كتاب (القراءات والقرّاء بفاس؛ دراسة في تاريخ الأعلام والمناهج والمدارس)
للدكتور/ عبد العليّ المسئول
عرض وتقويم

الكاتب : مونعيم مزغاب
جمعَ كتابُ (القراءات والقرّاء بفاس؛ دراسة في تاريخ الأعلام والمناهج والمدارس) ترجمةَ جملة من الأعلام باعتبار تخصّصهم (القراءات القرآنية) وباعتبار انتمائهم إلى حيّز جغرافي هو (مدينة فاس) بالمغرب، وعقد دراسة وافية في المناهج والمدارس المرتبطة بالقراءات بفاس وبالمغرب الأقصى ‏والأندلس. وهذه المقالة تعرِّف بالكتاب، وتعرض لمحتوياته، مع طرح بعض الملاحظات حوله.

تمهيد:

  ترعى الأمة جهود أفرادها العلمية وتوثّق إنجازاتهم من خلال ما سُمّي بكتبِ التراجم، باعتباره حقلًا معرفيًّا من حقول التاريخ الثقافي للمسلمين؛ إذ اتجه كثير من العلماء على اختلاف تخصّصاتهم إلى تدوين السيرة الذاتية لآلاف العلماء الذين سبقوهم في أزمنة متعاقبة أو عاصروهم بمختلف اتجاهاتهم الفكرية وآثارهم العلمية، مسلِّطةً الضوء على مكانة صاحب الترجمة العلمية سواء تعلّق الأمر بالمحدِّثين أو الفقهاء أو المتصوّفين أو الأدباء أو غيرهم، إِذْ تشكّل هذه المؤلَّفات خزانًا لذاكرة تاريخية ذات أهمية قصوى للأمة وللأجيال المتعاقبة.

فشكّلَت كتب التراجم والطبقات إنتاجًا بيبليوغرافيًّا يُعتبر أداة أساسية لضبط مسار العَلَم المترجَم له ومعرفة شخصيته وإنتاجه الفكري ونشاطاته المختلفة.

وتتنوّع مناهج المصنِّفين في هذا الفنّ من الكتابات، ومن أهمها ما يفرد فيه المؤلِّف عِلمًا معيّنًا، ومنها ما يفرد صاحبه بلدًا معيّنًا.

وقد اهتمّ كتاب (القراءات والقُرّاء بفاس؛ دراسة في تاريخ الأعلام والمناهج والمدارس) بجمعٍ بين الترجمة لجملة من الأعلام باعتبار تخصّصهم (القراءات القرآنية)، وباعتبار انتمائهم الكلّي أو الجزئي إلى حيّز جغرافي هو (مدينة فاس) بالمغرب الأقصى. ولم يكتفِ بتاريخ الأعلام، بل أضاف إليه دراسة وافية في المناهج والمدارس المرتبطة بالقراءات بفاس وبالمغرب الأقصى وبالأندلس أيضًا، وفيما يأتي سأحاول تناوُل هذا الكتاب بالعرض والتقويم، وسيأتي كلامي مقسومًا لقسمين؛ أحدهما لعرضه والآخر لتقويمه.

أولًا: كتاب (القراءات والقُرّاء بفاس)؛ عرض وبيان:

سأعمل في هذا القسم على التعريف بالكتاب وبيان محتوياته، وذلك بعد عرض بيانات الكتاب والتعريف الموجز بمؤلِّفه:

- بيانات الكتاب:

كتاب (القراءات والقرّاء بفاس؛ دراسة في تاريخ الأعلام والمناهج والمدارس)، هو للدكتور/ عبد العليّ المسئول، وهو مطبوع بدار لبنان للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، سنة 1442هـ/ 2020م. وهو كتاب من 350 صفحة من الحجم الكبير.

- تعريف بالمؤلّف[1]:

إنه الدكتور/ عبد العليّ بن عبد الرحمن الفيلالي المسئول، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أستاذ التعليم العالي للقرآن الكريم وعلومه واللغة العربية وعلومها بكلية الآداب سايس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس المغرب منذ سنة 1995.

