ثنائيات الوقاية الأُسريّة
في ظلال الآية السادسة من سورة التحريم
تقديم:
لا شك أن قضية إصلاح الأسرة ذات أهمية بالغة في الخطاب القرآني باعتبارها مركز الرّشد الفردي ومنطلق الاستقامة المجتمعية؛ والإنسانية تعيش أزمةَ قيمٍ وأخلاقٍ ناتجةٍ عن استقالة الأسرة من الاضطلاع بوظائفها الحقيقية، مما يستدعي من الأمة الإسلامية الشاهدة بالقِسْط تقديم النموذج القرآني العملي المنقِذ للناس من الضياع الدنيوي والهلاك الأخروي.
ولا يجادل في خطورة الوضع الذي تعيشه الأسرة المسلمة في زمننا هذا إلا مَن كان أعشى عن الواقع أعمى عن الحقائق، أو مَن لا يهتم بأمر المسلمين وما وقعوا فيه من المآزق.
ويأتي هذا المقال في سياق البحث عن الكليات القرآنية الهادية للبشريّة في المجال الأُسري، انطلاقًا من مدارسة الآية السادسة من سورة التحريم التي تُعَدّ -بعباراتها الموجَزة المعجِزة- ركنًا شديدًا يأوي إليه كلُّ ذي لُبّ باحث عن الحكمة وفصلِ الخطاب في مقاربة العلاقات الأسرية الراشدة.
تمهيد:
سورة التحريم من السور التي نزلت في مرحلة متأخّرة من العهد المدني؛ فقد تضمّنت حديثًا عن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد ذكرت بعضُ روايات أسباب النزول أسماء لأمهات المؤمنين، ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنَى بهن إلا في مرحلة متأخّرة؛ كزينب بنت جحش، وصفية بنت حيي، وجاريته مارية القبطية، رضوان الله عليهن جميعًا.
وعدد كلماتها مائتان وسبع وأربعون كلمة، وحروفها ألف ومائة وستون حرفًا كحروف سورة الطلاق. وتسمَّى سورة (النبي)، وأيضًا سورة (لِمَ تحرِّم).
وقد تضمّنت خمسة نداءات: نداءين للنبي: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}[التحريم: 1، 9]، ونداءين للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}[التحريم: 6، 8]، ونداءً واحدًا للكافرين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا}[التحريم: 7].
ومِن أصح ما ورد في أسباب نزولها: ما رواه الإمام البخاري في صحيحه في عدّة مواضع في كتاب التفسير[1]: عن ابن جريج، قال: زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير، يقول: سمعت عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلًا، فتَواصَيْتُ أنا وحفصة: أن أيَّتنا دخل عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- فلتقل: إني أجد منكَ ريح مغافير، أكلْتَ مغافير. فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا، بل شربتُ عسلًا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له»؛ فنزلت: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم: 1]، إلى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ}[التحريم: 4].
وموضوع مقالتنا هو تدارس الآية السادسة من سورة التحريم، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
لا يخفى أنّ «مناسبة هذه الآية لما قبلها، هي أن الآيات السابقة، قد عرَضَت لهذا الحدث الذي وقع في بيت النبيّ، حيث هناك أطهر النفوس وأكرمها، ومع هذا فإنّ النفس البشرية لم تَسلم من العوارض التي تظهر في سمائها الصافية حينًا بعد حين، فتحتاج إلى محاسبة ومراجعة، حتى تنقشع هذه السحب عن سمائها، ويعود إليها صفاؤها وإشراقها.
فإذا كان هذا في بيت النبوّة، فما ظنّك بما يقع في آفاق النفوس خارج هذا البيت الكريم، من زلات وهزّات، تتصدّع لها النفوس، وتضلّ معها العقول؟ وإذن، فالأمر يحتاج إلى مراقبة دائمة من الإنسان لنفسه، وحراسة واعية من الآفات التي تتهدّد إيمانه، وترعى مواطن الخير فيه»[2].
