صور نصر الله للمؤمنين في سورة غافر؛ نظرات وتأمّلات

الكاتب : إبراهيم لبيب
وَعَدَ اللهُ -عزّ وجلّ- عبادَه المؤمنين بالنّصر والتمكين في كتابه المجيد، ومن ذلك ما حفلَت به سورة غافر من وعدٍ بالنصر، وهذه المقالة تسلّط الضوء على ما ورد من هذا الباب في هذه السورة بالخصوص، وتتعرّض لأهمية معرفة ذلك في واقعنا، وكَشْف بعض الإشكالات المتعلقة بمفهوم هذا الوعد.

  الحمد لله الذي أوجب على نفسه الكريمة -تفضّلًا منه وكرمًا- نصرَ عباده المؤمنين؛ فقال -وقوله الحقّ-: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: 47].

 والصلاةُ والسلامُ على نبيّنا وحبيبنا محمد -صلّى الله عليه وسلم- الذي أقرّ اللهُ عينيه بالنصر والتمكين؛ فأنزل عليه في آخر عُمره: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر: 1- 3].

أمّا بعد، فإنّ مما تكاثرتْ به نصوص القرآن الكريم، وسُنّة خاتم المرسلين وُعُود الله بالنصر والتمكين لعباده المؤمنين. وقد حفلتْ سورة غافر بذِكْر عدد من صور هذا النصر والتمكين، وقد أحببنا في هذه المقالة تسليط الضوء على هذه الصور وبيانها؛ لِمَا لذلك من أهمية في فهم حقيقة نصر الله ووعده بالتمكين كما سنبيّن، وكذلك تقوية نفوس المسلمين؛ فمع علوِّ أهل الباطل في الأزمان المتأخّرة قد يتسرَّب اليأس والشكّ إلى بعض النفوس المؤمنة لما يرونه من تسلُّط أهل الباطل وضعف أهل الحقّ، وما يقاسونه من قتلٍ وتشريدٍ وتنكيلٍ.

بل إنّ أهل الباطل يستدلّون بعلوِّهم وتمكينهم في الأرض على أنهم هم أهل الرضا الذين يحبهم الله، وأنهم لولا أنهم على الحقّ لما مُكِّنوا في الأرض، والله -عز وجل- يقول: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[آل عمران: 196- 197].

فجاء هذا المقال لينبّه على ما في سورة غافر من صور للنصر والتمكين؛ ليزيل اللبس، ويوضح المفهوم الصحيح لوعد الله بالنصر والتمكين لعباده من الأنبياء والمرسلين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين؛ ليكون المؤمن على بصيرة من أمره، فالله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل، وذلك بعد تمهيد نسلِّط الضوء فيه إجمالًا على فكرة وُعُود النصر والتمكين وأهميتها في واقعنا ونبيّن بعض الإشكالات في فهمها، وكذلك سبب اختيارنا لسورة غافر لنعالج صور النّصر والتمكين من خلالها.

تمهيد:

آيات وُعُود الله تعالى للمؤمنين بالنّصر والتمكين في القرآن كثيرة، قد لا يناسب المقام ذكرها كلّها، وسنكتفي بذِكْر بعضها؛ فمن ذلك: قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر: 51]، وقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[المجادلة: 21]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[الصافات: 171- 173].

وليس وعدُ الله قاصرًا فقط على الغلَبة على الأعداء، بل جاء الوعد بالاستخلاف في الأرض والتمكين، فقد وعد اللهُ عباده المؤمنين -ووعدُه الحقّ- في القرآن بذلك، فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}[النــور: 55].

ولكن هنا يقع إشكال يَرِد على كثيرٍ من الناس، وهو: أين هذا النصر ونحن نرى المؤمنين كثيرًا ما يُنَكَّلُ بهم، ويصيبهم الأذى، بل وربما القتل في شتى البقاع والأزمنة؟!

والجواب على هذا السؤال ينبغي أن يسبقه حقيقة إيمانية لا بد أن تكون راسخة في قلبِ كلّ مؤمن يؤمن بأنّ هذا القرآن هو كلام الله، وأنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفه، فيوقِن أنّ وَعْد الله حقّ، وأنه لا يُخْلِف الميعاد، ويكون على ثقة تامّة ويقين جازم بذلك، فإذا ما رأى المؤمنون على أرض الواقع خلاف ما وَعَد الله في كتابه فليس أمامهم إلا أمران:

الأمر الأول: أن يتَّهِموا أنفسَهم بالتقصير في تحقيق شرط النّصر، وأنهم بوَضْعهم الحالي ليسوا أهلًا لتحقيق وَعْد الله؛ لأنّ الله وَعَد بالنصر مَنْ كان أهلًا لذلك، ومن تحقّق فيه شرطه، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: 7].

