حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية
تعد مسألة حجية تفسير السلف ومقدار وجوب التقيد بمقولاتهم في فهم القرآن الكريم إحدى أهم المسائل الشائكة في تراثنا المعرفي، وهذا الكتاب يحاول دراسة هذه المسألة وتحرير القول فيها من خلال عرض أقوال أحد أبرز الأعلام الذين نافحوا عنها وأصَّلوا لوجوبها، وهو شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله. حيث قام المؤلف بتحرير الدلائل والمرتكزات التي انطلق منها ابن تيمية في التأصيل لحجية تفسير السلف، وناقش هذه الأدلة بصورة موسعة.
تأتي هذه الدراسة ضمن الإصدارات التي نشرها مركز تفسير للدراسات القرآنية، 1442هـ- 2021م، وهي دراسة تقع في مجلد واحد، وعدد صفحاته (271) صفحة، وقد أعدَّها الباحث: خليل محمود اليماني.
وتقوم فكرة الدراسة على مناقشة وتقويم طرح ابن تيمية لحجية مقولات السلف في التفسير؛ ففي ضوء ما ذكرَتْه الدراسة من استشكال دعوى التقيد بفهوم العلماء وتفاسيرهم الاجتهادية للقرآن الكريم أيًّا كانت طبقة هؤلاء العلماء، وعناية شيخ الإسلام ابن تيمية بالتأصيل لضرورة التقيد والتأطر بتفسير السلف في فهم معاني القرآن، فقد عمدت الدراسة إلى إبراز مستندات ابن تيمية ودلائله في القول بحجية تفسير السلف ومناقشة هذه الدلائل، وذلك لبيان الموقف الصحيح تجاه هذا التأصيل التيمي في حجية تفسير السلف، وتجاه أقوال السلف في التفسير وكيفية التعامل معها.
وترتكز إشكالية الدراسة حول تساؤل مركزي وهو: ما الدلائل التي انطلق منها ابن تيمية في تأسيسه للقول بحجية أقوال السلف في التفسير، وما الموقف من تلكم الدلائل؟
وقد عملت الدراسةُ من خلال جملة أهداف، تمثّلت فيما يأتي:
1- بيان موقف ابن تيمية إزاء حجية تفسير السلف، وتحرير مرتكزاته ودلائله.
2- تقييم الموقف التيمي إزاء حجية تفسير السلف ومناقشته.
3- إثراء البحث في الدراسات الشرعية بمناقشة إحدى المسائل المنهجية والمتعالقة مع عدد من فنونها الرئيسة.
4- إذكاء ساحة الدرس بمناقشة موقف أحد العلماء الكبار المحررين، والتي تعدّ ضرورة لا غنى عنها في تمحيص العلم وإنضاج المسائل.
ولتحقيق هذه الأهداف حدَّدت الدراسة عملها في البناء والتصوير للموقف التيمي إزاء حجية أقوال السلف في التفسير على إبراز الرؤية الكلية لابن تيمية إزاء تلكم الحجية وتحرير موقفه العام منها، والتوسع في بيان أسس ذلك الموقف ومنطلقاته وركائزه ودلائله، بحيث يكون ذلك هو مجال التقويم، لا ما ينطوي عليه الموقف ذاته من بعض تفاصيل وجزئيات خاصة لها ارتباط ببعض الأحوال في التعامل مع أقوال السلف؛ لحاجة هذه الجزئيات إلى بحوث خاصة، وعدم تأثيرها على التقييم الكلي لموقف ابن تيمية تجاه هذه القضية.
وجاءت الدراسة في مقدمة وأربعة فصول وخاتمة وملحق، بيَّن المؤلف في المقدِّمة فكرة الدراسة، وإشكاليتها، وأهدافها، وحدودها، ومخطط الدراسة.
وجاء الفصل الأول بعنوان: الموقف التيميُّ من حجيّة تفسير السلف؛ ضبط وتحرير.
وأمّا الفصل الثاني فجاء بعنوان: الموقف التيمي من حجية تفسير السلف؛ مناقشة وتقويم. وقد اشتمل على مبحثين:
- المبحث الأول: دعوى وجود بيان نبوي لمعاني القرآن؛ مناقشة وتقويم.
