كتاب (التفسير المقاصدي عند مفسِّري الغرب الإسلامي) للدكتور/ نور الدين قراط
عرض وتقويم
إنّ موضوعَ التفسير المقاصدي موضوعٌ ذو بالٍ كبير، فهو مسلك علمي إن شئت قلتَ حديثٌ؛ إِذْ لم تَتوالَ الدراسات الأكاديمية في هذا المجال إلا في القرنين الأخيرين، خصوصًا في البحوث الجامعية.
ومِن تلكم الدراسات الحديثة التي خاضتْ هذا الموضوع؛ كتاب: معالم التفسير المقاصدي للقرآن الكريم عند القاضي أبي بكر بن العربي، لعثمان بن إبراهيم غرغدو[1]. وهو بحث سلك مسلكًا طريفًا؛ إِذْ عرَض المقاصدَ الخمسة وأمثلةَ استحضارها عند ابن العربي، كما تحدّث عن الحاجيات وأبرزَ بعضَ القواعد والضوابط ذات الصِّلَة باستحضاره للمقاصد في التفسير. ومنها أيضًا: الفكر المقاصدي عند محمد رشيد رضا، لمنوبة برهاني[2]؛ وهي أطروحة دكتوراه لها منهج فريد مهمّ في طرح موضوع التفسير المقاصدي.
وغير هذه الدراسات كثير أضربتُ عنها صفحًا مخافةَ التطويل. إلّا أن الاختيار وقع على كتاب صدر حديثًا في هذا المجال وهو كتاب: (التفسير المقاصدي عند مفسِّري الغرب الإسلامي)[3] للدكتور/ نور الدين قراط[4]. وهو كتاب أصله أطروحة دكتوراه قُدّمت إلى جامعة محمد الأول بوجدة، سنة 2003م تحت إشراف الدكتور/ محمد الطلحاوي، للحصول على درجة الدكتوراه.
وقد كُتِبَ لهذا الجزء من الأطروحة -نظرًا لأهميته- أن يُطبع تحت إشراف الجامعة نفسها، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وتولّت مطبعة مكتبة فرعيل بوجدة، القيام بهذه المهمّة، فصدرت الطبعة الأولى سنة 2020م.
وقد استوى الكتاب في حدود 262 صفحة، من الحجم العادي، وهو حجم يحفز القارئ لينشط لقراءته واستكناه المعاني التي تضمّنها.
وأمّا موضوع الكتاب فهو جليّ واضح من خلال عنوانه، ويأتي مفصلًا في ثنايا هذه الورقات. إِذْ يعالج قضية التفسير المقاصدي ذلكم الموضوع الذي يحتاج إلى مزيد تعريف بالإنتاجات العلمية المنجزة فيه، خصوصًا ما عُرِف عن الغرب الإسلامي من اهتمام كبير بالمقاصد عمومًا.
وذلك ما يبرّر اختياري لهذا الكتاب، علاوة على رغبتي في إثراء ساحة الدراسات القرآنية بالتعريف بكتاب من الكتب الصادرة حديثًا فيه، وكذلك كونه كتابًا في أصله عبارة عن أطروحة جامعية ونحن نعلم أهمية هذا النوع من البحوث، خصوصًا إذا استحضرنا كثيرًا منها مما زال قيد رفوف الجامعات، طي النسيان، علاوة على موضوعه الذي له راهنيته وأهميته.
ونظرًا لكلّ ذلك، فقد جاءت هذه المقالة للتعريف بهذا الكتاب وتقريبه إلى الباحثين في مشارق الأرض ومغاربها عبر منبر مركز رائد في هذا المجال وهو مركز تفسير، إضافة إلى ما ترومه من عرض الكتاب وتقويمه، كلّ ذلك في قسمين: أحدهما لعرض الكتاب، والآخر لتقويمه.
القسم الأول: كتاب (التفسير المقاصدي عند مفسري الغرب الإسلامي)؛ عرض وبيان:
يبدأ الدكتور بالإشارة إلى أهمية تجاوز القراءة السطحية الظاهرية للنصّ، فيقول: «هذا، ومن اللازم لمن يُريد فهم هذا الكتاب، ألّا يكتفي بالوقوف عند حرفية النصّ، دون أن يتأمّل فيما وراء ظواهره من معانٍ، وما يهدف إليه من مقاصد»[5]، وقد استدلّ على ذلك بحكمة الله عز وجل؛ إذ القرآن الكريم في نظره يحقّق أنواعًا ثلاثة من الصلاح: صلاح فردي (العبادات)، صلاح جماعي (المعاملات)، ثم صلاح عمراني (علم العمران/ الاجتماع).
كلّ هذا ليصل -حفظه الله- إلى المسالك الثلاثة التي سلكها المفسِّرون في التعامل مع النصّ، ويدلف إلى بيان اختلاف العلماء في تعليل أحكام الله، واختياره لمذهب المقاصديين، حيث بسط حججًا على ذلك، وأجمل ذلك في قوله: «وهكذا نخلص إلى أن الشارع قد حدّد العِلّة وحصرها...»[6].
ثم ذكر مقاصد التفسير المنشود، وأجملها في أربعة[7]، وهو ما سيُسْهِمُ -في نظره- في ضبط التفسير نفسِه، وتدبّر الأقوال التفسيرية تدبرًا مقاصديًّا.
