تفسير (الرّوح والريحان من رياض تفسير القرآن)، للشيخ العربي بن عمّار
تعريف بمؤلّفه، وبيان أبرز ملامحه
نسعى من خلال هذا المقال إلى التعريف بتفسير الشيخ العربي بن عمّار الذي سمّاه بـ(الرَّوْح والرّيحان من رياض تفسير القرآن)، والمؤلِّف شخصية عِلْميّة غير معروفة، ويُعَدّ تفسيره أهمّ إنتاجاته العِلْميّة، وسأعرض في هذا المقال لذِكْرِ أهمّ محطّات حياة المؤلِّف العلمية والعملية، ثمّ بيان الملامح العامّة لتفسيره.
أولًا: الشيخ العربي بن عمّار؛ حياته العلمية والعملية:
- نشأته:
هو الشيخ العربي بن أحمد بن العربي بن صالح بن عمّار، من فرقة أولاد عبيد، نزح جدّه الأوّل العربي من مدينة توزر إلى قرية سيدي عون الشرقية بوادي سوف (جنوب شرق الجزائر على الحدود مع تونس قرب نفطة)، في القرن الثامن عشر. وُلِدَ بتوزر يوم 22 جويلية 1926م. وقد نشأ الشيخ العربي بن عمّار في بيئة علمية عامرة بالعلم والعلماء، فقد توفّي أبوه وهو في الرابعة من عمره، وقد كانت أمّه محبّة للعلم والعلماء، فقامتْ بإرساله لزاوية سيدي المولدي بتوزر، حيث بدأ حفظ القرآن قبل أن ينتقل رفقتها إلى تونس العاصمة سنة 1934م، ويسكن بمقام زاوية سيدي أبي العظام بباب الجديد حيث ختم القرآن وحفظه كاملًا سنة 1941م، انخرط سنة 1938م في سلك تلاميذ جامع الزيتونة[1]، ودرس على يد نخبة من مشايخه تجاوَز عددهم -كما دوّن ذلك في مذكراته الشخصية- أربعةً وخمسين أستاذًا أخذَ عنهم عِدَّة علوم؛ كالحديث، والفقه، والتفسير، والقراءات، وعلوم اللغة العربية وآدابها.
- شيوخه وطلبه للعلم[2]:
من شيوخه في علم القراءات القرآنية: الشيخ المقرئ عبد السلام الفرشيشي، درس عنده بكُتّاب زاوية سيدي أبي العظام، أتمّ حفظ القرآن عليه سنة 1941م، ويعود له الفضل في توجيه الشيخ للدراسة بجامع الزيتونة سنة 1938م، والشيخ عبد السلام متحصّل على شهادة العالمية في العلوم والقراءات من جامع الزيتونة سنة 1944م، والشيخ العلّامة مصطفى المؤدب، درّسه كذلك مادة اللّغة، وقد وصفه تلميذه وزميل الشيخ في مرحلة العالمية الشيخ مصطفى السماوي بقوله: «...الشيخ محمد مصطفى المؤدب، وكان عالمًا بارزًا في اللغة، يتقن طريقة التدريس وطريقة تبليغ علوم اللغة إلى العقول»، والشيخ عبد العزيز الباوندي (ت: 1940م)، حضر له دروسه بجامع الحلق وجامع الزيتونة، والشيخ العربي متأثّر به، دائمًا ما كان يمدحه ويثني عليه، وذكر كذلك أنّه حضر حلقات دروسه بجامع الحلق في شرح جوهرة التوحيد، ومنهم أيضًا: الشيخ التيجاني زفزوف، والشيخ مسند القراءات مختار المؤدّب، والشيخ المقرئ العلّامة عليّ التريكي.
ومن شيوخه في التفسير: محمد الزغواني: درّسه تفسير البيضاوي، ويُعَدّ الشيخ قامة علمية في جامع الزيتونة وتونس، فهو من أئمة الحديث والتفسير والقراءات والفقه واللغة بالجامع الأعظم.
ومن شيوخه في الحديث والسيرة والشمائل والأخلاق: الشيخ محمد العربي القروي الذي درس عليه السيرة النبوية (له عدّة كتب، من بينها كتاب عنوانه: الذكرى الخالدة لسيِّد البشر محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم)، كما سمع من الشّيخ معاوية التميمي كتاب تخريج الدّلالات السّمعيّ، وأمّا كتاب الشمائل النبوية وكذلك كتاب الأربعين النووية فدرّسه له الشيخ حسن بن يوسف، ودرّسه الشيخ عليّ البوندي مادة الأخلاق والسلوك، ودرس صحيح مسلم بشرح النووي (كتاب المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجّاج)، على يد الشّيخ محمّد العزيز جعيط، ودرس بجامع الزيتونة عند الشيخ مصطفى القمودي الذي درّسه مادة مصطلح الحديث (له كتاب اسمه المنهج الحديث في مصطلح الحديث طبع بتونس سنة 1955م)، وأخذ الشّيخ كتاب مقدّمة ابن الصّلاح من الشيخ محمّد الزّغواني، وكذلك كتاب: ترتيبات الشّيخ البنّا لمسند الإمام أحمد بن حنبل، وكتاب: شرح القسطلاني على صحيح البخاري، وكذلك سمع منه كتاب: الشفاء للقاضي عياض بجامع الحجّامين (باب الجزيرة)، وفي الرقائق والأخلاق والآداب درس كتاب: أدب الدنيا والدين للماوردي على يد الشيخ محمد الشاذلي الجزيري (ت: 1948م).
وفي الخط العربي: درس على الشيخ محمد الصالح الخمّاسي.
