كتاب (السؤال والجواب في آيات الكتاب) تأليف: عطية محمد سالم
عرض وتقويم

الكاتب : يوسف عكراش
اعتنى كتاب (السؤال والجواب في آيات الكتاب) بتسليط الضوء على مجموعة من الأسئلة والأجوبة في آيات القرآن الكريم، مع دراستها، وبيان تقاسيمها، وأنواعها، واستخراج أحكامها. وهذه المقالة تُعَرِّف بهذا الكتاب، وتُبْرِز موضوعاته ومحتوياته، وتبيّن مزاياه، مع طَرْح بعض الملاحظات حوله.

  لا يكاد يخفى على كلّ متأمِّل مدى عناية المسلمين بكتاب الله وتصدِّيهم لبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه، واستنباط فوائده، كما لا يخفى هذا التنوّع الواسع الذي نلمسه في الساحة العِلْمية المتمثّل في طرائق التعرّض لدراسته، كما يظهر في المصنّفات المتنوّعة والمختلفة في أغراضها، وأساليبها، واتجاهات مؤلِّفِيها، وجزئيّاتها، وأحجامها.

وقد انكبّتْ جهودُ أغلب الباحثين والمفسِّرين قديمًا وحديثًا على دراسة كتاب الله، ومن هذه الجهود المبذولة ما هو مطوَّل أو مختصَر، ثم بدأ حضورُ ظاهرة الاعتناء بمسألة معيّنة وإفرادها بالتأليف، والاكتفاء بدراستها وبيان معانيها، واستخراج أحكامها وحِكَمها كما هو الشأن في كتاب (السؤال والجواب في آيات الكتاب)، ورغم حضور هذه الظاهرة بكثرة وخصوصًا في المشهد العلمي الراهن؛ إِذْ تَوالَى الاشتغال بكتاب الله على هذا المنوال، إلّا أنها لم تَلْقَ تلك العناية اللائقة بها من دراسة معمّقة بعيدًا عن سطح المعاني وظواهرها؛ إِذْ نجد بعض المؤلَّفات اعتنتْ بدراسة بعض المسائل القرآنية ولم تَفِ بالمقصود فظلّت حبيسة المعاني السطحية لا غير، ومن هنا تأتي أهمية كتاب (السؤال والجواب في آيات الكتاب) لعطية محمد سالم، وهذه المقالة تعرِّف بهذا الكتاب، وتبرز موضوعاته ومحتوياته، وتبيّن مزاياه، مع طرح بعض الملاحظات حوله.

أولًا: كتاب (السؤال والجواب في آيات الكتاب) لعطية محمد سالم؛ المحتويات والمضامين:

تطرّق هذا الكتاب للسؤال والجواب في آيات الكتاب، كما اعتنى بتسليط الضوء على مجموعة من المعاني العميقة والفوائد البديعة والأحكام الغزيرة، فدرسها وبيّن تقاسيمها وأنواعها، وبرع في استخراج حِكَمها وأحكامها، وإبراز معانيها وغاياتها تشريعًا وتوجيهًا ومقصدًا، كما أجاد وأفاد في ربط هذه الآيات المختارة بمجالات أخرى؛ كمجال التربية ومجال التعليم، في دراسة حافلة زاخرة تُعَدّ ذات أهمية في بابها، وتفتح آفاقًا واسعة للعناية بمسائل القرآن الكريم وقضاياه على هذا المنوال من الناحية المعرفية.

ويقع الكتاب في (351) صفحة، ونشرتْه دارُ الجوهرة. استهلّ المؤلِّفُ كتابه بمقدّمة، أتبعها ثلاثة عشر سؤالًا كلّها قد اشتملَت على مادة (سأل) {يَسْأَلُونَكَ} مقرونة ومتبوعة بالجواب الذي ورَد بـ{قُلْ} أو {فَقُلْ}. أمّا المقدّمة: فقد ذكر فيها المؤلِّفُ مدى أهمية الموضوع، وأهمية وقيمة السؤال والجواب في التلقين، كما تطرّق لمادة (سأل) عند علماء اللغة والبلاغة خاصّة، ثم بيّن مادة (سأل) وما تفرّع عنها في القرآن الكريم، مع العطف ببيان الأسئلة الواقعية وأجوبتها، وأمّا الثلاثة عشر سؤالًا جاءت كالآتي:

السؤال الأول: وهو سؤال الله -عز وجل- وطلبه، وبَيّن أنه خاصّ بالمؤمنين دون غيرهم، كما بَيّن أسباب وروده، ثم عرّج بذكر أنواع الإجابة المرتبطة به.

