صور تثبيت الله للمؤمنين في سورة «المؤمنون»

الكاتب : إبراهيم لبيب
اعتنت سورة (المؤمنون) بذِكْر صور من تثبيت الله -عز وجل- للمؤمنين، ويحاول هذا المقال الكشف عن صور تثبيت الله للمؤمنين من خلال هذه السورة، وذلك بعد تمهيد يعرِّف بالسورة ومقاصدها.

  الحمد لله الذي خَلق الخَلق فجعل منهم المؤمنين والكافرين؛ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ‌فَمِنْكُمْ ‌كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [التغابن: 2].

والصلاة والسلام على إمام المؤمنين والمتّقين، الذي وصفه ربّه بأنه أحرص ما يكون على المؤمنين، فقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ‌عَزِيزٌ ‌عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة: 128].

أمّا بعد؛ فإنّ من المقاصد العظمى للقرآن الكريم إرشادَ المؤمنين إلى طريق الله المستقيم، وتثبيتَهم على ذلك إلى أن يلقَوا ربهم، وذِكْرَ الصّور والمشاهد التي تُعينهم على أن يظلّوا ثابتين على دينهم ومبادئهم في مواجهة الأعداء وما يعرض لهم في الحياة من مختلف الابتلاءات. ومن سور القرآن التي ألحّت على هذا المقصد -كما سنبيّن- سورة (المؤمنون) لما فيها من إظهار كرامة المؤمنين واختصاصهم بالفلاح، والدفاع عنهم وإظهار أنّ أعداءهم هم الخاسرون، ويحاول هذا المقال الكشف عن صور تثبيت الله للمؤمنين من خلال هذه السورة، وذلك بعد تمهيد نعرّج فيه على سورة المؤمنون ومقصدها وبعض المعلومات التعريفية بها.

تمهيد: بين يدي سورة المؤمنون:

سورة المؤمنون مكيّة وعدد آياتها 118 آية، والمقصد الأبرز للسورة: اختصاص المؤمنين بالفلاح، وخسارة الكافرين، فقد جاء في أوّلها: ﴿‌قَدْ ‌أَفْلَحَ ‌الْمُؤْمِنُونَ﴾[المؤمنون: 1]، وجاء في آخرها: ﴿‌إِنَّهُ ‌لَا ‌يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾[المؤمنون: 117][1].

فبعد أن بدأت السورة بإقرار حقيقة فلاح المؤمنين، ذكرتْ أخصّ صفاتهم التي بسببها نالوا هذا الفلاح، وانتقل الحديث بعدها إلى ذِكْر أدلّة الإيمان في الأنفس والآفاق، ببيان قدرة الله في خَلق الإنسان في مراحله المختلفة، وتسخير ما في السماوات والأرض له ليستمتع بها إلى أجلٍ مسمّى.

ثم انتقل الحديث إلى دعوة رسل الله أقوامهم إلى الإيمان، وجاء ذِكْر أوّل رسول في الأرض، وهو سيدنا نوح -عليه السلام-، ثم عاد أو ثمود -على خلاف بسبب عدم تصريح السورة باسمهم- ثم ذكر بعض الرّسل إجمالًا، ثم بعثة سيدنا موسى وهارون -عليهما السلام- إلى فرعون وملئه، وختامًا بسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين.

وفي ثنايا هذه القصص وبعدها فنّدَت السورة شُبهات المكذّبين، ومكرهم بالمؤمنين وتسفيههم واحتقارهم لهم. ثم خُتمت السورة بمشهد مهيب من مشاهد يوم القيامة يخطف القلوب، ويؤكّد ما جاء فيها من فلاح المؤمنين، وأنّ ما يتعرّضون له من ابتلاءات في الدنيا لا يساوي شيئًا أمام فوزهم في الآخرة ورضا الله عنهم وإدخالهم الجنة خالدين فيها أبدًا؛ ﴿‌إِنِّي ‌جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾[المؤمنون: 111].وفيما يأتي نعرض للصور التي طرقتها السورة في إبّان معالجتها والتي تفيد في تثبيت المؤمنين.

لما كان الجوّ النفسي العام للسورة هو علوّ أهل الكفر المادّي وتسلّطهم على المؤمنين بل احتقارهم والسخرية منهم واتهامهم بالجنون ونحوه، جاء خطاب المؤمنين بأدلّة وبراهين تثبّتهم على الحقّ، وتعلّق قلوبهم بالآخرة، وقد ظهر هذا التثبيت والتأييد جليًّا في السورة في عدد من الصور، وفيما يأتي بيان لهذه الصور:

أولًا: ذكر الفردوس -وهي أوسط أبواب الجنة- جزاء للمؤمنين:

لم تُذكر جنة الفردوس في القرآن إلا في موضعين؛ الأول في سورة الكهف، والثاني في سورة المؤمنين. ولعلّ سِرّ ذلك -والله أعلم- أنّ سورة الكهف اشتملت على أصول الفتن التي يتعرّض لها المؤمن، فتنة الدِّين والتي عالجتها قصة أصحاب الكهف، وفتنة المال والتي عالجتها قصة صاحب الجنتين، وفتنة العلم والتي عالجتها قصة موسى والخضر -عليهما السلام- وفتنة السُّلْطة والتي عالجتها قصة ذي القرنين. وهذه الفتن العظيمة مَن نجا منها مستعينًا بالله؛ فإنّ مصيره كما جاء في آخر السورة أعلى درجات الجنة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ‌الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ [الكهف: 107].

