التفسير السُّنَني
مفهومه ومصادره وأقسامه وأهميته
تمهيد:
يُعتبر مقصد البيان السُّنَنِي للقرآن الكريم مِن أعظم المقاصد التي نزلَ مِن أجلِها؛ فقد أفاض في بيان أهمية السنن الإلهية وفاعليتها، وحَثَّ على اكتشافها، والانطلاق منها في النظر والفهم، والعمل بمقتضياتها وتوظيفها في قيام الإنسان بأعباء الاستخلاف والعمران في الأرض، تؤكّد ذلك النصوص الآمرة بالسَّيْر في الأرض، والنظر في الخَلْق، وأحوال السابقين، كقوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الحج: 46]، وقوله: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ [العنكبوت: 20]، وقوله: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الروم: 42]، قصد الإرشاد إلى سنن الله في قيام الأمم والمجتمعات ونهضتها، وكذا سقوطها.
وهذا الزخم والكثافة في التعبير القرآني عن السنن الإلهية لَأكبرُ داعٍ إلى إفراد الدرس السنني باتجاه خاصّ لاستلهام هداياته للحياة على أكمل وجه. وأفضل ذلك ما يُعرف بالتفسير السنني للقرآن، ويُعتبر قولُه تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 26]؛ الأصلَ الذي يُبنى عليه طرح هذا الاتجاه في التفسير؛ فهو من مرادات الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ﴾، في سبيل تحقيق التوبة: ﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾.
وتأتي مقالتنا هذه لتؤصّل لهذا الموضوع عن التفسير السُّنني بتناول بيان مفهومه، ومصادره وأقسامه، ثم مقاربة أهميته من حيث دوره في تحقيق النهوض الحضاري المنشود للأمّة.
أولًا: مفهوم التفسير السّنني للقرآن:
(التفسير السُّنَنِي) مركّب وصفي يتكون من كلمتين، نعرِّفه مفككًا، ثم مركّبًا. أمّا التفسير لغةً فهو البيان والكشف والإيضاح[1]، ومِن أجمعِ تعريفاته اصطلاحًا أنه: «عِلم يُعْرَف به فَهم كتاب الله المنزّل على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه»[2]. وقد ورد في القرآن في موضع واحد بمعنى إظهار المعنى المعقول[3]، يقول تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ [الفرقان: 33]؛ «أي: بيانًا وتفصيلًا، والتفسير: تفعيل، وهو من الفسر، وهو كشف ما قد غُطّي»[4]، أو كشف «ما غطى الفهم من ذلك الذي خيلوا به وادّعوا أنهم أوضحوا به وجهًا من وجوه المطاعن»[5].
وأمّا السُّنَن فجمع سُنّة، ومعناه الأصلي: جريان الشيء واطّراده في سهولة[6]، وهي السيرة حميدة كانت أو ذميمة[7]، والطريقة مرضية كانت أو غير مرضية[8]، والعادة والنهج[9]. ومعناها المحوري: «نفاذ الشيء الدقيق بامتداد لتهيئته وتسويته لذلك؛ كسِنّ الرمح تنفذ في المطعون به على امتدادها بلا انثناء قوية حادة... ومن حسّيّ التسوية على هيئة السنّ: سننت التراب: صببته على وجه الأرض صبًّا سهلًا حتى صار كالمسنّاة... ومن المعنوي: السُّنّة: الطريق: ﴿سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا﴾ [الإسراء: 77]، فالسُّنة أمر أو تَصَرُّف يُهَيَّأ أو يُقْصَد به (أو يَصْلُح) للاستمرار عليه والعمل به، وهذا امتداد ونفاذ»[10].
وقد ورد لفظ (السُّنّة) في القرآن 16 مرة[11]، وبصيغ متعدّدة، بمعنى العادات الجارية والطرائق والسيرة المألوفة والمناهج؛ فـ«سُنّة الله تعالى: قد تُقال لطريقة حكمته، وطريقة طاعته، نحو: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الفتح: 23]»[12]. وحين تُنسب إلى الله تعالى فبمعنى «أنها طريق عامة يجري بها أمره في عباده، كما قال تعالى: ﴿سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾ [غافر: 85]»[13]. واختلفت تعبيرات المفسِّرين في تعريفها، لكنهم يعبّرون عن نفس المعنى؛ أنها عادات الله الجارية وطرائقه الثابتة وسيرته المطّردة في معاملة عباده، ترتيبًا على سلوكهم محمودًا كان أو مذمومًا.
