توظيف الإسرائيليات في التفسير عند الصحابة
أوجه التوظيف ومن قاموا به

تُعَدّ الإسرائيليات أحد المصادر المهمّة في تفسير القرآن الكريم عند الصحابة؛ حيث ‏يحتوي قرابة عُشْر هذا التفسير على مرويات إسرائيلية، وهذه المقالة تتناول توظيف الإسرائيليات في التفسير عند الصحابة من خلال بيان أوجه هذا التوظيف ومَن قاموا به، بعد تمهيد في إبراز فكرة توظيف الإسرائيليات في التفسير.

مدخل:

  الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فتُعَدّ الإسرائيليات أحد أهم المصادر في تفسير القرآن الكريم عند الصحابة حيث يحتوي قرابة عُشْر هذا التفسير على مرويات إسرائيلية[1]، وقد وظّفوها لأغراض عديدة، وعلى الرغم من أهميتها وكثرتها عندهم في تفسير القرآن إلا أنّ هذا المصدر -كغيره من مصادر التفسير- لم يلقَ عناية بدراسته من خلال تطبيقاته عندهم ولا عند غيرهم من المفسِّرين في كتبهم ومن ثمَّ بناء القواعد والأحكام النظرية المتعلقة به انطلاقًا من تطبيقات المفسِّرين.

ولذا أردنا في هذه المقالة أن نتناول مسألة من أبرز المسائل المركزية التي تتعلّق بهذا المصدر من مصادر التفسير، وهي مسألة أوجه توظيف الإسرائيليات في التفسير، من خلال تفسير الصحابة رضوان الله عليهم؛ نظرًا لمركزية تفسير السَّلَف وأهميته.

وتأتي مقالتنا مقسومة إلى قسمين؛ نبيّن في القسم الأول منها أوجه توظيف الصحابة للإسرائيليات في التفسير، ونرصد في القسم الثاني منها من حضر عندهم توظيف الإسرائيليات من الصحابة ومقدار الروايات عندهم التي لها تعلّق بهذا الأمر. وذلك بعد تمهيد نبرز فيه فكرة توظيف الإسرائيليات في التفسير وحدود تناولنا للمسألة في المقالة وطريقتنا في ذلك.

تمهيد:

اعتمد الصحابة في تفسيرهم للقرآن على عدد من المصادر كالنظائر القرآنية والإسرائيليات واللغة العربية والأخبار وغيرها، وتأتي فكرة المقالة في تسليط الضوء على إحدى المسائل المركزية المتعلقة بمصدر الإسرائيليات في التفسير عند الصحابة وهي مسألة أوجه توظيفهم للإسرائيليات في التفسير.

وقد سلَكنا في جمع المرويات التي جاء فيها توظيف للإسرائيليات في التفسير عند الصحابة منهجًا استقرائيًّا دقيقًا، اعتمدنا فيه على أكثر من مائتي مصدر، وفصَّلنا منهجنا وطريقتنا في الاستقراء والجمع في دراستنا (المفسرون من الصحابة -جمعًا ودراسة وصفية-)، فلتراجع هنالك[2].

ويجدر بنا أن ننبّه على أن التفسير عملية مركّبة من عدّة عوامل تسهم في إنتاج ثمرته النهائية[3]، ونعني بذلك أنّ الصحابي مثلًا عندما يوظف الإسرائيليات في التفسير فيما يظهر لنا من خلال فهمنا لكلامه فإنه في الحقيقة لم يقتصر على توظيف الإسرائيليات فقط، وإنما هناك موارد كامنة أسهمت كذلك في إنتاج الصحابي لهذا المعنى أو غيره؛ كاستخدامه للّغة فهو حتمًا قد وظَّف اللغة في إنتاجه لذلكم المعنى، أو السياق، بالإضافة إلى ما يظهر لنا من توظيفه للإسرائيليات، فهي عملية مركّبة، ولكن لا سبيل لنا إلى دراسة تلك الموارد سوى عن طريق إفراد كلّ موردٍ وحده من خلال جمع مروياته والنظر فيها.

كما أننا ننبّه على أننا في هذه المقالة انطلقنا من الرأي القائل بأنّ الروايات الإسرائيلية جاءت للاستدلال على المعاني وليس لمجرّد النقل كما وضّحته دراسة (توظيف الإسرائيليات في التفسير؛ دراسة تحليلية تأصيلية)، للدكتور/ خليل اليماني[4].