وهذا كان حال المؤمنين الأوائل، إذا تأخَّر عنهم النصر راجعوا أنفسهم، وفتَّشوا عن الذنوب والعيوب؛ ليقينهم بأنّ وَعْد الله لا يتخلَّف أبدًا، فإذا لم ينتصروا فقد يكون ذلك بسبب ذنوبهم، {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران: 165].

الأمر الثاني: أنهم ربما لم يفهموا كلام ربّ العالمين بوعوده بالتمكين، وذلك يرجع إلى سببين:

السبب الأول: عدم فهم السّنن الإلهية في تحقيق النصر، فالله -عز وجل- لا يمكِّن لعباده في الأرض إلا بعد أن يُبْتَلَوْا، ولنا في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُسوة حَسنة، فقد كان في العهد المكيّ مع أصحابه مستضعَفين، ثمّ مَكّن اللهُ لهم بعد ذلك بعد الهجرة وحتى وفاته -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك لما سُئِلَ الشافعِيُّ -رحمه الله-: أيُّهما أفضلُ للرجل أن يُمَكَّنَ أو يُبْتَلَى؟ قال: «لا يُمَكَّنُ حَتَّى يُبْتَلَى»[1].

السبب الثاني: عدم فهم حقيقة النصر وحَمْله على صورة ذهنية واحدة، وسيتّضح في المقال -بإذن الله- أنّ نصر الله -عز وجل- للمؤمنين له صورٌ كثيرة إضافة إلى الصورة المتبادرة إلى الذّهن.

لماذا وقع الاختيار على سورة غافر؟

القرآن الكريم مملوء بوُعُود الله بنصر المؤمنين كما ذكرنا، ولكن وقع الاختيار على سورة غافر كموضوعٍ للدراسة؛ لخصوصيتها في إظهار الصراع بين الحقّ والباطل، والإيمان والكفر، وكيف بيَّنَتْ لنا السورة أنّ تقلُّب أهل الباطل في البلاد وعلوَّهم في الأرض مآلُه إلى الخسران والهلاك مهما بلغَتْ بهم القوّة، ومهما طال الزمان.

ففي بداية آيات السورة، نجد أنها بيَّنت حال أهل الباطل: {‌مَا ‌يُجَادِلُ ‌فِي ‌آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ}[غافر: 5].

وفي نهاية السورة كانت آخر آية، بل آخر جملة من الآية والسورة: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}[غافر: 85].

وهذا بلا شكّ تأكيد على أن الغلَبة في النهاية لا بد وأن تكون لأهل الحقّ من الرُّسُل وأتباع الرُّسُل، كما صرّحت الآية: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر: 51].

صور نصر الله للمؤمنين من سورة غافر:

افتُتِحَت السورة باسمين جليلَيْن من أسماء الله تعالى: {حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[غافر: 1- 2].

فهي تبدأ بتقرير أنّ العزّة -كلّ العزّة- لله سبحانه وتعالى؛ ومِن لوازم هذا الاسم أنّ الله سبحانه وتعالى يُلْقِي هذه العِزّة على مَنْ آمن به واتّبع رضوانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: 8].

فالعِزّة عنوان للسّورة كلّها، وهذا يجعلنا نبحث عن معالم ومظاهر عِزّة الله في السورة، والتي منها: نصر الله تعالى للمؤمنين: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[آل عمران: 126].

فمن صور نصر الله للمؤمنين في سورة غافر:

1- النصر بالغَلَبة والتمكين وإهلاك الظالمين:

فمعلومٌ ما حدث لفرعون وجنوده من غرق وهلاك، وإنجاء الله لعباده المؤمنين، وتمكينهم في الأرض بعد أن كانوا مستضعفين: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}[الأعراف: 137].

وإهلاك الظالمين من فرعون وجنوده دَلَّ عليه قول الله في سورة غافر: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر: 45- 46].

فلم يكتفِ القرآن بذِكْر هلاكهم في الدنيا، بل ذَكَر عذابهم في البرزخ ويوم القيامة.

