قراءة في كتاب
مصاحف الأمويين؛ نظرة تاريخية في المخطوطات القرآنية المبكّرة
فرنسوا ديروش

المؤلف : د. حسام صبري
يُعدّ كتاب (مصاحف الأمويين) للفرنسي فرنسوا ديروش، من أهم الكتب الغربية الصادرة مؤخرًا حول تاريخ المخطوطات القرآنية المبكّرة، يقدّم هذا المقال قراءة في هذا الكتاب، فيبين سر العناية بالمخطوطات القرآنية على الصعيد الإسلامي والغربي، ويستعرض محتويات الكتاب، ويبرِز بعض الملاحظات على افتراضاته في ضوء الرؤية الإسلامية التراثية عن تاريخ القرآن.

  صدرَتْ في مطلع عام 2023م ترجمة عربية لكتاب الفرنسي الشهير فرنسوا ديروش (Qurans of the Umayyads: A First Overview)، وجاءت الترجمة العربية بعنوان: (مصاحف الأُمويين: نظرة تاريخية في المخطوطات القرآنية المبكّرة)[1]. وفي ضوء ما لهذا الكتاب من أهمية في الدرس الغربي المعاصر للقرآن، وأنه يمثّل أحد المراجع المهمّة في الحديث عن المخطوطات القرآنية المبكّرة، فقد حاولتُ في هذه المادة تقديم قراءة في هذا الكتاب، وتعتمد القراءة التي بين أيدينا على هذه الترجمة التي أكرمَنَا اللهُ بإنجازها، من خلال محاور ثلاثة؛ الأول بعنوان: بين يدي الكتاب، والثاني: إطلالة على محتوى الكتاب، أمّا الثالث فاشتمل على بعض الملاحظات التقويمية للكتاب في ضوء الرؤية الإسلامية التراثية عن تاريخ القرآن.

أولًا: بين يدي الكتاب:

لعلّ أول ما يتبادر إلى الأذهان في هذا المقام هو التساؤل عن سرّ هذه العناية الملحوظة بالمخطوطات القرآنية، سواء على الصعيد الإسلامي أو الغربي. أمّا عن أسباب الاهتمام الإسلامي بالمخطوط القرآني، فذلك أنه دليل مادّي ملموس شاهد على أصالةِ النصّ السماوي وصدقِ البلاغ النبوي في أن هذا الكتاب محفوظٌ بحفظ الله، لم تمتدّ إليه يد التحريف أو التزييف. فهذه الأوساط الأكاديمية تكشف لنا من آنٍ إلى آخر عن عدد من المخطوطات القرآنية التي تعود لفجر الديانة الإسلامية تضاهي المصاحف الموجودة بين أيدينا اليوم، بلا تضارب ولا اختلاف، ولا نقص أو زيادة.

كما تتجلَّى أهمية تلك المخطوطات في دحض عدد من الشبهات، وإقامة براهين ساطعات على صِدْق ما أتى به التراث من مرويات. أمّا الشبهات، فقد قوَّضَت هذه المخطوطاتُ -وبخاصّة المبكّرة منها- نظرياتٍ استشراقيةً راحت تشكِّك في الرواية الإسلامية، وحملَ لواءها كتاباتٌ تنقيحيةٌ لا تقيم للمصادر التراثية وزنًا ولا تقبل لها قولًا، يزعم أصحابُها أن القرآن قد كُتب بعد قرابة قرنَيْن من الزمان من ظهور الإسلام، وأن الروايات التاريخية هي محض نتاج أدبي تخيّلي لا صِلة له بواقع تاريخي، فما النصّ القرآني إلا من وضعِ الجماعة الدينية بعد انقضاء عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بل في العصر الأُموي. وهي فِرْية تناقلوها، ودعوى باطلة روّجوها، محض أباطيل لا ينهض عليها دليل، تتهاوَى أمام هذا السيل العارم من الرقوق القرآنية، ولعلّ آخرها ما اكتُشف في العاصمة اليمنية، ومن قبلها قطعة قرآنية محفوظة في المكتبة البريطانية، أظهرت نتائج التحليل الكربوني أنها مكتوبة في القرن الأول من هجرة النبي.

كذلك فإنّ من أسباب عناية المسلمين بهذه المخطوطات الوقوف على خواصّ الرسم والقراءات، وبيان مطابقتها لما ذكره الأوَّلون وأودعوه المصنّفات؛ فيزداد يقين المسلِم بصحة ما ورد في كتب الرسم ومصنّفات القراءات، ويطمئنّ إلى تاريخ انتقال النصّ القرآني وتطور مراحل كتابة المصاحف والضبط. ولا ننسى أن النظر في هذه المصاحف المخطوطة طلبًا لشواهد ملموسة هو إحياء لسُنَّة الأوَّلين ومنهج السابقين ممن اعتادوا النظر في المصاحف العتيقة، فهذا الإمام الداني يقول في محكمه: «وَقد تَأَمَّلْتُ مَصَاحِفَنَا القَدِيمَة التِي كُتبت في زمَان الغَازِي بن قيس صَاحب نَافِع بن أبي نعيم وراوية مَالك بن أنس فَوجدتُ جَمِيع ذَلِك مثبتًا فِيهَا مُقَيّدًا على حسب مَا أثبت وهيئة مَا يُقيد في مصاحف أهل الْمَدِينَة، وَكَذَلِكَ رَأَيْتُ ذَلِك فِي سَائِر الْمَصَاحِف العراقية والشامية ونقاطهم على ذَلِك إِلَى اليَوم وَكَذَلِكَ نقاط أهل مَكَّة»[2].

وثمة حالات تُعزز فيها المصاحفُ المخطوطة عبر أمثلة منظورة رواياتٍ في الرسم غير مشهورة، كما في زيادة الألِف في كلمة (شيء) في غير موضع الكهف مما تعارف عليه العلماء من توسّطِ ألِف بين الشين والياء، وهي زيادة عند بعضهم غير معتبرة. على نحو ما قرّره الشاطبي في العقيلة[3]:

في الكهف شِينُ لِشاْيءٍ بعده ألفٌ            وقولُ في كلِّ شيءٍ ليسَ مُعْتَبَرا

بيدَ أن السخاوي يسوق شاهدًا على زيادة الألِف من المصاحف القديمة، فيقول: «واعلمْ أنّ هذه الزيادةَ قد وقعت فـي مصاحفِ الصحابةِ بغيرِ شكٍّ. ورأيتُ فـي المصحف الشاميّ مواضعَ بألفٍ ومواضعَ بغير ألفٍ، فممّا رأيتُه فيه بالألِف: في آل عمران: ﴿هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَايْءٍ﴾»[4].

ونجد عند فرنسوا ديروش في كتابه الذي بين أيدينا ما يؤيّد كلام السخاوي عند تحليله لمخطوط المصحف الدمشقي؛ إذ يقول: «وتُجَسِّد كلمة (شيء) حالةً وسطًا في المصحف الدمشقي، فالطريقة القديمة في الإملاء بإثبات الألِف المتوسطة بعد الشين تتكرّر بصورة كبيرة كما في الآيتين الثانية والخمسين والرابعة والخمسين من سورة الأحزاب (في ظهر الورقة التاسعة والثلاثين) في حين ترِد بطريقة الإملاء الحديث في ظهر الورقة الأربعين مثلًا (في الآيتين السادسة عشرة والسابعة عشرة من سورة سبأ)»[5].

ولعلّ مرَدّ هذه الزيادة مذهب العرب في إشباع الحركات؛ إِذْ كانت الكتابة تجري على لغة الإشباع تارة وعلى غير الإشباع تارة أخرى[6].