وفي العقيدة وعلم الكلام: درس متن (جوهرة التّوحيد) بشرح الشيخ أحمد عيّاد المدرّس بالفرع المرادي، المدرسة المرادية يدرس فيها طلبة الجامع الأعظم السَّنة الأخيرة الرابعة من شهادة الأهلية، وهي السَّنة التي تحصّل فيها الشيخ العربي على شهادة الأهلية 15 جويلية 1941م. كما سمع كتاب العقائد النسفية من الشيخ محمد الصالح بن مراد. وكذلك درس العقيدة الأشعرية على الشيخ أحمد بن ميلاد (ت: 1970م) رحمه الله، بجامع الزيتونة.
وفي الفقه وأصوله: درس كتاب: المرشد لابن عاشر بشرح ميّارة -وهو شرح لمتن ابن عاشر من مقرّرات التعليم الزيتوني- في الفقه المالكي على الشيخين محمّد البجاوي وعليّ النيفر، ودرّسه الشيخ عليّ النيفر كذلك متن العاصمية بشرح التاودي، وأخذ كتاب (تنقيح الفصول في علم الأصول) بشرح القرافي، على الشّيخين محمد العربي الماجري (ت: 1981م)، وعبد السّلام التّونسي. ودرّسه الشيخ المفتي المالكي محمد العنابي (التاودي على الزقاقية). ودرّسه: شرح الحطّاب على ورقات الجويني الشّيخ الهادي العلّاني، كما درس شرح الدردير على مختصر خليل، ودرّسه هذا الكتابَ الشيخان أحمد المهدي بن الصادق النيفر (ت: 1987م)، والشّيخ محمّد النّاصر الصدّام، وكذلك سمعه من الشيخ العلّامة محمد الشاذلي بن القاضي. ودرّسه علم أصول الفقه الشيخ المختار البجاوي، وسمع كتاب (مختصر المنتهى الأصولي للإيجي بشرح العضد) من الشّيخ إبراهيم النّيفر، ودرّسه علم المقاصد (كتاب الموافقات للشاطبي) الشّيخ بلحسن النجّار. وأمّا مادة تاريخ التشريع الإسلامي فأخذها من الشّيخ محمّد الصّادق المحرزي.
وفي علم الفرائض والمواريث: درس هذا العلم على عدّة شيوخ في جامع الزيتونة، وهم: الشيخ محمد التّارزي، والشيخ محمود ساكيس الجربي (ت: 1988م)، والشيخ محمد المنصف المنستيري، ومحمد الصادق الشطّي سمع منه كتابه (الغُرّة في شرح فقه الدرّة)، وهو شرح لكتاب الدرّة البيضاء للعلّامة الجزائري عبد الرحمن الأخضري.
وفي علم المنطق: مصطفى زمزم (درّسه كتاب السُّلَّم المنورق في علم المنطق للعلّامة الجزائري عبد الرحمن الأخضري).
وفي علم الفلك: درّسه هذه المادّة الأستاذ الفلكي محمّد المطيبع.
وفي علم الهندسة والجغرافيا: عبد الرحمن النّوري بن حسن.
وفي علم التاريخ: درس على عدد من الشيوخ، منهم: الشيخ محمد الفاضل بن عاشور (ت: 1970م) درّسه مقدّمة ابن خلدون، والشيخ محمد الصالح النيفر (درّسه مادة التاريخ الإسلامي)، والشيخ الطيب القرداح (تاريخ تونس).
وفي اللغة وعلومها: درس على مصطفى زمزم كتاب (جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع) لمؤلفه: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت: 1362هـ)، ودرس (شرح قطر الندى) على الشيخ المختار البجاوي، ودرس على الشيخ العلّامة محمد الشاذلي بن القاضي كتاب (تهذيب التوضيح في النحو والصرف للمراغي)، وعلى الشيخ الحطّاب بوشناق (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) لابن هشام، ودرس على الشيخ المقرئ العلّامة عليّ التريكي (شرح الأجرومية)، ودرس مادة الصرف على الشيخ محمد الطويبي، ودرَّسه الشيخ محمد الشاذلي النيفر كتاب (المطوّل) لسعد الدين التفتازاني.
وفي مادة إملاءات أدبية (أدب): سمع الشيخ كتاب (الإنشاء) من الشيخ محمد الصالح النيفر، والشيخ محمّد بوشربية، والشيخ عليّ بن مراد.
وفي علم النّفس والتّربية: درس على الشّيخ أحمد المختار الوزير.
وقد كان الشيخ العربي يحضر مجالس التفسير والعلوم التي تقام بالخلدونية وبجامع الزيتونة رفقة عدد من زملائه في الدراسة؛ مثل الشاعر والأديب الحبيب شيبوب (ت: 2007م)، والشاعر الأديب حسين سفطة، وعبد الرزّاق العموري، والجزائري أبو القاسم الجبالي، والمقرئ الشيخ عثمان العيّاري (ت: 1998م)، والشيخ محمد مختار السلّامي، والجزائري محمّد الرايس المسعدي (من ولاية الجلفة ت: 1968م)، والمربّي مصطفى زغدود، والشيخ محمد المنصف جعيط، والشيخ محمود بيرم والبشير العريبي وغيرهم... وهذه المجالس كان يقيمها ثلّة من كبار مشايخ ومدرّسي الجامع الأعظم في مختلف العلوم والفنون؛ مثل مجلس التفسير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور، ومجلس القراءات والذي يضمّ ثلّة من أعلام تونس في هذا الاختصاص؛ مثل عبد الجواد البنغازي، والشيخ عبد الواحد المارغني، والمختار المؤدّب، وعليّ التريكي، وحمودة بن يحيى، وكذلك دروس الشيخ محمد العربي الكبّادي (الأدب)، والشيخ عمر العدّاسي (الفقه)، والشيخ الطيب التليلي (ت: 1989م)، والشيخ محمد بن الأمين (ولقبه الحمزاوي حسب الشيخ العربي بن عمّار)، والشيخ الحطّاب بوشناق (له مجلس في علم اللغة يشرح فيه القاموس المحيط)، والطاهر القصّار (الأدب والشعر العربي)، والطاهر بن عبد السلام (الفقه المالكي)، ومحمد المختار بن محمود (ت: 1973م)، ومحمد الأخوة (ت: 1994م)، ومحمد بن الزنايقية، والشاذلي بن ضيف، ومصطفى بن جعفر، وعمر الشريف، ومحمّد الطاهر النيفر، والهادي هويسة، وأحمد شلبي (ت: 1993م)، ومحمّد الدامرجي (ت: 1947م)، وغيرهم.