وقبل أن نشرع في بيان أقسام المقالة نلمح إلى واقع دراسة تلك المسألة في الدراسات المعاصرة، ثم نبيّن أهمية سلوك الطريقة التي انتهجناها في دراستها:

- أولًا: واقع دراسة مسألة أوجه توظيف الإسرائيليات في التفسير:

تُعتبر قضية الإسرائيليات من القضايا التي كثر حولها الحديث في العقود الأخيرة ما بين مؤيّد لها وما بين رافض -وهو الاتجاه الأغلب- لروايتها وبقائها في كتب التفسير، وعمل هذا بدوره على الحيلولة بين النظر في توظيف تلك المرويات في التفسير وبيان أوجهه بصورة تطبيقية، وقد صدرت مؤخرًا دراسة اعتنتْ بدراسة بتوظيف المرويات الإسرائيلية في التفسير على نحو محرّر، وهي دراسة بعنوان: (توظيف الإسرائيليات في التفسير؛ دراسة تحليلية تأصيلية) للدكتور/ خليل اليماني، وأهمية هذه الدراسة تظهر من أنها بيّنت قيمة تفسيرية حقيقية لهذا التوظيف وضبطت النظر العام لهذا التوظيف ورسخت المنطلقات الصحيحة الواجبة في فهمه عند من قاموا به تطبيقيًّا، وأنّ المفسرَ مستدِلٌّ بالمرويات على تقرير المعنى لا ناقلٌ عنها ولا جالبٌ لها لغير ذلك الغرض، وأصل هذه الدراسة جملة كتابات نشرها المؤلِّف على موقع تفسير وكنّا قد كتبنا عن هذه المعالجة التي أبداها وأهميتها في فهم المسألة، ونحن في هذه المقالة اعتمدنا في دراستنا لأوجه توظيف المرويات الإسرائيلية في تفسير الصحابة على هذا المنطلق الذي حررته هذه الدراسة[5].

- ثانيًا: أهمية دراسة أوجه توظيف الإسرائيليات في التفسير:

تُعَدّ مسألة أوجه توظيف الإسرائيليات في التفسير من المسائل شديدة الأهمية، وتبرز أهميتها على عدّة أصعدة، أبرزها ما يأتي:

1- تحديد أوجه توظيف المفسِّر للإسرائيليات في التفسير بصورة دقيقة:

إنّ الاستقراء التام لكافة الروايات والمواضع التي وظَّف فيها المفسِّر الإسرائيليات في التفسير يتيح لنا الوقوف بدقة على هذه الأوجه، وتحديد أيّ هذه الأوجه أكثر حضورًا عند المفسِّر، ما ينعكس على فهمنا لقيمة مورد الإسرائيليات تفسيريًّا وأثره في تعاطي التفسير، وغير ذلك من الفوائد.

2- معرفة منهج المفسِّر في توظيف الإسرائيليات في التفسير:

إنّ من أبرز الانعكاسات على دراسة أوجه توظيف الإسرائيليات في التفسير بصورة دقيقة عند المفسّر أنها تُوقفنا على منهج المفسّر وطريقته في هذا التوظيف بصورة واقعية من خلال تفسيره، بعيدًا عن تحكيم أيّ تنظيرات مسبقة لم تخرج من رحم كتابه، وبذلك نقف على المنهج الحقيقي للمفسِّر.

3- بناء أصول التفسير وقواعده:

يعدّ بناء أصول التفسير وقواعده مشغلًا من أهم المشاغل في حقل الدراسات القرآنية، وقد أبانت بعض الدراسات عن وقوع إشكالات مركزية في بنائه المعاصر[6]، وإنّ دراسة أوجه توظيف المفسِّر للمصادر في تفسيره بصورة منهجية دقيقة لَمِن أهم الخطوات وأبرزها في الخطو إلى التأصيل الجيّد والبناء الدقيق لأصول التفسير وقواعده حال القيام بها عند كافة المفسِّرين وبخاصة المؤسّسين والروّاد منهم في صناعة التفسير.

القسم الأول: أوجه توظيف الصحابة للإسرائيليات في التفسير:

 من خلال تتبعي لحضور المرويات الإسرائيلية في تفسير الصحابة لاحظت تعدّد أوجه توظيف الصحابة للإسرائيليات في التفسير وبيان المعنى، فبلغت ثلاثة أوجه، بيانها كما يأتي: 

الوجه الأول: بيان المعنى: والمقصود به استثمار المرويات الإسرائيلية لتبيين المعنى وتوضيحه، ومن أمثلته ما جاء عن عليّ بن أبي طالب قال: «‌السكينة ‌لها ‌وجه ‌كوجه ‌الإنسان، ثم هي ريح هفافة»[7]، وما جاء عن ابن عباس: «﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾[البقرة: 248]، قال: طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء»[8].

