تفسير الإمام أبي الليث السمرقندي
نظرات في تحقيق اسم الكتاب

رغم شهرة تفسير الإمام أبي الليث السمرقندي ومكانته إلا أن اسمه الذي اشتُهر به (بحر العلوم) لم يثبت في أكثر كتب التراجم والمخطوطات، وهذه المقالة تسعى في تحقيق اسم الكتاب من خلال كتب التراجم ومخطوطات الكتاب، بعد تعريف وجيز بالكتاب ومؤلِّفه.

  يُعَدّ تفسير الإمام أَبي اللَّيْث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السَّمَرْقَنْدِي (ت: 373هـ) من أهم كتب التفسير؛ وذلك نظرًا لما يمتاز به من:
● أنه يهتم بالتفسير بالمأثور.
● أنه -أحيانًا- يذكر الإسناد.
● التقدّم الزماني للإمام أَبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي، ومكانته العلمية.
● أنه يعدُّ مصدرًا من مصادر التفسير المعتمدة عند مَنْ بعدَه من المفسرين والباحثين.

ورغم مكانة التفسير إلّا أن هناك إشكالًا؛ حيث إنّ الكتاب مطبوع باسم: (بحر العلوم)، واشتُهر بهذا الاسم بين العامّة والخاصّة، وبالبحث في كتب التراجم والمخطوطات لم نجدها تَذكر هذا الاسم، وإنما تَذكر هذا الاسم لتفسير آخر، ومؤلفه منسوب إلى سمرقند، وهو عليّ بن يحيى، علاء الدين السمرقندي ثم القرماني، (ت: 860هـ).

وهذا ما دفعني لكتابة هذه المقالة لأتناول فيها تحقيق اسم هذا الكتاب.

وقبل الشروع في المقصود لا بد من التعريف بمؤلف الكتاب، ثم التعريف بالكتاب وبيان مكانته.

أولًا: التعريف بمؤلف الكتاب:

هو: الإمام نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، الفقيه، أبو الليث، المعروف بإمام الهدى، تفقَّه على الفقيه أبي جعفر الهندواني، توفي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة[1]، وقيل: خمس وسبعين[2]، وقيل: ثلاث وثمانين[3]، وقيل: ثلاث وتسعين، والأول أشهر، ولكنه ليس الأصح، وذلك أن حاجي خليفة عندما تحدّث عن كتابه: (النوازل في الفروع) ذكر أنه فرغ من إملائه: يوم الجمعة من جمادى الأولى سنة 376، ست وسبعين وثلاث مائة[4].

من مؤلفاته: تفسير القرآن، وكتاب النوازل في الفقه، وخزانة الفقه، وتنبيه الغافلين، وبستان العارفين[5].

أمّا عن الكتاب[6]:

فهو من أعظم كتب التفسير، وهو يعدُّ من كتب التفسير بالمأثور في المقام الأول، وإن كان فيه قدرٌ غير قليل من التفسير بالرأي، بدأه ببابٍ في الحثّ على طلب التفسير وبيان فضله، واستشهد على ذلك بروايات عن السَّلَف، وبيَّن أنه لا يجوز لأحد أن يفسِّر القرآن برأيه ما لم يتعلّم وجوه اللغة ويعرف أحوال التنزيل. وبعد أن فرغ من المقدمة شرع في التفسير.

● فيذكر الروايات عن الصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم، ولكنه -غالبًا- لا يذكر إسناده إلى مَنْ يروي عنه، وأحيانًا يذكر الإسناد في بعض الروايات. وقد يذكر بعض روايات إسرائيلية، وأحيانًا يروي عن الضعفاء أمثال الكلبي والسدّي.

● يذكر أحيانًا الأقوال غير منسوبة لأصحابها.

● ويذكر من القراءات ما يحتاجه في التفسير، وهو مُقِلّ مِن ذِكرها.

● يستشهد بالآيات القرآنية، وهو ما يُسمَّى بتفسير القرآن بالقرآن.

● يرجع إلى اللغة العربية، باعتبارها أداة لفهم النصّ القرآني.

● يذكر بعض إشكالات قد ترِد على النصّ القرآني ويجيب عنها.

