الشيخ محمد أحمد العدوي وكتابه «دعوة الرسل»

الكاتب : عمرو الشرقاوي
يعدُّ كتاب «دعوة الرسل»، للشيخ محمد أحمد العدوي من الكتب المهمّة في قصص الأنبياء، فهو كتاب إصلاح ودين وخلق، يجدُ فيه المؤمنُ ما يقوي يقينه، ويثبت فؤاده، ومؤلِّفه -رحمه الله- لم ينل حظًا من التعريف به والترجمة له، ويأتي هذا المقال مُعرِّفًا بهذا الكتاب المهمّ، وبمؤلِّفه.

  إنَّ القرآن المجيد لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الردّ، ولا زالت التصانيف حول القرآن المجيد قائمة إلى زمان الناس، وإلى ما شاء الله تعالى، ينهل فيها كلٌّ من معين القرآن، وجليل معانيه.

ومن فنون القرآن وعلومه: علم القصص القرآني، بما يحويه من حديث عن قصص الأنبياء خصوصًا، وسائر قصص الصالحين، ثم قصص الأقوام المكذبين.

وقد تتابع العلماء على التأليف في القصص القرآني، وعامّة ما أفرد فيه كان من كتابة المعاصرين[1]، وقد تكلم العلماء المتقدمون على القصص في ثنايا كتبهم، وهي مادة صالحة للجمع، وإظهار جهود هؤلاء العلماء في علم القصص القرآني.

وللقصة في القرآن المجيد فوائد[2]:

فمنها: التسلية والتثبيت لقلب النبي -صـلى الله عليه وسلم-، ولقلب كلّ متبع له؛ ليتأسوا بهم في الصبر على ما كذبوا وأوذوا، فهي عبرة للمؤمنين بالرسل، فإنهم لا بد أن يبتلوا بما هو أكثر من ذلك، ولا ييأسوا إذا ابتلوا بذلك، ويعلموا أنه قد ابتلي به من هو خير منهم، وكانت العاقبة إلى خير، فليتيقن المرتاب، ويتوب المذنب، ويقوى إيمان المؤمنين.

ومنها: أنّ «ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين، وباطنها عظة للآخرِين»[3].

ومنها: أنّ قصص القرآن هي أحسن القصص، فهي أحسن من القصص التي لم تقصّ في القرآن.

وفي قصص القرآن ما يظهر للمتأمل من طرق للنجاة، فلو تأمل المتأمل في سورة الكهف -مثلًا- لوجد فيها طرقَ النجاة من الفتن التي تحيط به؛ فتنته في الدين، والمال، والعلم، والجاه.

وهكذا... فإنَّ لكلّ قصة في القرآن من الفوائد ما يفتح الله به على كلّ إنسان بحسب مَلَكاته، والله يؤتي العلم من يشاء، ويصرفه عمّن يشاء، جعلنا الله ممن أوتي فهمًا وبصيرة.

ولما كان ذلك كذلك، فإنَّ من أهم الكتب المؤلفة في قصص الأنبياء كتاب «دعوة الرسل» للشيخ محمد أحمد العدوي، وقد عُرِّف الكتاب على طرته بأنه: (كتاب إصلاح ودين وخلق، يحتاج إليه الوعَّاظ ورجال السياسة والأخلاق، يتعزى به المصلح عمّا يناله من أذى، وما يوضع في سبيله من عقبات، ويجد فيه المؤمن ما يقوي يقينه، ويثبت فؤاده...)، وهو بحقٍّ كذلك.

ويأتي هذا المقال معرفًا بالمؤلف، وتعدُّ ترجمته من النوادر، وبكتابه «دعوة الرسل».

أولًا: التعريف بالمؤلف:

لم أجد بعد البحث ترجمة للشيخ العدوي -رحمه الله-، وقد حاولت جمع ما يُمكن جمعه من ترجمة الشيخ -رحمه الله-، والتعريف بمؤلفاته وكتبه، وأسأل الله تعالى أن يرحم الشيخ، وأن يكتب له الأجر، وأن ينفع بآثاره.