فهذه الآثار جاءت تفسيرًا لقوله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ [البقرة: 248]، وقد اختلف المفسِّرون في المراد بالسكينة في الآية على أقوال، وتفسير عليّ بن أبي طالب وابن عباس الذي ذكرنا بيَّن أن السكينة ريح هفافة لها وجه، أو أنها طست من ذهب من الجنة، وهذا اعتمادًا على المرويات الإسرائيلية كما هو بيِّن.

ومن أمثلة هذا الوجه أيضًا ما يأتي:

- عن عبد الله بن مسعود قال: «وأمّا الأسباط فهم بنو يعقوب: يوسف وبنيامين وروبيل ويهوذا وشمعون ولاوي ودان وفهات، فكانوا اثني عشر رجلًا نشر الله منهم اثني عشر سبطًا لا يعلم أنسابهم إلا الله -عز وجل- قال الله تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا [الأعراف: 160]»[9].

- عن أنس بن مالك قال: «كان عيسى بن مريم ‌قد ‌درس ‌الإنجيل ‌وأحكمه ‌في ‌بطن ‌أمّه، فذلك قوله: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ [مريم: 30]»[10].

ونحن هاهنا لا يهمّنا الحكم على هذا التفسير وبيان موقفنا منه وإنما بيان وجه التوظيف للمرويات الإسرائيلية عند المفسّر وهو ظاهر التعلّق بغرض تبيين المراد بالمعنى في الآيات وتقريره.

وبحسَب استقرائنا فقد بلغت عدد المرويات في هذا الوجه في تفسير الصحابة (376) رواية.

الوجه الثاني: بيان المعنى بذكر قصة: وهذا من أغراض التبيين للمعنى، حيث يسوق المفسِّر رواية هي عبارة عن قصة تفيد في توضيح المعنى وحسن تصوّره، ومن أمثلته ما جاء عن أبيِّ بن كعب -رضي الله عنـه- قال: «لما حمَلت حواء أتاها الشيطان فقال: أتطيعيني ‌ويَسْلَم لك ولدُك؟ سمِّيه عبد الحارث، فلم تفعل فوَلدَت فمات، ثم حمَلت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل، ثم حمَلت الثالث فجاءها فقال: إن تطيعيني يَسلم، وإلا فإنه يكون بهيمة، فهيّبهما فأطاعا»[11].

فهذا الأثر جاء تفسيرًا لقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: 190]، وقد اختلف المفسِّرون في الشركاء التي جعلاها فيما أُوتيا من المولود، على أقوالٍ، وتفسير أبيِّ بن كعب لذلك من خلال القصة التي أوردها أنهما أطاعَا الشيطان في تسميته بعبد الحارث، وهذا اعتمادًا على المرويات الإسرائيلية كما هو بيِّن.

ومن أمثلة هذا الوجه أيضًا ما يأتي:

- عن عبد الله بن عباس في قوله: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً [البقرة: 80] الآية، قال ابن عباس: «ذُكِر أنّ اليهود وَجَدوا في التوراة مكتوبًا، أنّ ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم نابتة في أصل الجحيم -وكان ابن عباس يقول: إنّ الجحيم سقر، وفيه شجرة الزقوم- فزعم أعداء الله، أنه إذا خلا العدد الذي وَجَدوا في كتابهم أيامًا معدودة -وإنما يعني بذلك المسير الذي ينتهي إلى أصل الجحيم- فقالوا: إذا خلا العدد انتهى الأجل؛ فلا عذاب، وتذهب جهنم وتهلك؛ فذلك قوله: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، يَعنُون بذلك الأجل. فقال ابن عباس: لمّا اقتحموا من باب جهنم، ساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة، قال لهم خُزّان سقر: زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أيامًا معدودة! فقد خلا العدد وأنتم في الأبد! فأخذ بهم في الصَّعُود في جهنم يرهقون»[12].

- عن عبد الله بن مسعود: «﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ [البقرة: 102]، كانا ملَكين من الملائكة، فأُهبِطَا لِيَحكُمَا بين الناس؛ وذلك أنّ الملائكة سخروا من أحكام بني آدم. قال: فحاكَمَت إليهما امرأةٌ فحافا لها ثم ذهبا يصعدان، فحيل بينهما وبين ذلك، وخُيِّرَا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا. قال معمر، قال قتادة: فكانا يعلِّمان الناس السحر، فأُخِذ عليهما أنْ لا يعلِّما أحدًا حتى يقولا: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ[13].