ألا ترى أن الآية جاءت واسطة عقد سورة التحريم التي افتتحت بنموذج من المشاكل التي قد تقع في كلّ البيوت ولم يَسلم منها بيت خير البشر -صلى الله عليه وسلم-، واختتمت بنماذج من العلاقات الأسرية (أسرة نوح) و(أسرة لوط)، ثم (أسرة فرعون)، واختتمت بعفاف مريم -عليها السلام-. مما يجعل منها كنزًا يتضمن مفاتيح تشريعية وتربوية لا تنوء بكلّ من استجاب للنداء الإلهي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، وعمل بمقتضاه حسب وسعه، مستمِدًّا العون من الله وحده.
وقد وَجَّهت الآية نداءً صريحًا للمؤمنين أن يحذروا نار جهنم ويَقُوا أنفسهم وأهليهم منها، من خلال تجنُّب كلّ ما من شأنه أن يكون سببًا في دخولها.
فهي آية ربَطت الخلاص الفردي للإنسان المؤمن بخلاص أهله ربطًا منسجمًا مع مسؤولياته المنوطة به في تربية أبنائه وسياسة مجتمع الأسرة الصغير؛ لذا وجب تدبّرها باعتبارها منهجًا حياتيًّا يتضمّن الدعامات الأساس للبناء الأسري الراشد، ووجب تلقيها بنية التنفيذ والتنزيل القاصد؛ لذا سأتناولها من خلال التركيز على خمس قضايا جوهرية تضمنتها عبارات الآية دون عزلها عن سياق السورة نفسها أو إغفال لامتدادها ضمن النصّ القرآني الكامل[3]، وسأعرضها في شكل ثنائيات:
أولًا: ثنائية النداء التكليفي والاستجابة التعبّدية.
ثانيًا: ثنائية المسؤولية الفردية والرعاية الأُسرية.
ثالثًا: ثنائية الوقاية الرحيمة والتوبة الجماعية.
رابعًا: ثنائية الأمر والصبر.
خامسًا: ثنائية؛ الخوف أمان والرجاء ضمان.
أولًا: ثنائية النداء التكليفي والاستجابة التعبدية:
تميّـز استهلال الآية بتوظيف أسلوب النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}. وقد قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال: 24].
إنّ المؤمن حين يسمع نداء ربّه ينبغي أن يتلقاه بنيّة الاستجابة؛ لأن في استجابته للنداء القرآني حياة له، بل حياة طيبة في الدنيا والآخرة، وهي من أهم علامات حياة القلب وسلامته.
وفي سورة الشورى يحذِّر القرآن من الإعراض بَدَل الاستجابة، قال تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ * فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}[الشورى: 47، 48].
فالمؤمن الموفَّق هو الذي يَعتبر مضمون الخطاب الوارد بعد نداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أمانة تكليفية ينبغي أن يرعاها بكامل المسؤولية. والاستجابة هنا هي تعبُّد لله سبحانه تقتضي استحضار نية الخضوع الكامل لله -عز وجل- وعدم التردّد في الانصياع لأمر الله طوعًا.
ويجدر بنا في هذا السياق أن ننبّه إلى أنه من الحكمة عدمُ فهمِ آية التحريم موضوعِ الدراسة باعتبارها خطابًا موجَّهًا للآباء فقط وأنهم هم المعنيّون وحدهم بوقاية النفس والأهل من النار، بل إنّ كلَّ متلقٍّ للخطاب الإلهي معنيٌّ بالاستجابة التعبدية لله، سواء كان أبًا أو أمًّا أو ابنًا أو أخًا...، كلٌّ حسب موقعه داخل الأسرة؛ فإن كانت مسؤولية الوالدين واضحة في وقاية الأهل من النار، فإنّ مسؤولية الأبناء في حماية آبائهم لا تقلّ أهمية في سياق المنهاج القرآني الكلي؛ ذلك أنها مسؤولية مشتركة وأمانة تكليفية تقتضي التعاون على البِرّ والتقوى امتثالًا للأمر القرآني واستمطارًا للفضل الأخروي، حيث يُلْحِق الله -عز وجل- الأبناء بالآباء في جنات النعيم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}[الطور: 21].
