: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: ٥].

• استعمال إشارة القُرب والبُعد قصد التعظيم، ففي قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢]، استعمل اسم الإشارة للبعيد (ذلك)؛ «لإظهار رفعة شأن هذا القرآن لجعلِه بعيد المنزلة، وقد شاع في الكلام البليغ تمثيل الأمر الشريف بالشيء المرفوع في عِزة المنال؛ لأن الشَّيء النفيس عزيز على أهله، فمِن العادة أن يجعلوه في المرتفعات صونًا له عن الدروسِ وتناولِ كثرة الأيدي والابتذال»[26]. وفي قوله: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠]؛ يستعمل «اسم الإشارة في ﴿هَذَا القُرْآنَ﴾ لتعظيمه، وأنّ مِثله لا يُتَّخَذُ مهجورًا، بل هو جدير بالإقبال عليه والانتفاع به»[27].

أمّا مَا وردَ من الآداب التفصيلية صراحةً في القرآن، وما أمر به تعالى من تصرفات وأحوال يسلكها الشخص في تعامله مع القرآن الكريم تأدبًا معه، فنذكر مثلًا:

- المداومة على قراءته؛ فما أُنزل القرآن إلا ليُتلى ويُقرأ لمعرفة مراد الله من عباده واتّباعه؛ وقد ورد الأمر بقراءته كعمل من الأعمال التي يتعامل بها المسلم مع القرآن الكريم صراحة في أول ما نزل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ١- ٥]، وفي قوله تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ [المزمل: ٢٠]. وأمّا عن المداومة على قراءته، فقد أثنى اللهُ تعالى على المؤمنين في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: ٢٩]؛ الذين من أحوالهم الدائمة أنهم «يتلون كتاب الله؛ يداومون على تلاوته وهي شأنهم وديدنهم»[28].

- أدب الاستعاذة بالله؛ لقوله سبحانه: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: ٩٨]؛ حيث أُمِر العبادُ حين يريدون قراءة القرآن بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، «وهو أمرُ ندبٍ ليس بواجب، حكى الإجماع على ذلك الإمام أبو جعفر بن جرير، وغيره من الأئمة»[29].

- أدب الاستماع له والانصات حين يُقرأ؛ يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤]؛ فيأمر تعالى بأن «تأدّبوا وتواضعوا لِأنه صفة رَبِّكم، ﴿فاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ أيْ: ألقوا إليه أسماعكم مجتهدين في عدم شاغلٍ يشغلكم عن السمع. ولَمّا كانَ بعض الفهماء يَسْمَعُ وهو يتكلّم، أشار إلى أنّ هذا الكتاب أعلى قدرًا مِن أن يناله من يشتغل عنه بأدنى شغل، فقال: ﴿وَأَنْصِتُوا﴾ أي: للتأمُّل والتدبّر لتنجلي قلوبكم، فتعلموا حقيقته فتعملوا بما فيه، ولا يكون في صدوركم حرج منه؛ ولـمّا كان ظاهر الآية وجوب الإنصات لكلّ قارئ على كلّ أحدٍ، رغّب فيه تعظيمًا لشأنه، فقال: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي: لتكونوا على رجاء مِن أن يُكْرِمَكم رَبُّكم ويفعل بِكم كلّ ما يفعله الراحم مع المرحوم»[30].

- أدب التطهُّر؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٩]، الذي يستدلّ به في اشتراط الطهارة لقراءة القرآن ومسّ المصحف، وذلك لما ثبت له من التعظيم كما هو سياق الآية؛ «وإذ قد ثبتت هذه المرتبة الشريفة للقرآن كان حقيقًا بأن تُعَظَّم تلاوته وكتابته؛ ولذلك كانَ من المأمور به أن لا يمسّ مكتوب القرآن إلا المتطهِّر تشبّهًا بِحال الملائكة في تناول القرآن، بحيث يكون ممسك القرآن على حالة تطهّر دينيّ، وهو المعنى الذي تومِئ إليه مشروعية الطهارة لمن يريد الصلاة»[31].

