كتب الوقف والابتداء وعلاقتها بالنحو (2-2)

بعد أن تعرَّضت المقالةُ الأولى لبعض التطبيقات المبيّنة لعلاقة كتب الوقف والابتداء بالنحو، تأتي هذه المقالة لتعرِض تطبيقات أخرى من أربعة كتب أخرى من الكتب المهمّة في الوقف والابتداء، وتختتم بمسرد بأهم ما أُلّف في هذا الفنّ.

كتب الوقف والابتداء وعلاقتها بالنحو (2-2)[1]

4- الاقتداء في الوقف والابتداء، لمحمد بن عبد الله النكزاوي[2]:

لم يخرج هذا الكتاب عمّا كانت عليه الكتب المتقدّمة عندما عالج مسائل الوقف والابتداء في مواضع الآيات من سورها؛ لأنّ الكتابَ ملخصٌ للكتب السابقة، وقد ذكر هو ذلك فقال: «فقد رغَّب إليَّ جماعةٌ من المشتغلين بتلاوة القرآن المتّصفين بالتجويد والإتقان أنْ أجمع لهم ما يجري إلى حالة الإقراء مما يتعلق بالوقف والابتداء». ولكنه امتاز عنهم في أنه مهَّد لكلّ سورة بذِكر عددِ آيها، ومكية هي أم مدنية، فقال: «...وأن أقدِّمَ على ذلك عدد آي القرآن وتعيينها، وعدد كلِمِه وحروفه وتبيينها، على ما في ذلك من الاختلاف والجمع والائتلاف، مع ذكر النظائر في العدد المأثور ما يشبه الفواصل على القول المشهور».

ثم قال في منهجه: «بحيث لا أخليه من حديث وتفسير وأسباب وقراءة ومعنى وإعراب، من غير استغراق في ذلك ولا إطناب، ولا تكلُّف ولا إسهاب؛ إذ عِلْمُ القرآن أشرفُ العلوم وأرفعها وأحقّها بالتقديم وأنفعها». وبعد هذا التمهيد ذكر أبواب الكتاب:

  1. باب في بعض السنن والآثار التي فيها ذكر السور.
  2. باب ذكر من جاء عنه عقد الآي في الصلاة من الصحابة.
  3. باب ذكر من جاء عنه ذلك من التابعين.
  4. باب ذكر من كان يعدّ الآي من أئمة القرّاء.
  5. باب ذكر جامع العدد. ذكر فيه عدد أهل المدينة والبصرة والكوفة والشام.
  6. باب جملة عدد آي القرآن.
  7. باب جملة عدد كَلِم القرآن وحروفه.
  8. باب في ذكر معنى الآية والسورة والكلمة والحرف.
  9. باب ذكر المكي والمدني من السور.
  10. باب أقسام الوقف والابتداء. فعرّف كلّ نوع وأتى بالأمثلة له.
  11. باب ذكر شيء من فضائل القرآن.
  12. باب أسماء الأئمة الذين اشتهر عنهم الوقف والابتداء.

ثم ابتدأ بسور القرآن: «قال في {ألم}: اختلف الأئمة في الوقف عليها، قيل: إنه روى ابن مهران عن الأخفش أنه قال: يجوز الوقف على كلّ حرف منها، ويكون وقفًا تامًّا، ويكون كلّ حرف منها جملة مستقلة بذاتها؛ بمعنى: هذه ألف، وهذه ميم. وقيل: ليس مراد الأخفش ما ذُكر أنّ كلّ حرف منها جملة مستقلة، وإنما مراده أن كلّ حرف منها كلمة بذاتها يمكن الوقف عليها دون أختها عند الضرورة وانقطاع النفس. قلتُ: ذلك غير جيد؛ لأن الكلام ما وقع إلّا في وقف الاختيار لا في وقف الاضطرار، لأن القارئ إذا اضطر إلى الوقف إمّا لانقطاع نفَسٍ أو غيره فإنه يقف على آخر. وقيل: لا يجوز الوقف على كلّ كلمة منها، إنما يجوز الوقف على الحروف بجملتها. وقيل: لا يجوز الوقف على الحروف بجملتها، وإذا جاز الوقف على الحروف بجملتها فهل يكون وقفًا تامًّا أو كافيًا؟ فقيل: تامّ. وإن كان تامًّا؛ فهل تكون هذه الحروف في محلّ رفع أو نصب؟ فقيل: تكون في محلّ رفع خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذا المتلوّ والمقروء {ألم}، وقيل: في محلّ نصب مفعول به بفعل مضمر، تقديره: أقرأ وأتلو {ألم}، ويكون في محلّ نصب على الإغراء، تقديره: عليك {ألم}، وقيل: كافٍ، وهو قول أبي حاتم. وقيل: لا ينبغي الوقف عليها بجملتها؛ لأنها في محل رفع على الابتداء...»[3].