وقد ورد في تفسيرها عند ابن عطية ما نصّه: «قال ابن عباس وابن جبير والجمهور: أخبر الله تعالى أن المؤمنين تتبعهم ذريتهم في الإيمان، فيكونون مؤمنين كآبائهم، وإن لم يكونوا في التقوى والأعمال كالآباء، فإنه يلحق الأبناء بمراتب أولئك الآباء كرامةً للآباء. وقد ورد في هذا المعنى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعلوا الحديث تفسيرَ الآية، وكذلك وردت أحاديث تقتضي: (أن الله تعالى يرحم الآباء رعيًا للأبناء الصالحين)»[4].
أيها الإنسان إنك مسؤول عن رعاية نفسك وحفظ أهلك بصفتك مكلَّـفًا بالاستجابة للنداء الرباني ومتعبّدًا له بما تبذله في سبيل تحقيق ذلك، فلا تحسبن أنك لن تحاسب عن وظيفة رعاية الأسرة بكلّ مكوناتها.
ثانيًا: المسؤولية المزدوجة؛ وقاية النفس ووقاية الأهل:
بدايةً، يجدر بنا في هذا المقام أن نؤكّد على مسألة غاية في الأهمية، وهي كون الأمر الإلهي بوقاية النفس والأهل من النار إنما هو الإتيان بأسبابها وما يوصل إليها، أمّا حقيقتها فهي من فعل الله سبحانه وحده: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[الدخان: 56]، بل هي مِنَّةٌ منه -عز وجل- وعطاء، جاء في الكتاب العزيز: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}[الطور: 27]، فالمؤمن مطالَب بالعمل على الوجه الحسن صوابًا وإخلاصًا، والمولى سبحانه يقابل ذلك بالمنّة والعطاء تفضّلًا منه وتكرمًا.
إنّ قوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} يتضمّن أمرين: وقاية النفس من جهة، ووقاية الأهل من جهة أخرى. ولا شك أن وقاية النفس أسبق من وقاية الأهل، ذلك أنه لا يعقِل مَن يأمرُ أهله بالخير ولا يأتيه، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[البقرة: 44].
غير أن هذه الأسبقية ينبغي أن تُفهم في ضوء المعنى السليم لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[المائدة: 105]، ومعناه كما ذكر عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: «ولا يدلُّ هذا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يضرّ العبدَ تركُهما وإهمالُهما، فإنه لا يتم هُداه إلا بالإتيان بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»[5]. فوقاية الأهل باعتبارها أمرًا لهم بالمعروف ونهيًا عن المنكر لا تنفكّ عن وقاية النفس؛ فهما وقايتان متلازمتان لا تفترقان.
بل قد تكون وقايةُ الأهل وقايةً للنفس، ذلك أن صلاح الابن بسبب حُسن تربية الوالد له قد يكون سببًا في وقاية الوالد نفسه من النار، ودليله أن عمل المرء لا ينقطع بفضل استمرار دعاء الولد الصالح له.
وقد ينتج عن الأعمال التي في ظاهرها وقاية للنفس حفظٌ للأهل بالتبع، قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}[الكهف: 82]، قال القرطبي: «ففيه ما يدلّ على أن الله تعالى يحفظ الصالحَ في نفسه وفي ولده، وإنْ بَعُدوا عنه. وقد رُوِي أن الله تعالى يحفظ الصالحَ في سبعةٍ من ذرّيته، وعلى هذا يدلّ قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}[الأعراف: 196]»[6].
أخي المسلم، إياك أن تتجاوز حدّ التوازن، فتشتغل بإصلاح نفسك في معزلٍ عن إصلاح أهلك فأنت مسؤول عنهم فلا تتهاون، أو تعتقد أن صلاح الأهل سينفعك إن لم تُزَكِّ نفسك وتطهرها استعدادًا ليوم الدين! فكلّ امرئ بما كسب رهين.