- المبحث الثاني: دلائل ابن تيمية في إثبات وجود بيان نبوي لمعاني القرآن؛مناقشة وتقويم.
وجاء الفصل الثالث بعنوان: منطلقات بناء حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ النشأة والدوافع. وقد اشتمل على مبحثين:
- المبحث الأول: منطلقات بناء حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛النشأة والتشكُّل.
- المبحث الثاني: منطلقات بناء حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛الدوافع والمسببات.
وجاء الفصل الرابع والأخير بعنوان: منطلقات بناء حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ الآثار والانعكاسات.
واشتملت الخاتمة على ذكر أهم نتائج البحث وأبرز توصياته.
وأمّا الملحق فجاء بعنوان: واقع الدرس لحجية تفسير السلف عند شيخ الإسلام؛ نظرات نقدية عامة. حيث عالجت فيه الدراسة بصورة نقدية واقع تناول الدراسات لمسألة حجية تفسير السلف عند ابن تيمية.
وقد خلصت الدراسة إلى عدة نتائج، أبرزها ما يأتي:
1-أن ابن تيمية قائل بحجية تفسير السلف وضرورة التقيد الكامل بهذا التفسير في الفهم، وأنه اعتمد في بناء مقولته تلك على منطلق كلي رئيس يتمثَّل في وجود بيان/ تفسير نبوي نقله السلف، ومن ثَم فإن مقولات السلف في التفسير تتأسس حجيتها وجوبًا باعتبارها نقلًا للبيان والتفسير النبوي لمعاني القرآن.
2- فكرة وجود بيان نبوي لسائر القرآن قام السلف بنقله التي انطلق منها ابن تيمية هي فكرة غير صحيحة في ذاتها ومصادمة لمقررات كثيرة جدًّا، وأن دلائل ابن تيمية في إثباتها مشكلة وغير ناهضة في إقامتها.
3- أظهرت الدراسة أن هذه الدعوى التي تبنّاها ابن تيمية من وجود بيان نبوي لسائر القرآن نقله السلف =كان لها حضور سابق عليه عند الإمام الطبري، وأن ثمة احتمال في تأثّر ابن تيمية به في القول بهذه الدعوى، وأنه كان وراء تبنّي ابن تيمية لهذه الدعوى سياق عقدي ظاهر ورغبة ملحّة في تكوين مرتكز ترتد إليه دائرة الفهم للنص القرآني؛ كي يتمكن به من مساجلة المقولات الكلامية التي تفرّعت على مرونة هذه الدائرة وقبولها لاحتمالات كثيرة ووجوه متعدّدة يتعذر معها تحرير المراد القاطع وحمل القرآن على حادث الدلالات اللغوية كالقول بظنية النصوص وغير ذلك، وكذلك حتى يستطيع ضبط التعامل مع الخلاف في باب الصفات.
وكذلك بيّنت الدراسة أنه في ضوء إشكال التأسيس التيمي لحجية تفسير السلف ولزوم التقيد بهذا التفسير في فهم القرآن =فقد سقط بذلك اعتبار تفسير السلف مرتكزًا ضابطًا لدائرة الفهم للقرآن على النحو الذي صوّره ابن تيمية، وبات ما تأسّس عند ابن تيمية تبعًا لذلك المرتكز من أحكام ومقرّرات بحاجة لمراجعة وإعادة بحث ونظر.
وأيضًا أشارت إلى أنّ أبرز ما يطرحه سقوط هذا الأصل الذي رسّخه ابن تيمية من القول بحجية تفسير السلف هو وضع العقل الإسلامي أمام إشكال ضَعْف البناء النظري لعلم التفسير وعدم العناية بتحرير هذا البناء، والذي لطالما أسهم في حجب تصور أهمية تحريره والإشكالات الناجمة عن غيبته =حضور هذا الأصل واعتباره بمثابة قاعدة محرّره لعملية الفهم والفصل في التعدد التأويلي للنصّ على نحو قاطعٍ باتّ.
الكتاب متوفر للبيع على متجر تفسير