ومِن أجمعِ ما قيل في تعريفه اصطلاحًا، أنها «الطريقة المتبعة في معاملة الله تعالى للبشر -بناء على سلوكهم وتصرفاتهم وأفعالهم-، والنظام الذي أقام عليه الكون والحياة، والقوانين التي بثّها في هذا الوجود وأخضع لها جميع مخلوقاته. وهي توصف بصفة الربانية والعموم والشمول والثبات والتسخير والتوازن والانتظام والنفاذ والصلاحية لكلّ زمان ومكان»[14].
وعليه، يكون التفسير السُّنني للقرآن كشفَ وبيانَ عادات الله تعالى الجارية، وطرائقه المتبعة المطّردة في معاملته للبشر، ترتيبًا على تصرّفاتهم، والنظام الذي أقام عليه الكون، والقوانين التي أخضع لها الحياة والأحياء، بتتبّعها في سوره وآياته، وبيان دلالاتها وما تفيد منه الأمّة في قيامها بوظيفتها الاستخلافية، واستئنافها لنهوضها الحضاري[15].
ونظرًا لاتساع المساحة القرآنية التي يشغلها بيان السنن الإلهية، جاءت دعوة صاحب المنار إلى العلم السّنني، ويمكن اعتبار التفسير السّنني منه، فيقول: «إنّ إرشاد الله إيانا إلى أنّ له في خلقه سننًا؛ يوجب علينا أن نجعل هذه السنن عِلْمًا من العلوم المدونة، لنستديم ما فيها من الهداية والموعظة على أكمل وجه، فيجب على الأمّة في مجموعها أن يكون فيها قوم يبينون لها سنن الله في خلقه، كما فعلوا في غير هذا العلم من العلوم والفنون التي أرشد إليها القرآن بالإجمال... والعلم بسنن الله تعالى من أهم العلوم وأنفعها، والقرآن يحيل عليه في مواضع كثيرة، وقد دلّنا على مأخذه من أحوال الأمم؛ إِذْ أمرنا أن نسير في الأرض لأجل اجتلائها ومعرفة حقيقتها»[16].
والناظر فيما اشتمل عليه هذا العلم القرآني، يجد أنه «بَيّنَ كثيرًا من أحوال الخَلْق وطبائعهم، والسنن الإلهية في البشر، قصّ علينا أحسن القصص عن الأمم وسيرها الموافقة لسنته فيها، فلا بد للناظر في هذا الكتاب من النظر في أحوال البشر في أطوارهم وأدوارهم، ومناشِئ اختلاف أحوالهم، من قوّة وضعف، وعزّ وذلّ، وعِلْم وجهل، وإيمان وكفر، ومن العلم بأحوال العالم الكبير علويّه وسفليّه... أجمل القرآن الكلام عن الأمم، وعن السنن الإلهية، وعن آياته في السماوات والأرض، وفي الآفاق والأنفُس، وهو إجمال صادر عمن أحاط بكلّ شيء علمًا، وأمَرَنا بالنظر والتفكر، والسير في الأرض لنفهم إجماله بالتفصيل الذي يزيدنا ارتقاء وكمالًا»[17].
وعليه، يحتوي القرآن على بيان للسنن الإلهية الكونية منها والاجتماعية، مبرزًا ارتباطها في وحدة نظامية يأخذ بعضها برقاب بعض في تناسق وتآلف، خدمةً للإنسان في رسالته الاستخلافية في الأرض كما يرضى خالقه سبحانه.