ثالثًا: الوقاية الرحيمة والتوبة الجماعية:
إنّ التدبّر للآية السادسة من سورة التحريم لن يكون سليمًا إنْ عزلناه عمّا بعدها مما يناسب مضمونها؛ لذا وجب ملاحظة أن الأمر بالوقاية في هذه الآية تلاها نداءٌ ثانٍ للمؤمنين يتضمّن أمرًا بالتوبة الجماعية فقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}[التحريم: 8]، فهناك أمران: أمرٌ بالوقاية ينضاف إليه أمرٌ بالتوبة، فلا بد من مراعاتهما كليهما طلبًا لتحقيق الأسرة الراشدة.
والوقايةُ الأسرية قد أرشد القرآنُ إلى أهم مقتضياتها، فهي تتطلّب رحمةً بالأهل وشفقة فيهم، ذلك ما تشير إليه آية الطور، قال تعالى: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}[الطور: 26، 27]، فالوقاية من نار السموم إنما هي نتيجة لتلك الشفقة والرحمة التي يعيشها أهل الإيمان مع ذويهم وأسرهم وأهليهم.
«والشَّفقة: الخيفةُ مِن شِدَّةِ النُّصْحِ. والشَّفِيق: الناصِحُ الحَرِيصُ على صَلاحِ الـمَنْصُوحِ...[وهي] رِقَّة مِن نُصْحٍ أَو حُبّ يؤدِّي إلى خَوفٍ»[7]. فالشفقة نصح وحرص على صلاح الأهل منبثقة من الرحمة القلبية المتمثّلة في الخوف عليهم من الهلاك، وفي محبة نجاتهم من النار التي عليها ملائكة غلاظ شداد. فلا مناص من التحقّق بالوقاية الرحيمة في الدنيا، المنسجمة مع الحرص على التوبة الجماعية -المأمور بها في الآية الثامنة من السورة نفسها- والثبات عليها والتعاون عليها، من خلال مشروع أسري جامع يستحضر قولَ الله تعالى في سورة النور -وهي سورة ركّزت على قضايا الأسرة[8] وأحكامها وآدابها-: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31].
قال صاحب الظلال -رحمه الله-: «وعلى المؤمن أن يقي نفسه وأن يقي أهله من هذه النار، وعليه أن يَحُول بينها وبينهم قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار؛ فها هم أُولاء الذين كفروا يعتذرون وهم عليها وقوف، فلا يؤبه لاعتذارهم... هذا هو الطريق، توبة نصوح، توبة تنصح القلب وتخلصه، ثم لا تغشّه ولا تخدعه. توبة عن الذنب والمعصية، تبدأ بالندم على ما كان، وتنتهي بالعمل الصالح والطاعة، فهي عندئذ تنصح القلب فتخلّصه من رواسب المعاصي وعكارها، وتحضّه على العمل الصالح بعدها، فهذه هي التوبة النصوح، التوبة التي تظلّ تذكِّر القلب بعدها وتنصحه فلا يعود إلى الذنوب»[9].
إننا مدعوون جميعًا إلى التوبة الجماعية المؤسّسة على الرغبة في الوقاية الرحيمة المبنيّة على دعامة التذكير الدائم دونما إلزام: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}[الغاشية: 21، 22]، في سياق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل المحيط الأسري، والمؤسسة على الصبر والمصابرة على ذلك، وهو ما سأفصله في النقطة الموالية.
التوبة مشروع عُمُرٍ، التوبة بداية المجتهدين ونهاية المقتصدين، التوبة لا تتوقّف إلى أن تبلغ الروح الحلقوم، فلا تتهاون ولا تسوِّف ولا تملّ، فإنّ الله لا يملّ حتى تملُّوا.
رابعًا: ثنائية الأمر واجب والصبر صاحب:
قال إلكيا الهراسي في تفسير الآية موضوع المدارسة: «وهذا يدلّ على أن علينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يُستغنى عنه من الأدب، وهو معنى قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}[طه: 132]»[10].