السؤال الثاني: وهو عن سؤال الأهِلّة، حيث ابتدأ الكلام حول فطرة التوقيت في الإسلام، فأجاد وأفاد فيما يتعلّق بها من أنواع العبادات والمعاملات والأَيْمان والأحكام الخاصّة والعامة، ثم بيّن التطبيق العملي للتوقيت القمري، ونقطة البداية لهذا النظام الإسلامي المتميز الخاصّ بالمسلمين، وختم هذا السؤال بأنّ الأهلّة ذات علاقة وطيدة بالتشريع الرباني.

السؤال الثالث: السؤال عن الإنفاق، حيث استهلّ الكلام بسردِ أسئلة الإنفاق حسب ترتيب المصحف الشريف، فبيّن مقاصده ونوعيّته، وما يترتب عن هذه الأنواع، كما تطرّق المؤلِّف -رحمه الله- إلى مقدار الإنفاق وآدابه التي ينبغي للمنفِق التحلِّي بها حتى تَحُول بينه وبين إبطاله لإنفاقه، ثم عرّج بآثار الإنفاق في الأُمّة في جوانب عدّة -الفرد والمجتمع-؛ تحقيقًا للمطلب الإنساني الفاضل والذي يسعى إليه كل عاقل، ثم ختم الكلام بـما ينوب عن إنفاق المال؛ وعلّة ذلك، أنه ليس كل مكلَّف يمتلك الزائد عن حاجته من المال، وليس كلّ المحتاجين منحصرة حاجتهم في المال.

السؤال الرابع: وهو سؤال عن الشَّهْر الحرام، فقد اكتفى بذِكْر سبب ورود السؤال ومجيء الجواب، وبعد ذلك تطرّق لمنزلة الأشهر الحُرم بين غيرها من الأشهر في القرآن العظيم وأقوال الصحابة وكلام العرب وشِعْرهم، وحرمة البلد الحرام، والتي تُمَثِّل خاصيّة فريدة من نوعها وهي فرض الأمن مع الأمان والسِّلْم مع السلام، وجعل بينها ارتباطًا وثيقًا من خلال أحكام تشريعية.

السؤال الخامس: وتضمّن هذا السؤالُ الخمرَ والميْسِر، ليبدأ الكلام في هذا السؤال حول ما يندرج تحت مسمّى الخمر شرعًا، ثم إظهار شمولية الجواب لسؤال الخمر والميْسِر، ثم تطرّق إلى المنافع في الخمر والميْسِر وإهدارها، ثم ختم الكلام بالترتيب للآيات، وذكر التحريم المؤقت متدرجًا إلى التحريم القطعي النهائي للخمر.

السؤال السادس: وهو سؤال عن اليتامى، وبَيّن فيه معنى اليتيم كما هو معتمد في المنهج العلمي -لغةً واصطلاحًا-، ثم انتقل إلى المنهج القرآني في معالجة قضية الأيتام، وتعامل معها في جوانب عدّة، من بينها: جانب إطعام اليتيم وإيوائه، وجانب الحَجْر على مال اليتيم ومتعلّقاته، ومتى يُدفع إليه.

السؤال السابع: السؤال عن المحيض، وهو من الأسئلة التي وردَت بالواو، فبيّن الكاتبُ معنى المحيض وجُلّ أسمائه المبثوثة في كتب اللغة والفقه، وعرّج عليه بذِكْر العلاقة بينه وبين التشريع الإسلامي، وكذلك بَيّن معنى قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}[البقرة: 222]، وأقلّه وأكثره، وكيف تكون معاملة الحائض والمعيشة معها دون أدنى حرج، ومتى تطهر  الحائض، ثم أنهى الكلام بالحديث عن دم النفساء ومعنى الاستحاضة.