- عدم هجرانه بشتى الصور؛ إِذْ شكا النبي -صلى الله عليه وسلّم- إلى ربه: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: ٣٠]، فقد كانوا «لا يصغون للقرآن ولا يسمعونه، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦]؛ وكانوا إذا تُلِيَ عليهم القرآن أكثروا اللّغَط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه فهذا من هجرانه، وترك عِلْمِهِ وحِفْظه أيضًا من هجرانه، وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه، وترك تدبّره وتفهّمه مِن هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره -من شِعْرٍ أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة مِن غيره- من هجرانه»[32].

وهكذا نرى كيف يوجّه القرآنُ المسلمَ إلى التحلّي بآداب وأخلاق -ظاهرة وباطنة- في التعامل معه، من خلال تصرّفات وأحوال هي بمثابة الأصول التي ترجع إليها باقي الآداب التي فصّلها العلماء واجتهدوا في تقريرها.

٢- تعلّمه: حين يُقال «تعلّم القرآن» فإنّ أول ما ينصرف إليه الذِّهْن تعلّم تلاوته وقراءته، وهو أمر مطلوب ومقصود، وله عِلمه الخاصّ المتعلّق بقراءته بنحو صحيح، وهنا يأتي جانبٌ ثانٍ من جوانب التعامل مع القرآن الكريم الذي يمثّل أدبًا مهمًّا تعظيمًا له، يتناوله بإجمال وتركيز. ويتعلّق الأمر بكيفية قراءته على نحو يجنب الوقوع في اللحن أو التحريف أو التبديل؛ فهُو الكلام القويم المحكَم الذي لا عِوَج فيه: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الزمر: ٢٨]، و﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢].

إنه علم الأداء والتجويد الذي يعلّم القراءة الصحيحة بإعطاء الحرف حقّه ومستحقّه، واللفظ هيئته اللائقة من التلاوة. والقرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذي ليس كمثله كلام، المنظوم نظمًا معجِزًا، فلا ينبغي أن يُقرأ كما يُقرأ أيّ كلام، بل بكيفية تليق بعظمته وجلاله، وتظهر جماله، بل وتأثيره، بما يعين على إثارة التفكّر، وتحريك القلوب وخشوعها: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [الحديد: ١٦]، فضلًا عن تفهُّم المعاني، واستخلاص المقاصد والحِكَم، ومما يتأتَّى به ذلك العناية بهذا العلم، ومعرفة أحكامه وتطبيقها؛ ولهذا أمر تعالى بقراءته بطريقة معيّنة، حيث يقول سبحانه: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: ٤]، ويقول: ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ [الفرقان: ٣٢]. ومعنى الترتيل «التمهّل والمدّ وإشباع الحركات وبيان الحروف، وذلك مُعِينٌ على التفكّر في معاني القرآن، بخلاف الهَذَر الذي لا يفقه صاحبه ما يقول، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- يُقَطِّع قراءته حرفًا حرفًا، ولا يمرُّ بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمرّ بآية عذاب، إلا وقف وتعوَّذ»[33]، ذلك أنّ «أصل الترتيل التنضيد والتنسيق وحُسْن النظام، وتأكيد الفعل بِالمصدر يدلّ على المبالغة على وجه لا يلتبس فيه بعض الحروف ببعض، ولا ينقص من النطق بالحرف مِن مخرجه المعلوم مع استيفاء حركته المعتبرة»[34].