- التحصيل العلمي للشيخ العربي بن عمّار:
تحصّل الشيخ العربي على شهادة التحصيل يوم التاسع والعشرين من شهر رجب سنة ألف وثلاثمائة وأربع وستين (1364هـ)، الموافق للعاشر من شهر جويلية (يوليو) سنة خمس وأربعين وتسعمائة وألف (1945م)، وترأّس لجنة الامتحان شيخ الجامع الأعظم آنذاك محمّد الطاهر بن عاشور، (وذلك بعد مواظبته على الدّراسة لمدة ثماني سنوات متتالية، تخلّلها انقطاع لمدّة سنة واحدة وهي 1942م؛ وذلك بسبب الحرب العالمية والصراع بين قوات المحور والحلفاء والذي وصل مداه للعاصمة تونس)، وقد تزوّج الشيخ العربي وهو لا يزال في مقاعد الدراسة في مرحلة التحصيل سنة 1944م بالسيدة عبيد شويخة، وهي ابنة قريبه أحمد بن حمي بن عمّار (من واد سوف الجزائر)، والتي أنجبت له ستّة أبناء، وهم: محمّد نجيب وسعاد... وسكن بمدينة باردو. وبعد حصوله على شهادة التحصيل، وهي بمثابة ختم الدروس الثانوية، تحصّل على شهادة العالميّة من القسم الشّرعي في العلوم سنة 1952م، (انقطع عن الدراسة لمدّة أربع سنوات من سنة 1947- 1951)؛ وذلك لرجوعه لبلدته سيدي عون (ولاية وادي سوف الجزائرية قريبة من الحدود التونسية).
- حياته العملية (وظائفه):
التدريس بمدرسة السويهلة سيدي عون (واد سوف):
بعد حصوله على شهادة التحصيل قرّر الشيخ العربي مواصلة دراسته بالجامع الأعظم للحصول على شهادة العالمية (الإجازة)، وهي أعلى شهادة تسند في ذلك الوقت لطلبة التعليم الزيتوني، ولكنّه انقطع سنة 1947م أَيْ قبل سنة واحدة من الحصول على الشهادة، وعاد لبلدته سيدي عون رفقة زميله في الدراسة بلقاسم (أبو القاسم) الجبالي بطلبٍ من الأخير لغاية نبيلة وهي تعليم الناشئة في قريته ومحاربة الأميّة المتفشية فيها. وقد درس على يديه أبناء قريته شرح جوهرة التوحيد (له مخطوط بمنزله اسمه القول السديد شرح جوهرة التوحيد ذكرته في قائمة مؤلّفاته)، ونذكر منهم: مكّاوي إبراهيم بن عمارة، والعربي القدوري (أو بقدور)، والهادي بن موسى، وبحري العلمي، وأحمد جبالي، والبشير حنافي، وأحمد بن إبراهيم العايب (وكلّهم من مواليد سنة 1935م).
التدريس بجامع الزيتونة:
وبعد حصوله على شهادة العالمية تولّى تدريس بعض أبناء البايات لمدّة أربع سنوات، وانخرط سنة 1955م في سلك أساتذة جامع الزيتونة، وكان من زملائه في التدريس الشيخ محمد المختار السلّامي، والبشير العريبي، ومحمود شرشور، ومحمود بيرم، ومحمد المنصف جعيط، وفي السَّنة نفسها انضمّ للحزب الدستوري الحرّ التونسي شعبة الدويرات باب سويقة.
التدريس بالمدارس الابتدائية (معلِّم):
عمل بعد الاستقلال مدرّسًا بالمدارس الابتدائية إلى غاية سنة 1987م، تاريخ إحالته على شرف المهنة (أي بعد 22 سنة من مباشرته للمهنة بمدرسة الحلفاوين تونس العاصمة)، وقد تميّز الشيخ العربي بِرُؤَاه الإصلاحية في مجال التربية والتعليم خاصّة، وكان من المناهضين للاحتلال الفرنسي وللطرق الصوفية المتعاونة معه، ممّا جعله محلّ مضايقات من قِبل سلطات الاحتلال.
- جهوده العلمية (مؤلّفاته):
إِثْر إحالته على شرف المهنة سنة 1987م تفرّغ للكتابة والتأليف في شتّى العلوم، وخاصة علوم اللغة وعلوم القرآن والعقيدة، وهي في أغلبها مخطوطة، وعددها خمسة لم تنشر (تحقّق) بعدُ، ويحتفظ بجلّها في منزله بباردو، مثل:
- مخطوط (القول الملهم في توضيح ما في القرآن من المبهم).
- مخطوط (القول السديد في التعليق على جوهرة التوحيد).
- مخطوط (تفسير جزء عمّ) وهو في مجلّد كبير.
- مخطوط تفسير بالمكتبة الوطنية التونسية، وهو الذي سيكون محور بحثنا في القسم الثاني، وعنوانه: (الرّوح والريحان من رياض تفسير القرآن).