أمّا في سورة المؤمنون؛ فقد ظهر في سياق بعض آيات الأمم المكذبة حجم الابتلاءات التي يتعرّض لها المؤمنون في طريق سَيْرهم إلى الله سبحانه وتعالى؛ ففي السورة نجد اتّهامهم بالجنون واتهامهم بالكذب وتعييرهم بالضعف والمهانة، ثم السخرية والاستهزاء منهم، وهي فتن متتابعة، والمقصود أنّ تعرُّضَ المؤمنين لهذه الأصناف من البلايا النفسية والمادية واحتقارَ أهل الكفر لهم ناسَبَ أن يذكر معها أنّ الجزاء هو جنة الفردوس ليناسب حجم البلاء الذي تعرّضوا له، إِذ الأجر يكون على قدر المشقّة، ولهذا ذكر الله -عز وجل- في صدر هذه السورة جزاء المؤمنين بأنّ لهم جنات الفردوس: ﴿أُولَئِكَ هُمُ ‌الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: 10- 11].

وهذا يعلّمنا أنه في حالات الفتنة العظيمة والبلاء، ينبغي أنْ يتذكَّر المبتلَى العاقبة العظيمة التي تنتظره؛ فحينها سيهُون عليه ما يلقاه من مشاقّ في سبيل السعي للغاية العظمى.

وهذا نظير ما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة ‌الأحزاب حين اشتد البلاء على المؤمنين وتحزّب الكفار عليهم وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وظنّوا بالله الظنونا، فبشّرهم -صلى الله عليه وسلم- بأنهم سيفتحون مدائن ‌كسرى، وقصور الروم، وقصور صنعاء!

ثانيًا: توضيح السورة أنّ نِعَم الدنيا التي مع أهل الباطل إنما هي استدراج لهم:

المؤمن يعلم أنّ الله -عز وجل- خَلق العباد ليبتليهم: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ‌أَيُّكُمْ ‌أَحْسَنُ ‌عَمَلًا﴾[الملك: 2].

واقتضت حكمته سبحانه أن يُفاضِل بين العباد في حظوظ الدنيا اختبارًا لهم وامتحانًا؛ أيشكرون النِّعم ويصبرون على النِّقم، أم يتكبّرون ويتضجّرون؟!

والمتتبّع للصراع بين الحقّ والباطل في القصص القرآني، يجد أنّ السِّمة الغالبة لأهل الباطل أنهم من عِلْيَة القوم أرباب الأموال والقوّة والسُّلطة والنّسَب، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ ‌مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾[سبأ: 34].

وقال تعالى: ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ ‌أُولِي ‌النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا﴾[المزمل: 11].

ولهذا بيّنَت السورة عقيب ذِكْر قصص الأمم المكذّبة أنّ ما عند الكفار من سُلطة ومال وترف إنما هو في الحقيقة فتنة لهم واستدراج، لا مسارعة لهم في الخيرات كما يظنّون، قال تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ ‌فِي ‌غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾[المؤمنون: 54- 56].

فبيّنت الآيات أنّ هذه الأموال والأولاد -ويُقاس عليها سائر النِّعم- إنما هي في الحقيقة استدراج لهم، وليس خيرًا كما ظنّوا، ثم بيّنت السورة بعدها من هم المقرّبون عند رب العالمين، فقال عزّ من قائل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ ‌مِنْ ‌خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 57- 61]. 

فبيّنت هذه الآيات الكريمات أنّ المَوازين التي يقيس بها أهل الباطل، إنما هي موازين باطلة لا تساوي شيئًا في ميزان الله عز وجل، فاللهُ يعطي الدنيا لمَن يحب ومَن لا يحب، ولكنه لا يعطي الدِّين إلا لمن يحبه فقط، فالمؤمنون الذين آثروا رضا ربّهم على حظوظ الدنيا هم المحبوبون عند الله الذين فازوا برضوانه ودار كرامته، واستحضار هذا المعنى يثبّت المؤمن ويُعِينه على الصبر، كما قال الذين أُوتوا العلم للمفتونين بأموال قارون: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ‌وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ [القصص: 80]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا ‌يُوَفَّى ‌الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].