● يعرض لموهم الاختلاف والتناقض ويزيل هذا الإيهام.

● ومن منهجه أنه لا يعقب على الأقوال إلا نادرًا.

وإذا كان هذا التفسير بهذه المكانة فينبغي أن يحظى باهتمام الباحثين من جميع الجوانب، وأول هذه الجوانب هو:

تحقيق اسم الكتاب[7]:

وهذا ليس بالأمر الهيّن، فبعض المخطوطات يكون خاليًا من العنوان:

1. إمّا لفقد الورقة الأولى منها.

2. أو انطماس العنوان.

3. وأحيانًا يثبت على النسخة عنوان واضح جليّ ولكنه يخالف الواقع[8].

وإذا أردنا أن نحدِّد الاسم الدقيق لهذا التفسير فسنجد بعض الصعوبات تتمثل فيما يأتي:

أ- أننا بالرجوع إلى الكتب التي تُعْنى بذكر أسماء الكتب والمؤلفين سنجد أنها لم تَذكر لهذا التفسير اسمًا إلّا (تفسير القرآن)؛ كما فعل الكتانيّ (ت: 1382هـ)، حيث قال: «هو: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم إمام الهدى، صاحب تفسير القرآن، وتنبيه الغافلين»[9].

وبنحوه قال عمر رضا كحالة (ت: 1987م)، وخير الدين الزركلي (ت: 1976م)[10].

ب- أنّ كتب التراجم كذلك لم تَذكر له اسمًا غير (تفسير القرآن)، كما فعل عبد القادر القرشي، (ت: 775هـ)[11]، وابن قطلوبغا (ت: 1474هـ)[12]، والأدنه وي، (ت: القرن الحادي عشر)[13]، والداوُدي، (ت: 945هـ)[14]، إلّا أن الداوُدي (ت: 945هـ) سمّاه: (تفسير القرآن العظيم).

ج- أنّ الكتاب مطبوع باسم (بحر العلوم)، وهذا الاسم لم أجده مكتوبًا لا في مقدمة المؤلف للكتاب، ولا في ثنايا الكتاب ولا في النُّسَخ المخطوطة التي رجعتُ إليها، فقد رجعتُ إلى خمس نسخ مخطوطة للكتاب بدار الكتب المصرية -على ما سيأتي ذكره فيما بعد-.

د- أنّ الكتب التي نقلَتْ عن الكتاب لم تَذكر اسمه، وإنْ ذَكَرَت اسم مؤلفه؛ هذا أبو حيان -رحمه الله- (ت: 745هـ) يقول: «وذَكَر أبو الليث السمرقندي: أن القائل منهم عمارٌ، وابنُ مسعود، وثابتُ بن قيس»[15].

والإمام ابن كثير، (ت: 774هـ) يقول: «وحَكَى أبو الليث السمرقندي أنّ نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة»[16].

وذكر القول السابق الإمام القرطبي(ت: 671هـ)، وقال: «حكاه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي في تفسيره»[17].

وبنحو ذلك ابن عادل (القرن التاسع الهجري)، والآلوسي (ت:1270هـ)، والشوكاني (ت:1250هـ).

تطبيق قواعد تحقيق اسم الكتاب على تفسير أبي الليث السمرقندي:

إذا أردنا أن نحقّق اسم هذا التفسير وفق الضوابط وسيرًا على الطرق المعهودة لدى المحققين، فنقول -وبالله التوفيق-:

بما أنّ كتب التفسير التي نقلَتْ عنه لم تذكر له اسمًا فإنّه يتحتم علينا الرجوع إلى الكتب التي تُعنى بهذا الأمر، وإلى نسخ المخطوط التي تقع تحت أيدينا لعلّنا نظفر باسم هذا الكتاب حتى يتميز عن غيره من التفاسير:

  وبالرجوع إلى الكتب التي تُعنى بذلك لم نجدها تذكر له اسمًا إلّا (تفسير القرآن)، أو (تفسير القرآن العظيم) -كما تقدّم- رغم أنه ذُكِرَت كتبه الأخرى بأسمائها، مثل(تنبيه الغافلين)، (خزانة الفقه)، (الأخبار في ذكر الجنة والنار)، (شرح الجامع الصغير للشيباني)، (عيون المسائل)، إلى غير ذلك من كتبه[18].