5- كتاب المقصد لتلخيص ما في المرشد، لأبي يحيى زكريا الأنصاري[4]:

الكتاب تلخيص لكتاب المرشد، لأبي سعيد العماني، الذي ذكَر عنه أبو يحيى الأنصاري أنه التزم أن يورد فيه جميع ما أورده أهل هذا الفنّ، ثم قال: «وأنا أذكر مقصود ما فيه مع زيادة بيان محلّ النزول، وزيادة أخرى غالبها عن أبي عمر عثمان بن سعيد المقرئ». وبعدها مهَّد للموضوع؛ فذكر أنواع الوقف وعددها، وذكر خلافات العلماء فيها، وجاء ببعض الأمثلة على ذلك.

وأبواب الكتاب هي:

- في ألِف الوصل: ذكر فيه مواضعه.

- في الياءات: وذكرها ضربين: ضربًا تثبت خطًّا، وضربًا تحذف.

- في هاء التأنيث.

- فيما جاء من هاء التأنيث مكتوبًا بالتاء ومكتوبًا بالهاء.

- في الهاءات التي تزاد في آخر الكلمة للوقف عليها.

- في الوقف على هاء الكناية.

- في الوقف على آخر الكلمة المتحركة مُنوّنة وغير مُنوّنة.

- في كَلّا.

- في الكلمتين اللتين ضُمَّت إحداهما إلى الأخرى فصارتا كلمة واحدة لفظًا.

ثم ذكر سور القرآن مبتدئًا بسورة الفاتحة، ومما قاله فيها: «والوقف على آخر التعوذ تامّ وإن لم يكن من القرآن؛ لأنَّا مأمورون به عند القراءة، وعلى البسملة تامّ بل أتمّ، وتقديره: (ابتدائي باسم الله، أو أبتدئ باسم الله)، وعلى {الْحَمْدُ} غير جائز لأنه لا يفيد، وقس به ما يشبهه، وعلى {اللهِ} قبيح؛ للفصل بين النعت والمنعوت، وعلى {رَبِّ} غير جائز؛ لِما مرّ، وللفصل بين المتضايفَيْن اللذَيْن هما كشيء واحد، {الْعَالَمِينَ} صالح؛ لأنه رأس آية وليس تامًّا للزوم الابتداء بعده بالمجرور بغير جارّ، {الرَّحِيمِ} كافٍ وليس تامًّا، كذلك {الدِّينِ} تام، و{نَعْبُدُ} جائز، وليس حسنًا وإن كان آخر الآية؛ لأن ما بعده بدل منه وهو متعلق به، {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} جائز، وليس حسنًا؛ لأنّ ما بعده مجرور نعتًا أو بدلًا أو منصوب حالًا أو استثناء، وكلّ منهما متعلق به. وقال أبو عمرو: حسن وليس بتام ولا كافٍ؛ سواء جرّ ما بعده أم نصب، {وَلَا الضَّالِّينَ} تامّ»[5].

