كتاب (علوم القرآن للأطفال)
للدكتور/ محمد عبد العظيم
عرض وتعريف
يُعَدّ ربط جماهير المسلمين بكتاب الله -عزّ وجل- وعلومه من أهم المقاصد المطلوبة في عصرنا الحالي، فالحُكْم ببقاء علوم القرآن في حيّز التداولات التخصّصية في ظلّ ما يعتري الأمة الإسلامية من تغيرات عالمية وثقافية -حداثية وما بعد حداثية- بمثابة جور على معاني القرآن الكريم وهداياته التي وعد اللهُ بتيسيرها لعباده، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]. وإنّ مِن أهمّ الشرائح التي يتوجّب العناية بها في هذا السياقِ الأطفالَ؛ إِذْ من الضروري انتقاء مباحث معينة من علوم القرآن وإيصالها إليهم بطريقة ميسَّرة تتناسب مع أفهامهم، وفي ضوء قلّة المحاولات في هذا الباب تأتي أهمية التعريف بكتاب (علوم القرآن للأطفال) للدكتور/ محمد عبد العظيم، فنقدّم في هذا المقال تعريفًا بالكتاب، ومحتوياته، كما نشير لبعض جوانب أهميته للدارِسِين[1].
بيانات الكتاب:
اسم الكتاب: علوم القرآن للأطفال.
الكاتب: د. محمد عبد العظيم.
دار النشر: دار الصحابة للتراث بطنطا.
تاريخ النشر: 1414هـ= 1993م.
عدد الصفحات: 48.
السبب الباعث على التصنيف:
أراد المؤلِّف أن يكون هذا الكتاب بمثابة مقدّمة بين يدي الكتابة في قصص القرآن الكريم للأطفال؛ ليسهل على الطالب الوقوف على عتبات القصص القرآني بمعرفة المصحف الذي احتوى تلك القصص بين دفّتيه، يقول الكاتب: «أردنا بهذه المقدّمة أن نرشد الطالب إلى ضالته، وأن نأخذ بيدِ الطفل المسلم والناشئة المسلمين نحو فهمٍ مبسّطٍ صحيحٍ للقرآن وجوانبه...»[2].
منهج الكتاب:
اختار الكاتبُ بعض المباحث الرئيسة في علوم القرآن لبيانها للطفل المسلم، وفي إطار تيسيرها لأفهام الناشئة فقد ابتعد عن منهج عرض الأقوال المختلفة والترجيح، وعمد مباشرةً إلى إيصال المعلومة بالرأي الواحد -وهو غالبًا الرأي الراجح لدى الجمهور-، ثم بيّن خلال مسيرة الكتاب ما غَمُضَ من ألفاظِ بعض الأحاديث النبوية [3] والمصطلحات القرآنية. كما اعتمد أيضًا بعض الأساليب التربوية خلال العرض؛ فحرص على التحبّب إلى الأطفال بقوله: (بُنَيّ العزيز)، وربط مباحث المسائل المختلفة بالقصص القرآني والسيرة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ولا شكّ أن القصص من باب الأمثال العقلية التي تقرب المعنى للأذهان، كما تحبّب إلى الأطفال تاريخ أمّتهم المجيد.
محتوى الكتاب:
بدأ المؤلِّف كتابه بمقدّمة يسيرة أجمل فيها مباحث الكتاب والسبب الباعث على التصنيف، وختمها بتوجيه شُكْره ودعائه لدار النشر، ثم أتت محتويات الكتاب في ثلاثة أبواب متضمّنة كلّ منها عددًا من الفصول، كالآتي:
الباب الأول: (القرآن الكريم: تعريفه/ أسماؤه/ فضله)، وفيه:
1- تعريف القرآن الكريم:
وقد أشار الكاتبُ هنا إلى نقطتين؛ الأولى: المعنى اللغوي للقرآن، وقد ربطه بالجذر (قرأ) من القراءة، والثانية: أشار إلى كونه اسمًا علَمًا لا يجوز إطلاقه على غيره.
2- أسماء القرآن الكريم:
ذكر فيها بعض مسمّيات القرآن الكريم (كالفُرقان، والتنزِيل، والذِّكر، والكِتاب)، وقد حرص على الإتيان بشواهد تلك الأسماء من آيات القرآن الكريم.