أمّا بخصوص أسباب اختياره للموضوع، فقد ذكر أنّ عددًا من الأصوليين والمشتغلين بالدراسات المقاصدية وجّهوا اهتمامهم إلى التراث الفقهي غالبًا لتجلية الجانب المقاصدي، فتركوا فجوة بحثية وفراغًا علميًّا بخصوص الكشف عن الجانب المقاصدي في كتب التفسير، وهنا ظهرت أهمية هذا الموضوع عنده، فقال: «ومن هنا جاء اهتمامي لمتابعة هذا الجانب في التراث التفسيري لإبراز حجم هذه المساهمة وأهميتها في توضيح وتقريب مضامين هذا العلم»[8]. كما أنه انطلق من فكرة التفاوت الحاصل بين المفسِّرين في تعاملهم مع الجانب المقاصدي في الآيات القرآنية. ثم ذكر أسبابًا أخرى، منها ما هو موضوعي وما هو ذاتي، أمّا عن هدف المؤلِّف من هذا الكتاب فقد قال بعد أن ذكر مجموعة من مقاصد التفسير المقاصدي: «لتكون له القدرة عندئذ على ضبطه نفسه، وتدبر كلّ الأقوال تدبرًا مقاصديًّا... ولذلك سوف نعتمد الآيات التي تتعلق بالأحكام، والتي اتّفق على حكمتها معظمُ علماء الغرب الإسلامي»[9]. ثم كشف أهم مضامين كتابه، فأبرز أنه استوى على سُوقه في مقدّمة، فتمهيد، ففصول عشرة وخاتمة مردَفة بلائحة المصادر والمراجع.
فأمّا التمهيد، فقد أشار فيه إلى نقطتين أساسيتين؛ الأولى تتعلق ببيان أهم مدارس التفسير، أو كيف تم تقسيمه، فبسط شيئًا من ذلك التقسيم باعتبارات ثلاثة، كما أشار إلى أهم مدارس التفسير بالغرب الإسلامي بشكلٍ مجمل جدًّا. وأبرزَ كثيرًا من القضايا التي ينبغي استحضارها عند التعامل مع النصّ القرآني، وأوصلها إلى سبع حقائق.
كلّ ذلك لينتقل إلى بسط الحديث عن آيات الأحكام ومقاصدها عند مفسِّري الغرب الإسلامي، فصنع شيئًا من صنيع الفقهاء؛ إِذْ قسم كتابه إلى أبواب فقهية، مفتتحًا بالعبادات (مقاصد العبادات)، مختتمًا بباب الزنا (مقاصد تحريم الزنا). وفيما يأتي عرض موجز لمحتوى هذه الفصول فصلًا فصلًا:
الفصل الأول: مقاصد العبادات:
ذكرَ -حفظه الله- بعضَ مقاصد العبادات؛ إِذْ تعود منافعها على الفرد والمجتمع، وهي وسيلة لجلب المنفعة ودفع المضرّة، ومنطلقه في ذلك أن الشريعة جاءت للمواءمة بين مصالح الفرد الذاتية ومصالح المجتمع، ولا تعارض بينهما في الإسلام، ومثّل لذلك بالزكاة وصلاة الجماعة.
ليبرز كذلك أنّ العبادات تزكِّي النفس وتبعثها على التنزّه والكمال، كاشفًا بعد ذلك عن بعض المقاصد الأخرى للصلاة والزكاة والصوم والحج، وكان تركيزه على ثلاثة مقومات أساسية للتربية، وهي: القوة، والحب، والتواضع.
وقد فصّل ذلك تحت عناوين فرعية؛ وهي:
• مقاصد الطهارة:
أبرزَ -حفظه الله- أنّ الطهارة مطلوبة شرعًا؛ فالدِّين الإسلامي دين طهارة ونقاء، فقد مدح اللهُ المؤمنين بهذه الصفة في أكثر من آية، كقوله سبحانه: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾[التوبة: 108]، والإسلام لا يُغْفِل الطهارة المعنوية أيضًا بل يحثّ عليها.
وهكذا، فالطهارة تفيد الروح نشاطًا وإشراقًا؛ إذ الطهارة الجثمانية تهيئة لإشراق الرّوح إشراقةً تُهيِّئ للتزكية والنزاهة، وهو في كلّ ذلك متحدّث عن الوضوء والتيمم. ليختم كلامه عن مقاصد الطهارة بقوله: «ومن خلال هذه النصوص نرى أن مفسِّري الغرب الإسلامي توسّعوا في تطبيق قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) تماشيًا مع روح الشريعة الإسلامية القائمة على تحقيق اليُسر للمكلَّف كما وظفوا عدة آليات لغوية وبلاغية للكشف عن عِلَل الشرع في الطهارة»[10].
وهذا لعمري كلام نفيس وددتُ لو أنّ المؤلِّف اعتمد هذا المنهج في تناوله للآيات وعرضها.
• مقاصد الصلاة:
ينبّه -حفظه الله- منذ البداية أنه ليس من الضروري معرفة عِلَل العبادات وأسرارها للقيام بها، بل السمع والطاعة، فيما أدركنا حكمته وفيما لم ندركها.
ثم ذكر بعض مقاصد الصلاة في درج كلامه، فهي تزكّي الإنسان وتطهّره، وتيسِّر له أمره وتجنّب ما يكرهه، وتحطّ عنه أوزاره وترفع له درجته، وتطبعه على أكمل الصفات وأجمل الخِلال...
كما وقف عند بعض آيات الصلاة كاشفًا عن الجانب المقاصدي فيها، مستدلًّا ببعض أقوال مفسِّري الغرب الإسلامي. وأجملَ كلامه في مقاصد الصلاة بقوله: «وعلى هذا الأساس فإنّ الصلاة تحقّق عدّة مقاصد شرعية حاول مفسِّرو الغرب الإسلامي الكشف عنها وتقريبَها للمخاطبين؛ ليحرصوا على أدائها في أوقاتها، على الرغم من كون بعض الأصوليين يعتبرون أجزاءً من هذه العبادة من قَبِيل المسائل التعبدية التي تخفى حِكَمُها وأسبابُها»[11].