وقال في سورة البقرة: «{عَلَى قُلُوبِهِمْ} جائز {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} تام. وقال أبو عمرو: كافٍ، وقيل: تام. هذا إنْ رفعْتَ {غِشَاوَةٌ} بالابتداء أو بالظرف: أي (استقَرّ أو حصل على أبصارهم غشاوةٌ)، وإن نصَبْتها كما روي عن عاصم: إمّا بـ{خَتَمَ} أو بفعل دل عليه {خَتَمَ}، أي: (وجعل على أبصارهم غشاوةً). أو بنزع الخافض، وأصله: (بغشاوةٍ)؛ فالوقف على {سَمْعِهِمْ} على الثاني من الأوجه الثلاثة كافٍ، وقال أبو عمرو: لا يوقف عليه، وعلى الآخرَين جائز. {غِشَاوَةٌ} صالح، وقال أبو عمرو: كافٍ، فإن أراد به أنه صالح فلا خلاف»[6].

6- كتاب منار الهدى في بيان الوقف والابتدا، لأحمد بن محمد بن عبد الحكيم الأشموني[7]:

قال الأشموني عن كتابه: «سمَّيته (منار الهدى في بيان الوقف والابتدا)، مقدِّمًا أمام المقصود فوائد وتنبيهات تنفع القارئ وتعينه على معرفة الوقف والابتداء؛ ليكون على بصيرة إذا خاض في هذا البحر الزخار». ثم زاد فقال: «ولا يقوم بهذا الفنّ إلّا مَن له باع في العربية، عالم بالقراءات، عالم بالتفسير، عالم باللغة التي نزل القرآن بها على خير خلقه»[8].

وذكر هذه الفوائد: الفائدة الأولى: أسماء مَن كتب بالوقف والابتداء، وفي الفائدة الثانية: عرّف الوقف والابتداء، وذكر أنواعه ومراتبه، والمواضع التي يوقف عليها، والأحكام النحوية التي تُعَيِّن هذه المواضع، وذكر في هذه الفوائد عدة تنبيهات، وجاء بعدها بموضوعات سمّاها (مطالب)، وهي: مطلب: علوم القرآن ثلاثة، ومطلب: استخراج عُمْرِ النبي -صلى الله عليه وسلم- من القرآن، ومطلب: ثواب القارئ، ومطلب: أهل الجنة، ومطلب: كيفية قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومطلب: ما لقارئ القرآن في بيت المال، ومطلب: الاستعاذة، ومطلب: البسملة، ومطلب: وصل أوائل السورة بأواخرها.

ثم ذكر سور القرآن الكريم، ومما جاء فيها:

{بَعُوضَة} قرئ بالرفع والنصب والجرّ، فنصبها من سبعة أوجه، كونها منصوبةً بفعل محذوف، تقديره: (أعني بعوضةً)، أو صفة لـ{مَا}، أو عطف بيان لـ{مَثَلًا}، أو بدلًا منه، أو مفعولًا لـ{يَضْرِبَ}، و{مَثَلًا} حال تقدمت عليها، أو مفعولًا ثانيًا لـ{يَضْرِبَ}، أو منصوبة على إسقاط (بين)، والتقدير: (ما بين بعوضة)، فلمّا حذفت (بين) أعربت {بَعُوضَة} كإعرابها. أنشد الفرّاء:

يا أحسن الناس ما قرنًا إلى قدم ** ولا حبال محب واصل يصل

أراد: (ما بين قرن إلى قدم)، وعليه لا يصلح الوقف على {مَا} لأنه جعل إعراب (بين) فيما بعدها، ليعلم أن معناها مراد، فـ{بَعُوضَة} في صلة {مَا}. ورفعها، أي: {بَعُوضَة} من ثلاثة أوجه: كونها خبرًا لمبتدأ محذوف، أي: (ما هي بعوضة)، أو إنَّ {مَا} استفهامية و{بَعُوضَة} خبرها، أيْ: (أيّ شيءٍ بعوضة)، أو المبتدأ محذوف، أي: (هو بعوضة). وجرّها من وجه واحد، وهي كونها -أيْ: {بَعُوضَة}- بدلًا من {مَثَلًا} على توهُّم زيادة الباء، والأصل: (إنّ الله لا يستحيي بضربِ مثلِ بعوضة)، وهو تعسف تنبو عنه بلاغة القرآن العظيم، والوقف يبين المعنى المراد. فمَن رفع {بَعُوضَة} على أنها مبتدأ محذوف الخبر، أو خبر مبتدأ محذوف؛ كان الوقف على {مَا} تامًّا. ومَن نصبها -أي {بَعُوضَة}- بفعل محذوف؛ كان كافيًا لعدم تعلّق ما بعدها بما قبلها لفظًا لا معنى، وكذلك يكون الوقف على {مَا} كافيًا إذا جعلت {مَا} توكيدًا؛ لأنها إذا جعلت تأكيدًا لم يوقف على ما قبلها.