- مخطوط (تنوير الأفكار بتحقيق أُولي الأبصار).
وللشيخ العربي كذلك كتب منشورة وعددها ثلاثة، وهي في الشعر والأدب والتراجم:
- ديوان شعر (السراج الوهّاج وتشطير البردة والمنهاج وملحقات أخرى)، (نشر الشركة التونسية للنشر وفنون الرّسم، سنة 2004م).
- ديوان شعر (بلّ الصدى)، (نشر الشركة التونسية للنشر وفنون الرّسم، سنة 2002م).
- كتاب في التراجم والتعريفات، وعنوانه: (تراجم المبدعين من علماء المسلمين)، (نشر الدار العربية للموسوعات، بيروت، لبنان، سنة 2007م).
- وفاته:
بعد سنوات طويلة من البذل العطاء وتربية الأجيال والناشئة والتصنيف في شتّى مجالات العلوم، خاصّة الأدب والشِّعْر، توفي الشيخ العربي بتونس العاصمة سنة 2019م، عن سِنّ واحد وتسعين عامًا، فنسأل اللهَ له الرحمة والغُفران وأعالي الجنان، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ثانيًا: الملامح العامّة لتفسير الشيخ العربي بن عمّار (الرّوح والريحان من رياض تفسير القرآن):
يُعَدّ تفسير القرآن المسمَّى (الرَّوْحُ والرَّيحان من رِياضِ تفسير القرآن)، من أهمّ مؤلّفات الشيخ العربي بن عمّار، ويمتدّ على ثمانية مجلّدات (حرّره بين سنة 1982 و1997م)، وقد اطّلَعت على المخطوط بالمكتبة الوطنية بتونس وهو مكتوب باليد. وتتميّز النسخة الموجودة بالمكتبة الوطنية بوضوح الخطّ، وكذلك بهوامش وضَعها الشيخ أثناء كتابته لتفسيره، وقد أسند الأقوال وأحالها لأصحابها كالأحاديث وآثار الصحابة وأقوال التابعين والأئمة المجتهدين مع ذكر مصادر النقول الجزء والصفحة، وهو ما يسهّل عمل الباحثين المشتغلين على مدوّنته التفسيرية.
- طريقته في تفسيره:
قارنتُ تفسير الشيخ العربي بتفسير شيخه ابن عاشور (التحرير والتنوير)، فوجدته مشابهًا له، ويتميّز كذلك هذا المؤلّف بانتقائه للأحاديث الصحيحة وترك الاستشهاد بسقيمها (ضعيفها)، ويبدو في هذا الجانب متأثّرًا بدعاة الإصلاح في عصره؛ مثل حسين الذهبي، والمراغي، ومحمّد رشيد رضا، وغيرهم، حيث يقول في هذا السّياق مبيّنًا منهجَهُ في التفسير وطريقتَهُ في فهْمِ الآيات وبيان معانيها: «شرعتُ في كتابة التّفسير المسمَّى (الرَّوحُ والرّيحان من رياضِ تفسير القرآن)، وذلك في أوائلِ شهر أوت من سنة 1982م، إلى أن أتممتُهُ في يوم 20 من شهرِ جويلية سنة 1997م، وهو يشتملُ على 4250 صفحة في ثمانية مجلّدات من القطع الكبير، وشِعارُهُ التفتُّح والتَّسامح والاعتدال والتّضامُن، وقد خالفتُ فيه الجُمهورَ في بعض المَسائِلِ الفقهيةِ لِضعْفِ أدلَّتِهِم فيها وعدمِ تمشِّيهِم مع العصْرِ»[3]. كما لاحظتُ تمكُّن صاحب التفسير من المدوّنة الشعرية العربية وعلوم اللّغة والبيان، حيث استهلّ تفسيره بمقدّمة شِعْرية ذكر فيها سبب تأليفه لتفسيره[4]، قال فيها:
ومضى العُمر بي لسادِس عقْد ** وتخلّصتُ من وظيفي الدؤُوبِ
فتبدَّت هِوايةُ العُمْرِ نَشْوى ** بانعِتاقِي لِكيْ ترى مرْغُوبي
كيْ ترى ما بِه حلَمتُ زَمانًا ** خُطَّ سِفْرًا يهدِي بدونِ لُغُوبِ
صُغتُ تفسيري الوسيط مُصفًّى ** من هُراءَاتِ آفِنٍ وكَذُوبِ
ما بِهِ مِنْ تعصُّبٍ لِفريقٍ ** أو به من تزمُّتٍ ونُكُوبِ
ضَمَّ مِن أَعْظمِ التفاسير شأْنًا ** وبِما جدَّ حاز كُلَّ نَجِيبِ
وإذا ما ارتأَيْتُ أُدْلِي بِرأْيِي ** لاقتناءِ المفَضَّلِ المَرْتُوبِ
دُونَكُم (رَوْحِيَ) المُرِيحَ تجُوزوا ** كُلَّ ما تشْتَهُونَ دُونَ عُيُوبِ
وهذا أمر فطري عنده فهو شاعر مخضرم فله ديوان اسمه: (السراج الوهّاج على تشطيرة البردة والمنهاج)، وهو مطبوع يشتمل على 340 بيتًا[5].