إنّ كثيرًا من الناس ينشغلون بقضايا الرزق وشؤون الحياة الدنيوية ضمانًا لعيش كريم لهم ولذويهم، وذلك عملٌ محمودٌ إن كان بِنيّة صالحة ولم يكن على حساب الاشتغال بما خُلِق الإنسان من أجله أساسًا: تحقيقُ العبودية الكاملة لله. فوقاية النفس والأهل من النار أولى من وقايتهم من الجوع والفقر، بل إنّ الله ضَمِن لعباده الرزق وأمَرَهم أن لا يكون طلبُه حاجبًا لهم عن أداء ما كلّفهم به، قال سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه: 132].
إنّ منطلق الوقاية الأسرية المأمور بها، و«أول واجبات الرجل المسلم أن يحوِّل بيته إلى بيت مسلم، وأن يوجِّه أهله إلى أداء الفريضة التي تَصِلهم معه بالله، فتوحِّد اتجاههم العلوي في الحياة. وما أروح الحياة في ظلال بيت أهله كلّهم يتجهون إلى الله!
{وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، على إقامتها كاملة وعلى تحقيق آثارها؛ إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهذه هي آثارها الصحيحة، وهي في حاجة إلى اصطبار على البلوغ بالصلاة إلى الحدّ الذي تثمر فيه ثمارها هذه في المشاعر والسلوك، وإلا فما هي صلاة مُقامة إنما هي حركات وكلمات»[11].
والصلاة باعتبارها عمود الإسلام وعماده ينبغي أن تُتخذ نموذجًا للأمر الأسري والصبر على تنفيذه الجماعي دون تخلُّف لأيّ فرد عن أدائه، فتطال عملية (الأمر والصبر) كلّ أركان الإسلام وفروعه وآدابه وأخلاقه؛ بدءًا بالتعليم والتأديب المنضبط بضوابط المنهاج النبوي في التعامل مع الأبناء والأزواج، فقد قال شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}: «علِّموا بعضكم بعضًا ما تَقُون به مَن تعلِّمونه النار، وتدفعونها عنه إذا عمل به مِن طاعة الله، واعملوا بطاعة الله. وقوله: {وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} يقول: وعلِّموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يَقُون به أنفسهم من النار؛ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل»[12]، ورَوى بأسانيده عن عليّ أنه قال في الآية: «علِّموهم وأدِّبوهم».
والتعليم والأدب سببٌ في الوصول لكلّ خير دنيوي وأخروي، وهي عملية لا نهاية لها، وهي مستمرة إلى آخر رمق؛ ذلك أن العضو الرحيم في الأسرة يشفق على أفراد أسرته ولا يملّ ولا ييأس من تحقيق واجبه في أن يكون سببًا في نجاتهم مهما بدر منهم، ألا ترى أن نوحًا -عليه السلام- رغم كفر ابنه وضلاله إلا أنه حاول جاهدًا أن يجد له سببًا للنجاة من خلال دعاء ربه سبحانه قُبَيل حصول الهلاك الطوفاني، قال تعالى على لسان نوح: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}[هود: 45]. نعم، إن ابنه هلك كافرًا، لكن نستفيد من الآية عدم يأس نوح -عليه السلام- مِن طَرْق كلّ الأبواب في سبيل نجاة ابنه في الدنيا وفي الآخرة؛ فوقايةُ الأهل مهما صدر عنهم من السيئات عبادةٌ لله لا يسقط وجوبها ووجوب الصبر والمصابرة على أدائها إلى آخر لحظة من الحياة.
أخي، إنّ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر جعَلَتْه الشريعة واجبًا، بل ركنًا للإصلاح الأسري، والصبرَ عليه يلزم أن يتخذه المسلم صاحبًا؛ لأن التخلي عنه عصيان واعتداء يستحقّ صاحبه اللعنة مثلما حلّ ببني إسرائيل الذين: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[المائدة: 79].