ثانيًا: التفسير السُّنَني: مصادره وأقسامه:
1- مصادره:
في المنهج العام للتفسير عامة، والسُّنني خاصة ما يتعلّق بالمصادر التي يعتمد عليها في الفهم ومعرفة مختلف المسائل كلية أو فرعية، فيقوم على كلّ ما اعتمد عليه غالب التفاسير؛ أولها القرآن الكريم، فالله تعالى الأعلم بكلامه عن سننه التي هي أفعاله وحكمته وطرائق معاملته لخلقه، ومجمل هدايته لعباده. وثانيها السُّنّة النبوية التي تمثّل التطبيق العملي للمنهج القرآني، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هو أعلم البشر بكلام الله، وهو القدوة الحسنة في الفهم والتطبيق السُّنَنِيَّيْن، ولم يغفُل -صلى الله عليه وسلم- في حركاته وسكناته عن الأخذ بالسنن والأسباب، كما كان يرشد أصحابه دومًا إلى مراعاتها وإعمالها في كلّ أمورهم وشؤونهم. وثالثها أقوال الصحابة والتابعين، الذين يعدّون أفضل القرون والأقرب لعهد التنزيل، رُبّوا بالتربية السّننية، و«استجابوا لنبيّهم فتدبّروا القرآن الكريم تدبرًا سننيًّا، فاكتشفوا سنن الله وتفاعلوا معها، وتعرّفوها، وانتفعوا بها في حياتهم، فلم يتمنّوا الأمنيات، ولم ينتظروا اختراق العادات، دون بذل الجهود والمساعي والأخذ بالسنن»[18]، وشواهد ذلك كثيرة. ورابعها لسان العرب؛ فقد نزل القرآن بلغة العرب وأساليبها في الخطاب والتعبير، وهي من أكثر ما يعتمد عليه استنباط السّنن واستخراجها، وذلك بلحاظ الأساليب والصيغ الواردة بها، فسنن الله مرتكزة على السببية والتعليل والشرط والجزاء، وكلّ ذلك له أساليب لغوية دقيقة، لا بد من تحرّيها والتدقيق فيها، ليمكن تقرير السنن في أيّ موضع قرآني، فضلًا عن ملاحظة الأساليب البلاغية والبيانية وما يتعلق بالنَّظْم. ثم خامسها الرأي والاجتهاد وإعمال العقل، شرطَ أن يكون مبنيًّا على العلم والدليل، عملًا بالآيات الآمرة بالتدبّر؛ كقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]، وقد أنكر على عدم تدبّره في قوله: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]. وقد نهى عن اتّباع الهوى وتقفِّي ما ليس به علم: ﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾ [النساء: 135]، ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36].
ومن المصادر المضافة كذلك تفاسير القدامَى التي لا تخلو من إشارات وإضاءات سُننية معتبرة كنظام القرآن للفراهي، ثم التفاسير المعاصرة التي اعتنت بالبُعد السُّنني بشكلٍ ملحوظ، كتفسير المنار وفي ظلال القرآن، «ثم العناية بكتب ابن خلدون ونظرياتـه الرائـدة في علـم الاجتمـاع العمراني، وكُتَّاب النهضة الذين أفادوا من مدرسة ابن خلدون، وإن كان تناولهم تناولًا اجتماعيًّا إنسانيًّا مثل كتابات مالك بـن نـبي، وجودت سعيد، وماجد عرسان، والطيب برغوث، وغيرهم ممن عنوا بجانب السّنن»[19].
ومن المصادر التي تضاف إلى ما سبق مما يتطلّبه بيان السنن الإلهية والتفسير السُّنني للقرآن الاستفادة مما توصّلت إليه العلوم الإنسانية والكونية، فيما لا يخالف مقاصد الوحي؛ إِذْ تتصل بمجالات الاجتماع الإنساني، فضلًا عن حقائق الكون العلمية القائمة على الحِسّ والمشاهدة والتجريب، بل لعلّ من أهم دواعي الاهتمام بالتفسير السّنني للقرآن «للوقوف على السنن الاجتماعية المبثوثة فيه هي الوظيفة التي تضطلع بها هذه السنن في علاقتها بالعلوم الإنسانية عامة، وبعلم الاجتماع خاصة؛ فمن شأنها أن تشكّل مصدرًا مهمًّا لهذه العلوم نُعِيد على ضوئه النظر في الكثير من نتائجها وخلاصاتها، ونمدّها مِن ثَم بنتائج وخلاصات يقينية أشبه من حيث الدقّة بمعادلات رياضية وفيزيائية، فتتضاءل الأخطاء نتيجة لذلك وتتقلّص، ويصير من الممكن تجنّبها وتفاديها»[20].
2- أقسامه ومنهجياتها العامة:
يمكن تقسيم التفسير السُّنني إلى ثلاثة أقسام كبرى مع إيضاح المنهجية العامّة لكلّ قسم:
- الأول: التفسير السنني الكلي:
بأن يتمّ تفسير القرآن كاملًا تفسيرًا سننيًّا سورةً سورةً، حسَب ترتيبها في المصحف، ويعتمد في منهجيته لبحث السنن الإلهية في السورة القرآنية الواحدة على وضع العناصر الآتية:
• بين يدي السورة: حيث يتمّ التعريف بها بما توفّر من حيث اسمها، وعدد آياتها، ووقت نزولها وسببه، والمرحلة التي نزلت فيها، وموقعها بين السور، وما ورد في فضلها مما صَحّ، وما انفردت به، ومناسباتها بشتى أنواعها، مع الالتفات إلى ما قد يوجد من علاقات بين هذه الحيثيات وبين السنن الربانية الواردة.