أو (تفسير أبي الليث) كما فعل حاجي خليفة (ت: 1067هـ)[19].

أو (كتاب التفسير) كما فعل السمعاني (ت: 562) عندما ذكره في ترجمة (أبي عمرو عثمان بن محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر البلخي المعروف بالشريك) (ت: 537هـ) قال: «كتب إليَّ الإجازة بجميع مسموعاته من بلخ، وله مسموعات كثيرة منها: ... وكتاب (التفسير) للفقيه الزاهد أبي الليث السمرقندي يرويه عن الوَخْشِي (ت: 471هـ) عن أبي ملك تميم بن فرينام بن زرعة الخطيب عنه»[20].

وذكره ابن تغرى (ت: 874هـ) باسم: (تفسير الإمام أبي الليث السمرقندي)[21].

 ● وجدتُ في دار الكتب المصرية خمس نُسَخ رجعتُ إلى أربع منها، أذكر تفاصيلها بما يؤكد أنها مخطوطات لهذا التفسير، تفاصيلها كما يأتي:

1. رقم (3 تفسير عربي)، عنوانها على الغلاف بخط الناسخ (تفسير القرآن العظيم)، وهي عبارة عن ثلاثة مجلدات؛ الأول (241 لوحة) من أول القرآن، وينتهي بنهاية سورة الأنعام. والثاني (211 لوحة) يبدأ من أول سورة الأعراف، وينتهي بنهاية سورة الكهف. والثالث (355 لوحة) يبدأ من أول سورة مريم إلى آخر القرآن الكريم.

وتمتاز هذه النسخة بوجود فهرس في أولها يذكر رقم الصفحة لبداية تفسير كلّ سورة.

وأول هذه النسخة:

«بسم الله الرحمن الرحيم. مِنْ مُمِدِّ الكون أستمِدُّ التوفيق والعون.

باب الحث على طلب تفسير القرآن:

حدثنا الفقيه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي -رحمه الله تعالى- قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن الفضل، قال: أخبرنا محمد بن جعفر الكرابيسي، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدّثنا وكيع، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن مرّة الهمذاني، قال: قال ابن مسعود -رضي الله عنهما[22]-: مَن أراد العلم فليقرأ القرآن فإنّ فيه علم الأولين والآخرين».

وآخر النسخة:

«تمّ كتاب التفسير لأبي الليث نصر بن إبراهيم السمرقندي -رضي الله عنه- والحمد لله كما هو أهله ومستحقه، وصلّى الله على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا، آمين آمين إلى يوم الدين».

2. رقم (4 تفسير عربي) وهي جزآن؛ الأول (324 لوحة) من أول القرآن إلى نهاية سورة الكهف، والثاني (549 لوحة) من أول سورة مريم إلى نهاية القرآن الكريم.

مكتوب على الغلاف بخط الناسخ: «الجزء الأول من تفسير الإمام أبي الليث نصر بن إبراهيم السمرقندي -عفا الله تعالى- عنه بمنّه وكرمه آمين».

وتبدأ بــ: «ربّ يسّر وتمِّم بالخير يا أكرم الأكرمين.

الحمد لله الذي أنزل كلامه القديم والقرآن المبين على محمد خاتم النبيين، ونسخ به سائر الملل والأديان المتقدمين، وصلواته وسلامه على خير البرية وعلى أنبيائه أجمعين، وعلى آله الطيبين، وأصحابه الطاهرين وخلفائه المجتبين.

قال الفقيه الإمام المجتهد البارع الورع أبو الليث السمرقندي -رضي الله عنه-: إنّ أشرف العلوم كلام الله -تعالى- وتفسيره، فلا بد وأن يبيّن الحثّ والتحريض على ذلك.