وأمّا لو نصبت {بَعُوضَة} على الاتباع لـ{مَا} ونصبت {مَا} على الاتباع لـ{مَثَلًا} فلا يحسن الوقف على {مَا}؛ لأن {بَعُوضَة} متممة لـ{مَا}، كما لو كانت {بَعُوضَة} صفة لـ{مَا}، أو نصبت بدلًا من {مَثَلًا}، أو كونها على إسقاط الجار، أو على أن {مَا} موصولة؛ لأن الجملة بعدها صلتها، ولا يوقف على الموصول دون صلته، أو أنّ {مَا} استفهامية و{بَعُوضَة} خبرها، أو جرَّت {بَعُوضَة} بدلًا من {مَثَلًا}، ففي هذه الأوجه السبعة لا يوقف على {مَا}؛ لشدة تعلق ما بعدها بما قبلها»[9].

7- الوقف والابتداء، لمحمد بن طيفور السجاوندي[10]:

أخَّرنا ذكر هذا الكتاب؛ لأنه تفرّد في تسميته أنواع الوقف، فلم يذكرها على المصطلحات التي استعملتها الكتب التي عرضناها، فقد ذكر مراتبها على الوجه الذي أدرجنا في تعريفات أنواع الوقف وهي: لازم، ومطلق، وجائز، ومجوز لوجه، ومرخص ضرورة.

فهو قد وضع تعريفاتها، وأتى لها بالأمثلة ليوضح ما يراه مناسبًا، ثم شرع في ذكر سور القرآن الكريم، متّبِعًا الطريقة نفسها للاستعانة بالقاعدة النحوية، ليعيّن موضع الوقف ونوعه -بحسب مصطلحاته-، واستعمل حروفًا لمعانٍ تتغير بتغيّر التراكيب، ثم إنه أورد أنه اعتمد على كتابين، هما: المقاطع والمبادي لأبي حاتم السجستاني، والمرشد لسعيد العماني.

قال في الوقف اللازم: «فأوّل ذلك قوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}، إِذْ لو وُصِل بقوله: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} صارت الجملة صفة لقوله: {بِمُؤْمِنِينَ} فانتفى الخداع عنهم وتقرر الإيمان خالصًا عن الخداع، كما تقول: (ما هو بمؤمن مخادع)، ومراد الله -جل جلاله- نفي الإيمان وإثبات الخداع لهم»[11].

وقال في سورة البقرة: «{ألم} للاختلاف {لَا رَيْبَ} على حذف خبر {لَا}، تقديره: (لا ريب فيه) -كما ذكرنا {فِيهِ} مكررًا في قوله: {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ}[التوبة: 108]- ثم يستأنف {فِيهِ}، ومن وصل جعل {فِيهِ} فيه رجال، ثم يستأنف {فِيهِ}، ومن وصل جعل {فِيهِ} خبر {لَا} عند المؤمنين، والوقف فيهما على {فِيهِ}، و{هُدًى} خبر لمبتدأ محذوف، أيْ: هو هدى»[12].