اسمه:

هو الأستاذ الشيخ محمد أحمد العدوي.

أعماله ومناصبه:

عمل مفتشًا عامًّا للوعظ والإرشاد بالأزهر الشريف، كما عمل أستاذًا بكلية أصول الدين[4].

وكان الشيخ -رحمه الله- عضوًا بلجنة لتفسير القرآن الكريم أعدّها الأزهر الشريف توطئة لترجمته، وكان من أعضاء هذه اللجنة: الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية رئيسًا، والأستاذ محمد أحمد جاد المولى بك مفتش أول اللغة العربية بوزارة المعارف، والأستاذ علي الجارم مفتش أول اللغة العربية بوزارة المعارف، والشيخ مصطفى عبد الرازق، والأستاذ أحمد أمين من الجامعة المصرية، والشيخ إبراهيم حمروش شيخ كلية اللغة العربية، والشيخ أمين الخولي من الجامعة المصرية، والشيخ علي سرور الزنكلوني من كلية أصول الدين، والشيخ إبراهيم الجبالي من كلية أصول الدين، والشيخ محمود الغمراوي من كلية اللغة العربية، والشيخ محمود شلتوت من كلية الشريعة، والشيخ محمد أحمد العدوي من كلية أصول الدين أعضاء[5].

كما كتب الشيخ في عدد من المجلات المعروفة آنذاك، كمجلة الرسالة، ومجلة المقطم، وجريدة كوكب الشرق[6].

منهجه الإصلاحي:

لقد تأثر الشيخ العدوي بالمدرسة الإصلاحية، أو ما يعرف بالفكر النهضوي، والذي يمثله الشيخ جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا[7]، وظهر أثر ذلك في كتابه «دعوة الرسل»؛ فقد اعتنى في الكتاب بقضايا الاستعمار، والتأكيد عليها، وأكد على إصلاح الفساد الموجود في الدولة، وظهرت آثار هذه المدرسة في بعض آرائه العلمية كموقفه من الإسرائيليات، وبعض مسائل توحيد الألوهية بما لم يكن معروفًا لدى التيار الأزهري التقليدي وقتئذٍ، وبخاصة في مدحه للحركة التي قادها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وثنائه عليها، وتبني بعض مفرداتها.

وقد ذكر في تأبين الشيخ محمد رشيد رضا، أن الأفغاني هو موقظ الشرق، وأن حامل لوائه كان الشيخ محمد عبده، فقال ما نصّه: «أمَّا إحياؤه لذكرى موقظ الشرق (السيد جمال الدين) و(الأستاذ الإمام) فحدث عنها ولا حرج؛ فقد أحيا سيرتهما قولًا وكتابة وعملًا، وكان أظهر شيء فيه شغفه بتلك السيرة، حتى لا تكاد تجلس إليه مجلسًا بدون أن تسمع ذكرى للإمامين أو أحدهما، فإن المصلح هو الذي يعنى بسيرة المصلحين، فهو يعتبر بحق محيي سيرة المصلحين، ورافع لواء المجددين على أساس كتاب الله تعالى وسنة خاتم النبيين»[8].

وقال في نفس الموضع: «وقد كان أول من أيقظ الأفكار لذلك الإصلاح السيد جمال الدين الأفغاني، حينما وفد على مصر في أواخر القرن الثالث عشر للهجرة، واستفاد منه بعض شبان الأزهر، وتولى السعي لذلك لإصلاح مريده الأكبر وخليفته (الأستاذ الإمام)، وغرضه الأسمى تخريج نشء جديد من جميع الشعوب الإسلامية، جامع بين التقوى والأخلاق الفضلى، وبين العلم الاستقلالي المثمر؛ لترقية اللغة وإحياء علوم الدين، والتمكن من الدفاع عن الإسلام والدعوة إليه.