كذلك تبرز القيمة العلمية لهذه المصاحف المخطوطة في الوقوف على نماذج مرئية لتجريد المصاحف العثمانية، ومحاكاتها واقع الكتابة العربية في تلك الحقبة الزمنية. فقد كُتبت الصُّحف في العصر النبوي ومن بعده الراشدي مجرّدة من أيّ علامة، مكتفية بسواد القرآن على نحو ما قرّره الإمام الداني حين نقل لنا قول الأوزاعي: «سَمِعتُ يحيى بن أبي كثير يَقُول: كَانَ القُرآن مُجَرّدًا في الْمَصَاحِف، فَأوّل مَا أَحْدَثُوا فِيهَا النّقط على التَّاء وَاليَاء، وَقَالُوا: لَا بَأْس بِهِ، هُوَ نورٌ لَهُ، ثمَّ أَحْدَثُوا فِيهَا نقطًا عِنْد مُنْتَهى الْآي، ثمَّ أَحْدَثُوا الفواتح والخواتم»[7].

في ضوء ما سبق، تظهر أسباب عناية المسلمين بالمخطوطات القرآنية وإقبالهم على دراستها وإمعان النظر فيها، مع التأكيد في الوقت ذاته أنّ الأصل في حفظ النصّ القرآني هو النقل الشفاهي المتواتر.

أمّا عن أسباب عناية الغربيين بالمخطوطات القرآنية، فقد كانت امتدادًا في بعض الحالات لتاريخ طويل من الجدل الاستشراقي الذي سعى إلى إبطال أصالة الوحي القرآني، والطعن في مصدره الإلهي ونسبته تارة إلى النبي وتارة أخرى إلى مصادر يهودية أو مسيحية عاشت في شبه الجزيرة العربية، أو كما قال مشركو مكة منذ القِدَم إِنْ هي إلّا ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان: 5]، فجاءهم الردّ الفوري: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: 6]. إلا أنّ هذه العناية جاءت مدفوعة في أحايين كثيرة برغبة علمية في استكشاف تاريخ الانتقال النصِّي للقرآن، وعن البواعث العلمية للاهتمام بالمخطوطات القرآنية، فيمكن إجمالها في عدد من النقاط الرئيسة، أولها: دراسة الخطّ العربي وتطوّره عبر القرون، في امتداد للمنهج الباليوغرافي الذي يدرس الكتابات القديمة ونشأتها ومراحل تطوّرها، وقد تطوّر الأمر شيئًا فشيئًا فصار الدارسون الغربيّون للخطّ العربي يعتمدون على النقوش العربية بالإضافة إلى المصاحف الخطيَّة القديمة.

وفي هذا الصّدد يقول فرنسوا ديروش في بحث له نُشر ضمن مرجع أكسفورد للدراسات القرآنية:

 «وظلّت قضية النقل الكتابي المبكّر محصورة بشكلٍ كبيرٍ في الدراسات المعنيّة بعلم تطور الخطوط (الباليوغرافيا)، وجرى تناولها في الأساس من منظور زمني يُعْنَى ببحث التسلسل التاريخي. ومع ذلك، تنامى الاهتمام بهذا الجانب وظهرت اكتشافات حديثة دفعت الباحثين إلى إمعان النظر فيه. وعلى الجانب الآخر أدّى تطوّر علم النقوش العربية والمسكوكات والبرديات إبّان القرن التاسع عشر إلى اكتشاف نوع آخر من الشواهد النصّية (والاقتباسات) القرآنية التي تمدّنا بمعلومات إضافية عن النصّ. وباتت هذه المادة المكتوبة -وفي مقدّمتها المخطوطات- شاهدًا مهمًّا على تاريخ النصّ القرآني»[8].

وأحد أسباب العناية الغربية بالمخطوطات القرآنية هو استكمال مسيرة روّاد المنهج التاريخي النقدي في دراسة حالة النصّ القرآني في صدر الإسلام وما تلا ذلك من جمعٍ للقراءات في عصر ابن مجاهد. وفي هذا الإطار صار البحث عن الرّقوق القرآنية المبكّرة المكتوبة على الرَّق في القرنين الأول والثاني الهجريين مطلبًا لا منأى عنه؛ ذلك أنّ المنهج التاريخي النقدي الذي يعمل وفقه هؤلاء الباحثون يقتضي الرجوع للوثائق المادية المصاحبة للفترة الزمنيَّة التي كُتِبَ فيها النصّ، ثم معارضتها بالمصادر التراثية الإسلامية، والحُكم على صحة الروايات وفق تحليلهم للوثائق المدروسة، فضلًا عن توثيق القراءات القرآنية ومتابعة تطوّر الرّسم من خلال المصاحف القديمة.

إلى جانب ذلك ظهرت العناية بجوانب مختلفة من المخطوطات؛ إِذْ راحت بعض الدراسات تركّز على دراسة الجوانب الفنية والجمالية والتعرّف على الصناعة المادية للمخطوط القرآني. وهذا يأخذنا بدوره إلى تسليط الضوء في عجالة سريعة على أهم مجالات الدراسة فيما يتّصل بالمخطوطات القرآنية.

ولعلّ أبرزها: الدراسات الباليوغرافية والكوديكولوجية التي تركّز على التاريخ المادي للمصاحف دون التعرّض للنصّ القرآني نفسه (أي الفيلولوجيا)[9]؛ فتَدْرُس الخطوط وتطوّرها وتحاول تصنيفها إلى مجموعات اعتمادًا على الأساليب الخطيَّة المؤرّخة منها، كما فعل ديروش في دراسة أخرى له حين وضع تصنيفًا للخطوط استعمل فيه الحروف الإنجليزية والأرقام الرومانية، وكان قد استحدث اسم الخط العباسي المبكِّر ليكون بديلًا لما عُرف بالخط الكوفي، وشاع استخدام هذا الخط في كتابة المصحف بدلًا من الحجازي، ويصنّفه إلى ستّ مجموعات أو أساليب خطّية مختلفة، رمَز إلى كلّ منها بالحروف الإنجليزية من A إلى F ثم قسّم هذه المجموعات مرّة أخرى إلى أنواع، وأعطى لكلّ نوع رقمًا من الأرقام الرومانية، وفي بعض الحالات يتفرّع من هذه الأنواع أخرى فرعية. كما تُعنى الدراسة الكوديكولوجية بالصناعة الماديَّة للمخطوط القرآني كالأحبار والأصباغ والألوان، والكراريس والحياكة وأنماط التجليد (التسفير)، ودراسة وتحليل (خوارج النصّ/ حرود المتن) وكلّ ما يتعلّق بالتاريخ المادي والاجتماعي للنسخة.

كذلك من أهمّ مسارات النظر في المخطوطات: دراسة تاريخ النصّ القرآني، وعملية جمعه وتدوينه وإرساء نسخة قياسية منه، وفي هذا تأتي دراسات صادقي وجودارزي ومايكل كوك وغيرهم، هذه الدراسات التي تحاول رسم صورة عن عملية النقل النصّي للقرآن واقتراح تصوّرات حول مسار المصاحف المبكّرة والعلاقة بينها.

كذلك من مسارات الاهتمام بالمخطوطات القرآنية، محاولة بناء نسخة نقدية للنصّ القرآني، في استمرار لهذا الهدف الاستشراقي الذي بدأ منذ مصحف فلوجل مرورًا ببرجستراسر وشبيتلر، وهو ما تحاوله الآن مشروعات مثل (كوربس كورانيكوم).

ومن مجالات النظر في المخطوطات دراسة القراءات والرسم وعدّ الآيات. ومِن أبرزِ روّاد هذا الاتجاه الباحثُ المسلم ياسين دتون، وهو أكاديمي مسلم، نشر مجموعة من الدراسات التحليلية لبعض المصاحف المخطوطة التي ترقى للقرن الأول الهجري. ويركز دتون في أبحاثه على تحليل الرّسم والقراءات وعدّ الآيات في المصاحف ثم يقارن المعلومات التي جمعها من المخطوط القرآني بالكتب التراثية المصنّفة في هذه العلوم؛ فهو يجمع بين المنهج النقدي الغربي والمنهج التراثي الإسلامي. والنتائج التي توصّل إليها تعزّز كثيرًا من مصداقية الكتب التراثية. ومن أهم دراساته في هذا المجال: بحث بعنوان: (النقط الحمراء والخضراء والصفراء والزرقاء: تأمّلات في تشكيل مخطوطات المصحف في عصر مبكّر)[10]، صدر في العدد الأول من المجلد الأول لمجلة الدراسات القرآنية سنة 1999، ص115- 140؛ وكذلك في العدد الأول من المجلد الثاني لسنة 2000 في الصفحات من الأولى إلى الرابعة والعشرين؛ هذا إلى جانب دراسة أخرى بعنوان: (مصحف مبكّر بقراءة ابن عامر)[11]، في العدد الأول من المجلد الثالث لسنة 2001 في الصفحات من 71 إلى 89. وله دراسة أخرى بعنوان: (قطعة من المصحف الأموي وتأريخه)[12]، نُشِرَت في العدد الثاني من المجلد التاسع سنة 2007 في الصفحات من 57 إلى 87.