وقد ذُكر التّرف في السورة في أكثر من موضع لإظهاره كسِمَة بارزة من سمات المكذّبين، ذلك أنّ الاستغراق في التّرف يجعل النفس تركن إلى الدنيا وتستبعد البعث، وقد جاء في السورة مرتين استبعاد هؤلاء المترفين للبعث، فقال تعالى على لسانهم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ‌وَمَا ‌نَحْنُ ‌بِمَبْعُوثِينَ﴾[المؤمنون: 37].

وقال أيضًا: ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا ‌قَالَ ‌الْأَوَّلُونَ * قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ [المؤمنون: 81- 82].

ثم قالوا بعدها: ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾[المؤمنون: 83].

وهاهنا نكتة يحسُن بنا ذكرُها، وهي: ما سرّ اختلاف سياق هذه الآية عن سياق سورة النمل: ﴿‌لَقَدْ ‌وُعِدْنَا ‌هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [النمل: 68]، فقُدّمت ﴿نَحْنُ﴾ في سورة المؤمنون وأُخّرت في سورة النمل؟!

ذكر بعض العلماء فوائد بلاغية ونحوية في هذا[2]، غير أنه يوجد فائدة أخرى لا تتعارض مع ما ذكروه، وهي أنّ المتكبّر يرى في نفسه أنه عظيم، فيظهر أثر هذا على كلامه، فيقدّم كلّ الألفاظ التي تظهر تكبّره. وكما سبق، فإنّ سورة المؤمنون السمة العامّة فيها علوّ أهل الباطل وتكبّرهم؛ فلذلك ناسَب ذكر (نحن) أولًا، فقالوا: ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ﴾، بينما في سورة النمل، التي فيها علوّ أهل الإيمان والتي جاء فيها ذكر نبي الله سليمان -عليه السلام- ومعلوم ما كان معه من تمكين في الأرض وعزّة وانتصار، فكانت السّمة العامة للسورة إذلال أهل الباطل، فحينها ناسب أن يؤخّروا (نحن)، فقالوا: ﴿‌لَقَدْ ‌وُعِدْنَا ‌هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ﴾، والله تعالى أعلم بمراده.

لا نسب ينفع يوم القيامة!

وكذلك مما يفتخر به الكفار ما أنعم الله عليهم من رفعةٍ في النّسَب وسلطةٍ، فعامة المكذّبين من الأشراف والسادة (الملأ)، وقد جاء في السورة أنّ هذه الأنساب لا تنفعهم يوم القيامة، قال تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ ‌فَلَا ‌أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾[المؤمنون: 101].

ثالثًا: الموت نهاية الآلام وبداية النعيم للمؤمنين، والعكس مع الكفار:

تنتهي رحلة الحياة الدنيا بأتراحها وأفراحها بالموت، فالموت هو نهاية المطاف لكلّ المخلوقات.

ومع أنّ الموت واحد إلا أنه شتّان بين مَن مات على الإيمان ومن مات على غير ذلك.

مُرَّ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجنازة فقال: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ منه، قَالُوا: يا رسول الله، ما المسترِيح والمسترَاح منه؟ قال: العبدُ المؤمنُ يستريحُ مِنْ نَصَبِ الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعَبْدُ الفَاجِرُ يستريحُ منه العبادُ والبلادُ والشّجرُ والدّواب»[3].

وقد جاء ذكر الموت في أول السورة، فقال تعالى بعد أن بيّن قدرته في مراحل خلق الإنسان: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ ‌بَعْدَ ‌ذَلِكَ ‌لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾[المؤمنون: 15- 16].

ويمكن أن نُجمل سبب ذِكْر الموت بالتأكيد في سورة (المؤمنون) من خلال الآتي:

أولًا: رأفةً بالمؤمنين وحرصًا على ما فيه مصلحتهم؛ لأنّ الإنسان كثيرًا ما ينشغل بدنياه عن ما بعد الموت، والمؤمن قد تَعْرِضُ له غفلةٌ ينسى فيها الموت في زَحمة الحياة؛ ولذا كان من وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- : (أكثروا من ذِكر هاذم اللذّات)، وقال تعالى: ﴿‌أَلْهَاكُمُ ‌التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾[التكاثر: 1- 2].

وجاء في (البحر المحيط): إنه إنما بُولغ في تأكيد الموت «تنبيهًا للإنسان أن يكون الموت نُصْبَ عينيه، ولا يغفل عن تَرَقُّبِهِ، فإنّ مآله إليه، فكأنه أكدت جملته ثلاث مرار لهذا المعنى؛ لأن الإنسان في الحياة الدنيا يسعى فيها غاية السعي ويؤكد ويجمع حتى كأنه مُخَلَّدٌ فيها، فنبّه بذِكْر الموت مؤكّدًا مبالغًا فيه ليقصر وليعلم أنّ آخره إلى الفناء فيعمل لدار البقاء»[4].