- المصادر التي اعتمدها في تفسيره:
يمكن تصنيف المصادر والمراجع التي اعتمدها الشيخ العربي بن عمّار واستفاد منها في تفسيره على النحو الآتي:
- كتب علوم القرآن والتفسير:
ذكر الشيخ العربي في مقدّمة المصادر التي اعتمدها في تفسيره: تفسير شيخه محمّد الطاهر بن عاشور (الأستاذ الإمام كما لقّبه)، وكذلك تفسير مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي، وتفسير البيضاوي، وتفسير الكشّاف للزمخشري، وتفسير القرطبي، وتفسير المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي، وتفسير الإمام محمد بن جرير الطبري، وتفسير ابن كثير، وتفسير في ظلال القرآن لسيد قطب، وتفسير المراغي، واعتمد كذلك تفاسير الطائفة الشيعية الإمامية الاثني عشرية؛ مثل تفسير حجّة الإسلام عبد اللّه شبّر (كما سمّاه في تفسيره)، والتفسير الكاشف للأستاذ محمّد جواد مغنية، كما اعتمد كثيرًا على ثلاثة كتب تشترك في اسم الكتاب وهو أحكام القرآن (مؤلّفو هذه الكتب، هم: أبو بكر بن العربي المالكي، والجصّاص الحنفي، وابن الفرس الأندلسي)، واستفاد كذلك من كتب السيوطي (الإتقان في علوم القرآن والإكليل في استنباط التنزيل)، إلى غير ذلك من المراجع المعاصرة في الدراسات القرآنية؛ مثل كتابين للدكتور مصطفى محمود (الأول: من أسرار القرآن، والثاني: محاولة فهم عصري للقرآن الكريم)، وكتاب الإعجاز العلمي في القرآن لمحمد الأرناؤوط، وكتاب الإعجاز الطبي في القرآن للسيّد الجميلي، وكتاب القرآن والعلم الحديث لعبد الرزّاق نوفل.
- كتب الحديث والسيرة النبوية:
اعتمد الشيخ العربي على كتب الحديث المشهورة؛ مثل: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وكتب السنن خاصة الدارمي، والدارقطني، والنسائي، والترمذي، وأبي داود، وابن ماجه القزويني، والبيهقي (له عدّة كتب اعتمدها؛ السنن الصغرى والكبرى وشعب الإيمان)، وكذلك كتاب موطأ مالك، ومسند أحمد بن حنبل، وكذلك مسند البزار، ومسند الحميدي، والمعجم الصغير والأوسط والكبير للطبراني... واستفاد من مصنّفات علم السيرة النبوية؛ ذكر منها كتاب السيرة النبوية لابن إسحاق، وسيرة ابن هشام، والسيرة النبوية لابن سيد النّاس (اسم كتابه: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسِّيَر)، وكتاب فقه السيرة لمحمّد الغزالي.
- كتب اللّغة وعلومها:
اعتمد المفسّر عدّة مصادر ومراجِع مهمّة في علوم اللغة، مثل القواميس والمعاجم اللغوية؛ مثل لسان العرب لابن منظور، والصحاح للجوهري، ومقاييس اللغة لابن فارس، واعتمد كذلك شرح الأشموني على ألفيّة ابن مالك في النحو والصرف، وجواهر اللّغة للسيّد أحمد الهاشمي (الكتابان درسهما بجامع الزيتونة خلال مرحلة التحصيل)، وكتاب مجاني الأدب الحديث لأفرام البستاني، وفقه اللّغة للثعالبي، وإملاء ما مَنَّ به الرحمن (إعراب وقراءات)، لأبي البقاء العكبري.
- كتب العقائد والأديان:
نذكر من هذه الكتب التي اعتمدها:
- بغية الطالبين من إحياء علوم الدين، للشيخ أحمد محمّد عسّاف.
- الرسالة القشيرية في التصوف، لعبد الكريم القشيري.
- محاضرات في تاريخ المذاهب والأديان، للزعيم عبد العزيز الثعالبي.
- الشرك ومظاهره، للشيخ مبارك الميلي.
- مع الله في السماء، للدكتور أحمد زكي.
- الصلاة في الأديان الثلاثة، لأحمد التوهامي بوطبّة.
- كتاب شيعي عنوانه: الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، لأحمد الأميني النّجفي.
- كتب الفقه وعلومه:
الكتب الفقهية التي اعتمد عليها الشيخ العربي كثيرة، وأغلبها في اختصاص الفقه الإسلامي المقارن، من أهمّها:
- مقدّمة ابن رشد (في مسائل الخلاف).
- الفقه على المذاهب الخمسة، لمحمد جواد مغنية (مؤلّف شيعي).
- سبل السلام، للصنعاني.
- رحمة الأُمّة في اختلاف الأئمة، لمحمد بن عبد الرحمن بن الحسين الدمشقي العثماني الشافعي (ت: 780هـ).
كما استفاد أيضًا من كتب أحكام القرآن وترجيحات مؤلّفيها واختياراتهم الفقهية وخاصة (ذكرت الكتب المتعلقة بأحكام القرآن في قائمة كتب علوم القرآن والتفسير) كتاب أحكام القرآن لابن العربي المالكي، وكتاب أحكام القرآن لابن الفرس الأندلسي المالكي، وكتاب أحكام القرآن للجصّاص الحنفي.
- كتب التاريخ:
ذكر الشيخ العربي عدّة مصنّفات (كتب) في علم التاريخ استفاد منها، وأهمّها:
- مقدّمة ابن خلدون (في فلسفة العمران ونشوء الحضارة).
- تاريخ العرب، لمحمد سعد أطلس.
- تاريخ العرب قبل الإسلام، لجورجي زيدان.