وهو من مواليد سنة 1385هـ/ 1965م، بمدينة فاس العاصمة العلمية للمغرب الأقصى، حصل على دكتوراه السلك الثالث في القراءات وعلوم القرآن في موضوع: (القراءات الشاذّة؛ ضوابطها والاحتجاج بها في الفقه والعربية)، وحصل على دكتوراه الدولة في القراءات وعلوم القرآن في موضوع: (الشاهد القرائي عند النحاة).

 ومن كتبه المنشورة:

الكافي في التجويد، الإيضاح في علم القراءات، معجم مصطلحات علم القراءات القرآنية وما يتعلّق به، القراءات الشاذّة ضوابطها والاحتجاج بها في الفقه والعربية، ما جرى به العمل عند المغاربة في رواية ورش من طريق الأزرق أداءً ورسمًا، اللغة العربية وتقويم الألسنة.

- هدف الكتاب:

يحدّد الدكتور/ عبد العليّ المسئول هدفه من الكتاب من خلال بيان الدافع إليه وذلك في الصفحة 18، حيث قال: «والناظر في تاريخ القراءات والقرّاء بالمغرب يقف على الحضور القوي لعاصمة العلم والمعرفة فاس؛ إذ اجتمع فيها علم القيروان وعلم قرطبة كما ذكر المراكشي -في المعجب في تلخيص أخبار المغرب- وبرز فيها مقرئون خدموا علم القراءات تدريسًا وتأليفًا. لكن لا أعلم مَن أفردَ هذه الطائفة من المقرئين الفاسيين بمؤلَّف يتحدّث عن سِيَرهم ومؤلَّفاتهم في القراءات، وطرائق تدريسهم لهذا العلم، وهذا ما دفعني إلى سبر أغوار الموضوع وتأليف كتاب وسمته بـ(القراءات والقرّاء بفاس؛ دراسة في تاريخ الأعلام والمناهج والمدارس)».

كما يهدف الكتاب إلى الإجابة عن تساؤلات، من أهمها:

كيف دخلت القراءات الأندلس والقيروان وانتشرت وكثر القرّاء فيهما؟

وكيف كان لذلك الأثر في انتشار القراءات بالديار الفاسية؟

ما أهم محاضن الإقراء بالمغرب الأقصى عامّة وبفاس خاصة؟

وما أهم الإجازات الفاسيّة في الإقراء وأشهر الأسانيد بها؟

- منهج الكتاب:

اتخذ الكاتب لنفسه منهجًا دقيقًا في اختيار الأعلام المقصودين بالترجمة، وكشف عنه في مقدّمته، ويمكن تلخيصه في الخطوات والمعالم الآتية:

1- الترجمة للقرّاء الذين وُلِدوا بفاس أو حلّوا بها للدراسة أو اجتازوها ولو ساعة من نهار أو ماتوا بها.

2- عدم الترجمة للأحياء من القرّاء لكثرتهم وتفرّقهم في البلاد.

3- ترتيب المقرئين حسب وفياتهم.

4- إن لم يقف على سنة وفاة عَلَمٍ من الأعلام جعلهم في مؤخّرة القرون التي ينتسبون إليها (مع ذكر سَنَة ولادتهم إنْ تيسّر ذلك).

5- تسمية شيوخ المترجَم لهم في القراءات، وتلاميذهم، مع سرد مصنفاتهم في القراءات وبعض مؤلّفاتهم في علوم أخرى.

6- الاستناد في عنوان الترجمة إلى اسم الشهرة؛ سواء كان كنية أو لقبًا أو اسمًا.

7- الاعتماد في تحرير سِيَر المترجم لهم على كتب التراجم والطبقات والتاريخ والفهارس والبرامج والأثبات والمشيخات وبعض الإجازات.

8- لا يترجِم إلا لمن كان مقرئًا، وهو الحافظ للقرآن الكريم بروايتين على الأقلّ.

9- جمع أسماء المترجم لهم في جدول ضمن الفهارس مرتّبة حسب القرون وسنة الوفاة.

- محتويات الكتاب:

افتُتح الكتابُ بتقديم للأستاذ الدكتور/ عبد الباسط المستعين، وهو أستاذ التاريخ بكلية الآداب بجامعة محمد الأول بوجدة، تلاه تقريظ للشيخ الدكتور/ محمد الناسك، بَيّنَ فيه قيمة الكاتب والكتاب.