ثانيًا: أنّ السورة ذكرتْ عددًا من الابتلاءات التي يتعرّض لها المؤمنون، فناسب تذكرتهم في بدايتها أنّ هذه الابتلاءات لن تدوم، وأنها إن لم تَزُل في حياتهم الدنيا فسوف تزول يقينًا بالموت، فالموت نهاية الآلام، وبداية النعيم، وهو رحمة للمؤمنين، وقد يكون بين الإنسان والجنة لحظة واحدة!

عن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الجنّةُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ ‌شِرَاكِ ‌نَعْلِهِ، والنَّارُ مِثْلُ ذلك». متفق عليه.

ففي لحظة واحدة ينتقل المؤمن من دار البلاء إلى دار النعيم، وتبدأ رحلة السعادة الأبدية منذ لحظة الاحتضار.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ‌ثُمَّ ‌اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾[فصلت: 30- 31].

وفي المقابل، في لحظة واحدة أيضًا ينتقل المترفون المكذبون من القصور إلى القبور، وتبدأ رحلة العذاب بمجرد خروج الروح، بل منذ لحظات الاحتضار، قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ ‌فِي ‌غَمَرَاتِ ‌الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ [الأنعام: 93- 94].

وجاء في السورة ذِكْر أول مراحل الآخرة للكافر وهو الموت، فقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ ‌رَبِّ ‌ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: 99- 100].

والمقصود أنّ تذكّر الموت عند احتدام الصراع بين الحقّ والباطل يُريح القلوب، فهو بداية النعيم للمؤمنين وبداية الشقاء للكافرين، كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عقيب المعركة: «قتلانَا في الجنة وقتلاهم في النار».

رابعًا: تعميق الصِّلَة بالله، وبيان أنها أعظم نعمة للمؤمنين:

جاء تقرير أمر الصِّلَة بالله في ثنايا السورة في مواضع متعدّدة.

1- فأوّل صفة للمؤمنين ذكرتها السورة بعد إيمانهم هي: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي ‌صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 2]، ثم بعدها ذكرت بعض خصالهم وأفعالهم ثم ختمت الأوصاف بذِكْر الصلاة مرة أخرى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: 9].

والصلاة صِلة بين العبد وربّه، الخشوع فيها هو رُوحها، ومعنى الخشوع استشعار قُرب الخالق -سبحانه وتعالى- وحضور القلب بين يديه في جميع الهيئات المختلفة من قيام وركوع وسجود، فيظهر أثر ذلك على الجوارح، فتسكن الحركات ويقلّ الالتفات، وهذا الخشوع هو نعيم الدنيا للمؤمن؛ فينسى معه كلّ الهموم ويتّصل قلبه بخالقه الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، فيثق به ويفوّض أموره له ويتوكّل عليه.

وللصلاة شأن عظيم في حياة المؤمنين، فهي أعظم ما يُعين على الصبر، قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا ‌بِالصَّبْرِ ‌وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة، وكلّ هذا يؤكّد على أنّ الصِّلَة بالله -عز وجل- تُنسي كلّ بلاء وتجلب كلّ خير، وسبب في كشف الكروبات.

2- إبراز السورة لعظمة الخالق الذي اتصل به المؤمنون، وأنه هو المهيمن وهو القاهر فوق عباده، ففي أول السورة ذكرت صفات المؤمنين السبع: (الإيمان، والخشوع في الصلاة، والبُعد عن اللغو، والزكاة، وحفظ الفرج، وأداء الأمانة، ثم المحافظة على الصلاة)، وذكرتْ مراحل خلق الإنسان، وهي سبع أيضًا: (سلالة من طين، ثم نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا، ثم لحمًا، ثم خلقًا آخر مكتمل)، ثم أتبعَت ذلك بذِكْر خلق السماوات السبع ﴿‌سَبْعَ ‌طَرَائِقَ﴾ وختمت جميع ما سبق بقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾[المؤمنون: 17]، أي: أنّ الله -عز وجل- لم ولن يغفل عن خلقه؛ بل يحفظ عليهم أعمالهم خيرها وشرّها ويحصيها عليهم، وهذا يجعل قلب المؤمن دائم التعلّق بالله يجمع بين الرجاء فيما عنده من ثواب والخوف مما عنده من عقاب.

وكما جاء في أول السورة بعضٌ من صفات المؤمنين المعلّقة قلوبهم بربهم، جاء كذلك في منتصفها ما يؤكّد على هذا المعنى؛ فقلوبهم التي امتلأت تعظيمًا وإجلالًا لربهم، جعلتهم ﴿‌مِنْ ‌خَشْيَةِ ‌رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾، و﴿بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾، و﴿لَا يُشْرِكُونَ﴾، وأنهم مع إقدامهم على الأعمال الصالحة فإنّ قلوبهم وَجِلَة وخائفة من سلطان الله، فيورث هذا الخوف قُربًا إلى الله، «قال أبو حفص: الخوف سراجٌ في القلب، به يبصر ما فيه من الخير والشر، وكلّ أحد إذا خفتَه هربتَ منه إلا الله عز وجل، فإنك إذا خفته هربتَ إليه. فالخائف هاربٌ من ربّه إلى ربّه»[5].