- كتب في علوم مختلفة (متفرّقات):
تنوّعت المراجع التي استفاد منها صاحب تفسير (الرّوح والرّيحان)، فمنها كتب الفلسفة؛ مثل كتاب الفلسفة العربية لجميل صليبا، ومنها المتعلّقة بقضايا المرأة والنسوية؛ مثل كتاب تطور المرأة عبر العصور لباسمة كيّالي، وكتاب تحرير المرأة لقاسم أمين، وكتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع للطاهر الحدّاد. كما اعتمد الشيخ العربي في تفسيره للآيات التي تتضمّن إشارات كونية وعلمية (تتعلّق بالأرض والمجرّات وتكوين الإنسان وأصل خلقه)، عدّة كتب منها كتاب للّه العلم للباحث الدكتور البشير التركي، وكتاب القرآن وعلم الفلك للأستاذ أحمد جبالية.
- ملامح تفسيره ومميزاته:
يغلب على تفسير الشيخ العربي بن عمّار المنهج الأثري فهو يكثر من الاستشهاد بالقرآن والحديث والشِّعر والأمثال العربية، كما يتّسم بأسلوبه العلمي وتوثيق المصادر والمراجع التي اعتمد عليها في مؤلّفاته تحقيقًا للأمانة العلمية. اعتمد المؤلّف في تفسيره منهجية موحّدة في جميع الأجزاء التي تضمّمنها مجلّدات تفسيره للقرآن، وذلك باعتماد الخطوات الآتية: الألفاظ - النحو والقراءات – البلاغة – المعاني - حاصل المعنى - أحكام واستنباطات. كما اختار الآيات التي تحمل نفس المعنى عنوانًا مناسبًا لها، فمثلًا الآيات 41- 44 من سورة الأنفال اختار لها عنوانًا: كيف نقسّم الغنائم؟ وعنون كذلك آيات سورة الفاتحة بـ(الثناء على الله وطلب الهداية). وقد لاحظت أنّه يبتدئ كلّ سورة بمقدّمة يبيّن فيها العناصر الآتية: تسميتها - سبب التسمية - مضمون السورة، وهو يشبه في هذا الجانب تفسير شيخه محمد الطاهر بن عاشور (التحرير والتنوير).
ويتميّز تفسير الشيخ العربي بن عمّار بعدّة خصائص وأُسُس قام عليها تفسيره، وعددها ستّة، وهي كالآتي:
- كثرة اعتماده على تفسير القرآن بالحديث وأقوال الصحابة والتابعين: وهذا يظهر خاصة في سياق مقدّمات السور القرآنية يستدلّ بها على سبب نزول السورة والآية أو مجموعة من الآيات ويبيّن بذلك إِنْ كانت مكية أو مدنية، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ مثل استشهاده بقول ابن عبّاس في مدنية سورة النّساء الذي قال: «أوّل ما نزل بالمدينة سورة البقرة، ثمّ آل عمران، ثمّ سورة الأحزاب، ثمّ الممتحنة، ثمّ النساء. ونزولها كان في حدود سنة سبع للهجرة، وطالت مدّة نزولها»[6]. وكذلك نَقْله عن ابن عمر رأيه في سورة الأنعام، حيث قال: «تضافرت الروايات أنّ سورة الأنعام نزلت جملة واحدة، فقد روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (نزلت عليّ سورة الأنعام جملة واحدة شيّعها سبعون ألفًا من الملائكة لهم زجل بالتّسبيح والتّحميد)»[7]. وكذلك يكثر من الاستشهاد بالأحاديث النبوية في فضائل السور والآيات القرآنية، حيث قال عند بيانه لفضل سورة الفاتحة: «وفي فضلها روى البخاري[8] أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال لابن المعلّى: (لأعلِّمَنَّك سورة هي أعظم السور في القرآن: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)»[9]. وكذلك نجده يكثر من استشهاده بالحديث عند ذكره لفضائل آية الكرسي، حيث ذكر ثلاثة أحاديث في فضلها[10].
كذلك نجده يستشهد بأقوال التابعين، ومثاله ما ذكره عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَدْعُوا رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾ [الجنّ: 20]، قال: «قال مقاتل: إنّ كفّار مكّة قالوا للنبي -صلّى الله عليه وسلّم-: إنّك جئت بأمر عظيم، وقد عاديت النّاس كلّهم فارجع عن هذا، فأنزل الله: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَدْعُوا رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾»[11].
- تَرْكه الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة:
أَلْزَمَ الشيخ العربي نفسَه بتنقية تفسيره من الأحاديث الضعيفة، حيث قال في مقدّمة تفسيره:
صُغتُ تفسيري الوسيط مُصفًّى ** من هُراءَاتِ آفِنٍ وكَذُوبِ[12]
- انتصاره لعقيدة السلف في مسائل الأسماء والصفات (العقيدة):
ومثال ذلك عند تفسيره للآية الرابعة من سورة طه حيث قال: «فائدة: سُئِل مالك -رحمه الله- وهو من السلف عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 4]، كيف استوى؟ فقال: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلّا ضالًّا، فأخرجوه عنّي»[13].وهذا ما يبيّن تبنّيه لقول السّلف في هذه المسألة وغيرها من آيات الصفات، وهذا ليس موقف مالك وحده، بل هو رأي جملة من الصحابة والتابعين والعلماء.
- تسامحه مع المذاهب الأخرى (خاصّة المعتزلة والشيعة):
ويظهر ذلك في الاستشهاد من كتبهم[14]، والانتصار لآرائهم في بعص المواضع من تفسيره لرأيهم، فهو يأخذ برأي أبي مسلم الأصفهاني المنكِر للنسخ في القرآن، حيث قال: «قال الجمهور بوقوع النّسخ في القرآن، وقال أبو مسلم محمّد بن بحر الأصفهاني[15] بعدم وقوعه، ويرى أنّ كلّ ما يسمَّى نسخًا إنّما هو تخصيص لعموم الحكم، أو بيان لتوقيته وليس في القرآن نصٌّ على حكمٍ نزل نصٌّ آخر برفعه. وهذا هو الصحيح الذي ذهب إليه كثير من محقِّقي العلماء»[16].