فالأمر ليس مجرّد قراءة بمعنى ضمّ الحروف بعضها إلى بعض، وتلفُّظ الكلمات المرسومة، والنطق بها كما خُطَّت، بل هيئات من التلاوة التي تُعِين على تفهُّم مراد الله تعالى وتعقُّله؛ فــ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ﴾ أي: «اقرأه على تؤدة وبيِّنْ حروفَه، بحيث يتمكّن السامع مِن عدِّها، وحتى يكون المتلوّ شبيهًا بالثغر المرتل، وهو المفلج المُشبه بنور الأقحوان، فإنّ ذلك موجب لتدبره فتكشف له مهمّاته، وينجلي عليه أسراره وخفياته، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ولا تنثروه نثر الدقل ولا تهذّوه هَذّ الشِّعر، ولكن قِفُوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب، ولا يكن هَمّ أحدكم آخر السورة... ولما أعلم سبحانه بالترتيل أعلم بشرفه بالتأكيد بِالمصدر، فقال: ﴿تَرْتِيلًا﴾»[35].

وإنّ تجويد القرآن وقراءته بالطريقة المؤثرة، هو مما يفسّر به بعض المفسِّرين معنى (حق التلاوة) في قوله عز وجل: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ [البقرة: ١٢١]، «أي: يقرؤونه حقّ قراءته، وهي قراءة تأخذ بمجامع القلب، فيراعَى فيها ضبط اللفظ، والتأمل في المعنى، وحقّ الأمر والنهي»[36]، وبتعبير ابن عاشور: «أي: تلاوةً مستوفية قوام نوعها لا ينقصها شيء مما يعتبر في التلاوة، وتلك هي التلاوة بفهم مقاصد الكلام المتلوّ؛ فإنَّ الكلام يُراد منه إفهام السامع، فإذا تلاه القارئ ولم يفهم جميع ما أراده قائله كانت تلاوته غامضة، فحقّ التلاوة هو العلم بِما في المتلوّ»[37].

فالتجويد المطلوب إذًا هو الذي لا ينحصر في دائرة الاهتمام الشكلاني بالقرآن[38]، بإغفال المقصود منه ومن قراءته من التأثّر به للعمل به واتّباعه، وهذا يدخل في معنى (حقّ التلاوة) كما أورد الكثير من المفسِّرين من أنه اتّباع القرآن حقّ الاتباع والعمل به، وحلّ حلاله وتحريم حرامه[39].

فالمطلوب إذًا الاهتمام بالمضمون مع ضبط الشّكل، وحُسن الإخراج، وسلامة المشافهة، فكلاهما مهمّ لأداء حقّ التلاوة: تقويم اللسان بتجويد ألفاظ القرآن كما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلّم-؛ فذلك هو إتقان الشَّكْل، والالتفات -في الوقت ذاته- إلى وعي المضمون، والعناية بمرحلة التأمّل والتفكر والتدبّر التي تترافق مع القراءة[40].

وعليه، ينبغي أن يكون تجويد القرآن وسيلة إلى تحقيق المقصد الأعلى الذي لأجله نزل، وهو التدبّر. وهو المستوى التالي في التعامل مع القرآن الكريم.

المستوى الثالث: تفكُّر وتدبُّر:

نزل القرآن الكريم ليُقرأ ويُتلى؛ قصد فهمه وتعقُّل معانيه، لقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف: ٢]، وهذه غاية لا تُدرك إلا بغاية أخرى، وهي (التدبّر)، لقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: ٢٩]، وقال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: ٢٤]. «والتدبر: إعمال النظر العقلي في دلالات الدلائل على ما نُصبت له. وأصله أنه من النظر في دُبُر الأمر، أي: فيما لا يظهر منه للمتأمّل بادئ ذي بدء»[41]، وبعبارة أخرى هو: «النظر في أدبار الأمور، أي: عواقبها ومآلاتها، وهو قريب من التفكّر، إلا أنّ التفكّر تصرُّف القلب بالنظر في الدليل، والتدبر تصرفه بالنظر في العواقب»[42].