خامسًا: ثنائية الخوف أمان والرجاء ضمان:
أورَد البيهقي في شُعْبَةِ الخوف من الله تعالى ضمن كتابه (شُعَب الإيمان) حديثًا عن ابن عباس قال: «لـمّا أنزل اللهُ -عز وجل- على نبيّه -صلى الله عليه وسلم-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[التحريم: 6]، تلاها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه ذات ليلة -أو قال: يوم- فخرَّ فتًى مغشيًّا عليه، فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده على فؤاده فإذا هو يتحرك، فقال: يا فَتى، قُلْ: لا إله إلا الله، فقالها؛ فبشّره بالجنة، فقال أصحابه: يا رسول الله، أَمِنْ بيـنِنا؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: أمَا سمعتم قولَه تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}[إبراهيم: 14]»[13].
ينبغي أن تلقى هذه الآية تلقِّي الخوف كما تلقّاها هذا الفتى؛ فالخوفُ في الدنيا مصدرُ الأمان في الآخرة، فالله تعالى أراد أن يُرهبنا حين وصف النار بكونها تشتعل بالحجارة وبالناس، وعليها ملائكة وصفهم بأنهم غلاظ في القول شِدَاد في الفعل، وأنهم قادرون على إنجاز ما أُمِروا به، وأنهم لا يعصون الأوامر الربانية؛ لذا فلا منجاة لمن كان من أهل النار إلا أن يرحمه الله. هذا التخويف مقصود لذاته ويجب أن يكون حاضرًا في العملية التربوية وفي العلاقات الاجتماعية داخل الأُسر المؤمنة.
بعض التربويين المعاصرين يحذِّرون مِن تحديثِ الأطفال عن النار والموت والآخرة والقبر. وهذا ليس منهجًا ربانيًّا قرآنيًّا، بل ينبغي أن يُعَلَّم الطفل منذ حداثة سِنّـه أن الدنيا ليست دار قرار، وأن الموت حقّ والاستعداد لما بعده واجب. نعم، يجب أن نوظِّف في تعليمه ذلك ألطفَ الطّرُق وأجملها، لكن إغفال الحديث عن الآخرة هو الخسران المبين؛ فالسعادة الحقيقية والسرور المطلوب مع الأهل هو ما يكون في الآخرة لا في الدنيا، وذلك ما علَّمَنا القرآنُ إيّاه في سورة الانشقاق: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق: 7-9]، وقد ذمّ القرآنُ السرورَ في الدنيا وجعله سببًا في الهلاك، قال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا}[الانشقاق: 10-13]، غير أن المقصود بالسرور هنا هو ما كان ناتجًا عن نسيان الآخرةِ والرجوعِ إلى الله وما كان في غفلة عن مراقبة الله في السرّ والعلَن؛ لذا أردفَ اللهُ قولَه: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا} بقولِه: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}[الانشقاق: 14، 15]. وإلّا، فإنّ الإنسان المؤمن يعيش سعادة الدارين ويسعى لهما؛ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، آمين.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن بعض أهل التفسير ذهبوا في قوله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ}، وقوله: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، إلى أنه تكرار لنفس المعنى بتعبير مختلِف يفيد تأكيد صفات ملائكة النار زيادةً في الترهيب والتخويف، وقيل: لا يعصونه في الماضي ويفعلون ما أُمِروا به في المستقبل. غير أن ابن تيمية -رحمه الله- علّق على ذلك قائلًا: «بل وأحسنُ من هذا وهذا؛ أنّ العاصي هو الممتنع من طاعة الأمر مع قدرته على الامتثال، فلو لم يفعل ما أُمِر به لعجزه لم يكن عاصيًا، فإذا قال: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ}، لم يكن في هذا بيان أنهم يفعلون ما يؤمرون؛ فإن العاجز ليس بعاصٍ ولا فاعل لما أُمِر به، وقال: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}؛ ليبيِّن أنهم قادرون على فعل ما أُمِروا به، فهم لا يتركونه لا عجزًا ولا معصيةً»[14].