وبحسَب استقرائنا فقد بلغَت عدد المرويات في هذا الوجه في تفسير الصحابة (211) رواية.

الوجه الثالث: تأكيد المعنى: والمقصود به استثمار المرويات الإسرائيلية لتأكيد معنى معيّن وتوضيحه، ومن أمثلته ما جاء عن ابن عبّاس قال: «وُضِع البيت على أركان الماء، على أربعة أركان، قبل أن تُخْلَق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت»[14].

فهذا الأثر جاء تفسيرًا لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127]، وقد اختلف المفسِّرون في القواعد التي رفعها إبراهيم وإسماعيل من البيت، هل هما أحدثا ذلك، أم هي قواعد كانت له قبلهما؟ ورواية ابن عباس هنا تؤكّد بصورة غير مباشرة أن إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- قد بنيا قواعد البيت الحرام على أساس كان موجودًا قبلهما.

ومن أمثلة هذا الوجه أيضًا ما يأتي:

- عن عبد الله بن عباس قال: «كانوا أربعين ألفًا، أو ثمانية آلاف حظر عليهم حظائر، وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا، فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح، وهم ألوف؛ فرارًا من الجهاد في سبيل الله، فأماتهم الله ثم أحياهم فأمرهم بالجهاد، فذلك قوله: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ [البقرة: 190] الآية»[15].

- عن عبد الله بن مسعود، قال: «مكتوب في التوراة: على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، في القرآن: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 21]»[16].

وبحسَب استقرائنا فقد بلغت عدد المرويات في هذا الوجه في تفسير الصحابة (32) رواية، وهو وجه قريب من الوجه الأول إلا أنّ التوظيف في الوجه الأول يكون مباشرًا وصريحًا بخلاف هذا الوجه فإنه يأتي كأنّ الصحابي استبطن معنًى في ذهنه وأكّده بالرواية.

ويلحظ أنّ أكثر الأوجه ورودًا في توظيف الصحابة للإسرائيليات في التفسير هو بيان المعنى، وبلغَت مروياته (376) رواية، يليه بيان المعنى بذِكْر قصة، وبلغت مروياته (211) رواية، ثم تأكيد المعنى، وبلغت مروياته (32) رواية.

والرسم الآتي يوضح مقدار أوجه توظيف الصحابة للإسرائيليات في التفسير بالنظر لجميع المرويات الواردة في ذلك:

القسم الثاني: الذين قاموا بتوظيف الإسرائيليات من الصحابة رضي الله عنهم:

جاء توظيف الإسرائيليات في التفسير عن عشرة من الصحابة، والجدول الآتي يبيِّن مقدار الوارد عن كل واحد منهم في ذلك، مرتبةً حسَب الأكثر:

م
اسم الصحابي
عدد المرويات

1.

عبد الله بن عباس

518

2.

عبد الله بن مسعود

52

3.

عليّ بن أبي طالب

22

4.

أبيّ بن كعب

7

5.

جابر بن عبد الله

6

6.

عمر بن الخطاب

5

7.

أنس بن مالك

4

8.

عبد الله بن عمر

3

9.

أبو بكر الصديق

1

10.

أبو هريرة

1

المجموع الإجمالي

619

 

ويتبيّن لنا من هذا الإحصاء بشكلٍ عملي تطبيقي قوّة حضور المرويات الإسرائيلية في تفسير الصحابة، حيث مَثّلت قُرابة العُشْر من تفسيرهم، ولا يسعنا الفرار من هذه الحقيقة، بل لا بد من البحث والتنقيب خلف أوجه هذا التوظيف لتلك المرويات عندهم، ويدحض هذا الإحصاء أيضًا الادّعاء بخلوّ تفسير الصحابة خاصة من الإسرائيليات ووجودها في الطبقات التي تَلَتْهُم من السَّلَف.

خاتمة:

 سلّطنا الضوء في هذه المقالة على مسألة مركزية في مصادر التفسير، ألَا وهي مسألة أوجه توظيف الإسرائيليات في تفسير القرآن الكريم، بالنظر في مرويات الصحابة رضوان الله عليهم، ورصدنا رواة هذه الإسرائيليات من الصحابة وبينّا أوجه توظيفهم لها في التفسير.