• مقاصد الزكاة:
بَيَّن -حفظه الله- أهميةَ هذا الرّكن في الإسلام، وبعضَ مقاصدها؛ فهي تلفت نظر المسلم إلى ضرورة شكر الله على ما وهبه من نعمة الثّراء، وأنه عضو في مجتمع متعاون متساند، وهي كذلك تطهير للنفوس والقلوب، وهي سبيل إلى إذكاء روح المحبة بين أفراد المجتمع.
كما استند -حفظه الله- إلى بعض الآيات وأقوال العلماء ليبرز أن ثمة صدقةً تطوعية تتغيَّا المقاصد ذاتها. وركّز على المقاصد التي سطرها المفسِّرون عند قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[التوبة: 103]، كما ذكر آيات أخرى.
والملاحَظ أنه لم يختم حديثه عن مقاصد الزكاة بكلام مختصر كما فعل في مقاصد الطهارة والصلاة، كما يُلاحظ أنه لم يكشف بشكلٍ واضح من كلام المفسِّرين عن مقاصد الزكاة. وهو ما يحوجنا إلى الرجوع إلى تفاسير هؤلاء المفسِّرين لآيات الزكاة؛ قصْدَ استنباط المقاصد التي أشاروا إليها واستنتاجها من كلامهم.
• مقاصد الصيام:
أبرزَ -حفظه الله- بعض مقاصد الصيام، فذكر أنه يحرّر الإنسان من عبودية العادات، وأنّ من مقاصده تحقيق فوائد صحية.
والجميل هنا أنه صرّح بمقاصد الصوم على عكس صنيعه في أغلب العبادات السابقة، فقال: «وفي الصيام حِكَم ومصالح كثيرة أشارت إليها نصوص الشرع ذاتها، منها: مخالفة الهوى... تزكية النفس... إعلاء الجانب الروحي على الجانب المادي... تربية للإرادة وجهاد النفس، وتعويد على الصبر، والثورة على المألوف...»[12]. وذكر بعدها حِكمًا أخرى للصيام بشكلٍ واضح ومنظّم (نفسانية وجثمانية)، واستحضر بعض الآيات الدالة على ذلك.
والملاحظ أنه يَستعين بكلام الفقهاء ونصوصٍ حديثية فيخرج عن مراده وهو التفسير المقاصدي، أي التفسير الذي يركّز على إظهار مقاصد الآيات والعبادات المدروسة، وقد أَذِن لنفسه بذلك في مقدّمته.
وهذه المقاصد المعروضة بهذا الشكل رغم وضوحه، فإنها دليل آخر على إغفال الغوص في أقوال مفسِّري الغرب الإسلامي للكشف عنها؛ إِذْ تجده يحيل هنا على كتب فقهية وأخرى حديثية[13].
وختم مقاصد الصوم بقوله: «وبهذا نخلص من خلال هذه العبادة إلى تحصيل عدة فوائد أفادتها الآيات الكريمة التي انطوت على مجموعة من الحِكَم والعِلَل التي أبَانَ عنها مفسِّرو الغرب الإسلامي»[14].
• مقاصد الحج:
ألمع الدكتور إلى الحالة التي كان عليها العرب من الاختلاف والافتراق قبل مجيء الإسلام؛ ليبرز بعض مقاصد الحج التي حاربت هذه الظواهر وغيرها. ومنها: التسامع بأمر التوحيد لإقامة الحُجّة على الناس، التشاور، التعاون... ثم طفق بعد ذلك يكشف عن المقاصد الفرعية لبعض أفعال الحج وأقواله، فتحدّث عن مقاصد فَضْل البيت الحرام، مقاصد الهَدْي، مقاصد السعي بين الصفا والمروة، مقاصد تتعلّق بتحقيق مصالح دنيوية، مقاصد عدم قتل الصيد، مقاصد الأهلّة، وهو في كلّ ذلك يستعين بكلام بعض مفسِّري الغرب الإسلامي ملتزمًا بشرطه.
وختم بخلاصة مرتبطة بمقاصد الأهلّة فقط، فقال: «من خلال النصوص السابقة يجد الباحثُ نفسَه أمام عدّة حِكم ترتبط بالأهلة؛ فهي أولًا: علامات على إيقاع بعض العبادات، وهي أيضًا منهج لتربية الناس على التخلّص من جملة من العبادات التي عرفها المجتمع العربي آنذاك، فضلًا عن كونها آيات دالة وشاهدة على وحدانية الخالق سبحانه»[15]. والملاحظ أنها مقاصد خاصّة، ولم يختم بخلاصة عامة.
الفصل الثاني: مقاصد النكاح:
كما خلق اللهُ في الإنسان غريزةَ حبّ الطعام فقد خلق فيه الغريزة الجنسية، وشرع لها النكاح، الذي يحقّق مقاصد أصلية وأخرى تبعية، ومنها: مقصد التناسل، مقصد طلب السكن والازدواج، مقصد التعاون على المصالح الدنيوية والأخروية...
وانتقل بعد الوقوف على بعض الآيات مظانّ المقاصد إلى عناوين فرعية؛ فتحدّث عن مقاصد تعدُّد الزوجات، كما ذكر مقاصد عدم جواز نكاح المشركة، وتطرّق إلى مقاصد المحرّمات من النساء، وعرّج أيضًا على مقاصد عدم قربان المرأة في زمن الحيض. وقد ختم بعضها بخلاصات مختصرة، كقوله: «هذه هي بعض الحِكم الذي من أجلها نهانا الشارع عن عدم قربان المرأة في زمن الحيض، وقد نهانا الشارع الحكيم عن ذلك منذ خمسة عشر قرنًا، وقد أثبت العلماء المحدثون -وبخاصّة منهم الأطباءُ- حِكمةَ الشارع في هذا الأمر»[16].