السؤال الثامن: وهو سؤال عن الطيبات، وجاء في معرض الحديث عنه بيان شمولية الطيبات وعمومها، ثم ثنّى بالطيبات في المأكل والمشرب خاصّة، والطيبات من النساء، كما تعرّض في آخر دراسة هذا السؤال إلى طعام أهل الكتاب ونسائهم من حيث نظر التشريع الإسلامي.

السؤال التاسع: وهو سؤال عن الساعة والبعث والجزاء، وقد اختار المؤلِّفُ الكلامَ عليه لترتّب جميع أعمال المكلَّفين عليه؛ إذ هو مصدر الانطلاق إلى فعل الخير والكفّ عن الشَّرِّ، وبيّن أساليب السؤال عن البعث في عدّة سور من القرآن؛ كالواقعة والمؤمنون وغيرهما، وعطف عليه بطرُق القرآن الفريدة وصوره البديعة في إثبات الساعة والبعث والجزاء؛ وأنه أمرٌ واقعٌ لا محالة.

السؤال العاشر: وهو سؤال عن الأنفال، فقد أَوْلى الكلام للحديث عن مفهوم الأنفال بشكلٍ وافرٍ، ثم بيان أسباب هذا السؤال، وما أجمعت عليه كلمة العلم تجاهه، ثم بَيّن وجه الجواب ودراسته، وفي ختام هذا السؤال ذَكَر قِسْمَة المال في صُورِه العامّة والتي لا تختص بشخص بعينه، وهي التي تولّاها الله تعالى في ثلاثة مواطن: الأول: قسمة الغنائم، الثاني: قسمة المواريث، الثالث: قسمة الصدقات.

السؤال الحادي عشر: وهو من أعظم الأسئلة التي تضمنتها آي القرآن، وهو سؤال عن الرّوح، حيث بَيّن الشيخ -رحمه الله- أسباب النزول برواياتها المتعدّدة؛ التي أسفرت عن أنّ اليهود هم مصدرها، وأنّ الغاية والمرمى منه التعجيز والتحدي، وفي توسّع لطيف من المؤلِّف يتطرق لخصائص الروح ومميزاتها، وحالات الأرواح بعد قبضها، ثم علاقة الروح بالبدن.

السؤال الثاني عشر: وهو سؤال عن ذي القرنين، مع بيان أحداثه التي تَطَلّع العلماءُ لجمعها من كتب معتمدي التاريخ تارة، والقرائن تارة أخرى، كما تتبّع عَرْضَ أحداث ذي القرنين في القرآن، ثم الحديث عن يأجوج ومأجوج والسبب الرئيس لبناء السد وإقامته.

السؤال الثالث عشر: وهو سؤال عن الجبال وهو آخر سؤال، وقد تضمّن استثناءً؛ إِذْ لم يرِد الجواب فيه بـ{قُلْ}، بل لَازَمَتْه الفاء فكان الجواب بقوله تعالى: {فَقُلْ}[طه: 105]، وقد توسّع في الحديث عن هذا السؤال ودراسته؛ إِذْ تطرّق للأسئلة الاعتراضية وبَيّن أنواعها، ثم بَيّن أسئلة التثبيت واليقين، ثم أسئلة المعجزات، وسؤال الحواريين، ثم انتقل إلى أسئلة الأنبياء والمرسَلين، فبيّن سؤال الخليل إبراهيم -عليه السلام- في سورة البقرة، وسؤال زكريا -عليه السلام- في سورة مريم، ثم سؤال مريم، ثم أنهى الكلام وخَتَمَه بأسئلة إلزام التوحيد لله تعالى، وأسئلة التفخيم والتعظيم.