وفي ثنايا حوار مؤمن آل فرعون مع قومه ذَكَر إهلاك الله للأمم السابقة التي كَذّبَتْ رُسُلَها، فقال: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر: 30- 31].

وهذا النوع من النصر (الغَلَبة والتمكين وإهلاك الظالمين) هو أوّل أنواع النّصر التي يتبادر الذِّهن إليها، ولكنها ليست الصورة الوحيدة للنصر.

2- النصر بالحُجّة والبيان:

من المفسِّرين مَنْ حملَ تفسير قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[غافر: 51]، على النصر بالحُجّة والبيان.

عن أبي العالية -رحمه الله- في قوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} الآية، قال: «ذَلِكَ فِي الحُجَّةِ؛ يَفْتَحُ اللَّهُ حُجَّتَهُمْ فِي الدُّنْيَا»[2].

وتَمَثَّل هذا النصر في سورة غافر في تلك الحُجَج القوية التي واجَه بها مؤمنُ آل فرعون قومَه، فقد كان ظاهر في حديثه علوّ حجّته على قومه، وأنهم ما استطاعوا أن يجابهوه، ولأهمية قصة مؤمن آل فرعون لموضوع السورة؛ فإنّ من أحد أسماء هذه السورة: سورة المؤمن؛ نسبة إلى مؤمن آل فرعون.

قال ابن القيم: «كلّ سُلْطَانٍ فِي القُرآن فَهُوَ الحُجَّة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[الصافات: 156- 157]، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}[النَّجْم: 23]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِم سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}[الرّوم: 35].

وَهَذَا لِأَنّ الحُجَّة تسلِّط صَاحِبَها على خَصمه، فَصَاحِب الحُجَّة لَهُ سُلْطَان وقُدرة على خَصمه وَإِن كَانَ عَاجِزًا عَنهُ بِيَدِهِ، وَهَذَا هُوَ أحد أَقسَام النُّصْرَة الَّتِي ينصر الله بهَا رسله وَالْمُؤمنِينَ فِي الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غَافِر: 51]»[3].

وهذا حال كلّ مؤمن لديه إيمان راسخ بأنّ الله هو الحقّ، وأنّ ما يدعون من دونه الباطل؛ ولهذا فإنّ من أهمّ سمات أهل الضلالة أنهم دائمًا في أمر مريج وأقوال متضاربة، لا يكادون يثبتون على حُجّة قوية، كما قال تعالى عن المشركين تعقيبًا على أقوالهم الباطلة: {...قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام: 148- 149].

هذه هي القضية: {هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا}؟! هل لديكم كتاب من الله؟! أم أنّ القضية اتّباع الظنّ: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}، فالذي يبني قناعاته على الخَرْصِ والظنِّ، لا شكّ أنه في ضلال مبين، بعكس مَنْ بَنى عقيدته وقناعاته على وحي من الله وهدى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}[محمد: 14].

وقد قال تعالى في السورة نفسها عُقَيْب قصة مؤمن آل فرعون: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}[غافر: 56].

قال ابن كثير: «وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ}، أَيْ: يَدْفَعُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ، وَيَرُدُّونَ الْحُجَجَ الصَّحِيحَةَ بِالشُّبَهِ الْفَاسِدَةِ بِلَا بُرْهَانٍ وَلَا حُجَّةٍ مِنَ اللَّهِ، {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}، أَيْ: ما في صدورهم إلا كبر على اتباع الحقّ، واحتقار لمن جاءهم به، وليس ما يرومونه من إخمال الحقّ وإعلاء الباطل بحاصل لهم، بل الحقّ هو المرفوع، وقولهم وقصدهم هو الموضوع»[4].

عن قتادة: «{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ}، أي: لم يأتهم بذلك سلطان، {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}، قال: «الكِبر في صدورهم»[5].

وقال السعدي: «...فهذا نصّ صريح، وبشارة، بأنّ كلّ مَن جادل الحقّ أنه مغلوب، وكلّ مَن تكبّر عليه فهو في نهايته ذليل»[6].

3- النّصر بخذلان الكافرين، وصَرْفِ كيدهم:

وهذا نوع من أنواع النّصْر قَلَّ من يتنبَّه له، وهو أنّ الله -عز وجل- قد ينصر عباده المؤمنين -خاصّة إذا كانوا مستضعفين- بمجرّد كفِّ أيدي الظالمين عنهم، وإذهاب كيدهم.