3- وصف القرآن الكريم:
وقد عرض هنا بعض أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي تصف جمال وحلاوة القرآن الكريم في أسلوب أدبي سَلِس.
4- تعريف العلماء للقرآن:
وذكر فيه تعريف العلماء للقرآن، فقال: «كلام الله المعجِز المنزل على خاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة الأمين جبريل عليه السلام، المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبّد بتلاوته، المبدوء بالفاتحة والمختتم بسورة الناس». وقد حرص الكاتبُ على بيان معنى كلمة (التواتر) للأطفال في هامش الصفحة.
5- فضله:
افتتح الكاتب هذا المبحث بترسيخ معنى مهمّ في ذهن الأطفال، إِذْ يقول: «إذا أردنا أن نعدّد فضائل القرآن فإنّا نعجز عن ذلك؛ ذلك أنّ فضل القرآن بحر لا شاطئ له، ويكفي أن الله -عزّ وجل- قد شرّف به أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-»[4]، ومن ثمّ طفق في سرد بعض الآيات والأحاديث وأقوال العلماء -كشيخ الإسلام ابن تيمية- الدالة على فضل القرآن وشرفه.
6- كيف نزل القرآن؟
وقد اختار الكاتبُ هنا أن يقدّم للأطفال قول ابن عباس -رضي الله عنهما- بنزول القرآن على تنزُّلَين؛ الأول إلى بيت العِزّة كاملًا في ليلة القدر، ثم إلى السماء الدنيا مفرَّقًا، وبيّن للأطفال العِلّة من النزولَيْن (كاملًا، ومفرَّقًا) بأسلوبٍ سَلِس بسيط؛ لكونه من المتوقع أصالةً أن يسأل الناشئة عن تلك العِلَل، وقد ربط تلكم الحِكَم والمقاصد ببعض القصص القرآني؛ كقصة غزوة حنين، وقصة تحريم الخمر.
7- أول ما نزل وآخر ما نزل:
اعتمد الكاتبُ منهج الرأي الواحد كعادته في عرضه للأطفال، فاختار القول بالآيات الخمس الأُول من سورة العلق في أول ما نزل -وهو الراجح لدى الجمهور-، واختار في آخر ما نزل الآية 281 من سورة البقرة: ﴿وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾، ولم ينسَ في كلٍّ منهما أن يشير إلى الأطفال بإشارات تربوية مفيدة.
الباب الثاني: عن جمع القرآن الكريم؛ وفيه ثلاثة فصول:
1- جمع القرآن في عهد النبوّة:
ركّز الكاتب حديثه في هذا المبحث حول نقطتين؛ الأولى: أنّ عدد حفظة القرآن الكريم في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان كبيرًا؛ واستشهد لأجل ذلك بالآيات والأحاديث والدلائل التاريخية من معركة اليمامة، وحرص على ذكر أسماء بعض الحفّاظ من الصحابة. ولعلّ الكاتب اهتم بترسيخ تلك المعلومة في ذهن الناشئة لئلّا يتأثّروا ببعض الشبهات الاستشراقية المنتشرة -حال ما تعرضوا لها-، والتي تزعم أنّ عدد الحَفَظة كان قليلًا جدًّا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كي ما يشكّكوا في صحة النصّ القرآني.
والنقطة الثانية: تحدّث فيها عن كُتّاب الوحي للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والصحف المستخدمة في الكتابة، وكيفية ترتيب مواضع الآيات، والتي تُعْرَف لدى أهل التخصّص أنها توقيفية، إلا أن الكاتب نقلها إلى الأطفال بصورة ميسَّرة، فقال: «كان جبريل ينزل بالآية أو الآيات على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول له: يا محمد، إن الله يأمرك أن تضعها على رأس كذا من سورة كذا، وكذلك كان الرسول يقول للصحابة: ضعوها في موضع كذا»[5].
والخلاصة أن الكاتب أراد بهاتين النقطتين أن يُطَمْئِن قلوب أطفال المسلمين إلى صحة نصّ كتابهم، وعناية النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام به منذ فجر الرسالة؛ ولذلك فقد استزاد في خاتمة هذا الفصل بقوله: «فضلًا عن أن جبريل -عليه السلام- كان يراجع القرآن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان من كلّ عام... حتى إذا كان العام الذي قُبِضَ فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- راجعه مرتين في رمضان (آخر رمضان شهده النبي صلى الله عليه وسلم)»[6].
2- جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-:
ذكر الكاتبُ هنا ملابسات هذا الجمع مبتدِئًا حديثه بمعركة اليمامة وقتل القرّاء، ثم أوضح تفاصيله على صورة حوار دائر بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم أجمعين-، وهو الحديث الذي رواه الأخير وذكره البخاري في صحيحه.
3- جمع القرآن في عهد عثمان -رضي الله عنه-:
بدأ الكاتبُ بذِكْر دوافع هذا الجمع مِن اتساع رقعة البلاد الإسلامية واختلاف القراءات، والتي بيّنها من خلال الحديث الذي رواه أنس بن مالك عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- في فتح أرمينية وأذربيجان، واستغاثة حذيفة بأمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- أن يدرك الأمة قبل أن يختلفوا في كتاب الله اختلاف اليهود والنصارى، والذي بادر بدوره إلى الأمر بنَسْخ مصحف أبي بكر الذي آل إلى السيدة حفصة بنت عمر -رضي الله عنهما-، وقد حرص الكاتب على ذِكْر أسماء صحابة اللجنة الرباعية التي شكّلها عثمان، وأشار إلى تأكيده عليهم أن يكتبوه بلسان قريش حال الاختلاف.
الباب الثالث: عن إعجاز القرآن الكريم؛ وفيه فصلان:
1- القرآن معجزة محمد -صلى الله عليه وسلم-:
وهنا حرص الكاتب على أن يوصل لأفهام الأطفال الفرق بين معجزات الأنبياء السابقين ومعجزة القرآن للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليرسخ في أذهانهم فكرة الإعجاز المعنوي المتجدّد للقرآن الكريم في كلّ زمان ومكان، فأشار إلى أن معجزة الأنبياء السابقين كانت حسية؛ كاليد والعصا لموسى -عليه السلام- وإبراء الأعمى والأبرص لعيسى عليه السلام، وأنها معجزات تتناسب مع العصر والزمان الذي بُعثوا فيه، وإنما كانت المعجزة الكبرى للنبي صلى الله عليه وسلم -رغم ما أُوتي أيضًا من معجزات حسّية- قرآنًا خالدًا باقيًا، ومن ثَم طفق في ذكر آيات التحدي والإعجاز، التي تحدّى اللهُ فيها الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وكيف أنهم وقفوا عاجزين ولم يحروا جوابًا.
2- أوجه إعجاز القرآن الكريم، وقد لخّصها الكاتب في عشر نقاط مستعينًا بكتاب التبيان للشيخ محمد عليّ الصابوني، كالآتي:
أولًا: النظم البديع المخالف لكلّ نَظْم معهود في لسان العرب:
والتي حاول فيها أن يُوصل للأطفال حيرة قريش أمام نَظْم القرآن وفصاحته، وذلك من خلال عرض أقوال: الوليد بن المغيرة، وأُنيس الغِفاري لأخيه أبي ذَرّ الغِفاري، وعُتبة بن ربيعة.
ثانيًا: الأسلوب العجيب المخالف لجميع الأساليب العربية:
وقد نقل فيها خصائص أسلوب القرآن من كتاب الشيخ الصابوني، جمَعها في سبع نقاط، كالآتي: (مسحة القرآن اللفظية، إرضاؤه العامة والخاصّة، إرضاؤه العقل والعاطفة معًا، جودة سَبْك القرآن وإحكام سرده، براعته في تصريف القول، الجمع بين الإجمال والبيان، الوفاء بالمعنى مع القصد في اللفظ). وقد حاول الكاتب أن يبين معاني تلك المفاهيم للأطفال باختصار، إلا أنه أحسّ أن هذا لن يكون كافيًا فأحال المربِّين إلى كتب، مثل: (مناهل العرفان للزرقاني، والإتقان للسيوطي، والتبيان للصابوني) لمزيد اطّلاع.
ثالثًا: الإيجاز الرائع والجزالة الخارقة:
وفيها أورد قصة الأصمعي مع الجارية العربية الفصيحة، التي أدركت بفطرتها أسرار الإيجاز والإعجاز في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 7].