• مقاصد الطلاق:
أكّد -حفظه الله- أنّ الإذْنَ في الطلاق جاء رحمةً بالعباد، وقد أذِن فيه الشرع نظرًا «لوقوع خلل في مقصود النكاح من الأُلفة وحُسن العِشرة؛ لأنه إذا فقد ذلك لم يكن لبقاء العَقد وجه، وكانت المصلحة في الفُرقة»[17].
ثم تطرّق بعد ذلك في عناوين فرعية إلى مقاصد أخرى متعلّقة بالطلاق؛ فقد تحدّث عن المقصد في أنّ للطلاق حدًّا لا يتعداه، كما أشار إلى مقاصد العِدّة، (كرّر هذا العنوان الفرعي مرتين! ص124)، إلا أنه ركّز على مقاصد الاعتداد بالطُّهْر. ليتطرّق بعدُ إلى مقاصد عِدّة المتوفى عنها زوجها، ومقاصد الإيلاء، ومقاصد صداق المتعة، وختم بمقاصد تزوّج النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بزينب بنت جحش، فقال بعد ذِكر الآيات المتحدّثة عن ذلك: «وأشار على حكمة هذا التزويج في إقامة الشريعة وهي إبطال الحرج الذي كان يتحرّجه أهل الجاهلية من أن يتزوّج الرجل زوجة دعيّه...»[18].
الفصل الثالث: مقاصد تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير:
افتتحه بالآية التي تشير إلى هذه المحرّمات، ثم شرع في ذِكْر بعض حِكَم تحريم الميتة، وأردفها بحكمة تحريم الدم، وانتقل إلى حكمة تحريم الخنزير، وختم بخلاصة استعان فيها بكلام أحد مفسِّري الغرب الإسلامي، فقال: «وخلاصة القول: أن الله حرّم علينا ما فيه ضرر كالميتة لخُبثها، والدم لأنه يقسِّي القلب، ولحم الخنزير لأنه يورث عدم الغيرة...»[19].
الفصل الرابع: مقاصد الجهاد:
بَيَّن -حفظه الله- بعض مقاصد الجهاد؛ إِذْ شُرع للدفاع عن النفس، وردِّ الظلم، وتحطيمِ الطغيان، وتحريرِ الشعوب، وفتح لأبواب الدعوة إلى الحق والهداية والخير، مستحضرًا قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: 39]، وآيات أخرى. ليتطرّق بعدها إلى أحكام فقهية للجهاد عند ابن العربي وابن عاشور غالبًا. ثم جلّى بعض المقاصد الجزئية لصرف الغنيمة، وللسّلم مع الأعداء، وختم بملخّص واضح عن الحكمة من تشريع الجهاد، فقال: «وخلاصة القول أنّ الجهاد وتوابعَه شُرع للأغراض الآتية...»[20]. وأجملها في خمسة مقاصد، رابطًا لها بالمقصد الأساسي وهو حفظ الدِّين.
الفصل الخامس: مقاصد كتابة الدَّيْن:
افتتحه بعرضِ آية الدَّيْن، وألمع إلى بعض مقاصد كتابة الدَّيْن، فهي سبيل لحفظ الحقوق، فقال: «والقصدُ من الأمر بالكتابة التوثّقُ للحقوق وقطعُ أسباب الخصومات، وتنظيم معاملات الأمّة، وإمكان الاطلاع على العقود الفاسدة»[21]. ثم كشف عمّا تتضمنه من معانٍ مستحضرًا بعض أقوال مفسِّري الغرب الإسلامي.
الفصل السادس: مقاصد تحريم الربا:
ابتدأه ببعض آيات الربا، وأكّد على حُرْمَتها، وبيّن بعض مقاصد حرمتها؛ فهي تعارض الروح الدينية العامّة التي هي الرحمة والتعاون، ثم بَيّن الحِكم التي ذكرها مفسِّرو الغرب الإسلامي، حيث قال: «وقد ذكر العلماء في حكمة الربا وجوهًا معقولة كشفت الدراسات الحديثة وجاهتها وأكّدتها، وزادت عليها، ونكتفي بما ذكره مفسِّرو الغرب الإسلامي، وذلك من خلال بعض الآيات التي تصبّ في هذا الاتجاه...»[22].
كما ذكر كلامًا نفيسًا أعقبه بقواعد وضوابط متعلّقة بالبيع والربا. وقد جاء فيه: «وهكذا نقف على وجوه تحريم التعامل بالربا وفي مقدّمتها مقصد حفظ المال، الذي يعدّ أحد المقاصد الخمسة التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها، وقد استعان مفسِّرو الغرب الإسلامي بمجموعة من القواعد، كسدِّ الذرائع؛ للحفاظ على هذا الأصل»[23].
الفصل السابع: مقاصد الحدود:
بيَّن -حفظه الله- أنّ من مقاصد تشريع الحدود والعقوبات: الحمايةَ من عبث العابثين، وتحقيقَ الأمن والطمأنينةِ للمجتمع والأفراد، وإصلاحَ حال الناس... فالشرع ضبط هذه الحدود، وفصّل كثيرًا منها، وترك مجالًا للاجتهاد على وَفْقِهَا فيما سُمّي بالتعزير. وهو في ذلك مستحضرٌ آياتِ الحدود.