وهناك نوع من الدراسات عُني بتاريخ الفنّ يهتم فيه مؤرخو الفنّ بتحليل الزخارف والعناصر الفنية الموجودة في المصاحف؛ كفواصل الآي والخموس والعشور وفواتح السور وخواتيمها والإطارات المزخرفة، ويسعَون لتأريخها اعتمادًا على دراسات التقاليد الفنية السابقة على الإسلام والنماذج المعمارية المؤرّخة والتي نشاهد آثارها في الجامع الكبير بصنعاء، والجامع الأُموي بدمشق، وجامع عقبة بن نافع في القيروان. ومن هذه الدراسات التي عُنيت بالنواحي الجمالية والعناصر الفنية مصاحف الأمويين لديروش، ودراسة مانيجا بياني (Manijeh Bayani)، وآنا كونتاديني (Anna Contadini)، وتيم ستانلي (Tim Stanley)، بعنوان الكلمة المزخرفة: المصاحف من القرن السابع عشر إلى التاسع عشر[13] (عن مؤسسة نور وآخرين في جزأين؛ الأول سنة 1999 والثاني سنة 2009. هذا فضلًا عن بحثَ ديفيد روكسبورغ (David J. Roxburgh) تطور تقاليد الخط والكتابة في عمل له بعنوان: (كتابة كلمة الله: فن الخط والقرآن)[14]، (صدر في نيو هيفن عن دار نشر جامعة ييل، سنة 2009). في حين سُلّط الضوء على النواحي التاريخية الجمالية في التصوير القرآني في عمل من تحرير فهميدة سليمان (Fahmida Suleman) بعنوان: (كلمة الله وفن الإنسان: القرآن وتعبيراته الإبداعية)[15]، (دار نشر جامعة أكسفورد، 2012).

وقد أسفرَت هذه العناية البالغة بالمخطوطات القرآنية عن ظهور مشاريع رقمنة المصاحف: ومن أهمها مشروع (كوربس كورانيكوم) Corpus Coranicum برعاية أكاديمية براندنبرج للعلوم، ويهدف إلى توثيق النصّ القرآني من خلال المخطوطات، وتقديم تفسير للقرآن بناء على هذا التوثيق. ويتيح للدارِس صورًا ضوئية كاملة لمصاحف القرون الهجرية الأولى من مختلف مكتبات العالم. ويوجد أيضًا موقع (Gallica) التابع للمكتبة الوطنية الفرنسية، والذي يتيح لزوّاره تصفُّح مئات القِطَع المصحفية في شكل رقمي. وهناك مبادرتان حديثتان تهدفان إلى إعادة جمع المصاحف المفرقة بطريقة رقمية: الأُولى هي المصحف الرقمي لمكتبة بودلي ويرجع الفضل فيها لكيث صمول (Keith Small)، وألاسدير واتسون (Alasdair Watson)[16]. أمّا المبادرة الثانية فهي مشروع Paleocoran بدعم من كوليدج دو فرانس وأكاديمية برلين- براندنبرج للعلوم (والباحثان الرئيسان في هذا المشروع هما فرنسوا ديروش وميشيل ماركس)[17].

المحور الثاني: إطلالة على محتوى الكتاب:

قبل استعراض أبرز ما جاء في كتاب مصاحف الأمويين، ربما كان من المناسب إلقاء الضوء على مؤلِّفه، وهو الباحث الفرنسي المعروف فرنسوا ديروش، الذي وُلِد سنة 1952 وتدرّج في مراحل التعليم المختلفة حتى حصل على درجة البكالوريوس في علم المصريات، ثم درجة الدكتوراه عن أطروحة تناوَل فيها نقوش منطقة العلا شمال السعودية. تولَّى ديروش التدريس في المعهد الفرنسي للدراسات الأناضولية بإسطنبول بين سنتي 1983م و1986م، انتقل بعدها إلى سويسرا من أجلِ منحة عملٍ ضمن فريق علمي في مؤسسة ماكس فان برشم Max van Berchem Foundation بجنيف من 1986م إلى غاية 1988م، ولدَى عودته إلى فرنسا، زاول عمله بصفته مديرًا للدراسات بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا، في قسم العصور القديمة والمخطوطات العربية بدءًا من سنة 1990م. ويشغل حاليًا منصب أستاذ كرسي دراسات تاريخ النصّ القرآني وانتقاله في كوليدج دي فرانس، أو الكلية الفرنسية في باريس.

تخصّص ديروش في علم تطوّر الخط والكتابات القديمة (الباليوغرافيا) وله إسهامات بارزة في مجال دراسة المخطوطات، ومن أبرز إنجازاته وضع فهرس وصفي لمخطوطات المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس. وله كثير من المؤلفات من بينها:

  • التقليد العباسي: المصاحف في القرن الثامن حتى العاشر (صدر عن مؤسسة نور سنة 1992)[18].
  • المدخل إلى علم الكتاب المخطوط بالحرف العربي، ترجمة الدكتور/ أيمن فؤاد (مؤسسة الفرقان الإسلامية، 2006)[19].
  • انتقال النصّ القرآني في عصر صدر الإسلام: مصحف باريسينو بيتروبوليتانس (دار بريل، 2009).
  • مصاحف الأمويين (بريل، 2014)[20].
  • كما اشترك مع كريستيان روبين وميشيل زينك في تحرير عمل حول أصول القرآن، صدر عن الأكاديمية الفرنسية للنقوش والآداب، سنة 2015[21].

وأحدثُ مؤلّفاته كتابٌ جمعَ فيه خلاصة فكره عن تاريخ القرآن، جاء بعنوان: The One and the Many: The Early History of the Qur'an، ولم تصدر له ترجمة عربية بعد.

وقد أشرف على العديد من الأطروحات العلمية؛ منها أطروحة الباحثة إلينور سيلار عن تدوين القرآن: دراسة في مصاحف مخطوطة من القرن الثاني الهجري.

 القيمة العلمية للكتاب:

يحظَى كتاب مصاحف الأمويين بأهمية خاصّة؛ إِذْ سعى إلى تحليل التغيرات الخطية التي طرأت على الكتابة القرآنية خلال الفترة الأموية من سنة 41 هجرية حتى 132هـ، وعرضها على أساس مجموعة مختارة من مصاحف الأمويين وتسلسل زمني للتطورات المختلفة التي ميّزت هذه الفترة، في مقاربة تجمع بين فقه اللغة وتطور الخطوط ودراسة تاريخ الفنّ. وتظهر أهمية الكتاب فيما توصّل إليه من استنتاجات حول تدوين القرآن وإلقاء ضوء جديد على دور الأمويين في انتشار المصاحف.

ويشدّد الكتاب على قصور التأريخ بالكربون المشع وضرورة عدم الاعتماد عليه منفردًا، بل الأسلم تبنّي طريقة تجمع بين عدة مناهج، هي: الباليوغرافيا، والفيلولوجيا، وتاريخ الفن، والتحليل الكربوني. وتتمثّل أهميته فيما تضمَّنه من تحليل لظواهر الرسم والإملاء، وأشكال الزخرفة والتذهيب، وغيرها من الجوانب الأخرى، التي جاءت ردًّا من غير المسلمين على عدد من الشبهات، وإبطالًا لبعض الافتراءات، ودحضًا لما جاء به بعض أعلام الاستشراق من أمثال تيودور نولدكه (Theodor Nöldeke)؛ إِذْ ردَّ ديروش كلامَهُ في أن تقسيم الآيات القرآنية ليس سمةً مطردةً في النقل المبكِّر للنصّ القرآني، واعتمد في إبطال هذا الكلام على واحدٍ من الشواهد الأُولى المخطوطة، هو المصحف الباريسي المكتوب بالخط الحجازي في مطلع الحكم الأموي.