• أغراضها: أي مقصدها الكلي ومقاصدها الجزئية وما يوجد من علاقات بالسنن المذكورة.
• السنن الربانية في السورة: حيث تسرد السنن متبوعة بآياتها مع تفسير معانيها بآيات في نفس المعنى إنِ اقتضى الحال. مع تصنيف هذه السنن إلى كونية، واجتماعية إن وردت كذلك.
• وسائل الكشف عن السنن الإلهية المتنوّعة في السورة من أساليب لغوية وفنية.
• العلاقات بين السنن: الكونية والاجتماعية الواردة في السورة.
• عرض وتركيب للسنن الإلهية في السورة[21].
- الثاني: التفسير السُّنني الموضوعي العام: الذي يبحث في السنن على شكل موضوعات قرآنية عامة نظريًّا مع إبراز الجانب التطبيقي لها في واقع الأمة. في هذه الحالة يعتمد منهجية التفسير الموضوعي بدراستها في القرآن، ويتمّ على ثلاثة مستويات[22]:
- من خلال القرآن كلّه باستقراء الآيات الواردة فيه وجردها، مثل: «سنة التدافع في القرآن».
- من خلال سورة من السور، كموضوع: «سنة التزكية في سورة الشمس».
- من خلال لفظة قرآنية أو جملة قرآنية مع بيان معانيها في القرآن؛ كلفظة: (الحياة) في القرآن، وكجملة: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 10].
- الثالث: التفسير السنني الخاص (المجالي): الذي يبحث في سنن خاصّة بمجال من المجالات، وهي تتنوّع في القرآن لتسع ميادين الحياة ومستوياتها جميعًا؛ إِذْ يهديها للتي هي أقوم وأعدل وأصوب. وجمع آيات القرآن الكريم في مجال من المجالات، والتأمّل فيها وتدبرها للكشف عن سنن الله في هذا المجال أو ذاك، ويتبع فيه منهجية التفسير الموضوعي وضوابطه. والأمّة الإسلامية بأمسّ الحاجة في زمنها هذا إلى البيان الشافي لسنن الله في مختلف مجالات حياتها الاجتماعية، لما يلاحظ من غياب التفكير السّنني لدى عموم المسلمين، متجليًا في مختلف المواقف والتجارب، فما زالت تحكمهم العواطف ويعتمدون على الأماني، غافلين أنّ السنن الإلهية غلّابة لا تحابي ولا تجامل أحدًا، بل خاب وخسر إنْ تنَكّبَ عنها وسعى على خلافها.
وأكثر السنن الإلهية إلحاحًا للواقع المعاصر حسَب رأي أحد الباحثين في السنن الإلهية «سنن الله في تربية النفس البشرية، سنن الله في تكوين الأُسَر الفعالة، سنن الله في تماسك شبكة العلاقات الاجتماعية، سنن الله في إدارة العلاقات الدولية، سنن الله في الاستغناء عن الناس في الجانب الاقتصادي والعسكري، سنن الله في إقامة العدل ودحض الاستبداد، سنن الله في تعلّم أسرار المادة في الكون، كلّها تتضمّن قوانين لله في الأرض لا تغني العاطفة عنا شيئًا إن جهلناها!»[23].
ثالثًا: أهمية التفسير السنني من خلال دوره في النهوض الحضاري للأمّة:
إنّ ارتباط قضية السنن الإلهية بالنهوض الحضاري للأمّة، هو ارتباط المقدمات بالنتائج، والسبب بالمسببات، فلا يمكن الحديث عن نهوض حضاري إلا بالحديث عن سننه وإعمالها، ولن يصلح حال الأمّة ولن تستعيد عافيتها ونهوضها الحضاري إلا بالوعي بالسنن واستثمارها والتوافق معها، ومتى أعرضت عنها وتنكّبَت هديها خسرت وخابت كما خاب أمثالها؛ ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: 38]، ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: 137].
هنا يتحدّد أنّ غاية التفسير السّنني للقرآن الكريم تحقيق النهوض الحضاري للأمّة، مثلما أنّ الهدف من دعوة القرآن إلى التدبر السّنني «استخلاص الدروس والعِبر التي تستفيد منها الأمّة المسلمة وتسترشد بها، لتصحح مسارها العمراني البشري على النحو الذي يحقّق لها العيشة الهنية في طمأنينة وسلام، وأمن واستقرار، أي: تنطلق من القرآن إلى العمران»[24]. وبدون التدبر السّنني أو الغفلة عنه «يفقد الإنسان ميزته الأساسية، وأمانته التي حمّله الله إياها، والسلطان الذي أعطاه الله تعالى له، لتسخير ما خلق الله له، ويصير هذا الإنسان المكرم في أسفل سافلين، بل يصير الإنسان نفسه مسخّرًا للذين يعلمون سنن الله»[25].