ثانيًا: كتاب (السؤال والجواب في آيات الكتاب) لعطية محمد سالم؛ أبرز المزايا:

يمتاز الكتاب بعددٍ من الأمور؛ أبرزها ما يأتي:

- حُسْن أسلوب المؤلِّف وعلوّ كَعْب لغته، وهذا يلمحه كلُّ مَنْ وَقَف على هذا الكتاب، ويظهر هذا جليًّا من خلال تطرّقه لتقسيم الكلام عند البلاغيين، وأنواع السؤال، ومادة (سأل) وما تفرّع عنها في كتاب الله -عز وجل-، كما تظهر براعة لغته في كلّ القضايا ذات الصلة باللغة في الكتاب كلّه.

- الجِدَّة في الطّرح، والتي تظهر من مقدّمة المؤلِّف التي عُدّت أبرز المزايا؛ من حيث بيان سياق الموضوع وخلفيّاته، وذلك أنّ المؤلِّف قد تعرّض فيها لبعض التفصيل الذي يؤطِّر القارئ، حيث بَيَّن ما سيتناوله؛ وقيّده بقيود حتى لا يدع البحث فضفاضًا، كما بَيّن وجهة نَظَرِهِ فيما يخصّ مسألة السؤال والجواب في كتاب الله. أمّا الحديث عن المقدّمة من الناحية المنهجيّة فعليها عِدّة ملاحظات كما سيأتي معنا.

- ومن المزايا التابعة لها -المقدمة- اهتمام المؤلِّف -رحمه الله- بالمسائل اللغوية والبلاغية وسبر أغوارها، وبيان أقسامها وأنواعها، وجعلها في مقام التجسير لفهم السؤال وأنواعه، ومقصوده من الكتاب قبل الخوض في لُبّ البحث وصُلْبه.

- عناية المؤلِّف بموضوع البحث وتقيده به، فمن أبرز ما يلمحه القارئ تركيز المؤلِّف على موضوع البحث وعدم تفرّعه فيما لا يعود على القارئ لكتابه بفائدة؛ بُغْيَة عدم التشويش على المقصود من أساس الكتاب، وقد أحسن في التمييز وبَدَا واضحًا في أكثر من موضع، بل ونَصَّ على ذلك ابتداء، حيث قال: «وقسم جاء بمعنى الاستفهام وجاء معها جوابها وفيه تشريع للحكم لما سألوا عنه، وهذا القسم هو محلّ الإشكال والبحث. وقد انحصر هذا النوع في حقّ هذه الأمة في مسائل محدودة».

- ومن المزايا أيضًا ضبط المؤلِّف وهو يخوض في دراسته لآيات السؤال والجواب حسب ترتيبها في المصحف، كما اعتنى بالأمثلة والشواهد اللغوية، سواء من الحديث أو كلام العرب نثرًا وشعرًا.

- ومَن تأمَّل هذا الكتاب أَلْفَاه تمهيدًا لدراسات موسَّعة تشمل كلّ الأسئلة، سواء التي اشتملت على الجواب، أو لم تتضمنه في كتاب الله -عز وجل-، كما يمكن ربط هذه الأسئلة والأجوبة بسياق سؤال الفتوى في واقعنا المعاصر لما يشهده من مستجدات لا متناهية.

- حُسْن اختيار الأمثلة والشواهد والآيات التي لها علاقة أو مناسبة مع الآيات المختارة لهذا البحث، وحَدّها في ثلاث عشرة آية تضمنت سؤالًا وجوابًا في نفس الوقت، وموزّعة على سبع سور، نذكر منها على سبيل المثال بعض ما جاء في سورة البقرة، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}[البقرة: 189]، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[البقرة: 215]، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[البقرة: 219].

- وأخيرًا برع المؤلِّف في دراسة كلّ آية وحدها تشريعًا وتوجيهًا؛ إِذْ لا تناسب ولا تلازم بين الآيات المختارة إلّا في مادة (سأل) {يَسْأَلُونَكَ}، أمّا من ناحية المضمون فكلّ آية وجوابها ومضمون موضوعها يختلف بشكلٍ جذري من آية إلى أخرى، كما أجاد وأفاد -رحمه الله- في استخراج ما اشتملت عليه كلّ آية على حِدَة من أحكام وحِكَم وعِبَر حسب السياق.