كما أغلق الباب أمام أنصار الاتجاه التنقيحي وفي مقدّمتهم جون وانسبرو وردّ كلامهم حول النشأة المتأخرة للقرآن بعد وفاة النبي بنحو قرنين من الزمان. وجدير بالذِّكْر أن هذا الكتاب قد حصل على جائزة الدراسات الإسلامية الإيرانية العالمية الثالثة والعشرين عن كتاب العام 2016.

أبرز ما جاء في الكتاب:

هذا الكتاب دراسة وصفية تحليلية حرص فيها المؤلِّف على تناول بعض المصاحف من الناحية الباليوغرافية (علم تطوُّر الخطوط القديمة)، والكوديكولوجية (علم دراسة المخطوطات)، والجوانب الفنية، وقد اشتملَت الدراسة على مقدّمة وخاتمة بينهما أربعة فصولٍ كانت في الأصل أربع محاضراتٍ ألقاها في عدد من المناسبات.

وصدَّر هذه الدراسة بمقدمة استعرض فيها -في عجالة- تاريخ الاهتمام بالتراث القرآني المخطوط، ودور علم الباليوغرافيا والكوديكولوجيا في تقدير عُمر المخطوطات القرآنية المبكِّرة، عبر تسليط الضوء أولًا على تاريخ الخط العربي من خلال وصفٍ مقتضبٍ أورده ابن النديم في الفهرست، قال فيه: «فأوّل الخطوط العربية: الخط المكي، وبعده المدني، ثم البصري، ثم الكوفي؛ فأمّا المكي والمدني ففي ألِفَاته تعويج إلى يمنة اليد وأعلى الأصابع، وفي شكله انضجاع يسير»[22].

وأكّد الكاتب على أن المنهجية المعتمدة في نسبة بعض المصاحف المخطوطة إلى الحقبة الأموية تجمع فنونًا عدَّة، فتوظِّف -إلى جانب علم تطور الخطوط، ودراسة المخطوط- علم الفيلولوجيا، وتاريخ الفنّ، والتحليل الكربوني المشعّ. ومرادُ المؤلِّف بتاريخ الفنّ دراسةُ الجوانب الفنية والزخرفية في المصاحف القديمة. ويسلِّط في مقدمته الضوء على الدور المتعاظم للتحليل الكربوني المشعّ، مع التنبيه على ضرورة توخّي الحذر في التعامل مع بعض نتائجه، والحاجة إلى مطابقتها مع أدلَّة أخرى، وأن القول الفصل ينبغي أن يكون للمتخصِّصين في الفيلولوجيا أو المؤرّخين أو المعنيين بدراسة تطوّر الخطوط. ثم ينتقل إلى الفصل الأول الذي جاء بعنوان: استنساخ القرآن في بواكير الحقبة الأموية، وتناول فيه بالدراسة «مخطوط باريسينو بيتروبوليتانس» (Codex Parisino-petropolitanus) الذي عُثر عليه في جامع عمرو بن العاص في الفسطاط. وتتوزَّع ورقات هذا المخطوط على أربع مجموعات، أكبرها حجمًا المحفوظة في المكتبة الوطنية الفرنسية في باريس. وثمة مجموعة أخرى في المكتبة الوطنية الروسية، وثالثة في الفاتيكان، ورابعة في لندن ضمن «مجموعة ناصر داوود خليلي للفن الإسلامي، ويشتمل هذا المصحف على نسبة 45% من القرآن. وأوّل ما يبرزُه ديروش من سماتٍ في هذا المصحف الباريسي أنه ثمرةُ عملٍ جماعيٍّ تتابَعَ على نَسْخِه خمسة من الخطاطين، تفاوتت إسهامات كلٍّ منهم في رحلة النساخة. وشدَّد ديروش على أهمية الرسم القرآني في دراسة الانتقال الخطي للنصّ القرآني في العصر الأموي. ولاستجلاء خواصّ الرسم في هذا المصحف المخطوط، اتبع منهجًا مقارنًا أساسه خمس مفرداتٍ اعتمد عليها في المقارنة بين عدد من المخطوطات التي ضمَّنها فصول كتابه.

والكلمات التي اختارها أساسًا للمقارنة هي: (عباد) و(عذاب) و(قال) و(آيات) و(شيء). واتضح من تحليله لهذه الكلمات في المخطوط الباريسي أن النُّسّاخ لا يسيرون على وتيرة واحدة في طريقة الرسم والإملاء، وأن الاختيار الشخصي كان السمة المهيمنة على طبيعة الرسم في هذه المرحلة. تجلَّى ذلك في هيمنة طريقة أسماها الإملاء الناقص، قصد بها إسقاط الألِف المتوسطة في هذه الكلمات، في مقابل طريقة أخرى برزت في بعض الحالات، هي أسلوب الإملاء الكامل حين عمد النُّسّاخ إلى تحسين الرسم، فأثبتوا الألِف التي حذفها أسلافهم. وخلَص من ذلك إلى أن النُّسّاخ ينقلون من أصل مكتوب وَفْقَ إملاء ناقص، ظلَّ هو المهيمن على كتابة المصاحف في الحقبة المبكِّرة.

ونبّه ديروش على أن المصحف مشتمل على فواصل الآيات مما يردّ كلام نولدكه في أن تقسيم الآيات ليس سمة مطردة في النقل المبكِّر للنصّ القرآني. وخلص إلى أن هذا المصحف قريب من قراءة حمص وإن لم يطابقها تمامًا. وقد أقرَّ بصعوبة تحديد تاريخ دقيق للمصحف الباريسي، لكنه قطعًا سابق على إصلاحات الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، مما يعزّز نسبته إلى الربع الثالث من القرن الأول الهجري، ليكون أحد الشواهد الأولى على كتابة المصحف في زمن الأُمويين.

وسعى فرنسوا ديروش في الفصل الثاني إلى تقييمٍ أعمَّ لانتقال النصّ القرآني في مصاحف أخرى مكتوبة بالخط الحجازي، فيدرس عيّنةً أخرى من المخطوطات: مصحف دمشقي كان محفوظًا في الجامع الأموي، ومصحف الفسطاط الموجود في المكتبة البريطانية برقم (Or. 2165) عُثر عليه هو الآخر في جامع عمرو بن العاص، شأنه في ذلك شأن المصحف الباريسي. أمّا المصحف الثالث الذي يسلِّط الضوء عليه بشكلٍ تفصيلي فهو مخطوط المكتبة الوطنية الروسية (مارسيل 19). ولا يقتصر على هذه المصاحف، بل يتناول عددًا من المصاحف الأصغر حجمًا متّبعًا الطريقة نفسها التي سار عليها في دراسة المصحف الباريسي، ومتخِذًا من الكلمات الخمس أساسًا للمقارنة يستجلي بها خواص الرسم في هذه المصاحف، إلى جانب ما اشتملت عليه من فواصل بين الآيات. ويعرّج على (طُرْس صنعاء) الشهير الذي -بحسب رأيه- لم يحظَ حتى الآن بوصفٍ دقيقٍ من الناحية الكوديكولوجية، ويقرِّر أنّ الطرس مكتوب في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، ومُحي في منتصف القرن الثاني على أقرب تقدير.