وقد تناوَل القرآن دور التفسير السّنني في سبيل تحقيق النهوض الحضاري للأمة بحديثه عن التوبة، في قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ...﴾ الآيات[النساء: 26- 27]، الذي يعدّ الأصل الذي يُبنى عليه التفسير السّنني باعتباره مراد الله تعالى؛ فيخبر -سبحانه تعالى- أنه يريد «ليكشف لكم عن حكمته؛ ويريد لكم أن تروا هذه الحكمة، وأن تتدبّروها، وأن تقبلوا عليها مفتوحي الأعين والعقول والقلوب؛ فهي ليست معمياتٍ ولا ألغازًا؛ وهي ليست تحكمًا لا علّة له ولا غاية؛ وأنتم أهل لإدراك حكمتها، وأهل لبيان هذه الحكمة لكم... فهذا المنهج هو منهج الله الذي سَنّه للمؤمنين جميعًا. وهو منهج ثابت في أصوله، موحّد في مبادئه، مطّرد في غاياته وأهدافه... فهو -سبحانه- يبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ليرحمكم، ليأخذ بيدكم إلى التوبة من الزَّلَل، والتوبة من المعصية، ليمهّد لكم الطريق، ويعينكم على السير فيه»[26]، ثم كرّر مسألة التوبة بعد ذلك بقوله: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 27]؛ أي أنه تعالى يريد «أن يرجع لكم بالبيان الشافي عمّا كنتم عليه من طرق الضلال لما كنتم فيه من العمى بالجهل»[27].
والتوبة مفهوم شامل وعام يحوي من الآفاق والمعاني والصور ما يسع الحياة جميعًا، ليست الفردية فحَسْب، فالله تعالى يقول: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]، فهناك التوبة الجماعية، وما يتعلّق بشؤون الناس مجتمعين. ولاستعادة الأمة عافيتها وفاعليتها ونهوضها الحضاري تحتاج أن تتوب توبةً حضارية شاملة ومتكاملة أفرادًا وجماعاتٍ باتّباع المنهج الذي سنّه لها الخالق سبحانه، منهج الاستخلاف في الأرض وعمارتها: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 38]، وهذا لا يتحقّق إلا بفقه السنن الإلهية والوعي بها وتوظيفها وحُسن التعامل معها.
واقتران مسألة بيان السّنن وكشفها والاهتداء بها مع التوبة، يذكّرنا بالمقصد القرآني من كشف السنن الإلهية في قصص الأمم، وهو (الاعتبار) تبيُّنًا لطريق الحقّ للسَّيْر فيه، وطريق الباطل لتجنّبه، وتجنب تكرار أخطاء السابقين. وهو ما تشير إليه العديد من الآيات، كقوله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 137- 138]؛ إذ يخبر سبحانه أنه «قد مضت من قبلكم أحوال للأمم، جارية على طريقةٍ واحدةٍ، هي عادة اللَّهِ في الخلق، وهي أنّ قوة الظالمين وعتوّهم عَلى الضعفاء أمرٌ زائل، والعاقبة للمتقين المحقّين، ولذلك قال: ﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾؛ أي المكذِّبين برسل ربهم، وأُريد النظر في آثارهم ليحصل منه تحقّق ما بلغ من أخبارهم، أو السؤال عن أسباب هلاكهم، وكيف كانوا أُولي قوّة، وكيف طغوا على المستضعفين، فاستأصلهم الله لتطمئن نفوس المؤمنين بمشاهدة المخبَر عنهم مشاهدة عيان، فإنّ للعيان بديع معنى... والبيان: الإيضاح وكشف الحقائق الواقعة. والهدى: الإرشاد إلى ما فيه خير الناس في الحال والاستقبال. والموعظة: التحذير والتخويف. فإن جعلت الإشارة إلى مضمون قوله: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ [آل عمران: 137] الآية، فإنها بيان لِما غفلوا عنه مِن عدم التلازم بين النصر وحسن العاقبة، ولا بين الهزيمة وسوء العاقبة، وهي هدى لهم لينتزعوا المسببات مِن أسبابها، فإنّ سبب النجاح حقًّا هو الصلاح والاستقامة، وهي موعظة لهم ليحذروا الفساد ولا يغترّوا كَما اغترّ عاد إذْ قالُوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت: 15]»[28].