فبالتدبّر يريد القرآن قراءته؛ لتكون كاملةً مستوفيةً للمقصود، فيتحقّق (حقّ التلاوة)، وهو المطلوب لتجنّب حالة القراءة الخاوية؛ حيث «نقرأ القرآن في صلواتنا؛ أداءً لفروض مكتوبة، وسنن مندوبة، لا نأتمر بمعروف أمرنا به، ولا ننتهي عن منكر نهانا عنه؛ لأننا لا نعي كلمةً مما قرأناه»[43]، مع أنه الـمُيَسَّر للذِّكْر: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: ١٧]، فنحتاج إلى إعمال العقل والفكر وتشغيل النظر. وقد ذمّ اللهُ تعالى في مواضع شتى المعطِّلين لعقولهم المغلقين نوافذ المعرفة والعلم بقوله: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٧١]، كما يذمّ الذين لا يتدبّرون كلامه لـمّا قال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: ٢٤].

وعليه، فإنّ الأمة الإسلامية بحاجة ملحّة إلى البحث عن هذا العنصر المفقود في قراءتها للقرآن (التدبّر) الذي تساءل عنه الغزالي بقوله: «فأين التدبّر؟ وأين التذكّر مع تلك القراءة السطحية التي ليس فيها أيّ إحساس بالمعنى، أو إدراك للمقصد، أو غوص فيما وراء المعنى القريب، لاستنساخ ما هو مطلوب لأمّتنا من مقومات نفسية واجتماعية، تستعيد بها الدور المفقود في الشهادة على الإنسانية وقيادتها إلى الخير؟ بل أجد غياب بعض صفات عباد الرحمن التي وردت في القرآن الكريم، ومن أنهم قوم يقبلون على القراءة بحواسّهم، فهم: يسمعون، ويبصرون، ومن ثم يتحركون»[44].

فعلَى الدراسات القرآنية مزيد اشتغال وتركيز على ما يخدم ترسيخ اتجاه «التدبر» في الأمة، قصد نقلها من حال إقصاء القرآن عن الحياة الإسلامية، وإحاطته بهالة من التقديس تحنطه إِذْ تخرجه عن دائرة الفعل، إلى حالة فاعليته في الضمير المسلم. تلك هي الأولوية القصوى للعصر الراهن، ومسؤولية كبرى في أعناق علماء الأمة ومثقفيها[45].

ويبقى أنّ التدبّر في كلام الله تعالى هو الأداة الكبرى لتحقيق الغاية العليا والمقصد الأكبر من إنزال الله تعالى للقرآن، ألا وهو الاهتداء والتأثّر به في الواقع، أي: العمل به وتطبيقه، وهو ما ينقلنا إلى المستوى التالي في التعامل مع القرآن الكريم، الذي لأجله جعلت تلك المستويات من التعامل، وعليه مدار الحديث.

المستوى الرابع: تأثُّـر وتأثير:

ليست الغاية من تدبّر القرآن الكريم التدبّر في حدّ ذاته، والبقاء في ساحة معانيه وأسراره ومقاصده، وإنما اتباع وعمل به وتطبيقه، بتأثر النفس والعقل والفكر والسلوك به استقامةً ورشدًا، ليترجم تأثيرًا وامتدادًا في الواقع والحياة صلاحًا ورشدًا، وتعمير الأرض بالخير والصلاح، فيرى تطبيق شعار (قرآن يمشي في الأرض). وهذا هو الموصوف بكونه غائبًا أشبه بحاضر، ومنسيًّا أشبه بمحتفًى به في حياة المسلمين، فهو حاضر بما يوجد من مظاهر العناية به المختلفة؛ كتلاوته في مختلف القنوات والوسائل والمناسبات، والحفظة له كُثُر، ولجوء الناس إلى الاستشفاء والعلاج به قوي، لكنه غائب من ناحية تطبيقه والتخلّق به والعمل به في الواقع؛ فلم يَصِر بعدُ الموجِّهَ الأولَ للعقول، ولا المؤثِّرَ الأولَ في النفوس، ولا المحركَ الأول للسلوك، ولا المغيِّرَ الأولَ لِما بالأنفس[46].