يُبرِزُ ديروش مواطن الشَّبه بين هذه المصاحف في طريقة إخراج الصفحة، ويسلِّط الضوء على ظاهرة خلوها من الحواشي أو الهوامش دون سبب ظاهر، رغم أن هذه الهوامش سمةٌ عامةٌ في إخراج الكتاب. كما يعود ليؤكِّد من جديد على ظاهرة اشتراك أكثر من ناسخ في كتابة المصحف. ولأن طريقة الإملاء هي إحدى الخصائص التي تُسهِم في تحديد ترتيبٍ زمنيٍّ للمصاحف، بل تُسهِم في فهم تاريخ النصّ نفسه على حدِّ قوله، يهتمّ ديروش بإبراز مواطن اختلاف الرسم في هذه المصاحف، ويثبت أنها قريبةٌ -على حدِّ قوله- مما نقله التراث في شأن اختلاف مصاحف الأمصار، لكنه مع ذلك يؤكّد على أن منشأ القراءات هو غياب علامات الإعجام والحركات، وأنّ هذه المصاحف المخطوطة تلقِي بظلالها على الأسباب التي تنقلها الرواية الإسلامية حول أسباب الجمع العثماني من مخافة الاختلاف في المصحف كما اختلفت اليهود والنصارى، فإنّ عدم الاهتمام النسبي بعلامات الإعجام في هذه المصاحف التي تناولها بالدراسة دليلٌ ينفي المخاوف التي أوردتها الرواية التراثية. فرغم أن النُّسّاخ كانوا على دراية بعلامات الإعجام وشرعوا في استخدامها قبل زمن الحجاج، فإنهم لم يسيروا على وتيرة منتظمة حيالها، ولم يستخدموها بصورة متّسقة في مواضع تحتاج إليها لإزالة اللبس.

يتناول ديروش في الفصل الثالث الذي جاء بعنوان: تغير شكل المصحف مصحفَيْن على جانب كبير من الأهمية، هما: المصحف الدمشقي ومصحف الفسطاط الأموي. وأبرز سمة في هذين المصحفَيْن هي الأسلوب الزخرفي المتَّبع فيهما، مما يميزهما عن المصحف الباريسي ومخطوط المكتبة البريطانية والفئة الأولى من المصاحف المكتوبة بالخط الحجازي بقَطْع الرُّبع. ولذا نجده يطيل الحديث فيها ويفيض في وصفها، وفي إبراز مواطن الشَّبه بينها وبين نقوش قبة الصخرة وقصر الحَيْر الغربي، مما يجعله يقطع بنسبة المصحفَيْن للحقبة الأموية.

ولا يفوته أن يشير إلى احتمالية الاستعانة بمزخرفِين محترفِين من اليهود والمسيحيين. كما يُبرِز اشتمال المصاحف على علامات الإعراب بمداد أحمر ربما أُضيفت في فترة لاحقة، ويسلِّط الضوء على ظهور الهوامش بصورة واضحة، وانتظام فواصل الآيات واشتراك المصحفَيْن مع غيرهما من المصاحف المبكِّرة في بعض الخصائص، ومنها عدم إدراج اسم السورة في الحالة الأصلية للمصحف.

وثمة عوامل قادته إلى الجزم بتغير شكل المصحف، من أهمها ظهور الهوامش الجانبية وتحسين الرسم نحو طريقة الإملاء الكامل، والعناية بالنواحي الجمالية والعناصر الزخرفية التي تنوّعت ما بين نباتية وهندسية، فلم تَعُد البساطة هي السِّمة المهيمنة على إخراج المصحف. وقد لاحظ أيضًا حرص النُّسّاخ على ترك فراغ بمقدار سطرين تقريبًا بين السور وإضافة علامات سدّ الفراغ أو إكمال الأسطر حين تنتهي السورة في منتصف السطر، هذا إلى جانب ظهور علامات الإعراب، وبدء ظهور مفهوم الخط القرآني، أي الخط المختص بكتابة المصاحف. وقد اتخذ ديروش من وجود خصائص مشتركة في خط الناسخِين وفي عملية النساخة دليلًا على وجود وِرَش تعليمية أو دُور نساخة أخرجت لنا هذه المصاحف، وهو مدار الحديث في الفصل الرابع والأخير.

يتناول ديروش في الفصل الرابع من كتابه اثنين من المصاحف الفاخرة المكتوبة بقطع كامل: أحدهما محفوظ في مكتبة تشستر بيتي في دبلن، والآخر في دار المخطوطات في العاصمة اليمنية صنعاء برقم (20–33.1). ويسير في تحليل المصحفَيْن على ما سار عليه من قبل في دراسة رسم عدد من الكلمات ومدى وجود علامات الإعراب، وانتظام فواصل الآيات، ويركِّز مجددًا على الجوانب الفنية والأشكال الزخرفية. ويؤكِّد على تطور الرسم نحو طريقة الإملاء الكامل، ويجزم بأنّ المصحفَيْن متعاصران استنادًا إلى أوجه الشَّبه والتناظر بينهما، وأنهما مكتوبان في العقود الأولى من القرن الثامن الميلادي إبَّان الحكم الأموي في سياق رسمي.

ثم يتحوَّل إلى نماذج أخرى مخطوطة قريبة من المصحفَيْن متّبعًا المنهج نفسه في دراستها، ليخلص من هذا كلِّه إلى فرضية عن وجود دار نساخة تُخرج هذه المخطوطات، لكنه يعود فيقرِّر أنها فرضية بعيدة، ويقطع بوجود إشرافٍ رسميٍّ وتوجيهٍ من وُلاة الأمر في كتابة المصاحف؛ إِذْ إنّ أوجه الشبه بين هذه المصاحف تشير إلى نوع من الرقابة على مظهرها، أضِف إلى ذلك النفقات الهائلة في إخراجها، مما يدلّ على وجود رعاية رسمية. ويرى أن السِّر في عدم وجود التذهيب في بعض المصاحف الفاخرة هو كراهة استخدام الذهب في المصاحف، ولا علاقة لهذا بالتكلفة المادية. ويقرّر ديروش بوضوح أنّ رسم حدّ فاصل بين نهاية الحقبة الأموية ومطلع الخلافة العباسية فيما يتعلّق بالمصاحف المخطوطة هو أمر بالغ الصعوبة.

يختم ديروش كتابَهُ بموجزٍ لأهم ما جاء فيه من خصائص أدت به إلى نسبة هذه المصاحف إلى الحقبة الأموية في ظلّ تطوُّر في طريقة الإملاء إلى صورة أشبهت المصاحف الحديثة. ويقسِّم الحكم الأموي إلى مرحلتَيْن: أُولى لم تشهد قيودًا مفروضة من السلطة على طريقة تداول النصّ القرآني خلال العقود المبكِّرة، وأخرى لاحقة لإصلاحات عبد الملك بن مروان وما وقع من تعريبٍ للدواوين ومشروع الحجاج في ضبط المصاحف. وقد اتسمت هذه المرحلة الأخيرة باختفاء تدريجي للطابع الشخصي في النّساخة، ليحلّ أسلوب خطي رسمي يلتزم به النُّسّاخ على اختلاف مشاربهم يكون إيذانًا بهيمنة سمات عامَّة مشتركة تُعبِّر بطريقة رمزية عن وحدة الأُمَّة ووحدة كتابها المقدَّس.

لا شك أنّ كتاب ديروش مقدّمة أوّلية عن تاريخ المصاحف في الحقبة الأموية، والكتاب على أهميته وتأكيده في عدد من المواضع على صحة ما نقله التراث الإسلامي في الجمع المبكّر للنصّ القرآني، إلا أنه لم يوافق الرواية التراثية على طول الخط، وفيما يأتي أبرز المآخذ على الكتاب.