وبعدُ: وهذا عرض للكتب التي استطعنا أن نراها، ذكرنا فيه مناهجها أولًا بأساليب مؤلفيها من مقدّماتها، وذكرنا بعضًا من أساليبهم عند إرادتهم تعيين الوقف على الآيات الكريمة، والغاية من هذا البحث أننا نريد أن نثبت أن للأحكام النحوية أثرها الواضح في هذا العلم، وفي تعيين مواضع الوقف وأنواعها. فالنصوص التي اخترناها من الكتب كلّها نصوصٌ ظهر فيها أثر تلك القواعد والأحكام لتكون دليلًا نوضح للقارئ بواسطته مناهج هذه الكتب، وقد يدعم هذا كثرة الأعلام من نحويين وقرَّاء، أوردهم هؤلاء المؤلفون، واستشهدوا بآرائهم. ولكن قد يعترض معترض في أن هذه النصوص القليلة قد تكون متعمّدًا في اختيارها لهذه الغاية، ويمكننا أن نجيب عن هذا: أنّ أولئك المؤلفين كانوا في مواضع كثيرة من كتبهم لا يذكرون القواعد استنادًا إلى أن مسألة مماثلة قد مرّت، فلا داعي لإعادة التعليل والقاعدة، ولهذا جاءت الأقسام الأخيرة من هذه الكتب خلوًا من كثرة التعليلات وذكر الأحكام، ولكن القاعدة هي الأساس التي قاسوا عليها في تعيين تلك المواضع، ومن أجل أن نضع البرهان أمام القارئ نختار كتابين من هذه الكتب، هما: (إيضاح الوقف والابتداء)، و(القطع والائتناف)؛ لقِدَمهما ولاعتماد الكتب المتأخرة عليهما، لنعرض مدى استيعاب هذين الكتابين لكثير من القواعد النحوية، والمناقشات التي أورداها، وذِكرهما الخلافات النحوية، واستعمالهما كثيرًا من المصطلحات النحوية، وإشاراتهما إلى حروف المعاني، وإيرادهما الشعر الذي يستشهد به النحويون؛ لنخلص إلى أن هذا العلم متأثر تأثرًا كبيرًا بعلم النحو.

من ذلك ما قاله أبو بكر في نصبِ {مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا}[الأعراف: 137]: «فيها وجهان؛ أحدهما: أن تكون منصوبة بـ{أَوْرَثْنَا} على غير معنى محلّ، والمحلّ: هو الذي يسمّيه الكسائيُّ صفةً، والخليلُ وأصحابه من البصريين ظرفًا. والوجه الثاني: أن ينصب {الَّتِي} بـ{أَوْرَثْنَا}، وينصب (المشارقَ والمغاربَ) على المحلّ»[13].

وقال في {قَوْلَ الْحَقِّ}[مريم 34]: «ومَن قرأ: {قَوْلَ الْحَقِّ} نصبه على وجهين؛ أحدهما: أن ينصبه على المصدر، كأنه قال: (أقول قولًا حقًّا). والوجه الآخر: أن ينصبه على خبر {ذَلِكَ} ويجعل {ذَلِكَ} في مذهب (كان)، كما تقول: (هذا زيدٌ أخاك)، و(هذا الخليفةُ قادمًا)؛ فتنصبه لأنك قرنْتَ بـ(هذا وذلك) الفعل، ونصبْتَ به كما تنصب بـ(كان)»[14].

وقال في {أَشِحَّةً}[الأحزاب: 19]: «وهو ينتصب من أربعة أوجه؛ إحداهن: أن تنصبه على القطع من {الْمُعَوِّقِينَ}، كأنه قال: (قد يعلم الله الذين يعوِّقون عند القتال، ويشحُّون عند الإنفاق على فقراء المسلمين)، ويجوز أن يكون منصوبًا على القطع من {الْقَائِلِينَ} أي: (هم أشحّة)، ويجوز أن تنصبه على القطع مما في {يَأْتُونَ}، ويجوز أن تنصبه على الذّم»[15]. إلى كثير من المصطلحات التي نجدها في مواضع كثيرة من الكتاب؛ كالترجمة، والصلة، والجحد، وما لم يسمّ فاعله.

وقال أبو جعفر النحّاس في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ}[الفرقان: 59]: «...وإنْ جعلته بدلًا من المضمر الذي في {اسْتَوَى} كان التمام {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ}، وهذا قول البصريين، والكسائي أيضًا يجيزه غير أنه لا يقول على البدل، ويقول: مردود على المضمر، والفرَّاء لا يجيز أن يردّ على المضمر ظاهرًا؛ لأن المضمر عنده لا يبين»[16].