الفصل الثامن: مقاصد القصاص:
افتتحه بآية القصاص؛ ليستخلص بعض مقاصد القصاص: ردع أهل العدوان، وتطمين أولياء القتلى بأنّ القضاء ينتقم لهم ممن اعتدى على قتيلهم، والترغيب في أخذِ العِوَض عن دم القتيل مخالفةً لصنيع الجاهلية. وقد أجمل ذلك بقوله: «القصاص شُرع لحِكَم عظيمة... منها: الزّجر، ومنها جبر خاطر المعتدَى عليه، ومنها التفادي مِن ترصُّدِ المعتدَى عليهم للانتقام من المعتدِين أو من أقوامهم»[24]، وذكرَ بعض أحكام القصاص المستنبطة من بعض الآيات، كلّ ذلك في إطار ما ينقله عن مفسِّري الغرب الإسلامي.
الفصل التاسع: مقاصد تحريم الخمر:
تحدّث -حفظه الله- عن تدرُّجِ الشارع الحكيم في تحريم الخمر، مستحضرًا الآيات الدالة على ذلك، ماتحًا من كلام بعض مفسِّري الغرب الإسلامي، قاصدًا إلى الكشف عن بعض مقاصد تحريمها، ومنها: المحافظة على العقل، المحافظة على المال، حفظ الصحة، حفظ الكرامة... وقد ختم بكلام نفيس: «وقد اشتملتْ نصوص مفسِّري الغرب الإسلامي على منهجٍ دقيق في الكشف عن بعض المفاسد التي تكون من جرّاء تناول المخدرات وغيرها من المسكرات، وفي ذلك تحقيق لأصل حفظِ العقل لِما في فقدانه من إهدار لباقي المقاصد؛ لأنّ الذي يتناول أُمَّ الخبائث قد يرتكب مختلف الجرائم، فقد يفقد عنصر الدين، وقد يقتل، وقد يزني، فضلًا عن إضاعة المال وفساد الأخلاق»[25].
الفصل العاشر: مقاصد تحريم الزنا:
بَيَّن الدكتور أنّ الزنا محرّم، وذكرَ بعض مقاصد ذلك، فقال: «والحكمة من ذلك أنّ الزنا إضاعةُ نَسَبِ النسل بحيث لا يُعرَف للنسل مرجعٌ يأوي إليه»[26].
كما ذكرَ مقاصد أخرى. وتحدّث عن أحكام الزنا كاللعان والجلد والرجم، وعرّج على أمور أخرى مرتبطة بتحريم الزنا؛ كآداب الاستئذان، والخلوة، وزينة النساء، منطلقًا من آياتٍ ومستحضرًا كلام بعض مفسِّري الغرب الإسلامي، محاولًا الكشف عن حِكَم هذا التحريم.
وفي خاتمة الكتاب، توصّل -حفظه الله- إلى خمس عشرة نتيجة على إثر خوضه غمار هذا البحث، فقد أكّد أنّ المقاصد مستحضرة عند مفسِّري الغرب الإسلامي، موظَّفة من طرفهم في الترجيح عند الاقتضاء، وهذه المقاصد تنطوي على أبعاد تُصْلِح الفرد والمجتمع؛ ونظرًا لأهميتها فإنّ هؤلاء المفسِّرين رغم اعتدادهم بمذهب الجمهور الذي يرى أن المسائل التعبدية لا تُعَلَّل، رغم ذلك فإنهم خاضوا في تعليلها.
كما استخلص أنّ مفسِّري الغرب الإسلامي رغم استحضارهم للجانب المقاصدي؛ فإنهم يتعصبون نوعًا ما للمذهب المالكي خصوصًا ابن العربي. وهُم إلى ذلك مبرزون في اللغة مما ساعدهم على النَّهَل منها، والتميّز في التعليل المقاصدي بجعلها مناطًا من مناطات الكشف عن مقاصد الشارع الحكيم.
ليؤكّد أنّ التفسير باب من الأبواب التي تجاذبت مع علوم أخرى كالفقه والحديث والأصول.
القسم الثاني: كتاب (التفسير المقاصدي عند مفسري الغرب الإسلامي)؛ نقد وتقويم:
أولًا: أبرز مزايا الكتاب:
إنّ تجوالًا بين ضفاف هذا الكتاب يوقفنا على مزايا عدّة لهذا الكتاب، يمكن إجمالها في:
- كونه من الكتابات الجامعية التي طرقت باب التفسير المقاصدي في وقت مبكّر؛ إِذْ نوقشت هذه الأطروحة كما تقدّم سنة 2003م.
- اهتمامه بتجلية جانبٍ من التقصيد وبيان الحكمة وراء الأحكام الشرعية؛ عبادات ومعاملات، وهو أمر غاية في الأهمية، خصوصًا في قضية تعليل أحكام العبادات التي أسالت وتُسِيل مدادًا كثيرًا.
- اتخاذه بعض تفاسير الغرب الإسلامي مصدرًا للكشف عن هذه المقاصد، ونحن نعلم ضعف العناية بهذا التراث إلى حدّ قريب.
- تلكم النتائج المهمّة التي توصّل إليها، والتي لا أُخفي القارئ سرًّا كونها تفتح أبوابًا بحثية كثيرة. وقد ألمح إلى ذلك بقوله: «إنّ مسألة البحث في نظرية التفسير المقاصدي من القضايا المهمّة التي ينبغي أن يهتم بها الطالب المبتدئ والعالم المنتهي...»[27].
- أنّ موضوعَ المقاصد موضوعٌ عابرٌ للعلوم، وإن كان نال حظًّا وافرًا في الفقه والأصول، فإنه في التفسير لا يزال في حاجة إلى تعميق البحث أكثر، وهذا الكتاب محاولة مهمة في هذا الباب.