ثم جاء الأستاذ المراغي وأمضى في الأزهر خمسة عشر شهرًا، شيخًا له ورئيسًا لمجلسه الأعلى، فكان محطّ الرجاء ومعقد الآمال، ورجل الساعة، وقام في ذلك الوقت القصير بعمل الجبابرة، ثم شاء الله أن يدع الأزهر قبيل أن يتم الإصلاح الذي أراده، فاضطرب الحال، واختل أمر القائمين عليه من رجال الإدارة، وروعت العلماء بما لم يروع به قطاع الطريق، وساعد على ذلك السياسة الدكتاتورية، حتى أذن الله أن يعود للسفينة ربانها، وللإصلاح رجله، فعاد إلى الأزهر أستاذنا (المراغي) موفور الكرامة، وضّاء الجبين، ففتح لطلاب الإصلاح باب الأمل على مصراعيه.

أمَّا فقيدنا الراحل فقد كان خير نصيرٍ لكلّ أولئك المصلحين، كان نصيرًا للسيد جمال الدين، ونصيرًا للأستاذ الإمام، ونصيرًا أيُّ نصير للأستاذ المراغي، أبلى في سبيل هذه المناصرة بلاء حسنًا، وقام بأوفر نصيب في ذلك الجهاد».

وقد ذكر المؤلف الأفغاني في الكتاب، ووصفه بـ «حكيم الإسلام»، ونقل أقواله مستشهدًا بها.

محنته:

تعرض الشيخ -رحمه الله- للمحنة كما يتعرض أهل العلم، وكما ذكر هو في هذا الكتاب المبارك، وتمثلت هذه المحنة في منعه من التدريس بالأزهر، يقول الشيخ رشيد رضا في التعريف بأحد كتبه: «الأستاذ الفاضل، العالم العامل، الشيخ محمد أحمد العدوي، صاحب كتاب (مفتاح الخطابة والوعظ) ورسائل أخرى في هداية الكتاب والسنة، أحد علماء الأزهر الذين شرفهم الله باضطهاد العلماء الجامدين الخرافيين لهم، وبمنعهم من التدريس في الأزهر؛ لإيثارهم هدى الله على ما يخالفه من تقاليد المتفقهين، ونظريات المتكلمين، وخرافات القبوريين»[9].

زمنه ومعاصروه:

عاصر الشيخ العدوي فترة الاحتلال البريطاني لمصر، وظهر هذا في كتابه، وفي حديثه عن مقاومة المستعمر.

كما عاصر عددًا من الأعلام، ومن أشهرهم:

1- الأستاذ الشيخ محمد رشيد رضا، وقد أثنى عليه كما سيأتي، وعرف ببعض كتبه في مجلة المنار، وللشيخ العدوي خطبة منشورة بمجلة المنار في تأبين الشيخ رشيد رضا -رحمهم الله-.

2- الأستاذ الشيخ حسن البنا -رحمه الله-.

3- الأستاذ الشيخ محمد مصطفى المراغي -رحمه الله- شيخ الأزهر.

4- الشيخ عبد العزيز الخولي.

5- كما عاصر الشيخ المصلح عبد الحميد بن باديس، وذكره ابن باديس وأثنى عليه[10].

ثناء العلماء عليه:

أثنى عليه الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ عبد الحميد بن باديس، ومن أقوال الشيخ محمد رشيد رضا عنه:

1- «الأستاذ الفاضل، العالم العامل، الشيخ محمد أحمد العدوي، صاحب كتاب (مفتاح الخطابة والوعظ) ورسائل أخرى في هداية الكتاب والسنة، أحد علماء الأزهر الذين شرفهم الله باضطهاد العلماء الجامدين الخرافيين لهم، وبمنعهم من التدريس في الأزهر؛ لإيثارهم هدى الله على ما يخالفه من تقاليد المتفقهين، ونظريات المتكلمين، وخرافات القبوريين»[11].