وهو الذي أنزله الله تعالى ليهدي به الإنسان إلى أقوم الطرق للسعادة في الدارين الدنيا والآخرة، لقوله: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩]، وذلك في كلّ شأن من شؤونه في الحياة فردًا وجماعةً، لأجل الحياة الإنسانية الطيبة الكريمة.

والأمر باتّباعه صراحةً كأحسن الطرق في التعامل معه، مبثوثٌ فيه؛ كقوله سبحانه: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ [الأعراف: ٣]، وقال: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٠٦]، وقال: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٥]، فباتّباعه يتحقّق الخير والفلاح والنجاح في المعاش والمعاد وشتى صور البركات والرحمات. كما يحذِّر سبحانه المسلمين من الوقوع في عِلَل الأمم السابقة، والتي منها ما ذَكَره عن أهل الكتاب يضرب مثلًا: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة: ٥]. فــ«لـمّا ذكَرَ تعالى مِنَّتَه على هذه الأمة، الذين ابتعث فيهم النبيّ الأمّي، وما خصّهم الله به من المزايا والمناقب، التي لا يلحقهم فيها أحد، وهم الأمة الأمّية الذين فاقوا الأولين والآخرين... ذكر أنّ الذين حمَّلَهم اللهُ التوراة من اليهود وكذا النصارى، وأمرهم أن يتعلّموها، ويعملوا بما فيها، وأنهم لم يحملوها ولم يقوموا بما حُمِّلُوا به، أنهم لا فضيلة لهم، وأنّ مَثَلَهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم، فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك؟ أم حظّه منها حملها فقط؟ فهذا مَثل علماء اليهود الذين لم يعملوا بما في التوراة، الذي مِن أجَلِّه وأعظمِه الأمرُ باتّباع محمد -صلى الله عليه وسلّم-، والبشارة به، والإيمان بما جاء به من القرآن، فهل استفاد مَن هذا وصفه من التوراة إلا الخيبة والخسران وإقامة الحُجة عليه؟ فهذا المثل مطابق لأحوالهم»[47].

وهكذا، فإنّ مِن كمالِ حُسْن التعامل مع كتاب الله وأجَلِّه اتّباعَه وتطبيقَه في الحياة، واتخاذَه الدليل المرشِد لأقوم الطرق في كلّ الشؤون والأقضية؛ فهو منهج الإنسان الفردي، ودستوره الجماعي في نُظُم الحياة بمختلف مجالاتها، لأنه أصدق القول وأحسنه وأحسن ما يتبع: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء: ١٢٢]، ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾ [الزمر: ١٨]. فـلا بديل من اتّباعه والعمل به، بالتأثر به في النفس والمجتمع، والتأثير به في الواقع ونُظُمه وعلاقاته، وإلا فضنك في العيش وشقاء في الحياة، كما يقول تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٣- ١٢٤].

خاتمة:

وهكذا تناولتْ هذه المقالة موضوعًا مهمًّا من موضوعات القرآن، عن كيفية التعامل معه كما يحدّدها بنفسه، من خلال الأمر بأعمال وأفعال، أجملناها في أربعة مستويات:

- تعرُّف وتصوُّر.

- تأدُّب وتعلُّم.

- تفكُّر وتدبُّر.

- تأثُّـر وتأثير.

وظهر أنها مرتبطة بعضها ببعض، ويكمل بعضها بعضًا، بل وتتأسّس على بعضها، كما تتداخل فيما بينها، حتى ليسأل السائل: أليس هذا هو ذاك، وهذا من ذاك؟ فكيف مثلًا يُتوصّل إلى معرفة مقاصد القرآن وغاياته؟ أليس بالتفكّر فيه وتدبّره؟ كما أنّ تدبره من معاني (حقّ التلاوة)، وأن تجويده أداة كبرى مُعِينة على التدبّر وفهمِ المعاني وتحقيق التأثُّـر في النفس الذي يَـتبعُه التأثير في الواقع.