خامسًا: استجابة الله لدعاء المؤمنين وإشعارهم بقُربه منهم:

مِن أكثر ما يطيّب قلوب المؤمنين شعورُهم بقُرب ربهم منهم وإجابته دعاءهم، وقد بيّنَت السورة أنّ الله -عز وجل- استجاب دعاء عباده المرسلين في الدنيا بنصرهم وانتقامه من أعدائهم ولو بعد حين.

فالله -سبحانه وتعالى- يدافع عن الذين آمنوا، وليس في الخلق أكرم على الله من عباده المؤمنين، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ ‌يُدَافِعُ ‌عَنِ ‌الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾[الحج: 38].

وقال تعالى: ﴿إِنَّا ‌لَنَنْصُرُ ‌رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾[غافر: 51].

ولكن الله قد يعجّل النصر أو يؤخّره لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

- فلما دعا نوح ربّه: ﴿‌قَالَ ‌رَبِّ ‌انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾ [المؤمنون: 26]، استجاب الله دعاءه وأهلك المكذِّبين وأغرق مَن في الأرض جميعًا إلا المؤمنين.

- وكذلك استجاب اللهُ دعاء رسوله في القصة الآتية المذكورة بعد قصة نوح في السورة، حين دعا مثل دعاء سيدنا نوح -عليهما السلام-: ﴿‌قَالَ ‌رَبِّ ‌انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾[المؤمنون: 39]، فأهلك الله أعداءه بالصيحة.

- وهذه سنة الله مع مكذِّبي رسله، فقد أخبرتنا السورة بعدها إهلاك الأمم المكذبة بعدهم بسبب كفرهم برسله: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا ‌رُسُلَنَا ‌تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[المؤمنون: 44].

- واستجابة الله دعاء عباده تكون في الآخرة أكثر من الدنيا، وقد بيّنت السورة في آخرها أنّ الله -عز وجل- استجاب دعاء عباده المؤمنين له بالرحمة والمغفرة، فجعلهم الفائزين: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ‌وَأَنْتَ ‌خَيْرُ ‌الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾[المؤمنون: 109- 111].

- ومن استجابة الله لدعاء عباده أنه أمرهم أن يدعوه بالاستعاذة من همزات الشيطان الرجيم الذي يَحُول بين عباد الله والصّلة به، فقال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ ‌هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾[المؤمنون: 97- 98].

قال السعدي: «أي: أعوذ بك من الشّر الذي يصيبني بسبب مباشرتهم وهمزهم ومسّهم، ومن الشّر الذي بسبب حضورهم ووسوستهم، وهذه استعاذة من مادة الشّر كلّه وأصله، ويدخل فيها الاستعاذة من جميع نزغات الشيطان ومن مسّه ووسوسته، فإذا أعاذ اللهُ عبدَه من هذا الشّر وأجاب دعاءه سَلِمَ من كلّ شَرّ ووُفِّق لكلّ خير»[6].

فما أمرُ الله للمؤمنين بالاستعاذة به من الشياطين إلا لأنه سيجيب دعاءهم، ويصرف عنهم كيده، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ ‌لَيْسَ ‌لَهُ ‌سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[النحل: 99].

سادسًا: تعريف المؤمنين بسبيل المجرمين:

من وسائل القرآن في تثبيت المؤمنين تبيين طرق أهل الباطل التي يسلكونها في الصدّ عن سبيل الله، وذلك حتى يكونوا على بيّنة من أمرهم، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ ‌وَلِتَسْتَبِينَ ‌سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: 55]، ‌قرئت: ﴿سَبِيل﴾ بضمّ اللام وفتحها، والمعنى كما ذكر ابن كثير -رحمه الله- وغيره: «﴿‌وَلِتَسْتَبِينَ ‌سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ أَيْ: وَلِتَظْهَرَ طَرِيقُ المجرمين المخالفين للرسل، وقرئ: ﴿‌وَلِتَسْتَبِينَ ‌سَبِيلَ الْمُجْرِمِينَ﴾، أي: ولتستبين يَا مُحَمَّدُ، أَوْ يَا مُخَاطَبُ سَبِيل الْمُجْرِمِينَ»[7].

إذن معرفة سبيل المجرمين وأقوالهم وشبهاتهم مما يُعين المؤمن على الثبات على الحقّ، وقد كان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- يقول: «كان النَّاسُ يَسْأَلُونَ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عن الخَيْرِ، ‌وكنْتُ ‌أَسْأَلُهُ ‌عن ‌الشَّرِّ مخافةَ أنْ يُدْركنِي»[8].

وقد حَفَلَت سورة المؤمنون بذِكْر عدد من شبهات المكذّبين، وبيّنت عوارها، كافتخارهم بما لديهم من مال وبنين وشرف ورفعة، وقد سبق بيان أنّ هذا استدراج من الله لهم، غير أنّنا سنقتصر في هذا المبحث على لطيفة نافعة من لطائف القرآن، وهي: كيف ينظر أهل الباطل إلى أهل الحقّ؟!