ثانيًا: ملحوظات ومآخذ على الكتاب:
رغم الأهمية الكبيرة لهذا العمل الذي أنجزه الدكتور/ نور الدين قراط -حفظه الله- إلا أنّ ثمة ملحوظاتٍ منهجيةً ومعرفية يقف عليها القارئ لكتابه. وفيما يأتي بيان ذلك:
1- ملحوظات منهجية:
أ) غياب الجانب التحليلي في كثير من فقرات الكتاب:
إنّ قارئ الكتاب يجد عرضًا لبعض آيات الأحكام موزّعة على فصول الكتاب، مستندًا إلى بعض أقوال مفسِّري الغرب الإسلامي، مع تركيز على كشف عِلّة الحكم ومقصده. الشيء الذي جعل بعض فقرات الكتاب مشحونة بالنقل عنهم، وهو ما غيّب الجانب التحليلي إلى حدّ كبير في كثير من فقرات الكتاب.
ومن ذلك تغييب آياتٍ في بعض الموضوعات والاكتفاء ببعضها فقط، كما حصل في الفصل الذي خصصه لـ(مقاصد تشريع الحدود والعقوبات)؛ والغريب أنه لم يتحدّث عن آيات الحدود الواضحة الأخرى؛ فلم يُشِر إلى آية قطع يد السارق وآية الجلد وغيرهما. في حين ركّز على آية في القتل والقصاص مع العلم أنه خصّص الفصل الموالي لمقاصد القصاص.
فهو إذن فصل يحتاج إلى مراجعة ووقوف مع آيات الحدود وما ذكَرَ فيها مفسِّرو الغرب الإسلامي، بغيةَ استخلاص مقاصد تشريع الحدود والعقوبات.
والجدير بالذِّكْر أن بعض هذه التفاسير لم يُولِ أهمية بالغة للكشف عن تلك المقاصد، وهو ما أثّر على المنهج التحليلي للدكتور/ نور الدين قراط، فأحيانًا لا يجد كلامًا لمفسِّري الغرب الإسلامي في بيان مقاصد آية من الآيات أو حُكم من الأحكام المتصلة بها.
ب) اتساع حدود البحث في العنوان:
بالنظر إلى عنوان الكتاب: (التفسير المقاصدي عند مفسِّري الغرب الإسلامي) نجده قيّد نفسَه بنوع معيّن من أنواع التفسير، وهو التفسير المقاصدي، كما قيّد الموضوع بمكان جغرافي ينتمي إليه الدكتور وتمسّ الحاجة إلى خوض غمار الكشف عن مكنونات تراثه، وهو الغرب الإسلامي، والغريب أنه لم يُعَرِّف التفسير المقاصدي، ولا حدَّد مرادَه بالغرب الإسلامي، إلا إشارة قريبة في قوله: «وبما أنّ المسح الشامل لكتب التفاسير في هذا الجانب يتعسّر النهوض بهن؛ فقد وقع اختياري على تفاسير الغرب الإسلامي، وبخاصّة ابن العربي، والقرطبي، وابن عاشور، وفي بعض الأحيان كنت أستعين بتفسير ابن عطية وابن عجيبة وغيرهما حتى من خارج دائرة الغرب الإسلامي...»[28]. وهذا التحديد بالأعلام صنيع جيد يكفي الباحث مؤنة التحديد التاريخي للمراد بالغرب الإسلامي.
وعليه، فيستحسن تغييره بـ: (مقاصد العبادات والمعاملات عند مفسِّري الغرب الإسلامي)، وقد قيّدتُه بالعبادات والمعاملات لأنّ المسائل التي عرضها في ثنايا كتابه لا تكاد تخرج عنها. أو بعنوان آخر وهو: (المقاصد عند مفسِّري الغرب الإسلامي)، جعلته عامًّا كي تدخل جميع المسائل الفقهية التي كشف عنها في هذا الكتاب. وهو عنوان أراه أجدر بالإثبات؛ إِذْ رام الكاتب تجميع مقاصد الأحكام من تفاسير الغرب الإسلامي.
وإذا عدنا إلى الفكرة الأساسية للكتاب التي هي: تتبّع بعض آيات الأحكام، والكشف عن العلل التي علّلها الله بها. فلعلّي أقترح عنوانًا آخر: (تعليل الأحكام عند مفسِّري الغرب الإسلامي). وهذا الأخير أراه أقرب العناوين مما اقترحته سابقًا؛ إِذْ ينطبق انطباقًا تامًّا على محتوى الكتاب، إِذْ يشمل كشف ما تضمّنته الآيات من مقاصد صريحة وغير صريحة، ويشمل أيضًا ما توصّل إليه المفسِّرون باجتهادهم.
ت) نحو منهج بديل يحقّق أهداف الكتاب:
بعد أن يعنون الكاتبُ الفصلَ بالجزئية التي سيتناولها (مقاصد كذا)، يبدأ غالبًا بتقديم يعرِّف بها، ثم يقدِّم عبارات تتضمّن مقاصدها مستحضرًا في ذلك آيات الأحكام أو بعضها، وهو في كلّ ذلك يقتبس من كلام بعض مفسِّري الغرب الإسلامي، فيدرج كلامهم بشكلٍ سلس، لا تشعر به إلا حين تقع عينك على الإحالة.
إلا أنّ هذا المنهج رغم أهميته، ظهرت لي عليه بعض الملاحظات، فالمبتدئ يتيه وسطه، ويصعب عليه استخلاص مقاصد الآيات من دَرَجِ الكلام، إذا لم يصرح به الكاتب، رغم أنه في كثير من الأحيان يسعفنا بخلاصةٍ في بعض الفصول تُجْمِل بعض المقاصد.