- أَوْلَى المؤلِّفُ فهرسة الكتاب عناية كبيرة، فأولاها بالتفصيل الجيد؛ مما جعلها ترتقي إلى المزايا المحمودةِ الذِّكْر لكلّ مَن وقفَ على هذا الكتاب، بحيث تمكّن الباحثَ خاصّة والقارئَ عامة من الوصول إلى مُراده بدقّة.

- ضبط تنظيم الفقرات وتناسقها، مع مراعاة أحجامها بحيث يلمح القارئ حُسْن هذا التنظيم ورونقه.

ثالثًا: كتاب (السؤال والجواب في آيات الكتاب) لعطية محمد سالم؛ أبرز المآخذ:

لا يخلو عمل بشري من ملاحظات مهما سعى مؤلِّفه في تكميله والإحاطة بعمله، ومثل هذه الملاحظات تتفاوت وتتباين في أنظار المشتغِلين بالكتاب على اختلاف طرق الاشتغال، وهذه الملاحظات لا يختلف فيها اثنان على أنها لا تنقص من قَدْر العمل شيئًا يُذْكَر، وإنما هو تثمين وتكميل لهذا العمل ومحاولة الإحاطة به قدر المستطاع، وإبراز لجودته، وقد بدَتْ بعض الملاحظات؛ منها ما هو منهجي، ومنها ما هو فني على شاكِلَة ما سبق:

1. نبدأ بأول ما يلمحه كلّ قارئ، وهو عنوان الكتاب الموسوم بـ(السؤال والجواب في آيات الكتاب)، فمن الملاحظات عليه أنه جاء عامًّا بحيث يُفهم أنّ الكتاب سيتطرّق لكلّ قضايا السؤال والجواب في القرآن؛ وهو ليس كذلك، بل خصّص المؤلِّفُ كتابَه لجنس السؤال الذي اشتمل على مادة (سأل) أساسًا، وكان الجواب فيه مستهلًّا بـ{قُلْ}، فكان من الأجدر الإشارة أو تضمين هذا الأمر في عنوان الكتاب، كأنْ يضيف عنوانًا صغيرًا موضّحًا النموذج المعتمد للأسئلة المقصودة للتعرّض بالدراسة.

2. أمّا بخصوص المقدّمة فقد جَدّ المؤلِّف في طرحها من ناحية سياق الاشتغال، إلا أنها خَلَت بالكلية من عناصرها المعهودة، وهذا الطَّرْح يُعَدّ خللًا في الجانب المنهجي؛ إِذْ لا غِنَى عن المقدّمة وعناصرها ولو بشكلٍ مقتضب. لكن لعلّ المؤلِّف -رحمه الله- أخرج كتابه على طريقة القدماء في التأليف.

3. كون الكتاب أقرب إلى كتب التفسير في المنهج والطريقة عكس ما نصّ عليه في مقدّمته ما جملته التوجيه والإرشاد.

4. افتقار بعض الآيات المختارة للبحث إلى الدراسة التامّة، وخصوصًا أن هذه الآيات قد اشتملت على أحكام وحِكَم وفوائد وتوجيهات وإرشادات كما نصّ على ذلك المؤلِّف في مقدّمته وهو مراده من البحث.

مثال: في الآية الأولى التي تضمّنت سؤال الله -عز وجل- وهي الآية الأولى[1] التي عُنيت بالدراسة فكان من باب أَوْلَى أن يتوسّع في دراستها كما هو شأن باقي الآيات؛ بحيث يضيف محاور أو عناوين أخرى لها علاقة بالمراد من البحث، ومما نقترح لتتمة الدراسة بخصوص هذه الآية محورٌ بعنوان: بيان أنّ الدعاء هو العبادة، وربطه ربطًا وثيقًا بالقضايا العقدية توجيهًا وتنبيهًا؛ لانسجامه التام مع الآية وانسجامه مع مقاربات اختيار المؤلِّف للعناوين، وكذلك تطرّق في دراسة هذه الآية إلى أنواع الإجابة، فكان من باب أَوْلى بَيَّنَ توسعة هذا المحور وتضمينه شروط الإجابة وأوقات تحرّيها كما بَيّنَ أنواعها.