المحور الثالث: ملاحظات نقدية:

اشتمل هذا الكتاب على عددٍ من المسائل التي تخالف ما استقر عليه الرأي عند المسلمين، ومن ذلك أنه ينكر وجود المقابلة في جمع القرآن في زمن عثمان بن عفان حين تولَّى زيد بن ثابت مقارنة النصّ الذي جمعه بما كُتب في صحيفة حفصة بنت عمر (فعرض المصحف عليه)[23]. ويرى فيها مفارقة تاريخية، وأنّ المقابلة أُقْحِمت في أخبار جمع القرآن للتأكيد على موافقة النصّ للأصل الذي أُخذ منه والبرهنة على استقراره. وشدَّد على أن توظيف المقابلة لم يظهر إلَّا بعد أن أحرزت دقَّة الرسم تقدّمًا ملحوظًا، وبدأ التطور في أساليب النقل النصِّي. وفي هذا الصدد يقول:

«وإذا أمعنّا النظر في طريقة نَسخ المصحف الباريسي المخطوط نرى هذه النسخة وكذلك غيرها مما ينتمي إلى هذه المرحلة التاريخية من النقل لا تفي بالغرض الذي سعى إليه مصحف عثمان. فقد اشتمل هذا المخطوط على قليل من علامات الإعجام، وخلا من الحركات وعلامات الإعراب أو الشكل وعلامات الضبط الإملائية، وبذلك ما كان بمقدوره أن يحقّق الحل الذي سعى إليه الخليفة عثمان كما نقل التراث الإسلامي»[24].

ويقرر في موضع آخر أنّ: المقارنة بين الشواهد المختلفة المكتوبة بالخط الحجازي تُبيِّن لنا أنّ النصّ لم يكن قد استقر واكتمل بعدُ، وأن النقل العثماني كان جاريًا في مسارات متوازية. ومع بداية الحقبة الأموية، فإنّ عدم الاهتمام النسبي بعلامات الإعجام كما يظهر من المصاحف المخطوطة يمكن أن يكون برهانًا ينفي المخاوف التي ذكرتها الرواية التقليدية حول الأسباب التي وقفت وراء قرار عثمان[25].

كما رأى ديروش أنّ طريقة الإملاء الناقص التي اتَّسم بها الخط، وندرة الإعجام، وعدم استعمال حركات الإعراب وعلامات الشكل، واتّباع أسلوب الإملاء القديم، كانت السبب قطعًا في ظهور بعض القراءات القرآنية. وتحدّث في أكثر من موضع عن سيولة النصّ وعدم استقراره، ولعلّه يقصد بهذا الرسم وما لحقه من تطوّرات في مراحل ضبطه المختلفة. ولكن ديروش يُغفل حقيقة مهمّة؛ بل يناقضها حين يقول: «إنّ النصّ المكتوب هو الركيزة الأساسية في حفظ الوحي، وإنّ علم القراءات الذي ظهر في وقت متأخر ليسلّم بنبرة خافتة بأهمية النسخة المكتوبة من القرآن، فثمة شروط ثلاثة للقراءة الصحيحة، من بينها موافقة الرسم العثماني»[26]، فمعلوم أن الأصل في نقل القرآن هو الحفظ في صدور الرجال، وأن هذا القرآن امتاز بعناية مزدوجة جمعت له الحفظ في الصدور والتحرير في السطور. كما أن نشأة القراءات ليست متأخرة كما ادّعى، بل كانت في العهد المدني على ما قرّره العلماء، وهو الموافق لأحاديث الأحرف السبعة، فلم تكن بمكة حاجة إلى رخصة القراءة بغير حرف قريش بخلاف الحال بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وانتشار الإسلام بين القبائل في الجزيرة العربية. أمّا شرط موافقة القراءة للرسم فلم يكن هذا القيد موجودًا قبل الجمع العثماني وإنما كان شرطًا واحدًا هو صحة الخبر عن النبي بقراءة ذلك الحرف؛ بل إنّ ما وافق الرسم ولم يصح ثبوته أو لغته موضوع لا اعتبار له[27]. ومما يردّ كلام ديروش في أن النسخة المكتوبة هي الركيزة الأساسية في حفظ الوحي ما قرّره مكي القيسي أن عثمان حين وجّه المصاحف إلى الأمصار، قرأ أهل كلّ مصرٍ مصحفهم الذي وجّه إليهم على ما كانوا يقرؤون قبل وصول المصحف إليهم مما يوافق خط المصحف، وتركوا من قراءتهم التي كانوا عليها مما يخالف خط المصحف[28]. ولا ننسى أن المصحف الإمام نُسخ بغير النقط أو الشَّكْل لعدم الحاجة الماسّة إلى ذلك، كون العرب يومها أهل سليقة، كان اعتمادهم على أخذِ القرآن الكريم من صدور الرجال أكثر منه من بطون الكتب[29].

وقد أتى ديروش بمزاعم لم يقدّم عليها دليلًا؛ من ذلك أن مصحف القاهرة طبعة غير علمية وغير متّسقة في بعض النقاط[30]وذهب في دراسته للمصحف الباريسي إلى أن الآيات القصيرة أثر لعملية تحرير للنصّ عند وضع الآيات مع بعضها في مقاطع نصّية أكبر، فعندما لا تتناغم الآية في الإيقاع مع ما حولها يتم إكمالها بجملة قصيرة لتحلّ إشكالية التناغم[31]، وهذا الرأي قديم ذهب إليه فريدريش شفالي في نسخته المنقّحة من تاريخ القرآن. وقد بيَّن ياسين دتون خطأ ما ذهب إليه ديروش في هذا الصدد، فقال:

«من الواضح أن بعض (التحرير) قد وقع، إذا اعتبرنا التعديلات التي جرت على علامات تقسيم الآيات تحريرًا، ولكن لا بدَّ أيضًا من إدراك أنّ تقسيم الآيات لا يُرجَّح أبدًا أن يكون ظاهرة تتَّسم بالصرامة. وحتى في المصاحف الحديثة يجد المرء العديد من الحالات التي تتضمَّن فواصل أخرى محتملة، وتتميَّز على سبيل المثال بحرف (ح) للإشارة إلى (حسن) في بعض الروايات (مثل رواية قالون عن نافع)، أو (ج) للدلالة على (جائز) في روايات أخرى (مثل رواية حفص عن عاصم). ونجد أيضًا إرثًا متكاملًا من الكتب التي تخصَّصت في مسألة (الوقف) في أثناء التلاوة، وحالات وجوبه أو استحبابه أو جوازه أو منعه. وبالنظر إلى أحد الأمثلة على ذلك، وهو (كتاب الوقف والابتداء) لابن الأنباري (ت: 328هـ= 939م)، يتضح أن جميع الحالات التي ذكرها ديروش في هذا السياق (انظر: ص74- 75) هي في الواقع حالات على هذا الغموض، حيث موضع الوقف المُحتمَل يمكن ببساطة أن يُعَدَّ (وقفًا حسنًا) أو (وقفًا تامًّا) (أي نهاية الآية). وباختصار، فإنّ هناك حاجة إلى طرح المزيد حول مسألة تقسيم الآيات وعلاماتها، وهي مسألة ككثير من الجوانب الأخرى لدراسة المخطوطات القرآنية المبكرة (تستلزم دراسةً وافيةً)، وتستدعي (دُربةً وصبرًا)»[32].

وأوردَ في الفصل الثاني مقولة عجيبة، جاء فيها: «وقد شاع في التراث الإسلامي استخدام الترادف في عصر صدر الإسلام عند مَن قرأ القرآن بالمعنى»[33]. ولسنا نعلم مِن أين أتى بجواز قراءة القرآن بالمعنى؟!ولعله أراد بذلك ما ورد في شأن القراءات، وما قرّره بعض العلماء من أنها لغات للعرب متفرّقة في القرآن مختلفة الألفاظ متفقة المعاني[34].

وإذا تطرقنا إلى بعض التقريرات الخاطئة التي ساقها في حديثه عن القراءات، نجده يجزم بأنّ «مجيء الألِف في آخر (ذو) أسفر عن قراءة تجاهَلها علماء القراءات فيما بعد: ففي الآية الخامسة والتسعين من سورة المائدة، نجد أنه قد وقع خطأ في قراءة الرسم المبكِّر الذي كتب الكلمة بالذال والواو والألف [ذوا]، وشاع في المصاحف القديمة؛ فقُرِئت الكلمة ﴿ذَوَا﴾ بفتح الواو [والذال]»[35]. وكلامُه لا ريبَ غيرُ صحيح، فلم يتجاهلها علماء القراءات، وذكَر الخطيب في معجمه الاختلاف في قراءتها، وقرأها محمد الباقر وجعفر الصادق «ذو عدل» بالتوحيد، أي: يَحكُم به مَن يَعْدِل منكم، والمراد به الجنس[36].