وعليه، ونظرًا لصعوبة ذلكم المنهج، بدا لي بعد الاطلاع على بعض الدراسات في هذا المجال، أن يكون المنهج وَفق ما يأتي:
أن تُجمَع آيات الأحكام وترتَّب على هذه الفصول -إنْ جاز لنا تسميتُها فصولًا- ثم يُجْمَع ما قاله مفسِّرو الغرب الإسلامي المشهورةُ تفاسيرُهم، وبعدها يُصاغ من كلامهم أو كلام بعضهم تفسيرٌ مقاصدي للآيات، يركّز فيه على بيان مقاصد هذه العبادات، فيجمع آنذاك بين التفسير وبيان المقاصد. إذ المتتبع لصنيعه -حفظه الله- يراه يذهب مذهب إبراز المقاصد دون التركيز على التفسير، مخالفًا عنوان كتابه.
هذا، وبالإمكان تناول الموضوع بطريقة إحصائية، تكشف عن الجانب المقاصدي عند مفسِّري الغرب الإسلامي كشفًا دقيقًا، يُبرِز مدى استحضارهم أثناء التفسير للمقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية، ويبيّن مسالكهم في الكشف عن مقاصد القرآن أثناء التفسير؛ كمسلك الاستقراء، ومسالك العلّة إجماعًا ونصًّا وإيماءً ومناسبةً وشَبهًا وسبرًا وتقسيمًا ودورانًا وتنقيحَ مناطٍ... وإن شئتَ الكشف عن جانب من الألفاظ المقاصدية التي وظّفوها، خصوصًا مع تباعد الزمن بين أوّلهم ابن عطية وآخرهم ابن عاشور رحمهم الله جميعًا. إِذْ تطور الأزمان منبئ عن تطوّر الاستعمال.
2- ملحوظات فنية:
أ) أخطاء مطبعية:
يقف القارئ على بعض الأخطاء المطبعية التي قد تؤثّر على محتوى الكتاب وأهمية موضوعه، وهو ما يحتِّم على الدار الناشرة مراجعة هذا السفر المهم، وتدقيقه لغويًّا، كي تزول هذه الأمور اليسيرة، فلا تشوِّش على القارئ، وتُذْهِب بالَه عن الجانب المعرفي المقصود أصالة. كالخطأ في كلمة «تهيأ» في ص32.
ب) الحاجة إلى إعادة ترتيب لائحة المصادر والمراجع:
إنّ قراءة سريعة لمحتوى هذه اللائحة أوقفني على بعض الخلل:
الخلل الأول: تكرار بعض المصادر والمراجع، وهو ما زاد من طول هذه اللائحة؛ إِذْ تجد بعض المصادر مكررة مرّتين، رغم أنها متفقة في الطبعة، وقد حصل ذلك مع البحر المحيط لأبي حيان. والتمهيد لأبي عمر بن عبد البر. وتفسير المنار...
الخلل الثاني: عدم اعتماد ترتيب منهجي واضح أثناء ترتيبها، فلا نجد أيَّ موجّهٍ منهجي للطريقة التي رُتِّبت بها، فتجد مثلًا كتاب البحر المحيط وبعده مباشرة كتاب أحكام الصيام ثم بعدهما كتاب البحر المديد، فالبحران عوض أن يتتابعَا في الترتيب اندرجَ وسطهما كتاب أحكام الصيام.
الخلل الثالث: مصادر دون بيانات، ككتاب: فلسفة التشريع الإسلامي لصبحي محمصاني.
ت) مسائل أخرى منتقَدة على الكتاب:
-قولُه: «وهو الذي أسميته بالتفسير المقاصدي»[29]، قد يذهب ذهن القارئ إلى أن الدكتور/ نور الدين هو مَن أطلقَ هذا المركّب الوصفي على هذا النوع من التفسير، وليس الأمر كذلك فقد جرى العمل على إطلاق هذه العبارة عليه عند ثلّة من الباحثين قبله.
-ضَعْفُ الإخراج الفني: إخراج فني ضعيف، قد تختلط أقسام الشيء، فلا يدري الباحث أين تُدرج بعض الفقرات. كما هو الشأن عند ذكر أسباب اختيار الموضوع[30].
-سَقْطٌ يحتاج إلى إتمام: يقول الدكتور: «يجدر بي أن أعرض في عجالة لنقطتين اثنتين: النقطة الأولى...»، فلما تتبعتُ ما عرضه في هذا التمهيد لم أجد أيَّ ذكر للنقطة الثانية. فلعلّها سقطت أثناء الطبع، أو أنها مدرجة في ثنايا ما ذكره من اعتبارات وحقائق متعلقة بالنصّ القرآني والتفسير. وهو ما يحتاج إلى تدخل المؤلِّف مراجعًا هذه النقطة، موضحًا لها إن كانت مدرجة في ثنايا النقطة الأولى، أو إضافتها إن سقطت من هذه الطبعة.
-التركيز على جانب مقاصدي واحد: فالكتاب ركّز على جانب مقاصدي واحد، وهو تعليل أحكام الله تعالى، والملاحَظ أنّ هذا الكتاب يتوافق إلى حدٍّ كبيرٍ ما مع مبحث في كتاب آخر[31]. فكلاهما تحدّث عن تعليل العبادات وعن تعليل المعاملات، وأغلب الأمثلة من حيث العموم متشابهة متقاربة، إلا أنّ طريقة الطرح والعرض مختلفة؛ فبحث الفكر المقاصدي اشتغل على نصوص المفسِّر محمد رشيد رضا، في حين اشتغل الدكتور نور الدين على نصوص مفسِّري الغرب الإسلامي، مع أسبقية زمنية لهذا الأخير.