2- وقال عنه: «صديقنا الأستاذ الشيخ محمد أحمد العدوي، أحد علماء الأزهر، المشتغلين بالسنة، ومدرسي القسم العالي فيه»[12].

مؤلفاته، وآثاره[13]:

للشيخ -رحمه الله- عددٌ من المؤلفات، وعامتها مطبوعة طبعات قديمة، وبعضها طبع حديثًا، ومنها -فيما وقفنا عليه-:

1- «آيات الله في الآفاق» أو «طريق القرآن الكريم في العقائد»؛ ورد ذكره في نهاية كتابه «دعوة الرسل إلى الله تعالى» ضمن ما للمؤلف من كتب.

يقول عنه الشيخ محمد رشيد رضا: «جمع في هذا الكتاب المتين من آيات كتاب الله تعالى في عقائد الدين في أبوابها من الإلهيات والنبوة والرسالة والبعث والجزاء، وقد فسّر هذه الآيات تفسيرًا وجيزًا بقدر الضرورة في الغالب، ومن غير الغالب إسهابه في حكم الله في أنواع خلقه»[14].

2- «أصول في البدع والسنن»، وهو عنوان الطبعة الثانية من كتاب «طريق الوصول إلى إبطال البدع بعلم الأصول» التي صدرت سنة (1353هـ = 1934م)، بعد أن أضاف إليه بعض الزيادات، وأصلح فيه بعض الأخطاء، واستدرك فيه على بعض الموضوعات، وقد طبع هذا الكتاب طبعات كثيرة في القاهرة وبيروت وغيرهما.

والكتاب دراسة وتلخيص لكتاب «الاعتصام» لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشاطبي، ولكتاب «المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات» لأبي عبد الله محمد بن محمد العبدري المالكي الفاسي ابن الحاج، مع إسقاطات على ما كان في عصر المؤلف.

3- «التوحيد» أو «العقائد الإسلامية» جاء في خاتمة هذه الرسالة: كان الفراغ من جمع هذه الرسالة صبيحة يوم الثلاثاء (22 جمادى الأولى سنة 1344 هجرية - الموافق 8 ديسمبر/ كانون الأول 1925) ميلادية.

4- «دعوة الرسل إلى الله تعالى»؛ وهو كتابنا.

5- «مفتاح الخطابة والوعظ».

يقول عنه الشيخ رشيد رضا: «كتاب في العقائد والعبادات والأخلاق والفضائل وآداب المعاملات الشرعية، صنفه صديقنا الأستاذ الشيخ محمد أحمد العدوي أحد علماء الأزهر المشتغلين بالسنة، ومدرسي القسم العالي فيه، للحكام وسائر الناس ووعاظ المساجد الرسميين؛ ليستعين به في وعظه وخطبه، ويكون خير مادة لغيره من خطباء المساجد وغيرهم من الواعظين، ومباحثه تدخل في بضعة عشر كتابًا: الإخلاص، العلم، العقائد، الأخلاق، الطهارة، الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج، المعاملات المدنية، النكاح، الجهاد، القضاء، والولايات، المنكرات الظاهرة، وختمها بالكلام في التوبة وما تنال به سعادة الدارين، ولم يسمه كتابًا.

وفي كل ّكتاب من هذه الكتب فصول فيما تشتد حاجة جميع المسلمين إلى العلم به؛ ومادتها كلها من الكتاب والسنة التي يحتج بها.

يبتدئ كلًّا منها بالآيات معدودة معزوة إلى سورها، ويقفي عليها بالأحاديث النبوية مقترنة بأسماء مسنديها إلى النبي -صـلى الله عليه وسلم-، معزوة إلى مخرجيها من كتب حفاظ السنة وجامعيها، لا يزيد على ذلك إلا تفسير بعض الألفاظ التي يحتاج الجمهور إلى تفسيرها في حواشي الكتاب.