وقال في: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}[الصافات: 103]: «ليس بكافٍ عند الكوفيين لأنه لم يأت جواب {لَمَّا}، والجواب عنده {نَادَيْنَاهُ}[الصافات: 104]، والواو مقحمة، وليس هو كذا عند البصريين، لا يجوز عندهم زيادة الواو لأنها للعطف، والجواب عندهم محذوف»[17].

وقال في {حَذَرَ الْمَوْتِ}[البقرة: 19]: «قال الأخفش: {حَذَرَ الْمَوْتِ} التمام. وقال غيره: لا يوقف على {مِنَ الصَّوَاعِقِ}؛ لأن ما بعده علة له، وهذا يجيء على قول سيبويه؛ لأنه قال: (هذا باب ما ينتصب من المصادر لأنه عُذرٌ لوقوع الأمر، فانتصب لأنه موقوع له)، قال أبو جعفر: فهذا مفعول من أجله، كما تقول: جئتك ابتغاءَ العلم. وقال الفرَّاء: أمّا قوله: {حَذَرَ الْمَوْتِ} فإنه منصوب على التفسير يحسن فيه (مِن) أو ما في جنسه»[18].

ونجد أيضًا في الكتاب كثيرًا من المصطلحات التي استعملها النحاة قبله، كالترجمة والتبيين والقطع والمردود وما لم يسمّ فاعله. ولكن لا يعني هذا أنهم قد قَصَرُوا كتبهم على الأحكام والقواعد النحوية فقط، ولكن كما أشرنا في مقدمة البحث أنّ صاحب التمام يحتاج إلى القراءة والتفسير والنحو واللغة وشيء من خلافات الفقهاء؛ ليستطيع على أساسٍ منها أن يعيّن نوع الوقف وموضعه، فلهذا أيضًا جاءت كتبهم وقد احتوت على كثير من مسائل تلك العلوم.

أسماء مَن كَتَبَ بالوقف والابتداء:

- ضرار بن الصُّرَد، ت129هــ[19].

- أبو عمرو بن العلاء، ت154هـ[20].

- حمزة بن حبيب الزيات، ت156هـ[21].

- محمد بن الحسن أبو جعفر الرؤاسي، ت170هـ. له كتابان: الوقف الكبير والصغير[22].

- یحیی بن المبارك اليزيدي، ت202هـ[23].

- یحیی بن یزید الفرّاء، ت207هـ[24].

- خلف بن هـشام، ت229هـ[25].

- محمد بن سعدان، ت231هـ[26].

- عبد الله بن يحيى أبو عبد الرحمن اليزيدي، ت237هـ[27].

- حفص بن عمر أبو عمر الدوري، ت246هـ[28].

- أحمد بن یحيى ثعلب، ت291هـ[29].

- سلیمان بن يحيى الضبي، ت291هـ[30].

- محمد أحمد بن کيسان، ت299هــ[31].

- إبراهـيم بن السريّ أبو إسحاق الزجّاج، ت311هـ[32].

- محمد بن القاسم أبو بكر الأنباريّ، 328هــ[33].

- محمد بن محمد بن عباد المالكي، ت334هـ[34].

- أحمد بن محمد أبو جعفر النحّاس، ت338هـ[35].

- الجعدي[36].

- هـشام بن عبد الله[37].

- أحمد بن محمد بن أوس المقرئ، ت340هـ[38].

- محمد بن الحسن العطار، ت354هـ[39].

- محمد بن عبد الله بن أشتة، ت360هـ[40].

- أبو بكر بن مِقْسَم، ت362هـ[41].

- الحسن بن عبد الله بن المرزبان، ت368هـ[42].

- أحمد بن الحسن بن مهـران النيسابوري، ت381هـ[43].

- إسماعيل بن عباد أبو القاسم، ت385هـ[44].

- عبد الله بن أبي محمد[45].

- عثمان بن جنّي، ت392هـ[46].