وعلى كلّ حال، هي مستويات من الأعمال متداخلة فيما بينها متكاملة، إنما جعلت لتحقيق مراد الله من إنزال قرآنه وخطابه للناس، وهو تطبيقه في الواقع ليحقّق الحياة الطيبة والسعادة الإنسانية. ولا ندّعي أننا ذكرنا كلّ طرق التعامل مع القرآن الكريم، فقد يكون هناك غيرها تحتاج الكشف والبحث، فهو الكتاب الذي لا تنتهي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الردّ والنظر فيه. وإنّ ما تم طرحه مبادئ وأوّليات في الموضوع وإشارات ولمحات وإضاءات عن كلّ مستوى من التعامل، وإلا فإنّ المسائل متعدّدة، والفروع كثيرة، بحاجة إلى الكثير من التعميق والتطرّق إلى جوانب أكثر تبيينًا للموضوع.

ولذا، فإنّ موضوع التعامل مع القرآن الكريم في ضوء القرآن نفسه هو بحقّ من الدراسات القرآنية التي تستحقّ عنايةً أكثر واهتمامًا، فيظلّ مفتوحًا لمزيد البحث العميق والاستقراء لمزيد من جوانبه القرآنية، خاصّة ما يتعلّق بمنهجيات الاهتداء والتنزيل وإعادة فاعليته في النفس والمجتمع والحضارة.

والحمد لله ربّ العالمين

 

 

[1] أخرجه أبو داود، (1464) واللفظ له، والترمذي (2914)، والنسائي (8002)، وأحمد (6799).

[2] مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت، (٤/ ١٤٠).

[3] معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة، ط١، ٢٠٠٨م، ص١٥٥٤.

[4] معجم الرائد، جبران مسعود، ط٧، ١٩٩٢م، دار العلم للملايين، بيروت، ص٢٢٠.

[5] معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء، نزيه حماد، ط١، ٢٠٠٨م، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ص١٣٩.

[6] أخرجه الترمذي، رقم: (١٩٨٧).

[7] معجم مصطلحات العلوم الشرعية، مجموعة من المؤلفين، م١، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض، ط٢، ٢٠١٧م، ص٤٧٤.

[8] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن السعدي، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، ط٢، 2002م، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، ص٨٩٧.

[9] في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط٩، ١٩٨٠م، (٢٥/ ٣١٧١).

[10] كيف نتعامل مع القرآن؟ محمد الغزالي، في مدارسةٍ أجراها الأستاذ عمر عبيد حسنة، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، ط٧، ٢٠٠٧م، ص٧.

[11] كيف نتعامل مع القرآن العظيم، يوسف القرضاوي، دار الشروق، القاهرة، ط ٥، ٢٠٠٦م، ص١١.

[12] في ظلال القرآن، سيد قطب، (٦/ ٨٢٢).

[13] يراجع: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ١٣٦٤هـ، ص٥٣٩- ٥٤٠.

[14] ينظر: معجم الفروق الدلالية في القرآن الكريم، محمد محمد داود، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ٢٠٠٨م، ص٣٨٥- ٣٨٦، وينظر: مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، والدار الشامية، بيروت، ط٤، ٢٠٠٩م، ص٦٦٩.

[15] التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر، تونس، ط ١٩٨٤م، (١٦/ ٥٤).

[16] في ظلال القرآن، قطب (١٦/ ٢٢٩٦- ٢٢٩٧).

[17] التحرير والتنوير، ابن عاشور، (١/ ٣٨).

[18] المقاصد الكبرى للقرآن؛ دراسة تأصيلية، طه عابدين طه، نسخة إلكترونية، الموسوعة العالمية للهدايات القرآنية، مؤسسة النبأ العظيم، ص٧.

[19] نحو تفسير مقاصدي للقرآن الكريم؛ رؤية تأسيسية لمنهج جديد في تفسير القرآن، وصفي عاشور أبو زيد، مفكرون الدولية للنشر والتوزيع، القاهرة، ط١، ٢٠١٩م، ص٦.