عرض المؤلف كتابه هذا على وزارة الأوقاف لتقرر إرشاد خطباء المساجد التابعة لها ووعاظها على الاستعانة به على عملهم؛ فندبت لجنة من كبار علماء الأزهر لفحصه، ثم قررت (تحت رقم 1282 سنة 1341) : «إن هذا الكتاب صالح لأن يكون مادة يستعين بها الوعاظ والمدرسون في إلقاء مواعظهم ودروسهم»[15].

6- «الشرح الجديد على جوهر التوحيد»[16]، وهو شرح على جوهرة التوحيد أحد أهم متون المذهب الأشعري، وقد طبع بمطبعة الحلبي (1947)، وقد أشار في هذا الكتاب إلى كتابيه الآخرين: «العقائد الدينية» أو «كتاب التوحيد»، وإلى كتاب: «آيات الله في الآفاق».

وقد تعقب في هذا الشرح المؤلف والشارح، وقام بتخريج أحاديث هذا الكتاب محدّث من ديار نجد، وهو كما ذكر المؤلف الشيخ عبدالله بن يابس[17].

ثانيًا: التعريف بالكتاب:

عرَّف المؤلفُ بالكتاب جملة على غلافه فقال: «كتاب إصلاح ودين وخلق، يحتاج إليه الوعَّاظ ورجال السياسة والأخلاق، يتعزى به المصلح عما يناله من أذى، وما يوضع في سبيله من عقبات، ويجد فيه المؤمن ما يقوي يقينه، ويثبت فؤاده...».

وقد ألف هذا الكتاب بين عام (1935) و(1945)، يقول: «لذلك رأيتُ أن أضع كتابي هذا في سيرة الرسل، معوِّلًا على القرآن الكريم، وسميته: (دعوة الرسل إلى الله تعالى)، ولقد كنت صاحب فكرة دراسة هذا القسم من التاريخ في قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر، أيام المشيخة الأولى لأستاذنا المصلح (الشيخ المراغي)، ومن حسن المصادفة أني لم أضع مقدمة الكتاب إلَّا في عهد مشيخته الثانية، التي أرجو له فيها التوفيق والسداد، وأتمنى له ما يتمناه كلّ مسلم غيور»[18].

ولم يوضع الكتاب ليكون في قصص الأنبياء، وإنما هو كما سمّاه المؤلف «دعوة الرسل»، ولم يشمل الكتاب كلّ الرسل الذين ذكرهم الله في القرآن، وإنما اشتمل على قصص اثنا عشر رسولًا، وهم الذين لهم دعوة ذات شأن مع أقوامهم في القرآن الكريم؛ لأنَّ الغرض الاعتبار بسيرتهم، وإنَّما يكمل ذلك في رسول له دعوة طال فيها مع قومه الأخذ والردّ، وفيها من العظمة وعلوّ الشأن ما ينفع المصلح، أو من الآيات الخُلُقية والعبر ما يقوّي الإرادة، وينمي داعية الخير، فنبيُّ الله يوسف عرض لسيرته في الكتاب على الرغم من أنَّ دعوته في القرآن لا تتجاوز كلمات لصاحبيه في السجن؛ لأنَّ قصته مع الأخوة، ومع امرأة العزيز حافلة بالعظات والعبر، والرسل هم:

1- نوح عليه السلام.

2- هود عليه السلام.

3- صالح عليه السلام.

4- إبراهيم عليه السلام.

5- لوط عليه السلام.

6- يوسف عليه السلام.

7- شعيب عليه السلام.

8، 9- موسى عليه السلام.

10، 11- داود وسليمان عليهما السلام.

12- عيسى عليه السلام.

13- خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد أوفى المؤلف بالتعريف بكتابه، وبالنتائج التي توصل إليها بما لا نطيل بذكره؛ لنتركه للقارئ الكريم، فإنه أوردها في مقدمة كتابه.

ومن عادة المؤلف أن يبتدئ ذكر النبي بموضع ذكر قصته في القرآن الكريم في أول سورة يذكر فيها، ويضع في الحاشية شرح معاني الكلمات التي قد يستغربها بعض القراء، ثم يأتي على شرح هذه الآيات، واستنباط الفوائد والعظات والعبر منها.