ثم قِصَر التعرّض لدراسة السؤال العاشر الذي تضمّن الحديث عن الأنفال؛ إِذ اكتفى المؤلِّف ببيان معنى الأنفال، وسبب نزول الآية وبعض فوائدها المتعلقة بالجانب التربوي، وإغفال الجانب الفقهي والعقدي الذي تحمله هذه الآية في طيّاتها.

5. كثيرًا ما استشهد المؤلِّف بأحاديث نبوية وأبيات شعرية دون عَزْوِ الأحاديث إلى مصادرها الأصلية[2]، والأبيات الشعرية إلى دواوينها.

6. تضمين المؤلِّف لآية خرجت عن نطاق ما اشترطه في مقدّمته، حيث بيّن أنّ الآيات المختارة تتضمن مادة (سأل) أي {يَسْأَلُونَكَ} وجاء الجواب فيها بـ{قُلْ}، إلّا أن هذه الآية الكريمة لم يأتِ فيها لفظ {يَسْأَلُونَكَ}، وكذلك لم يأتِ الجواب فيها بـ{قُلْ} وهي قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: 186]، ولعلّ هذا كان قصدًا من المؤلِّف -رحمه الله-؛ إِذْ لو تأملها القارئ لوجدها آية عظيمة تحمل في ثناياها ما لم تحمله غيرها من الآيات المدروسة؛ ولذلك قصد المؤلِّف إدراجها، واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

7. اجتهد المؤلِّف في ترتيب الكتاب إلّا أنه لم يجعل له فصولًا أو أبوابًا؛ مما ييسّر الوصول إلى المقصود، بل جعله عبارة عن عناوين رئيسة لا غير.

الخاتمة:

قُمْنَا في هذه المقالة بتناول كتاب: (السؤال والجواب في آيات الكتاب) لمؤلِّفه: عطية بن محمد سالم، وقد عرضنا لمحتويات هذا الكتاب، وقُمنا بالتعريف بها، وكذلك بينَّا أهم المزايا التي اتسم بها الكتاب، وكذلك أَوْرَدْنَا بعض الملحوظات التي لا تغضّ من شأن الكتاب ولا تنقص من قيمته وأهميته، ومن المهم في هذا السياق الإشارة لضرورة تعميق الدراسة أكثر فأكثر لما اشتملت عليه آيات السؤال والجواب في القرآن من معانٍ زاخرةٍ وفوائد باهرةٍ، وخصوصًا أنها ذات صلة قوية بحياة الإنسان، وكذلك دراسة قضية السؤال والجواب بصفة عامّة في القرآن، دون تخصيص والعناية بتشريعاتها وتوجيهاتها، والوقوف على عِبَرها، ودراسة قضية السؤال والجواب على منوال المنهج الأكاديمي الحديث في البحث. وأيضًا تكميل هذا الموضوع بدراسة كلّ الأسئلة الواردة في كتاب الله، سواء قُرِنَتْ بالجواب أم لم تُقْرَن، والقيام بتسليط الضوء على إشكالية السؤال والجواب ودورها في مناهج التربية والتعليم، سواء في القرآن أو الحديث، وكذلك الاهتمام بهذا النّمَط من الدراسات الذي يربط واقع الناس في مختلف ميادينه بالقرآن الكريم؛ وذلك من أجل استشراف مستقبل يعود على الأمة أفرادًا ومجتمعات بما فيه خير الدنيا والآخرة.

ونسألُ اللهَ أن يلهمنا رُشْدَنا، وأن يرزقنا العلمَ النافع والعملَ الصالح.

 


[1] آيات السؤال والجواب في كتاب الله، ص32.

[2] وهذا كثير، ينظر: السؤال والجواب في آيات الكتاب، عطية محمد سالم.

الكاتب

يوسف عكراش

باحث في الدراسات الإسلامية والقضايا الفكرية والتربوية، وله عدد من الأعمال العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))