رابعًا: التشريع الإلهي الكامل:
حيث أشار الكاتب إلى وضع القرآن لأُسس الحضارة والتشريع.
خامسًا: الإخبار عن المغيبات:
حيث ذكر الكاتب أربع حوادث مستقبلية تنبّأ القرآن بها، وهي: (انتصار الروم على الفرس، دخول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى مكة آمنين مطمئنّين، تنبُّؤ القرآن بانهزام قريش قبل وقوع غزوة بدر، والتنبُّؤ بظهور الإسلام على جميع الأديان)، وقد أوردها جميعًا مصحوبة بشواهدها القرآنية.
سادسًا: عدم تعارضه مع العلم الحديث:
لم يتحدث الكاتبُ في هذه النقطة كثيرًا، وإنما اكتفى بعرض قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: ٥٣].
سابعًا: الوفاء بالوعد:
وفيها استعرض الكاتب آيات النصر والتمكين التي وعدَ الله عباده المؤمنين، وكيف تحقق الوعد مع الصحابة الكرام والتابعين حتى فتحوا مشارق الأرض ومغاربها.
ثامنًا: احتواؤه على العلوم في شتى المعارف:
وهنا يطرح الكاتبُ سؤاله على الأطفال أن: كيف لرجلٍ أمّي مثل محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يقرأ ولم يكتب أن يأتي بمثل ما في القرآن من شتى العلوم والمعارف؟ ليجيب عليهم بأنّ هذا بلا شك وجهٌ من أظهر وجوه الإعجاز.
تاسعًا: وفاؤه بحاجات البشر:
حيث يسرد الكاتبُ بإيجاز عشرة مقاصد من هدايات القرآن الكريم التي تفي بحاجات البشر في كلّ زمان ومكان، وجاءت كالآتي: (إصلاح الأفراد، إصلاح المجتمعات، إصلاح العقائد، إصلاح العبادات، إصلاح الأخلاق، إصلاح الحُكم والسياسة، إصلاح الشؤون المالية، إصلاح الشؤون الحربية، إصلاح الثقافة العلمية، تحرير العقول من الخرافات).
عاشرًا: تأثيره في القلوب:
ذكر فيها الكاتبُ إسلام عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير -رضي الله عن الجميع-، وكيف تحوَّل ألَدُّ أعداء الإسلام إلى الصفوة من أتْبَاعه المخلصين تأثُّـرًا بالقرآن الكريم.
وفي ختام المباحث وضع الكاتب مجموعة من التنبيهات في صفحتين ليؤكّد أن كتاب الله لم ينزل للكبار فقط وإنما نزل للكبير والصغير؛ حيث يمكن للصغار أن يقرؤوه ويفهموه ويطبِّـقوه، ومن ثَمّ وجَّه خطابه إلى فِتيان وفتيات أمة الإسلام ليخبرهم أنّ الآفاق العلمية التي يفتحها القرآن هي سبيل الكرامة؛ ذلك أنّ أول ما نزل من القرآن قوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، وأنّ النظر في التاريخ فيه العِبرة والعِظة والدروس ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا﴾ [العنكبوت: 20].
أهمية الكتاب:
كما أشرنا سابقًا فإنّ الكتاب يُعَدّ من المحاولات القليلة -إن لم تكن الوحيدة- في تيسير مباحث علوم القرآن الأساسية للفِتيان والناشئة؛ ذلك أنّ أغلب ما كُتِبَ للأطفال وما وُضِعَ من برامج ومشروعات -في عصرنا الحالي- توجّه نحو مباحث التجويد والأداء فقط دون غيرها.
وقد استطاع الكاتب أن يوصل المفاهيم والمعلومات إلى أذهان الأطفال من خلال أسلوبٍ ميسَّر ونهجٍ محبّب، ومن هنا فإنّ الكتاب يحمل أهمية كبيرة إلى ثلاثِ فئات:
أولًا: المربِّين والمحاضن التربوية:
إِذْ يعدّ الكتاب تطبيقًا عمليًّا لكيفية ربط الناشئة بكتاب الله -عزّ وجلّ- وسيرة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن الجيّد وضعه ضمن مناهج دور التحفيظ للأطفال والناشئة؛ فمن الأهمية بمكان أن يدرك الأطفال طبيعة هذا المصحف الذي بين أيديهم وتاريخه الشريف؛ فإنه مما ييسِّر عليهم حِفْظه وفهمه وتعظيم شأنه في نفوسهم؛ وما أحوج الأمة لذلك مِن ناشئتها في ظلّ التحديات التي تعاصرها.