[20] جهود الأمة في مقاصد القرآن الكريم، أحمد الريسوني، بحوث المؤتمر العالمي الأول للباحثين في القرآن الكريم وعلومه في موضوع «جهود الأمة في خدمة القرآن الكريم وعلومه»، الذي نظّمته مؤسّسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) بتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، ومعهد الدراسات المصطلحية، وبتنسيق مع جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، والهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنّة، أيام (١٠- ١١- ١٢ جمادى الأولى ١٤٣٢هـ/ ١٤- ١٥- ١٦ أبريل ٢٠١١م)، ص١٩٩٠.

[21] التحرير والتنوير، ابن عاشور، (١٤/ ٨١).

[22] نظم الدرر، البقاعي، (٢٦/ ٤٠١).

[23] التحرير والتنوير، ابن عاشور، (٢٤/ ٣٠٨).

[24] نظم الدرر، البقاعي، (٢٥/ ٣٨٠- ٣٨١).

[25] في ظلال القرآن، قطب، (٢٨/ ٣٥٣٢).

[26] التحرير والتنوير، ابن عاشور، (١/ ٢٢٠- ٢٢١).

[27] التحرير والتنوير، ابن عاشور، (١٩/ ١٧). ويراجع: علوم البلاغة؛ البيان والمعاني والبديع، أحمد مصطفى المراغي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط٣، ١٩٩٣م، ص١١٥.

[28] الكشاف، جار الله أبو القاسم الزمخشري، تحقيق: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، ط١، ١٩٩٨م، (٢٢/ ٨٨٦).

[29] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، (٤/ ٦٠٢).

[30] نظم الدرر، البقاعي، (٩/ ٢٠٩).

[31] التحرير والتنوير، ابن عاشور، (٢٧/ ٣٣٥).

[32] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، (٦/ ١٠٨).

[33] معالم التنزيل، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: محمد عبد الله النمر، عثمان جمعة ضميرية، سليمان مسلم الحرش، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1412هـ، (٢٩/ ٢٥٠).

[34] فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي الصنعاني الشوكاني، تحقيق: يوسف الغوش، دار المعرفة، بيروت، ط٤، ٢٠٠٧م، (٢٩/ ١٥٤٥).

[35] نظم الدرر، البقاعي، (٢٩/ ٨- ٩).

[36] روح المعاني في تفسير القرآن الكريم، محمود الآلوسي، إدارة الطباعة المنيرية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (١/ ٣٧٢).

[37] ابن عاشور، التحرير والتنوير، (١/ ٦٩٦).

[38] نحن والقرآن ومتغيرات عصر المعرفة، سالم محمد عدنان، دار الفكر، دمشق، ط ٢٠١٦م، ص٢٦.

[39] يراجع تفاسير: الطبري، وابن كثير، والقرطبي، والبغوي، والشوكاني، والسعدي، وغيرهم.

[40] يراجع: نحن والقرآن، عدنان سالم، ص١٧. وكيف نتعامل مع القرآن؟ مقدمة: عمر عبيد حسنة، ص١٥.

[41] التحرير والتنوير، ابن عاشور، (١٨/ ٨٧).

[42] كيف نتعامل مع القرآن العظيم، القرضاوي، ص١٦٩.

[43] نحن والقرآن، سالم، ص١٥.

[44] كيف نتعامل مع القرآن، الغزالي، ص٢٥- ٢٦.

[45] نحن والقرآن، سالم، ص٢٦.

[46] يراجع: كيف نتعامل مع القرآن العظيم، القرضاوي، ص٤٠٧.

[47] تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٠١٧.

الكاتب

الدكتور فاطمة الزهراء دوقيه

حاصلة على الدكتوراه في الآداب من جامعة مولاي إسماعيل مكناس - المغرب، ولها عدد من الأعمال العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))