وسوف أركز في هذا التعريف على بعض القضايا التي اهتم المؤلف بإبرازها في الكتاب:

1- الاهتمام بإبراز الغاية من القصص القرآني:

اهتمَّ المؤلف في كتابه ببث الهدف من القصص القرآني، ومنه: تثبيت القلوب، وبثّ الشجاعة فيها، وترسيخ القيم التي جاء بها الإسلام، كقوله: «نعم؛ إنَّ هذه آية من آيات الله في أنصار الحق، وعبرة من العبر، من آيات الله فيهم أن يزيل من قلوبهم هيبة الظالمين، وخشية المفسدين؛ لأنَّ قلوبهم امتلأت بالخشية من الله والخوف منه، ولأنَّهم واثقون بضعف كيد الشيطان، وأنصار الباطل، وقد أرانا الله -تعالى- أنَّ الباطل لَجْلَج، وأنَّ الحق واضح أَبْلَج، وأنَّ العاقبة لأوليائه، والخذلان لأعدائه، وقدوتنا الحسنة في ذلك أئمة الهدى، وهداة البشر، مَن اختارهم الله -تعالى- لقيادة الناس، وسعادة الإنسانية، فهم الذين يرسمون لنا طريق الدعوة، ويعرفوننا الاستهانة بالباطل، وإكبار الحق، ومن أجل ذلك كانوا أشجع الناس قلوبًا، وأوثقهم عقيدة، وأربطهم جأشًا، تضطرب الأرض ومن عليها بفساد المفسدين وهم لا يضطربون، وتضجّ من هول الجبابرة والمستكبرين، وهم على دينهم دائبون، وبدعوتهم معتصمون، وعلى ربهم متوكلون».

ومن عنايته بترسيخ القيم قوله: «ولو علم الأبناء ما تقاسيه الآباء في سبيل حرصهم على حياتهم= ما فكر ولد في عقوق والديه، وما تأفف منهما عند الكبر والضعف عن الكسب».

2- مقاومة الاحتلال (الاستعمار):

تكرَّر في الكتاب تشنيع المؤلف على الاستعمار، وذلك راجع للزمن الذي كان يعيش فيه، وكانت مصر وقتها تحت الاحتلال البريطاني، ولا تخطئ عين القارئ اهتمام المؤلف بهذه القضية والتأكيد عليها، ومن ذلك قوله: «وما أقرب ذلك الوصف الذي يصفُ به نبي الله هود قومه عادًا إلى غلاة المستعمرين ودول الحضارة اليوم، إذا سلطهم الله على شعب من الشعوب بطشوا به بطش الجبابرة، وأذاقوه العذاب ألوانًا؛ فيَتَّموا الأطفال، وسَبَوا النساء، وهتكوا الحرمات، ومزقوا المصاحف، وقتلوا الأبرياء، وهذه آثارهم في كلّ مكان تشيب الطفل، وتضج لها الإنسانية، ويفيض لها ماء الحياء».

وقوله: «ولكن المستعمرين في زماننا هذا أصبحوا يعمدون في بعض الظروف إلى أحطّ الأمة أخلاقًا، وأمعنها في الرذيلة وأبعدها عن الخلق الفاضل والحياء؛ يعمدون إلى ذلك الصنف من الأمة فيعطونه الحكم، ويمكِّنونه من السلطان والنفوذ، فلا يجمع معه من الوزراء إلَّا من فسد ضميره، وغاض منه معين الحياء، ولا همَّ له إلَّا دراهم يجمعها، وسلطة يتمتع بها، وفي سبيل تلك العظمة الكاذبة، وذلك النفوذ المستعار، يُعطي الغاصب بكلتا يديه، ويمكن له في الأرض، ويذهب بمصالح البلاد ومرافقها إلى هاوية الفساد والخراب، هذه وزارة الغاصب المستبد، وأحكام المستعمرين في الأرض بواسطة رجال من الأمة المغصوبة المهضومة، أساسها التعاون على الإثم والعدوان واضطهاد الأبرياء والتضييق على الأحرار، وتبديد أموال الدول في الشهوات والأهواء، وتخريبها من المصانع النافعة والعلوم المفيدة.