باب الحثّ على طلب تفسير القرآن:

أخبرنا الشيخ الإمام الأستاذ العالم الزاهد برهان الدين على بن الحسين البلخي -قدّس الله روحه ونور ضريحه- قال: حدثنا الشيخ الإمام محمد بن محمد القطوابي، قال: حدثنا الحافظ عبد الرحمن بن عبد الرحيم البخاري، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن الخير المروزي، عن أبي سهل أحمد بن محمد عن أبي الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جعفر الكرابيسي، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدّثنا وكيع، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن مرة الهمذاني قال: قال ابن مسعود -رضي الله عنهما[23]-: من أراد العلم فليثر القرآن- وفي رواية أخرى: فليؤثر القرآن؛ فإنّ فيه علم الأولين والآخرين».

وآخر النسخة: «تم الكتاب، كتاب التفسير لأبي الليث نصر بن إبراهيم -رضي الله عنه- والحمد لله كما هو أهله ومستحقه، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه وسلم.

نَمَّقَ أضعف البرايا الذليل الحقير الواثق بمن قال: {ادعوني} محمد بن عايش الأشموني، غفر الله له ولوالديه ولمن دعا له بالمغفرة.

وإنْ تجد عيبًا فسُدَّ الخللا        جَلَّ مَن لا عيبَ فيه وعَلا

في غرة شهر ربيع آخر، في سنة 1139هـ».

3. رقم (5 تفسير عربي) وهي مجلد واحد (1091 لوحة)، بها بعض تعليقات يسيرة، وواضح من الورق أنها قديمة جدًّا، ولكن لم يدوّن عليها أيّ تاريخ أو اسم ناسخ.

مكتوب على صفحة الغلاف: «وقف شيخ الإسلام عبد الحي الشرنبلاني الحنفي -رحمه الله تعالى- بجامع الجنيد بقناطر السباع»[24].

وأولها: «بسم الله الرحمن الرحيم. من مُمِدّ الكون أستمِدُّ التوفيق والعون.

باب الحثّ على طلب تفسير القرآن.

حدثنا الفقيه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي -رحمه الله تعالى- قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن الفضل قال: أخبرنا محمد بن جعفر الكرابيسي، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدّثنا وكيع، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن مرة الهمذاني قال: قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: من أراد العلم فليثر القرآن -وفي رواية أخرى فليؤثر القرآن- فإنّ فيه علم الأولين والآخرين».

وآخرها: «تم كتاب التفسير لأبي الليث نصر بن إبراهيم السمرقندي -رضي الله عنه- والحمد لله كما هو أهله ومستحقه، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، آمين إلى يوم الدين».

4. رقم (6 تفسير عربي) مكتوب على الغلاف بخط الناسخ: «وقف هذا الكتاب وتصدّق به ابتغاءً لوجه الله -تعالى- وطلبًا لمرضاته: الأمير أحمد أغا باش جاويش تفكجيان. وجعل مقرّه في خزانة جامع شيخون، وتحت يد كلّ مَن كان إمامًا به، تقبل الله منه، وذلك بتاريخ سنة 1193هـ».

أولها:

«بسم الله الرحمن الرحيم

باب الحثّ على طلب التفسير

قال: أخبرنا أبو الفضل جبريل بن أحمد اليوناني، قال: أنبأنا أبو محمد لقمان بن حكيم بن خلف الفرغاني بأوزكندة قال: حدثنا الفقيه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي -رحمة الله عليه- قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن الفضل، قال: أخبرنا محمد بن جعفر الكرابيسي، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف، قال: حدّثنا وكيع، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن مرة الهمذاني، قال: قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: من أراد العلم فليثر القرآن -وفي رواية أخرى فليؤثر القرآن- فإن فيه علم الأولين والآخرين».

وآخرها:

«والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين ورسول رب العالمين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة والمقربين وأهل طاعتك أجمعين. ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، حَسْبُنا الله ونِعم الوكيل.

ووافق الفراغ من كتاب هذا التفسير المبارك لمولانا الإمام العالم العلّامة أبي الليث نصر بن إبراهيم السمرقندي، رضي الله عنه، آمين، وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه، ونفعنا بعلومه ومدده وأسراره في الدارين، آمين، في يوم الأحد المبارك مستهل محرم الحرام افتتاح سنة اثنين وتسعين وتسعمائة المباركة. أحسن الله عاقبتها بمحمد وآله».