- مكي بن أبي طالب، ت437هـ[47].

- محمد بن عبد الكريم الخزاعي، ت480هـ[48].

- محمد بن عبد الملك بن السراج، ت549هـ[49].

- عبد العزيز بن علي المعروف بابن الطحّان، ت560هـ[50].

- حميد بن علي بن نصر، في حدود الأربع مائة[51].

- أحمد بن محمد بن سهـل، ت569هـ[52].

- الحسن بن أحمد أبو العلاء الهـمداني، ت569هـ[53].

- محمد بن سهـل العطار، ت569هـ[54].

- عبد العزيز بن علي أبو الإصبع الإشبيلي، ت559هـ[55].

- عیسی بن عبد العزيز بن سليم، ت629هـ[56].

- عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب، ت646هـ[57].

- عبد السلام بن علي الزواوي، ت681م[58].

- برهـان الدین أبو محمد إبراهـيم بن عمر الجعبري، ت732هـ[59].

- محمد بن تاج الدين المعروف بابن الإمام، ت745هـ[60].

- إبراهـيم بن موسی بن بلال الكركي، ت803هـ[61].

- عبد الله بن إبراهـيم الشناوي[62].

أسماء مَن سَمَّوا كتبهـم بـ(وقف التمام):

- نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، ت199هـ[63].

- يعقوب بن إسحاق الحضرمي، ت205هـ[64].

- الفرَّاء، ت207. له كتاب الابتداء والتقطيع[65].

- سعيد بن مسعدة الأخفش، ت215هـ[66].

- روح بن عبد المؤمن، ت234هـ[67].

- نصر، ولعله نصر بن علي؛ المتوفى سنة 250هـ[68].

- أحمد بن عيسى اللؤلؤي[69].

- عفيف الدين بن عبد الباقي[70].

وهـذه أسماء مَن أطلقوا على كتبهـم أسماء أخرى:

- عبد الله بن عامر، ت118هـ، له كتاب المقطوع والموصول[71].

- شيبة بن نصاح، ت130هـ. له كتاب الوقوف[72].

- علي بن حمزة الكسائي، ت289هـ. له مقطوع القرآن وموصوله[73].

- أبو حاتم السجستاني، ت255هـ. له المقاطع والمبادي[74].

- الفضل بن محمد الأنصاري، له كتاب الوقف[75].

- أحمد بن کامل بن شجرة، ت350هـ، له كتاب الوقوف[76].

- أبو بكر بن مِقْسَم، ت362هـ، له كتاب عدد التمام[77].

- أحمد بن الحسن بن مهـران النيسابوري، ت381هـ، له کتاب وقف القرآن[78].

- مكي بن أبي طالب، ت437هـ. له كتاب شرح الوقف التام والوقف على كَلّا[79].

- الحسن بن الحسن بن أحمد العطار. له كتاب الهـادي في علم المقاطع والمبادي[80].

- أحمد بن يوسف الكواشي، ت680هـ. له كتاب الوقوف[81].

- الحسن بن أم قاسم المرادي، ت749هـ. له کتاب وقف حمزة[82].

- عبد الله بن محمد الجزري، ت833هـ. له رسالة في الوقف[83].

- إبراهـيم بن موسى الكركي، ت853. له كتاب الآلة في معرفة الوقف، ولحظة الطرف في معرفة الوقف[84].

- خير الدين بن علي، ت886هـ. له كتاب الوقوف[85].

 


[1] نشرت هذه المقالة في مجلة «المجمع العلمي العراقي»، مج/ 31، ج/ 4. ذو القعدة 1400هـ/ أكتوبر 1980م، ص154. (موقع تفسير).
وهي مكمّلة للجزء الأول منها، والمنشور على هذا الرابط: tafsir.net/article/5334.

[2] هو عبد الله بن محمد مقرئ، ولد سنة 614هـ، وتوفي 683هـ. غاية النهاية (1/ 452).

[3] ص16 وجه.

[4] هو زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري، قاض مفسر من حفاظ الحديث. (823-926هـ). أعلام، (3/ 80).