وقد استهلّ المؤلِّف بمقدّمة بيّنَ فيها سبب اختياره لموضوع الكتاب ومنهجه فيه، وقد كتبها وهو ثاوٍ ببيته بفاس في فترة انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد 19) الذي ألجأ الناس إلى المكوث في منازلهم، وذلك قبيل صلاة المغرب يوم الأربعاء 28 شعبان 1441هـ الموافق 22 أبريل 2020م. تلاها مدخل عام بعنوان: (فاس تبع في الإقراء للأندلس والقيروان).

وقد قسم الكتاب إلى أربعة مباحث كبرى، خصّص الأول للحديث عن القراءات بالغرب الإسلامي بالأندلس والقيروان، وأفصح فيه عن كيفية دخول القراءات إليهما وعرّف بأشهر قرائهما ممن ربطتهم صلة بقرّاء فاس.

وكان المبحث الثاني وعاءً للحديث عن القراءات بالمغرب الأقصى حيث فصل القول في هذا العلم وتطوّره في أزمُن الدول المتعاقبة على الحكم بالمغرب، وعمّا جرى به العمل في الإقراء بهذه الديار، وعن محاضن الإقراء، وختمه بإشارات إلى إسهامات المرأة المغربية في الإقراء.

ومحّض الحديث في المبحث الثالث للقراءات والقرّاء بمدينة العِلْم فاس، فكتب عن محاضن الإقراء بها، وعن الإجازات الفاسية في الإقراء، وعن رحلة القرّاء بين فاس والأندلس والمشرق.

وختم بالمبحث الرابع الخاصّ بتراجم أعلام المقرئين الفاسيِّين مرتّبين حسب القرون بدءًا بالقرن الخامس والسادس الهجريين وصولًا إلى القرن الخامس عشر الهجري.

وأنهى الكتابَ بفهارس: فهرس تراجم القراء الفاسيين حسب الوفيات، وفهرس المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.

ثانيًا: كتاب (القراءات والقرّاء بفاس)؛ نقد وتقويم:

أولًا: أبرز مميزات الكتاب:

1- الشجاعة في اقتحام فنّ التراجم:

لا شكّ أنّ اقتحام الكتابة في فنّ التراجم يتطلّب شجاعة عِلْمية وخبرة منهجية في التعامل مع الخبر التاريخي، والكتاب الذي بين أيدينا يشكّل عنوانًا للإقدام العلمي لأحد كبار علماء القراءات ومشايخ علوم القرآن واللغة بالمغرب الأقصى في هذا الزمان. ولا يخفى أن مِثْل هذا العمل يتطلّب استقصاء ونباهة وطول نفَس قلّما نجده عند الباحثين؛ لِمَا ينتاب هذه الأعمال من صعوبة في البحث والجمع والتدقيق والتزام المنهج المعتمد، خاصّة وأنّ البحث يتخذ لنفسه حيّزًا جغرافيًّا ضيقًا وهو مدينة فاس، ويحدّد الفئة المترجَم لها بصفة الإقراء لا غيره.

2- الدقّة في ضبط أسماء الأعلام وتحرّي الصواب فيها:

وقد تميّز الكتاب أيضًا بضبط الكلمات العلمية وكذا الأسماء، وهو ما يتطلّب حذرًا ودراية لا يستطيعها إلا مَنْ كان من أهل الشأن، وفي ذلك فوائد جمة بل ومتعة لا يدركها إلا من خبر هذا الفنّ من العلوم. بل إنه -حفظه الله- كان يستدرك على كبار المؤرِّخين في ضبط أسماء بعض الأعلام، ومن ذلك ما قاله في شأن ابن الفَتُوت محمد بن أحمد (ت614هـ): «الفتوت ضبَطَهُ ابن الجزري في غاية النهاية (2/ 68) بفتح الفاء والمثناة فوق، والذي أراه أنه بفتح الفاء وضم المثناة لا بفتحها، وهو الذي تشهد له المعاجم. قال في التاج: (والفَتِيت والفَتُوت: الشيء المفتوت، وقد غلَبَ على ما فُتَّ من الخبز، وفي التهذيب: إلا أنهم خصُّوا الخبز المفتوت بالفَتِيت، ومن الأساس: ونزلتُ به فسَقاني الفَتِيت، والفَتُوت خبزٌ مفتوت كالسَّوِيق»[2].