ثانيًا: الباحثين في مجال الدراسات القرآنية عمومًا، وعلوم القرآن خصوصًا:
إِذْ يطلِق الكتاب جرس إنذار إلى ضرورة الاهتمام بوضع المؤلَّفات لأطفال المسلمين، والسعي إلى كتابة ما يعينهم على فهم القرآن الكريم وتاريخه بأسلوب تربوي عصري، فيعرض لهم مباحث علوم القرآن الضرورية بأسلوب سهل يربط قلوب أجيال الحاضر بقلوب أجيال الصحابة والتابعين.
ثالثًا: أطفال المسلمين والناشئة:
وهم الفئة الأساسية التي وُجِّهَ الكتاب إليها، وقد نجح الكاتبُ في اختيار مباحث أساسية من علوم القرآن يلزم ترسيخها في قلوب الناشئة، واستطاع أن يقرّب تلك المباحث للأطفال بطريقة سهلة ميسَّرة، فأتى طرحه مناسبًا لفئاتهم العمرية الصغيرة بامتياز، إلا أننا نستثني بعض النقاط التي أرى -في وجهة نظري- أنها تحمل بعض الغموض بالنسبة لحداثة أسنانهم؛ كتعريف العلماء للقرآن الكريم، وهو بالطبع جانب علمي لا يلزم الأطفال أن يعرفوه؛ وخاصةً أنه يحمل الكثير من الدلائل الكلامية. كذلك في مبحث الجمع العثماني فإن الكاتب أشار إلى نقطة قد تثير اللَّبْس والتساؤلات لدى الأطفال، وترَكَها دون توضيح، وهي أمر عثمان للّجنة الرباعية أنْ إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلسان قريش، ومن المعروف أن مبحث الأحرف السبعة يحمل الكثير من النقاشات والجدل في الكتابات التخصّصية، فكيف بنا إذا تم عرضه على الناشئة وتُرِكَ دون توضيح؟! لذلك كان يجدر بالكاتب أن يكتفي بإشارته فقط إلى مسألة اختلاف القراءات والتي ذكرها في دوافع الجمع، أو إن أراد أن يخوض في تلك المسألة أن يوفيها حقّها ويبذل المزيد من الجهد في محاولة توصيلها للأطفال والمربين -والذين سيكون أغلبهم من خارج إطار التخصّص كالآباء والأمهات- بطريقة سلسة سهلة كالتي عهدناها منه طوال الكتاب.
وفي الختام؛ فإن كتاب (علوم القرآن للأطفال) يعدّ محاولة جادّة لتبسيط مباحث علوم القرآن للناشئة، وهو يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الاجتهادات في باب الدراسات القرآنية للطفل، والتي تحتاج إلى مزيد من البحث والتعاون المشترك بين علماء الدراسات القرآنية وعلماء الدراسات والأساليب التربوية. نسأل أن يحفظ أبناءنا وأبناء المسلمين، وأن ييسِّر لكتابه مَن يحببون أطفال المسلمين فيه، والله تعالى من وراء القصد.
[1] أتقدم بخالص شكري لقطاع المكتبات بمكتبة الإسكندرية؛ لحرصهم على تسهيل مهمّتي البحثية واطلاعي على النسخة الورقية الأصلية للكتاب.
[2] علوم القرآن للأطفال، محمد عبد العظيم، ص3، دار الصحابة للتراث بطنطا، مصر، الطبعة الأولى، 1414هـ= 1993م.
[3] كبيان بعض ألفاظ حديث السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن شدائد الوحي، تقول: «لقد رأيته -صلى الله عليه وسلم- حين ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصّد عرقًا» [يُفصَم عنه، أي: ينفصل عنه الوحي ويتركه - ويتفصّد عرقًا، أي: يتصبب عرقًا من شدّة الوحي].
[4] علوم القرآن للأطفال، ص9.
[5] علوم القرآن للأطفال، ص23.
[6] علوم القرآن للأطفال، ص23.