وإذًا، دور التفسير السّنني في تحقيق الأمّة لنهوضها الحضاري يتمثّل في توبة الإنسان فردًا وجماعةً واستقامته على طريق الحقّ وتجنّب الباطل، أي الدور الوظيفي التقويمي للسلوك الإنساني؛ «فالوظيفة الأساسية للقيم والسنن هي في تقويم الاختلالات وردّها إلى حالة الصواب والسواء، وإلا لم يكن لها معنى غير كونها (شعارًا) ترفعه هذه الجهة أو تلك»[29].
ويستلزم وفاؤه بهذا الدور دورًا آخر، وهو تشكيل الوعي السّنني وبناء التفكير السّنني؛ فواقعنا المعيش شاهدٌ على مدى خلل التفكير وضعف الوعي السّنني لدى المسلمين، ومن ثَم عدم الاهتداء بسنن الله؛ «والإنسان حين لا يهتدي بسنن الله، ولا يهتدي بالعلم والهدى الذي جاء من عند الله، يميل به هواه، لأنه فَقَدَ الميزان، فصار سهلًا عليه أن يميل مع هواه حيث لا يخشى سنَّةً ولا علمًا. فكيف يخشاهما! ...وهو لم يشعر بقوانينها في الحياة، وأسلوب كشفهما للباطل! ...فلذا نجد أنَّ ضيق نظره، والمحدودية في إدراكه، يسهّلان عليه اتّباع الظنون وما تهواه نفسه، دون أن يخشى نكيرًا»[30].
وعليه، يتحمّل التفسير السنني عبء هذا الدور الأساس في البناء لتحقيق التقويم السلوكي للإنسان، والتوبة والاستقامة على الهدى والحقّ، لتحصيل عوامل التقدّم والفلاح في الدنيا والآخرة، واتقاء عوامل الخيبة والخسران، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 9- 10]، وقوله: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 123- 124].
والعقل كما يبنيه القرآن هو عقل سنني بامتياز؛ مؤمن بالله، وكذلك مؤمن بترتُّب النتائج على الأسباب، واطّرادها: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف: 84]، عقل يقوم على الإيمان والعمل الصالح، وعلى الحساب الدقيق والموازين الذكية، وليست عقلية الأماني بلا عمل: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: 123- 124]، عقل ضدّ الخرافة والجهل واليأس والتواكل والكسل وتعليق الإخفاقات على مِشْجَبِ الأقدار أو الخصوم: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: 165][31].
وهو عقل نقدي سَؤُول يطلب العلم والبرهان، ولا يتبع الظنّ والتخرّصات: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 111]، ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ [النجم: 28]. كما لا يقبل التقليد والآبائية: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [المائدة: 104]؛ فـ«أوّل ما يتبادر إلى الذِّهن عند الاطلاع على القرآن، هو إدانة اتّباع الآباء في عمومه، أكثر من مدح اتّباع الآباء، لأنّ إحلال الآباء محلّ آيات الله وسننه، أمر جذّاب شديد الإغراء. ولهذا فالتحذير من اتّباع الآباء، هو الظاهر في القرآن، وهو أوّل ما يُبادرُ المطلعَ عليه. وللاستفادة مما كان عليه الآباء، ينبغي أن يخضع ما كان عليه الآباءُ للعلم والهدى، ويُجرى عليه التصحيحُ المطلوب دائمًا»[32].
هذا العقل السّنني النقدي يقوم على «الربط المحكم بين السبب والنتيجة، فلا صدفة في الكون ولا عبثية، وعندما تحدث الأغلاط؛ فإنّ خللًا في مستوًى ما قد حدث... يجب أن نفترض أنّ خطأً ما قد حصل، وليس لأنّ قوى لا نعلمها أو نحيط بها هي المتسببة في ذلك»[33]، فالله تعالى قد أجرى الوجود وَفق سنن لا تتحوّل ولا تتبدّل، مع اليقين أن إرادته الطليقة يمكن أن تبدّل كلّ القوانين وتستبدل بها أخرى، لكن الجاري والثابت هو تنظيم الكون وَفق قوانين من مستويات متعدّدة؛ فلا مجال للخوارق والمعجزات والأماني؛ لهذا لم يستجب القرآن لطلبات المشركين، كما في قوله -عز وجل-: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: 90- 93].