وقال في هامش ترجمة عبد السلام المدْغَري: «مدْغَرة: هي إحدى واحات إقليم سجلماسة القديم، فحينما تكتب (مدغرة) بالدال يقصد بها هذه الواحات، أي: مدغرة سجلماسة، وحينما تكتب بالطاء يقصد بها مطغرة تلمسان، وعند كتابتها بالضاد (مضغرة) يقصد بها مضغرة شمال المغرب[3]. والأمثلة على ذلك مستعصية على الحصر.

3- العناية الواسعة بالقرّاء بفاس وصلًا وفصلًا:

إنّ عمل الدكتور في كتابه (القراءات والقرّاء بفاس) لم يكن منقطعًا عن مجهودات سابقيه في التأليف، بل هو مجهود موصول بإنتاج القدامى أمثال الذهبي في كتابه (معرفة القرّاء الكبار)، وابن الجزري في مصنفه (غاية النهاية في طبقات القرّاء) وغيرهما، وموصول أيضًا باهتمامات أهل العصر الحديث بالقرّاء المغاربة وأسانيدهم، مثل ما كتبه سعيد أعراب في (القرّاء والقراءات بالمغرب)، الذي دوّن تاريخ القراءات بالمغرب منذ النشأة إلى القرن الرابع عشر الهجري، وقد اعتبره المؤلِّف «مُلْهِمًا لمن جاء بعده من الأقلام التي وجّهت العناية للاهتمام بطائفة القرّاء بالمغرب وقراءاتهم، فبنوا على ما أثّل وزادوا ونقّحوا وهذّبوا»[4].

وهو موصول أيضًا بجميل فعل عبد الهادي حميتو صاحب الموسوعة المتقنة الرصينة الموسومة بـ(قراءة الإمام نافع عن المغاربة)، وموصول بتأليف المختار ولد اباه المعنون بـ(تاريخ القراءات في المشرق والمغرب)، وكذا العمل الجليل للباحث القارئ محمد التمسماني (تراجم قراء المغرب الأقصى خلال القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجريين) الذي ضمّنه عددًا من إجازاته العلمية في القراءات.

هذا الوصل بما سبقه من تآليف لا يعني أنّ الكتاب الذي بين أيدينا يجترّ عمل مَن سبق، بل هو يؤسِّس عليه وينفصل عنه وينفرد من جهات متعدّدة، أهمها:

لم يسبق أنْ خصّ أحد المؤلِّفين بجمع تراجم القرّاء بعاصمة العلم فاس، قال المؤلِّف: «لا أعلم من أفرد هذه الطائفة من المقرئين الفاسيين بمؤلَّف يتحدّث عن سِيَرهم ومؤلّفاتهم في القراءات، وطرائق تدريسهم لهذا العلم»[5].

لم يمحض الكتاب لترجمة الأعلام فقط كما الشأن عند كثير من المؤلّفات السابقة وإن كان ذلك قد استغرق حوالي 190 صفحة من الكتاب، بل ضمّ إليها دراسة وافية في أزيد من 120 صفحة عن تاريخ القراءات بالغرب الإسلامي ابتداء بالأندلس مرورًا بالقيروان والمغرب الأقصى، وعن مدارسها ومحاضنها، ومناهج التعليم فيها، كما استنفد الجهد في بيان الإجازات الفاسية في الإقراء بأنواعها المتعدّدة: الإجازة في القراءات السبع، والإجازة في العشر، والإجازة بالعشر النافعية، والإجازة بالعشرين، والإجازة في القراءات دون تحديد، والإجازة في قراءة واحدة، والإجازة في المصنفات القرائية، والإجازة في التجويد لمقرئين، والإجازة في مرويات القراءة نظمًا، والإجازة بالقرآن كلّه والعرض لبعضه، والنيابة في الإجازة، واستدعاء الإجازات وغير ذلك.