أمَّا وزارة الرسل، أما حكومة خِيرَة المصلحين في الأرض؛ فهي وزارة أساسها الحق ليثبت ويبقى، وعمادها التعاون على البرّ وكلّ ما يعود على الناس بالخير في دينهم ودنياهم، وشتان ما بين الوزارتين: وزارة الحق، ووزارة الباطل، أو وزارة حزب الله وجنده، ووزارة المستعمر وذَنَبه».

3- التأصيل لعلم القصة القرآنية:

للمؤلف اهتمام بالقصة القرآنية من جهة التأصيل كذلك، ومن كلامه في التأصيل للقصص القرآني: «ترى القصة الواحدة فيها الإجمال والبسط، والتقديم والتأخير، وفيها زيادات في بعض السور لم تكن في البعض الآخر، وكلها صحيحة، لا يتنافى إجمالها وتفصيلها، ولا يتناقض ما فيها من زيادات، بل يكمل بعضها بعضًا».

وقال في سياق معرفة المبهمات من الأسماء في القصص: «والعبرة لا تتوقف على معرفة الأسماء».

4- الاهتمام بالقضايا الملحة في عصره، كانتشار الأضرحة والقبور، ونحو ذلك:

ذكرنا تأثر المؤلف بحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية، ونقل المؤلف هذه المفاهيم إلى كتابه استنباطًا من القصص القرآني، وقد اهتمّ بإبراز هذا الجانب في كتابه، ومنه قوله: «وها هي بيوت الله اليوم، ومساجد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، كثير منها أنشئت على قبور للصالحين، وقباب للمشاهير منهم، ولا سيما المساجد التي أنشئت في عهد الفاطميين.

ها هي بيوت الله يطالبنا الله بتطهيرها من الرجس، وإبعادها من الشرك؛ لتكون عبادة الله فيها خالصة لوجهه، والتوجه إليها توجهًا إلى الله وحده، لا توجهًا إلى صاحب القبر، ولا استعانة به في شأن من شئون الحياة، فهل عَهْد الله إلى إبراهيم وإسماعيل بطهارة البيت الحرام خاص به، أو هو عام ينبغي أن يكون في كلّ مسجد من مساجد المسلمين، وكل معبد أعدوه لما تعد لمثله المساجد من صلاة ودعاء؟! إنَّ الأسوة الحسنة في إبراهيم وإسماعيل تقضي على المسلم أن يترسم خطاهما في كلّ عمل من أعمال الخير، ولا سيما عمل يتعلق بتوحيد الله في العبادة، وتطهير أماكن العبادة من الشرك وذرائع الشرك، وإذا كانت مساجد المسلمين التي بها قباب ومشاهد للصالحين قد خلت من الشرك الظاهر؛ فإنَّها لم تخلُ من الشرك الخفي وذرائع الشرك، وإن كنتَ في شكٍّ من ذلك؛ فاذهب إلى مسجد الحسين -رضي الله عنه-، أو مسجد الإمام الشافعي؛ فإنَّك ترى فيه ما لا يرضاه الله، ولا يرضاه صاحب القبر».

وقال: «وقد غفل كثير من الناس عن ذلك فوجهوا وجوههم شطر الصالحين، ويمَّموا الأضرحة والتوابيت، وأخذوا يستغيثون بأصحابها، ويستنصرون بهم في قضاء حوائجهم {ولا تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لا يَنفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ فَإن فَعَلْتَ فَإنَّكَ إذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ * وإن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ وإن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 106، 107]».