قال السعدي: «وإذا تأمّلْتَ الواقع رأيتَ نصر الله لعباده المؤمنين دائرًا بين هذين الأمرين، غير خارج عنهما؛ إمّا نصر عليهم، أو خذل لهم»[7].

قال الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ}[آل عمران: 127]: «وَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَوْ يَكْبِتَهُمْ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: أَوْ يُخْزِيَهُمْ بِالْخَيْبَةِ بِمَا رَجَوْا مِنَ الظَّفَرِ بِكُمْ»[8].

وقال السعدي في تفسير الآية: «أي: نصر الله لعباده المؤمنين، لا يعدو أن يكون قطعًا لطرف من الكفار، أو ينقلبوا بغيظهم، لم ينالوا خيرًا، كما أرجعهم يوم الخندق، بعدما كانوا قد أتوا على حردٍ قادرين، أرجعهم الله بغيظهم خائبين»[9].

ومن أمثلة ذلك أيضًا: قوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: 40].

فسمَّى اللهُ صَرْفَ كيدِ الكافرين عن نبيِّه نصرًا لرسوله، وخزيًا لأعدائه.

أمّا عن هذا النوع من النصر في سورة غافر فتمثَّل في صرفِ الله أذى فرعون وقومه عن مؤمن آل فرعون، وذلك بعد أنْ فَوَّض مؤمنُ آل فرعون أمْرَه إلى ربّ العالمين، فكان آخر ما قاله لقومه: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[غافر: 44]. فكانت النتيجة: {‌فَوَقَاهُ ‌اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ}[غافر: 45].

فلم تكن سيئة واحدة منهم، بل كانت سيئات، وقد ذكر بعض المفسِّرين أنّ فرعون وملأه فكّرُوا في قتله، وفي حرقه، وفي تقطيع أوصاله، وفي أنواع من البلاء والعذاب إلى القضاء عليه، ولكن الله -عزّ وجلّ- حفظه، فنِعم المولى ونِعم النصير.

4- النصر بانتقام الله ممن ظلموا المؤمنين، ونصر قضيتهم التي عاشوا من أجلها:

مَرَّ بنا أنّ الله -عز وجل- قد ينصر المؤمنين في حياتهم، لكن هنا يأتي إشكال، أنه وُجِدَ في الواقع من الأنبياء والمؤمنين من قُتِلوا دون أنْ يَروا نصرًا.

والجواب أنّ النصر في هذه الحالة يكون بانتقام الله -عز وجلّ- من الظالمين، ونصر قضية المؤمنين التي عاشوا من أجلها.

قَالَ السُّدِّيّ: «لمْ يبْعث اللّهُ -عزّ وجلّ- رسولًا قطّ إلى قَوْم فيقتلونه، أوْ قومًا مِنْ المؤمنين يدْعُون إلى الحقّ فيُقتلون، فيذهب ذلك القرن حتّى يبعث اللّه -تبارك وتعالى- لهم من ينصرهم فيطلب بدمائهم ممّن فعل ذلك بهم في الدّنْيا»[10].

فالله تعالى شديد العقاب؛ قال تعالى: {شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ}[غافر: 3]. وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}[غافر: 5].

أي: «فكيْف كان عِقابي إيّاهم، ألمْ أُهْلكهم فأجعلهم للخَلْق عِبْرة، ولمن بَعْدهم عِظة؟ وأَجْعل ديارَهم ومساكنَهم مِنْهم خلاء، وللوحوش ثواء؟!»[11].

وهذا الإهلاك الذي ذكره اللهُ في السورة يشمل كلَّ مكذِّبي الرّسل والأنبياء؛ سواء شَهِدَ الأنبياء هذا النصر أم حدث بعد مماتهم.

أمّا عن نَصْر قضيتهم التي عاشوا من أجلها في الحياة الدنيا بأنْ يُعْلِي الله -عز وجلّ- كلمتهم بعد مماتهم، فالله -عز وجل- نَصَر رسولَه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ومكَّن للإسلام، ودخل الناس في دين الله في آخر حياته أفواجًا، ولكنّ الصحابة رضوان الله عليهم لم يشهدوا جميعهم هذا النصر والتمكين، فمنهم من قُتِلَ من التعذيب في العهد المكي، ومنهم من قُتِلَ في معارك وغزوات؛ كأُحُد، وبئر معونة، وغيرها من الأحداث التي قُتِلَ فيها عدد غير يَسير من الصحابة.