فالملائكة تتّصف بالقدرة على الائتمار، وبالطاعة، إضافة إلى الغِلظة والشّدة، وهذه كلّها صفات للتخويف والترهيب؛ لأن مسؤولية الأسرة مسؤولية خطيرة، على رعايتها يتوقّف صلاح الأفراد والمجتمع والأمة.
غير أنه من اللازم أن نستبشر حين نربط هذا الخوف بقريـنِه (الرجاء)، فإذا كان لله ملائكة شداد فإنّ له أيضًا ملائكة يتهممون بالدعاء لأهل الإيمان بــ(الوقاية من النيران)، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[غافر: 7]، انظر كيف ربطوا بين الوقاية من الجحيم وبين التوبة والاستقامة! ويَدْعون أيضًا قائلين: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[غافر: 9].
وإذا كان الخوف أمانًا من العقاب، فإن الرجاءَ في رحمة الله ضمانٌ إلهي لعبده، فهو سبحانه عند حُسن ظنّ عبده به. واجتماع الخوف والرجاء وسيلة للحذر من عذاب الله والنجاة منه بفضل الملك الوهّاب: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}[الإسراء: 57].
المؤمن الراشد هو الذي يوازن بين ثنائية الخوف والرجاء في وقاية النفس والأهل من الهلاك في الدنيا والآخرة، ويدرك أن الله لم يخلقنا ليعذّبنا؛ فيرجو رحمته ويُحسن الظنّ بربه من جهة، ولا يغترّ برحمة الله وكرمه فيترك العمل من جهة أخرى.
خاتمة:
إنّ الآية السادسة من سورة التحريم تحمل رسائل كلية لكلّ من أراد أن ينجو وأهله في الدنيا من العناء وفي الآخرة من الشقاء، وذلك بتلقِّي النداء الإلهي بِنيّة الاستجابة التعبدية المؤسّسة على تعاون الأهل تسبيحًا وذكرًا لله ومراقبةً له، مصداقًا لقول موسى -عليه السلام-: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}[طه: 29-35]، وفعلًا للخيرات واصطبارًا عليها، وموازنةً بين الخوفِ من عذاب الله والرجاءِ في رحمته؛ تحملًا للمسؤوليات ورعايةً للتكاليف.
هذه الكليات القرآنية في الرعاية الأسرية نلخّصها فيما يأتي:
- الأمرُ القرآني بالاعتناء الجادّ بالنفس وبالأهل والتعاون الأسري على ذلك قولٌ فصل ما هو بالهزل.
- كلّ تهاون في الائتمار بالوقاية الرحيمة للأسرة يعرِّض صاحبه للعقوبة الشديدة ولا يُقبل منه اعتذار في الآخرة ما لم يكن من التائبين في الدنيا.
- عملية التحصين الأسري من المزالق والمهالك تقتضي صبرًا ومصابرة ومرابطة، فالأمر بالمعروف الأسري شاقّ؛ خاصّة في زمننا المعاصر المبتلَى بتلاطم أمواج الفتن الصّارفة عن الحقّ، الداعية إلى الباطل.
- مَن خاف نجَا، والخائف من الله ومن سوء العاقبة لا شك يكون أقرب إلى السلامة من غيره، ويكون الخوف أمثل إذا صاحَبه الرجاء في رحمة الله.
إنّ فهم الأسرار القرآنية للآية السادسة من سورة التحريم لا يكتمل إلا بالرجوع إلى تفاصيل السُّنة النبوية التنزيلية؛ لرعاية النفس والأهل وبناء الأسرة الراشدة.
كما إنّ مراجعة الدراسات الحديثة في التعامل مع الأبناء والأزواج تُعَدّ من الضروريات؛ طلبًا للحكمة ضالة المؤمن، ما لم تخالف المنهج القرآني وكلياته التربوية والاجتماعية والتشريعية.