خاتمة:
فهذا إذن عرضٌ وتقويم لكتاب (التفسير المقاصدي عندي مفسِّري الغرب الإسلامي) للدكتور/ نور الدين قراط، وهو عمل متميّز فتح به بابًا مهمًّا في التفسير، وهو التفسير المقاصدي، أو لِنَقُل: مقاصد الأحكام الشرعية من خلال آيات الأحكام عند مفسِّري الغرب الإسلامي.
وأثناء الاطلاع على بعض الكتابات في التفسير المقاصدي خصوصًا ورقة موسومة بـ: «التفسير المقاصدي لسور القرآن الكريم؛ في ظلال القرآن أنموذجًا»[32]، ظهر لي أن التفسير المقاصدي يمكن أن يخطو خطوات أكبر إذا حلّلنا نصوصَ المفسِّرين تحليلًا دقيقًا، خصوصًا مفسِّري الغرب الإسلامي متقدّميهم ومتأخّريهم، بغيةَ الكشف عن طريقة استحضارهم للمقاصد ودرجة حضورها في كلامهم، في أفُق الوصول إلى منهجٍ للتفسير المقاصدي، يرسم معالم هذا النوع التفسيري، فينخرط انخراطًا قويًّا في سلسلة الأنواع الأخرى من التفسير.
وأخيرًا، فهذا الكتاب الثمين هو جزء من أطروحة وليس كلّها، فلذلك وجدنا بعض المباحث المهمّة التي تمسّ الحاجة إليها غير مضمَّنة فيه. ولعل الدكتور يعجِّل بإصدار طبعة ثانية يفتتحها بجانب أكاديمي متعلّق بالتفسير المقاصدي في الغرب الإسلامي تطورًا ومنهجًا وأعلامًا، آخذًا بعين الاعتبار ما رآه صوابًا مما تقدَّم.
[1] مجلة قرآنيكا، عدد خاص (7- أ)، أبريل 2015م، ص29- 56.
[2] نُوقشت سنة 2006- 2007م، جامعة الحاج لخضر- باتنة الجزائر.
[3] وهو كتاب أهداه لي مؤلِّفه -جزاه الله خيرًا- إبّان صدوره.
[4] أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الأول بوجدة، بالمغرب. حافظٌ لكتاب الله تعالى، وقد تدرّج في الطلب في هذه المدينة إلى أن نال درجة الدكتوراه سنة 2003م بالجامعة نفسها. وقد كانت له تجربة تدريسية مهمّة، خارج المغرب، التحق بعدها بالجامعة فعمل منسقًا لماستر فقه المهجر؛ أصوله وقضاياه وتطبيقاته المعاصرة، وهو كذلك مدير مختبر الدراسات المقاصدية وقضايا الاجتهاد والتجديد بالجامعة نفسها، علاوة على كونه عضوًا فاعلًا في هذه الجامعة ووحداتها التكوينية خصوصًا ما تعلّق بالدكتوراه والماستر، إضافة إلى انخراطه الكبير في مجالس الكلية والجامعة، ولجانهما. له منشورات علمية كثيرة ومتنوّعة، أركّز على ما يتصل بموضوع الكتاب والدراسات القرآنية؛ منها: مقاصد الشريعة الإسلامية تنظيرًا وتطبيقًا؛ مفاهيم وقضايا قرآنية؛ مقاصد الشريعة وأثرها في الاجتهاد الفقهي المعاصر؛ مقاصد الشريعة وعلاقتها بأدلة الأحكام؛ التعليل المقاصدي في القرآن الكريم؛ وغيرها كثير. فهو إذن رغم تخصّصه في المقاصد إلا أنّ له مشاركاتٍ علميةً وازنة في الدراسات القرآنية والفقهية.
[5] التفسير المقاصدي، ص5.
[6] التفسير المقاصدي، ص10.
[7] التفسير المقاصدي، ص13
[8] التفسير المقاصدي، ص14.
[9] التفسير المقاصدي، ص13.
[10] التفسير المقاصدي، ص34.
[11] التفسير المقاصدي، ص43.
[12] التفسير المقاصدي، ص54- 55.
[13] ينظر هامش الصفحتين: 54- 55 من الكتاب قيد الدرس.
[14] التفسير المقاصدي، ص65.
[15] التفسير المقاصدي، ص82.
[16] التفسير المقاصدي، ص110.
[17] التفسير المقاصدي، ص115.
[18] التفسير المقاصدي، ص137.
[19] التفسير المقاصدي، ص145.
[20] التفسير المقاصدي، ص165.
[21] التفسير المقاصدي، ص171.
[22] التفسير المقاصدي، ص181.
[23] التفسير المقاصدي، ص189.
[24] التفسير المقاصدي، ص213.
[25] التفسير المقاصدي، ص227.
[26] التفسير المقاصدي، ص231.
[27] التفسير المقاصدي عند مفسري الغرب الإسلامي، ص250.
[28] التفسير المقاصدي، ص14.
[29] التفسير المقاصدي، ص14.
[30] التفسير المقاصدي، ص14- 15.
[31] الفكر المقاصدي عند محمد رشيد رضا، ص222 إلى 252.
[32] قدَّمها الدكتور/ وصفي عاشور إلى جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة- الجزائر، في مؤتمرها الدولي: «فهم القرآن بين النصّ والواقع»، وقد نظمته كلية أصول الدين بتاريخ: 4- 5 دجنبر 2013م.