وتحقيق هذا النمط من التفكير لدى المسلمين اليوم يحتاج «إلى بذل جهود علمية وفكرية وتربوية أكثر؛ فهناك مفاهيم تحتاج إلى تصحيح، وإرادة تحتاج إلى تحرير»[34]. ولا شكّ أن التفسير السنني أكبر هذه الجهود الفكرية والعلمية والتربوية، والحديث في ذلك يطول، فمجمل القول بأنّ دوره محوري في النهوض الحضاري للأمة من خلال تشكيل الوعي السنني، وبناء التفكير السنني لدى المسلمين، فضلًا عن توفير المادة الأساس المرجعية للتربية السننية في المجتمعات الإسلامية، لتدرك من خلالها سنن فلاحها ونهوضها الحضاري فتأخذ بها، وتعي سنن خيبتها وسقوطها فتتقيها.
خاتمة:
وهكذا، عرّفَتْنَا هذه المقالة بموضوع مهمّ من مواضيع الدراسات القرآنية الذي يحتاج إلى مزيد الاهتمام، وهو التفسير السُّنَني للقرآن؛ مفهومه ومصادره وأقسامه، وأهميته المتمثّلة في دوره المحوري في تحقيق الأمّة لنهوضها الحضاري واستعادة فاعليتها، فتبيّن أن لن تنهض من كبوتها إلّا باتخاذ الأسباب وإعمال السّنن التي وضعها الله تعالى بعد فقهها والوعي بها وحُسن التعامل معها، وما أنزل كتابه العزيز إلا ليرشدها إليها، يهديها لأحسن الطرق، وأعدل السُّبُل.
ولذا كانت حاجتها إلى قراءته سننيًّا ماسّةً وضروريةً؛ لتجيبها على أسئلة عوامل قيامها ونهوضها، واستمرارها وبقائها فتأخذ بها، وعلى أسباب سقوطها واندثارها وكيف تتجنبها، وذلك من خلال تفسير سنني يتتبع تلك السنن في آياته وسوره ويستنبطها ويبيّنها.
ويمكننا أن نسجّل في سياق هذه الخاتمة، الخلاصات الآتية:
- إنّ القرآن الكريم قد اعتنى بالسنن الإلهية عنايةً عظيمةً؛ فأفاض في ذِكْرها، وبيان أهميتها وفاعليتها في الحياة الفردية والاجتماعية والحضارية.
- إنّ التفسير السُّنَنِي مقصد عظيم من مقاصد القرآن ومراد الله تعالى، بما هو بيان للسنن وكشف لها للاهتداء بها والسَّيْر على وَفقها، وأصله قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 27].
- مصادر التفسير السُّنني للقرآن هي نفسها المتعارف عليها في أصول التفسير (القرآن الكريم والسنّة النبوية وأقوال الصحابة والتابعين)، يُضاف إليها ما أنتجه العقل المسلم تفسيرًا وفكرًا عامًّا في مجال التفسير السُّنني، وخاصة المعاصر، كذلك ما أنتجه العقل البشري عمومًا مما لا يصادم الشرع، ويمكن الاستفادة منه.
- ينقسم التفسير السُّنني إلى ثلاثة أقسام كبرى: كلي، وموضوعي، ومجالي خاص.
- يتحدّد دور التفسير السُّنني في تحقيق الأمّة لنهوضها الحضاري في مفهوم التوبة، كمفهوم كلّي جامع يتعلق بالسعي لإصلاح الإنسان فردًا وجماعةً وعمرانًا. فلا حديث عن النهوض الحضاري للأمة إلا بتوبتها واتّباعها الهدى الرباني.
وهكذا، تعدّ مقالتنا هذه إضاءة لهذا الموضوع، ومحاولة لإبراز قيمته ولإنضاجه، تحتاج بدورها إلى الإنضاج والتقويم والتعديل، بأن تستتبعه جهود أخرى، وتتفرع دراسات مختلفة كثيرة، توسع آفاقه، وتسلّط الضوء على ميادين أخرى للفكر والعمل السُّنَنِيَّيْن قرآنيًّا مجهولةً كانت أو مهملةً أو منقوصةً.
[1] لسان العرب، ابن منظور، ط. دار صادر، بيروت، (5/ 55).
[2] البرهان في علوم القرآن، الزركشي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط3، 1984م، (1/ 13).
[3] مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الاصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، ط4، 2009م، ص636.
[4] معالم التنزيل، البغوي، تحقيق: محمد عبد الله النمر- عثمان جمعة ضميرية- سليمان مسلم الحرش، دار طيبة، الرياض، 1989م، (19/ 83).