4- غزارة المصادر وتنوّعها:

يتميز المصنَّف الذي بين أيدينا بغزارة المصادر والمراجع التي تم الاعتماد عليها، حيث وظّف الدكتور/ مسئول مائة وسبعة وتسعين مرجعًا بين كتب التاريخ والتراجم والطبقات والفهارس والأثبات والقراءات وغيرها، بل واستفاد حتى من الجرائد والمجلات؛ فمثلًا استفاد من منشور بموقع هوية بريس يتضمّن ترجمة مستخلصة من حوار أجراه يحيى الغوثاني مع المقرئة يامنة القطبي (ت 1437)[6]، واستفاد من جريدة التجديد في ترجمة الحاج المكي بن عبد السلام بنكيران (ت 1421)، ومجلة صوت المجلس التي يصدرها المجلس العلمي بمدينة صفرو في ترجمة المقرئ محمد الإبراهيمي البوذنيبي (ت 1440هـ).

وهذا التنوّع في مصادر المعلومة يجعل الكتاب متميزًا وقبلةً للباحثين والشغوفين بعلمي القراءات والتراجم.

5- كثرة عدد المترجَم لهم رغم صرامة الشروط:

باستعراض عدد المترجَم لهم في الكتاب الذي بين أيدينا تتبيّن كثرة الأعلام الذين استطاع الكاتب ذِكر ترجمتهم رغم أن شروطه في إدراج الأعلام ضمن كتابه كان من شأنها الإسهام في تضييق العدد بشكل ملحوظ، وقد جاءت أعدادهم كما يأتي:

• القرن الخامس والسادس: ترجم لـ 26 مقرئًا.

• القرن السابع: ترجم لـ 18 مقرئًا.

• القرن الثامن: ترجم لـ 41 مقرئًا.

• القرن التاسع: ترجم لـ 26 مقرئًا.

• القرن العاشر: ترجم لـ 27 مقرئًا

• القرن الحادي عشر: ترجم لـ 46 مقرئًا.

• القرن الثاني عشر: ترجم لـ 56 مقرئًا.

• القرن الثالث عشر: ترجم لـ 54 مقرئًا.

• القرن الرابع عشر: ترجم لـ 67 مقرئًا.

• القرن الخامس عشر: ترجم لـ 14 مقرئًا.

فكان مجموع مَن ترجم لهم هو: (375) ثلاثمائة وخمسة وسبعون مقرئًا.

ثانيًا: ملاحظات على الكتاب:

إنّ ما سبق تسطيره من المميزات المنهجية والمعرفية التي لا تخطئها عين القارئ لهذا السّفْر الممتع، لا يمنع من تسجيل بعض الملاحظات العامّة التي لا تخدش في جودة الكتاب ولا تنقص من قيمته المعرفية، ومن باب تجويد الجيد يمكن أن أُهدي لأستاذي وشيخي[7] الدكتور/ عبد العلي المسئول ملاحظتين لاحَتَا لي خلال تصفّحي للكتاب وإمعان النظر في منهجه وأسلوبه ومضمونه:

الملاحظة الأولى:

السهو عن ذِكْر بعض الأعلام ضمن المترجَم لهم رغم توفّر المواصفات المشترطة سلفًا، وعلى رأسها أن يترجم لمن يحفظ القرآن الكريم بروايتين على الأقلّ ويكون قد وُلِد بفاس أو حلّبها للدراسة أو اجتازها ولو ساعة من نهار أو مات بها.

 ومن بينهم:

1- عبد الرحمن الزرندي المدني: وهو «عبد الرَّحمَن بن البَهَاء محمَّد بن المُحب محمَّد بن عليّ بن يوسُف الزرندي المدنِي أَخو عبد الباسط وسبط الجمال الكازروني. وُلِد في أول رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بتونس... وأخذَ القراءات السَّبع إفرادًا وجمعًا، بل قَرَأَ ختمة أَيضًا ليعقوب عن المكتب أبي عبد الله محمَّد بن سعد بن نزال الأنصارِيّ وعرَض عليهِ الشاطبيتين وتعلّق بالخدم السُّلطَانِيَّة وَولي كِتَابَة العَلامَة عن صاحب تونس ثمَّ توجّه في سنة ثلاث وخمسين إلى فاس... ونزح إلى تلمسان باستدعاء صاحبها وأقَام بوادي العَرَب مُدَّة ثمَّ توجه من بسكرة إلى فاس فنُهب في الطَّرِيق، وَمَات صَاحبهَا قبل قدومه، ومع ذَلِك فَأَقامَ بها قدر سنتَيْن»[8].