فهل نقول: إنّ الله -حاشاه- أخلفَ هؤلاء الشهداء وَعْده؛ لأنهم قَضَوْا نَحْبَهم قبل أن يروا نصرًا؟!

الجواب: كلَّا؛ فالله -عز وجل- نَصَر أُمّته ونَصَر عباده الموحّدين ونَصَر هؤلاء الشهداء بأنْ نَصَر دينهم وقضيّتهم التي عاشوا من أجلها، وهي توحيد الله -عز وجل- وأن يكون الدِّين كلّه لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فالعبرة بالمآل وانتصار المبادئ، وبكمال النهايات لا بنقصِ البدايات.

فعلى هذا فإنّ المؤمن يسعى بكلّ ما أُوتي من جهد في نصرة دين الله وهو يعلم يقينًا أنّ الله سينصره في النهاية حتى وإن لم يشهد هذا التمكين والنصر في حياته، فإنه سيحدث يومًا ما لا محالة. {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}[غافر: 77].

5- النصر باعتراف الظالمين بالهزيمة:

من أروع صور الانتصار أن يعترف المهزوم بالهزيمة، بل إنّ بعض الباحثين العسكريّين يقول: إنّ الهزيمة لا تنعقد إلا باعتراف المهزوم بالهزيمة؛ لأنّ معيار النصر والهزيمة قد يختلف من جماعة لأخرى؛ فلو أنّ جيشًا التحم في معركة مع جيش آخر، ثم انتهت المعركة بالاستيلاء على أرض الخصم، فهو في اعتباره أنه منتصر، حتى وإن كان قد قُتِلَ من جيشه عددٌ كبيرٌ.

ولكن في المقابل قد يرى الجيش الآخر الذي سُلِبَت منه الأرض أنه انتصر باعتبار أنه قَتَل من الجيش المحتلّ أعدادًا كبيرة، وأنّ الأرض التي تم الاستيلاء عليها سترجع مرة أخرى في معركة تالية، لكن الذين قُتِلوا لن يعودوا للحياة مرة أخرى!

ولا يعنينا الآن تحقيق الصواب في المسألة، ولكننا نبيِّن فقط أنّ معيار النصر والهزيمة قد يختلف من فردٍ لآخر في كثير من الأحيان، والذي يحسم الجدل هو أن يعترف المهزوم بالهزيمة، وأن يُذْعِن تمام الإذعان للمنتصر، فهنا يمكننا القول أنّ النصر قد انعقد وتمّ باعتراف المهزوم.

وعند التأمّل في سورة غافر نجد عددًا من اعترافات الكفار بهزيمتهم أمام أهل الحقّ، وسنأخذ مثالَيْن؛ أحدهما لاعتراف في الدنيا، والآخر لاعتراف في الآخرة:

أمّا اعتراف الدنيا؛ فهو عند معاينتهم العذاب قُبَيْل الموت بلحظات، كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}[غافر: 84- 85].

وهاتان الآيتان هما آخر آيتين في سورة غافر؛ خسر الكافرون، وقبل خسارتهم اعترفوا بشِرْكِهم وأعلنوا إيمانهم، فقالوا: آمنّا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين.

ولكن هذا الإيمان عند معاينة العذاب أو حضور الموت لا ينفع، ودَلّ على هذا آيات أخرى من كتاب الله؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّار}[النساء: 18].

وَكَقَوْلِه تعالى في شأن فِرْعَوْنَ: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: 90- 91].

وأمّا اعتراف الآخرة؛ ففي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}[غافر: 10- 11].

فها هو اعتراف صريح من الكفار من مُكَذِّبي الرّسل وغيرهم حين مَقَتُوا أنفسهم بسبب كُفرهم، يعترفون بذنوبهم، ويطلبون من الله الرجعة إلى الحياة الدنيا مرّة أخرى.

وقد بَيَّن -سبحانه وتعالى- في مواضع كثيرة من كتابه أن اعتراف الكافر بذنبه يوم القيامة لا ينفعه في هذا اليوم، كما في قوله تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِير}[الملك: 11].

وكذلك من اعترافات الآخرة في السورة نفسها قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر: 52].