5. رقم (1195 تفسير عربي) لم أطلع على المخطوطة نفسها. غير أنه مسجل بالسجل أن عدد أوراقها (238 ورقة) آخرها سورة الأنعام.

فاسم الكتاب إذًا يدور في الآتي:

أ- (تفسير القرآن) كما في كتب المراجع، وكما هو مدوَّن على بعض النسخ بخط الناسخ.

ب- (تفسير القرآن العظيم) كما هو مدون على النسخة (3) بدار الكتب المصرية بخط الناسخ، وكما ذكره الداودي.

ج- (تفسير أبي الليث) (تفسير أبي الليث السمرقندي) كما ذكره بعض مَن نقل عنه، وكما هو في بعض الكتب التي تُعنى ببيان أسماء الكتب والمؤلفين.

والأقرب -عندي- أنّ الإمام أبا الليث لم يكتب هذا التفسير بنفسه، وإنما أملاه على تلاميذه، ولم يذكر له اسمًا، فذكره مَن بعده مِن العلماء بما يميزه عن غيره من كتبه فأطلق عليه اسم: (تفسير القرآن) أو (تفسير القرآن العظيم).

وأراد آخرون أن يميزوه عن غيره من التفاسير فأطلقوا عليه: (تفسير أبي الليث)، (تفسير أبي الليث السمرقندي).

والذي يرجّح هذا الاحتمال عدّة أمور:

الأول: أنّ الكتب لم تتفق على اسمٍ لهذا التفسير، مما يَعني أنّ مصدر التسمية مختلف.

الثاني: أنّ جميع النُّسَخ التي وقفتُ عليها تفتتح بما يفيد أن الكتاب وصل إلى الناسخ عن طريق الرواية، فهو يذكر السند الذي وصل إليه عن طريقه -كما تقدم-.

الثالث: أنّ هناك اختلافًا في طرق الرواية بين النُّسَخ، وقد قدَّمنا بعض هذه الطرق، بما يُغنِي عن إعادتها.

إشكال:

ورغم ما سبق إلا أننا نجد أن الكتاب طبع عدّة طبعات يحمل اسم: (بحر العلوم)، ما الذي أوقع في هذا اللبس؟!

وللجواب على ذلك نقول: إن هناك كتابَ تفسيرٍ آخر يسمَّى (بحر العلوم) ومؤلفه منسوب إلى سمرقند، وهو عليّ بن يحيى، علاء الدين السمرقندي ثم القرماني (ت: 860هـ)، قال الزركلي: «وردَ ذكره في فهرسي الأزهر (1: 178) الطبعة الأولى، ودار الكتب (1: 37)، منسوبًا إلى أبي الليث نصر بن محمد السمرقندي»[25].

والعجب من محقّق الكتاب حين يُخَطِّئ الزركلي، يقول: «وقد شكّك الزركلي في (الأعلام) في نسبة هذا المخطوط إلى أبي الليث السمرقندي، مقلدًا بذلك حاجي خليفة في (كشف الظنون) ونسبه إلى سمرقندي آخر اسمه: عليّ، من أبناء المائة التاسعة. والصواب أنه لأبي الليث نصر بن محمد السمرقندي، المترجم له».

إلّا أن كلام حاجي خليفة صحيح من حيث نسبة تفسير (بحر العلوم) إلى علاء الدين عليّ بن يحيى السمرقندي القرماني، المتوفى في حدود سنة (860هـ) بلارندة. وهو شيخ علاء الدين البخاري. إلّا أنه لم يتنبه إلى وجود تفسيرَين لسمرقنديَّين يحملان العنوان نفسه.

وكلامه هذا وما بعده يؤكّد نسبة (بحر العلوم) إلى عليّ بن يحيى، علاء الدين، ولا يعطي أدنى دليل على أن تفسير الإمام أبي الليث يحمل هذا الاسم، فكلامه دعوى مجردة عن الدليل.

ثم إن الزركلي لم يشكِّك في نسبة التفسير الذي بين أيدينا للإمام أبي الليث، وإنما شكَّك في أن اسمه (بحر العلوم) وحُقّ له أن يشكك في ذلك.