2- عليّ بن شعيب البقالي التمسماني: قال ابن سودة: «عليّ بن شعيب البقالي التمسماني القصري. كانت ولادته حوالي عام خمسة وتسعين ومائتين وألف. أتمّ قراءة السَّبْع على الأستاذ ابن يرمق، ثم توجّه إلى فاس لأوّل مرّة، فمكث فيه مدّة قبل ثورة بو حمارة»[9]. وهو غير البقالي محمد بن الفقيه الذي ترجم له المؤلِّف[10].

3- عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَلِيِّ بن عَبْد اللَّه بن عُبَيد اللَّه بن سَعِيد بن مُحَمَّد بن ذي النّون الحَجريّ، حَجر ذي رُعين؛ الأندلسيّ، المَرِيّيّ، الحافظ الثَّبت، أبو مُحَمَّد بن عُبَيد اللَّه الزّاهد، [المتوفى: 591هـ] وهو «أحد أئمة الأندلس. وُلِد في نصف ذي الحجة سنة خمسٍ وخمسمائة، وَلِيَ الصلاة والخطابة بجامع المَرِيّة. وكان يَعرف القراءات، ودُعي إلى القضاء فأبَى، وخرج بعد تغلُّب العدوّ إِلى مُرسية، وضاقتْ حاله بها، فقصد مالقة، وأجاز البحر إلى مدينة فاس. ثُمَّ استوطن سبتَة يُقرِئ ويُسمع... قلتُ: قرأ بالسَّبْع على شُرَيح، وعلى يحيى بن الخُلُوف، وعلى أَبِي جَعْفَر أَحمَد بن أَبِي الحَسَن بن الباذش بكتاب (الإقناع) له. وأقرأ القراءات لأبي الحَسَن الشاري، وغيره»[11].

4- مُحَمَّد بن عُمَر بن يوسف، الإمامُ أَبُو عَبْد اللَّه الأَنصَارِيّ القُرطُبيّ المقرئُ المالكيُّ الزاهدُ، المعروفُ بالأندلس بابن مُغَايظ. [المتوفى: 631هـ]، انتقلَ بِهِ أبوه إلى فاس فَنشأ بها... وسَمِعَ بمصرَ من الأستاذ أَبِي القاسم بن فيرّة الشاطبيّ، ولزمه مدّةً وقرأ عَلَيهِ القراءات... وكان إمامًا صالحًا، زاهدًا، مُجوِّدًا للقراءات، عارِفًا بوجوهها، بصيرًا بمذهب مالك، حاذِقًا بفنونِ العربية، وله يدٌ طُولى في التفسير. تخرّج بِهِ جماعةٌ، وجلسَ بعد موتِ الشاطبيّ في مكانه للإقراء.

وقال المُنذري: تُوُفّي في مستهلِّ صفر. وقرأ القراءات عَلَى الشاطبي، وسمع، وحدَّث، وأقرأ، وانتفَعَ بِهِ جماعةٌ... سَمِعْتُه يذكر ما يدُلُّ عَلَى أنّ مولده سنة ثمانٍ أو سبعٍ وخمسين وخمسمائة[12].

الملاحظة الثانية:

تمكّن الكاتب من الوفاء بشرطه بعدم إدراج ضمن تراجمه إلا من كان مقرئًا وهو الحافظ للقرآن الكريم بروايتين على الأقلّ، وكان يثبت ذلك، غير أن هذا الشرط لم يكن واضحًا في ترجمة: الإبراهيمي البوذنيبي محمد بن محمد المتوفَّى سنة 1440 الذي وردت ترجمته في الصفحتين 314 و315، حيث يبدو أنه لم يحفظ سوى قراءة نافع أجازه بها والده من طريق المبخوت بسنده إلى أحمد الحبيب اللمطي، ولم يذكر هل تمكن من قراءة نافع بأكثر من روايتين أم لا.