[5] نظم الدرر، برهان الدين البقاعي، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، ط1، 1984م، (19/ 381).
[6] مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط. دار الفكر، بيروت، (3/ 60- 61).
[7] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، أحمد الفيومي، تحقيق: عبد العظيم الشناوي، دار المعارف، القاهرة، ط2، ص292.
[8] التعريفات، الشريف الجرجاني، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، ط دار الفضيلة، القاهرة، ص105.
[9] لسان العرب، ابن منظور، (13/ 225- 226).
[10] المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القُرآن الكريم، محمد حسن جبل، مكتبة الآداب، القاهرة، ط1، 2010م، ص1078- 1079.
[11] المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فُؤاد عبد الباقي، دار الجيل، بيروت، ط1، 1987م، ص367.
[12] مفردات ألفاظ القرآن، الأصفهاني، ص429.
[13] مفردات القرآن؛ نظرات جديدة في تفسير ألفاظ قرآنية، عبد الحميد الفراهي، تحقيق: محمد أجمل أيوب الإصلاحي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 2002م، ص196.
[14] علم السنن الإلهية من الوعي النظري إلى التأسيس العملي، رشيد كهوس، مركز الماجد للثقافة والتراث، دبي، ط1، 2017م، ص22.
[15] ينظر تدبر السنن الإلهية عند السلف الصالح، رشيد كهوس، دار الكلمة، القاهرة، ط1، 2015م، ص13؛ ونحو تفسير سُنني للقرآن الكريم، رمضان خميس زكي الغريب، دار المقاصد، القاهرة، ط1، (1435هـ/ 2014م)، ص5، 9.
[16] تفسير المنار، رشيد رضا، دار المنار، القاهرة، ط2، 1947م، (4/ 139).
[17] تفسير المنار، رشيد رضا، (1/ 23).
[18] تدبر السنن الإلهية، رشيد كهوس، ص33.
[19] نحو تفسير سنني، رمضان الغريب، ص7- 8.
[20] تدبر السنن الإلهية، رشيد كهوس، ص19.
[21] دعوة للاستكتاب في الكتاب الخامس من معلمة السنن الإلهية في القرآن الكريم، وعنوان محاوره: «السنن الإلهية من خلال كلّ سورة من سور القرآن الكريم»، ويسعى إلى الوقوف عند السنن الإلهية في كلّ سورة من سور القرآن وإبرازه، فريق البحث في السنن الإلهية بكلية أصول الدين بتطوان بالمغرب، 6 أبريل 2022م: https://cutt.us/XZyAQ
وقد تسلّم المشاركون وأنا منهم، وثيقة «منهج البحث في السنن الإلهية في السورة القرآنية الواحدة»، ولم أطلع إن تم نشرها أم لا؛ ويراجع نحو تفسير سنني، ص19.
[22] يراجع: فصول في أصول التفسير، مساعد الطيار، دار النشر الدولي، الرياض، ط1، 1993م، ص20.
[23] نحتاج إلى جهود علمية وفكرية وتربوية لصناعة «العقلية السننية»، حوار مع: يونس ملال، أجراه: السنوسي محمد السنوسي، https://cutt.us/RB5wz.
[24] تدبر السنن الإلهية، رشيد كهوس، ص18.
[25] حتى يغيروا ما بأنفسهم، جودت سعيد، مؤسسة الأهرام، القاهرة، ط8، 1989م، ص183- 184.
[26] في ظلال القُرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط9، 1980م، (5/ 630- 631).
[27] نظم الدرر، البقاعي، (5/ 241).
[28] التحرير والتنوير، ابن عاشور، (4/ 97- 98).
[29] الاستخلاف والعمران في ضرورة الوعي بقيم وسنن النهوض والسقوط، سعيد شبار، مجلة التفاهم، ع63، 2019م، (17/ 51).
[30] حتى يغيروا ما بأنفسهم، جودت سعيد، ص173- 174.
[31] يراجع: نحتاج إلى جهود علمية وفكرية وتربوية لصناعة «العقلية السننية»، حوار مع: يونس ملال، أجراه: السنوسي محمد السنوسي.
[32] حتى يغيروا ما بأنفسهم، جودت سعيد، ص175.
[33] العقل النقلي والعقل النقدي، خالص جلبي، https://cutt.us/fnRvN.
[34] نحتاج إلى جهود علمية وفكرية وتربوية لصناعة «العقلية السننية»، حوار مع: يونس ملال، أجراه: السنوسي محمد السنوسي.