6- نصر الله للمؤمنين يوم القيامة:

قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ‌وَيَوْمَ ‌يَقُومُ ‌الْأَشْهَادُ ‌‌* يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[غافر: 51- 52].

فما أعظمه من نصر، حين يجمع اللهُ الأوّلين والآخِرِين في مشهد عظيم، ويقف الأشهاد من الملائكة والنبيّين والشهداء والصالحين، فيُعْلِي الله أهل الحقّ، ويخزي أعداءهم من أهل الباطل.

«وأمّا حال أعدائهم فهو أنّه حصلتْ لهم أمورٌ ثلاثةٌ:

أحدها: أنّه لا ينفعهم شيءٌ من المعاذير البتّة.

وثانيها: أنّ لهم اللّعْنة، وهذا يفيد الحَصْر، يَعْنِي: اللعنة مَقْصورة عليهم وهي الإهانة والإذلال.

وثالثها: سوء الدّار، وهو العقاب الشّديد.

فهذا اليوم إذا كان الأعداء واقعين في هذه المراتب الثّلاث من الوحْشَة والْبَلِيّة، ثمّ إنّه خَصّ الأنبياء والأولياء بأنواع التّشْريفات الواقعة في الجمع الأعْظم، فههنا يَظْهر أنّ سرور المؤمن كم يكون، وأنّ غموم الكافرين إلى أين تبلغ؟»[12].

فماذا خسر أهل الإيمان في الدنيا حتى ولو لاقَوا بعض الأذى؟! أليس في الآخرة عوضٌ عن الدنيا؟ ألم يقل الله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت: 64]؟ وقال سبحانه: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[الأعلى: 17].

فالفوز الحقيقي إنما هو الفوز بالجنة ورضوان الله، والخسارة الحقيقية إنما هي خسارة النفس في نار جهنم خالدين فيها أبدًا.

قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران: 185].

7- نصر الله بتخليد ذِكْر المؤمنين:

ويا له مِن شَرَفٍ عظيم لا شَرَفَ أعظم منه في الدنيا، أن يُخَلِّد اللهُ ذِكْرَ عبده المؤمن في كتاب يُتَعَبَّدُ بتلاوته إلى قيام الساعة.

فمؤمن آل فرعون -طيَّب اللهُ ثراه- جاهَدَ بأفضل أنواع الجهاد، وهي قول كلمة الحقّ عند سلطانٍ جائر؛ ولأنّ الأجر يكون على قَدْر المشقّة، ولأنّ قول كلمة حقّ عند سلطان جائر يُعَرّضُ القائل لأشدّ أنواع البلاء؛ فكان هذا الأجر المضاعَف، بل وسُمِّيَت السورة باسمه على قول كثير من أهل العلم: (سورة المؤمن).

خاتمة:

حفلَ القرآن الكريم بذِكْرِ العديد من وُعُود النصر والتميكن لعباد الله المؤمنين، وقد اهتمّت سورة غافر بهذا الأمر، وأشارتْ لعدد من صور هذا النصر والتمكين، وقد استعرضنا في هذا المقال هذه الصورة التي ذكرَتْها سورة غافر، وبينَّا رسوخ مبدأ نصر الله وتمكينه لعباده المؤمنين في القرآن الكريم؛ وأنّ نَصْرَه لهم يكون في الدنيا والآخرة، وأنّ صور هذا النصر لها ألوان تتعدّد، واللهُ غالِبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

نسألُ اللهَ العَلِيّ العظيم أن يُقِرَّ أعيننا بنصر عباده المؤمنين في حياتنا ويوم يقوم الأشهاد.

وصلى اللهُ على نبيِّنا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

[1] زاد المعاد (3/ 14).

[2] تفسير ابن أبي حاتم (18437).

[3] الفروسية، ص187.

[4] تفسير ابن كثير (7/ 152).

[5] تفسير عبد بن حميد كما في الدر المنثور (13/ 51).

[6] تفسير السعدي، ص740.

[7] تفسير السعدي، ص146.

[8] تفسير الطبري (6/ 41).

[9] تفسير السعدي، ص974.

[10] تفسير ابن كثير (7/ 150).

[11] تفسير الطبري (20/ 282).

[12] تفسير الرازي (27/ 524).

الكاتب

إبراهيم لبيب

حاصل على ليسانس الآداب - جامعة القاهرة، وله عدد من المشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))