وأيضًا في ترجمة بلعباس بنشقرون[13] ،ذكر أنه قرأ على إدريس الجناتي أربعين حزبًا بالسبع ثم تُوفّي، ولم يَرِد أنه أتمّ حفظ القرآن الكريم كاملًا بأكثر من روايتين، وبذلك يكون غير متوفّر على الشرط المطلوب.

وأيضًا لم يدرج ضمن ترجمة الجزولي الحامدي[14]، وأعراب عبد الرحمن بن قاسم (ت 1003هـ) ما يثبت أنهما حَفِظَا القرآن بروايتين[15].

وأحمد بن عثمان اللمطي[16]، وعليّ بن أبي القاسم بن جميل[17]، لم يَرِد بشكل صريح ما يثبت أنهما حلّا بفاس.

خاتمة:

 قدّمتُ في هذه المقالة عرضًا وتقويمًا لكتاب: (القراءات والقراء بفاس؛ دراسة في تاريخ الأعلام والمناهج والمدارس)، لأستاذي الدكتور/ عبد العليّ المسئول، وهو كتاب مميّز أثرَى المكتبة العلمية في فنّي التراجم والقراءات، وجهدُ المؤلِّف فيه لا تخطئه العين، وإنه من المفيد أن يجعل طلبة العلم نسخة من هذا الكتاب في مكتباتهم الخاصّة باعتباره مرجعًا في طريقة تأليفه وفي محتوياته التي ضمّت نوادر علمية ونكتًا تاريخية قلّما تجتمع في كتاب واحد من حجمه.

وأسأل اللهَ تعالى أن لا أكون قد أجحفتُ في عرض وتقويم هذا الكتاب أو بخستُ عمل الكاتب -حفظه الله- جمَعَنا اللهُ وإياه على مائدة القرآن وعلومه ونفَعَنا بعلمه، وخَتَم لنا بالحسنى، وصلّى اللهُ وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله ربّ العالمين. 

 

[1] استفدت هذه الترجمة من تقديم الدكتور/ عبد الباسط المستعين للكتاب الذي بين أيدينا، انظر الصفحات من ص8 إلى ص12.

[2] القراءات والقراء بفاس، الهامش 1 من الصفحة 145.

[3] القراءات والقرّاء بفاس، الهامش 1، ص251.

[4] القراءات والقرّاء بفاس، ص17.

[5] القراءات والقرّاء بفاس، ص18.

[6] وهي الحافظة الجامعة للقراءات، والتي قرأت القراءات السبع على المقرئ الشيخ إبراهيم الهلالي وتتلمذتْ على كبار العلماء بتونس من أمثال الشيخ الطاهر بن عاشور وابنه الفاضل. انظر: القراءات والقراء بفاس، ص314.

[7] هو شيخي في اللغة نحوًا وصرفًا، وفي القراءات وعلوم القرآن، ولي الشرف أن أكون له تلميذًا في علوم شتى، بارك اللهُ في عمره وتقبّل اللهُ جهوده في خدمة القرآن الكريم وفي نفع أمّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

[8] شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (المتوفى: 902هـ)، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت، (4/ 145).

[9] إتحاف المطالع (2/ 608).

[10] القراءات والقرّاء بفاس، ص305.

[11] شمس الدين أبو عبد الله الذهبي (المتوفى: 748هـ)، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير والأعلام، المحقق: الدكتور/ بشار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003م، (12/ 960). انظر أيضًا: الذهبي، تذكرة الحفاظ، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1419هـ- 1998م، (4/ 110).

[12] تاريخ الإسلام، (14/ 54).

[13] القراءات والقرّاء بفاس، ص315.

[14] القراءات والقرّاء بفاس، ص224.

[15] القراءات والقرّاء بفاس، ص199.

[16] القراءات والقرّاء بفاس، ص224.

[17] القراءات والقرّاء بفاس، ص225.

الكاتب

الدكتور مونعيم مزغاب

حاصل على دكتوراه اللغة العربية وآدابها، وله عدد من المشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))