- كثرة اعتماده على علوم اللغة (الشِّعْر خاصة):
يهتمّ الشيخ العربي بهذا الجانب، حيث كان يقسّم السورة إلى وحدات موضوعية ويخصّص جانبًا (عنصرًا) مهمًّا يعنونه بـ«الألفاظ- النحو والقراءات- البلاغة- المعاني...»[17]، ويظهر ذلك أيضًا في كثرة استشهاده بالشِّعْر، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولا أدلّ على ذلك من كتابته لمقدّمة تفسيره شعرًا، حيث قال[18]:
ومضى العُمر بي لسادِس عقْد ** وتخلّصتُ من وظيفي الدؤُوبِ
فتبدَّت هِوايةُ العُمْرِ نَشْوى ** بانعِتاقِي لِكيْ ترى مرْغُوبي
كيْ ترى ما بِه حلَمتُ زَمانًا ** خُطَّ سِفْرًا يهدِي بدونِ لُغُوبِ
صُغتُ تفسيري الوسيط مُصفًّى ** من هُراءَاتِ آفِنٍ وكَذُوبِ
ما بِهِ مِنْ تعصُّبٍ لِفريقٍ ** أو به من تزمُّتٍ ونُكُوبِ
ضمَّ مِن أَعْظمِ التفاسير شأْنًا ** وبِما جدَّ حاز كُلَّ نَجِيبِ
وإذا ما ارتأَيْتُ أُدْلِي بِرأْيِي ** لاقتناءِ المفَضَّلِ المَرْتُوبِ
دُونَكُم (رَوْحِيَ) المُرِيحَ تجُوزوا ** كُلَّ ما تشْتَهُونَ دُونَ عُيُوبِ
ونجده كذلك يكثر من استعراض مدوّنته الشِّعرية في عدّة مواضع من تفسيره، مثال ما ذكره من مدح لفضائل سورة الفاتحة وثناء عليها، حيث قال:
أمان الله تسلك كلّ عبد ** بسورتها عداد الآمنينا
وأحرفها ستدفع عنك يومًا ** زبانية العذاب ولن تلينا
وخُطّت في جوازك بعد عرض ** تجوز بها الصراط لعليّينا
وباسم الله تفتح كلّ باب ** تروم وراءه دنيا ودينا
فواظِبْ ما استطعتَ أخي عليها ** ترى بالعين سرّ الذاكرينا[19]
- مخالفته للمذهب المالكي وإجماع الأمّة في عدّة مسائل:
وهذا ما صرّح به الشيخ في مقدّمة تفسيره، حيث قال الشيخ العربي بن عمّار في هذا السّياق: «شرعتُ في كتابة التّفسير المسمَّى (الرَّوحُ والرّيحان من رياضِ تفسيرِ القرآنِ)، وذلك في أوائلِ شهر أوت من سنة 1982م، إلى أن أتممتُهُ في يوم 20 من شهرِ جويلية سنة 1997م، وهو يشتملُ على 4250 صفحة في ثمانية مجلّدات من القطع الكبير، وشِعارُهُ التفتُّح والتَّسامح والاعتدال والتّضامُن، وقد خالفتُ فيه الجُمهورَ في بعض المَسائِلِ الفقهيةِ لِضُعْفِ أدلَّتِهِم فيها وعدمِ تمشِّيهِم مع العَصْرِ»[20].
والمسائل التي خالف فيها مذهب المالكي وإجماع العلماء ذكرها ضمن قائمة في تفسيره عنونها بـ«بعض المسائل التي خُولف فيها الجمهور لضعف أدلّتهم»[21]. ونذكر من هذه المسائل ضمن فقه العبادات مثلًا أحكام الطهارة والصلاة: الرِّجْلان فرضهما المسح وأمّا غسلهما فهو سنّة، وقوله بجواز مسّ المصحف للجنب، وقوله بجواز إقامة صلاة الجنازة دون وضوء ولا تيمّم، وأمّا في ما يتعلّق بفقه المعاملات: فإنّه يجيز أخذ فوائد الادّخار في البريد أو البنوك ويذهب إلى عدم اعتبار تلك الأموال رِبًا، حيث قال: «لا ربا في الإسلام إلّا ربا الجاهلية، وهو السلف بزيادة». ويختتم كلامه بعد استعراضه للمسائل التي خالف فيها جمهور العلماء والفقهاء (عددها 32 مسألة) بقوله: «أمّا أدلّة هذه المسائل فهي مبثوثة في أثناء التفسير البالغ ثمانية مجلّدات في أربعة آلاف صفحة بخطّ اليد»[22].
خاتمة:
عرضتُ في هذا المقال للتعريف بتفسير: (الرّوح والريحان من رياض تفسير القرآن)، للشيخ العربي بن عمار، فعرَّفتُ أوّلًا بمؤلِّفه، وذكرت أبرز ملامح سيرته العلمية والعملية، ثم عرَّفتُ بأبرز ملامح تفسيره، والتي اشتملت على التعريف بأهمّ مصادره، وأبرز الخصائص التي يلحظها المطالع لهذا التفسير.
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] قال الشيخ العربي في هذا السياق: «وفي سنة 1938م التحقتُ بجامع الزيتونة المعمور، إلى أن تحصّلتُ على شهادة الأهلية (1941م)، وشهادة التحصيل (1945م)، وشهادة العالمية في الآداب (1952م)». الروح والريحان من رياض تفسير القرآن، العربي بن عمار (1/ د. ص).