[5] ص28.

[6] ص33.

[7] هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم الأشموني، فقيه ومقرئ، وهو من أهل المائة الحادية عشرة من الهجرة، معجم المؤلفين (2/ 121).

[8] ص4.

[9] ص37.

[10] هو أبو عبد الله محمد بن طيفور، نحوي مقرئ مفسر، كان في وسط المائة السادسة للهجرة، غاية النهاية، (2/ 157).

[11] غاية النهاية، ص2.

[12] نفسه، ص6.

[13] إيضاح الوقف، ص665.

[14] نفسه، ص763، 764.

[15] نفسه، ص841، 842.

[16] القطع، ص524.

[17] نفسه، ص606.

[18] نفسه، ص123.

[19] الفهرست، ص36.

[20] تاريخ التراث العربي، ص148.

[21] الفهرست، ص36.

[22] الفهرست، ص64.

[23] معجم الأدباء، (7/ 260).

[24] إنباه الرواة، (4/ 16).

[25] الفهرست، ص36.

[26] الفهرست، ص36.

[27] إنباه الرواة، (2/ 151).

[28] الفهرست، ص46.

[29] الفهرست، ص74.

[30] الفهرست، ص36.

[31] الفهرست، ص81.

[32] هدية العارفين، (1/ 5).

[33] مطبوع في دمشق، سنة 1971م.

[34] معجم الأدباء، (7/ 90).

[35] رسالة الدكتوراه بتحقيقنا.

[36] الفهرست، ص36.

[37] الفهرست، ص36.

[38] في مكتبة شهيد علي باشا، رقمه (3).

[39] معجم الأدباء، (6/ 501).

[40] طبقات النحاة واللغويين، ص139.

[41] الفهرست، ص33.

[42] الفهرست، ص63.

[43] معجم الأدباء، (2/ 412).

[44] إنباه الرواة (1/ 203).

[45] الفهرست، ص51.

[46] معجم الأدباء، (5/ 316).

[47] هدية العارفين (2/ 471).

[48] تاريخ التراث العربي، (1/ 169).

[49] حاج بشير أغا، رقم: 5.

[50] رقمه في دار الكتب، 19411ب.

[51] غاية النهاية، (1/ 257).

[52] طبقات المفسرين، (1/ 129).

[53] غاية النهاية، (1/ 204).

[54] هدية العارفين، (2/ 97).

[55] هدية العارفين، (1/ 579).

[56] هدية العارفین، (1/ 808).

[57] روضات الجنات، (5/ 172).

[58] هدية العارفين، (1/ 570).

[59] ذيل بروكلمان، (2/ 134).

[60] هدية العارفين، (2/ 152).

[61] طبقات المفسرين، (1/ 23).

[62] مصور في المكتبة المركزية، جامعة بغداد.

[63] الفهرست، ص36.

[64] معجم الأدباء، (7/ 302).

[65] إنباه الرواة، (4/ 17).

[66] إنباه الرواة، (2/ 42).

[67] الفهرست، ص36.

[68] الفهرست، ص36.

[69] الفهرست، ص36.

[70] أكاديمية نازيوند ديي لنس، رقمه: 348.

[71] تاريخ التراث العربي، (1/ 148).

[72] تاريخ التراث، (1/ 148).

[73] إنباه الرواة، (2/ 271).

[74] إنباه الرواة، (2/ 62).

[75] تاريخ التراث، (1/ 148).

[76] معجم الأدباء، (1/ 17).

[77] إنباه الرواة، (3/ 101).

[78] معجم الأدباء، (2/ 412).

[79] هدية العارفین، (2/ 471).

[80] طوبقبي، رقمه: 1642.

[81] هدية العارفين، (1/ 98).

[82] غاية النهاية، (1/ 228).

[83] الظاهرية، رقمها: 5465.

[84] هدية العارفين، (1/ 20).

[85] طوبقبي، رقمها: 1689.

الكاتب

الدكتور أحمد خطاب العُمَر

العميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة الموصل، وله عدد من المؤلفات والتحقيقات المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))