وكان مما جزم به في طريقة رسم بعض الكلمات أنّ (علا) بالألِف الممدودة هي الطريقة المحسنة في الرسم والإملاء بدلًا من الطريقة القديمة في رسم (على) بالألف المقصورة، وذكر أمثلة على ذلك في النماذج المخطوطة التي ألحقها بكتابه، لكنه أغفل في هذا السياق نماذج أخرى واضحة، بل ذكر ديروش نفسه في أحد حواشيه في معرض حديثه عن طرس صنعاء ما لاحظه بهنام صادقي وبيرجمان من وجود اختلاف بين طبقتي النصّ في هذا الشأن، وفي الورقات التي تناولتها رزان حمدون بالدراسة يتجلى اختلاف الناسخ؛ فهناك ناسخان، يكتب أحدهما على بالألِف المقصورة (يُنظر دراسة رزان حمدون، اللوحة رقم 27، السطر رقم 2، 20)، في حين اختار الناسخ الآخر أن يرسم الكلمة بالألف الممدودة (نفس المرجع، اللوحة 43، السطر 3، 11).

فمِن واقع المخطوطات التي درسها ديروش نفسه يتضح كتابة (على) بالطريقتين، فلِمَ جزم بأنّ الألِف المقصورة هي القديمة؟ ألَا يمكن أن يكون الأمر مجرد اختيار من الناسخ؟

كذلك مما زعمه فرنسوا ديروش أن المصاحف المبكّرة لم تميز بين صيغتي الفعل (قال وقل) إلا في نهاية القرن الهجري الأول، وكان المعمول به كتابة صيغتي الفعل بإسقاط الألِف (قل)، وهذا من منظوره السبب في اختلاف قراءة الكوفي عن الجمهور في آية سورة المؤمنون: ﴿قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [المؤمنون: 114]؛ إِذْ لم يكن ممكنًا في هذا الوقت التمييز بين رسم الكلمتَين، ويزعم أن اختلافات الأمصار في الرسم والقراءات إنما صُنّفت بعد أن استطاع القرّاء التمييز بين صيغتي الفعل في المنطوق والمكتوب. ويتخذ من هذا كله ذريعة لإنكار المقابلة التي وردَت في أخبار الجمع العثماني. وقد أشار هيثم صدقي إلى تهافت هذا الكلام في إشارة سريعة في إحدى الورقات العلمية التي كتبها حول المخطوطات، ذلك أنّ كلمة (قال) بإثبات الألِف موجودة في المصاحف المبكّرة. وكان مما قاله في هذا الصدد: «وهذا القول الذي ذهب إليه ديروش محلّ نزاع؛ ذلك أن كلمة (قال) بإثبات الألِف موجودة في المصاحف المبكِّرة، لكن لم ينهض أحد لدراسة هذه المواضع بصورة منهجية ليقرّر مدى كونها حاضرة في المصاحف الأمّهات. وتظلّ هذه القضية نقطة بحثية عالقة»[37].

وأوردَ ديروش في كتابه أن استخدام الأسهم في زخرفة بعض المصاحف فيه إشارة إلى ما نُقل من أخبار عن رشق الوليد بن يزيد للمصحف بالسهام. وبعيدًا عن صحة هذه الواقعة، التي نفاها بعض المؤرخين، لا يمكن الجزم بأنّ هذا هو السبب في استخدام الأسهم في زخارف المخطوطات، ولا شك أن النظر في زخرفة بعض المصاحف المبكِّرة في القرن الأول لِنَرى هل استُخدمت فيها الأسهم أم لا سيكون حاسمًا في ردّ هذا الكلام، فقد كانت خلافة الوليد في سنة 125هـ.

ويمكننا استنتاج أنّ القاسم المشترك في كثير من هذه الملاحظات النقدية إغفال ديروش للدور الشفاهي الأصيل في انتقال النصّ القرآني، فعملية الكتابة كانت مصاحبة لحفظ القرآن في الصدور منذ بداية الوحي حتى جَمْعه لاحقًا في مصحف واحد. وقد نصّ ابن الجزري في النشر على أنّ «الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب»[38]؛ ولذا رأينا عثمان -رضي الله عنه- حين وجّه المصاحف إلى الأمصار أرسَل بصحبةِ كلّ مصحف قارئًا متقِنًا على علمٍ بشروط الحفظ والتلقين حتى يطابق المحفوظ في الصدور ما كُتب في السطور. وأختم كلامي هنا بما ذكره إسماعيل العقيلي في مرسوم خط المصحف في التنبيه على وهمٍ وقع فيه جماعة من الناس؛ لعل فيه الردّ الشافي على ما ذكره ديروش في شأن القراءات:

«ومما ينبغي أن يُنبّه عليه وقد وهمَ ووقعَ فيه جماعة من الناس أنْ يعلم أنّ اختلاف القرآن لم يكن لاختلاف المرسوم، ولا اختلاف المرسوم أيضًا لم يكن في مصرٍ من الأمصار راجعًا إلى قراءة أهله؛ فإنّ قراءتهم متلقّاة من أئمتهم مشافهة، وعمدتها العنعنة حتى تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم... ومرسوم المصاحف لم يكن وُضع على قراءة أهل البلد الذي سُيِّر إليه كلّ مصحف حتى يكون تابعًا لهم، وإنما مرجعُ ما أُضيف إلى مصحف كلّ قُطْرٍ العنعنةُ أيضًا، فربما وافق قراءَتَهم مصحفُهم وهو الغالب، وربما اختلفا -ولا غرو- لِمَا بيَّنّاه، هذا أبو عمرو بن العلاء يقرأ: ﴿لَا يَأْلِتْكُمْ﴾ بالهمزة التي صُورتها ألِف، ولم يجِئ في شيء من المصاحف بها، ويقرأ أيضًا في المنافقين ﴿وَأَكُونَ﴾ بالواو، وقد أجمعَت المصاحف على حذفها، وابن عامر وحفص يقرآن في الزخرف: ﴿قَالَ أَوَلَو جِئْتُكُمْ﴾ بالألِف، ولا نعلم خلافًا فيه أنه بغير ألِف خطًّا»[39].

خاتمة:

عرّجنا في هذه المقالة على كتاب (مصاحف الأُمويين: نظرة تاريخية في المخطوطات القرآنية المبكرة) لفرنسوا ديروش، فبَينّا أوّلًا سرّ هذه العناية الملحوظة بالمخطوطات القرآنية، سواء على الصعيد الإسلامي أو الغربي، ثم استعرضنا محتويات كتاب ديروش، وبعدها قدّمنا بعض الملحوظات النقدية حول هذا الكتاب، ونبّهنا على بعض القضايا فيه التي تخالف ما استقر عليه الرأي عند المسلمين؛ كإنكار وجود المقابلة في جمع القرآن في زمن عثمان بن عفان حين تولَّى زيد بن ثابت مقارنة النصّ الذي جمعه بما كُتب في صحيفة حفصة بنت عمر، وغير ذلك، وبينّا أنّ القاسم المشترك في كثير مما أوردناه على ديروش نابِعٌ من إغفال ديروش للدَّور الشفاهي الأصيل في انتقال النصّ القرآني.

وأخيرًا، فإنّ الكتابات الغربية حول القرآن الكريم في تزايد واطّراد، ونحتاج دومًا لملاحقتها بالتقويم والأخذ والردّ، حتى يتبيَّن الصواب فيها من الغلط، والحمد لله ربِّ العالمين.

 

 

[1] مصاحف الأمويين: نظرة تاريخية في المخطوطات القرآنية المبكرة، فرنسوا ديروش، ترجمة: حسام صبري، مركز نهوض، 2023م.

[2] المحكم في نقط المصاحف، أبو عمرو الداني، تحقيق: عزة حسن، دمشق: دار الفكر، الطبعة الثانية، 1407هـ، ص8.

[3] منظومة عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد، الإمام القاسم بن فِيرُّه الشاطبي، تحقيق: أيمن سويد، جدة: دار نور المكتبات، 2001، ص16.