[2] استفدتُ من عدّة مراجع ومصادر مكّنتني من معرفة الشيوخ الذين درّسوا الشيخ العربي بن عمّار بجامع الزيتونة أو بغيره من المساجد؛ مثل جامع الحلق، وكُتّاب زاوية سيدي أبي العظام بباب الجديد، وجامع الحجّامين الكائن بنهج الرابطة بربض باب الجزيرة، والجامع الجديد (نهج الصبّاغين باب الجديد تونس)، والمدرسة القاسمية، وهذه المصادر كالآتي:
تفسير الروح والريحان، للشيخ العربي بن عمّار (1/ د. ص)، سيرة زملائه في الدراسة البشير العريبي وسيرة (زميل الشيخ العربي في الدراسة والتحصيل)، الشيخ محمّد المنصف جعيّط، لأبي الفضل أحمد بن منصور بن قرطام الحسيني المالكي، نشره موقع واحة آل البيت لإحياء التراث والعلوم- فلسطين: www.alalbait.ps/PersonDetails.aspx?PersonID=27.
وكذلك الشيخ محمد المختار السلامي، والشيخ الجزائري محمد الرايس المسعدي.
وكتاب الإسهامات الإصلاحية والفكرية للمهاجرين السوافة بتونس (الشيخ العربي بن عمّار -أنموذجًا-)، (1947-2015م)، بشيرة شكيمة. مذكّرة مكمّلة لمتطلّبات الحصول على الماستر في تاريخ المغرب العربي الحديث والمعاصر، نشر موقع المستودع الرقمي لجامعة الشهيد حمّة لخضر- الوادي، كليّة العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم العلوم الإنسانية، (2018م). وهذا رابط الكتاب: dspace.univ-eloued.dz/xmlui/handle/123456789/2080.
[3] الرَّوْحُ والرَّيْحانُ من رِياضِ تفسيرِ القرآنِ، العربي بن عمار (1/ دون صفحة).
[4] الرَّوْحُ والرَّيْحانُ من رِياضِ تفسيرِ القرآنِ، العربي بن عمار (1/ 4).
[5] يقول الشيخ العربي بن عمّار في هذا السّياق: «وقد قرضت الشعر منذ العشرين من عمري، ولي ديوان مخطوط يشتمل على نحو ستّة آلاف بيت سمّيتُه (بلُّ الصَّدى)، وقد اختصرته إلى نحو النِّصف لأتمكَّن من طبعِه، وهو يتضمّن جميع الأغراض الشعرية؛ من وطنية واجتماعية وعلمية ودينية وغَزَلِيةٍ وإخوانية وغيرها». الروح والريحان من رياض تفسير القرآن، العربي بن عمار (1/ دون صفحة).
[6] الرّوح والرّيحان من رياض تفسير القرآن، العربي بن عمار (مج1/ ج4/ ص125)، وهذا نقله من تفسير التحرير والتنوير (4/ 211 و212)، ونقله ابن الضريس في كتابه فضائل القرآن (ص34)، وأورده الطبرسي في تفسيره مجمع البيان (10/ 212).
[7] الرّوح والرّيحان من رياض تفسير القرآن، العربي بن عمار (مجلد 2/ ج7/ ص56)، وقد نقل هذا الأثر -كما قال- من المعجم الكبير للطبراني برقم 12930، (12/ 215)، والشيخ العربي في هذا السياق يشبه تفسير شيخه محمد الطاهر بن عاشور الذي رجّح القول بمكيّة السورة وذكر هذا الأثر في التحرير والتنوير (7/ 121).
[8] البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب فضل فاتحة الكتاب، حديث رقم: 5006.
[9] الرّوح والرّيحان من رياض التفسير، العربي بن عمار (مج/ ج1/ ص1).
[10] الرّوح والرّيحان من رياض التفسير، العربي بن عمار (مج1/ ج3/ ص9).
[11] ذكره الشيخ في تفسيره (مج17/ ج29/ ص110)، وقد نقله من تفسير الرازي (30/ 164)، وتفسير القرطبي (19/ 24).
[12] الروح والريحان من رياض التفسير، العربي بن عمار (مج1/ ج1/ ص5)، والآفِن كما فسّره الشيخ في هامش الصفحة: «الضعيف الرأي».
[13] الروح والريحان من رياض تفسير القرآن، العربي بن عمار (مج1/ ج3/ ص61).
[14] مثلًا نجده يكثر من الاستشهاد بتفسير الكاشف لمحمّد جواد مغنية، ومثاله في تفسيره (1/ 350)، (مج2/ ج3/ ص172)، وكذلك (7/ 515).
[15] يعلّق في الهامش رقم 2 بقوله: «كان كاتبًا بليغًا متكلّمًا جدلًا معتزليًّا عالمًا بالنحو والتفسير، تفسيره في 14 مجلّدًا. توفي سنة 322هـ». الروح والريحان من رياض تفسير القرآن، العربي بن عمار (مج1/ ج1/ ص94).
[16] الروح والريحان من رياض تفسير القرآن، العربي بن عمار (مج1/ ج1/ ص94 و95).
[17] إسهامات المهاجرين السوافة، بريك الإمام (م. س)، ص103.
[18] الرَّوْحُ والرَّيْحان من رِياضِ تفسير القرآنِ، العربي بن عمار (1/ 4).
[19] الروح والريحان من رياض تفسير القرآن، العربي بن عمار (مج1/ ج1/ ص15).
[20] الروح والريحان من رياض تفسير القرآن، العربي بن عمار (1/ دون صفحة).
[21] الروح والريحان من رياض تفسير القرآن، العربي بن عمار (مج1/ ج1/ ص16 و17).
[22] الروح والريحان من رياض تفسير القرآن، العربي بن عمار (مج1/ ج1/ ص17).