وختامًا:

 نؤكد على النقاط الآتية:

1. أن الكتاب المطبوع باسم (بحر العلوم) ما بين دفتيه هو تفسير أَبي اللَّيْث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السَّمرقَنْدِي (ت: 373هـ).

2. أن الاسم المكتوب عليه ليس اسمه، بل اسم لتفسير آخر.

3. أن الصواب أن اسم الكتاب: (تفسير القرآن) أو (تفسير القرآن العظيم) أو (تفسير أبي الليث).

4. أن الذي أوقع في هذا الخلط هو أن الإمامَين المؤلِّفَين لهذين التفسيرَين تجمعهما أمور، وهي (نسبتهما إلى سمرقند، أنهما حنفيّان مذهبًا).

وبعدُ، فهذا مقال حاولتُ فيه أن أقدِّم للقارئ الكريم تحقيقًا علميًّا لأمر غاية في الأهمية، وهو بيان اسم أحد أشهر التفاسير، ورغم أهمية التفسير وشهرته إلا أن اسمه لم ينل قسطًا وافيًا من التحقيق، أسأل الله -تعالى- أن أكون قد وُفِّقْتُ في هذا التحقيق إلى الصواب.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

[1] طبقات الحنفية، عبد القادر بن أبي الوفاء القرشي، (ت775هـ)، (2/ 196).

[2] كشف الظنون (1/ 243).

[3] كشف الظنون (2/ 1220).

[4] كشف الظنون (2/ 1981).

[5] طبقات المفسرين- الأدنروي، ص91، طبقات المفسرين للداوودي (2/ 346).

[6] استرشدتُ في التعريف بالكتاب بـ(التفسير والمفسرون) للدكتور: محمد حسين الذهبي (1/ 210). وصغتها بأسلوبي بما يتناسب مع المقال.

 [7]وهذه هي الخطوة الأولى من الخطوات الأربع لتحقيق الكتاب، وهي: تحقيق عنوان الكتاب، تحقيق اسم المؤلف، تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه، تحقيق متن الكتاب. ينظر: تحقيق النصوص ونشرها- هارون، ص39.

وأما طرق الوصول إلى اسم الكتاب فتتمثل في: الرجوع إلى الكتب التي تُعنى بالكتب ومؤلفيها، مثل: الفهرست لابن النديم (ت: 438هـ)، الرجوع إلى كتب التراجم، مثل: طبقات المفسرين للسيوطي (ت: 911هـ)، الرجوع إلى نُسَخ الكتاب المخطوط، والرجوع إلى الكتب التي تنقل من الكتاب، فقد تنصّ على اسم الكتاب، واسم مؤلفه.

[8] تحقيق النصوص ونشرها- هارون، ص40.

[9] فهرس الفهارس (2/ 998).

[10] معجم المؤلفين (13/ 91)، الأعلام (8/ 27).

[11] الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 196).

[12] تاج التراجم، ص27.

[13] طبقات المفسرين، ص91.

[14] طبقات المفسرين (2/ 346).

[15] البحر المحيط في التفسير (3/ 696)، تفسير السمرقندي (1/ 315).

[16] تفسير القرآن العظيم (1/ 101)، تفسير السمرقندي (1/ 115).

[17] الجامع لأحكام القرآن (1/ 115).

[18] ينظر: طبقات المفسرين للأدنه وي، ص91، فهرس الفهارس (2/ 998)، معجم المؤلفين (13/ 91)، الأعلام (8/ 27).

[19] ينظر: كشف الظنون (1/ 441).

[20] التحبير في المعجم الكبير (1/ 82).

[21] المنهل الصافي (1/ 112).

[22] هكذا في المخطوطة «عنهما» بلفظ التثنية.

[23] هكذا في المخطوطة «عنهما» بلفظ التثنية.

[24] أحد الممرّات المائية التي كانت تتفرّع من نهر النيل تجاه مصر القديمة قبل إنشاء نهر النيل، وأطلق عليها فيما بعد (فم الخليج)، وهي المنطقة الممتدة من القصر العيني حاليًا حتى ميدان السيدة زينب حاليًا.

[25] الأعلام (5/ 32).

الكاتب

الدكتور أنور محمود خطاب

أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، وله عدد من المؤلفات والبحوث العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))