إذَا تأمّلتَ حكاية القرآن لكلام مكذّبي الرُّسل في السورة ستجد أنّ اتهاماتهم من جنس ما يسيطر على قلوبهم وأحلامهم، فتأمّل أقوال الكفار في القصص التي ذكرت في السورة:

- في قصة نوح -عليه السلام- لما قال لهم: ﴿...يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ‌أَفَلَا ‌تَتَّقُونَ﴾[المؤمنون: 23]، كان جواب الملأ منهم وهم الأشراف والسادة: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ[المؤمنون: 24].

فاتهموا نبيّ الله نوح أنه يريد أن يكون زعيمًا متبوعًا وأن يكونوا هم له تبعًا، فلماذا اتهموا رسولهم بهذا الاتهام تحديدًا؟!

الجواب: أنّ المتتبّع لقصة نوح -عليه السلام- في القرآن يجد أنّ الطبقيّةَ والتفاخر بالشرف والنّسب مستغرقٌ لقلوبهم تمامَ الاستغراق، فهم لا يَزِنُون الأمور إلا بميزان الطبقية والتفاضلالدنيوي بين البشر، فالناس عندهم مقسّمون إلى أشراف وأراذل كما ذكرت ذلك سورة هود على لسانهم: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ ‌أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ [هود: 27]، وكذلك في سورة الشعراء، كان مما قالوه: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ ‌وَاتَّبَعَكَ ‌الْأَرْذَلُونَ﴾[الشعراء: 111].

فنظروا إلى المؤمنين باحتقار، واستدلّوا بإيمان ضعفاء المؤمنين بدعوة سيدنا نوح على أنّ ما لديه من الدعوة لا يمثّل الحقّ، ومعلوم أنّ هذه النظرة المادّية الدونيّة لا عبرة لها في قبول الحقّ؛ إِذْ إنّ أكثر أتباع الرّسل من الضعفاء، كما في حديث هرقل المعروف حين قال: «وَسَأَلْتُكَ عنْ أَتْبَاعِهِ؛ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ، فَقُلْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ»[9].

وإن كان هذا الأمر عامًّا في قصص الصّراع بين الحقّ والباطل، إلا أنه كان أكثر وضوحًا في قوم نوح -عليه السلام-، فاتهموه ومَن معه من المؤمنين أنهم بهذه الدعوة لا يريدون وجه الله وإنما يريدون أن يتفضّلوا عليهم ويُصبحوا هم السادةَ والمتبوعين وهم تبعٌ لهم: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ‌يُرِيدُ ‌أَنْ ‌يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾.

ثم اتهموه بالجنون، فقالوا: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾[المؤمنون: 25].

- ثم قصّ اللهُ بعدها قصة قوم آخرين: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾[المؤمنون: 31]، قيل إنهم قوم عاد، وقيل ثمود، وقيل غير ذلك.

ولكن محلّ الشاهد هو أنّ ما قاله هؤلاء أيضًا إنما هو من جنس ما يسيطر على عقولهم وقلوبهم؛ فقد ذكرت لنا السورة أنّ هؤلاء المكذّبين من المترفين المنعّمين. تأمّل قول الله: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ ‌وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [المؤمنون: 33].

فوصفتهم السورة بأنهم مترَفون، ومعروف أن المترَف المنعّم أهمّ ما يسيطر على تفكيره هو بطنه، فالطعام والشراب والالتذاذ بهما هو أكبر متعة لديه، كما في قوله تعالى عن أهل الكفر الذين شُغلوا بمتع الحياة عن الغرض الذي خُلقوا من أجله: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ‌فَسَوْفَ ‌يَعْلَمُونَ[الحجر: 3].

وإن كانت المتع التي يتمتع بها الكافر غير منحصرة في الأكل، إلا أنها أهمّ المتع لديهم، ويزداد الاهتمام بها حين يكون الكافر من أرباب الأموال والتّرف.

والمقصود أنه لمّا كان التّرف والتنعّم بالطعام والشراب هو أكثر ما يشغل بالهم، أوّل ما لفت انتباههم في دعوة رسولهم أنه يأكل طعامًا ويشرب شرابًا عاديًّا لا مزيّة عليهم فيه: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ ‌وَيَشْرَبُ ‌مِمَّا ‌تَشْرَبُونَ﴾.

- ثم تأتي القصة الثالثة وهي قصة سيدنا موسى -عليه السلام- وأخيه هارون لمّا أرسلهم الله -سبحانه وتعالى- إلى فرعون وملئه، سجّلت السورة مقولة واحدة لفرعون وملئه، وهي: ﴿فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾[المؤمنون: 47].