[4] الوسيلة إلى كشف العقيلة، السخاوي، ص316.

[5] مصاحف الأمويين، ص155.

[6] هجاء مصاحف الأمصار، للمهدوي، تحقيق: حاتم صالح الضامن، المملكة العربية السعودية: دار ابن الجوزي، 1430هـ، ص65.

[7] المحكم في نقط المصاحف، أبو عمرو الداني، ص17.

[8] (المخطوطات والتقاليد الأثرية: براهين مادية)، فرنسوا ديروش، ضمن كتاب، مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية، تحرير: محمد عبد الحليم، ومصطفى شاه، ترجمة: حسام صبري، مصطفى الفقي، (1/ 357).

[9] اصطلح بعضهم على ترجمة Philology بلفظ فقه اللغة المقارن، أو علم اللغة، ولا تخلو هذه الترجمة من إشكالات؛ نظرًا لعدم اتفاق كلمة الباحثين على تعريف جامع مانع لهذا المصطلح. جاء في (معجم المناهي اللفظية وفوائد في الألفاظ) أنّ الفيلولوجيا يُراد بها علم آداب اللغة وتاريخها. وجاء في (معجم اللغة العربية المعاصرة) أنه علم يبحث عن أصول الكلمات واشتقاقها، في حين تذكر (دائرة المعارف الإسلامية) أن الفيلولوجيا هي فقه اللغة التاريخي والمقارن. وفي كتاب بعنوان: (تاريخ وعقائد الكتاب المقدس بين إشكالية التقنين والتقديس) استعرض د. يوسف الكلام في إطلالة سريعة تاريخ علم الفيلولوجيا، ثم أعقب ذلك بالتأكيد على أن هذا العلم يطرح مشكلة على مستوى التعريف، فاختلاف تعاريفه ناتج من اختلاف مُعَرِّفيه واختصاصاتهم العلمية، إلا أنه يرى إمكانية الجمع بين التعريفات المختلفة ليخلص من ذلك إلى تعريف يناسب نقد النصوص المقدّسة يقرّر فيه أن الفيلولوجيا علم يهتم بثلاث نقاط رئيسة، هي: إعداد النصوص وطبعها، ونقد صحة النصوص، والبحث عن مصادر النصوص. وقد فصّل علي عبد الواحد وافي في كتابه: (علم اللغة) القولَ في التعريف بعلم اللغة والبحوث اللغوية، وخلاصة ما قاله أن من البحوث اللغوية ما يتعلق بنشأة اللغة الإنسانية وأشكال التعبير ويُطلق عليه علم نشأة اللغة، ومنها ما يتعلق بحياة اللغة وما يطرأ عليها، ومن فروعه علم اللهجات، ومنها ما يُعنى بدراسة الأصوات، ومنها ما يدرس اللغة من حيث الدلالة، ويدخل فيه البحث في المعاني ومصادرها، وقواعد اشتقاق الكلمات وتصريفها أو المورفولوجيا بأنواعها الثلاثة: التعليمية والتاريخية والمقارنة. ومن البحوث اللغوية كذلك بحوث اجتماعية تدرس العلاقة بين اللغة والمجتمع ومنها انبثق علم الاجتماع اللغوي، وبحوث نفسية تدرس العلاقة بين الظواهر اللغوية والنفسية، وانبثق منها علم النفس اللغوي. ومن البحوث اللغوية الفيلولوجيا وهو بحث غير محدّد النطاق ولا متميز الحدود؛ وذلك أن مدلول هذه الكلمة قد اختلف كثيرًا باختلاف العصور وباختلاف الأمم، ولا يزال العلماء يختلفون في فهمها وإطلاقها. فأحيانًا تطلق ويراد بها ما يشمل معظم البحوث السابقة، خاصة إذا وصفت بما يدلّ على عموم بحوثها بأنْ قيل فيلولوجيا مقارنة، وأحيانًا تطلق ويراد بها دراسة لغة أو لغات من حيث قواعدها وتاريخ أدبها ونقد نصوصها. وأحيانًا تطلق ويراد بها دراسة الحياة العقلية ومنتجاتها على العموم في أمّةٍ ما أو في طائفة من الأمم. وهي بمعنييها الأخيرين ترادف ما نسميه أدب اللغة وتاريخ أدبها.

[10] Red Dots, Green Dots, Yellow Dots and Blue: Some Reflections on the Vocalization of Early Qurʾānic Manuscripts.

[11] An Early Muṣḥaf according to the Reading of Ibn ʿĀmir.

[12] 11An Umayyad Fragment of the Qurʾān and its Dating.

[13] The Decorated Word: Qur’ans of the 17th to 19th Centuries.

[14] Writing the Word of God: Calligraphy and the Qur’an.

[15] Word of God, Art of Man: The Qur’an and its Creative Expressions.

[16] يمكن الاطلاع عليه من خلال الرابط الآتي:(http://digitalmushaf.bodleian.ox.ac.uk/)

[17] على الرابط الآتي: https://paleocoran.eu/.

[18] The Abbasid Tradition: Qur'ans of the 8th And 10th Centuries Ad.

[19] Islamic Codicology: An Introduction to the Study of Manuscripts in Arabic Script.

[20] The written transmission of the Koran in the beginnings of Islam. The Parisino-petropolitanus codex.

[21] François Deroche, Christian Julien ROBIN, and Michel ZINK (eds.), Les origines du Coran, le Coran des origines: Actes du colloque organisé par l’Académie des inscriptions et Belles-Lettres les 3 et 4 mars 2011.

[22] الفهرست، ابن النديم، تحقيق: رضا تجدد، طهران: د.ت، 1971م، ص9.

[23] جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: محمود شاكر وأحمد شاكر، القاهرة: دار المعارف، 2005م، (1/ 81).

[24] مصاحف الأمويين، ص84.

[25] مصاحف الأمويين، ص141.

[26] مصاحف الأمويين، ص143.

[27] (القراءات من زمن النشأة حتى عصر ابن مجاهد، وردّ شبهات فرنسوا ديروش حولها)، سامي محمد عبد الشكور، بحث ضمن: مؤتمر القرآن الكريم من التنزيل إلى التدوين، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 2018، (1/ 97، 122).

[28] الإبانة عن معاني القراءات، مكي القيسي، تحقيق: عبد الفتاح شلبي (القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر)، ص48- 49.

[29] (تاريخ المصحف الشريف من الشفاهية إلى الكتابية: دراسة نقدية كوديكولوجية للمدرسة الاستشراقية)، كريم إفراق، ضمن: مؤتمر القرآن الكريم من التنزيل إلى التدوين، (1/ 200) وما بعدها.

[30] مصاحف الأمويين، ص65.

[31] مصاحف الأمويين، ص75.

[32] قراءة في كتاب مصاحف الأمويين، ياسين دتون، منشور على موقع مركز نهوض للدراسات والبحوث، وقد نُشرت القراءة في العدد الأول من المجلد 18 من مجلة الدراسات القرآنية (Journal of Quranic Studies)، أبريل 2016م.

[33] مصاحف الأمويين، ص110.

[34] فتح الرحمن في تفسير القرآن، مجير الدين بن محمد العليمي، إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، 2009، ص10.

[35] مصاحف الأمويين، ص137.

[36] عبد اللطيف الخطيب، معجم القراءات، (2/ 341).

[37] اختلافات مصاحف الأمصار: دراسة تحليلية للاختلافات واستكشاف للنتائج المترتبة عليها، هيثم صدقي، ترجمة: حسام صبري، منشور على موقع مركز تفسير للدراسات القرآنية.

[38] النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، تحقيق: عليّ الضباع (المطبعة التجارية الكبرى، تصوير دار الكتاب العلمية)، (1/ 6).

[39] مرسوم خط المصحف، العقيلي، دراسة وتحقيق: محمد الجنايني (قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2009)، ص242.

المؤلف

د. حسام صبري

عضو هيئة التدريس بكلية اللغات والترجمة – قسم الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر، شارك في عدد من الأعمال العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))