وقد بلغت مرويات توظيف الإسرائيليات في التفسير عند الصحابة ٦۱۹ رواية، وبلغَت أوجه توظيفهم للسنّة في التفسير ثلاثة أوجه، وهي: بيان المعنى، وبيان المعنى بذكر قصة، وتأكيد المعنى.

وننبه على أن ما ذكرناه في هذه المقالة إنما هو لبنة أُولى في دراسة أوجه توظيف الصحابة الإسرائيليات في التفسير، وأنّ هذا الموضوع بحاجة إلى تكثيف الدراسات التحليلية حوله لتدقيق النظر في الأوجه التي ذكرناها، والتي يمكن تفريع بعضها إلى عدّة أوجه أكثر دقة، وكذا إعادة النظر فيها بصورة عامة من خلال الدراسة التحليلية المعمقة.

ومن خلال مقالتنا هذه ندعو المؤسّسات العلمية والبحثية والجامعات إلى العناية بدراسة أوجه توظيف السلف بصورة عامة لمصادر التفسير دراسة تحليلية، وكذلك دراسة أوجه توظيف المفسِّرين لمصادر التفسير في تفاسيرهم، فهذه من المشاريع الرائدة شديدة الأهمية والتي تسهم بصورة كبيرة في تأسيس أصول التفسير ومعرفة مناهج المفسِّرين.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

 

[1] ينظر: المفسرون من الصحابة؛ جمعًا ودراسة وصفية، د/ عبد الرحمن المشد، إصدار مركز تفسير للدراسات القرآنية، عام 1437هـ= 2016م، (2/ 1177).

[2] ينظر: المفسرون من الصحابة؛ جمعًا ودراسة وصفية، د/ عبد الرحمن المشد، (1/ 11- 34).

[3] وللتوسّع في معرفة هذه الفكرة يمكن الرجوع إلى: (منهج تفسير القرآن بالقرآن؛ رصد لمرتكزات المنهج وجذوره، وتقويم لمنطلقاته وغاياته -محمد عناية الله أسَد سُبحاني أنموذجًا-) للباحث/ خليل محمود اليماني، وهو بحث منشور على موقع مرصد تفسير للدراسات القرآنية تحت الرابط الآتي: tafsiroqs.com/article?article_id=3871

[4] وأحب أن أسجّل شكري هنا للدكتور/ خليل اليماني، على ما أسداه من توجيهات أسهمتْ بصورة كبيرة في خروج المقالة بهذه الصورة.

[5] وقد قمنا بكتابة مقالة حول هذه الدراسة بعنوان: (طرح الباحث/ خليل محمود اليماني في موضوع الإسرائيليات؛ الأهمية والآفاق)، وهي منشورة على مرصد تفسير تحت الرابط الآتي: tafsiroqs.com/article?article_id=3847، وهي ضمن كتابنا (نسائم الريحان في مقالات التفسير وعلوم القرآن) ص101- 116.

[6] ينظر: (تأسيس علم أصول التفسير قديمًا وحديثًا؛ قراءة في منهجية التأسيس، مع طرح مقاربة منهجية لتأسيس العلم) للباحث/ خليل اليماني، وهو بحث منشور على موقع تفسير تحت الرابط الآتي: tafsir.net/research/67
- (أصول التفسير في المؤلفات؛ دراسة وصفية موازنة)، إصدار: مركز تفسير للدراسات القرآنية.
- (التأليف المعاصر في قواعد التفسير؛ دراسة نقديّة لمنهجية الحكم بالقاعدية) إصدار: مركز تفسير للدراسات القرآنية.
- ويمكن متابعة السجال الحاصل في قضية أصول التفسير ومناقشتها من خلال مطالعة المواد التي اشتمل عليها ملف أصول التفسير وقواعده من خلال الرابط الآتي: tafsir.net/article/5356

[7] جامع البيان، للطبري (4/ 467).

[8] جامع البيان، للطبري (4/ 470).

[9] المستدرك على الصحيحين، للحاكم (2/ 622)، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي في التلخيص.

[10] تفسير ابن أبي حاتم (7/ 2408).

[11] تفسير ابن أبي حاتم (5/ 1633).

[12] جامع البيان، للطبري (2/ 172).

[13] جامع البيان، للطبري (2/ 332).

[14] جامع البيان، للطبري (2/ 553).

[15] جامع البيان، للطبري (4/ 418).

[16] جامع البيان، للطبري (18/ 617). 

الكاتب

الدكتور عبد الرحمن المشدّ

حاصل على دكتوراه التفسير وعلوم القرآن من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وله عدد من المشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))