فلما كانت العبودية واستضعاف فئة من الشّعب -وهم بنو إسرائيل- هو ما يسيطر على قلوبهم، لم يروا في رسالة موسى -عليه السلام- إلا أنها تريد أن ترفع العبودية عنهم، لا أنها رسالة الله إلى الناس.

وهكذا إذا تتبّعتَ كثيرًا من أقوال المكذّبين، ستجد أنها تحمل في طيّاتها كثيرًا مما في يدور في قلوبهم، كما قال يحيي بن معاذ: «‌القلوب ‌كالقدور تغلي في الصدور، ومغارفها ألسنتها. فانتظِر الرجلَ حتى يتكلّم فإنّ لسانه يغترف لك مما في قلبه».

وبشكلٍ عامّ، استحضار شُبَهِ المكذّبين مما يثبّت قلب المؤمن، ويجعله يتوقّع اتهامات الطغاة حين يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فإذا كان الطغاة المدعوون رأسماليين مرابين مثلًا، غالبًا سيتّهمون الدعاة بأنهم ما يريدون بدعوتهم إلا جمع الأموال وقطع المكاسب عليهم، وإذا كان الطغاة المدعوون اشتراكيين ربما يتهمون الدعاة بأنهم يريدون الزعامة والْتِفاف الجماهير حولهم.. وهكذا، فالإنسان يرى العالم الخارجي ويفسّره وَفْق قناعاته ومعتقداته. وهو ما عرفه بعض علماء النفس وعلماء الاجتماع اصطلاحيًّا باسم: (الإطار الفكري)، أي: أنّ الإنسان يحلّل كلّ الأحداث وتصرّفات الآخرين بناء على الإطار الذي يسيطر على تفكيره، وهذا شبيه بما قاله ابن حزم: «وَقَد شاهدتُ أَقوامًا ‌ذَوي ‌طبائع رَدِيئَة وقد تصوّر في أنفسهم الخبيثة أَنّ الناس كلَّهم على مثل طبائعهم لا يصدّقون أصلًا بِأَنّ أحدًا هو سَالم من رذائلهم بِوَجْهٍ من الوُجُوه وهذا أسوأ ما يكون من فَسَاد الطَّبْع»[10].

سابعًا: إظهار نصر الله للمؤمنين في الدار الآخرة:

فالعبرة بكمال النهايات، وكما قيل: من ضحك أخيرًا ضحك كثيرًا، وقد حَرَصَت السورة الكريمة في خاتمتها أن تظهر خسارة الكافرين وندمهم مرتين، مرّة عند الموت وأخرى يوم القيامة.

فأمّا التي عند معاينة الموت، حين سألوا ربهم الرجعة للدنيا: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ ‌رَبِّ ‌ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾[المؤمنون: 99- 100].

فكان الجواب القاطع من ربّ العالمين: ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. كلَّا: للردع والزجر، أي: لن يُجاب طلبكم للرجعة إلى الدنيا؛ فإنّ أجَلَ الله إذا جاء لا يؤخّر.

وأمّا التي في الآخرة بعد النفخ في الصور والبعث من القبور، قال تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون: 101].

فحينها شتّان بين مَن آمن بالله وأذعن له في الحياة الدنيا، وبين من كفر به ولم يَنقَد له.

﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾[المؤمنون: 102- 104].

يا له من مشهد مهيب، هذه الوجوه المكذّبة التي كانت غارقة في التّرف في الدنيا تتحوّل إلى وجوه كالحة والعياذ بالله، عن أبي سعيد الخدري عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ﴿وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾؛ قالَ: «تَشْوِيهِ النَّارُ، فَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ العُلْيَا حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ، وَتَسْتَرْخِيَ شَفَتُهُ السُّفْلَى حتى تبلغ سُرَّتَهُ»[11].

ثم يأتي التقريع من ربّ العالمين والتوبيخ لأهل النار: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون: 105]، فيعترفون بأنّهم كانوا ضالّين مضلّين: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ﴾[المؤمنون: 106]، ثم يسألون ربّهم الرجعة إلى الدنيا: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون: 107]، فيأتي الردّ من ربّ العالمين: ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾، أي: امكثوا في النار أذلّاء ولا تسألوا الرّجعة فقد حكَمتُ عليكم ولا معقّب لحكمي، كما قال تعالى: ﴿‌يُبَدَّلُ ‌الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [ق: 29].

ثم بيّن لهم فوزَ الذين كانوا يستهزئون بهم في الدنيا بقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ ‌فَرِيقٌ ‌مِنْ ‌عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [المؤمنون: 109- 111].

وهذا مثل قوله تعالى في سورة المطففين: ﴿إِنَّ ‌الَّذِينَ ‌أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[المطففين: 29- 36].

فما أعظمه مِن نصر، حين يجمع اللهُ الأوّلين والآخِرِين في مشهد عظيم، ويقف الأشهاد من الملائكة والنبيّين والشهداء والصالحين، فيُعْلِي اللهُ أهلَ الحقّ، ويُخزي أعداءهم من أهل الباطل، ويُفضحون على رؤوس الأشهاد: ﴿أُولَئِكَ ‌يُعْرَضُونَ ‌عَلَى ‌رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[هود: 18].