5- وينقل المؤلف كلام أهل العلم ممن تقدمه، ويذكر بعض القصص المعاصرة ليدلل على بعض القضايا التي يطرحها في الكتاب.

6- ويذكر المؤلف بعض القراءات القرآنية، وخاصة تلك التي لها تعلق بالمعنى.

7- وفي حديث المؤلف عن دعوة الرسول -صـلى الله عليه وسلم- أبرز المؤلف كليات الشرع ومقاصده من تشريع الأحكام إبرازًا حسنًا.

8- وقد شدّد المؤلف النكير على الإسرائيليات، وأنكر ما ليس بمنكر، وقد علقت على هذه المواضع بما يغني عن إعادته هنا.

9- كما نقل المؤلف كثيرًا عن المدرسة الإصلاحية، فنقل عن الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا.

10- امتاز أسلوب المؤلف في كتابه بحسن البيان، وسهولته ويسره، ولا يكاد المرء يملّ من قراءته، وذلك لحسن ترتيبه، وحسن قصد مؤلفه -كما نحسب- والله حسب الجميع.

تلك عشرة كاملة، وخير ما يتعرف به المرء على الكتاب أن يقرأه، وأن يعايش مؤلفه، وأن يستشعر حماسه من بين السطور.

أخيرًا: طبعات الكتاب:

1- طبع الكتاب بمطبعة مصطفى البابي الحلبي، وأولاده بمصر، وصارت هذه الطبعة في عداد النوادر، ولا يعثر عليها إلا بصعوبة، وتتوفر منه نسخة مصورة بالشبكة العالمية.

2- وأُعيد طبع الكتاب بعناية: عمرو الشرقاوي، وطبع بمركز تفكر للبحوث والدراسات، (2018).

والحمد لله رب العالمين


[1]ولتعلم أيها القارئ الكريم أن كتاب «قصص الأنبياء» للإمام ابن كثير هو جزء من كتابه الكبير المعروف «البداية والنهاية»، وإنما أفرده بعض العلماء، فظنه بعضهم كتابًا مستقلًّا لابن كثير، وهذا موجود بكثرة، ككتاب «أمثال القرآن» لابن القيم، فإنه جزء من كتابه «إعلام الموقعين»، في أمثلة أخرى.

[2]انظر لمزيد من الفوائد: التحرير والتنوير: (1/ 64)، المقدمة السابعة.

[3]البرهان في علوم القرآن: (2/ 169).

[4]كما ورد في تعريفه بمجلة المنار، انظر: مجلة المنار: (28/ 397)، (35/ 201).

[5]مجلة الرسالة، عدد: (175)، الصفحة: (67 - 68).

[6]المعارك الأدبية، لأنور الجندي: (346).

[7]انظر: الفكر العربي في عصر النهضة، ألبرت حوراني: (113 - 249).

[8]مجلة المنار: (35/ 201).

[9]مجلة المنار: (33/ 640).

[10]آثار ابن باديس: (3/ 104).

[11]مجلة المنار: (33/ 640).

[12]مجلة المنار: (28/ 397).

[13]استفدتُ في هذا التعريف بمؤلفاته من التعريف بالشيخ العدوي المنشور بموقع الألوكة، وزدتُ عليه بحمد الله تعالى.

[14] ونعمل على إعادة طبعه مرة أخرى بحول الله.

انظر: مجلة المنار: (33/ 640).

[15]مجلة المنار: (28/ 397).

[16]عرفني به الأخ الفاضل الأستاذ/ إسلام مصطفى.

[17]صاحب كتابي: «الرد القويم على ملحد القصيم»، و«إعلام الأنام بمخالفة شيخ الأزهر شلتوت للإسلام»، وقد أقام بمصر فترة طويلة ودرس بالأزهر.

انظر: الأعلام: (4/ 108).

[18]من مقدمة (دعوة الرسل): (ز).

الكاتب

عمرو الشرقاوي

باحث في التفسير وعلوم القرآن، شارك في عدد من الأعمال العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))