هذا، مع ملازمة دعاء عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان: 74].
ونسألُ اللهَ الملك الوهّاب أن يجعلنا ممن قال فيهم: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ}[الرعد: 23]، وممن قال عنهم: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}[الإنسان: 11].
والحمد لله رب العالمين
[1] صحيح البخاري، دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى، 1422هـ، كتاب التفسير، باب: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}، رقمه: 5267، (7/ 44).
[2] التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس الخطيب، الناشر: دار الفكر العربي- القاهرة، (14/ 1031).
[3] قال صاحب الظلال -رحمه الله-: «واحتوت سور أخرى من القرآن، وعلى الأخصّ سورة النور في الجزء الثامن عشر وسورة الأحزاب... وسورة الطلاق وسورة التحريم... ومواضع أخرى متفرقة في السور =جوانب أخرى تؤلِّف دستورًا كاملًا شاملًا دقيقًا لنظام هذه المؤسسة الإنسانية وتدلّ بكثرتها وتنوعها ودقتها وشمولها، على مدى الأهمية التي يعقدها المنهج الإسلامي للحياة الإنسانية على مؤسسة الأسرة الخطيرة!». في ظلال القرآن، دار الشروق- بيروت- القاهرة، الطبعة: السابعة عشرة- 1412هـ، (2/ 649).
[4] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية، المحقق: عبد السلام عبد الشافي محمد، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى- 1422هـ، (5/ 189).
[5] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، السعدي، المحقق: عبد الرحمن اللويحق، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى- 1420هـ-2000م، ص246.
[6] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، تحقيق: البردوني وأطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية- القاهرة، الطبعة: 2، 1384هـ-1964م، (11/ 39).
[7] لسان العرب، ابن منظور، الناشر: دار صادر- بيروت، الطبعة: 3، 1414هـ، (10/ 180).
[8] قال د. وهبة الزحيلي: «إنّ سورة النور متضمنة آيات بينات ترشد إلى النظام الأقوم والسلوك الأمثل في الأسرة والمجتمع، يقصد بها تحقيق العفاف والصون وحماية العِرض، واتقاء المحرّمات، وتوفير السكينة والطمأنينة القلبية البعيدة عن الشواغل والهواجس الشيطانية الداعية إلى المعصية والرذيلة. كما أن في هذه الأحكام تذكيرًا وعظة للمؤمنين، وتربية للنفوس، وتحقيقًا للتقوى التي يستشعر بها المؤمن التقيّ جلال الله وعظمته وعلمه وقدرته». التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، دار الفكر المعاصر- دمشق، الطبعة: 2، 1418هـ، (18/ 122).
[9] في ظلال القرآن، (6/ 3618).
[10] أحكام القرآن، أبو الحسن الطبري المعروف بإلكيا الهراسي الشافعي، المحقق: موسى محمد علي، وعزت عبده عطية، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، (4/ 426).
[11] في ظلال القرآن، (4/ 2357).
[12] جامع البيان في تأويل القرآن، أبو جعفر الطبري، المحقق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ-2000 م، (23/ 491).
[13] شعب الإيمان، أبو بكر البيهقي، حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد، أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه: مختار أحمد الندوي، صاحب الدار السلفية ببومباي- الهند، الناشر: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، ط1، 1423هـ-2003م، (2/ 197).
[14] مجموع الفتاوى، أحمد بن تيمية، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، السعودية، 1416هـ/ 1995م، (13/ 61).
مواد تهمك
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾ تفسير الآية 69 من سورة الأحزاب
- البلاء في القرآن: تأملات من وحي آيات الرجز في سورة الأعراف
- «آيات الرجاء» في كتاب الله
- الاستدلال على مشروعية الأذان من القرآن الكريم؛ قراءة في مقولات المفسرين
- سورة مريم: سلوى وعزاء للنبي؛ قراءة في البناء الموضوعي لسورة مريم
- وقفات مع سورة الكوثر؛ موضوعاتها، وأحكامها، وطرف من إعجازها