فالمؤمن حين يَقرأ مثل هذه الآيات يستحضر معنى الفوز الحقيقي،ويوقن بعِظَمِ العاقبة الحسَنة لما هو عليه من إيمان ويصبر على ذلك: ﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ ‌بِمَا ‌صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾، يا لَهُ من فوز ويا لهُ من نعيم!

ماذا خسر أهل الإيمان في الدنيا حتى إن لاقَوا بعضَ الأذى؟! أليس في الآخرة عوضٌ عن الدنيا؟ ألم يقل الله تعالى: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ ‌الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾[العنكبوت: 64]، وقال سبحانه: ﴿وَالْآخِرَةُ ‌خَيْرٌ ‌وَأَبْقَى﴾[الأعلى: 17]؟

فالفوز الحقيقي إنما هو الفوز بالجنة ورضوان الله، والخسارة الحقيقية إنما هي خسارة النفس في نار جهنم خالدين فيها أبدًا.

قال تعالى: ﴿فَمَنْ ‌زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[آل عمران: 185].

ومما يعظّم انتصار المؤمنين يوم القيامة أنهم يرِثون منازل الكفار من الجنّة.

قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ ‌هُمُ ‌الْوَارِثُونَ﴾: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما منكم من أحدٍ إلا وله منزلان: منزلٌ في الجنة، ومنزلٌ في النار، فإن مات ودخل النار ورث أهلُ الجنة منزلَه، فذلك قوله: ﴿أُولَئِكَ ‌هُمُ ‌الْوَارِثُونَ﴾». وقال ابن جريج عن ليث عن مجاهد ﴿أُولَئِكَ ‌هُمُ ‌الْوَارِثُونَ﴾ قال: ما من عبدٍ إلا وله منزلان: منزلٌ في الجنة ومنزلٌ في النار، فأمّا المؤمن فيُبنَى بيتُه الذي في الجنة ويُهدَم بيتُه الذي في النار، وأما الكافر فيُهدَم بيتُه الذي في الجنة ويُبنَى بيتُه الذي في النار.

ورُوي عن سعيد بن جبير نحو ذلك، فالمؤمنون يَرِثُون منازل الكفار لأنهم خُلِقُوا لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، فلمّا قامَ هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة، وترَكَ أولئك ما أُمِرُوا به مما خُلِقُوا له، أحرز هؤلاء نصيبَ أولئك لو كانوا أطاعوا ربَّهم عز وجل[12].

الخاتمة:

اعتنت سورة المؤمنون بإظهار فلاح المؤمنين في الدنيا والآخرة، كما حَفَلَت السورة بمعالم رئيسة تُعِين المؤمنين على الثبات على المنهج الحقّ إلى أن يلقوا ربهم، وفي نفس السياق بيّنَت السورة خسارة الكافرين، وحذّرت من اتّباع سبيلهم، فجاء في أوّلها: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: 1]، وجاء في آخرها: ﴿إِنَّهُ ‌لَا ‌يُفْلِحُ ‌الْكَافِرُونَ﴾[المؤمنون: 117]، وقد بينّا في هذه المقالة صور التثبيت التي ذكرتها السورة من خلال نظرِنا في السورة وتأمُّلِنا لها. وعِلْمُ المؤمن بهذه الصور وتذكُّرُه لها ونظرُه فيه من الأمور المهمّة التي تُعِينه على الثبات خلال فترة حياته والابتلاءات المختلفة التي يعرض لها، ونسأل اللهَ تعالى أن يثبّتنا على طريق الإيمان والإحسان.

 

[1]قال الزمخشري: «جعل فاتحة السورة: ﴿‌قَدْ ‌أَفْلَحَ ‌الْمُؤْمِنُونَ﴾، وأورد في خاتمتها: ﴿‌إِنَّهُ ‌لَا ‌يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾، فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة». الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (3/ 207).

[2] انظر على سبيل المثال: كشف المعاني في المتشابه من المثاني، ابن جماعة، ص268.

[3] رواه البخاري (6512)، ومسلم (950).

[4]ينظر: لمسات بيانية في نصوص من التنزيل، فاضل السامرائي، ص116.

[5] مدارج السالكين (1/ 509)، ط. الكتاب العربي.

[6] تفسير السعدي، ص559.

[7]تفسير ابن كثير (3/ 235)، ط. العلمية.

[8]متفق عليه.

[9]رواه البخاري.

[10]الأخلاق والسير في مداواة النفوس، ص79.

[11]رواه الإمام أحمد والترمذي، ينظر: تفسير ابن كثير.

[12] تفسير ابن كثير (5/ 405)، ط. العلمية.

الكاتب

إبراهيم لبيب

حاصل على ليسانس الآداب - جامعة القاهرة، وله عدد من المشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))